النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي

ابن سيد الناس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ التِّرمِذِيّ «النَّفْحُ الشَّذيّ شَرْحُ جَامِعُ التِّرمِذيّ» [1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَمِيع حُقُوق الملكية الأدبية مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يسمح مُطلقًا بطبع أَو نشر أَو تَصْوِير أَو إِعَادَة تنضيد الْكتاب كَامِلا أَو مجزأ. ويحظر تخزينه أَو برمجته أَو نسخه أَو تسجيله فِي نطاق استعادة المعلومات فِي أَي نظام كَانَ ميكانيكي أَو الكتروني أَو غَيره يُمكن من استرجاع الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ. وَلَا يسمح بترجمة الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر. حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر دَار الصميعي الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م دَار الصميعي للنشر والتوزيع هَاتِف: 4262945 - 4251459، فاكس: 4245341 المركز الرئيس، الرياض - شَارِع السويدي الْعَام ص. ب: 4967، الرَّمْز البريدي: 11412 المملكة الْعَرَبيَّة السعودية فرع القصيم: عنيزة - أَمَام جَامع الشَّيْخ (بن عثيمين) يرحمه الله هَاتِف: 3624428، تلفاكس: 3621728

مقدمة الشارح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلَّى اللهُ على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلّم. حمدًا لله تعالى على ما علّم، وشكره على ما هدى إليه من سبيل الرشد وألهم، وأعَان عليه من حَمَلَ سنّةَ نبيّه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، التي هي عن هداه تبسم، وعن مشداه تنسم. والصلاه والسلام على نبيّه محمَّد، الداعي بعزمه الأقوى إلى صراطه الأقوم، على بصيرة تجلو ما ادْلهمّ، وتوضِّح ما أُبهم، وآله وصحبه الذين استضاؤوا من سناه بأنور معلم، واستماحوا ما أضفى عليهم ثوب الثواب العلم، والرضى عن تابعيهم بإحسان على المنهج المبهج، والمسلك الأسلم. ومَنْ خَلَفهم من سلفِ العلماء الذين تُعزى إليهم معرفةُ السننِ وتُسلَّم. فأولى ما صُرِفَتْ العنايةُ إليه ووجب الاعتماد عليه: ما وقَف الحائر به حسيرًا؛ ليرتد إليه طَرْف بصيرته بصيرًا، فَيَثْني من أَغصانه عنان عطفه، ويجني من أفنانه ثمار قَطْفِهِ -بعد كتاب اللهِ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- مِن رياض السنن النبوية التي أبدعت الحكمة الإلهية في إنشائها أَحسن الإبداع، وأودعت الأسرار النبوية في خزائنها ما شاءت من الإيداع، ذخائر تستخرجها العقول من مكامنها، وتستنبطُها العلومُ مِن معادنِها، وتغوص في طِلابِها لُجَّة عبابها؛ فتبوء من دَرِّ سحابها بِدرِّ سِخابِها متحلية بحمله، متخليّة لصونه إلّا عن أهله، وطالما جاب أربابُها القفار في اقتفاء الآثار, واقتناء سُنة النبي المختار، فتؤم فريقها لتلمّ تفريقها،

وتسَهِّل على المسالك طريقها، وتُبَيِّن مَهْجورَها من مسلوكِها، وتُعيِّن مقبولَ السنن -لمن رامها- مِن متروكِها، وما حمله العدلُ مما نقله الجريح؛ ليميز السليم الصحيح من السقيم. وأين الجامح على عنانه ممن هو بذات الطلح مليح، حماية لحمى المصطفى، ودراية ترفع ذلك الشقاء عمَّنْ هو على شفا، وعناية يلمح آمالهم نجح سعايتها، ويُوضح أنهم أوتوا السنن فرعوها حقّ رعايتها. وإذا كانت هذه الطريقة المُثلى للشريعة الفُضلى، فأولى ما ثَنى طالبها إليه عنانه، وأفنى في تطلبه زمانه، ما جمع له مِن فنونها، وشرفه بغني أسانيدها ومتونها، ونزه طرفه في أساليبها، وصرفه بين صحيحها وحسنها وغريبها، وعرفه مردودها من مقبولها، ومقطوعها من موصولها وأهدى إليه إرسال مرسلها، أو علة معلولها، وأبدى لديه ما تضمنته السنن من نسخ وإحكام، ومعان أحكام، إلى غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه، والتنبيه بحسب الإمكان عليه. ولمّا كان كتاب "الجامع" للإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ -رحمه الله، ورضي عنه- هو الذي أبدع جامعه وما أبعد، والذي حظي بتعداد هذه العلوم، فكان بها من غيره أَقعد؛ فذلل جوامحها، وسهَّل طوامحها، وأرسل لواقحها، وأسال بأعناق المطِيِّ أباطحها، واستلان صعبها، وأبان لمن ظنّ بُعْدَها قُرْبَها؛ كان حقًّا على طالب هذا الشأن أنْ يلحظ من حقوقه واجبها، ويحفظه حفظ الأكف رواجبها، فاتفق من مُدةٍ أنَّه قُرِئ رواية فلم يخلُ مجلس الرواية والسماع من فائدة تُستفاد، ونكتة ربما تُستجاد، مما نقلتُه مِن كتابٍ أعزوه إليه، أو سمعته مِن عالم أرويه عنه، مما حضرني ذكْرُ قائله، أو غاب عني -لبعد العهد به- اسم ناقله، أو مما جاء به الذهن الركود، وجادت به القريحة وقل أنْ تجود، أو مما أنتجته المذاكرة واستحضرته المحاضرة،

فكنت أرى مِن ذلك تقييد ما أَسْتحسِنُه، ولست أضمن أنْ يَمُرّ بي داء وَرِم يمر بي فأستسمنه، ثم عنّ لي أنْ أضمّ لتلك الفوائد ما يضارعها, ليشفع ماضيها مضارعها ويجمعها تعليق من طلبها به ألفاها، ومن نَشَدَها وَجَدَ عنده مُغَيّاها. فكثيرًا ما تمر الفائدة بمن يسمعها أو يطلبها فينأى عنها مغزاها، ومن قَيد العلم بالكتاب أمِنَ مِن هذا اللّبس والارتياب. ولنقدم بين يدي هذا المرام مقدمتين: * من التعريف بأبي عيسى الترمذي، وبمن بيننا وبينه في إسناد هذا الكتاب إليه، على سبيل الاختصار. * ثم من التعريف بكتابِهِ، وثناء الناسِ عليه، وتعظيمهم له؛ تقريظًا يجلو على ذي العلم فضلَه، ويحلّه من ذهنِ المقلد محلّه. نبدأ الشروع فيما نحونا إليه وقصدنا، والله المسئول أنْ يعصمنا فيما أوردنا مما أردنا، بمنه وكرمه. * * *

المقدمة الأولى: التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه

المقدمة الأولى * التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه: فنقول: أبو عيسى، محمَّد بن عيسى بن سَوَرَة بن موسى بن الضحّاك السلمي، الترمذي، الحافظ، كذا نسبه الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله البخاري -غُنْجار-، فيما حكاه عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر بسنده، وقال: "دَخَلَ بخارى وحدَّث بها، وهو صاحب الجامع والتاريخ". وذكره ابن عساكر أيضًا -فيما حكاه عن الإدريسي-، فقال: "الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع، والتاريخ, والعلل، تصنيف رجلٍ عالمٍ متقن، كان يُضْرَبُ به المثلُ في الحفظ"، وقال الإدريسي: "سمعتُ أحمدَ بنَ عبد الله بنِ داود المَرْوَزي يقول: سمعتُ أبا عيسى محمدَ بنَ عيسى الحافظ يقول: "كنْت في طريقِ مكة، وكت قد كتبتُ جزأين مِن أحاديث شيخ، فَمَرَّ بنا ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان، فذهبت إليه، وأنا أظنّ أنَّ الجزأين معي، وحملت معي في محمل جزأين كنت أظنّ أنَّهما الجزءان اللّذان له، فلمّا ظفرت به وسألته أجابني إلى ذلك، فأخذت الجزأين فإذا هما بياض، فتحيّرت! فجعل الشيح يقرأ عليّ من حفظِهِ، ثم ينظر إليَّ، فرأى البياض في يدي فقال: أمَّا تستحي منّي؟ قلت: لا، وقصصت عليه القصة، وقلتُ: أحفظه كله، فقال: اقرأ؛ فقرأتُ جميع ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال:

استظهرته قبل أن تجيئني، فقلتُ: حدثني بغيره، فقرأ عليّ أربعين حديثًا مِن غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ! فقرأت عليه مِن أولّه إلى آخره كما قرأ، فما أخطأتُ في حرف منه، فقال لي: ما رأيتُ مثلك". وذكره ابن السمعاني فقال: "سَوَرَة بن شداد"؛ بدل الضحّاك. وقال: "البُوغي -بضم الباء الموحدة وسكون الواو وغين معجمة- قرية من قُرى تِرْمِذ، على ستة فراسخ منها، الترمذي -بفتح التاء ثالثة الحروف، ويقال بضمّها، ويقال بكسرها. والمتداول بين أهل تلك المدينة بفتح التاء وكسر الميم، والذي كنا نعرفه قديمًا كسر التاء والميم جميعًا، والذي يقوله المتنوّقون وأهل المعرفة: بضمِّ التاء والميم وكل واحد يقول لها معنى يدّعيه، وهي مدينة قديمة على طرف نهر بلخ، الإِمام الحافظ الضرير، أحد الأئمّة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صَنف الجامع والعلل، تصنيف رجل متقنٍ، وكان يضرب به المثل، وتَلْمَذ لمحمدِ بن إسماعيل البخاري، وشاركه في شيوخه مثل قتيبةَ بنِ سعيد، وعلي بن حجر، وبنْدار وغيرهم. روى عنه أبو العباس المحبوبي، والهيثمُ بن كليبٍ الشاشي، وغيرهما ... توفي بقرية بوغ سنة نيّف وسبعين ومائتين". وذكر ابن حزم في كتاب "الفرائض من الإيصال": "أبو عيسى الترمذي السلمي مجهول". قال أبو الحسن بن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (¬1): "هذا كلام مَنْ لم يَبْحَث عنه، قد شَهِدَ له بالإمامة والشهرة: الدارقطني، وابن البَيِّع محمَّد الحاكم". وقال أبو يعلى الخليلي (¬2): "هو حافظ متقن ثقة"، وذكره الأمير أبو نصر، وابن ¬

_ (¬1) "بيان الوهم" (5/ 637). (¬2) انظر "الإرشاد" (3/ 904 - 905).

وأما من بيننا وبينه

الفرضي، والخطابي. وقال الرّشاطي وغيره (¬1): "توفي ليلة الاثنين، لثلاث عشرة مضت مِن رجب سنة تسع وسبعين ومائتين"، رحمه الله وإيّانا. والسُّلَمي: منسوب إلى سُليم بن منصور، وإلى سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وغيرهما ... والترمذي منسوب للأول. قاله شيخنا أبو محمَّد الدمياطي. * وأما مَنْ بيننا وبينه: فأولهم: شيخنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيمَ بنِ ترجمِ بنِ حازم المازني الشافعي، سَمعَ -بإفادة والده- كتاب "الجامع" للإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ -رحمه الله- مِن الشيخ أبي الحسن علي بنِ أبي الكرمِ نصر بن المبارك بن البنا، وهو آخر مَنْ حدَّث به وكانت روايته عنه انقطعت بالسماع بعد شيخنا الإِمام قطب الدين أبي بكر محمَّد بن أحمد القسطلاني -رحمه الله-. ثم ظَهَر سماع هذا الشيخ، ولم يكن للناس به عهد ولا عندهم منه علم، غير أنه كان معروفًا بالرواية عن غير هذا الشيخ، وسَمعَ من أبي بكر بن باقا "مسند الشافعي"، ومِن أبي البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الجَبَّاب (¬2)، وغيرهم ... وكان صحيح السماع، سمعتُ عليه "الجامع" للترمذي، وغيره ... وأجاز لي ما يرويه غير مرة. مولده يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول، سنة اثنين وستمائة بالقاهرة، ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: ذكر المزي في "التهذيب" والذهبي في أنه توفي في سنة تسع وسبعين ومائتين. (¬2) "السير" (22/ 244).

وتوفي بها صبيحة يوم الأحد، التاسع والعشرين مِن شهر رجب، سنة اثنين وتسعين وستمائة، ودُفِنَ مِن الغد بمقبرة باب النصر -رحمه الله-. قال: أبنا ابن البنا -وهو أبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم نصرِ بنِ المبارك بنِ محمدِ بنِ أبي السيد المكي-، قال ابنُ نقطة: "هكذا أملى عَلَيَّ نَسَبَه بمكة في ذي الحجة مِن سنةِ خمس عشرة وستمائة، وقال في: "والدي مِن أهل بغداد، وأصلي من واسط، وسألته فأخرج إليّ خط الكروخي، وقد كتب له أَنَّه سَمعَ منه جميع كتاب "الجامع" للترمذي، وكتاب "العلل" في آخره، وهو ثبتًا صحيح، وسمعتُ منه حديثًا واحدًا"، قال: "ثم عدتُ في سنة عشرين وستمائة وهو في الأحياء، وقُرِئ عليه بمكة الكتاب في هذه السنة، فسمعه منه جماعة، وقرأت لهم بعضه وسماعه صحيح. بلغنا أنه توفي في ثامن ربيع الأول من سنة اثنين وعشرين وستمائة، بمكة -شرفها الله تعالى-". عن الكَروخي؛ وهو أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله ابنِ أبي سهل بنِ أبي القاسم بن منصور، الكَروخي، الهروي، البزّاز، الصوفي. سَمعَ مِن شيخ الإِسلام عبدِ الله بنِ محمَّد الأنصاري، وأبي عبدِ اللهِ العميري، وحكيمِ بنِ أحمدَ الإسفرايني، وغيرهم ... حدَّث بكتاب "الجامع" لأ بي عيسى الترمذي عن أبي عامر محمودِ بنِ القاسمِ الأزدي، وأبي بكر أحمدَ بنِ عبد الصمد التاجر، وأبي نصر عبدِ العزيز بن محمَّد الترياقي، سوى الجزء الأخير ليس عند الترياقي، وهو مِن أول مناقب ابنِ عباس إلى آخر الكتاب، سمعه الكَروخي من أبي المظفر عبدِ الله بن علي بن ياسين الدهان، قالوا جميعًا: حدثنا عبد الجبار بن محمَّد الجِراحي: أبنا المحبوبي: أبنا الترمذي (¬1). ¬

_ (¬1) انظر "السير" (20/ 274).

كان الحافظ أبو الفضل بن ناصر يقول: "سمعنا هذا الكتاب منذ سنين كما سمعتموه أنتم الآن من هذا الشيخ"، قال: "فَرَغِب جماعةٌ من أهل الثروة في مراعاة عبد الملك، فحملوا إليه الذهب فردَّه ولم يقبله، وقال: بعد التسعين (¬1) واقتراب الأجل آخذ على حديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الذهب؟! وردّه مع احتياجه إليه، ثم انتقل في آخر عمره إلى مكة، وكان يكتب النسخ من "جامع أبي عيسى"، ويأكل من ذلك ويكْتَسي، وهو من جملة مَنْ لحقه بركة شيخ الإِسلام الأنصاري، ولازم الفقر والورع إلى أنْ توفي بمكة في خامس عشرين ذي الحجة، سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام". وقال ابن السمعاني: "مولده بِهرَاة في شهر ربيع الأول سنة اثنين وستين وأربعمائة، وتوفي بمكة -مُجاورًا-، في الحادي (¬2) والعشرين من ذي الحجة، سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام، وكان شيخًا صالحًا، سديدًا عفيفًا". عن أبي عامر، محمود بنِ القاسم بنِ محمدِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ الله بنِ محمدِ (¬3) بنِ الحسينِ بن محمدِ بنِ مقاتلِ بنِ صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة، الأزدي، القاضي، الهروي، حَدَّث بكتاب "الجامع" لأبي عيسى، عن الجِراحي، حدّث به عنه الحافظ المؤتمن الساجي، وصاعد بن سيار، واليُونَارْتي، في جماعة، آخرهم القاضي أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار، وقد حدّث عنه محمَّد بن طاهر المقدسي، وزاهر الشحامي، والفراوي، وغيرهم ... ¬

_ (¬1) في "السير": سبعين، والمخطوط واضح: تسعين. (¬2) كذا! وهو يخالف ما سبق، وما في "السير". (¬3) في "السير" (19/ 33): علي.

قال يوسف بن أحمد البغدادي: "سمعتُ أبا الفتح محمدَ بنَ عمر الأنصاري -بِهَراة- يقول: سمعت أبا النضْر المزكي (¬1) يقول: "محمود بن أبي محمَّد القاسم بن أبي منصور بن أبي بكر الأزدي، كان عديم النظير، زهدًا وصلاحًا وعفة، ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهاء عمره، وكانت إليه الرحلة من الأقطار، والقصد لسماع الأسانيد العالية. وُلِدَ في شهور سنة أربعمائة، وتوفي يوم السبت الثامن من جمادى الآخرة، سنة سبع وثمانين وأربعمائة، ودفِنَ بباب بُسْت بِهَراة". وقال يوسف أيضًا: "قرأتُ على عمرَ بنَ أحمدَ بنِ محمَّد الفقيه: أخبركم أبو جعفر محمد بن الحسنِ بنِ محمَّد الحافظ قال: كان شيخنا أبو عامر الأزدي مِن أركان مذهب الشافعي بِهِراة، وكان إمامُنا شيخُ الإِسلام يزوره في داره، ويعوده في مرضه، ويتبرك بدعائه، وكان نظام المُلْك يقول: لولاه في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن -يهددهم به-، وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا، لكونه لم يقبل منه شيئًا قط، ولما سمعتُ منه "مسند الترمذي" هنأني شيخ الإِسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة". وعن أحمد بن عبد الصمد الغُورجي، هو أحمدُ بنُ عبدِ الصمد بنِ أبي الفضل بن أبي حاتم التاجر، الغُورجي، توفي فُجَأة يوم الثلاثاء التاسع عشر من ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. قرأتُ على أبي سعيد البنا: أخبركم أبو الحسن علي بنُ حمزة الموسوي -إجازة- قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمَّد بن الحسين بن الجنيد الغُورَجي يقول: ¬

_ (¬1) نسب الذهبي هذا القول لأبي النضر -ويقال: نصر- الفامي، وعنده: العدل. وهو مترجم في "السير" (20/ 297).

"أحمد بن عبد الصمد الغُورَجي، أبو بكر بن أبي حاتم، شيخ ثقة صدوق". قال الكَروخي: وثنا بجميعه -خلا الجزء الأخير، وهو مِن أولِ مناقب ابنِ عباس - رضي الله عنهما - إلى آخر الكتاب- أبو نصر عبدُ العزيز بن محمَّد الترياقي، وحدثني بالجزء الأخير المذكور أبو المظفر عبيد الله بن علي بن ياسين الدهان. فأمّا الترياقي: فهو أبو نصر عبدُ العزيز بنُ محمدِ بن علي بن إبراهيمَ بنِ ثمامةَ بنِ الليثِ بنِ الخضر، المروزي، مات في السادس عشر من شهر رمضان يوم الثلاثاء، سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وترياق: قرية من قُرى هِراة. قال يوسف البغدادي: "كان ثقة خَيِّرًا، وله حظ وافر مِن الأدب، وُلِدَ سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكان سماعه في "مسند أبي عيسى" من أوله على التوالي إلى أول مناقب ابنِ عباس، ومِن ثمَّ فاتَه إلى آخر الكتاب". وأمّا ابن ياسين الدهان: فهو عبيد الله بن علي بن ياسين بن محمَّد بن أحمد الدهان، الهروي. قالوا أربعتهم: أبنا عبد الجبار، هو ابن محمَّد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزُباني، وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، قال ابن السمعاني: "توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة -إن شاء الله- وهو صالح ثقة". وعبد الله بن أبي الجراح هو: عبدُ الله بنُ محمدِ بن أبي الجراح بن الجنيدِ بنِ هشامِ بنِ المرزبان، أبو محمَّد بن أبي بكر المروزي الجِراحي. قال: أبنا محمدُ بنُ أحمدَ بنِ محبوبِ بنِ فضيلٍ التاجر، أبو العباس المحبوبي من أهل مرو، حَدّث عنه الحافظ أبو عبد الله بن منده، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وأثنوا عليه خيرًا، توفي في شهر رمضان السابع والعشرين من سنة ستٍ

وأربعين وثلاثمائة، وُلِدَ سنة تسع وأربعين ومائتين، وثَّقَهُ الحاكم وغيره ... وسماعاته صحيحة، مضبوطة بخط خاله أبي بكر الأحول. * * *

المقدمة الثانية: في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله

المقدمة الثانية * في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله: قال ابن عساكر: أبنا المبارك بن أحمد بن عبد العزيز: ثنا محمَّد بن طاهر المقدسي قال: سمعتُ الإِمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمَّد الأنصاري بِهِراة -وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه- فقال: "كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلّا المتبحّر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس، وذكر عن أبي عيسى قال: "صنّفتُ هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومَن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم"". وقال: يوسُف بن أحمد: "لأبي عيسى فضائل تُجمع وتُروى وتُسمع، وكتابه مِن الكتب الخمسة التي اتفق أهل العقد والحل والفضل والفقه من العلماء والفقهاء وأهل الحديث النبهاء؛ على قبولها، والحكم بصحة أصولها، وما وَرَد في أبوابها وفصولها، وقد شارك البخاري ومسلمًا في عدد كثير من مشايخهما، وهذا الموضع يضيق عن ذكرهم وإحصائهم وعددهم، ورُزِقَ الرواية عن أتباع الأتباع متصلًا بالسماع"، ثم قال -بعد كلام-: "وكَتَبَ عنه إمام أهل الصنعة محمَّد بن إسماعيل البخاري، وحسبه بذلك فخرًا".

قلت: أمّا الثلاثي فلا يُعْلَم له في جامعه منه إلَّا حديثًا واحدًا. وأمّا رواية البخاري عنه؛ فحديثه عن عليِّ بن المنذر، عن عليِّ بن فضيل، عن سالمِ بنِ أبي حفصة، عن عطيةَ، عن أبي سعيد قال: قال - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ: "لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". قال عليُّ بن المنذر: "قلت لضِرار بنِ صُرْد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري وغيرك. قال الترمذي: سَمعَ مني محمَّد هذا الحديث". وقال يوسف بن أحمد: "قرأتُ على أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف في كتابه الموسوم بـ "مذاهب الأئمة في تصحيح الحديث"، قال: وأمّا أبو عيسى فكتابه على أربعة أقسام: 1 - صحيح مقطوع بصحّته، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا. 2 - وقسمٌ على شرط أبي داود والنسائي، كما بيَّنَّاه. 3 - وقسَّم أخرجه للضد، وأبان عن علته. 4 - وقسمٌ رابع أبان عنه، فقال: "ما أخرجتُ في كتابي هذا إلّا حديثًا قد عَمِلَ به بعض الفقهاء" (¬1). قال: وهذا شرط واسع، فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتجّ، أو عمل به عامل سواء صح طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شَفى في تصنيفه، وتكلّم على كل حديث بما فيه". قوله: "وهذا شرط واسع"، ليس كما ظهر له، إلّا لو كان الترمذي التزم أنْ ¬

_ (¬1) "قواعد التحديث" (246).

يذكر (¬1) كل حديث هو بتلك المثابة، وإنما قال: أنه توسع في كتابه بأنه لم يشترط فيما أخرجه زيادة على أن قال به بعض الفقهاء. قلت: على أن الترمذي قد استثنى حديثين من هذه القاعدة فقال في "العلل": إنه لم يقل بهما أحد من أهل العلم. والله أعلم. وأمّا قوله: "وما أخرجت في كتابي إلَّا ما كان كذلك"؛ فلا يلزم منه ذلك المراد. وقد أطلق عليه الحاكم أبو عبد الله: "الجامع الصحيح"، وأطلق الخطيب أبو بكر عليه أيضًا اسم "الصحيح"، وذكر الحافظ أبو طاهر السِّلفي الكتبَ الخمسة، وقال: "اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب". وهذا محمول منه على ما لم يصرح بضعفه منها مُخَرِّجُهُ أو غيره. وقال القاضي أبو بكر بنُ العربي: "ليس في قدر كتاب أبي عيسى مثله، حلاوة مَقْطَع، ونفاسة مَتْرَع، وعذوبة مَشْرَع، وفيه أربعة عشر عِلْمًا فرائد: صنف وذلك أقرب إلى العمل، وأسند وصحح، وأشهر، وعدد الطرق، وجَرح وعدَّل، وأسْمى وأكْنى، ووصل وقطع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الردّ والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، فرد في نصابه". قال الإمامُ أبو عبد الله محمدُ بنُ عمرَ بنِ رُشَيْد -رحمه الله-: "هذا الذي قاله القاضي أبو بكر -رحمه الله- في بعضه تداخل، مع أنه لم يستوفِ تعديد علومه، ولو عدد ما في الكتاب من الفوائد -بهذا الاعتبار- لكانت علومه أكثر من أربعة عشر: فقد حسَّن، واستغرب، وبين المتابعة والانفراد، وزيادات الثقات، وبين ¬

_ (¬1) في الهامش: يخرج.

المرفوع من الموقوف، والمرسل من الموصول، والمزيد في متصل الأسانيد، ورواية الصحابة بعضهم عن بعض، ورواية التابعين بعضهم عن بعض، ورواية الصاحب عن التابع، وعدد مَنْ روى ذلك الحديث مِن الصحابة، ومَنْ ثبتت صحبته، ومَنْ لم تثبت، ورواية الأكابر عن الأصاغر ... إلى غير ذلك. وقد تدخل رواية الصاحب عن التابع تحت هذا، وتاريخ الرواة، وأكثر هذه الأنواع قد صُنّف في كل نوع منها، وفي الذي بيناه ما هو أهم للذكر. والأجرى على واضح الطريق أنْ يقال: إنَّه تضمّن الحديث مصنّفًا على الأبواب، وهو علم برأسه، والفقه عِلْم ثان، وعلل الأحاديث، ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم، وما بينهما مِن المراتب علم ثالث، والأسماء والكنى رابع، والتعديل والتجريح خامس، ومَن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه سادس، وتعديد مَن روى ذلك الحديث سابع. هذه علومه الجُمْليّة. وأما التفصيلية: فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كبيرة، وفوائده كثيرة" انتهى ما ذكر ابن رشيد. ومما لم يذكراه ولا أحدهما: ما تضمّنه من الشذوذ وهو نوع ثامن، ومِن الموقوف وهو تاسع، ومِن المدرج وهو عاشر، وهذه الأنواع ممّا يكثر في فوائده التي تُستجاد منه، وتستفاد عنه. وأمّا ما يقل فيه وجوده مِن الوفيات، أو التنبيه على معرفة الطبقات, وما يجري مجرى ذلك، فداخِل فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية، وسيأتي الكلام على هذه الأنواع، وما للناس فيها مِن تعريفات ورسوم تامة أو ناقصة، عند ذكر العلل في آخر الكتاب، حيث هو موضوع فيه، حاشا الحسن وما قد يقترن به مِن صحيح تارة، وغريب أخرى، في قوله: "حسن صحيح"، وآخر: "غريب"، أو الجمع بينهما،

وما استدعى ذلك الكلام عليه مما هو واقع في طريقه على سبيل الاختصار، فإني أذكره ها هنا لغرضين: * الأول: فلأنه -أعني الحسن- كثير في كتابه، قليل عمّنْ تقدمه، لا سيما على الوضع المصطلح عليه عنده. * الثاني: أنَّه ربما جَرَّ الكلام عليه إلى ما يقتضي الجواب عمّا ظاهره التناقض مِن تصرفاته في مواضع: • أحدها: الحكم بالإسناد الواحد -أو ما هو في معناه- على الحديثين، أو الأحاديث، بالحُسن في أحد الطرفين، والصحة في الآخر، مما يُورد ذلك عليه، كما فعله ابن القطان وغيره، لما هو المعروف من أن خلّ الحكم على الحديث إنما هو مع الحكم على سنده. • الثاني: حيث يقول: "حسن صحيح" في الحكم على الحديث الواحد، لما هو مستقر مرتبة الصحيح، وما قرره الترمذي في قصور الحسن عنده عن مرتبة الصحيح، فأثبت له مِن الصحة ما نفاه عنه بالحُسْن. • الثالث: "حسن غريب" لما قرر في الحَسَنُ مِن أنَّه لا يكون شاذًا، وأنه يُروى مِن غير وجه نحو ذلك، وهذا ظاهره ينافي الغرابة، وربما جَمَعَ فقال: "صحيح حسن غريب". فنقول: قال الإِمام أبو عمر وابن الصلاح -رحمه الله-: "كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوّه باسمه، وأكثر من ذكره في "جامعه"، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه، والطبقة التي قبلهم، كأحمدَ بنِ حنبل، والبخاري" (¬1). ولكن لم يذكر الإِمام أبو عمرو هل هو في مصطلح من تقدم الترمذي ¬

_ (¬1) "علوم الحديث" مع "التقييد والإيضاح" (38)، وفي الأصل بعد: والبخاري: والفصل وقد تكررت في الكتاب في مواضع.

كما هو في مصطلحه، أو لا؟ بل لعلّه عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح، يدخل في أقسامه، فإنّهم لم يرسموا له رسمًا يقف الناظر عنده، ولا عرفوا مُرادَهم منه بتعريف يجب المصير إليه، ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيًا عن غيره، ولا مشيرًا إلى أنه هو الاصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، بل ذكر ما ذكر مِن ذلك حاكيًا عن مصطلحه مع نفسه في كتابه "الجامع"، فقال: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: "حديث حسن"، فإنما أردنا حُسْن إسناده، عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يُتَّهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًا، ويُروى مِن غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن". فهذا كما ترى إخبار عن مصطلحه في هذا الكتاب، فلو قال في كتابٍ غير هذا عن حديث بأنه "حسن"، وقال قائل. "ليس لنا أنْ نفسر الحسن هناك بما هو مُفَسَّر به هنا إلَّا بعد البيان"؛ لكان له ذلك. وأمّا غير الترمذي من طبقته وما قاربها، فإنّ الإمام أبا عمرو -رحمه الله- زَعَم أن مِن مظانّ الحسن "كتاب أبي داود"، وإنّما أخذ ذلك من قوله: "ذكرتُ فيه الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه". وقد قال أبو داود (¬1) إنه يذكر في كتابه في كل باب، أصحّ ما عَرَفه في ذلك الباب، وقال: "ما كان في كتاب مِن حديث فيه وهن شديد فقد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح مِن بعض"، فلم يرسم شيئًا بالحُسن، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم -الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره- أنه اجتنب الضعيف الواهي، وأتى بالقسمين الأول والثاني، وحديث مَن مَثل به مِن الرواة مِن ¬

_ (¬1) "الرسالة" (22، 27).

القسمين الأول والثاني موجود في كتابه، دون القسم الثالث. فهلَّا ألْزَم الشيخ أبو عمرو مسلمًا مِن ذلك ما ألْزم به أبا داود؟ فمعنى كلامهما واحد، وقول أبي داود: "وما يشبهه"؛ يعني: في الصحة، و"ما يقاربه"؛ يعني: فيها أيضًا، وهو نحو قول مسلم: "إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان، فاحتاج إلى أنْ ينزل إلى مثل حديثٌ ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، لِما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق، وإنْ تفاوتوا في الحفظ والإتقان، ولا فرق بين الطريقين، غير أن مسلمًا شرط الصحيح، فَتَحَرج مِن حديث الطبقة الثالثة، وأبا داود لم يشترطه، فذكر ما يشتد وهذه عنده، والتزم البيان عنه، وفي قول أبي داود: "إن بعضها أصح مِن بعض"، ما يشير إلى القدر المشترك بينهما مِن الصحة، وإنْ تفاوتت فيه، لِما تقتضيه صيغة: "أفْعَل" في الأكثر، قال الإِمام أبو عمرو: "فعلى هذا، يكون ما وجدناه في كتابه -يعني أبا داود- مذكورًا مطلقًا، وليس في واحد مِن الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن ميز بين الصحيح والحسن، عرَّفناه بأنّه مِن الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره". وقد تَعَقَّب أبو عبد الله بن رشَيْد هذا، بأنْ قال: "ليس يلزم أنْ يستفاد مِن كَوْنِ الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف، ولا نص عليه غيرُه بصحةٍ، أن الحديث عند أبي داود "حسن"؛ إذْ قد يكون عنده صحيحًا، وإنْ لم يكن عند غيرِهِ كذلك". وهذا تَعَقبٌ حسن، لكنَّه ربما نَبَّه عليه قولُ الإِمام أبي عمرو: "وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره". فمِن هنا يلوح لقائل أنْ يقولَ: وقد يكون في ذلك ما هو صحيح عنده، وليس صحيحًا عند غيرِهِ؛ لأنّه جوز أنْ يخالفَ حكمُهُ حكمَ غيرِهِ في طرف، فكذلك يجوز أنْ يخالفه في طرف آخر.

قد ذكرنا ما نُقِل عن الترمذي في "الحسن". وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: "الحسن: ما عُرِفَ مَخْرَجُه، واشتهر رواته"، قال: "وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء". وقال بعض المتأخرين: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل، هو الحديث الحَسَنُ، ويصلح للعمل به". قال الإِمام أبو عمرو: "كل هذا مستبهم، لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصلُ الحسنَ مِن الصحيح، وقد أمْعَنْتُ النظرَ في ذلك والبحث جامعًا بين أطراف كلامهم، ملاحظًا مواقع استعمالهم فَتَنَقَّحَ لي، واتضح أنّ الحديث الحسنَ قسمان: * أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده مِن مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مُغفَّلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمَّد الكذب في الحديث، ولا سبب آخر مُفَسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عُرِف بأن رُويَ مثله، أو نحوه مِن وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة مَن تابع راويه على مثله، أو بما له مِن شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أنْ يكون شاذا أو منكرًا، وكلام الترمذي على هذا يتنزل. * القسم الثاني: أنْ يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال مَنْ يُعَدُّ ما ينفرد به مِن حديثه منكرًا، ويعتبر في كل هذا -مع سلامة الحديث مِن أن يكونَ شاذًا أو منكرًا- سلامتُهُ مِنْ أنْ يكونَ مُعَلَّلًا، وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي".

قلت: قد اشترط الترمذي في الحسن ثلاثة شروط: - أحدها: يرجع إلى الإسناد، وهو: "ألّا يتهم راويه بالكذب". - والثاني والثالث: يرجعان إلى المتن، وهو: "ألا يكون شاذًا، ويروى مِن غير وجه نحوه". ولعلّهما إذا حُقِّقا كانا واحدًا، وسيوضح ذلك التعريف بالشاذ ما هو؟ وحيث أحال في تعريف الحسن عليه، ولم يسبق تعريفه، وَجَبَ أنْ تبين ما ذكره العلماء فيه ليتبين المراد مِن قوله: "وألا يكون شاذًا"، وقد قال الإِمام الشافعي -رحمه الله ورضي عنه-: "ليس الشاذ مِن الحديث أنْ يروي الثقةً ما لا يروي غيرُهُ، إنّما الشاذ أنْ يروي الثقةُ حديثًا يخالفُ ما رَوى الناسُ". وذكر أبو عبد الله الحاكم: "أنَّ الشاذ هو: الحديث الذي ينفرد به ثقة مِن الثقات، وليس له أصل متابع لذلك الثقة". فكلاهما جَعَلَ الشاذ: "تفرد الثقة"، غير أنّ الشافعي ضَمَّ إلى ذلك شرط مخالفة ما رَوَى الناسُ. والذي يظهر مِن كلام الترمذي التوسع في ذلك، وأن تفَرَّد المستور داخل في مسمى الشاذ، لِما أَذِنَ به كلامُه، مِن أنّ رواية المستور الذي لا يتهم بالكذب على قسمين: • ما شُورك فيه، وهو داخلٌ عنده في مسمى "الحسن". • وما لم يُشارك فيه، والذي سماه: "شاذًا"، ولم يُلْحقْه بالحسن. وينبغي إذا كان تفردُ مستورٍ عنده يجبره متابعةُ مَن تابَعه -وهو محتاج إليها، لانحطاطه عن درجة الثقة- أنْ يكون ما تفرد به الثقة عنده مقابلًا بالقبول، إذا لم

يُخالَفْ، أو التوقف ليظهر بينهما فرق، وهو خلاف ما ذكره الحاكم -رحمه الله- ونحو مما ذكر الخليلي، حيث يقول: "إن الذي عليه حفاظ الحديث أنَّ الشاذ: ما ليس له إلَّا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فهو متروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به". وأورد عليه أبو عمرو: "ما تفرّد به العدلُ الحافظ كحديث الأعمال بالنيات". قلت: وفي لزومه نظر، للفرق بين الوصف بالثقة، والوصف بالعدل الحافظ، فيحتمل الثاني ما لا يحتمل الأول، لتفاوت الدرجتين، كما قلنا في الثقة والمستور. فتلخص من هذا: أنَّ الحديث الذي ينفرد به راويه غير مخالف فيه، قد يتأتّى فيه أحوال ثلاثة: • الصحة مع الحفظ. • والحسْن مع الثقة. • والرد مع الستر. وإذا تقرر هذا، فالحكم بالإسناد الواحد على الحديثين بتصحيح أحدهما، وتحسين الآخر مع الثقة، أو تحسين أحدهما ورد الآخر مع الستر، بحسب المتابعة والانفراد متوجه. وقد قال الحاكم في كتاب: "المدخل للصحيحين": "إن أئمة النقل فرَّقوا بين الحافظ، والثقة، والثبت، والمتقن، والصدوق، هذا في التعديل، وكثير مما يورد على الترمذي واضح: الأول: أعني التصحيح والتحسين - بسند واحد. وهذا جواب عنه مما أورد عليه الحافظ أبو الحسن بن القطان ذكره حديث:

"الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"، بسند ذكر بنحوه حديث: "أين كان ربنا قبل أن يخلق سماواته وأرضه؟ "، فصحح الأول وحسّن الثاني، ولا خفاء بما بينهما من التفاوت في الشهرة والمتابعات". ومما وَقَع لابن القطان في الاعتراض على عبد الحق: "الحديث يخرجه معزوًّا إلى مكان، قد يُخالِف لفظه الذي عنده، لفظ الكان المعزو إليه بزيادة أو نقص، فيخرج اللفظة المزيدة ويعترض عليه بها، ثم يُلزم للاعتراض مَن وقع له ذلك، من بقية مستدل بذلك الحديث، أو مُحَدِّث ضمنه مُصنَّفه أو مُسنَده. وليس ذلك مِن تصرفه على الإطلاق سديدًا، إذ الكلام مع كل قوم على قدر مصطلحهم، وإلزامهم ما التزموه، ولا يلزم المحدِّث المخرِّج للحديث تتبع ألفاظه إذًا عزاه إلى كتاب، وإنما يلزمُه وجود أصل الحديث عند مَن عزاه إليه، على هذا بنوا تصانيفهم وتخاريجهم قديمًا وحديثًا. نعم قد يلزمُ ذلك المستدِل منه بلفظ غير معزو إلى مُخْرِجه، إذ هو الناظر في مدلول ألفاظه، وإذا تبيَّن هذا، فربما كان الحديث ثابتًا في نفسه منتشر الطرق معروفها، وانفرد ثقة بزيادة فيه، فحكمها عندهم بالقبول، وهذا جار على اصطلاح المحدثين، والذي التحقت به أصل لها، كالمتابعة والمشاهد لتفرد الثقة عن جارح. وفي جري ذلك على اصطلاح المستدل نظر، إذا مشى على ما أصّله الحاكم والخليلي في معنى الشذوذ، وسواء كانت زيادة مطابقة (¬1) أو متضمنة خُلْفًا أو تخصيصًا. ثم نقول: إنْ كان الترمذي يرى الشذوذ؛ "تفرد الثقة أو المستور"، من غير اشتراطٍ لمخالفة ما رَوَى الناس، كما اشترطه الشافعي؛ فالشرطان واحد، وقوله: ¬

_ (¬1) رسمت كأنها مطلقة، واستظهرت أنها مطابقة، كما أثبتّ أعلاه.

"ويُرْوى مِن غير وجه نحو ذلك"، تفسير لقوله: "ولا يكون الحديث شاذًا"، وإن كان تفسير الشذوذ بمخالفة الناس، فيستقيم أنْ يكونا شرطين. وأمّا الخطابي، فالذي حكاه عنه ابن الصلاح قوله: "ما عُرِف مخرجه واشتهر رجاله"، والذي ذكر أبو عبد الله بنُ رشَيد أنه رواه عن الخطابي، بخط أبي علي الغسّاني وقال: "وأنا به جِدُّ بصير -يعني: خط الغساني-: "ما غرِف مخرجه واستقر حاله". قال: "هكذا لفظه: استقر حاله" بالقاف، مِن الاستقرار، و"حاله" وتحت الحاء علامة الإهمال بحيث لا تخفى". قلت: ولا يسلم شيء مِن هذه التعريفات مِن الاعتراض. أمَّا كلام الترمذي؛ فقد اعترض عليه الإِمام أبو عبد الله بن الموّاق. "بأنّه لم يميز الصحيح مِن الحسن، فإنَّه ما مِن حديث صحيح إلَّا وشرطه: "ألا يكونَ شاذًا، وألَّا يكونَ في رجاله متّهم بالكذب". وقد اعترض غيره بغير هذا الاعتراض. وكذلك قول الخطابي: "ما عُرِفَ مخرجه ... إلى آخره"، يدخل تحته أيضًا قسما الصحيح والحسن. وأمّا الذي قال: "فيه ضعف يسير مُحْتَمل"، فلم يبيّن مقدار الضعف ما هو؟ ولا أتى بما تبلغ درجته أنْ يُعرَض عليه فيه. وبالجملة؛ فأجود هذه التعريفات للحسن ما قاله الترمذي، وعليه من الاعتراض ما رأيت، وهو أبو عُذْرة هذا المنزع، ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحَسَن، ولم يَعْدُ مَن بعده مراده، فإن الحديثَ ينقسم إلى:

• مقبول. • ومقابلُه. • وما تجاذبه طرفا القبول والردِّ، بانقسام الرواةِ إلى: • عدل: وهو راوي الصحيح. • ومجروح: وهو راوي المردود. • ومتردد بينهما، لم يتبين فيه مقتضى القبول فيُقبل، ولا مقتضى الرد، وهم الذين لا يبتغون في العدالة أمرًا زائدًا على الإِسلام والستر. ويردُّه آخرون، إلى أنْ يثبت مقتضى القبول -وهم الذين لا يقتصرون على الإِسلام والستر في مقتضى العدالة، فهذا قسم المستور الذي عُرِف شخصُه، وجُهِلَتْ حالُه، ممن لم يُنقل فيه جرح ولا تعديل، أو من نُقِلا فيه معًا ولم يترجح أحدهما على الآخر ببيان، حيث يُحتاج إليه، وما أشبهه. ولكل من هذه الأقسام الثلاثة أنواع يأتي الكلام عليها في آخر الكتاب. وربما وقع الاشتباه بين النوع الآخر مِن كل قسم والنوع الأول مِن الذي يليه. إذا تقرر هذا، فلكل حديث مرتبة لا يعدوها، وحكمٌ لا ينتقل عنه، إلا أنْ يتغير العلم بحال راويه، فالصحيح ليس بحسن ولا ضعيف، كما أنَّ الحسن ليس بواحدٍ منهما، ومن هنا أورِد على الترمذي جَمْعُه بين الحُسْن والصحة في حديثٍ واحدٍ، حتى أجاب بعضهم: "أنَّ ذلك باعتبار طريقين"، ويَرِد عليه ذو الطريق الواحدة. وردَّ غيره الحُسْن إلى المتن، وهو أبعد مِن الأول، إذ كل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَسَن، سواء كان في الأحكام أو الرقائق أو غيرهما، وأيضًا فلو أراد واحدًا مِن

المعنيين لَحَسُن أنْ يأتي بواو العطف المشركة، فيقول: "حَسَن وصحيح" ليكونَ أوضح في الجمع بين الطريقين، أو السند والمتن. وقد كان يمكن أن يجاب عنه مِن هذا النمط، أنّه صَدَقَ عليه الوصفان، باعتبار الاختلاف كي حال راويه، إذ قد يكون الراوي عند مُعَدِّل في مرتبة الصحيح، وعند غيره دون ذلك. ويَرِدُ على هذا -لو قيل- ما لا يختلف النظر في تعديل راويه، وأنّه كان يَحسُن في مثله أنْ يأتي بلفظة "أو" التي هي لأحد الشيئين أو الأشياء، فيقول: "حَسَنٌ أو صحيحٌ". وكل هذه الأجوبة مرغوبٌ عنها. ويلتحق بهذه الأجوبة ما ذكره الحافظ أبو عبد الله بنُ أبي بكر بنِ المواق: "أنّ الترمذي لم يَخُصّ الحسن بصفة تميّزه عن الصحيح، فلا يكون صحيحًا إلّا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحًا حتى يكون رواته غير متهمين، بل ثقات"، قال: "فظهر مِن هذا أن "الحسن" عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم، بل قد يشركه فيها الصحيح، فكل صحيح عنده حسن، وليس كل حسن صحيحًا. ويشهد لهذا أنّه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلَّا: "حسن صحيح". قلت: قد بقي عليه أنه اشترط في "الحسن" أنْ يُروى نحوه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح، فانتفى أنْ كون كل صحيح حسنًا، نعم قوله: "وليس كل حسن صحيحًا"؛ صحيح. والجواب: أن الحكم لِلَفْظَةٍ إنّما هو حَسَن إذا انفردت، ومعلوم حينئذ أنها جاءت على الوضعِ الاصطلاحي، لِتُفيد ما تقرّر مِن المراد. وأمّا إذا جاءت تبعًا للصحيح، فالحكم للصحيح، وليس ذلك المعنى الوضعي مرادًا منها؛ ولا منافاة حينئذٍ، كما لو قلت: "حديث معروف صحيح"، أو "مشهور

صحيح"، لم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة مما يحط الحديث عن مرتبته، وإن كانت قاصرة عن الوصف بالصحة إذا انفردت، وليس وضع الحسن على هذا النوع مِن الحديث مما تقدم الترمذي وضعُه حتى يُشاحَحَ في إطلاقه، ويُطلب منه اطرادُ رَسْمِه، منفردًا، ومقترنا بالصحة، فقد قال الشيخ أبو عمرو (¬1)؛ "إن مِن أهل الحديث مَنْ لا يُفردُ الحسنَ ويجعلُه مندرجًا في أنواع الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يُحتَجّ به، وإشارة مَن أشار إلى أنَّ ما وَقَعَ مِن ذلك في كلام أحمدَ بن حنبل والبخاري وغيرهما، محمول على الصحيح، جديرة بالصحة، حقيقة بالعثور على المراد. ومما يُورَد على أبي عيسى -رحمه الله- قوله: "حسن غريب"، إذ الغريب ينافي الحسن مِن جهة أنَّه شَرَط في الحَسن أنْ يُروى نحوه من وجه آخر، وليس الغريب كذلك، فثبوت مثله أو نحوه رافع للغرابة عنه؛ فيحتاج إلى معرفة "الغريب" ما هو؟ وحينئذ يتبيّن هل هذا الإيرادُ لازم أم لا؟ فنقول: الغريب على أقسام: • غريب سندًا ومَتْنًا. • ومتنًا لا سندًا. • وسندًا لا متنًا. • وغريب بعض السند فقط. • وغريب بعض المتن فقط. وكلّها قد ترتقي إلى درجة الصحة -إن نهض راويها بما حَمل-، أو تَنْحَطُّ عن ذلك بحسب انحطاطه. ¬

_ (¬1) "علوم الحديث" (45).

وليس فيها ما يقبل الحُسْن منفردًا به إلا "الغريب سندًا لا متنًا" إذا سَلِمَ راويه مِن الانحطاط عن درجة الحَسَنُ، وسواء قُيِّدَتْ غرابتُهُ براوٍ معين، كقوله: "غريب مِن حديث فلان"، أو "من حديث فلان عن فلان، لا نعرفه إلا مِن هذا الوجه"، أو لم تقيَّد. وأمّا غرابة بعض المتن -وهي الزيادة المتصلة بالحديث- فلا يتأتى فيها التحسين؛ لأن غرابتها راجعة إلى المتن. فقد تبيّن أنَّ الغريب قد يقبل الوصف بالصحة أو بالحُسن، أو بهما معًا على ما تقدم كما يأتي عنده أيضًا، أو لا يقبل الوصف بواحد منهما، فلا يُورَد على الغريب الموصوف بوصف آخر إلَّا مَن وجده موصوفًا به في القسم الذي يمتنع وصفه به كما بيّنَاه -وما إخاله يجدهُ-. قد رأيت عن الحافظِ أبي الفضل محمَّد بن طاهر المقدسي قال: "وأمّا الغريب من الحديث، كحديث الزهريّ وقتادة، وأشباههما مِن الأئمة ممن يجْمَع حديثهم، إذا انفرد الرجلُ عنهم بالحديث يسمَّى غريبًا، وإذا رواه عنهم رجلان وثلاثة، واشتركوا في حديث؛ يسمَّى عزيزًا، وإذا روى الجماعة حديثًا سُمِّيَ مشهورًا". قال المقدسي (¬1): "اعلم أن الغرائب والأفراد على خمسة أنواع: • فالنوع الأول: غرائب وأفراد صحيحة، وهو: أن يكونَ الصحابيّ مشهورًا برواية جماعة مِن التابعين عنه، ثم ينفرد بحديثٍ عنه أحدُ الرواة الثقات لم يروه عنه غيره، ويرويه عن التابعي رجلٌ واحد مِن الأتباع، ثقةٌ، وكلهم مِن أهل الشهرةِ والعدالةِ، وهذا حَدٌّ في معرفة "الغريب والفرد الصحيح"، وقد أُخرِج له نظائر في الكتابين. ¬

_ (¬1) "ترتيب الأفراد" (ق 9 / ب- 10 / أ).

• والنوع الثاني من الأفراد: أحاديث يرويها جماعة مِن التابعين عن الصحابي، ويرويها عن كل واحد منهم جماعة فينفرد عن بعض رواتها بالرواية عنه رجل واحد، لم يرو ذلك الحديث عن ذلك الرجل غيرُه، مِن طريق يصحّ، وإنْ كان قد رواه عن الطبقة المتقدّمة عن شيخ شيخه جماعة، إلّا أنّه من رواية هذا المنفرد عن شيخه، لم يروه عنه غيرُه. • النوع الثالث: أحاديث ينفرد بزيادة ألفاظ فيها واحدٌ عن شيخه لم يرو تلك الزيادة غيره عن ذلك الشيخ، فينسَب إليه التفرد بها وينظر في حاله. • النوع الرابع: متون اشتهرت عن جماعة مِن الصحابة، أو عن واحد منهم، فروى ذلك المتن عن غيره مِن الصحابة ممّن لا يُعرَف به إلّا مِن طريق هذا الوجه ولم يتابعه عليه غيرهُ. • النوع الخامس من التفرّد: أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد، لا توجد إلّا مِن روايتهم، وسنن ينفرد بالعمل بها أهل مصْرٍ لا تعمل بها في غير مصرهم". قلت: يحتاج أنْ يكون المنفرد في النوع الأول، في المرتبة العليا من الثقة والعدالة والحفظ، حتى يُقبل انفرادُه في كل طبقة: الأولى والثانية، اللّتان أشار إليهما، وثالثة -إنْ وُجِدَتْ- أو أكثر من ذلك. وأمَّا الثاني ففيه نقص لعله مِن النسخة، وقد نبّهت عليه -مقابله- في الحاشية، فهذا النوع الأول عنده. والثاني هو: الذي أشرتُ إليه بـ "غريب بعض السند"، وقد يقبل الصحة، أو ينحط عنها كما قلنا، وقد يقبل التحسين، إنْ وَجَدت له شاهدًا، وقد لا يقبله إنْ لم يُوجد، ومِن هذا النوع: حديث أم زَرْع، قال: عيسى بن يونس يرويه عن هشام بن عروة، عن أخيه عبدِ الله بنِ عروة، عن أبيه، عن عائشة.

ويرويه غيره -ممن لا يحفظ- عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، فسلك به الجادة؛ فهذه غرابة تخصّ موضعًا مِن السند، صحيحة، والحديث صحيح. والنوع الثالث: هو الذي أشرت إليه بـ "غريب بعض المتن"، وهو أيضًا مختلف بحسب حال التفرد بالزيادة، وإلى بعضه يشير الإِمام أبو عمرو بقوله: "غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة"، قال: "وهو الذي يقول فيه أبو عيسى: "غريب مِن هذا الوجه". -وقد تقدَّم في هذا النوع بحث عند ذكر الشاذ، في حكم الزيادة-. نوضحه (¬1): فإذا قال أبو عيسى في حديث: "غريب من هذا الوجه"، مشيرًا إلى ذلك، أو "غريب مِن حديث فلان عن فلان" فقد أوضح مراده منه، وإنْ قال: "هذا حديث غريب"؛ أمكن أنْ يُحْمَل على الغرابتين: "المطلقة، والمقيّدة". وأمّا النوع الرابع: فهو الغريب سندًا لا متنًا، كحديث: "الأعمال بالنيّات"؛ إذا رُويَ عن غير عمرَ بنِ الخطاب، فقد وَقَعَ لنا طريق لا ذكر فيها ليحيى بن سعيد، ولا مَن فوقه إلى عمر، وهذا إسناد غريب كله، والمتن صحيح. وأمّا النوع الخامس: فيشمل الغريب كله سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر، وقد ذكر أبو محمَّد بن أبي حاتم -رحمه الله- بسند له: أنَّ رجلًا سأل مالكًا عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال له مالك: "إنْ شئت خلِّل، وإنْ شئت لا تخلّلْ"، وكان عبد الله بن وهب حاضرًا، فعجب من جواب مالك، وذكر لمالك في ذلك حديثًا بسند مصري صحيح، وزعم أنّه معروف عندهم، فاستفاد مالك الحديث، واستفاد السائل، فأمره بالتخليل، هذا أو معناه. وفي ذلك جمع غرائب البلدان، وما تفرد به أهل الأمصار مِن سنن، مِن جمعها وقبولها للصحة وغيرها واضح. ¬

_ (¬1) كذا قرأتها، ويمكن أن تقرأ: (أو صحة). أو (أو صحته)، أو (أوضحته).

فصل

فصل ومما تضمّنه جامع أبي عيسى الترمذي -رحمه الله- مِن الاختصار في التصنيف: أنّه يذكر الحديثَ في الباب بسنده عن صحابيه، ثم يتبعه قوله: "وفي الباب عن فلان وفلان"، حتى يأتي على ما يوجد في ذلك الباب أو أكثره، فلو استوعب أسانيد ذلك لطال الكتاب جدًّا، ولو تركه بالكلية لفاته تقوية حديثه المسند، بإضافة ما أضاف إليه، والتنبيه على تلك الأحاديث، ليتتبّع مظانّها مَن له غرض في التتبع، غير أنّه ينبغي أنْ يكون ما أسند في ذلك الباب أقوى مما لم يذكر سنده، وذلك هو الأكثر مِن عمله، وقد ذكر أبو نصر بن يوسف كلامًا هذا معناه. فقال: "وظاهر طريقته أنْ يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي، قد صح الطريق إليه، وأخرِج مِن حديثه في الكتب الصحاح -فيورد في الباب مِن حديث صحابي لم يخرجوه مِن حديثه، ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول، إلّا أنّ الحكم صحيح، ثم يتبعه بأنْ يقول: "وفي الباب عن فلان وفلان"، ويَعُد جماعة منهم الصحابي -يعني الذي أخرجا ذلك الحكم من حديثه- وقلما يسلك هذه الطريقة إلَّا في أبواب معدودة". قلت: لو اطرد ذلك مِن عمل الترمذي، لكان له وجه، ولتضمن اختصارًا ثانيًا يُشْفع الأول، لكن ليس مطردًا ولا أكثريًّا، وإذا لم يطرد له على الوجه الأول عَمل ولا على الثاني، لم يبق إلَّا الجواب عمّا يقع من الثاني -إذ هو أقلّهما- في مواضعه إن تيسر جواب، والله الموفق للصواب. * * *

1 - كتاب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

1 - كتاب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد: ثنا أبو عوانة، عن سِماك بن حرب. قال: وثنا هناد: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سِماك، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغير طهور، ولا صدقة من غلول". قال أبو عيسى: هذا الحديثُ أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي الباب عن أبي الليح، عن أبيه، وأبي هريرة وأنس. وأبو المليح بن أسامة؛ اسمه: عامر بن أسامة، ويقال: زيد بن أسامة؛ بن عُمير الهمداني. قوله: "هذا الحديث أصحّ شيء في هذا الباب"، لا يلزم منه أنْ يكون صحيحًا عنده، وكذلك إذا قال: "أحسن"، لا يقتضي أن يكون حسنًا، كما ستقف عليه بعد هذا في مواضعه إنْ شاء الله. وإذا كان كذلك؛ فنقول: الحديث صحيح، أخرجه مسلم عن قتيبة وغيره مِن حديث أبي عوانة، وإسرائيل، وغيرهما. ورواه ابن ماجه مِن حديث إسرائيل، وشعبة -جميعًا- عن سِماك. ورجالُه رجالُ مسلم، ولعلَّ البخاري لم يخرجه لحال سِماك، فإن مداره عليه، وهو لا يُخْرِج حديث سِماك، فَينبغي أن نُعْرِّفَ بحاله ليتبين عذر البخاري في عدم إخراج حديثه، فنقول: هو سِماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة بن عامر

ابن ذُهْل بن ثعلبة، الذُّهلي، البكري، وقيل: الهُذَلي، أبو المغيرة، كذا قال الحافظُ عبدُ الغني، في "كماله". وقوله: "وقيل: الهُذلي"، ليس بشيء، وقد خالفه ابن الكلبي في هذا النسب، والنفس إلى ما قال ابن الكلبي أمْيَل، قال: "سِماك بن حرب بن علقمة ان هند بن قيس بن عمر بن سَدوس بن شَيْبان بن ذُهْل بن ثعلبة". أخو محمَّد وإبراهيم ابنَيْ حَرْب، سَمعَ جابر بن سَمرة، والنعمان بن بشير وأنس بن مالك، وغيرهم ... وقال: "أدركت ثمانين مِن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد ذَهَبَ بصري، فدعوتُ الله -عزَّ وجلَّ- فرد على بصري". ورَوى عنه حمادُ بنُ سلمة أنه سمعه يقول: "ذهب بصري فرأيت إبراهيم - خليل الرحمن - صلى الله عليه وسلم - - في المنام، فمسح يده على عيني، فقال: ائْتِ الفُرات، فاغْتَمسْ فيه، وافتح عينيك في الماء، ففعلت، فرد الله عليَّ بصري". روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، ومالك بن مِغْوَل، والثوري، وشعبة، وزائدة، وزهير، في خلق كثير. وقال البخاري: عن علي: "له نحو مائتي حديث". وقد اختُلِف في حاله: فقال أحمد: "سِماكُ أصلحُ حديثًا من عبد الملك بن عُمير"، وقال أبو حاتم: "صدوق"، وقال أبو بكر بن عياش: "سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: عليكم بعبد الملك بن عمير، وسماك"، وثقه يحيى بن معين، وقيل له: ما الذي عِيبَ عليه؟ قال: أسند أحاديث لم يُسْنِدها غيرُه". وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش: "في حديثه لين"، وقال أحمد

-مرّةً-: "مضطرب الحديث"، وقال ابن حبان -وقد ذكره في كتاب "الثقات"-: "كان يخطئ كثيرًا". وقال أحمد بنُ عبد الله العِجْلي: "هو تابعيّ جائز الحديث، إلَّا أنَّه كان يُخطئ في حديث عِكْرِمة، وربما وصَلَ الشيء عن ابن عباس، وكان الثوري يُضعِّفه بعض الضعف، وكان جائز الحديث، لم يترك حديثَهُ أحدٌ، ولم يرْغَبْ عنه، وكان عالمًا بالشعر وأيام الناس، وكان فصيحًا". وقال النسائي: "إذا انفرد بأصل لم يكن له حجة؛ لأنّه كان يلَقِّن فيتلقَّن، وربما قيل له: عن ابن عباس". وقال العقيلي: "أبنا عبدُ الله بن أحمد قال حدثني أبي قال: ثنا الحجاج قال: قال شعبة: كانوا يقولون لسماك: عِكْرمة عن ابن عباس، فيقول: نعم. قال شعبة: فكنت لا أفعل ذلك به". وذكره أبو الحسن بن القطان (¬1) فقال: هذا أكثر ما عيب به سِماك، وهو قبول التلقين، وإنه لَعَيْبٌ تسقط الثقة بمَنْ يتَصف به، وقد كانوا يفعلون ذلك بالمحدِّث تجربةً لحفظه وضبطِهِ وصدقِهِ، فربّما لقَّنوه الخطأ، كما فعلوا بالبخاري حين قَدِمَ بغداد، وبالعُقَيلي أيضًا، فالحافظ الفَطِنُ يفطن لما رُمِيَ به من ذلك، فيصنع ما صنعا، وقصة البخاري مشهورة، وقصة العُقَيلي ذكرها مَسْلَمة بن القاسم -عند ذكره أبا جعفر محمَّد بن عمرو بن موسى بن حماد بن مدرك العقيلي- قال: "كان مكيًّا ثقة، جليل القدر، عظيم الخطر، عالمًا بالحديث، ما رأيت أحدًا مِن أهل زماننا أعرف بالحديث مِنْه، ولا أكثر جمعًا، وكان كثير التأليف، عارفًا بالتصنيف، وكان كل مَنْ أتاه مِن أصحاب الحديث يقرأ عليه، قال: "اقْرَأ من كتابك"؛ وكان يُقرأ عليه، لا ¬

_ (¬1) (4/ 58).

يخرج أصله، فأنكرنا ذلك عليه، وتكلّمنا في أمره، فقلنا: إما أنْ يكون مِن أحفظ الناس، أو مِن أكذب الناس، فاجتمعْتُ مع نَفَر من أصحاب الحديث، فاتفقنا على أنْ نكتب له أحاديث مِن أحاديثه ونزيد فيها وننقص، ونقرأها عليه، فإنْ هو علم بها وأصْلحها من حفظه، عرفنا أنّه أوثق الناس، وأحفظهم، وإنْ لم يَفْطَن للزيادة والنقصان، عَلِمْنا أنه مِن أكذب الناس. فاتفقنا على ذلك، فأخذنا أحاديث من روايته، فبدَّلْنا فيها ألفاظًا، وزدنا ألفاظًا، وتركنا منها أحاديث صحيحة، ثم أتينا بها مع أصحاب لنا من أهل الحديث، فقلنا له: أصلحكَ الله، هذه أحاديث مِن روايتك، أردنا سماعها وقراءتها عليك، فقال لي: اقرأ؛ فقرأتُها عليه، فلمّا أتتِ الزيادة والنقصان فَطِنَ لذلك، فأخَذَ مني الكتاب، وأخَذَ القلمَ فأصلحها مِن حفظه، وألحق النقصان، وضَرَبَ على الزيادة، وصححها كما كانت، ثم قرأها علينا، فانصرفنا مِن عنده وقد طابت أنفسنا، وعلمنا أنَّه مِن أحفظ الناس". "ورُوي عن قتادة -مِن غير وجه-: "إذا رأيت أنْ يَكْذِبَ صاحبُك فلقنه". وعن ابنِ سيرين، وابنِ أبي ملَيْكة نحوه. وقال حمادُ بنُ زيد: "لقنت سلمةَ بنَ علقمة حديثًا فحدَّثَني به، ثم رَجَعَ عنه، وقال: "إذا سرَّك أنْ يَكذِب صاحبك فلقِّنه". وأخبار الناس في التلقين كثيرة، وسيأتي منها في هذا الكتاب -إن شاء الله- عند ذكر مَن رمِي به من الرواة ما فيه كفاية. فنقول: * من يَفْطَن لما يُرمى به مِن ذلك، ويرجع إلى الصواب، فهذا في رتبة "الثقة"، بل في رتبة "الحفظ والإتقان". * ومن لا يَفْطَن، ففي رتبة "الترك"، لا سيما إنْ أكثر ذلك مِنه.

* ومن جُهِلَت حاله: هل هو ممن يَفْطِن، أم لا؟ -كما ذُكِرَ عن سِماك-، فهذا "المستور" موقوف على تبيُّن حاله، فهذا مقتضى توقف البخاري عن سِماك، والله أعلم. وفي "كتاب الأثرم": "أن حديثَ سِماك مضطرب عن عكرمة". قلت: ليس هذا مِن حديثه عن عكرمة، فلعله أسلمُ مِن القَدَحِ. وتوفي سماك في خلافة هشام بن عبد الملك، سنة أربع وعشرين ومائة. وقد ذكر الترمذي حديث ابن عمر، وأسنده، لترجحه على ما عداه مِن أحاديث هذا الباب، كما هو الأكثر مِن عمله. وقوله: "وفي الباب عن أبي المليح، عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس". فأمّا حديث أبي المليح: فرواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه مِن حديث شعبة عن قتادة عنه. وأمّا حديث أنس: فرواه ابن ماجه مِن حديث ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد عنه. وأمَّا حديث أبي هريرة: فذكره ابن عدي من حديث ابن سيرين وأبي سلمة عنه، وقال: "لا أعلمه رفعه إلا غسانَ بن عبيد الموصلي"، ثم قال: "وهذا بهذا الإسناد باطل". وقد وجدنا مما لم يذكره الترمذي في الباب، ما أخبرنا به أبو المعالي أحمد بن إسحاق -سماعًا- قال: أنبأ عبد السلام بن فتحة السرقول (¬1): أنبأ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: أنبأ أحمد بن عمر البيع -سماعًا عليه- قال: ثنا أبو غانم ¬

_ (¬1) كذا، وفي "السير" (20/ 376): السرفولي، قال الذهبي: الذي روى عن الديلمي (كتاب) "الألقاب" للشيرازي.

حُميد بن المأمون: أنبأ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي -في كتاب "الألقاب"- أحمد بن الفرج: ثنا مكرم بن أحمد القاضي: ثنا يونس بن موسى بن كديم: ثنا ابن الحسن بن حماد الكوفي أبو محمَّد: ثنا عبد الله بن محمَّد العدوي قال: سمعتُ عمرَ بنَ عبد العزيز -على المنبر- يقول: حدثني عبادة بنُ عبدِ الله، عن طلحةَ بنِ عبيد الله قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول -على المنبر-: "لا يقبلُ اللهُ صلاةَ إمام حَكَمَ بغير ما أنزل الله، ولا يقبلُ الله صلاة عبد بغير طهور، ولا صدقة مِن غلول". ووجدنا أيضًا فيه حديثًا لأبي بكرة، مِن رواية الحسن عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه ابن ماجه، وقد تكلَّم فيه ابن عدي أيضًا. وحديثًا لابن مسعود، مِن طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي السّفْر، عن الأسود عنه، قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقبلُ اللهُ صلاة بغير طهور ولا صدقة مِن غلول، وابدأ بمن تعول". رواه الطبراني عن محمدِ بن عبدِ اللهِ الحضرمي: أنبأ عباد بن أحمد العَرْزَمي: ثنا عمي، عن أبيه، عن إسماعيل. وذكر أبو بكر بنُ أبي شيبة عن عَبِيدة بن حميد، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي روح قال: "صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، فقرأ سورة (الروم) فتردد فيها، فلمَّا انصرف قال: "إنما يُلْبِس علينا صلاتنا قومٌ يحضرون الصلاة بغير طهور، مَن شَهِدَ الصلاةَ فَلْيُحْسِن الطهور". وقال ابن أبي شيبة أيضًا: ثنا عفان: ثنا وهيب: ثنا عبد الرحمن بن حرملة: أنَّه سَمعَ أبا ثِفال يُحدِّث قال: سمعتُ رباحَ بنَ عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حُوَيطب يقول: حدثتني جدَّتي أنها سمعت أباها يقول: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: "لا صلاةَ لمن لا وُضوءَ له". فهذان حديثان أيضًا، لكن ليس فيهما ذكر "الغلول" (¬1). وأبو ثفال، اسمه: ثمامة بن وائل، ويُقال: ابن الحصين الشاعر. رَوَى عن رباح هذا وروى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلَمي، وعبد العزيز الدَّراورْدِي، ذكره أبو أحمد الحاكم. وجدَّةُ رباح بن عبد الرحمن، ابنة لسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، عن أبيها سعيد بن زيد. وفي الباب عن عُمر، وابن عمر، وعبد الله بن مسعود، موقوف. وقد ذكرنا أن حديثَ ابنِ عمر أخرجه مسلم، ولفظه عند مسلم: عن مصعب بن سعد قالت دَخَلَ عبدُ الله بنُ عمر على ابنِ عامر يعوده -وهو مريض- فقال: ألا تَدْعُو اللهَ لي يا ابنَ عمر؟ قال: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُقْبَلُ صلاة بغير طهور، ولا صدقة مِن غلول". وكُنتَ على البصرة. "الطهور": بضم الطاء، وهو اسم لفعل التطهير، هذا هو المشهور. واسم الماء: "الطهور" -بفتح الطاء- وكل ماء نظيف طهور، قاله ابن سِيدَه، وكذا قال الجوهري، كالسّحور، والفُطور، والوُقود. وذَهَبَ الخليل، والأصمعي، وغيرُهما، إلى أنَّه بالفتح فيهما. قال القاضي عياض: "ولم يَعْرِف الخليل الضمّ". ¬

_ (¬1) في حاشية الأصل: قلت: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح عن أبي سعيد الخدري؛ رواه الطبراني في "مسند الشاميين" من رواية رجاء بن حيوة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول". ورواه أيضًا في "المعجم الأوسط" من هذا الوجه من حديث الزبير بن العوام من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن جده، ورواه البزار أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري، وحديث أبي هريرة.

وحَكَى ابنُ قرقول في "المطالع": "الضم فيهما" (¬1). "والغلول": بضم الغين المعجمة. قال ابنُ سِيدَه: "غلَّ يَغُلُّ غُلولا، وأغلَّ: خان"، وخصّ بعضهم به الخون في الفيء، وأغَلَّه: خوّنه، وفي التنزيل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، والإغلال: السرقة، وفي الحديث: "لا إغلال، ولا إسلال" قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: "فيه من الفقه: * أنّ الصلوات كلّها مفتقرة إلى الطهارة، وتدخل فيها صلاة الجنازة، والعيدين وغيرهما مِن النوافل كلِّها. * وفيه دليل أنّ الطواف لا يُجزئ بغير طُهور؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سمّاه صلاة، فقال: "الطوافُ صلاةٌ؛ إلا أنّه أبيح فيه الكلام". قلت: المُشبَّه لا يَقْوى قُوَّة الشبه به مِن كل وجه، ومعلومٌ أنّ قولَه -عليه السلام-: "الطواف صلاة"، أي يُشْبه الصلاة، وقد نَبَّه على الفرقِ بينهما بجواز الكلام فيه، وكما أنّه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة؛ فكذلك لا يُشْترطُ فيه كلُ ما يُشْترَطُ في الصلاة. ويَرِدُ على الخطابي. إباحتُه الكلامَ فيه، والمشي، وليس مما يُباح في الصلاة، وقد صَحّح بعضهم رَفْعَ الحديث الذي أشار إليه، وبعضُهم وَقَفَهُ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في موضعها -إن شاء الله-. قال الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى-: "هذا الحديثُ نص في وجوبِ الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمةُ على أن الطهارةَ شرطٌ في صحّةِ الصلاةِ. ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: قلت: قد حكاه القاضي عياض قبله، فلا حاجة إلى عزوه لابن قرقول.

قال القاضي عياض: "واختلفوا، متى فُرِضَتْ الطهارة للصلاة؟ فذهب ابنُ الجَهم إلى أن الوضوءَ في أولِ الإِسلام كان سنة، ثم نَزَلَ فَرْضه في آية التيمم. وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فَرْضًا. قال: واختلفوا في أنّ الوضوء هل هو فرضٌ على كل قائم إلى الصلاة، أم على المحدث خاصة؟ فذهب ذاهبون مِن السلف إلى أنَّ الوضوءَ لكل صلاةٍ فرضٌ بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ...} الآية. وذَهَب آخرون إلى أنّ ذلك كان ثمّ نُسخ. وقيل: الأمر به لكل صلاةٍ على النَّدْبِ. وقيل: بل لم يُشْرَع إلّا لمن أحْدَث، ولكن تجديده لكلّ صلاة مستحبّ، وطى هذا أجمع أهلُ الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه اختلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم مُحْدِثين. قلت: وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ في حديث حُميد عن أنس: "كان يتوضأُ لكل صلاة" إن شاء الله تعالى. وقوله: "هذا الحديث نصّ في وجوب الطهارة للصلاة". ظاهرٌ لما يقتضيه مِن انتفاء القبول عن الصلاة، عند انتفاء شرطها، -وهو الطهارة-، فكذلك يقتضي مفهومُهُ وجودَ القبول، إذا وُجِدَ شرطُه، وهو المراد. والقبول موكول إلى علم الله تعالى ليس لنا بوجوده علم، فلا بدّ مِن الكلام على معنى القبول، فنقول: "القبول": ثمرةُ وقوعِ الطاعة مُجْزِئة، رافعة لما في الذمة. ولمّا كان الإتيان بالصلاة بشروطها مَظِنّة الإجزاء، الذي هو ثمرة القبول، عبّر

عنه بالقبول مجازًا، وقد تمسك به مِنْ لا يَرَى وجوب الوضوء لكل صلاة -وهم الجمهور-، إذ الطهور الذي تقام به الصلاة الحاضرة أعم مِن أنْ يكون قد أقيمت به صلاة أخرى، أو لم تُقَم. وكذلك أيضًا قوله - عليه السلام -: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"؛ لأن نفي القبول ممتد إلى غاية الوضوء، ومعلوم أن ما بعد الغاية مغاير لما قبلها؛ فيقتضي ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا. ويدخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء ثانيًا، وقد استدل جماعة من المتقدمين بانتفاء القبول على انتفاء الصحة، وفيه بحث ذكره شيخنا الإِمام الحافظ أبو الفتح القشيري. وسيأتي في الكلام على قوله - عليه السلام -: "لا تقبل صلاة أحدع إذا أحدث حتى يتوضأ"، إن شاء الله تعالى. وذهب بعض الفقهاء من المالكية إلى أن الطهارة شرط في وجوب الصلاة. وقال آخرون منهم: بل هي شرط في أدائها لا في وجوبها، وبنوا عليه الخلاف فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا حتى خرج الوقت، هل عليه القضاء أو لا. وسيأتي تفصيل مذهبهم في ذلك، وقد تمسك بعضهم في وجوب الاغتسال على الكافر إذا أسلم بهذا الحديث؛ قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: هو مستحب عند الشافعي وأبي إسحاق القاضي. وقال مالك وابن القاسم وأحمد وأبو ثور: هو واجب، وهو الصحيح لقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". وقد أجمعت الأمة على وجوب الوضوء، فالغسل مثله، دليلًا بدليل، واعتراضًا باعتراض، وجوابًا بجواب. قلت: وقد خرج الترمذي عن قيس بن عاصم: أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر.

وهناك يأتي الكلام على هذه المسألة، وما في حديث قيس هذا من الانقطاع، مستوفى، إن شاء الله تعالى. واختلف هل يجب الوضوء بالحدث وجوبًا موسعًا أو عند القيام إلى الصلاة أو بالأمرين، على ثلاثة أوجه. قال الشيخ محيي الدين: والأخير المختار عند أصحابنا، قال: وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة، وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة، إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما: تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه. وأما سجود التلاوة فقد روى فيه أيضًا عن عثمان وسعيد بن المسيب: تومئ الحائض بالسجود. قال سعيد: وتقول: رب لك سجدت. وعن الشعبي جواز سجودها إلى غير القبلة، قال: ولو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير. وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يكفر لتلاعبه؛ هذا في غير المعذور، وأما المعذور كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا ففيه أربعة أقوال للشافعي، أصحها عند أصحابه: يجب عليه أن يصلي على حاله وأن يعيد إذا تمكن من الطهارة. الثاني: يحرم أن يصلي ويجب القضاء. الثالث: يستحب أن يصلي ويجب القضاء. الرابع: يجب أن يصلي ولا يجب القضاء. وقال أبو العباس: فيه دليل لمالك وابن نافع على قولهما: أن من عدم الماء والصعيد لم يصل ولم يقض إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها كعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطها؛ فلا يترتب شيء في الذمة فلا تقضى.

وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب، فهذا قول خامس. والمحكي عن ابن القاسم: يصلي ويقضي. وعن أشهب: يصلي ولا يعيد. وعن أصبغ: يصلي إذا قدر. وأبو الطاهر بن بشير يقول: سبب هذا الخلاف الخلاف في كون الطهارة شرطًا في الوجوب فتسقط الصلاة عمن تعذرت عليه، أو شرطًا في الأداء، فيقف الفعل على الوجود. وأما الصلاة في الحال دون الإعادة أو معها فمبنيان على الأخذ بالأحوط. وحكى ابن العربي عن القابسي قولًا سادسًا أنه يوميء إلى التيمم. وفي لفظه عند مسلم قول ابن عمر: وكنتَ على البصرة، فذكر ابن عمر لابن عامر هذا الحديث حين سأله الدعاء؛ على جهة الوعظ والتذكير حتى يخرج عما تعلق به من ولاية البصرة، وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع عدم التخلص من التبعات قد لا يجدي؛ كما لا تنفع صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول؛ وكذلك قال له: وكنت على البصرة ليشير له إلى الأمر الذي تعلقت به فيه الحقوق كثيرًا منها إلى أربابها أو مما أمكنه منها. وقال الخطابي: في قوله: "ولا صدقة من غلول" بيان إلى من سرق مالًا أو خانه ثم تصدق به لم يجزئه، وإن كان نواه عن صاحبه. وفيه دليل مستدل لمن ذهب إلى أنه إن تصدق به عن صاحب المال لم يسقط عنه تبعته، وإن كان طعامًا فأطعمه إياه لم يبرأ منه، ما لم يعلمه بذلك، وإطعام الطعام لأهل الحاجة صدقة ولغيرهم معروف وليس من باب أداء الحقوق ورد الظلامات.

2 - باب ما جاء في فضل الطهور

2 - باب ما جاء في فضل الطهور قال ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ثنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس قال: وثنا قتيبة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمّان واسمه ذكوان. وأبو هريرة اختلفوا في اسمه، فقالوا: عبد شمس وقالوا: عبد الله بن عمرو هكذا قال محمد بن إسماعيل وهذا أصح. وفي الباب عن عثمان بن عفّان وثوبان وعمرو بن عبسة وسلمان والصنابحي وعبد الله بن عمرو. والصنابحي هذا الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن بن عسيلة وهو صاحب أبي بكر الصديق ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، رحل إلى النبي فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، وقد روى عن النبي أحاديث. والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له

الصنابحي أيضًا وإنما حديثه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إني مكاثر بكم الأم فلا تقتتلنّ بعدي ... " (¬1). الحديث. قد حكم بصحته، وقد أخرجه مسلم (¬2) وقال: ثنا سويد ثنا مالك وثنا أبو الطاهر عن ابن وهب عن مالك. وإسحاق بن موسى الأنصاري، أخرج له مسلم وغيره، وأبو حاتم وكان يطنب في صدقه وإتقانه. وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري إلا استشهادًا، وقد أثنى الناس عليه، قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن سهيل بن أبي صالح؟ قال: قال يحيى بن سعيد: محمد أحب إلينا وما صنع شيئًا، سهيل أثبت عندهم، وقال أحمد: ما أصلح حديثه، وقال يحيى بن معين: سهيل والعلاء قريب من السواء وليس حديثهما بحجة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وهو أحب إليّ من عمرو بن أبي عمرو وأحبّ إليّ من العلاء عن أبيه. قال أبو زرعة: لسهيل أشبه من العلاء وأبوه أشهر قليلًا. وقال أحمد (¬3) بن عبد الله: سهيل بن أبي صالح ثقة وأخوه عباد ثقة. وقال أبو أحمد بن عدي: ولسهيل نسخ، روى عنه الأئمة وحدث عن أبيه وعن جماعة عن أبيه، وهذا يدل على ثقة الرجل كونه ميّز ما سمع من أبيه وما سمع ¬

_ (¬1) قال البخاري: ليس هو بصحيح، "العلل" للترمذي. قال الحافظ في "الفتح" (11/ 468): رواه أحمد وابن ماجه بسند صحيح. وصححه الضياء (8/ 44) وابن حبان (5953) والألباني في "السنة" (739). (¬2) "الصحيح" (ح 244) كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوجه. (¬3) هو العجلي.

من غير أبيه عنه، وهو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار، وذكر الترمذي عن سفيان بن عيينة قال: كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتًا في الحديث، وذكره العقيلي وحكى عن ابن المديني: سئل يحيى عن سهيل ومحمد بن عمرو؟ فقال: محمد أعلى منه وقد تقدم هذا عن أحمد. وقال ابن معين: صويلح وفيه لين. وسئل أحمد عن سهيل بن أبي صالح؟ فقال: صالح. وقال يحيى: ليس بالقوي في الحديث وليس بحجة، وقال مرة: ثقة. وقال أبو عبد الرحمن السلمي سألته يعني أبا الحسن الدارقطني: لم ترك محمد بن إسماعيل البخاري حديث سهيل بن أبي صالح في الصحيح؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرًا، فقد كان أبو عبد الرحمن النسائي إذا مرّ بحديث سهيل قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن (¬1). قال: قال النسائي: ترك البخاري إخراج حديث سهيل في كتابه وأخرج عن ابن بكير وأبي اليمان وفليح بن سليمان لا أعرف له وجهًا، ولا أعرف له فيه عذرًا. وقال بعض الحفاظ: روى عنه مالك ومالك هو المرجوع إليه في مشايخ المدينة. وقال محمد بن يحيى بن الحذاء في كتابه في "التعريف بمن ذكر في الموطأ": سهيل بن أبي صالح واسم أبي صالح ذكوان مدني مولى جويرية، سمع ابن المسيب وعطاء بن يزيد وأباه وعبد الله بن دينار. ¬

_ (¬1) انظر "السير" (5/ 460).

سمع منه مالك والثوري وشعبة، توفي في أول خلافة أبي جعفر وكانت ولايته في ذي الحجة سنة ست وثلاثين إلى ذي الحجة سنة ثمان وخمسين. قال ابن معين: أبو صالح السمّان له بنون ثلاثة: سهيل وعباد وصالح وكلهم ثقة. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، روى عنه أهل المدينة وأهل العراق قال: وقد أخرج لهم ثلاثتهم مسلم وقال النسائي: سهيل ثقة ورأى سهيل أنس بن مالك، وقال علي بن المديني: مات لسهيل أخ فوجد عليه فنسي كثيرًا من الحديث قال: ولعل هذا عذر البخاري في ترك إخراج حديثه لا سيما وهذا الخبر عن علي بن المديني من روايته مذكور في "تاريخه الكبير". وقال ابن حبان: يخطئ وهو عنده مذكور في كتاب "الثقات". وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه. وسئل مرة أخرى فقال: ليس بذاك، ومرة أخرى فقال: ضعيف. وذكر له ابن القطان حديثًا فقال: وهذا مما أنكر على سهيل وعد مما ساء فيه حفظه وظهر أثر تغيره عليه وكان قد تغير. قلت: وفيما ذكرناه آنفًا في توثيق سهيل رواية مالك عنه وأنه الرجوع إليه في مشايخ المدينة وهذا لا يرد على البخاري، لأن مالكًا من أهل المدينة، وسهيل ليس من قدماء شيوخه وقد تبين أنه تغير حفظه بأخرة، فيكون مالك سمع منه قبل التغير، وكثيرًا ما يعرض في المتغيرين والمختلطين مثل هذا فيفرق هناك بين الراوي عنه قبل الاختلاط فيقبل، أو بعده فيرد، أو الجهالة بحالة الراوي متى كان سماعه فينبغي أن يتوقف عنه كما تقرر في الملقن والمستور ... (¬1). ¬

_ (¬1) يوجد بياض قدر كلمتين، ولعلها تقدر: كما سبق، أو فيما سبق.

أبوه ذكوان هو السمّان وهو الزيات كان يجلبها، قال البخاري: مولى جويرية الغطفاني مولى غطفان وقال مسلم: مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني امرأة من قيس. قال ابن الحذاء وكان من أهل الستار والتجمل، وكان أبو هريرة إذا نظر إليه قال: ما على هذا أن لا يكون من بني عبد مناف، توفي سنة إحدى ومائة، وقال ابن أبي حاتم: ذكوان أبو صالح الزيات روى عن سعد بن أبي وقاص مسألة واحدة وأبي عياش الزرقي وأبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر وجابر وأبي هريرة وعائشة، ولم يسمع من أبي الدرداء شيئًا. روى عنه عطاء بن أبي رباح والزهري وحبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة والأعمش وزيد بن أسلم وعاصم بن بهدلة والقعقاع بن حكيم وعبد الله بن دينار وأبو حصين وابنه سهيل سمعت أبي يقول ذلك. حدثنا صالح عن أحمد بن حنبل قال: قال أبي: لم يرو منصور عن أبي صالح ذكوان، وروى عن أبي صالح باذام. أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: قلت لأبي: أبو صالح ذكوان فوق عبد الرحمن بن يعقوب والد العلاء؟ فقال: أبو صالح من جلة الناس وأوثقهم، من أصحاب أبي هريرة، وقد شهد الدار يعني زمن عثمان وهو ثقة ثقة. أخبرنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليّ، قال: سألت يحيى بن معين عن أبي صالح الذي يروي عنه الأعمش، فقال: اسمه ذكوان السمّان مدني مولى غطفان ثقة، سمعت أبي يقول: أبو صالح ذكوان صالح الحديث يحتج بحديثه. سئل أبو زرعة عن أبي صالح السمّان ذكوان فقال: مدني ثقة

مستقيم الحديث. وقال محمد بن سعد: كان أبو صالح ثقة كثير الحديث، وكان يقدم الكوفة يجلب، فينزل في بني أسد فيؤم بني كاهل. وقال عاصم: أبو صالح عظيم اللحية وكان يخللها. وقال ابن إسحاق: قال أبو صالح: ما أحد يحدث عن أبي هريرة إلا وأنا أعلم صادقًا هو أم كاذبًا، وقال الأعمش عن أبي صالح: ما كنت أتمنى من الدنيا إلا ثوبين أبيضين أجالس فيهما أبا هريرة. أبو هريرة: قال أبو عمر: وهو أبو هريرة الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوس هو ابن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. قال خليفة بن خياط: هو عمير بن عامر بن عبد بن ذي السّرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سُليم بن فهم بن غنم بن دوس، كذا نسب أبو عمر دوسًا وزاد فيه الرشاطي بين كعب ومالك: عبد الله. وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا لا تشاء أن تجده في مكان إلا وجدته والمشهور فيه على ألسنة المحدثين: عبد الرحمن بن صخر، وكان تسميه بعبد الرحمن أو عبد الله التي استقرت عليه بعد الإسلام وأنه كني بأبي هريرة لأنه حمل هرة في كمه قال: فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذه؟ " قلت: هرة. فقال لي: "يا أبا هريرة". أسلم عام خيبر، قال أبو عمر: ثم شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم لزمه رغبة في العلم راضيًا بشبع بطنه فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيث ما دار وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار، لاشتغال المهاجرين بالتجارة والأنصار بحوائطهم. وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله إني سمعت منك حديثًا كثيرًا وإني أخشى أن أنسى، قال: "ابسط رداءك" قال: فبسطت فغرف يده فيه ثم قال: "ضمه" فضممته فما نسيت شيئًا بعد. قال البخاري: روى عنه أكثر من ثمان مائة رجل من بين صاحب وتابع، واستعمله عمر على البحرين ثم عزله ثم أراده على العمل فأبى عليه ولم يزل يسكن المدينة وبها كانت وفاته سنة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وخمسين وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث وثلاثمائة حديث وأربعة وسبعون حديثًا. اتفقا على ثلاثمائة حديث وخمسة وعشرين، انفرد البخاري بثلاثة وتسعين ومسلم بثمانية وتسعين. وكان من أصحاب الصفة، وهو حليف أبي بكر الصديق. قال: وفي الباب عن ثوبان (¬1) وحديثه عند ابن ماجه من حديث سفيان عن ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: حديث ثوبان ليس عند ابن ماجه، والذي عنده بهذا السند: "لن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، وهو غير هذا الحديث. اهـ. قلت: في "السنن" (277)، وقال المزي في "التحفة" (2086): قال أحمد بن حنبل: لم يسمع سالم من ثوبان، بينهما معدان. وأحسب هذا من "السنن"! =

منصور عن سالم بن أبي الجعد عنه. وعن عثمان بن عفان وعمرو بن عبسة إلى آخره. حديث عثمان أخرجه البخاري (¬1) من حديث معاذ بن عبد الرحمن عن حمران، وأخرجه مسلم من حديث مسعر وشعبة عن جامع بن شدّاد عن حمران عنه. وحديث عمرو بن عبسة (¬2) رواه ابن ماجه عن ابن أبي شيبة وبندار عن غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عنه. وحديث سلمان رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن شقيق عن سلمة بن سبرة عنه، وعن قبيصة بن عقبة عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي عثمان عنه ولفظه: "من توضأ فأحسن الوضوء تحاتت خطاياه كما يتحات الورق". والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة من مراد منسوب إلى صُنابح بن زاهر بن عامر بن وثبان بن زاهر بن مُراد، كذا قال الكلبي فيما حكى عنه الرشاطي ثم قال: ويقال: إنه من طيء من بني عمر الغوث. قال ابن دريد: فاشتقاق صُنابح إن كانت النون زائدة فمن الصبح وهو الضوء. ¬

_ = قال البوصيري: رجال إسناده ثقات أثبات، إلا أن فيه انقطاعًا بين سالم وثوبان، لكن أخرجه الدارمي وابن حبان في "صحيحه" من طريق ثوبان متصلًا. اهـ. لذا صححه الألباني، وأحال على مصادر منها "الإرواء" (412). (¬1) "الصحيح" (6433)، ومسلم (232، 226). (¬2) في هامش الأصل: قلت: حديث عمرو بن عبسة، رواه مسلم في "صحيحه" في كتاب الصلاة في قصة إسلام عمرو بن عبسة. ورواه النسائي أيضًا. قلت: رواه مسلم في "الصحيح" (832)، والنسائي (147)، وهو عند ابن ماجه (283).

وقال قوم: الصنابح العرق المتين، وإن كان كذلك فهو فعالك، كان الصنابحي مسلمًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده فلما انتهى إلى الجحفة لقيه الخبر بموته صلى الله عليه وسلم وهو معدود في كبار التابعين. روى عن أبي بكر وعمر وبلال وعبادة بن الصامت، وكان فاضلًا. قال عنه أبو عمر: وكان عبادة كثير الثناء عليه. وذكر أبو عمر عن ابن مسهر بسنده إليه قال: كتب إليّ ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال؛ قلت للصنابحي: هاجرت؟ قال: خرجت من اليمن فقدمنا الجحفة ضحى فمر بنا راكب فقلنا: ما وراءك؟ قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ خمس. قال أبو الخير: فقلت له: لم يفتك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخمس (¬1). وحديثه (¬2) ذكره مالك فقال: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن" فذكره كذا هو في "الموطأ" وهو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عُسيلة. قال الترمذي: سألت البخاري عنه، فقال: مالك بن أنس وهم في هذا الحديث فقال: عبد الله الصنابحي وهو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن بن عسيلة. وقد وافق مالكًا على تسميته كذلك أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم في حديث لأبي داود من طريقه عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي، قال: زعم أبو محمد: أن الوتر واجب، وكذلك قال زهير بن محمد عن زيد فذكره أبو ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (2/ 841 / ت 1439). (¬2) في هامش المخطوط: قلت: وحديث الصنابحي رواه النسائي وابن ماجه.

علي بن السكن حكاه ابن القطان. وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه فيمن روى عن الصنابحي هذا يزيد بن عبد الله وربيعة بن يزيد غير أن ربيعة يقول فيه عن عبد الله. وأما حديث عبد الله بن عمرو فذكر ابن أبي شيبة في المحافظة على الوضوء وفضله: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وعن ابن عمر رواه الدارقطني من طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه. قلت (¬1): وفي الباب أيضًا عن أبي أمامة ذكره النسائي من حديث شهر بن حوشب عنه ولم يذكرها الترمذي. وذكر الصنابح بن الأعسر للتفرقة بينه وبين الصنابحي. وقد ذكره أبو عمر وقال: له صحبة، معدود في أهل الكوفة من الصحابة روى عنه قيس بن أبي حازم لم يرو عنه غيره وليس هو الصنابحي، ذاك منسوب إلى قبيلة من اليمن. وهذا الصُنابح اسم لا نسب ونسبه في أحمس. وذاك تابعي وهذا له صحبة. وذاك معدود في أهل الشام وهذا كوفي. وحديث الصنابح الذي ذكره: "إني فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم" رواه ابن ماجه من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه. ¬

_ (¬1) في هامش المخطوط: قلت وفي الباب مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح: عن مرة بن كعب البهزي؛ رواه أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد"، وفي إسناده رجل لم يسم والله أعلم. وفي الباب أيضًا عن أنس بلفظ: "طهور الرجل لصلاته يكفر ذنوبه"؛ رواه ابن حبان في "الضعفاء" من رواية بشار بن الحكم عن ثابت عنه.

قوله: (العبد المسلم والمؤمن) ها هنا الشك من أحد الرواة، وكذلك هي في (مع الماء أو مع آخر قطر الماء). ويحمل عليه التحري لبيان لفظ الحديث دون معناه، وهي مسألة ذهب الجمهور إلى جوازها. وما وقع في هذا الحديث (بطشتها يداه ومشتها رجلاه) فمعناه والله أعلم اكتسبتها قال أبو عمر: وفي رواية ابن وهب عن مالك لهذا الحديث زيادة ليست لغيره من الرواة عن مالك وذلك أنه زاد في هذا الحديث ذكر الرجلين فقال: "فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتهما رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء" وهكذا قال: مشتهما مثنى. وقوله: إن زيادة لفظة الرجلين لا يعرف عن مالك ولا (¬1) من طريق ابن وهب يعارضه ثبوتها في "صحيح مسلم" (¬2) من حديث مالك من طريق سويد بن سعيد وابن وهب عنه وفيه: (مشتها رجلاه) بغير تثنية، وإن كان مسلم قد جعل اللفظ فيه لابن وهب دون سويد فإنه لا يحتمل مثل ذلك الانفراد بهذه الزيادة، ولو لم يكن عن سويد لبينها. وفي حديث الصُنابحي زيادة (فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى يخرج من أذنيه) وقد يستدل بهذا من يجعل الأذنين من الرأس وهو مما وقع الخلاف بين العلماء فيه وسيأتي. قال أبو عمر: وليس في هذه الأحاديث ذكر الرأس إلا في حديث الصنابحي وقد وقع في حديث عمرو بن عبسة: "فإذا غسل ذراعيه خرجت خطاياه من ذراعيه ورأسه، وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه" كذا ذكره ابن أبي شيبة من ¬

_ (¬1) كذا وصوابها: وإلا. أي: وإلا من طريق ابن وهب عنه. (¬2) "صحيح مسلم" (244).

طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه، فتضمن ذكر الرجلين الذي ذكر أبو عمر أنه ليس في حديث أبي هريرة الذي رواه مالك إلا من طريق ابن وهب عنه. وقد ذكره أبو عمر من طريق أبي داود وفيه: "ثم إذا مسحت برأسك خرجت خطاياك من أطراف شعرك، ثم إذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من أطراف أنامل رجليك". وذكر ابن العربي كلامًا معناه: لم كانت خطايا الوجه من العين وحدها دون الفم والأنف؟ وأجاب بوجهين: الأول: أن العين ليس في خطاياها كبيرة بخلاف الفم والأنف ولا يخلو هذا من نظر، وهو أن الأنف أخف خطايا من العين وقد استدل بعض من لم يجز الوضوء بالماء المستعمل بهذا الحديث وقال: لأنه إذا حصل الوضوء به مرة خرجت الخطايا معه فوجب التنزه عنه لأنه ماء الذنوب. قال أبو عمر (¬1): وهذا عندي لا وجه له، لأن الذنوب لا تنجس الماء لأنها لا أشخاص لها تمازج الماء فتفسده وإنما معنى قوله: خرجت الخطايا مع الماء إعلام بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به الذنوب والسيئات عن عباده المؤمنين رحمة بهم وتفضلًا عليهم أعلموا بذلك ليرغبوا في العمل به. واختلف الفقهاء في الوضوء بالماء المستعمل الذي قد توضأ به مرة فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما: لا يتوضأ به ومن توضأ به أعاد لأنه ليس بماء مطلق ويتيمم واجده لأنه ليس بواجد ماء قالوا: لما كان مع الماء الذي لم يستعمل كلا ماء وجب التيمم، وقال بقولهم في ذلك أصبغ وهو قول الأوزاعي. وأما مالك فقال: لا يتوضأ به إذا وجد غيره من الماء ولا خير فيه ثم إذا لم ¬

_ (¬1) "التمهيد" (4/ 42)، و"الاستذكار" (1/ 200).

يجد غيره توضأ به ولم يتيمم لأنه ماء طاهر لا ينضاف إليه شيء فوجب أن يكون مطهرًا بطهارته لأنه لا يضاف إلى شيء وهو ماء مطلق، واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضيء نجاسة، وإليه ذهب محمد بن نصر المروزي. واختلف عن الثوري في هذه المسألة فروي عنه عدم الجواز وقال: هو ماء الذنوب وقد روي عنه خلاف ذلك أفتى فيمن نسي مسح رأسه قال: يأخذ من بلل لحيته فيمسح به رأسه، وقد روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء ابن أبي رباح والحسن البصري والنخعي ومكحول والزهري أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللًا أنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل رأسه. وعند مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن قال بقولهم: أن من فعل ذلك كمن لم يمسح رأسه لأنه ماء قد أدّي به فرض آخر كالجمار وشبههما. قال أبو عمر: الجمار مختلف في ذلك منها ورواية المدنيين من أصحاب مالك أنه طهور لكن كرهوه للخلاف فيه وقيل مشكوك فيه فيجمع بينه وبين التيمم، ثم اختلف في البداءة بالوضوء به قبل التيمم أو بالتيمم على قولين ذكره ابن شاس ومراعاة الخلاف مما استعمله المالكيون أكثر من غيرهم. وقال أبو العباس: قد استدل أبو حنيفة بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل ولا دليل فيه وذكر نحوًا مما حكيناه عن أبي عمر فتلخص من هذا أن في الماء المستعمل ثلاثة مذاهب: * قول بالتنجيس وهو أضعفها مأخذًا لما روى الدارقطني وغيره من حديث أبي أمامة: "أن الماء لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو طعمه" الحديث وفيه من حديث ثوبان أيضًا. * وقول بالطهارة دون الطهور وأقوى ما يستدل به من ذهب إليه تصرفهم في

لفظة طهور في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وقوله - عليه السلام -: "وهو الطهور ماؤه" وما جاء من ذلك وأنها تقتضي زيادة على الطاهرية من حيث البنية؛ فإن فعولًا من الأبنية السالمة، ومن حيث المعنى فإنهم كانوا يعلمون طهارة ماء البحر وإنما سألوا عن جواز رفع الحدث، وقول جابر عنه - عليه السلام -: (فتوضأ وصب عليّ). وعن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه"، وغير ذلك وما يؤخذ من قوله - عليه السلام -: "وجعل ترابها طهورًا" مما حسن به وقد كان ترابها طاهرًا قبل ذلك فالذي وقع الاختصاص به هو القدر الزائد من الطهورية على الطاهرية. وقول ببقائه على طهارته وطهوريته مع تنزه القائلين بطهوريته عن استعماله إذا وجد غيره على التفصيل المحكي عنهم آنفًا ويستدل له بعموم قوله - عليه السلام - في بئر بضاعة: "أن الماء طهور لا ينجسه شيء"، وبما في معناه من حديث ابن عباس: "أن الماء لا يجنب" وغيره فريق (¬1) من الاحتجاج لقولهم والمعارضة لخالفتهم ما يطول ذكره وأصحابنا يفرقون في ذلك بين الأغسال المسنونة وما وقع عندنا فيجيزونه في الأول دون الثاني وكذلك ما بلغ القلتين وما لم يبلغهما وسيأتي ذلك عند ذكر حديث القلتين إن شاء الله. والذنوب التي تضمن الحديث تكفيرها هي الصغائر دون الكبائر. * * * ¬

_ (¬1) كذا ولعلها: مع كل فريق، أو: لكل فريق ...

3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور حدثنا هناد وقتيبة ومحمود بن غيلان قالوا ثنا وكيع عن سفيان وحدثنا محمد بن بشّار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد: وهو مقارب الحديث. قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد. حدثنا أبو بكر (¬1) محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد قالوا ثنا حسين بن محمد ثنا سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الوضوء". هذا الحديث مخرج عند أبي داود في الطهارة وفي الصلاة عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع. ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: هذا الحديث وقع في رواية أبي يعلى السنجي وليس هو في رواية الشارح. اهـ.

وابن ماجه عن علي بن محمد عنه. وزعم ابن العربي أن إسناد أبي داود هذا أصح من سند الترمذي، ولا وجه لهذا الترجيح، ومداره على ابن عقيل. ولم يصحح أبو عيسى حديث ابن عقيل هذا، وصححه في غير هذا الموضع وينبغي أن يكون حديثه حسنًا، وقد أثنى عليه قوم وتكلم فيه آخرون، فلنذكر من قاله وما الناس عليه ولنضم فيه ما انتهى إلينا. وهو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، ومحمد (¬1) بن الحنفية ومحمد بن مسلم الزهري وعطاء بن يسار وأبا سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وحمزة بن أبي سعيد الخدري وفضالة بن أبي فضالة الأنصاري. روى عنه ابن عيينة وزهير بن معاوية وشريك والنخعي وابن عجلان وبشر بن المفضل ومحمد بن راشد والثوري وروح بن القاسم وفليح وزائدة ويعقوب القمي ومحمد بن علي الجعفي وعبيد الله بن عمرو الرقي وحماد بن سلمة وزهير بن محمد. قال الحاكم: كان أحمد وإسحاق يحتجان بحديثه. وقال أبو عمر بن عبد البر فيه: شريف عالم لا يطعن عليه إلا متحامل وهو أقوى من كل من ضعفه وأفضل. وقال أبو أحمد بن عدي (¬2): حدثنا علي بن أحمد بن سليمان قال: ثنا أحمد ¬

_ (¬1) كذا. والعجب أنه ترك روايته عن صحابة، وبدأ بخاله محمدًا فهذا مما يدل على وجود سقط. (¬2) "الكامل" (4/ 127).

ابن سعد بن أبي مريم (¬1) قال سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن محمد بن محمد بن عقيل ضعيف الحديث. قال: وثنا ابن أبي بكر وابن حماد قالا ثنا عباس قال: سمعت يحيى يقول -وسئل عن حديث سهيل والعلاء وابن عقيل وعاصم بن عبيد الله، فقال: عاصم وابن عقيل أضعف الأربعة، العلاء وسهيل حديثهم قريب من السواء وحديثهم ليس بالحجج أو قريب من هذا تكلم فيه يحيى قال: يحيى: ومحمد بن عمرو أكثر ما يحتج من هؤلاء الأربعة، زاد ابن أبي بكر: وفليح وابن عقيل وعاصم بن عبيد الله ولا يحتج بحديثهم. حدثنا ابن حماد قال ثنا معاوية عن يحيى قال: عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف، ومن رواية ابن الدورقي عنه كذلك. وذكر عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت علي بن المديني يقول: لم يدخل مالك في كتبه ابن عقيل يعني عبد الله بن محمد ابن عقيل ولا ابن أبي فروة. وقال السعدي: توقف عنه، عامة ما يروى عنه غريب. وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى وعبد الرحمن جميعًا يحدثان عن ابن عقيل والناس يختلفون عليه. وقال يعقوب القمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي أبو جعفر ومحمد بن الحنفية إلى جابر بن عبد الله الأنصاري فنسأله عن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته فنكتب ونتعلم منه. ومن رواية غيره عنه قال: كنت أختلف أنا وأبو جعفر إلى جابر بن عبد الله نكتب عليه في الألواح. ¬

_ (¬1) كأنها رسمت: مزاحم!!

وذكر أبو أحمد من طريقه أحاديث منها الحديث المذكور "مفتاح الصلاة الطهور" فرواه عن الحسن بن سفيان ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وأبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا وكيع كما ذكرناه. ثم قال عن ابن عقيل: له أحاديث وروايات، وقد روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، وهو خير من ابن سمعان ويكتب حديثه. وقال ابن سعد: منكر الحديث لا يكتب حديثه وكان كثير العلم مات سنة خمس وأربعين ومائة. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه، فوجب مجانبة أخباره. وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة لا يحمد حفظ ابن عقيل. وقال أبو حاتم: هو لين الحديث ليس ممن يحتج بحديته يكتب حديثه وهو أحب إليّ من تمام بن نجيح. وقيل ليحيى بن معين: عبد الله بن محمد بن عقيل أحب إليك أو عاصم بن عبيد الله؟ فقال: ما أحب واحدًا منهما في الحديث. وقال أبو عمر في موضع: وعبد الله بن محمد بن عقيل ليس بالحافظ عندهم. وفي الباب مما لم يذكره الترمذي حديث أنس: "مفتاح الصلاة الطهور والتكبير تحريمها" ذكره ابن عدي وضعفه بنافع بن هرمز. وفي الباب مما لم يذكره حديث ابن مسعود ذكر الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله.

وذكر أبو بكر البيهقي حديث علي هذا وقال: قال الشافعي في القديم: وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود، وذكر بسنده عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: "مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها بالتسليم". وذكر في الباب حديث جابر وأبي سعيد، وكلاهما عنده. أما حديث جابر ففي الباب ذكره، وأما حديث أبي سعيد فرواه في الصلاة عن سفيان بن وكيع عن محمد بن الفضيل عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عنه. وقال: حديث علي أجود إسنادًا من حديث أبي سعيد، فإن مدار حديث أبي سعيد عن علي بن مسهر وعن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي معاوية الضرير جميعًا عن أبي سفيان السعدي به. أما قوله: (إن حديث علي أجود إسنادًا من حديث أبي سعيد)، فإن مدار حديث أبي سعيد على أبي سفيان عن أبي نضرة كذا هو عنده وعند ابن ماجه وعند أبي يعلى في "مسنده"، قال أبو يعلى: ثنا إسحاق يعني ابن إبراهيم ثنا حسان بن إبراهيم ثنا أبو سفيان، فذكره. وأبو سفيان قيل طريف بن شهاب ويقال طريف بن سفيان ويقال طريف بن سعد ويقال طريف الأشل، وإنما غير نسبه لئلا يعرف يروي عن الحسن وأبي نضرة، قال أحمد ويحيى: ليس بشيء. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال عمرو بن علي: ما سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عن أبي سفيان السعدي بشيء. وقال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، لا يكتب حديثه.

وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بقوي. وقال ابن عدي: روى عنه الثقات وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان مغفلًا يهم في الأخبار حتى يقلبها ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات. فهذا وجه انحطاطه عن درجة حديث علي. أخبرنا أبو الفضل الموصلي بقراءة والدي عليه وأنا أسمع قال أنا ابن طبرزد. وأنا ابن عبد الباقي أنا الحسن بن علي الجوهري أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الورّاق أنا حمزة بن محمد بن عيسى أنا نعيم بن حماد ثنا أبو معاوية ومحمد بن فضيل عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء مفتاح الصلاة والتكبير تحريمها والتحليل تسليمها، ولا تجزيء صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها وفي كل ركعتين تسليم يعني التشهد" (¬1). وقد قال في حديث علي: إنه أجود شيء في الباب وأحسن، وذلك أن حديث جابر أيضًا في إسناده سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات. وأما سليمان بن قرم وإن كان أخرج له مسلم في صحيحه فهو أبو داود الضبي، يروي عن الأعمش وسماك. ¬

_ (¬1) انظر "الكامل" (4/ 177)، و"مسند أبي حنيفة" لأبي نعيم (1/ 131).

قال يحيى: ليس بشيء، وهو ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. وقال أبو زرعة: ليس بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان رافضيًّا غاليًا، وكان يقلب الأخبار، وهو سليمان بن معاذ الضبي البصري أيضًا. روى عنه أبو داود الطيالسي. وقال الدارقطني: وقد تبع أبا داود على ذلك البخاري فجعلهما رجلين وعقد ترجمتين لهما. وقال أبو حاتم الرازي: سليمان بن قرم وسليمان بن معاذ واحد وهو سليمان بن قرم بن معاذ. وأما أبو يحيى القتات فهو عبد الرحمن بن دينار، ويقال إن اسمه زاذان ويقال يزيد ويقال دينار، كوفي يروي عن مجاهد. ضعفه شريك ويحيى. ووثقه يحيى في رواية. وقال أحمد: رويت عنه أحاديث مناكير جدًّا. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: فحش خطؤه وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات. فقد تبين بما قلناه أن ليس في الباب أمثل من حديث علي، فأقل مراتبه أن

يكون من قسم الحسن، وما عداه لا يعدو درجة الضعيف. وما حكاه أبو عيسى عن البخاري من قوله في ابن عقيل: مقارب الحديث، هو بكسر الراء وهو محمول عندهم على مقاربة الصحة. قال القاضي أبو بكر بن العربي: أصح شيء في هذا الباب وأحسن، حديث مجاهد عن جابر (¬1). قلت: وما قاله الترمذي أولى. قال الخطابي: في هذا الحديث بيان أن التسليم ركن للصلاة، كما أن التكبير ركن لها، وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم دون الحدث والكلام، لأنه عرفه بالألف واللام، وعينه كما عيّن الطهور وعرفه فكان ذلك منصرفًا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة، والتعريف بالألف واللام مع الإضافة يوحب التخصيص، كقولك فلان مبيته المساجد يريد أنه لا مبيت له يأوي إليه غيرها. وفيه دليل على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير دون غيره من الأذكار، وحاصل ما ذكره الإمام أبو سليمان أنه من باب حصر المبتدأ في الخبر وهو يقبل المنازعة مع قوته. والحنفي يخالفه في المسألتين معًا من الافتتاح بالتكبير ووجوب الانصراف بالتسليم وتعينه كذلك، وأما التحريم بالتكبير فقال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله: واختلف في حكم التحريم فعامة أهل العلم على وجوبه إلا ما روي عن الزهري وابن المسيب والحكم والحسن والأوزاعي وقتادة في أنه سنة وأنه يجزيء الدخول في الصلاة بالنية وعامة أهل العلم على أنه لا يجزيء إلا بلفظ التكبير إلا أبا حنيفة وأصحابه، فإنهم يجيزون الدخول بلفظ فيه تعظيم لله. ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: قلت: لم يقل ابن العربي ذلك، ولكن عدم التأمل أوقع في هذا النقل الفاسد، وهذا بعد مراجعة كلامه واضح.

وأجاز الشافعي الله الأكبر، وأجاز أبو يوسف الله الكبير. ومالك لا يجيز إلا اللفظ المعين الله أكبر المعهود في عرف اللغة والشرع لا سواه، واحتج لمذهب مالك في ذلك بحديث علي هذا، وقال: والألف واللام في التكبير والتسليم حوالة على معهود تكبيره صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولم يرو عنه قط أنه قال في التكبير ولا في التسليم غير لفظين معينين وهما: الله أكبر والسلام عليكم. قلت: وقدمت من حديث عائشة رضي الله عنها في "صحيح مسلم": أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، ففيه رد على من أجاز الدخول في الصلاة بالنية ممن حكينا عنه ذلك، وقولها في الحديث: "وكان يختم الصلاة بالتسليم" حجة على أبي حنيفة والأوزاعي والثوري ومن ذهب إلى جواز الانصراف بغير التسليم. وقولهم: أحرم بالصلاة والباء سببية ومعناه دخل بسبب الصلاة فيما يحرِّم عليه أفعال الصلاة كما فعلوا في الأمكنة والأزمنة من قولهم: أحرم إذا دخل في بلد حرام أو شهر حرام، وقال: قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا ... فدعا فلم أر مثله مقتولًا (¬1) أي: قتلوه في شهر حرام. وتحريمها التكبير أي المؤذن بالتحريم إذ هو أول أفعالها الظاهرة وأول أفعالها مطلقًا النية وبها التحريم. ¬

_ (¬1) انظر "اللسان" (ح ر م) قال: ويروى: مخذولًا. وانظر "غريب الحديث" (2/ 466)، لابن قتيبة، و "تاريخ بغداد" (10/ 416)، فإن فيه قصة مناظرة مع الكسائي بحضور هارون الرشيد الخليفة. والبيت للراعي، ومن بحر الكامل.

فاستفدنا من ذلك مقارنة النية للتكبير كما ذهب إليه أصحابنا وفيه خلاف بين العلماء يأتي إن شاء الله. والتسليم هو حل ما كان منعقدًا أو حل ما كان حرامًا ولذلك قلنا: لا يكون إلا بنية ولا ينحل شرعًا ما كان منعقدًا إلا بقصد كما لم يرتبط إلا بقصد، ولأن السلام جزء من أجزائها، وقد روى عبد العزيز بن عبد الملك: أنه لا يكون الخروج عن الصلاة إلا بقرينة، كالخروج عن الحج وهذا لا يصح، فإن الخروج عن الحج يكون بفعل مقترن بالنية وهو الرمي والطواف. ويستدل لأبي حنيفة بما روى البيهقي من حديث أبي عوانة عن الحكم وعاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. قلت: وهذا جار على أصولهم وأما عندنا فالحجة فيما روى لا فيما رأى، وروى أيضًا من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة". ورد الأول بعاصم بن ضمرة والثاني بعبد الرحمن بن زياد بن أنعم. وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا عند ذكر حديث عبد الرحمن هذا في موضعه في هذا الكتاب والتعريف بحال عبد الرحمن وما يعتذر به عن تضعيفه ومحله من الرد أو القبول إن شاء الله تعالى. وهل يتعدى السلام المعرف بالألف واللام أو لا؟ وهل تجزيء التسليمة الواحدة أو لا بد من اثنتين؟ يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء ثنا قتيبة وهناد قالا ثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك" قال شعبة: وقد قال مرة أخرى: "أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث". قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود. قال أبو عيسى: حديث أنس أصح شيء في الباب وأحسن. وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس وقال سعيد عن زيد بن أرقم وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه. حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال ثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس هذا، أخرجه الشيخان في صحيحيهما ورواه البخاري في الطهارة ثنا آدم، وفي الدعوات عن ابن عرعرة كلاهما عن شعبة عنه. ومسلم في الطهارة ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا حماد بن زيد وهشيم عنه قالا

ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير عن ابن علية عنه. وقد رواه أيضًا النسائي وابن ماجه. وحديث في رواه ابن ماجه، ورواه الترمذي في أواخر كتاب الصلاة وسيأتي الكلام عليك هناك. وحديث زيد بن أرقم رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث النضر بن أنس، ومن حديث القاسم بن عوف الشيباني عنه. فأما حديث النضر بن أنس فرواه أبو داود في الطهارة عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن قتادة عن النضر عن زيد. ورواه النسائي في اليوم والليلة عن ابن مثنى عن غندر وابن مهدي عن شعبة، وعن مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن شعبة عن قتادة عن قاسم بن عوف. وأما حديث قاسم بن عوف الشيباني المدني عن زيد فرواه النسائي في اليوم والليلة (¬1) عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع وعن هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان جميعًا عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم. ورواه ابن ماجه (¬2) في الطهارة عن جميل بن الحسن العتكي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن هارون بن إسحاق عن عبدة جميعًا عن سعيد به. وقال الترمذي في كتاب "العلل" (¬3): حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر وابن مهدي ثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن النبي ¬

_ (¬1) "الكبرى" (9903 - 9906). (¬2) "السنن" (296). (¬3) "العلل" (3 / ص 22، 23).

صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث وقلت له: روى هشام الدستوائي مثل رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم يعني الحديث. وقد رواه معمر مثل ما روى شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد فأي الروايات عندك أصح؟ قال: لعل قتادة سمع منهما جميعًا، ولم يقض في هذا بشيء. وقال البيهقي (¬1): قال الإمام أحمد: وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس وهو وهم. وأما حديث قتادة عن زيد فمنقطع. وفي الباب مما لم يذكره: عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث الشيطان الرجيم" رواه ابن ماجه من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة. فأما عبيد الله فضعفه أحمد ويحيى. وأما علي فقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. ¬

_ (¬1) "السنن الكبير" (1/ 96). وفي هامش الأصل: البيهقي إنما قال هذا من عند نفسه، وقوله في ... البيهقي: (قال الإمام أحمد) المراد به البيهقي.

وفيه أيضًا: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: كان إذا دخل الخلاء قال. اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس المخبث. رواه حفص بن عمر العدني عن المنذر بن ثعلبة عن علباء بن أحمر عن علي، وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ذكره ابن عدي (¬1) في باب حفص من كتابه، وقال: قد جمع بين صحابيين وما أظن رواه غير حفص هذا وهو غير ثقة. والخلاء بفتح الخاء والمد موضع قضاء الحاجة، وكذلك الكنيف بفتح الكاف وكسر النون وهو الساتر فأصلها من الخلوة والسترة، لأنه يقصد لذلك، والخلا مقصور. الحشيش والحشوش جمع حَش مفتوح الحاء وهو البستان لأنهم كانوا ينتابونها لذلك. قال الخطابي: الخبث بضم الباء جمع الخبيث، والخبائث جمع الخبشِة يريد ذكران الشياطين وإناثهم، وعامة أصحاب الحديث يقولون الخبث ساكنة الباء وهو غلط والصواب الخبث مضمومة الباء. قال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار. وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام وحسبك به جلالة. وقال القاضي أبو الفضل عياض: أكثر روايات الشيوخ بالإسكان، وقال أبو العباس: رويناه بالضم والإسكان. قلت: لا ينبغي أن يعد مثل هذا غلطًا، لأن فُعُلًا بضم الفاء والعين يسكن ¬

_ (¬1) "الكامل" (2/ 386).

عينه قياسًا، فلعل من سكنها سلك ذلك المسلك ولم يرد غير ذلك مما قد يخالف المعنى الأول. وقال الداودي: الخبث الشيطان والخبائث الشياطين ولذا يسكنون البَاء وقيل فيه إنه المكروه مطلقًا، وقيل الخبث الكفر والخبائث الشياطين قاله ابن الأنباري، وهو الخبائث: البول والغائط، وقد عبر عنهما في موضع آخر بالأخبثين في حديث مدافعة الأخبثين. وقوله: (إذا دخل الخلاء) يحتمل أن يراد به إذا أراد الدخول نحو قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أي إذا أردتم القيام، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} أي إذا أردت القراءة، وكذلك وقع في "صحيح البخاري". ويحتمل أن يراد به ابتداء الدخول وينبني عليه من دخل ونسي التعوذ فهل يتعوذ أم لا؟ كرهه جماعة من السلف منهم ابن عباس وعطاء والشعبي فيحمل الحديث عندهم على المعنى الأول. واختار جماعة منهم ابن عمر وابن سيرين والنخعي أخذًا بقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ولم يحتج هؤلاء إلى حمل الحديث على مجازه من العبارة: بالدخول عن إرادته. وقد نقل القولان معًا عن مالك، هذا كله في الكنف المتخذة في البيوت لا في الصحراء وهو ظاهر في لفظة: دخل، ومن قوله: إن هذه الحشوش محتضرة وهي محتضرة تأوي إليها الشياطين. وكذلك اختلفوا أيضًا في دخول الخلاء بالخاتم فيه اسم الله تعالى وسيأتي ذلك عند حديث ذكر أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.

5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة. وأبي بردة بن أبي موسى اسمه عامر بن عبد الله بن قيس، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة. الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل. وأخرجه أبو داود عن عمرو الناقد عن هاشم بن القاسم، والنسائي عن أحمد بن نصر النيسابوري، وابن ماجه عن أبي بكر كلاهما عن يحيى بن أبي بكر كلاهما عن إسرائيل به. وقوله: (حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ... إلى آخره)، ثم قال: (ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة) أثبت له غرابة السند بتفرد إسرائيل فمن فوقه، وغرابة المتن لكونه لا يعرف في الباب إلا حديث عائشة. ثم وصفه بعد ذلك بأنه حسن ولو لم تكن تلك الغرابة الراجعة إلى الإسناد لا عارض ذلك، وأما قوله: (لا يعرف في الباب إلا حديث عائشة) مع قوله في الحسن: (أنه يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر) فهذا قد يوهم منافاة الحسن الذي وصفه به على شرطه فيحتاج إلى الجواب عن ذلك؟ فنقول: لا يشترط

في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي يحتاج فيه إلى أن يروى نحوه من وجه آخر هو ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته ولا ارتقى إلى أن يدخل في الصحيح مع المتابعة رواية، فهناك يحتاج إلى تقويته بالمتابعات والشواهد لنقل مجموع ذلك إلى تلك الدرجة. وأمّا هذا فقد كان من شأنه أن يكون من الصحيح، فإن إسرائيل المنفرد به متفق على إخراج حديثه عند الشيخين، وقد تقدم في الكلام على الشذوذ والمنفردات ما يوضح أن ما انفرد به الثقة ولم يتابم عليه لا يرتقي إلى درجة الصحاح حتى يكون مع الثقة في الرتبة العليا من الحفظ والإتقان، وإن لم يجاوز الثقة فحديثه هناك حسن، كما أن المستور مع التفرد لا يرتقي إلى درجة الحسن بل تفرده مردود. فكذلك هذا الحديث لو وجد شاهدًا له لما وقف عند مرتبة الحسن وربما لم يقف عندها، فقد أخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه كما يأتي بيانه، وأكثر ما في الباب أن الترمذي في الموضع الذي شرط فيه في الحسن تقويته بالمتابعات عرّف بنوع منه وهو أكثره وقوعًا عنده لا بكل أنواعه وهذا نوع آخر منه مستفاد من كلامه وكلام الحاكم والمحاملي وغيرهم من أئمة هذا الشأن في الغرائب والشذوذ والانفرادات كما قلناه، وقد بقي علينا أن نعرف محل رواته من الثقة ليتبين ما ذكرناه فنقول: محمد بن إسماعيل الذي رواه عنه هو ابن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي، سكن بغداد، سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا نعيم الفضل بن دكين والحسن بن سوار العنبري وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق الفروي وقبيصة بن عقبة في خلق يطول ذكرهم. روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو بكر بن أبي الدنيا وموسى بن هارون الحمّال وجعفر الفريابي وأبو علي الصواف ويحيى بن صاعد والمحاملي ومحمد بن

مخلد وإسماعيل الصفار ومحمد بن عمرو ابن البختري وأبو عمرو بن السماك وأحمد بن سلمان النجاد وأبو سهل بن زياد القطان وأبو علي بن خزيمة وأبو بكر الشافعي وآخرون. قال النسائي: ثقة. وقال الخلال: رجل معروف ثقة كثير العلم متفقه. وأثنى عليه الخطيب وأبو العباس بن عقدة وغيرهم. قال ابن سخبرة: مات في رمضان سنة ثمانين ومائتين ودفن عند قبر أحمد بن حنبل. ومالك أبو غسان هو مالك بن إسماعيل بن درهم ويقال ابن زياد بن درهم النهدي الكوفي، سمع من حماد بن زيد وإسرائيل وغيرهم. أخرج له الجماعة كلهم وأثنى عليه الأئمة ثناء حسنًا. قال أبو حاتم: متقن ثقة، له فضل وصلاح وعبادة، وصحة حديث واستقامة، في ثناء أكثر من هذا. وقال ابن نمير: محدث من أئمة المحدثين. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صحيح الكتاب، وكان من العابدين. وقال ابن معين: ليس بالكوفة أتقن من أبي غسان وهو أجود كتابًا من أبي نعيم. وقال مرة أخرى لأحمد بن حنبل: إن سرك أن تكتب عن رجل ليس في قلبك منه شيء فاكتب عن أبي غسان.

قال البخاري: مات سنة تسع عشرة ومائتين. وأما إسرائيل وهو المنفرد بالحديث فهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، سمع جده وعبد الملك بن عمير والمقدام بن شريح وغيرهم. روى عنه وكيع وابن مهدي وابن أبي زائدة وغيرهم. وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم، ولد سنة مائة ومات سنة ستين ومائة. روى له الجماعة. ويوسف بن أبي بردة يروي عن أبيه، يعد في أهل الكوفة. روى عنه إسرائيل بن يونس وسعيد بن مسروق. ذكره أبو حاتم بن حبان في الثقات. وأبو بردة اسمه عامر وقيل غير ذلك ولي قضاء الكوفة فعزله الحجاج وجعل أخاه أبا بكر مكانه. روى عن الزبير بن العوام وعوف بن مالك، وسمع أباه وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر والأغر المزني وعبد الله بن سلام وعائشة. روى عن الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وعمر بن عبد العزيز وثابت البناني ومحمد بن المنكدر وقتادة والقاسم بن مخيمرة وأبو حصين عثمان بن عاصم وسالم أبو النضر وعدي بن ثابت وبكير بن عبد الله بن الأشج وحميد بن هلال وعاصم بن بهدلة وأبو إسحاق الشيباني وأبو جناب يحيى بن [أبي] حية وجابر بن يزيد الجعفي ومحمد بن واصل وعمرو بن مرة وموسى الجهني وأبو حريز قاضي سجستان وطلحة بن مصرف وسيار أبو الحكم وإبراهيم السكسكي وأبو مجلز وجماعة يطول ذكرهم.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: أبو بردة وأبو بكر ابنا موسى تابعيان ثقتان كوفيان. وقال ابن سعد: توفي بالكوفة سنة ثلاث وأربعين، وكان ثقة كثير الحديث ويقال سنة أربع. روى له الجماعة، وذكره ابن حبان أيضًا في الثقات. فرواته إذن كلهم موثقون فلم يقصر به عن درجة التصحيح إلا التفرد الذي أشار إليه بالغرابة، فثبت بذلك كونه حسنًا غريبًا. وقد أخرجه أبو حاتم بن حبّان في "صحيحه" من هذا الوجه قال: ثنا عمران بن موسى ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يحيى بن زياد نا إسرائيل فثبت بذلك ثقة رواته بما ذكرناه ولا يعترض على الترمذي بتصحيح ابن حبان، فقد يكون ابن حبان عد من متابعته على ما لو عدَّ عليه الترمذي لصححه به. وقد ذكرنا في الباب أحاديث تأتي بعد هذا وهي شواهد له ولو كانت ضعيفة والأولى أن يكون الحديث صحيحًا لذلك والله أعلم. قال الترمذي: وأبو بردة اسمه عامر بن عبد الله بن قيس وكذا قال الإمام أحمد. وقال يحيى بن معين: اسمه الحارث حكاه عنهما أبو أحمد الحاكم. قال: "ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة". قل الحافظ المنذري (¬1): "وفي الباب حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء؛ قال: "الحمد لله الذي أذهب عني ¬

_ (¬1) "مختصر السنن" (1/ 232 / 28).

الأذى، وعافاني". وحديث أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. مثله (¬1). وفي لفظ: "الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره". وحديث عبد الله بن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: كان إذا خرج- قال: "الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ قوته، وأذهب عني أذاه". غير أن هذه الأحاديث أسانيدها ضعيفة. ولهذا قال أبو حاتم: أصح ما فيه حديث عائشة (¬2). قلت: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي ولا المنذري: حديث طاوس؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم البراز؛ فليكرم (¬3) قِبلة الله" ... الحديث وسيأتي في (باب الاستنجاء بالحجارة) وفيه؛ "ثم ليقل الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني". رواه الدارقطني مرسلًا (¬4)، وبعضه مرفوعًا عن ابن عباس، وضعف مَن رفعه. وحديث أبي ذر: ذكر ابن أبي حاتم (¬5): أنه سأل أباه وأبا زرعة عنه وقال: قد روى شعبة عن منصور، عن الفيض (عن) (¬6) ابن أبي حثمة، عن أبي ذر ... الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه في "سننه" (301) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس، وقال الألباني: ضعيف. (¬2) "العلل" (1/ 243 / 93). (¬3) في "السنن": فليكرمن. (¬4) "السنن" (1/ 57 / 13). (¬5) "العلل" (1/ 224 / 45). (¬6) في "العلل": ابن، وعند ابن الجوزي: أبي الفيض.

فقال أبو زرعة: وهم شعبة في هذا الحديث، ورواه الثوري فقال: عن منصور، عن أبي علي عبيد بن علي. وهو الصحيح وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال، وقال أبي: كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصواب. والثوري أحفظ، وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال، ولا ندرى هذا منه أم لا؟ وفي الباب مما لم يذكراه معًا: حديث سهل ابن أبي حثمة. ذكره ابن الجوزي في كتاب "العلل المتناهية" (¬1). وهذه الأحاديث كلها تضمنت: حمد الله تعالى على خروج الأذى. وحديث الباب عند الترمذي، تضمن الدعاء بالمغفرة، وهو غير الأول، غير أن التبويب تضمن ما يقول إذا خرج من الخلاء، فهي داخلة تحت التبويب، وإن لم تكن في معنى حديث الباب. والغفران: مصدر، كالمغفرة، وإنما نصبه بإضمار "الطلب" و"المسألة" كأنه يقول: "اللهم إني أسألك غفرانك". وقد قيل في تأويل ذلك، وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء قولان: " أحدهما: أنه قد استغفر مِن ترك ذكر الله سبحانه وتعالى مدة لبثه على الخلاء وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يهجر ذكر الله سبحانه وتعالى إلا عند الحاجة، فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحال تقصيرًا، وعده على نفسه ذنبًا؛ فتداركه بالاستغفار. * وقيل معناه: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه، فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعم، ففزع إلى الاستغفار منه، والله أعلم. قاله الخطابي (¬2). ¬

_ (¬1) "العلل المتناهية" (1/ 329 / 539). (¬2) "معالم السنن" (1/ 22، 23).

6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

" ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن يكون هذا خرج منه - عليه السلام - مخرج التشريع والتعليم في حالتي الدخول والخروج، فحق من خرج سالمًا معاذًا مما استعاذ منه، من الخبث والخبائث، أن يؤدي شكر نعمة الله عليه، في إعاذته وإجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى، خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعم حقها. وهو قريب من تحميد العاطس على سلامته، مما قد كان يخشى منه حالة العطاس؛ ولما كانت حالة التخلي لقضاء الحاجة محظورًا فيها الذكر والتوجه إلى الله تعالى، حسن أن يكون الذكر والاستغفار، أول ما يصدر منه عند الخروج، كما كان ذلك آخر ما ختم به عند الدخول، ونحو من هذا ما مر بي عن بعض أهل العلم (¬1) في الأدعية المأثورة عند النوم إلى جنبه، والبداءة عند اليقظة بقول المستيقظ: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" (¬2). وقال: فيه استحباب ختم الأعمال بالدعاء والتوجه، وافتتاحها بمثله. وأنشد هذا القائل متمثلًا: وآخر شيء أنت آخر هجعةً ... وأول شيء أنت عند هبوب 6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا". ¬

_ (¬1) قارن مع ما ذكره النووي في "شرح مسلم" (17/ 35). (¬2) رواه البخاري (5965) ومسلم (2711).

قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت، مستقبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله. وفي الباب عن عبد الله بن الحارث، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة وسهل بن حنيف. قال: وحديث أبي أيوب، أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد. والزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري. قال أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله الشافعي: إنما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول، ولا تستدبروها"؛ إنما هذا في الفيافي، فأما في الكنف، فله رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق. قال أحمد بن حنبل: إنما الرخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في استدبار القبلة بغائط أو بول، فأما استقبال القبلة؛ فلا يستقبلها، كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة (¬1). أما حديث أبي أيوب، فمخرج في الكتب الستة (¬2). وحديث عبد الله بن الحارث رواه الإمام أحمد وابن ماجه (¬3). وحديث معقل بن أبي معقل في "النهي عن استقبال القبلتين"؛ وسيأتي ¬

_ (¬1) هنا ثلاث كلمات غير واضحة. (¬2) البخاري في "الصحيح" (1/ 66، 67، رقم 114)، ومسلم في "الصحيح" (1/ 224، رقم 264)، وأبو داود في "السنن" (1/ 19، 20، رقم 9)، والنسائي في "السنن" (1/ 22)، وابن ماجه في "السنن" (1/ 115، رقم 318). (¬3) "المسند" (4/ 199)، وسيأتي لفظه، "السنن" (1/ 115، رقم 317).

الكلام على معقل، لذكره الخلاف واسم أبيه رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه (¬1). وحديث أبي هريرة: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" رواه مسلم (¬2). وحديث سهل بن حنيف ذكره الدارمي في "مسنده" (¬3): ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن الوليد بن مالك من عبد القيس، عن محمد بن قيس -مولى سهل بن حنيف- عن سهل. قال: عبد الكريم شبه المتروك. وذكر ابن المديني أنه أيضًا: لا الوليد عن مالك، ولا محمد بن قيس، فإن هذا الحديث لا يروى إلا عن عبد الكريم، وأن محمد بن قيس لا يروى عنه شيء غير هذا الحديث، وقال: غريب من حديث سهل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُستقبل شيء من القبلتين بالغائط والبول. وفي الباب مما لم يذكره: حديث سلمان الفارسي، وهو عند مسلم (¬4). وفيه أيضًا (¬5): ما ذكره أبو أحمد ابن عدي من حديث عمرو العجلاني. ¬

_ (¬1) "المسند" (6/ 406)، "السنن" (1/ 20، رقم 10)، "السنن" (1/ 115، 116، رقم 319). (¬2) "الصحيح" (1/ 224، رقم 265). (¬3) "السنن" (1/ 170، 172) وقوله في عبد الكريم ليس في المطبوع، ذكره الحافظ في "الإتحاف" (6162). (¬4) "الصحيح" (262). (¬5) في هامش الأصل: وفيه أيضًا: ما ذكره أبو أحمد بن عدي من حديث محمد الجهني.

وقال: في إسناده عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وهو ضعيف عندهم (¬1). ومعقل المذكور، قال أبو عمر (¬2): معقل بن الهيثم الأسدي يقال له: معقل بن أم معقل، ويقال له: معقل بن أبي معقل وكله واحد، يعد في أهل المدينة، مات في عهد معاوية، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (¬3). وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلتين لبول أو غائط. وقال ابن سعد: صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه. روى له أبو داود وابن ماجه، والنسائي. قال: (وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد) وهو ابن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار. وقيل: ابن عبد عوف بن جشم بن غنم بن مالك الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا أيوب، شهد بدرًا والعقبة والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة شهرًا حتى بنيت مساكنه ومسجده، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وخمسون حديثًا، اتفقا منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث واحد، ومسلم بخمسة. روى عنه البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معد يكرب، وأبو أمامة الباهلي، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء ¬

_ (¬1) قارن مع "الكامل" (4/ 164، 165). (¬2) "الاستيعاب" (3/ 1432)، وانظر "الجرح والتعديل" (8/ 285) و"التهذيب" وفروعه. وفي "الاستيعاب" و "الجرح": ابن أبي الهيثم. (¬3) انظر "السنن الكبرى" للنسائي (4226)، وصححه الشيخ في "الإرواء" (3/ 375).

ابن يزيد الليثي، وعبد الله بن حنين، وخلق سواهم، روى له الجماعة. قال أبو عمر (¬1): وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين مصعب بن عمير. وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها، ثم مات بالقسطنطينية من بلاد الروم في زمن معاوية وكانت غزاته تلك تحت راية يزيد، هو كان أميرهم يومئذ، وكان سنة خمسين أو إحدى وخمسين من التاريخ. وقيل: بل كان ذلك سنة اثنتين وخمسين -وهو الأكثر- في غزوة يزيد القسطنطينية. قال: حدثنا سعيد بن نصر، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا محمد بن وضاح، قال: ثنا ابن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب، أنه خرج غازيًا في زمن معاوية، فمرض، فلما ثقل قال لأصحابه: إذا أنا مت، فاحملوني، فإذا صاففتم العدو، فادفنوني تحت أقدامكم، ففعلوا ... وذكر تمام الحديث. وقبر أبي أيوب: قرب سورها معلوم إلى اليوم، معظّم، يستسقون به، فيسقون. قال: والزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، كذا قال؛ نسب عبيد الله إلى جده شهاب. وهو عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. قال ابن الحذاء (¬2): "وشهد جده -عبد الله بن شهاب- أحدًا مع المشركين ثم أسلم بعدُ وكان اسمه في الجاهلية عبد الجان، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبيد الله وهو عبد الله الأصغر. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (2/ 425). (¬2) "التعريف برجال الموطأ" (ل 34 / أ).

وقال الزبير (¬1): هما أخوان: عبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر ابنا شهاب، كان اسم عبد الله بن شهاب الأكبر عبد الجان فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله. كان من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة إلى المدينة. وأخوه عبد الله بن شهاب الأصغر، شهد أحدًا مع المشركين ثم أسلم بعدُ، وهو جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الفقيه. قال ابن إسحاق: هو الذي شج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وابن قميئة جرح وجنته، وعتبة كسر رباعيته. وحكى الزبير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري؛ قال: ما بلغ أحد الحلم من ولد عتبة بن أبي وقاص، إلا بخر أو هَتِم، لكسر عتبة رباعية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: إن عبد الله بن شهاب الأصغر، هو جد الزهري من قبل أمه وأما جده من قبل أبيه، فهو عبد الله بن شهاب الأكبر، وأن عبد الله الأصغر، هو الذي هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مكة فمات بها قبل الهجرة. وقد روى أن ابن شهاب قيل له: أشهد جدك بدرًا؟ قال: شهدها من ذلك الجانب -يعني: مع المشركين- فالله أعلم أي جدَّيه كان؟ ومحمد بن مسلم يكنى: أبا بكر، مدني سكن الشام، سمع: أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وأبا الطفيل عامر بن واثلة، والسائب بن يزيد، وسنينًا أبا جميلة، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة من عباد الديلي، ومحمود بن الربيع، -رجلًا من بَلِيِّ له صحبة- ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب وسمع عبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، ومالك بن أوس ¬

_ (¬1) "نسب قريش" (274).

ابن الحكم وعمير أبي سلمة وأبي رُهم، والمسور، وأم عبد الله الدوسية على خلاف في عمرو بن أبي سلمة ومن بعده. وسمع من كثير وتمَّام ... انتهى. ومن التابعين: سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن وأخاه حميدًا وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية، وكثير بن العباس، ومحمد بن عباد بن جعفر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وحفص بن عاصم بن عمر، ومحمد بن النعمان بن بشير، وعبد الله بن كعب بن مالك، وعباد بن تميم، وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، وسعيد بن جبير بن مطعم وعطاء بن يزيد، وعلقمة بن وقاص، وقبيصة بن ذؤيب، وأبا إدريس الخولاني، وخالد بن سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، ونبهان -مولى أم سلمة- وعروة بن الزبير، وابنه يحيى، وعبد الله بن محيريز، وعبيد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعمر بن عبد العزيز. وروى عن أبان بن عثمان بن عفان، ولم يسمع منه، قاله ابن أبي حاتم؛ قال. ولا يصح حديث أبان بن عثمان في طلاق السكران (¬1). روى عنه: عراك بن مالك وأخوه عبد الله بن مسلم، وبكير بن الأشج، ومنصور بن المعتمر، وعمرو بن شعيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وصالح بن كيسان، وسليمان بن موسى، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعقيل والأوزاعي، والزبيدي. روى عبد الرزاق عن معمر؛ قال: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون ¬

_ (¬1) "المراسيل" (ت 696، 701، 703) و "الجرح والتعديل" (8/ 271).

ابن شهاب؟ قالوا: إنا لنفعل. قال: فأْتوه، فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه. قال معمر: وإن الحسن وأضرابه لأحياء يومئذ (¬1). وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال -عنه مرة-: ما رأيت أحدًا أحسن سوقًا للحديث منه. وعن عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يقول: حدث الزهري يومًا بحديث فلما قام، قمت فأخذت بعنان دابته، فاستفهمته، قال: تستفهمني؟ ما استفهمت عالمًا قط ولا رددت شيئًا على عالم قط. قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، فيقول: فذيك الطوال وتلك المغازي؟! وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن أخي ابن وهب، قال: أنا عمي أنا الليث بن سعد؛ قال: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي علمًا نسيته. وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: بقي ابن شهاب وما له في الناس نظير. وروى إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: الزهري ويحيى بن سعيد أثبت في القاسم بن محمد من عبد الرحمن ابن القاسم ومن أفلح بن حميد. وكان يحيى بن سعيد القطان يقول: الزهري حافظ كان إذا سمع الشيء علقه. وعن مكحول: ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب الزهري. وذكر سعيد بن بشير عن قتادة: ما بقي على ظهر الأرض إلا اثنان: الزهري، وآخر، فظننا أنه يعني نفسه. وقال أحمد بن حنبل: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، عن وهيب؛ قال: ¬

_ (¬1) انظر "الجرح" (8/ 72).

سمعت أيوب يقول: ما رأيت أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري. وقال سفيان بن عيينة: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت أحدًا أنص للحديث من الزهري، ولا رأيت أجود منه ما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر (¬1). وقال أيضًا -مرة-: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، ولقي رجالًا. وعن سفيان: لم يكن أحد أعلم بسنة منه -يعني: الزهري-. وحكى سفيان: قال لي أبو بكر الهذلي: لقد جالسنا الحسن وابن سيرين، فما رأينا أحدًا أعلم منه -يعني: الزهري-. وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة -بعد كبار التابعين- أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد، وبكير بن عبد الله بن الأشج. وروى خالد عن سفيان؛ قال: كان الزهري أعلم أهل المدينة. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت لإبراهيم بن موسى: ابن شهاب الزهري عندك فقيه؟ فقال: نعم فقيه، وجعل يفخم أمره. وسمعت أبي يقول: الزهري أحب إلي من الأعمش، يحتج بحديثه وأثبت أصحاب أنس: الزهري. سئل أبو زرعة، عن الزهري، وعمرو بن دينار، فقال: الزهري أحفظ الرجلين. قال ابن الحذاء (¬2): وذكر ابن أخي الزهري عنه: أنه أخذ القرآن في ثمانين ليلة. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (6/ 111). (¬2) "التعريف" (ل 34 / أ).

وقال الزهري: ما استعدت حديثًا قط، وما استودعت حفظي شيئًا فخانني. وفيما ذكرناه -قبل- في ترجمة الزهري هذه: أنه رأى عبد الله بن عمر. قال ابن الحذاء (¬1): وروى عنه حديثين: * وروى عن عبد الله بن ثعلبة؛ مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه. * وروى عن محمود بن الربيع الأنصاري: عقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مجة مَجّها من بئر في دارهم. وكان الزهري كريمًا، سخيًّا جوادًا، وكان يقول الشعر، ذكره أبو عبيد الله محمد بن موسى بن عمران المرزباني في "معجم الشعراء" (¬2) له. وقال: وهو القائل لعبد الله بن عبد الملك بن مروان (¬3): أقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقتين مشرِّقًا تبغ خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يومًا أن تجاب وترزقا في أبيات ذكرها. وغيره يقول: الشعر لعمران بن أبي حدير أنشده الزهري متمثلًا. وقال موسى بن عبد العزيز: كان ابن شهاب إذا أبي أحد من أصحاب الحديث أن يأكل طعامه، حلف أن لا يحدثه عشرة أيام (¬4). وقال مالك: ما رأيت أحدًا فقيهًا إلا واحدًا، قيل: من هو؟ وقال: ابن شهاب. ¬

_ (¬1) (ل 34 / أ). (¬2) ص (413). (¬3) انظر "التمهيد" (6/ 112 - 113). (¬4) "التمهيد" (6/ 111).

وقال عمرو بن دينار: جالست ابن عمر، وابن عباس وابن الزبير، وجابرًا فلم أر أنسق للحديث من الزهري (¬1). وقال الأوزاعي: ما داهن ابن شهاب ملكًا من الملوك قط، إذا دخل عليه، ولا أدركت خلافة هشام أحدًا من التابعين أفقه منه. وقال إبراهيم بن ربيعة (¬2) عن أبيه: ما جمع أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جمع ابن شهاب. وفي رواية: ما وعى. قال أبو عمر: كان من علماء التابعين، وفقهائهم، مقدمًا في الحفظ والإتقان والرواية والاتساع، إمامًا جليلًا من أئمة الدين. وقد وقع في ترجمته من غرائب الجرح ما أنا ذاكره: * فذكر البلخي في كتابه في "معرفة الرجال": قال يحيى: وقد سئل عن الزهري: ليس بشيء (¬3). * وقال ابن المديني: قال سفيان بن حبيب: ثنا أبو جعفر الخطمي: إن الزهري قتل رجلًا فحدثت بذلك ابن عيينة، فقال: إيهًا؛ تولى السعاية، فعزر رجلًا فمات. قال: ولم يرو لعلي حديثًا قط. وكان مروانيًّا وحدث الوليد بن عبد الله (¬4) عن قبيصة بن ذؤيب عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تناشدوا الخلفاء". ¬

_ (¬1) "التمهيد" (6/ 103) و"السير" (5/ 335) وانظر، "شرح العلل" (1/ 442). (¬2) كذا وفي "التمهيد" (6/ 105) من طريقين: سعد، ولعله الصواب. (¬3) انظر "اللسان" (3/ 255) و"تاريخ بغداد" (9/ 384). (¬4) وانظر "تاريخ دمشق" (43/ 519)، فلم يذكر الزهري في القصة!

فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: ما نرغب عن ذكره. ثم قال: أما سمع أخا خزاعة يقول: يا ربِّ إني ناشدٌ محمدًا قال ابن المسيب: فيناشد النبي، ولا يناشد الوليد؟ قال: وقدم على عمر بن عبد العزيز فأخرجه من عسكره من أجل هذا الحديث، ومن نقصه عليًّا. قال ابن المديني: سمعت يحيى يقول: حديث يحيى بن أبي كثير أحسن من حديث الزهري. وسمعت شيخنا الحافظ أبا الفتح محمد بن علي القشيري يقول: ذكر الزهري أن رجلًا -يعني: سلمة بن دينار- يروي عن سهل بن سعد، فقال: من أبي حازم هذا -لا أعرفه- فذكر ذلك لأبي حازم، فقال (¬1). وأبو الوليد المكي الذي روى عن الشافعي، اسمه: موسى، ويعرف بالجارودي وكأنها نسبة إلى أبيه، فإنه ابن أبي الجارود. والأصل في الغائط: المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه لقضاء الحاجة، ثم كنوا به عن الخارج. والشام: إقليم مشهور، يُذَكّر ويُؤنَّث، ويقال بالهمزة وبغير همز. وأما شأَم: بفتح الهمزة، فأباه أكثرهم إلا في النسب. وقيل: سميت الشام بـ"سام بن نوح"، وذلك أنه أول من نزلها فجعلت "السين" شينًا، تغييرًا للفظ الأعجمي. وقيل: سميت بذلك لكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشبهت بـ "الشامات". ¬

_ (¬1) كذا.

وقيل: باب الكعبة مستقبل المطلع، فمن قابل طلوع الشمس كانت اليمين عن يمينه، والشام عن يده اليسرى. وقيل: هو مأخوذ من اليد اليسرى، أو من الشؤم. والمراحيض: جمع مرحاض. قال ابن سِيدَه (¬1): والمرحضة والمرحاض: المغتسل، والمرحاض: موضع الخلاء وهو منه. والمرحاض: خشبة يضرب بها الثوب إذا غسل. والرُّحضاء: العرق، والرُّحضاء: الحمَّى بعرق. وفي الحديث: دليل على المنع من استقبال القبلة واستدبارها وقد اختلف العلماء في ذلك: * فمنهم من منع ذلك مطلقًا، أخذًا بظاهر هذا الحديث، وبما روى مسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". وبما روى مسلم أيضًا من حديث سلمان الفارسي؛ قال: أجل إنه نهانا أن نستقبل القبلة، وأن يستنجي أحدنا بيمينه. وبما روى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي -وهو آخر من مات من الصحابة بمصر-: "لا يبولَنَّ أحدكم مستقبل القبلة". وحديث معقل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط. وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الأحاديث. ¬

_ (¬1) "المحكم" (3/ 89).

وإليه ذهب أبو أيوب، وممن نحى هذا المنحى: مجاهد بن جبير، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وسفيان بن سعيد الثوري، وأهل الكوفة، وأبو ثور، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه- وقالوا: إنما كان المنع لحُرْمَة القبلة، وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء، ولأنه لو كان الحائل كافيًا لجاز في الصحراء؛ لأن بيننا وبين الكعبة جبالًا وأودية، وغير ذلك من أنواع الحائل وتعليل ذلك باحترام الفناء ظاهر؛ لأنه معنى مناسب، ورد الحكم على وَفْقه فيكون علّة له. وأقوى من هذا في التعليل بذلك، ما روي من حديث سراقة بن مالك (¬1)، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله -عزَّ وجلَّ- ولا تستقبلوا القبلة". وهذا ظاهر قوي في التعليل. وحديث سراقة هذا، ذكر ابن أبي حاتم (¬2) أنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن ثابت، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن سماك (¬3)، عن سراقة. * ومنهم من اختار ذلك مطلقًا في الصحراء والبنيان؛ واحتجوا بحديث ابن عمر الآتي في الباب بعد هذا. وحديث جابر الآتي فيه أيضًا، وقوله فيه: قبل أن يُقبَض بعام يستقبلها. وبحديث عائشة: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول الناس في ذلك، أمر بمَقْعدته، فاستقبل بها القبلة. ورأوا هذه الأحاديث وما أشبهها، ناسخة للأحاديث المتقدمة. ¬

_ (¬1) انظر "نصب الراية" (2/ 103) و "كنز العمال" (9/ 361 / 26464) و (9/ 511 / 27201). (¬2) "العلل" (1/ 36، 37/ 75) قال أبو حاتم: إنما يروونه موقوفا، وأسنده عبد الرزاق بأخرة. (¬3) زاد في "العلل": عن أبي رشدين الجندي.

وهذا يحكى عن: عروة بن الزبير، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبي سليمان داود بن علي الأصبهاني (¬1). * ومنهم من اختار ذلك في البنيان، (ورآه) (¬2) في الصحراء محرمًا، وحمل حديث ابن عمر وجابر وما في معناهما، على التخصيص لحديث أبي أيوب، لا على النسخ. والحمل على التخصيص أولى؛ إذ إعمال الحديثين أولى من إلغاء أحدهما، ولأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر التخصيص، وليس هو هاهنا متعذرًا. قالوا: الرخصة في استقبال القبلة للغائط والبول، في المنازل، والمنع من ذلك في الصحارى، وهذا المذهب يروى عن العباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عمر، والشعبي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه-، وإسحاق بن راهويه، واحتجوا في المنع بحديث أبي أيوب وما في معناه، وفي الإباحة بحديث جابر، وابن عمر وما في معناهما. ومحمل النهي عندهم -حيث ورد- على حرمة المصلين من الملائكة- أي في الصحراء، لا على حرمة القبلة، وذكروا في ذلك عن عيسى بن أبي عيسى؛ قال: قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة - رضي الله عنه - ونافع عن ابن عمر، قال: وما قالا؟ قلت: قال أبو هريرة: لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، وقال نافع عن ابن عمر: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب مذهبًا مواجه القبلة. قال: أما قول أبي هريرة، ففي الصحراء إن لله خلقًا من عباده، يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم، ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها ¬

_ (¬1) "التمهيد" (1/ 311). (¬2) الأصل: ورواه.

للنتن (¬1)، فإنه لا قبلة لها. وذكر الدارقطني: أن عيسى بن أبي عيسى وهو الحناط، وهو عيسى بن ميسرة وهو ضعيف (¬2). وقد علل بغير ذلك. * ومذهب رابع: لا يجوِّز الاستقبال؛ لا في الصحراء ولا في البنيان، ويجوز الاستدبار فيهما وهو أحد القولين عن أبي حنيفة وأحمد والمحكي عند الترمذي عن الشافعي. واحتج هؤلاء بحديث سلمان: ليس فيه أكثر من قوله: أجل، لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول. قلت: لم أقف على هذا القول الرابع محكيًا عن مذهب الشافعي، في غير كتاب الترمذي، فقد قال الإمام الرافعي في كتابه في شرح "وجيز الغزالي" -رحمهما الله- عندما تكلم على آداب قضاء الحاجة: إن كان في بناء، أو بين يديه ساتر، فالأولى أنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. وإن كان في الصحراء ولم يستتر بشيء حرُم عليه استقبال القبلة واستدبارها، لما روى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا". وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". ولا يحرم ذلك في البناء -وإن كان الخبر مطلقًا- خلافًا لأبي حنيفة، وذلك لما روي عن ابن عمر؛ قال: رقيت السطح مرة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا على ¬

_ (¬1) انظر "التمهيد " (1/ 309) و"المدونة" (1/ 7). (¬2) "السنن" (1/ 61 / 11).

لَبِنَتين، مستقبلًا بيت القدس (¬1). ومن استقبل بيت القدس بالمدينة، فقد استدبر الكعبة. وعن جابر (¬2)؛ قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بفروجنا ثم رأيته - قبل موته بعام- مستقبل القبلة (¬3). * ومذهب خامس: وهو جواز الاستدبار دون الاستقبال، في البنيان خاصة، وهو مروي عن الإمام أبي حنيفة. * ومذهب سادس: وهو تحريم الاستقبال، والاستدبار للقبلتين. الكعبة وبيت المقدس، نقل عن النخعي وغيره. * ومذهب سابع: أن تحريم الاستقبال والاستدبار في ذلك لأهل المدينة وما وراءها، من الشام والغرب لأنهم في التشريق والتغريب لا يستقبلون القبلة ولا يستدبرونها، وإليه ذهب البخاري. * وبعضهم يشير إلى أن ذلك ممنوع في البنيان إذا كان للمتبرِّز عنه مندوحة. وإن أحوجه البنيان إلى الاستقبال أو عكسه جاز هذا، أو معناه. ومنهم من توقف. وسبب المنع في الصحراء -فيما ذكره الأصحاب- أن الصحراء لا تخلو من مصلٍّ من ملك، أو جني، أو إنسي، وربما وقع بصره على عورته. وأما في الأبنية: فالحشوش لا يحضرها إلا الشياطين، ومن يصلي يكون خارجًا عنها، فيحول البناء بينه وبين المصلَّى، وليس السبب مجرد احترام الكعبة. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري (145) ومسلم (266). (¬2) رواه أبو داود (13) والترمذي (9) وابن ماجه (325). (¬3) "فتح العزيز" (1/ 458 - 460).

وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي رضي الله عنهما؛ انتهى ما ذكره (¬1). وليس فيه التفرقة بين الاستقبال مطلقًا والاستدبار مطلقًا. وفيه التصريح بالعلة، والتعليل بها لا يناسب هذا المذهب الرابع بوجه. وقول الرافعي: "إن كان في بناء أو بين يديه ساتر، فالأولى أنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". قال الشيخ محيي الدين: قال جماعة من أصحابنا: هو مكروه، ولم يذكر الجمهور الكراهة. والمختار: أنه إن كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة فلا كراهة، وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه، للخروج من خلاف العلماء، ولا تطلق عليه الكراهة، للأحاديث الصحيحة (¬2)، والله أعلم. قوله: "إن كان عليه مشقة فلا كراهة": يقتضي ثبوت الكراهة؛ حيث لا مشقة. ثم قوله: "وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه": لا يقتضي ثبوت الكراهة، حيث لا مشقة، ليفرق بين أولوية الفعل، وثبوت الكراهة في الترك، لا سيما وقد أتبع التجنب المطلوب، كونه متسببًا عن الخروج من خلاف العلماء، وربما يقتضي ذلك لا كراهة عنده لذاته فتأمله. والحديث دلَّ على المنع من استقبال القبلة لغائط أو بول. ¬

_ (¬1) "فتح العزيز" (1/ 460، 461). (¬2) "شرح مسلم" (3/ 155، 156).

قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري -رحمه الله-: هذه الحالة تتضمن أمرين: * أحدهما: خروج الخارج المستقذر. " والثاني: كشف العورة. فمن الناس من قال: المنع للخارج، لمناسبته لتعظيم القبلة عنده. ومنهم من قال: المنع لكشف العورة. وينبني على هذا الخلاف: "الخلاف في جواز الوطء مستقبل القبلة، مع كشف العورة؛ فمن علل بالخارج، أباحه، إذ لا خارج، ومن علل بالعورة منعه". انتهى ما قاله (¬1). وهو حسن، لو كان المعلل بكشف العورة موافقًا له على الحكم الذي أشار إليه؛ لكن ليس كذلك؛ فقد قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله-: يجوز الجماع في الصحراء، والبنيان مستقبل القبلة، هذا مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد، وداود. واختلف فيه أصحاب مالك: فجوزه منهم ابن القاسم، وكرهه ابن حبيب. والصواب: الجواز، فإن التحريم إنما يثبت بالشرع، ولم يرد فيه نهي، والله أعلم. وكذلك أيضًا قالوا: إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط، ثم أراد الاستقبال، أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز (¬2). فهؤلاء المبيحون للوطء: هم المعللون بكشف العورة، كما حكى الرافعي عنهم، ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" (1/ 237، 238). (¬2) "شرح مسلم" (3/ 156).

فلا يحسن أن يورد هذا نقلًا ولكن يحسن أو يورد إلزامًا في المسألتين. وأما ما حكاه الشيخ محيي الدين، من مذهب مالك، فيحتاج إلى تنقيح. قال ابن شاس: وفي جواز الاستقبال والاستدبار -مع وجود الساتر- وإن لم تكن مراحيض ومنعهما، روايتان، سببهما: هل النهي لحرمة المصلين، أو لحق القبلة؟ وهل ينزل الوطء منزلة قضاء الحاجة، أو يجوز مطلقًا، مستقبلًا ومستدبرًا؟ قولان: مدارهما: هل النهي للعورة، فيستويان؟ أو للخارج، فيفترقان؟ وحكى ابن سابق عن ابن حبيب: أنه لا يجوز في صحراء، ولا بنيان. وهذا هو المسلك الذي سلكه شيخنا القشيري -رحمه الله تعالى- ولكنه أطلق في موضع التقييد، وفيما حكاه النووي عن ابن حبيب: الكراهة، وابن شاس يحكى عن ابن سابق عنه عدم الجواز. وفي الأحاديث السابقة في الباب، حديث معقل: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نستقبل القبلتين"؛ قيل: أراد بالقبلتين: الكعبة وبيت المقدس. ويحتمل أن يكون احترام البيت المقدس، إذ كان قبلة لنا مرة، أو يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة، لأن من استقبله بالمدينة استدبر الكعبة. وقد قال أصحابنا: لا يحرم استقبال بيت المقدس، ولا استدباره بالبول والغائط؛ لكن يكره. فلو ثبت الحديث طولبوا بالفرق على التأويل الأول؛ لكن في إسناده أبو زيد

-مولى بني ثعلبة- راويه عن معقل، ولا تعرف له حال. وفي معناه ما ذكره ابن عدي: من حديث عمرو بن العجلاني، ومداره أيضًا على: عبد الله بن نافع، وهو ضعيف عندهم. وقوله: "ولكن شرقوا أو غربوا": محمول على محل يكون التشريق والتغريب فيه مخالفًا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة التي هي مسكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في معناها من البلاد فلا يدخل تحته ما كانت القبلة فيه إلى المشرق. وقول أبي أيوب: فننحرف عنها، ونستغفر الله: دليل على أنه لم يبلغه حديث ابن عمر وما في معناه، أو لم يره مخصصًا، وحمل ما رواه علي العموم. وفي معنى الاستغفار في هذا المحل، أقوال رأيتها عن العلماء (¬1). * فمنهم من يقول المراد نستغفر الله لباني الكنيف على هذه الصفة الممنوعة، وإنما حملهم على هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعًا، فلا يحتاج إلى الاستغفار. * ومنهم من يقول: إنما استغفر لنفسه، قال شيخنا القشيري -رحمه الله-: ولعل ذلك لأنه بسبب موافقته البناء غلطًا أو سهوًا، فيتذكر، فينحرف ويستغفر الله. قال: فإن قلت: فالغالط أو الساهي لم يفعل إثمًا، فلا حاجة به إلى الاستغفار. قلت: أهل الورع والمناصب العلية في التقوى، قد يفعلون هذا، بناء على نسبتهم التقصير لأنفسهم مع التحفظ ابتداء (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "إحكام الأحكام" (1/ 247) و"عارضة الأحوذي" (1/ 25). (¬2) "الإحكام" (1/ 247).

7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك

* وقيل: يستغفر الله من ذنوبه؛ فإن الذنب يذكر بالذنب (¬1). * وقال القاضي أبو بكر بن العربي: يستغفر الله من الاستقبال الأول. فإن أراد القاضي أبو بكر بـ "الاستقبال الأول" (¬2) قبل أن تتخذ الكنف: فلم يكن النهي بلغهم. وأيضًا فأبو أيوب، لا يرى الأحاديث العارضة لروايته ناسخة ولا مخصصة، فالأول وغيره عنده سواء. وإن كان يريد "بالأول" أول الدخول: فليس في الحديث ما يدل على أنه كان أول دخوله جالسًا لقضاء الحاجة نحو القبلة، ثم انصرف عنها. وإن كان يشير إلى ما قد يقع من ذلك على سبيل الغلط أو السهو، فكان ينبغي أن يبينه. انتهى ما ألفيته في ذلك عن سلف. وكلهم جعلوا بين الانحراف والاستغفار رابطة. * ولو قيل بأنه أخبر عن أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر، لم يكن به بأس، أخبر عن الانحراف، لمعتقده بقاء الحكم في الكنيف وغيره، وعن الاستغفار المسنون الذي ورد عنه عليه الصلاة والسلام: أنه "كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك". 7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله؛ قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام، يستقبلها". ¬

_ (¬1) "العارضة" (1/ 25). (¬2) كلمة: الأول غير موجودة في "العارضة" (1/ 25).

وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمار؛ قال: "وحديث جابر في هذا الباب، حديث حسن غريب". وقد روى هذا الحديث، ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبول مستقبل القبلة. قال: أنا بذلك قتيبة، قال: ثنا ابن لهيعة، وحديث جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصح من حديث ابن لهيعة. وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعفه يحيى بن سعيد القطان، وغيره. حدثنا هناد، ثنا عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان, عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر؛ قال: رقيت يومًا على بيت حفصة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على حاجته، مستقبل القبلة ثم (¬1) مستدبر الكعبة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. أما حديث ابن عمر: فمخرج في الكتب الستة (¬2). وأما حديث جابر فعند أبي داود، وابن ماجه أيضًا (¬3). وحديث عائشة: رواه الإمام أحمد، وابن ماجه (¬4)، ولفظه: عن عراك، عن عائشة؛ قالت: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: "أَوَقد فعلوا؟ حولوا مقعدتي، قبل القبلة". ¬

_ (¬1) كذا وقد رسم تحتها خط، وصوابه كما في "الجامع" المطبوع: مستقبل الشام مستدبر. (¬2) رواه البخاري في "صحيحه" (145) ومسلم (266) والنسائي في "السنن" (23، 24) وأبو داود (12) وابن ماجه (322). (¬3) "السنن" (13) أبو داود، و (325) ابن ماجه. (¬4) "المسند" (6/ 184) لأحمد، و"السنن" لابن ماجه (324).

قال أحمد (¬1): "أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك -وإن كان مرسلًا- فإن مخرجه حسن". قال الحافظ ضياء الدين، محمد بن عبد الواحد المقدسي: "سماه مرسلًا، لأن عراكًا لم يسمع من عائشة". قال الحافظ أبو الحسين القرشي -رحمه الله (¬2) -: "وفي سماع عراك من عائشة نظر، فإنه إنما يروي عن عروة عن عائشة". وقال موسى بن هارون: "لا نعلم له سماعًا من عائشة، وقد أجرج مسلم (¬3) عن عراك بن مالك الغفاري عن عائشة: أنها قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات ... " الحديث. قال أبو الفضل الحافظ حفيد أبي سعد الزاهد -في كلامه على هذا الحديث-: "هذا عندنا حديث مرسل"، واستدل بقول أحمد، وموسى بن هارون. ولم يخرج البخاري لعراك عن عائشة، شيئًا. وعراك بن مالك الغفاري المدني (¬4) هذا، روى عن: عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، وغيرهم. روى عنه: سليمان بن يسار، وجعفر بن ربيعة، وابنه خُثيم بن عراك وغيرهم. وثقه الرازيان. ¬

_ (¬1) "الإمام" (ل 199 / ب) من طريق الأثرم. وفي "المراسيل" (299) لابن أبي حاتم: مرسل، ... ، عراك من أين سمع عائشة؟ ما له ولعائشة! إنما يروى عن عروة! هذا خطأ. (¬2) هو الرشيد العطار في "غرر الفوائد" (2/ 715). (¬3) "الصحيح" (2630). (¬4) انظر "الجرح والتعديل" (7/ 38) و"تهذيب الكمال" (19/ 545).

وقال عمر بن عبد العزيز: "ما رأيت أكثر صلاة منه". وقال عبد العزيز بن عمر: "ما كان أبي يعدل بعراك أحدًا". وقال الواقدي: "توفي بالمدينة في خلافة زيد بن عبد الله، روى له الجماعة". قال أبو الحسين القرشي الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وحديثه عن رجل عنها، لا يدل على عدم سماعه منها بالكلية، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد، وعصر واحد، وهذا ومثله، محمول على السماع عند مسلم -رحمه الله تعالى- حتى يقوم الدليل على خلافه، كما نص عليه في مقدمة كتابه، فسماع عراك من عائشة رضي الله عنها جائز ممكن، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة وغيره من الصحابة". وقال ابن أبي حاتم: "ساكت أبي عن حديث حماد، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة ... الحديث. فقال إني لم أزل أقفو أثر هذا الحديث حتى كتبت عن إسحاق بن بكر بن مضر، عن (¬1) بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروه، عن عائشة موقوف وهذا أشبه". * وقول الإمام أحمد، في حديث عراك عن عائشة: إنه أحسن ما روي في الرخصة، لعله يريد: أحسن في الاستدلال، وأصرح في الرخصة وإلا فحديث ابن عمر مخرج في الكتب الستة -كما قلنا- ولا علة تلحقه فيما نعلم. وفي حديث عراك ما تقدمت الإشارة إليه، من الخلاف في الاتصال، والراجح عدمه. ومما يعلَّل به أيضًا ما ذكره الترمذي في "العلل" (¬2): أنه سأل البخاري عنه، فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها. ¬

_ (¬1) في "العلل" (1/ 29 / 50): أو غيره عن بكر. (¬2) (1/ 90 / 91).

قلت: وقد رواه حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك. وغيره يرويه عن خالد الحذاء،،، عن عراك، فسقط ابن أبي الصلت منه. وذكر الترمذي في كتاب "العلل" -أيضًا- أن حديث جابر، عن أبي قتادة، غير محفوط (¬1). وقال -في حديث جابر المخرَّج عنده هنا-: "إنه سأل محمدًا عنه، فقال: رواه غير واحد، عن محمد بن إسحاق (1). فلعل غرابته عمن فوق محمد بن إسحاق فيه، وهي غرابة لا تنافي الحسن الذي وصفه به، فإنها ترجع إلى بعض الإسناد، وقد ذكر أن في بعض الحديث الذي وصفه بذلك، أحاديث عن قوم من الصحابة، سماهم، فلا يعترض عليه في وصفه بعد بالحسن، فهو حسن لمحل محمد بن إسحاق. وأما أبان بن صالح (¬2): فشيخ مكي، يروي عن: أنس، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وغيرهم. روى عنه: ابن عجلان، وابن إسحاق، والحارث بن يعقوب، وابن جريج، وغير واحد. وثقه الرازيان، ويعقوب بن شيبة، ولم يخرج له مسلم، ولا البخاري، في الأصول، ولكن البخاري أخرج له استشهادًا (¬3) -في باب هل على من لا يشهد الجمعة غسل، من النساء والصبيان- عن مجاهد (¬4). ¬

_ (¬1) (1/ 85 - 87). (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (2/ 297) و"تهذيب الكمال" (2/ 9 - 11). (¬3) قال المزي: استشهد به البخاري، وروى له الباقون سوى مسلم. (¬4) "الصحيح" (856).

وفي "الجنائز" عن الحسن بن مسلم (¬1). توفي سنة تسع عشرة ومئة، بعسقلان، وكان مولده سنة ستين. وقد ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي، فقال: "روى [له] البخاري". وأطلق وذلك في العرف محمول على الاحتجاج، ولم يقع حديثه عند البخاري كذلك، فليعلم. وزعم أبو عمر: أن حديث جابر لا يحتج به، لضعف أبان بن صالح، وعلله أيضًا بما خالف فيه ابن لهيعة، من سنده ومتنه، وليس ذلك بطائل. أما أبان: فليس مضطربًا، فقد قلنا بتوثيقه عن غير واحد، وأما الاضطراب، فقد رجح الترمذي حديث أبان على حديث ابن لهيعة، والله أعلم. وذكر أبو محمد ابن حزم: "أن عبد الرزاق أخطأ فيه، فرواه عن خالد الحذاء، عن كثير بن الصلت، لأن الحذاء لم يدرك كثيرًا قَط" (¬2). قد نبهنا على كون الحديث حسنًا، وكونه غريبًا، وعلى أن الجمع بينهما على هذه الصورة لا يتنافى لكن فيما ذكرته، من كونه حسنًا، أنه من رواية محمد بن إسحاق، وليس التحسين من عمل الترمذي في أحاديث ابن إسحاق مطردًا، فإنه تارة يصححها، وتارة يحسنها، فيحتاج إلى التنبيه على ما صححه منها في مواضعه، لم كان صحيحًا؟ وعلى ما حسنه في مواضعه، وهو أولى بالتنبيه، ما الذي قصر به عن التصحيح؟ وهو ربما صحح حديثه في غير ذلك الموضع. فنقول: هنا قد حصل فيه مع رواية ابن إسحاق، تفرد أبان بن صالح به، ¬

_ (¬1) "الصحيح" ك الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، حديث (1349). (¬2) رد ذلك الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (1/ 95) على ابن عبد البر، وابن حزم، وقال: هذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يضعف أبان هذا أحد قبلهما، ويكفي فيه قول ابن معين، ومن تقدم معه، والله أعلم. وانظر "التمهيد" (1/ 312) و"المحلى" (1/ 196 - 197).

الذي كان لأجله غريبًا كما ذكر أبو عيسى، وقد تبين من حال أبان، أن أقصى ما يتفرد به، أن يكون حسنًا على ما سبق بيانه، فانضم إلى رواية ابن إسحاق من تفرد أبان، ما قصر به عن الصحة، وفيه مع ذلك الخلف الواقع في إسناده، هل هو من رواية جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أو من رواية جابر، عن أبي قتادة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. على أن هذا الخلاف لا يضر؛ لأمرين: * أحدهما: كون رواية أبي قتادة غير محفوظة، كما تقدم. * الثاني: أن كلًّا من جابر وأبي قتادة صحابي، فسواء ثبت الثاني أو سقط. وأما حديث أبي قتادة: فقد أعله بابن لهيعة، وقال: ضعفه يحيى القطان، وغيره. فلنذكر ما حضر من ذكر ابن لهيعة، ليعلم حاله: وهو (¬1) عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان، أبو عبد الرحمن، الحضرمي الأعدولي -من أنفسهم- ويقال: الغافقي المصري، قاضي مصر. سمع: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله بن هبيرة السبائي، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن المنكدر، وعمارة بن غزية، ويزيد بن أبي حبيب، ومشرح بن هاعان، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وأبا قبيل حيي بن هانئ، والحارث بن يزيد الحضرمي، ويزيد بن عمرو المعافري، وحبان بن واسع، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبا عُشّانة المعافري، وأبا الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، وصالح بن أبي عَريب، وأبا يونس مولى أبي هريرة، وأبا السمح درّاجًا، وسالمًا أبا النضر، وعياش بن عباس، وأبا صخر حميد بن زياد، وخالد بن أبي عمران. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" (15/ 487 - 503)، "الجرح والتعديل" (5/ 145 - 148).

وقال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًّا. روى عنه: الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وعثمان بن حكيم الجذامي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن صالح -كاتب الليث-، والوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد. وسمع منه قبل احتراق كتبه: منصور بن عمار وقتيبة بن سعيد، وعمرو بن خالد الحراني، وأسد بن موسى، ومحمد بن رمح، ومحمد بن الحارث المصري المعروف بـ "صُدْرة"، وأشهب بن عبد العزيز، وزيد بن الحباب، وعثمان بن صالح السهمي، ومروان بن محمد الطاطري، ومُجّاعة بن ثابت، ومحمد بن معاوية النيسابوري، وكامل بن طلحة الجحدري، وحجاج بن سليمان الرعيني، وسعيد بن كثير بن عفير. ذكر الحسن بن رشيق: عن الثوري أنه قال: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع. وقال سفيان: حججت حججًا لألقى ابن لهيعة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: وددت أني سمعت من ابن لهيعة خمس مئة حديث، وأني غرمت مادا (¬1). وقال ابن مهدي: ما أعتد بشيء سمعته من ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك، ونحوه. وحدث ابن وهب بحديث، فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني به -والله- الصادق البار، عبد الله بن لهيعة. ¬

_ (¬1) كذا، وفي "تهذيب الكمال": مؤدى! قال: كأنه يعني دية.

وقال عثمان بن سعيد: "قلت ليحيى بن معين: كيف رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر؟ قال: ابن لهيعة ضعيف الحديث" (¬1). وقال ابن أبي مريم: "رأيت ابن لهيعة يعرض عليه ناس من الناس أحاديث من أحاديث العراقيين، فأجازه لهم، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هذه الأحاديث ليست من أحاديثك، فقال: هي أحاديث قد مرّت على مسامعي" (¬2). وقال أبو حاتم: سألت أبا الأسود، قلت: كان ابن لهيعة يقرأ ما يدفع إليه؟ قال: كنا نرى أنه لم يفته من حديث مصر كثير شيء، وكنا نتتبع أحاديث من حديث غيره، عن الشيوخ الذين يروي عنهم، فكنا ندفعها إليه فيقرؤها. وقيل لابن مهدي: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة؟ قال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلًا ولا كثيرًا، ثم قال عبد الرحمن: كتب إليّ ابن لهيعة كتابًا فيه: ثنا عمرو بن شعيب، قال عبد الرحمن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إليّ ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، فإذا حدثني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب. وروى ابن عدي من طريق عثمان بن سعيد، ومن طريق معاوية عن يحيى تضعيفه (¬3). وروى عنه من طريق عباس الدوري: "لا يحتج به" (¬4). ¬

_ (¬1) "تاريخ الدارمي" (533). (¬2) قارن مع "الجرح والتعديل" (5/ 146). (¬3) "الكامل" (4/ 1462). (¬4) في "الكامل": لا يحتج بحديثه، وانظر "التاريخ" رواية عباس الدوري (2/ 327).

وذكر علي ابن المديني؛ قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قال لي بِشر بن السَّري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفًا". وقال الحميدي: عن يحيى بن سعيد، كان لا يراه شيئًا (¬1). وذكر عن يحيى بن معين، أنه قيل له: أنكر أهل مصر احتراق كتب ابن لهيعة، فقال: "هو ضعيف قبل الاحتراق وبعده" (¬2). وذكر عن السعدي: ابن لهيعة لا يوقف على حديثه، ولا ينبغي أو يحتج أو يعتد (¬3) بروايته. وقال ابن بكير: "احتراق منزل ابن لهيعة وكتبه سنة تسع وستين ومئة" (¬4). وقال البخاري .. نحوه (¬5). وقال أحمد بن حنبل: ثنا إسحاق بن عيسى؛ قال: احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين، ولقيته أنا سنة أربع وسبعين ومئة، وأظنه قال: ومات سنة أربع (¬6). وقال أبو أحمد بن عدي: وأحاديثه حسان، وما قد ضعفه السلف، وهو حسن الحديث، يكتب حديثه، وقد حدث عنه الثقات: الثوري، وشعبة، ومالك، وعمرو بن الحارث، والليث. ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (5/ 182). (¬2) "الكامل" (4/ 1462). (¬3) كذا الأصل، و"الكامل"، وفي "أحوال الرجال" (274): يغتر. (¬4) "التاريخ الكبير" (5/ 183) و"الصغير" (2/ 207) و"الكامل" (4/ 1462) و"تهذيب الكمال: سنة سبعين ومائة. (¬5) "الكامل" (4/ 1462). (¬6) "العلل ومعرفة الرجال" (2/ 67، 68/ 1572)، وفيه: وستين! ولعلها الصواب، ولأنه قال في وفاته: ثلاث أو أربع وسبعين!

وحديثه حسن، كأنه بستان (¬1) عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي: احترقت كتبه، ومن كتب عنه قبل ذلك مثل: ابن المبارك، والمقري، أصح ممن كتب بعد الاحتراق. وقال النسائي: "هو ضعيف" (¬2). وقال مروان: قلت لليث بن سعد -ورأيته نام بعد العصر-: أتنام بعد العصر، وقد حدثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن مكحول، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نام بعد العصر فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه"، فقال الليث: لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة عن عقيل (¬3). وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالًا ممن سمع منه بأخرة. وأما أهل مصر، فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحدًا، ولكن كان يُقْرأ عليه ما ليس من حديثه، فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئوني بكتاب يقرؤونه، ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي (¬4). وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء " إلا أن ابن المبارك, وابن وهب، كانا يتتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به (¬5). وقال ابن حبان: سبرت أخبار ابن لهيعة، فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء، على أقوام ثقات قد رآهم، ثم كان لا يبالي؛ ما دفع إليه، قرأه سواء كان من حديثه ¬

_ (¬1) في "الكامل" (4/ 1470): يستبان، وهذه مفهومة. (¬2) "الضعفاء والمتروكين" (363). (¬3) "الكامل" (4/ 1463). (¬4) "الطبقات" (7/ 516). (¬5) "الجرح والتعديل" (5/ 147).

أو لم يكن من حديثه، فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه، قبل احتراق كتبه، لا فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين، بعد احتراق كتبه، لا فيها مما ليس من حديثه (¬1). وقال أبو بكر الخطيب: حدث عن ابن لهيعة: سفيان الثوري، ومحمد بن رمح، وبين وفاتيهما أربع وتسعون سنة (¬2). ومات ابن لهيعة سنة أربع وسبعين ومئة، في خلافة هارون، وصلى عليه داود بن يزيد الأمير، وكان مولده في سنة سبع وتسعين. وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت ابن معين يقول: ليس بذاك". قال: "وقال -مرة-: ليس حديثه بالقوي". وقال الآجري: قال أبو داود: أنكر ابن أبي مريم احتراق كتبه، وقال: لم يحترق له ولا كتاب، إنما أراد أن يوقفوا (¬3) عليه أمير مصر، فأرسل إليه خمس مئة دينار. قال أبو داود (¬4): سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر، في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه؟ وحدث عنه أحمد بحديث كثير. قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن وهب، أو ابن أخيه -يعني ابن أخي ابن لهيعة- إلا ما كان من حديث الأعرج. ¬

_ (¬1) "المجروحين" (2/ 12). (¬2) "السابق واللاحق" (98)، وفيه: حدث عنه عمرو بن الحارث وابن رمح لكن جمع بينهما المزي في "تهذيب الكمال": عمرو بن الحارث والثوري. (¬3) غير واضحة في الأصل، وفي "تهذيب الكمال": يرفقوا من الرفق. (¬4) "السؤالات" (256).

وقال البيهقي: كان مالك يحسن القول في ابن لهيعة، ويقال: إنه روى عنه حديث العُربان في "الموطأ"، عن الثقة -عنده- عن عمرو بن شعيب، ويقال: ابن وهب، حدثه عن ابن لهيعة. رقي (¬1) إلي الشيء: بكسر القاف، ورُقيًّا، ورُقُوًّا: صعد، وارتقى، وترقى، مثله، ورقى غيره، والمَرْقاة، والمِرْقاة: الدرجة، ونظيره: مَسْقاة، مِسْقاة، ومَثْناة، ومِثْناة، للحبل. ومَبْناة، ومِبْناة: للعيبة أو النِّطع -يعني: بفتح الميم وكسرها فيها- عن ابن سيدة (¬2). وحكى القاضي عياض: رقيت بفتح القاف، بغير همز، وبالهمز أيضًا، وقال: هي لغة قليلة. وفي بعض ألفاظ الحديث -وليس مما في كتاب الترمذي- على لبنتين، يقال: لَبِنَة، ولَبِن، مثل: كَلِمة وكَلِم، ويقال لِبْنة، ولِبَن، مثل: لِبْدة، ولِبَدْ. قد تقدم فيما حكيناه: أن من ذهب إلى النسخ في حديث أبي أيوب، وما في معناه، تمسك بهذه الأحاديث، وأن الراجح من هذه المذاهب، القول بالتخصيص، والتفرقة بين الصحاري، وما يتخذ في البيوت من الكُنُف، وروى أبو داود من حديث مروان الأصفر؛ قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته، مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (¬3). ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى الذهلي، عن صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان عنه (3). وأما الحديث الذي رواه عبد الرزاق عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام؛ ¬

_ (¬1) من هنا تتحد النسخ الثلاث وتكون النسخة (أ) هي الأصل. (¬2) "المحكم" (6/ 309). (¬3) "السنن" (1/ 11).

قال: سمعت طاوسًا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم البراز، فليكرم قبلة الله -عزَّ وجلَّ- فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها". رواه الدارقطني مسندًا، ومرسلًا، وكرواية عبد الرزاق، رواه وكيع عن زمعة، وكذلك رواه عبد الله بن وهب عن زمعة، عن سلمة، وابن طاوس، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. ورواه سفيان بن عيينة: أنه سمع طاوسًا ولم يرفعه. وقال ابن المديني: قلت لسفيان: أكان زمعة يرفعه؟ قال: نعم، وسألت سلمة عنه، فلم يعرفه، -يعني: لم يرفعه-. وذكر عبد الحق: أن أحمد بن الحسن الضري، أسنده، وهو متروك، فقدح في مسنده، لا في مرسله. وقال ابن القطان (¬1): إن مرسله يدور على زمعة بن صالح، ضعفه أحمد، وأبو حاتم. فالعمل فيه متروك اتفاقًا فهذه مقدمة على علة الإرسال لأن تلك مختلف فيها، وهذه متفق عليها (¬2). وقال الشافعي -في رواية الربيع عنه-: حديث طاوس هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه، ولو ثبت كان كحديث أبي أيوب، وحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسند حسن الإسناد، وأولى أن يثبت منه -لو خالفه-، وإن كان قال طاوس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها، فإنما سمع -والله أعلم- حديث أبي أيوب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل ذلك على إكرام القبلة؛ وهي أهل أن تكرم، ¬

_ (¬1) "بيان الوهم" (645). (¬2) في الأصل: فالعمل فيه متروك أبدًا (والعلة) مقدمة.

والحال في الصحارى، كما حدث أبو أيوب، وفي البيوت، كما حدث ابن عمر، لا أنهما مختلفان. قال الشيخ أبو العباس القرطبي: وقد ذهب بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا: إلى أن حديث ابن عمر، لا يصلح لتخصيص حديث أبي أيوب، لأنه فِعْل في خلوة، وهو محتمل للخصوص، وحديث أبي أيوب قول، قُعِّدت به القاعدة، فبقاؤه على عمومه أولى. والجواب: أما فعله - عليه السلام -، فأقل مراتبه أن يحمل على الجواز بدليل مطلق اقتداء فعل الصحابة به، وبدليل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم: "ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ "، وقالت عائشة: [فعلته] أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - - فاغتسلنا؛ تعني: التقاء الختانين. وقبل ذلك الصحابة، وعملوا عليه، وأما كون هذا الفعل في خلوة فالحدث كله كذلك؛ لا يفعل إلا في خلوة، ويمنع أن يفعل في الملأ ومع ذلك، فقد نقل وتحدث به، سيما وأهل بيته كان ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة. وأما دعوى الخصوص: فقال أبو العباس: لو سمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لغضب على مدعيها، كما قد غضب على من ادعى تخصيصه بجواز القُبلة، حتى قال: "والله إني لأخشاكم لله، وأعلمكم بحدوده"، في كلام كثير، ذكره أبو العباس. ويكفينا في رد دعوى الخصوصية: أن الأصل عدمها، ولعل ما قد يتطرق إلى حديث ابن عمر، وحديث جابر، من هذه الاحتمالات -وإن كانت ضعيفة- هو

المقتضي لقول الإمام أحمد في حديث عراك الغفاري: إنه أحسن ما في هذا الباب، مع إرساله- وقد تقدم. وأما حديث ابن عمر: فيصلح دليلًا على المذهب الرابع الذي يفرق فيه بين الاستقبال والاستدبار، فيمنع الاستقبال، ويباح الاستدبار، وذلك أن حديث أبي أيوب عام فيهما معًا، والعام إذا ثبت تخصيصه في صورة، كان فيما عداها باقيًا على عمومه، ولم يخص حديث ابن عمر، مما تناوله حديث أبي أيوب، إلا الاستدبار فقط، فبقي الاستقبال المنهي عنه في حديث أبي أيوب بحاله، ولا يحسن في الاستقبال، أن يقاس عليه لأمرين: أحدهما: أنه أفحش من الاستدبار على كلا التعليلين: من حرمة القبلة -كما هو الراجح عند أصحاب الإمام مالك -رحمه الله- أو من حرمة المصلين، -كما اختاره أصحابنا-. الثاني: أنّه تقديم للقياس، على مقتضى العموم، وفيه ما فيه كما هو معروف في أصول الفقه، فهذا ما في حديث ابن عمر. وأمَّا حديث جابر: "فرأيته قبل أَن يُقبض بعام يستقبلها" تضمن أيضًا ذكر الاستقبال، فاستفيد الحكمان مِن الحديثين معًا، ولذلك أَودعهما الترمذي كتابه، وقدم حديث الاستقبال، إذ هو الأهم، كما أشرنا إِليه وأخَّر حديث الاستدبار -وإن كان أَقوى سندًا وأَصح مخرجًا- ولم يذكر حديث عائشة إلَّا بطرف منه، لمحل الإِرسال والاستفتاء عنه بما ذكره وإِذا قلنا بالتخصيص، كما ذهب إليه الشافعي -رحمه الله- ومن حكينا ذلك عنه، فالختار عند أَصحابنا أنه إِنما يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان إذا كان قريبًا مِن ساتر -جدارٍ أو نحوه- بحيث يكون بينه وبينه ثلاثةَ أذرع فما دونها، وبشرط آخر، وهو: أَن يكون الحائل مرتفعًا، بحيث يستر

أَسافل الإنسان، وقدروه بأخرة الرَّحل، وهي نحو ثُلثي ذراع فإنْ زاد ما بينه وبينه على ثلاثة أَذرع، أو قَصُر الحائل عن أُخرة الرحل، فهو حرام كالصحراء، إلا إِذا كان في بيت بُني كذلك فلا حجر فيه كيف كان، قالوا: ولو كان في الصحراء، وتستر بشيء -على الشرط المذكور-، زال التحريم، فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه، فيَحِلُّ في الصحراء والبنيان، بوجوده، ويَحرُم فيهما بعدمه، هذا هو الصحيح، المشهور عند أَصحابنا. ومن الأصحاب من اعتبر الصحراء والبنيان مطلقًا، ولم يعتبر الحائل؛ فأباح في البنيان بكل حائل، وحرّم في الصحراء بكل حائل، والصحيح الأول وفرعوا عليه، فقالوا: لا فرق بين أن يكون الساتر: دابة أو جدارًا أو وهدة أو كثيب رمل أو جبلًا، أو أرخى ذيله مقابل القبلة، ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا أصحهما -عندهم-، وأشهرهما: أنه ساتر، لحصول الحائل، والله أعلم. قال ابن عمر: "رقيت يومًا على بيت حفصة"، قال بعض أهل العلم: هذا الرقي من ابن عمر، الظاهر منه، أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف، وإنما كان لحاجة غير ذلك. ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - للحدث، على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له، وفي هذا الثاني بعد، والله أعلم. * * *

8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائما

8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا حدثنا علي بن حجر: أنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: من حدثكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبول قائمًا، فلا تصدقوه؛ ما كان يبول إلا قاعدًا. قال: وفي الباب عن عمر، وبريدة. قال: وحديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر؛ قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبول قائمًا، فقال: "يا عمر! لا تبل قائمًا" فما بلت قائمًا بعد. قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم ابن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه. روى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال عمر: "ما بلت قائمًا منذ أسلمت". وهذا أصح من حديث عبد الكريم. وحديث بريدة في هذا غير محفوظ. ومعنى النهي عن البول قائمًا: على التأدب، لا على التحريم. وقد روي عن عبد الله بن مسعود؛ قال: "إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم". حديث عائشة: رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه (¬1)، ولم يذكر الترمذي من حكمه أكثر من أنه: "أحسن شيء في الباب وأصح"، وذلك لا يفيده في نفسه صحة ولا حسنًا. ¬

_ (¬1) "المسند" (6/ 192)، النسائي (29)، ابن ماجه (307).

فنقول: المقدام، وأبوه شريح، وُثِّقا، وانفرد بإخراجهما مسلم دون البخاري (¬1). وشريك (¬2) لم يخرجا له؛ إلا أن مسلمًا أخرج له في المتابعات وكان ذا جلالة، وقدر، وعلم. وهو شريك بن عبد الله بن أنس، ويقال: ابن عبد الله بن أبي شريك، وهو أوس (¬3) بن الحارث بن الأدهل بن وهبيل، وقيل: هبل بن سعد بن مالك بن النخع الكوفي، أبو عبد الله النخعي، ولد بخراسان (¬4) نيسابور، ويقال: ولد ببخارى؛ مقتل قتيبة بن مسلم، سنة خمس وتسعين، أدرك عمر بن عبد العزيز، وسمع أبا إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب، وإسماعيل بن أبي خالد، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، في آخرين. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد السلام بن حرب الملائي (¬5)، وجماعة يطول ذكرهم. قال أبو بكر الخطيب: وقال عبد الله بن محمود: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى الحماني يقول: قال لي عبد الله بن المبارك: أما يكفيك علم شريك؟! وقال شريك -في قصة-: فكنت أضرب اللبن، وأبيعه وأشتري دفاتر ¬

_ (¬1) "رجال صحيح مسلم" (1689، 672). (¬2) "رجال صحيح مسلم" (665) و"تهذيب الكمال" (12/ 462 - 475) و"الجرح والتعديل" (5/ 365 - 367). (¬3) في الأصل وت: أراس، وهو خطأ صوابه كما أثبت، كما في مصادر ترجمته، وانظر "الأنساب" (3/ 64). (¬4) من بعد كلمة خراسان بدأت نسخة السندي التي قابلت عليها. (صالح). وقد رمز الأخ عبد العزيز لنسخة السندي: س. وقال: هنا تنقطع نسخة المصنف، وتبتدئ من جديد ... ! (¬5) الأصل: المرادي!

وطروسًا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلبت الفقه، فبلغت ما ترى. وقال أبو أحمد الزبيري: "كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح، رجعت وقد نغَّص علي ليلتي، وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري، رجعت وقد هممت أن أعمل عملًا صالحًا، وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبد الله، رجعت وقد استفدت أدبًا حسنًا". وقال حفصُ بن غياث: قال الأعمش -يومًا-: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، قال: فقدمنا شريكًا، وأبا حفص الأبار". وقال البغوي: ثنا داود بن رشيد: ثنا محمد بن معاوية النيسابوري؛ قال: سمعت عبادًا يقول: "قدم علينا معمر وشريك واسطًا، وكان شريك أرجح عندنا منه" (¬1). وقال العجلي (¬2): شريك بن عبد الله النخعي القاضي، كوفيٌّ ثقة، وكان حسن الحديث، وكان أروى الناس عنه: إسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي، سمع منه تسعة آلاف حديث". وقال سعدويه: سمعت ابن المبارك يقول: "كان شريك أحفظ لحديث الكوفيين من سفيان" -يعني: الثوري-. قال الخطيب: أنا الأزهري: أنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى: أنا مكرم بن أحمد: حدثني يزيد بن الهيثم البادا؛ قال: قلت ليحيى بن معين: زعم إسحاق بن أبي إسرائيل أن شريكًا أروى عن الكوفيين من سفيان, وأعرف بحديثهم، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، ولكن شريك أروى منه في بعض المشايخ: الرّكين، ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (9/ 280). (¬2) "ترتيب الثقات" (727)، وانظر "تاريخ بغداد".

والعباس بن ذريح، وبعض مشايخ الكوفيين -يعني: أكثر كتابًا- (¬1). قلت ليحيى: فروى يحيى بن سعيد القطان عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحيى بشيء وهو ثقة ثقة (¬2). قال يزيد بن الهيثم: وسمعت يحيى يقول: "شريك ثقة، وهو أحب إلي من أبي الأحوص وجرير، ليس يقاس هؤلاء بشريك، وهو يروي عن قوم لم يرو عنهم سفيان" (¬3). وقال عباس: قلت ليحيى: شريك أثبت أو أبو الأحوص؟ [قال: شريك. وروى أبو يعلى الموصلي عن يحيى مثله، وقال عئمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فشريك أحب إليك منه يعني في أبي إسحاق أو إسرائيل؟] (¬4) قال: شريك أحب إلي، وهو أقدم، وإسرائيل صدوق. قلت: فشريك أحب إليك في منصور أو أبو الأحوص؟ فقال: شريك أعلم به. قال عثمان: وأراه قال: وكم روى أبو الأحوص عن منصور. وذكر أبو بشر الدولابي: ثنا أبو عبد الله معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين؛ قال: "شريك بن عبد الله هو صدوق ثقة، إلا أنه إذا خولف مغيره أحب إلينا منه". قال أبو عبيد الله: وسمعت من أحمد شبيهًا بذلك. ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد"، و"من كلام أبي زكريا في الرجال" رواية الدقاق (322). (¬2) "تاريخ بغداد"، و، "الدقاق" (31)، وعنده: ثقة، مرة واحدة فقط. (¬3) انظر "تاريخ بغداد" و "الدقاق" (32). (¬4) زيادة من س. وقوله: وإسرائيل، كذا هو، ولعلها: أو إسرائيل، كما هو في "ترتيب الكمال" وانظر "تاريخ بغداد".

وسئل أبو عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن شريك وإسرائيل عن أبي إسحاق: أيهما أحب إليك؟ فقال: شريك أحب إلي؛ لأن شريكًا أقدم سماعًا من أبي إسحاق، وأما المشايخ فإسرائيل. قال: وشريك أكبر من سفيان. وقال يعقوب: قال أبو طالب: قال أبو عبد الله: "شريك أقدم من إسرائيل وزهير، وذاك أنه أسنهم". وقال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: يحيى القطان إيش كان يقول في شريك؟ قال: كان لا يرضاه، وما ذكر عنه إلا شيئًا على المذاكرة حديثين. وقال أبو يعلى الموصلي: "وسئل يحيى بن معين: روى يحيى القطان عن شريك؟ فقال: لا، لم يرو يحيى عن شريك، ولا عن إسرائيل. ثم قال: شريك ثقة؛ إلا أنه كان لا يتقن، ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة. وقال علي بن المديني: شريك أعلم من إسرائيل، [وإسرائيل] أقل خطأ منه، وذكر عن شريك؛ قال: كان عسرًا في الحديث، وإنما كان [شريك أعلم] حديث شريك وقع بواسط، قدم عليهم في حَفْرِ نَهْرٍ، فحمل عليه إسحاق الأزرق وغيره، قال علي: إن شريكًا قال: صليت مع أبي إسحاق ألف غداة. قال علي: وكان يحيى بن سعيد حمل عن شريك قديمًا، وكان لا يحدث عنه، وكان ربما ذكرها على التعجب، فكان بعضهم يحملها عنه. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن إسرائيل، ولا عن شريك، وكان عبد الرحمن يحدث عنهما. وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قدم شريك مكة فقيل لي: لو أتيته، فقلت: لو كان بين يدي ما ساكته عن شيء، وضعف حديثه جدًّا. قال يحيى: "أتيته بالكوفة فإذا هو لا يدري".

وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: شريك ثقة، يخطئ على الأعمش، زهير وإسرائيل فوقه. وقال -مرة-: "أبو بكر بن عياش بعد شريك". وقال أبو حاتم الرازي: "شريك لا يحتج بحديثه". وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: شريك بن عبد الله سيئ الحفظ، مضطرب الحديث مائل. وقال محمد بن يحيى: سمعت أبا الوليد يقول: كان شريك يحدث بشيء، ويسبق إلى نفسه لا يرجع إلى كتاب. وقال يعقوب بن شيبة: شريك بن عبد الله ثقة صدوق، صحيح الكتاب، رديء الحفظ مضطربه. وقال أبو علي (¬1) صالح بن محمد: "شريك صدوق، ولما ولي القضاء اضطرب حفظه. وقل ما يحتاج إليه في الحديث الذي يحتج به. وقال عباس الدوري (¬2): سمعت يحيى بن معين يقول: قال أبو عبيد الله -وزير المهدي- لشريك القاضي: أردت أن أسمع منك أحاديث. فقال: قد اختلطت علي أحاديثي، وما أدري كيف هي؟ فألحَّ عليه أبو عبيد الله، فقال: حدثنا مما تحفظ، [ودع ما لا تحفظ] فقال: أخاف أن تخرج (¬3) أحاديثي ويضرب بها وجهي. وقال أبو كريب: سمعت يحيى بن يمان يقول: لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك، وأقعد معه جماعة من الشرط يحفظونه، ثم طاب للشيخ فقعد من نفسه، ¬

_ (¬1) في س: يحيى! (¬2) "التاريخ" (2/ 252) و"تاريخ بغداد" (9/ 285). (¬3) كذا الأصول، وعند د. بشار: تجرح.

فبلغ الثوري أنه قعد من نفسه، فجاء فترايا له، فلما رأى الثوري قام إليه، فعظمه وأكرمه، ثم قال: يا أبا عبد الله هل من حاجة؟ قال: نعم، مسألة. قال: أوليس عندك من العلم ما يجزيك؟ قال: أحببت أن أذكرك بها، قال: قل، قال: ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رجل، ففتح الرجل الباب، فاحتملها ففجر بها، لمن تحد منهما؟ قال: له دونها لأنها مغصوبة، قال: فإنه لا كان من الغد جاءت فتزينت وتبخرت، وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل الباب، فرآها فاحتملها، ففجر بها، لمن تحد منهما؟ قال: أحدهما جميعًا لأنها جاءت من نفسها، وقد عرفت الخبر بالأمس، قال: أنت كان عذرك حيث كان الشرط يحفظونك، إيش عذرك اليوم؟ قال: يا أبا عبد الله أكلمك، قال: ما كان الله ليراني أكلمك، أو تتوب، قال: ووثب فلم يكلمه حتى مات، وكان إذا ذكره قال: أي رجل كان لو لم يفسدوه. وقال ابن أبي شيخ: وحدثني عبد الله بن صالح بن مسلم؛ قال: كان شريك على قضاء الكوفة فخرج يتلقى الخيزران، فبلغ شاهي، وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثًا، ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال شعرًا: فإن كان الذي قد قلت حقًّا ... بأن قد أكرهوك على القضاء فما لك موضعًا في كل يوم ... تلقى من يحج من النساء مقيم في قرى شاهي ثلاثًا ... بلا زاد سوى كسر وماء وقال ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: قال المهدي لشريك: كأني أرى رأس زنديق يضرب الساعة، فقال شريك: يا أمير المؤمنين! إن للزنادقة علامات؛ تركهم الجماعات، وشربهم القهوات، وتخلفهم عن الجمعات، فقال المهدي: يا أبا عبد الله! لم نعنك بهذا. قال يحيى بن معين: وجده حاضر الجواب. وقال عبد الجبار بن محمد الخطابي: قلت ليحيى بن سعيد: إن شريكًا إنما

خلط بآخره، قال: ما زال مخلطًا. وقال أبو زرعة: كان كثير الغلط، صاحب وَهْم يغلط أحيانًا. وقال فضل بن الصايغ: إن شريكًا حدث بواسط أحاديث بواطيل، فقال أبو زرعة: لا تقل بواطيل. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: سمعت بعض الكوفيين يقول: قال شريك: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مئة حديث فسألته عنها، فحدثني بها وسفيان يسمع فلما فرغ، قال سفيان: أرني قرطاسك. قال: فأعطيته إياه، فخرقه. فرجعت إلى منزلي فاستلقيت على قفاي حفظت منها سبعة وتسعين وذهبت علي ثلاثة. وقال أبو أحمد بن عدي: ولشريك حديث كثير من المقطوع، والمسند، وأصناف، وفي بعض ما لم أتكلم عليه من حديثه مما أمليت بعض الإنكار، والغالب على حديثه الصحة، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أتي فيه من سوء حفظه، لا أنه يتعمد شيئًا مما يستحق أن ينسب فيه إلى شيء من الضعف. وقال الحافظ عبد الغني: روى له مسلم، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه. فأطلق القول في رواية مسلم له، وذلك الإطلاق يقتضي الاحتجاج به، وليس كذلك، فإن مسلمًا إنما روى له في المتابعات والشواهد. وقال ابن سعد: شريك بن عبد الله القاضي، توفي في مستهل ذي القعدة، سنة سبع وسبعين ومئة، وكان ثقة مأمونًا كثير الحديث، وكان يغلط. وقال ابن حبان -في كتابه "الثقات"-: كان في آخر أمره يخطئ فيما يروي تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط

مثل يزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة (¬1). وحديث عمر رضي الله عنه: رواه ابن ماجه وضعفه الترمذي بعبد الكريم ابن أبي المخارق (¬2)، وقال: إنما روى من حديث عبد الكريم -يعني: مرفوعًا- ورجح الموقوف، من رواية عبيد الله، ولو تساويا في الثقة لترجح المرفوع من حيث النظر، لكن عبد الكريم لا يعدل بعبيد الله بن عمر ليس مثله، ولا قريبًا منه. واسم أبي المخارق: قيس، وقال عبد الرحمن: طارق أبو أمية البصري نزل مكة. روى عن: أنس بن مالك، وطاووس بن كيسان، ومجاهد، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى عنه: أبو سعد البقال، وابن جريج، والثوري، ومالك، وسعيد بن أبي عروبة، وابن عيينة، وإسرائيل بن يونس وغيرهم. قال أيوب: هو غير ثقة، سألني عن حديث لعكرمة فحدثته، ثم قال: حدثني عكرمة. قال معمر: سألني حماد عن فقهائنا، فذكرتهم، فقال: قد تركت أفقههم، يعني: عبد الكريم أبا أمية. قال أحمد: كان يوافقه على الإرجاء. ¬

_ (¬1) قال عبد العزيز: هنا تنتهي اللوحة الأولى من (أ) التي أقحمت في النسخة (س). وقد جاء في حاشية (س) ما نصه: الظاهر أن هنا سقط قدر ورقة في الأصول المنقول منها أو أكثر. (¬2) انظر "الجرح والتعديل" (6/ 59).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عبد الكريم أبي أمية، فقال: بصري، نزل مكة، وكان معلمًا، وكان ابن عيينة يستضعفه، فقلت له: فهو ضعيف؟ قال: نعم. وقال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد لا يحدثان عن عبد الكريم أبي أمية المعلم، فذكروا أمره عند يحيى في المسجد الجامع يوم الجمعة الترويح (¬1) في الصلاة، فقال: يذكرون عن مسلم بن يسار وأبي العالية، فقال له عفان: مِن حديث مَن؟ فقال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن عبد الكريم، عن عمر (¬2) بن أبي يزيد فيما بينه وبينه. وكذا رأيت هذا الخبر بخط شيخنا الحافظ الدمياطي في كتاب "الكمال"، ورأيت فيه زيادة في كتاب "الكنى" للحاكم، قال: وأما عبد الرحمن، فإني سألته في المجلس عن حديث من حديث محمد بن راشد، عن عبد الكريم المعلم، فقال. دعه. فلما قام ظننت أنه يحدثني به فسألته؛ فقال: فأين التقوى؟ وقال ابن عدي (¬3): والضعف بيّن على كل ما يرويه. وقال يحيى: هو بصري ضعيف. وقال أيوب بن أبي تميمة لمعمر: عبد الكريم أبو أمية غير ثقة، فلا تحملن عنه. مات سنة سبع وعشرين ومئة. وقال أحمد: ليس هو بشيء، وقد ضربت على حديثه، وهو شبيه المتروك (¬4). ¬

_ (¬1) في "الجرح والتعديل": التروح. مع تقديم وتأخير. (¬2) في "تهذيب الكمال" و"الجرح": عمير. (¬3) "الكامل" (5/ 1978). (¬4) انظر: "الجرح" (6/ 60).

وقال يحيى: ليس بشيء (¬1). وقال السعدي (¬2): غير ثقة. وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن حبان: كثير الوهم، فاحش الحفظ (¬3)، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به. وقال النسائي (¬4) والدارقطني (¬5): متروك. قال الحافظ عبد الغني: روى له مسلم، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه. وذكره ابن طاهر في من اتفق عليه الشيخان (¬6)؛ قال: وهو حديث واحد عندهما. وذكر حديثًا عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي؛ قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه ... الحديث، من رواية ابن عيينة عنه. لكن البخاري أورده تعليقًا عن سفيان، فقال: قال سفيان: حدثني عبد الكريم. وأخرجه مسلم عن زهير والناقد وأبي بكر، عن سفيان مخرجًا (¬7). انتهى كلامه (¬8). ¬

_ (¬1) "التاريخ" الدارمي، (681). (¬2) "أحوال الرجال" (144). (¬3) كذا، وصوابها: الخطأ. "المجروحين" (2/ 144). (¬4) "الضعفاء والمتروكين" (422). (¬5) "السنن" (1/ 164)، انظر "سؤالات الحاكم" للدارقطني (523). (¬6) رواه البخاري (1716 م)، وهو عند مسلم (1317) في أول حديث في الباب (348) ثم عاد (349) ورواه من طريق الجزري كما سيذكره المصنف، ولا يظهر ما حكاه أن الرواية عن الجزري في المرتين. (¬7) في "الجمع بين رجال الصحيحين": "مجودًا". وانظر "الصحيح" لمسلم: (1317). (¬8) "الجمع بين رجال الصحيحين" لابن طاهر (1/ 324، 325)، وقد نقله الشارح بمعناه.

ويحتاج إلى تعقب: فأما ما تضمن من أن البخاري أخرج له أصلًا، فقد استدرك هو وبين أنه عنده معلق عن سفيان، لكنه تضمن من غير استدراك، أن ليس له من هذا اللفظ في "صحيح البخاري" إلا ذلك الموضع، واستدرك عليه بعض المتأخرين فقال: وقد ذكر البخاري (¬1) في "باب التهجد بالليل"، وقال سفيان -يعني: ابن عيينة-: وزاد عبد الكريم أبو أمية "لا حول ولا قوة إلا بالله". وأما ما ذكره غير (¬2) مسلم، فقد ذكر مثله الحافظ عبد الغني المقدسي أيضًا، وزعم أن مسلمًا أخرج له أصلًا -يعني: الحديث المذكور- وإن لم يصرح به. وزعم بعض الحفاظ أن مسلمًا لم يخرج لابن أبي المخارق، وأن عبد الكريم في ذلك الحديث هو الجزري؛ وهو الصواب إن شاء الله، فإن مسلمًا صرح به أولًا، ثم أحال على ما سبق عنده، فقال: ثنا يحيى بن يحيى؛ قال: ثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد. وثنا أبو بكر والناقد وزهير، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم، عن مجاهد. لم يزد على ذلك، ثم ساق الحديث بعد ذلك من طريق: ابن أبي نجيح ¬

_ (¬1) علقه البخاري (1120)، وانظر "مختصر البخاري" (1/ 333) للالباني، وهو عند مسلم موصولًا (769)، كما هو عند البخاري من غير طريق عبد الكريم. قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص 421): " .. متروك عند أثمة الحديث، وقد ذكره أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" من أجل زيادة وقعت في حديث سفيان بن عيينة عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد .. " الحديث. أورده البخاري في "كتاب التهجد" وقال في آخره: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية -يعني عن طاوس-: "ولا حول ولا قوة إلا بالله". ولم يقصد البخاري الاحتجاج به، وإنما أورده كما حصل عنده، واحتجاجه إنما هو بأصل الحديث عن سليمان كعادته في ذلك ... ". (¬2) كذا ولعلها: عن.

والحسن بن مسلم كلاهما عن مجاهد، كرواية عبد الكريم الجزري. وأما البخاري: فساق الحديث من طريق: ابن أبي نجيح والحسن بن مسلم، وسيف بن [أبي] سليمان وعبد الكريم، عن مجاهد -أصلًا وتعليقًا- مصرحًا في كلا الموضعين بأنه الجزري، فهذا كما ترى مقرونًا بابن أبي نجيح وغيره، وعندهما مصرحًا فيه بالنسبة المفرقة بينهما عند البخاري في طريقي التعليق والاتصال، وعند مسلم في السند الأول الذي يحسن حوالة ما يأتي بعده عليه. وأما ما استدرك على ابن طاهر بما وقع عند البخاري في قيام الليل فصحيح فابن أبي المخارق هو الذي يكنى أبا أمية، وليس الجزري، لذلك يستقيم الفرق بينهما. ووجه آخر -في الرد على من زعم أن مسلمًا انفرد بإخراج حديثه في الأصول- وهو أنه ليس له عنده إلا هذا الحديث الواحد، وقد ساقه مقرونًا بابن أبي نجيح، والحسن بن مسلم؛ ولا يكون محتجًا به حتى ينفرد. وأما المقرون به غيره: فالاحتجاج بقرينه لا به، فقد تبين الوجه في ذلك من وجوه: * أولها: أنه الجزري وليس غيره. * والثاني: لو كان هو لكان في الشواهد والمتابعات. * والثالث: أنه لم يأت إلا مقرونًا بغيره فلا يكون الحمل عليه ولا الاحتجاج به. نعم، الذي أخرج حديثه مع انتقائه الرجال وأنه ليس من شأنه أن يخرج إلا عن ثقة الإمام مالك -رحمه الله ورضي عنه- لكنه لم يخرج عنه إلا اليسير الثابت

من غير طريقه: "إذا لم تستح فافعل ما شئت"، "ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة"، ومع ذلك فقد اعتذر لما بين أمره. وقال: غرني بكثرة بكائه في المسجد أو نحو هذا. وفي عذر من اشتبه عليه بعبد الكريم الجزري لاشتراكهما في الاسم والعصر؛ فقد ماتا معًا في سنة سبع وعشرين، وفي الشيوخ والرواة فكلاهما روى عن: الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وروى عن كليهما: الثوري، وابن جريج، ومالك، ومن في طبقتهم. وقد ضعف عبد الكريم الجزري (¬1) أيضًا سيما، قال أبو أحمد الحاكم: لم يكن بالحافظ عندهم. وذكر أن ابن المديني: قال ليحيى بن سعيد: حديثه عن عطاء، عن جابر في لحم البغل؛ فقال: قد سمعته وأنكره يحيى وأبي أن يحدثني عنه أعني عبد الكريم الجزري. لكن قد وثقه غير واحد. وقال أبو عمر (¬2) -في ابن أبي المخارق عبد الكريم-: بصري، ضعيف، متروك، لا يختلف العلماء بالحديث في ضعفه إلا أن منهم من يقبله في غير الأحكام خاصة ولا يحتج به على كل حال، ومن أجل من جرحه (¬3)، وطرحه: أبو العالية وأيوب مع ورعه ثم شعبة والقطان وأحمد وعلي وابن معين. وكان مؤدب كتاب حسن السمت غر مالكًا منه سجيته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى حذقه ونباهته؛ فروى عنه وهو أيضًا مجتمع على تجريحه وضعفه ولم يخرج مالك عن عبد الكريم حكمًا في "موطئه" وإنما ذكر فيه عنه ترغيبًا وفضلًا، ¬

_ (¬1) انظر "الجرح والتعديل" (6/ 58 - 59). (¬2) "التمهيد" (20/ 65). (¬3) الأصل: حل من صححه جرحه.

وكذلك الشافعي لم يحتج بابن أبي يحيى في حكم أفرده به. انتهى كلامه. أما قوله: أن مالكًا لم يخرج عنه في الأحكام فقد ذكرنا وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. وقال أبو جعفر العقيلي (¬1) عن معمر: ما رأيت أيوب اغتاب أحدًا قط إلا عبد الكريم؛ فإنه ذكره فقال: رحمه الله كان غير ثقة. وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: لم يحدث مالك عن أحد أضعف من عبد الكريم. فحديث عمر إذن ضعيف لمحل عبد الكريم وهو منحط عن درجة حديث عائشة وكذلك حديث جابر. وقد رواه (¬2) ابن ماجه، وضعفه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة عدي بن الفضل، من طريقه أخرجه ابن ماجه. وأما حديث بريدة: فقال البزار: ثنا نصر بن علي: ثنا عبد الله بن داود: ثنا سعيد بن عبيد الله: ثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده". ثم قال: لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله. قلت: إن لم يكن لهذا الحديث علة، فهو أقوى من حديث عائشة؛ فإن سعيد بن عبيد الله احتج به البخاري ووثقه أحمد ويحيى وابو زرعة (¬3). ¬

_ (¬1) "الضعفاء" (3/ 262). (¬2) أي حديث جابر، وانظر "السنن" لابن ماجه (309). (¬3) "الجرح" (4/ 39).

وحديث جابر الذي تقدم ذكره ليس مما أشار إليه الترمذي، وقد ذكره البيهقي (¬1) أيضًا، وضعف عدي بن الفضل، فقال: وروى عدي بن الفضل وهو ضعيف عن علي بن الحكم، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله؛ قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبول الرجل قائمًا. أخبرناه أبو سعد الماليني: أنا أبو أحمد بن عدي: ثنا ابن صاعد: ثنا محمد بن عبد الله المخرمي وأبو الفضل الخرقي؛ قالا: ثنا أبو عامر العقدي: ثنا عدي بن الفضل ... فذكره. وذكر أيضًا: من حديث عبد الرحمن بن حسنة وعمرو بن العاص وليس مما أشار إليه الترمذي: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل الماسرجسي: نا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري: ثنا محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد: أنا يعلى بن عبيد: ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة؛ قال: كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده درقة فبال وهو جالس ... الحديث (¬2). قال الترمذي: ومعنى النهي عن البول قائمًا: على التأدب لا على التحريم. قال النووي (¬3) -رحمه الله- وقد ذكر حديث عائشة في الباب وأنه ثابت؛ قال: ولهذا قال العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم. قال ابن المنذر في "الإشراف": اختلفوا في البول قائمًا فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد رضي الله عنهم أنهم بالوا قيامًا. ¬

_ (¬1) "السنن الكبير" (1/ 101). (¬2) المصدر السابق، و (1/ 104)، والحديث رواه أبو داود (22) وابن ماجه (346) والنسائي (30) وابن الجارود (131) والحاكم (657، 658) وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني. (¬3) "شرح صحيح مسلم" (3/ 166).

قال: وروي ذلك عن علي وأنس وأبي هريرة، وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير. وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد، وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائمًا. قال: وفيه قول ثالث؛ إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء؛ فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس به، وهذا قول مالك. قال ابن المنذر: البول جالسًا أحب إلي، وقائمًا مباح؛ وكل ذلك ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فحجة من منع أحاديث هذا الباب وحجة من أجاز حديث حذيفة الآتي بعده. وقال المانعون: ذلك لمقتضى (¬1) يخصه من وجع صلب، كما قال الشافعي (¬2) وجرح بمأبضة، كما روي من طريق ضعيفة (¬3) أو غير ذلك مما سيأتي في الباب بعده. وانفصل عن ذلك المجيزون؛ بأن هذه الأوجه وإن كانت محتملة إلا أن حذيفة كان شاهدًا لحالته كلها، واستدل بهذا الفعل على جواز البول قائمًا من على نزل النهي في التحرز من النجاسة؛ فلو كان هناك شيء من تلك الاحتمالات لما استدل به، ولنقل ذلك المعنى، ومن فصل بين أن يتطاير لمن يبول شيء من البول أو لا فللجمع بين الحديثين واستعمال كل منهما في مورده. * * * ¬

_ (¬1) غير واضحة، وتحتمل: لمعنى. (على بعد). (¬2) انظر: "شرح مسلم" (3/ 165) و"السنن الكبير" (1/ 101) للبيهقي. (¬3) رواه الحاكم وصححه والبيهقي، وضعفه الألباني في "الإرواء" (58)، وقال السيوطي في "شرح النسائي" (1/ 20): قال الحافظ: ضعفه الدارقطني والبيهقي.

9 - باب الرخصة في ذلك

9 - باب الرخصة في ذلك حدثنا هناد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال عليها قائمًا، فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخَّر عنه، فدعاني، حتى كنت عند عقبيه، فتوضَّأ ومسح على خفيه. [قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يحدِّث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصحّ حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعًا فذكر نحوه]. [قال أبو عيسى] (¬1): وهكذا روى منصور وعبيدة الضبي، عن أبي وائل، عن حذيفة مثل رواية الأعمش. وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أبي وائل، عن حذيفة أصح. وقد رخَّص قوم من أهل العلم في البول قائمًا (¬2). * الكلام عليه: هذا حديث سكت عنه الترمذي وهو صحيع اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه من حديث أبي وائل، عن حذيفة فرواه البخاري في "الطهارة" (¬3): ثنا آدم؛ قال: ثنا شعبة عن الأعمش. ¬

_ (¬1) زيادة من المطبوع من جامع الترمذي نسخة أحمد شاكر. (¬2) الجامع (1/ 19 - 20). (¬3) أي في كتاب الوضوء من صحيحه (1/ 90 / برقم 223) باب البول قائمًا وقاعدًا.

وفي "المظالم" (¬1): ثنا سليمان بن حرب؛ قال: ثنا شعبة عن منصور كلاهما عن أبي وائل. وفي "الطهارة" (¬2): أنا ابن عرعرة: ثنا شعبة. وثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير، كلاهما عن منصور، عن أبي وائل (¬3). ومسلم: ثنا يحيى بن يحيى: ثنا أبو خيثمة؛ قال: ثنا الأعمش (¬4). وثنا يحيى بن يحيى؛ قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل (¬5). ورواه أيضًا (¬6) عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل. وألفاظهم مختلفة. وحديث المغيرة رواه ابن ماجه، عن إسحاق بن منصور، عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل (¬7). وعن إسحاق بن منصور، عن أبي داود، عن سفيان، عن عاصم، عن المغيرة؛ ولم يذكر أبا وائل (¬8). قال ابن عساكر: خالفه الأعمش ومنصور بن المغيرة فروياه عن أبي وائل، ¬

_ (¬1) باب الوقوف والبول عند سباطة قوم (2/ 874 / 2339) من صحيحه. (¬2) أي في كتاب الوضوء من صحيحه (1/ 90 / برقم 224) باب البول عند سباطة قوم. (¬3) من صحيحه كتاب الوضوء (1/ 90 / برقم 223) باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط. (¬4) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 228 / برقم 273) باب المسح على الخفين. (¬5) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 228) برقم 273 باب المسح على الخفين. (¬6) ابن ماجه كما سيأتي بعد سطر عن الشارح. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 111 / برقم 306) باب ما جاء في البول قائمًا. (¬8) ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 111) برقم 306 باب ما جاء في البول قائمًا وفيه: أبو وائل، وقد ذكر المزي في "التحفة" أنه لم يذكر أبا وائل وانظر الحاشية التالية.

عن حذيفة (¬1). وذكره البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة (¬2). وقال: والصحيح ما روى الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة؛ كذا قال الترمذي وغير واحد من الحفاظ (2). وحديث حذيفة قد سمعه شعبة من الأعمش ومنصور فحدَّث به تارة، عن الأعمش وتارة عن منصور (¬3) كما رواه البخاري (¬4) لا يُعدُّ ذلك خلفًا يوجب وهنًا. قلت: هذا الترجيح لرواية الأعمش ومنصور على رواية حمَّاد وعاصم ترجيح بالأحفظ، وليس القول فيه كالقول في الخلف قبله على شعبة؛ فإن آدم بن أبي إياس رواه عنه عن الأعمش. وسليمان بن حرب رواه عنه عن منصور. وهما ثبتان أو متقاربان في الثقة والحفظ وليس كذلك الأعمش ومنصور مع ¬

_ (¬1) انظر "تحفة الأشراف" (11502) قال الحافظ: ووافق عاصمًا، حماد بن أبي سليمان، فرواه عن أبي وائل عن المغيرة. وقرأت بخط شيخنا الحافظ أبي الفضل: الذي في سنن ابن ماجه رواية شقيق عن المغيرة. اهـ. قلت: شقيق هو أبو وائل، فراجع الحاشة السابقة. (¬2) في السنن الكبرى (1/ 101). (¬3) علَّق الناسخ للمخطوط ت في الهامش قائلًا: "قال النسائي: أنا سليمان بن عبد الله ثنا بهز ثنا شعبة عن سليمان ومنصور، فجمعهما في حديث واحد". قلت: أخرج هذا الحديث النسائي في سننه في كتاب الطهارة (1/ 30 / برقم 28) باب الرخصة في البول في الصحراء قائمًا. (¬4) في صحيحه كما تقدم فرواه عن الأعمش كما في حديث (222) ورواه عن منصور كما في حديث (2339).

عاصم بن بهدلة وحمَّاد بن أبي سليمان فوقع التنبيه على هذا الخلف والترجيح لما اقتضى النظر ترجيحه وإن كان من الجائز أن يكون أبو وائل أيضًا سمعه من حذيفة ومن المغيرة فحدَّث به عن حذيفة تارة، وعن المغيرة أخرى، ولم يقع تنبيه من أحد على الخلف الآخر ولا ترجيح لأحد الطرفين منه على الآخر. وإذ قلنا ذلك فلنذكر من حال الأعمش ومنصور وحال حمَّاد وحال عاصم ما يوضح الترجيح الذي ذكرناه. فأمَّا الأعمش: فسليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي الكوفي وستأتي ترجمته مبسوطة في الباب بعد هذا -إن شاء الله تعالى- ويكفينا من وجوه الترجيح ها هنا أنَّ الجماعة كُلَّهم أخرجوا حديثه، ولم يحتج بحماد، ولا بعاصم البخاري ولا مسلم. وأمَّا منصور: فهو بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، بضم الراء، وفتح الباء ثانية الحروف، بعدها ياء آخر الحروف، مكسورة مشددة -ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة. سمع: زيد بن وهب، وأبا وائل، ورِبْعي بن حِراش، وأبا حازم الأشجعي، وإبراهيم النخعي، والشعبي والزهري، وأبا الضحى، والمسيب بن رافع، وهلال بن يساف، والحكم بن عتيبة، وسعد بن عبيدة، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن جبير، وعبيد بن نسطاس، وعبد الله بن مرة، ومجاهد بن جبر. روى عنه: سليمان التيمي، وأيوب السختياني، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، ومسعر، والثوري. وهو أثبت الناس فيه، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وزهير، وإسرائيل، وزائدة، ووهيب، وأبو الأحوص، وشيبان بن عبد الرحمن، وروح بن القاسم، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وأبو عوانة، ومُفَضل بن مهلهل، وحمَّاد بن

زيد، وفضيل بن عياض، وعمَّار بن زريق، وعَبِيدة بن حُميد. سئل علي بن المديني: أيُّ أصحاب إبراهيم أعجبُ إليك؟ قال: إذا حدَّثك عن منصور ثقة فقد ملئت يديك لا تريد غيره (¬1). وقال عبد الرحمن بن مهدي: منصور أثبت أهل الكوفة (¬2). وقال سفيان: كنت لا أُحدِّثُ الأعمش عن أحد من أهل الكوفة إلا ردَّه. فإذا قلت: منصور؛ سكت (¬3). وقال يحيى بن سعيد: منصور، عن مجاهد أثبت من ابن أبي نجيح، عن مجاهد (3). وقال أحمد بن حنبل: منصور أثبت من إسماعيل بن أبي خالد، وأثبت الناس في إبراهيم الحكم بن [عتيية] ثم منصور (¬4). وقال يحيى بن معين: منصور أثبت من الحكم بن عتيبة، إذا اجتمع منصور والأعمش فقدَّم منصورًا (¬5). قال ابن معين: وهو ابن عمِّ عتبة بن فرقد السلمي، [ومحمد بن علي السلمي] (¬6) أخوه لأمه (¬7). ¬

_ (¬1) لم أجده في سؤالات ابن أبي شيبة له وذكر هذا القول عنه ابن أبي خشيمة كما في "تهذيب الكمال" (28/ 552 - 553) وذكر أنه رآه في كتاب علي بن المديني فالله أعلم أي كتاب هذا فإن المديني له كتب كثيرة وأغلبها مفقود. (¬2) ذكره الترمذي في "جامعه" (2/ 461) و (3/ 558) و (5/ 35). (¬3) الجرح والتعديل (8/ 177 / برقم 778). (¬4) المصدر السابق (8/ 178)، "العلل" (3/ 352). (¬5) الجرح والتعديل (8/ 178 / برقم 778). (¬6) ألحق الناسخ ما بين المعكوفتين في الهامش وصحَّحه بوضع علامة صح في آخره. (¬7) التاريخ الدوري (2/ 588 / برقم 1630).

وقال يحيى بن [معين] (¬1): منصور أحبُّ إليَّ من حبيب، ومن عمرو بن مرة، ومن قتادة. قيل له: فأيوب؟ قال: هو نظير أيوب عندي (¬2). وقال أبو حاتم: هو ثقة أتقن من الأعمش، لا يخلط ولا يُدِّلس (¬3). وقال الثوري: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور (¬4). وقال أبو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى يقول: أثبت أهل الكوفة منصور، ثم مسعر (¬5). وقال سفيان: إذا جاءت المذاكرة جئنا بكلٍّ، وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصور بن المعتمر (¬6). وقال أبو حمزة: دخلت إلى بغداد (¬7)، فرأيت جميع من فيها يثني على منصور بن المعتمر، فلمَّا خرجت إلى الكوفة سمعت منه، فلمَّا عدت من مكة أقمت عليه حتى كتبت عنه، فأكثرت (¬8). وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، ثنا خلف بن تميم؛ قال: ¬

_ (¬1) في المخطوط ت يحيى بن منصور وهو تحريف والصواب ما هو مثبت كما في تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري (2/ 588 / 1630). (¬2) المصدر السابق. (¬3) الجرح والتعديل (8/ 179). (¬4) المصدر السابق (8/ 178). (¬5) المصدر السابق (8/ 179). (¬6) تهذيب الكمال (28/ 553). (¬7) قال بشار عواد: هذا وهم لا شك فيه، بل ذهول شديد، فبغداد إنما بنيت بعد وفاة منصور بن المعتمر بأكثر من ثلاثة عشر عامًا، فلعل الصواب فيه: البصرة. (¬8) تاريخ بغداد (3/ 266).

سمعت زائدة يقول: صام منصور بن المعتمر أربعين (¬1) سنة؛ صام نهارها وقام ليلها، وكان يبكي اللَّيل؛ فإذا أصبح اكتحل وادَّهن وبرق شفتيه (¬2). وقال زائدة أيضًا: كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجل قد أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: يا هذا ما الذي تصنع بنفسك تبكي الليل عامته لا تكاد تسكت لعلك يا بني أصبت نفسًا فقتلت قتيلًا، قال: يا أمه! أنا أعلم بما صنعت بنفسي (¬3). وقال أبو يزيد الواسطي: كان أوَّل ما يبلى من ثياب منصور بن المعتمر ما يلي ركبته من كثرة سجوده (¬4). وقال أحمد بن عبد الله: منصور بن المعتمر كوفي ثقة ثبت في الحديث؛ كان أثبت أهل الكوفة، وكأن [حديثه] (¬5) القدح لا يختلف فيه أحد، متعبد، رجل صالح، أكره على قضاء الكوفة (¬6). وكان فيه تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء صام ستين سنة وقامها توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة (¬7). ¬

_ (¬1) لا وجود لها في كتاب التهجد وهو الذي يقتضيه السياق؛ أي: صام سنة، والأثر ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/ 73). وفيه أربعين سنة، ورواية أخرى فيها بستين سنة عند أبي نعيم في الحلية (5/ 41)، وذكر الذهبي في السير (5/ 406) رواية الأربعين. (¬2) كتاب التهجد وقيام الليل (223) برقم 128. (¬3) كتاب التهجد وقيام الليل (213) برقم 128. (¬4) لم أقف عليه. (¬5) كذا في معرفة الثقات للعجلي وهي ساقطة من المخطوط "ت" لأن الكلام بدونها لا يستقيم، انظر الفقرة التالية. (¬6) معرفة الثقات للعجلي (2/ 299 / برقم 1795). (¬7) انظر ما سبق.

وقال زائدة: [أخذه] (¬1) يوسف بن عمر -عامل الكوفة- يريده على القضاء فامتنع وأبى، فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيّد. قال: فجاءه خصمان فقعدا بين يديه، فلم يسألمهما، ولم يكلمهما. قال: فقيل ليوسف بن عمر: إنِّك لو نثرت لحمه لم يل لك القضاء، وقال: فخفي عنه (¬2). وذكر وكيع عن الثوري، قال: أراد ابن هبيرة أن يستعمل منصور بن المعتمر على القضاء، قال: ما كنت لألي لك بعدما حدَّثني إبراهيم. قال: وما حدَّثك إبراهيم؟ قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة؟ حتى من يبري لهم قلمًا أو لاق لهم دواة، فيجمعون في تابوت من جديد (¬3) ويرمى بهم في جهنم (¬4) ". ومنصور بن المعتمر كبير القدر، كثير المناقب؛ وإنَّما ذكرنا طرفًا من مناقبه يُعرف بها حاله وجلالته عند السَّلف رحمه الله. وأما حمَّاد: فهو حمَّاد بن أبي سليمان، أبو إسماعيل، الأشعري. واسم أبي سليمان: مسلم -مولى إبراهيم بن أبي موسى-. حكى محمد بن يحيى بن منده: أنه من أهل بُرْخُوار، وهي من ¬

_ (¬1) كذا في تهذيب الكمال وهو الأنسب للسياق وفي المخطوط "ت" أخذ. (¬2) تهذيب الكمال (28/ 554). (¬3) كذا في المخطوط "ت" ومن السياق يتضح أنه: في تابوت من حديد، لا: من جديد كما جاء في المخطوط كما تقدم، وعند الزيلعي: تابوت واحد. (¬4) الحديث ذكره الديلمي في الفردوس من رواية أبي هريرة (1/ 255)، وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (3/ 28): غريب.

نواحي أصبهان (¬1). سمع: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وزيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وابن بريدة. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق الشيباني، والأعمش، ومسعر، والثوري، وشعبة. سئل أحمد بن حنبل عنه فقال: رواية القدماء عنه مقاربة (¬2) كالثوري وشعبة وهشام، وأمَّا غيرهم فجاءوا عنه بأعاجيب (¬3). وقال يحيى القطان: هو أحبُّ إلينا من مغيرة (¬4)، وحمّادٌ ثقة (¬5). وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة، وكان أفقه أصحاب إبراهيم، يُروى عن مغيرة: سأل حمادٌ إبراهيمَ، وكان له لسان سؤول، وقلب عقول، وكانت به موتة، وكان ربَّما حدَّثهم بالحديث فيعتريه [ذلك] (¬6)، فإذا أفاق أخذ من حيث انتهى (¬7). والمُوتة: طرف من الجنون. وقال شعبة: كان صدوق اللسان (8). وكان يحيى بن معين يُقدِّم حمَّاد بن أبي سليمان على أبي معشر زياد بن كليب (¬8). ¬

_ (¬1) انظر أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/ 288). (¬2) الأصل: مقارب! (¬3) "تهذيب الكمال" (7/ 272، رقم 1483). (¬4) الجرح والتعديل (3/ 147 / برقم 642). (¬5) قوله: "وحماد ثقة" إنما هو لابن معين قال الحافظ ابن حجر في التهذيب (1/ 483) وقال القطان: أحب إلي من مغيرة وكذا قال ابن معين وقال "حماد ثقة". (¬6) كذا في معرفة الثقات وهي ساقطة من المخطوط ت وتهذيب الكمال وإثباتها يوضِّح المعنى. (¬7) معرفة الثقات (1/ 320 / برقم 355). (¬8) الجرح والتعديل (3/ 147).

وقال أبو حاتم: هو صدوق، ولا يحتجُ بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء للآثار شوَّش (¬1). وقال أبو أحمد بن عدي: حمَّاد بن أبي سليمان كثيرُ الرواية خاصة عن إبراهيم. ويقع في حديثه أفراد وغرائب، وهو متماسك في الحديث لا بأس به (¬2). وقال ابنُ الجوزي: كذَّبه مغيرة (¬3). وقال محمد بن سعد (¬4): كان ضعيفًا في الحديث فاختلط في آخر أمره. وقال يحيى: هو ثقة (¬5). وقال شعبة: صدوق اللسان (¬6). مات حماد سنة عشرين ومئة (¬7). قال الحافظ عبد الغني المقدسي: روى له الجماعة إلَّا البخاري (¬8). وهذا الإطلاق يقتضي احتجاج مسلم به. وقال الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي القرشي: روى له مسلم مقرونًا ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (3/ 147). (¬2) الكامل (2/ 238 / برقم 413). (¬3) الضعفاء والمتروكون (1/ 233 / برقم 994). (¬4) في الطبقات الكبرى (6/ 333). (¬5) الجرح والتعديل (3/ 247). (¬6) تقدَّم آنفًا. (¬7) انظر تاريخ مولد العلماء (1/ 282). (¬8) بل روى له البخاري تعليقًا في صحيحه كتاب الأحكام (6/ 2622) باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم ثم قال: -وقال حماد: إذا أقرَّ مرة عند الحاكم رجم- يعني الزاني". قال صالح: بل هذا فقه ورأي لا رواية!

بغيره (¬1). وهذا مستقيم فإنه أخرج له في الأشربة (¬2) مقرونًا بمنصور والأعمش عن إبراهيم النخعي. وأمَّا عاصم: فهو ابن بهدلة أبي النَّجود، أبو بكر المقرئ، الأسدي، الكوفي. قال سفيان وأحمد بن حنبل: بهدلة: أبو النجود (¬3). وقال عمرو بن علي: اسم أُمِّه بهدلة (3). وقال أبو بكر بن أبي داود: زعم بعضُ لا يعلم أنَّ أمَّه بهدلة وليس كذلك (¬4). سمع: زر بن حبيش، وأبا وائل شقيق بن سلمة، وأبا رزين مسعود بن مالك، وأبا صالح السَّمان، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وشعبة والحمَّادان، والسفيانان وغيرهم. روى أبو نعيم عن سفيان: في حديثه اضطراب وهو ثقة (¬5). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ساكت أبي عنه، فقال: كان رجلًا صالحًا قارئًا للقرآن، وأهل الكوفة يختارون قراءته. ¬

_ (¬1) قلت وكذا قال ابن منجويه في رجال صحيح مسلم (1/ 159 / 318). (¬2) من صحيحه (3/ 1579 / برقم 6) باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والختم والنقير وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال ما لم يصر مسكرًا. (¬3) تاريخ دمشق (25/ 227). (¬4) تاريخ دمشق (25/ 228). (¬5) المعرفة والتاريخ (3/ 197).

قال أحمد بن حنبل: وأنا أختار قراءته، وكان ثقة (¬1). وقال محمد بن سعد: كان ثقة إلَّا إنَّه كان كثير الخطأ في حديثه (¬2). قال أبو بكر بن عياش: قال أبو إسحاق: ما رأيت أقرأ من عاصم، قال: فقلت: هذا رجل قد لقي أصحابَ عليٍّ، وأصحابَ عبد الله، فدخلت المسجد من أبواب كِنْدَه، فإذا رجل غلبه جماعة، وعليه كساء، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا عاصم، فأتيته، فدنوت منه، فلما تكلَّم، قلت: حقَّ لأبي إسحاق أن يقول ما قال (¬3). وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو صاحبُ سنة، وقراءة للقرآن، وكان ثقةً رأسًا في القراءة، ويقال: إن الأعمش قرأ عليه وهو حدث، وكان يختلف عليه في زر وأبي وائل (¬4). وقال أحمد بن حنبل: كان الأعمش أحفظ منه، وكان [شعبة] (¬5) يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث (¬6). وسئل يحيى بن معين عنه فقال: ليس به بأس (¬7). ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (6/ 341 / برقم 1887) والعلل لأ حمد (1/ 421 / 918) بنحوه. (¬2) في الطبقات الكبرى (6/ 321). (¬3) تاريخ دمشق (25/ 232)، وعنده: أبواب كثيرة، عليه جماعة! وكان الأصل: لاحق! بزيادة (لا)، وهو خطأ واضح. وقوله: عليه جماعة، كذلك هو في "تهذيب الكمال". وهو محتمل. (¬4) معرفة الثقات (2/ 6 / برقم 807). (¬5) كذا في جميع المصادر التي ذكرت هذا القول عن أحمد وفي المخطوط سعيد وهو خطأ. (¬6) العلل ومعرفة الرجال (3/ 54 / 4136) والجرح والتعديل (6/ 341) وتهذيب الكمال (13/ 476) وتهذيب التهذيب (2/ 250). وكأن الأصل: ثبت الحديث. (¬7) الجرح والتعديل (6/ 341 / برقم 1887).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن حمَّاد بن أبي سليمان، [وعاصم] فقال: عاصم أحب إلينا عاصم صاحب قرآن وحماد صاحب فقه] (¬1). فقال (¬2) [وسألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال] (¬3): هو صالح أكثر حديثًا من أبي قيس الأودي، وأشهر منه، وأحبُّ إليَّ من أبي قيس (¬4). وسُئل (¬5) عن عاصم وعبد الملك بن عمير، فقال: قَدِّم عاصم على عبد الملك، عاصم أقل اختلافًا عندي من عبد الملك (6). وسألت أبا زرعة عنه، فقال: ثقة، فذكرته لأبي، فقال: ليس محل هذا أن يقال ثقة، وقد تكلَّم فيه ابنُ علية، فقال: كُلُّ من اسمه عاصم سيئ الحفظ (6). وقال أبو حاتم أيضًا: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث، ولم يكن بذاك الحافظ (¬6). وقال الدارقطني: في حفظه شيء (¬7). وقال يحيى بن سعيد: ما وجدْتُ رجلًا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في الجرح والتعديل (6/ 341) وسقط من المخطوط "ت" ما بين المعكوفتين فدخل كلام الإمام أحمد في كلام أبي حاتم انظر الفقرتين التاليتين. (¬2) أي: ابن أبي حاتم كما في الجرح والتعديل. (¬3) سقط ما بين المعكوفتين من المخطوط "ت" وهو موجود في الجرح والتعديل. (¬4) الجرح والتعديل (6/ 341). (¬5) أي: أبو حاتم. (¬6) الجرح والتعديل (6/ 341). (¬7) في سؤالات البرقاني له برقم (338). (¬8) ميزان الاعتدال (3/ 71 / برقم 4068).

وقال يحيى بن معين: كُلُّ عاصمٍ فيه ضعف (¬1). وقال خليفة: مات سنة سبع وعشرين ومئة (¬2). وقال القاسم بن سلام: سنة ثمان وعشرين (¬3). روى له مسلم مقرونًا بعبدة بن أبي لبابة (¬4). وأمَّا عبيدة الذي ذكره متابعًا لمنصور والأعمش: فهو بِضمِّ العين ابن مُعَتَّب بضم الميم وفتح العين المهملة وبعدها تاء ثالثة الحروف مشددة مكسورة، أبو عبد الكريم الكوفي الضبي روى عن إبراهيم وأبي وائل والشعبي روى عنه الثوري وشعبة وعبيدة بفتح العين ابن حميد وغيرهم، ذكر العقيلي عن شعبة قال: أخبرني عبيدة قبل أن يتغير وذكر عن زهير بن معاوية: ما اتهمت إلا عطاء [بن] (¬5) عجلان وعبيدة قال: فذكرت ذلك لحفص بن غياث فصدقه في عطاء وكره ما قال لعبيدة. وقال أيضًا عن يحيى وذكر حديث عبيدة الضبي حديث أبي أيوب "من صلى قبل الظهر أربعًا" [فرآني] (¬6) أكتبه قال: لا تكتب أما إنه من عتيق حديثه. قال: وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبيدة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "شرح علل الترمذي" (2/ 875). (¬2) تاريخ دمشق (25/ 241)، و"الطبقات" (159). (¬3) تاريخ دمشق (25/ 242). (¬4) في صحيحه كتاب الصيام (2/ 828) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها برقم (762). (¬5) كذا في الضعفاء للعقيلي (3/ 129) وفي المخطوط "ت": وابن عجلان وهو خطأ فإن ابن عجلان هو عطاء بن عجلان الحنفي أبو محمد البصري وهو متروك. (¬6) كذا في الضعفاء للعقيلي (3/ 129 / برقم 1114) وبهذه الكلمة يتسق الكلام وهي ساقطة من المخطوط "ت". (¬7) الضعفاء للعقيلي (3/ 129 / برقم 1114).

وقال أحمد بن حنبل (¬1): ترك الناس حديثه. وسئل أحمد بن حنبل عنه، وعن جويبر، ومحمد بن سالم، فقال: ما أقرب بعضهم من بعض في الضعف (¬2). وقال عمرو بن علي: كان عبيدة الضَّبْي سيئ الحفظ ضريرًا متروك الحديث (¬3). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (¬4). وقال أبو زرعة: ليس بقوي (¬5). وقال ابن عدي: فهو مع ضعفه يكتب حديثه (¬6). وقال يحيى: ليس بشيء (¬7)، وقال مرة: ضعيف (¬8). وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا جدًّا (¬9). وقال النسائي: ضعيف، وكان قد تغير (¬10). وقال ابن حبان: اختلط بأخرة فبطل الاحتجاج به (¬11). ¬

_ (¬1) الحاشية رقم 2 من الصفحة السابقة. (¬2) العلل (1/ 415 / برقم 889). (¬3) الجرح والتعديل (6/ 94 / ترجمة 487). (¬4) الجرح والتعديل (6/ 94 / ترجمة 487). (¬5) الضعفاء له (2/ 680) فيه: "لأنه ليس بذاك القوي". (¬6) الكامل في الضعفاء (5/ 353 / ترجمة 1512). (¬7) التاريخ (2/ 388). (¬8) الكامل لابن عدي (5/ 353). (¬9) الطبقات (6/ 355). (¬10) الضعفاء ترجمة (405). (¬11) كما في المجروحين (2/ 173) بمعناه.

روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1). السباطة: ملقى التراب والأوساخ ونحو ذلك، يكون بفناء الدُّور مَرفقًا للقوم، ويكون ذلك في الأغلب سهلًا منثنًا (¬2)، لا يجد فيه البول ولا يرتد على البائل. وقيل السباطة: الكناسة نفسها وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتًا مباحة. وأما سبب بوله - صلى الله عليه وسلم -: * فروى: عن الشافعي: أنَّ العرب كان تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا" قال: فيُرى أنَّه كان - صلى الله عليه وسلم - وجع الصلب إذ ذاك (¬3). وروي نحوه عن أحمد (¬4). * وقولٌ ثانٍ: روى البيهقي وغيره أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا لعلة بمأبضه (¬5). والمأبض: بهمزة ساكنة بعد الميم، ثم باء موحدة وهو باطن الركبة. وقال البيهقي عن هذا الحديث: لا يثبت مثله (¬6). ورواه من طريق يحيى بن عبد الله بن ماهان الكرابيسي (¬7)، ولا يعرف عن حمَّاد بن غسان الجعفي، وقد ضعَّفه الدارقطني (¬8). ¬

_ (¬1) وأيضًا روي له البخاري تعليقًا انظر تهذيب الكمال (19/ 273). (¬2) كذا، ولعلها: لدمثها، ينحدر فيها البول. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 101) ومعالم السنن للخطابي (1/ 29). (¬4) ذكره الحافظ عن الإمام أحمد في الفتح (1/ 394). (¬5) "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 101). (¬6) "السنن الكبرى" (1/ 101). (¬7) المصدر السابق. (¬8) "ميزان الاعتدال" (2/ 122) و"لسان الميزان" (2/ 398) وذكر الحديث.

* قول ثالث: إنه لم يجد مكانًا للقعود واضَّطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا مرتفعًا (¬1). * وذكر الإمام أبو عبد الله المازري (¬2) والقاضي عياض (¬3) وجهًا رابعًا وهو: أنَّه بال قائمًا، لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحديث من السبيل الآخر، بخلاف القعود، ومنه قول عمر رضي الله عنه: "البول قائمًا أحصن للدبر" (¬4). * وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله: ويجوز وجه خامس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - فعله بيانًا للجواز في هذه المرة (¬5). وقال الحافظ المنذري: أو لعلَّه كان فيها نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن يتطاير عليه كذا قال (¬6). ولعلَّ القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد. وأمَّا فعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في سباطة القوم يحتمل أوجهًا: * أظهرها: أنَّهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه. * الثاني: أنَّها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم فأضيفت إليهم لقربها منهم وقد سبقت الإشارة إليه. ¬

_ (¬1) انظر "معالم السنن" للخطابي (1/ 29) و"شرح النووي" على مسلم (3/ 165) وهو قول ابن حيان في صحيحه (4/ 274). (¬2) في كتابه "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 238). (¬3) في كتابه "إكمال المعلم" (2/ 83). (¬4) ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 394) وعزاه لمصنف عبد الرزاق. (¬5) "شرح النووي" على مسلم (3/ 166). (¬6) "عمدة القاري" (3/ 136) و"شرح السيوطي على النسائي" (1/ 20)، قال: وهو يؤول إِلى الوجه الثالث، وانظر "المعلم" (1/ 238).

* الثالث: أن يكونوا أذنوا لمنْ أراد قضاء الحاجة إمَّا بصريح الإذن أو بما في معناه. وأمَّا بوله - صلى الله عليه وسلم - في السباطة التي بقرب الدور مع أن المعروف من عادته - صلى الله عليه وسلم - التباعد في المذهب: فقد ذكر القاضي عياض (¬1) أنَّ سببه: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان من الشغل بأمور المسلمين، والنَّظر في مصالحهم بالمحلِّ المعروف، فلعلَّه طال عليه فجلس حتى حفزه البول ولم يمكنه التباعد ولو بعد لتضرَّرَ، وارتاد السباطة لدمثها، وقام حذيفة بقربه يستره عن الناس. وهذا حسن. قلت: وقد يكون ذلك لبيان الجواز في هذه الحالة وإن كان التباعد أولى. فقوله: فأتيته بوضوء؛ بفتح الواو، وهو الماء المتوضأ به في الأكثر، والمصدر بضمِّها، هذا هو الأشهر فيهما. وقال الخليل (¬2): الفتح في الوجهين ولم يعرف الضم. وقال ابن الأنباري: والوجه الأول وهو التفريق بينهما وهو الذي عليه أهل اللغة. وقوله: "فذهبت لأتأخَّر عنه، فدعاني؛ حتى كنت عند عقبيه": قال العلماء: إنَّما استدناه - صلى الله عليه وسلم - ليستتر به عن أعين الناس من المارِّين وغيرهم فتأخَّر حذيفةُ رضي الله عنه، تأدبًا معه - صلى الله عليه وسلم - لكونها حالة يُستخفى بها ويُستحيى منها، واستدناه النبي - صلى الله عليه وسلم - للمعنى الذي أشرنا إليه من الاستتار ولأنه بول من قيام يؤمن معه خروج الحديث الآخر وغيره، ولم يفعل في هذا كما جاء في الحديث الآخر لما أراد قضاء الحاجة؛ قال: "تنحَّ"؛ لكونه كان يقضيها قاعدًا، ويحتاج إلى الحدثين جميعًا ولهذا قال بعض العلماء في هذا الحديث: السنة القرب من البائل إذا كان ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (2/ 83). (¬2) "العين" (7/ 76) وضأ حيث قال: فأما من ضمِّ الواو فلا أعرفه.

قائمًا، فإن كان قاعدًا فالسنة الإبعاد عنه، والله أعلم. قال معناه الشيخ محيي الدين (¬1). وقال: واعلم أنَّ هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد: * ففيه: إثبات المسح على الخف. * وفيه: جواز المسح في الحضر؛ خلافًا لمالك ومن يقوله وسيأتي في موضعه إن شاء الله. * وفيه: جواز البول قائمًا. * وفيه: جواز قرب الإنسان من البائل. * وفيه: جواز طلب البائل من صاحبه الذي يدل عليه القرب منه ليستره. * وفيه: استحباب الستر. * وفيه: جواز البول بقرب الديار. * وفيه: غير ذلك. انتهى ما ذكره. قلت: وفيه أيضًا: كراهة مدافعة البول لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بال في السباطة قائمًا ولم يؤخره. ومما يستفاد منه أيضًا كراهة الوسواس، والتنطع في الدين وبيان ذلك: أنَّ مسلمًا أخرج هذا الحديث من طريق، فقال في بعضها: حدثنا يحيى بن يحيى؛ قال: أنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة ويقول: إنَّ بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض، ¬

_ (¬1) "شرح النووي" على مسلم (3/ 167).

فقال حذيفة: لوددت أنَّ صاحبكم لا يشدد هذا التشدد؛ ولقد رأيتني أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتماشى فأتى سباطةً خلفَ حائطٍ، فقام كما يقوم أحدكم؛ قال: فانتبذت منه فأشار إليَّ فجئت فقمت عند عقبيه حتى فرغ (¬1). فظهر من هذا أن مقصود حذيفة رضي الله عنه أن هذا التشدد خلاف السنة؛ فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا ولا شكَّ في بول القائم معرضًا للترشيش، ولم يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الاحتمال ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى. ومما يستفاد منه أيضًا: أنَّه إذا تعارضت مفسدتان، ولم يمكن دفعهما دفع أعظمهما، أو مصلحتان ولم يمكن الإتيان بهما أتي بأعظمهما، وذلك أنَّ مصلحة تقدم حذيفة لِيستْرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من المارة مرجحة على مصلحة تأخره عنه، لما يقتضيه التأدب معه - صلى الله عليه وسلم - تعظيم محلِّه من الدنو منه في تلك الحالة، فقُدِّمت المصلحة العظمى، وكذلك تجنب مدافعة البول أهمُّ من تجنب البول في السباطة؛ فروعي الأهم في ذلك. وقول أبي موسى: "كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه" يعني: الجلود التي كانوا يلبسونها، قاله أبو العباس القرطبي (¬2)، قال: وقد سمعت بعض أشياخي يحمل هذا على ظاهره ويقول: إن ذلك كان من الإصر الذي حُمِّلوه (¬3). قلت: وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الفتح القشيري يذكر ذلك في تعظيم أمر النجاسة مشيرًا إلى المعنى الثاني، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة (1/ 227 / 74) باب المسح على الخفين. (¬2) يوجد كلام بالهامش عند قول القرطبي في نسخة ت (ل 43 / ب) "هذا التأويل يرده أن في بعض الروايات. . .". (¬3) "المفهم" (1/ 525).

10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة حدثنا قتيبة: ثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش، عن أنس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. قال [أبو عيسى] (¬1): هكذا روى محمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنس بن مالك هذا الحديث. وروى وكيع والحماني، عن الأعمش، قال: قال ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. وكلا الحديثين مرسل، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد نظر إلى أنس بن مالك؛ قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة. والأعمش اسمه: سليمان بن مهران (¬2) أبو محمد الكاهلي وهو مولى لهم؛ قال الأعمش: كان أبي حميلًا فورَّثه مسروق (¬3). * الكلام عليه: الحديث عند الترمذي منقطع لأنَّ الأعمشَ عنده لم يسمع من أنس وهذا هو المشهور. وقد ذكر أبو نعيم الأصبهاني: أنَّ الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى ¬

_ (¬1) زيادة من المطبوع نسخة أحمد شاكر. (¬2) يوجد كلام بالهامش مقابل قوله سليمان بن مهران في نسخة ت (ل 43 / ب) إلا أنه غير مقروء. (¬3) "الجامع" للترمذي (1/ 22 / 14).

وسمع منهما (¬1). وقال البزار: سمع الأعمش من أنس وأورد حديثًا ذكر فيه سماعه منه؛ قال: فلا ينكر ما أرسل عنه (¬2). وقال أبو داود: عبد السلام بن حرب رواه عن الأعمش، عن أنس بن مالك وهو ضعيف (¬3). يعني بذلك: رواية الأعمش عن أنس، وإلَّا فليس فيمن ذكر من يُضعف، ورواية الأعمش من طريق ابن عمر التي أشار إليها مخرَّجة عند أبي داود (¬4) من طريق رجل لم يسمه عن ابن عمر (¬5) فهي منقطعة أيضًا، غير أنَّ الحافظ أبا بكر البيهقي رحمه الله، قال: ثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الخسروجردي: أنا أبو بكر الإسماعيلي: نا عبد الله بن محمد بن مسلم -من أصل كتابه-: ثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي -شيخ جليل-: ثنا وكيع: ثنا الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر؛ قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة تنحَّى ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض (¬6). ¬

_ (¬1) في "الحلية" (5/ 54 / ترجمة 298). (¬2) انظر "كشف الأستار" (3/ 92 / برقم 2319) والحديث الذي أورده هو الحديث الذي سيأتي معنا في قراءة أنس لقوله تعالى {وَأَقْوَمُ قِيلًا} وسماع الأعمش منه هذه القراءة. (¬3) "السنن" (1/ 22). (¬4) في "السنن" (1/ 21 / 14). (¬5) علَّق الناسخ عند هذا الكلام بقوله (ل 43 / أ) "قلت: الرواية التي أشار إليها المصنف ليست في أبي داود، فإن التي في أبي داود فيها بين ابن عمر والأعمش واسطة، فأما رواية وكيع فرواها المعمري في عمل اليوم والليلة، وأما رواية الحماني فذكرها العقيلي أيضًا في الضعفاء". قلت بل الرواية التي أشار اليها عند أبي داود وهي كذلك عنده عن الاعمش عن رجل لم يسمه عن ابن عمر كما قال المصنف فلا عبرة بما قال المعُلِّق. (¬6) "السنن الكبرى" (1/ 96).

فسمَّى الرجلَ الذي لم يُسمْ: القاسم بن محمد، فإنْ لم يكنْ ابن أبي بكر، فهو أعرف أنْ من نُعرِّف به، وأشهر من أن ننبِّه عليه. ومحمد بن ربيعة: الراوي عن الأعمش، هو: أبو عبد الله الكِلابي الرَّؤاسي، ابن عم وكيع بن الجراح. سمع: هشام بن عروة، وابن جريج، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن أبي ليلى، وإسماعيل الأزرق، وكامل بن العلاء. روى عنه: محمد بن الوليد الفحام، وعبد الرحمن بن الأسود، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وسريج بن يونس، ويحيى بن معين، وزياد بن أيوب، وأبو كريب، وابن أبي شيبة وآخرون (¬1). قال يحيى بن معين: ليس به بأس (¬2)، وفي رواية: صدوق، ثقة (¬3). وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث (¬4). وقال الدارقطني: ثقة (¬5). روى له: أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬6). ووكيع والحماني؛ يأتي ذكر كل منهما في موضعه إن شاء الله تعالى. وأما الأعمش: فهو سليمان بن مهران، أبو محمد، الأسدي الكاهلي الكوفي. ¬

_ (¬1) انظر "تهذيب الكمال" (25/ 196). (¬2) "التاريخ" (2/ 515). (¬3) "الجرح والتعديل" (7/ 252 / ترجمة 1383). (¬4) "الجرح والتعديل" (7/ 252 / ترجمة 1383). (¬5) "سؤالات البرقاني" الترجمة (430). (¬6) والبخاري في "الأدب المفرد" أيضًا.

وكاهل هو: ابن أسد بن خزيمة، يقال: أصله من طبرستان من قرية يقال لها: دُنْباوَنْد، جاء به أبوه حميلًا إلى الكوفة فاشتراه رجل من بني أسد فأعتقه كذا، قال عبد الغني. رأيت بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي رحمه الله: الصحيح أن الحميل كان أبوه (¬1). والحميل: الذي يولد بأرض العدو. وقال أبو بكر الخطيب (¬2): رأى أنس بن مالك ولم يسمع منه شيئًا مرفوعًا. وروى عن عبد الله بن أبي أوفى مرسلًا، وسمع المعرور بن سويد وأبا وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وعمارة بن عمير، وإبراهيم التيمي، وأبا صالح ذكوان، وسعيد بن جبير، ومجاهدًا، وإبراهيم النخعي. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وسليمان التيمي، والحكم بن عتيبة، وزبيد اليامي، وسهيل بن أبي صالح، وسفيان الثوري، وشعبة، وزائدة، وشيبان بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن زياد، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وأبو معاوية، وحفص بن غياث، ووكيع، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن إدريس، [وعيسى] (¬3) بن يونس، وعبد الرحمن المحاربي، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وعمر، ويعلى، ومحمد بنو عبيد الطنافسي، وأبو أسامة، وعبد الله بن عمر (¬4) وغيرهم. ¬

_ (¬1) "الكمال" وذكره الخطيب في "تاريخه". (¬2) "تاريخ بغداد" (9/ 4)، وقد رده ابن حجر على المزي، بل ونقل بشار عواد عن نسخة منقولة عن نسخة المزي ما يفيد تراجعه عن هذه الدعوى. وهذه الرواية فيها خطأ قال الحافظ: وكأنه كان والله أعلم: أخذ بركاب ابن أبي بكرة فسقطت: ابن. (¬3) الأصل بدونها، ولعل الصواب إثباتها، أو [وإسرائيل]. (¬4) كذا ولعلها: ابن نمير.

وكان من أقرأ الناس للقرآن وأعرفهم بالفرائض وأحفظهم للحديث". قال ابن المنادي: قد رأى سليمان الأعمش أنس بن مالك؛ إلا أنه لم يسمع منه، ولكنه قد رأى أبا بكرة الثقفي وأخذ له بركابه، فقال له: يابني! إنما أكرمت ربك عزَّ وجلَّ" (¬1). وروى وكيع عن الأعمش؛ قال: رأيت أنس بن مالك وما منعني أن أسمع منه إلا استغنائي بأصحابي (¬2). وقال أبو يحيى الحِمّاني، عن الأعمش؛ قال: سمعت أنسًا يقرأ: (إن ناشثة الليل هي أشد وطئًا وأصوب قيلًا)، فقيل له يا أبا حمزة: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} فقال: أقوم وأصوب واحد (¬3). وروى ابن فضيل، عن الأعمش، قال: رأيت أنسًا بال، فغسل ذكره غسلًا شديدًا، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم صلى (¬4). وقال يحيى بن معين: كل ما روي عن الأعمش عن أنس فهو مرسل (¬5)، وقد رأى الأعمش أنسًا (¬6). وقال ابن المديني: الأعمش لم يحمل عن أنس إنما رآه يخضب، وإنما سمعها عن يزيد الرقاشي وأبان عن أنس (¬7). ¬

_ (¬1) انظر الحاشية (2) في الصفحة السابقة. (¬2) "تاريخ بغداد" (9/ 4). (¬3) المصدر السابق وهذا الأثر أخرجه البزار أيضًا كما في "كشف الأستار" (3/ 92). (¬4) "تاريخ بغداد" (9/ 4). (¬5) "التاريخ" (2/ 235). (¬6) "التاريخ" (2/ 234 / 1572). (¬7) "تاريخ بغداد" (9/ 4).

وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبد الله: بلغني أن الأعمش ولد مقتل الحسين. (¬1) (¬2). وقال الخطيب: أنا البرقاني، قال: قرأت على أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن [علّك] (¬3) المروزي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الذهلي يقول: ولد عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عروة، والزهري، وقتادة، والأعمش، ليالي قتل الحسين بن علي، وقيل سنة إحدى وستين (¬4). وقال حنبل: قال أبو عبد الله: قال يحيى: قال الأعمش: إنما كان بيننا وبين أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ستر (¬5). قال أبو عبد الله: صدق، هكذا كان قد رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وقال العجلي: الأعمش سليمان بن مهران أبو محمد: ثقة كوفي وكان محدث أهل الكوفة في زمانه، يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب وكان يقرئ القرآن رأس فيه. قرأ على يحيى بن وثاب وكان فصيحًا وكان [أبوه من سبي] (¬7) الديلم وكان مولى لبني كاهل فخذ من بني أسد وكان عسرًا سيئ الخلق (¬8). وقال -في موضع آخر-: كان لا يلحن حرفًا، وكان عالمًا بالفرائض، ولم يكن ¬

_ (¬1) علَّق الناسخ للمخطوط ت قائلًا (ل 44 / ب) "إذا كان ولد عند مقتل الحسين فكيف يصحُّ له. . . أبي بكر البيهقي إنه كان قبل مقتل الحسين بمدة". (¬2) "تاريخ بغداد" (9/ 5)، وقارن مع "ثقات العجلي" و"تهذيب الكمال". (¬3) كذا في ترجمته من "السير" (16/ 168 / ترجمة 123) وفي المخطوط ت: عليك وهو خطأ. (¬4) "تاريخ بغداد" (9/ 5). (¬5) "تاريخ بغداد" (9/ 5). (¬6) المصدر السابق. (¬7) ما بين المعكوفتين معرفة من الثقات للعجلي وفي ت: كان يقرئ القرآن وهو تكرار. (¬8) "معرفة الثقات" (1/ 432 / 676 ترجمة).

في زمانه من طبقته أكثر حديثًا منه وكان فيه تشيع، ولم يختم على الأعمش إلا ثلاثة نفر: طلحة بن مصرف، اليامي وكان أفضل من الأعمش وأرفع سنًّا منه، وأبان بن تغلب النحوي، وأبو عبيدة بن معن بن عبد الرحمن، بن عبد الله بن مسعود روى عن أنس بن مالك حديثًا واحدًا: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء" (¬1). وذكروا أن أبا الأعمش مهران شهد مقتل الحسين، وأن الأعمش ولد يوم قتل الحسين، وذلك يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وراح الأعمش إلى الجمعة وعليه فروة، وقد قلب جلدها على جلده وصوفها إلى الخارج وعلى كتفه منديل الخوان مكان الرداء (¬2). وقال يحيى بن يمان: قال الأعمش: إني لأرى الشيخ يخضب لا يروى شيئًا من الحديث فأشتهي أن ألطمه (¬3). وعن طلحة بن مصرف قال: كنا نختلف إلى يحيى بن وثاب نقرأ عليه، والأعمش ساكت ما يقرأ، فلما مات يحيى بن وثاب فتشنا أصحابنا فإذا الأعمش أقرأنا (¬4). وقال زياد بن أيوب: سمعت هشيمًا يقول: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله من الأعمش، ولا أجود حديثًا ولا أفهم ولا أسرع إجابة لما يسأل عنه (¬5). وقال زهير: سمعت أبا إسحاق يقول: ما بالكوفة منذ كذا وكذا سنة أقرأ من رجلين في بني أسد: عاصم والأعمش؛ أحدهما لقراءة عبد الله، والآخر لقراءة زيد (¬6). ¬

_ (¬1) "معرفة الثقات" (1/ 434). (¬2) المصدر السابق. (¬3) "تاريخ بغداد" (9/ 6). (¬4) المصدر السابق. (¬5) المصدر السابق. (¬6) "تاريخ بغداد" (9/ 7).

وقال شعبة: سليمان الأعمش أحبُّ إليَّ من عاصم. وفي حديث [الجوهري] (¬1): أحبُّ إلينا حديثًا من عاصم. وذكر العجلي (¬2)؛ قال: أمر عيسى بن موسى للقراء بصلة، فأتوا وقد لبسوا وجاء الأعمش وعليه ثياب قصار إلى أنصاف ساقيه، ورجل يقوده، فلما دخل الدار؛ قال: ها هنا ابن أبي ليلى؟ ها هنا ابن شبرمة؟ أريحونا من هذه الحيطان الطوال. قال عيسى: ما دخل علينا اليوم قارئ غير هذا عجلوا له. وقال عيسى بن يونس: لم نر نحن ولا القرن الذي كانوا قبلنا مثل الأعمش (¬3). وقال: ما رأينا نحن والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته (¬4). وقال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء، قال: فجمعهم، فجاء الأعمش في جبة فرو، قد ربط وسطه بشريط، فأبطؤوا، فقام الأعمش وقال: إن أردتم أن تعطونا شيئًا وإلا فخلوا سبيلنا، فقال: يا ابن أبي ليلى! قلت لك تأتي بالفقهاء، تجيء بهذا، قال: هذا سيدنا هذا الأعمش (¬5). وقال يوسف بن موسى: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقوله: مات الأعمش يوم مات وما خلف أحدًا من الناس أعبد منه، قال: وكان صاحب سنة (5). وكان يحيى القطان إذا ذكر الأعمش؛ قال: كان من النساك، وكان محافظًا على الصلاة في جماعة وعلى الصف الأول، قال يحيى: وهو علامة الإسلام (5). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (9/ 7) والجوهري أحد رواة هذا الخبر، والأصل: الزهري! (¬2) "معرفة الثقات" (1/ 435). (¬3) "تاريخ بغداد" (9/ 8). (¬4) المصدر السابق وفيه: "ما رأيت الأغنياء والسلاطين" به. (¬5) "سؤالات أبي عبيد" (1/ 336 / برقم 575).

وعن محمود بن غيلان: ثنا وكيع؛ قال: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبًا من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة (¬1). وذكر أبو عبيد محمد بن علي الآجري: قال أبو داود: وسمعت يحيى بن معين يقول: كان الأعمش جليلًا جدًّا (¬2). وروى ابن نمير عن الأعمش؛ قال: كنت آتي مجاهدًا فيقول: لو كنت أطيق المشي لجئتك (3). وقال أحمد: كان أبو إسحاق والأعمش رجلي أهل الكوفة (3). وقال زهير بن معاوية: ما أدركت أحدًا أعقل من الأعمش والمغيرة (3). وقال أبو بكر بن عياش. ثنا مغيرة، قال: لما مات إبراهيم اختلفنا إلى الأعمش في الفرائض (3). وقال ابن عيينة: سبق الأعمش أصحابه بأربع خصال: كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، ونسيت أنا واحدة (3). وقال علي بن المديني: حفظ العلم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ستة، فلأهل مكة: عمرو بن دينار، ولأهل المدينة: محمد بن مسلم -وهو ابن شهاب الزهري-، ولأهل الكوفة: أبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش ولأهل البصرة: يحيى ابن أبي كثير نافلة، وقتادة (3). وروى يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن عاصم الأحول؛ قال: مرَّ الأعمش بالقاسم بن عبد الرحمن فقال: هذا الشيخ -يعني: الأعمش- أعلم الناس بقول عبد الله بن مسعود (¬3). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (9/ 8)، وفي تهذيب الكمال: سنتين، بدل: ستين سنة. (¬2) سؤالات أبي عبيد (1/ 336 / برقم 575). (¬3) تاريخ بغداد (9/ 9).

وعن شعبة: ما شفاني أحد من الحديث ما شفاني الأعمش (¬1). وقال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: كان جريرًا إذا حدَّث عن الأعمش؛ قال: هذا الديباج الخسرواني (¬2). وروى عبيد الله بن [عمرو] (¬3) عن إسحاق بن راشد؛ قال: قال لي (¬4) الزهري: بالعراق أحد يحدث؟ قلت: نعم، قلت له: هل لك بعدُ أن آتيك بحديث بعضهم؟ فقال لي: نعم، فجئته بحديث سليمان الأعمش، فجعل ينظر فيها ويقول: ما ظننت أن بالعراق من يحدث مثل هذا! قال: قلت: وأزيدك! هو من مواليهم (¬5). وقال عبد الله بن داود: سمعت شعبة يقول: إذا ذكر الأعمش؛ قال: المصحف المصحف (5). وقال أبو حفص عمرو بن علي: كان الأعمش يُسمَّى المصحف من صدقه (¬6). وقال الحسين بن إدريس: سمعت ابن عمار يقول: ليس في المحدثين أحد أثبت من الأعمش، ومنصور بن المعتمر -وهو أفضل من الأعمش- إلا أن الأعمش أعرف بالمسند منه وأكثر مسندًا (6). وقال أبو بكر بن عياش: كنا نُسمِّي الأعمش سيد المحدثين، وكنا نجئ إليه إذا فرغنا من الدوران -وذكر كلامًا- ثم قال: وكان يُخرجُ إلينا شيئًا فنأكله، قال: فقلنا يومًا: لا يخرج إليكم الأعمش شيئًا إلا أكلتموه، قال: فأخرج إلينا شيئًا فأكلناه، ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد (9/ 10). (¬2) "التاريخ" (2/ 235 / برقم 2119). (¬3) كذا في "تاريخ بغداد" (9/ 11) وانظر الرواة عن إسحاق بن راشد الجزري في "تهذيب الكمال" (2/ 419). (¬4) ألحقها ناسخ ت في الهامش وصحح اللحق بوضعه علامة صح عليها. (¬5) "تاريخ بغداد" (9/ 11). (¬6) "تاريخ بغداد" (9/ 11).

وأخرج فأكلناه، فدخل فأخرج فتيتًا فشربناه، فدخل فأخرج إجانة صغيرة وفتًا. فقال: فعل الله بكم وفعل، أكلتم قوتي وقوت امرأتي وشربتم فتيتها، هذا كلوا علف الشاة -وذكر تمام الحكاية- (¬1). وحكى الترمذي أن الأعمش ذكر عن أنس حكاية في الصلاة، وقد ذكر الحافظ أبو محمد عبد الغني بسند له إلى السري بن عاصم، قال: كنا عند محمد بن فضيل فسأله ابن حنبل أو سألته: يا أبا عبد الرحمن؟ الأعمش رأى أنس بن مالك؟ فوقف فقال: ما أدري، فقلت له: حدثني عيسى بن يونس، عن الأعمش أنه رأى أنس بن مالك يصلي فلما رفع رأسه من الركوع استوى قائمًا فرأيت محمد بن فضيل أعجبه ذلك وسُرَّ به (¬2). قال أبو نعيم: مات الأعمش وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وولد سنة ستين، ومات سنة ثمان وأربعين ومئة في شهر ربيع الأول، بعد منصور بست عشرة سنة (¬3) وقال العجلي: مات سنة تسع وأربعين ومئة، وكان ثقة ثبتًا في الحديث، وقال في موضع آخر: سنة ثمان (¬4). قال الخطيب: الصحيح أنه مات سنة ثمان وأربعين ومئة (¬5). روى له الجماعة. قلت: لم يذكر في باب الاستتار عند الحاجة إلا حديث الأعمش (¬6) من ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (9/ 11). (¬2) "الجامع" للترمذي (1/ 22). (¬3) "الحلية" (5/ 54). (¬4) "معرفة الثقات" (1/ 435). (¬5) "تاريخ بغداد" (9/ 12). (¬6) علَّق الناسخ للمخطوط ت قائلًا (ل 46 / أ): "بقي عليه في الباب عن أبي هريرة رواه المعمري من رواية عبد الكريم بن أبي المخارق عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خرج إلى الخلاء التفت يمينًا وشمالًا ولم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض". اهـ. (انظر: "الكامل" 5/ 286).

طريقيه المنقطعين عن ابن عمر معلقًا وعن أنس مسنده إليه. وهذا الانقطاع ليس متفقًا عليه، قد خالف فيه البزار وأبو نعيم (¬1). وفي كلام العجلي ما يشعر به (1) (¬2). وقال عبد الحق (¬3): وقد روى حديث الترمذي هذا أبو جعفر العقيلي (¬4) من حديث الحسين بن عبيد الله التميمي، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر ولم يتَابع الحسين على هذا. وقد ذكر في الباب حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل؛ فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. من فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج". رواه الإمام أحمد (¬5) وهذا لفظه وابن ماجه (¬6)، وذكره البيهقي (¬7) أيضًا كلهم من طريق أبي سعيد الخير وبعضهم يقول الحبراني، عن أبي هريرة وبعضهم يقول أبو سعيد، كذلك قال الدارمي في مسنده (¬8). وقال أبو زرعة: لا نعرفه (¬9). ¬

_ (¬1) كما تقدم ص 175 حاشية (3، 2). (¬2) لأنه قال كما تقدم آنفًا: "روى عن أنس بن مالك". (¬3) في "الأحكام الوسطى" (1/ 131). (¬4) في "الضعفاء" (1/ 252). (¬5) في "المسند" (2/ 371). (¬6) في "سننه" (1/ 121). (¬7) في "السنن الكبرى" (1/ 94). (¬8) انظر "سنن الدارمي" (كتاب الطهارة 1/ 179 برقم 667) باب التستر عند الحاجة. (¬9) انظر "الجرح والتعديل" (9/ 378 / برقم 1758).

وفي ذلك أيضًا حديث عبد الله بن جعفر؛ قال: "أردفني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خلفه (¬1)؛ وكان أحبَّ ما استتر به لحاجةٍ [هدفٌ] (¬2)؛ أو حايشُ نخلٍ". صحيح أخرجه مسلم (¬3). وأخرج أيضًا في الباب (¬4) من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر: "فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجد شيئًا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما؛ قال جابر: فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت (¬5) كل واحدة منهما على ساق" (¬6) وذكر باقي الحديث. ورواه البيهقي (¬7)، وهذا لفظه إلا أن البيهقي فرَّق في التبويب، فبوَّبَ على حديث الأعمش المذكور من طريقيه، كما ثوب أبو داود: باب كيف التكشف عند الحاجة، وعلى الأحاديث الأخر: بابٌ الاستتار عند قضاء الحاجة، وغيرهما لم يفرَّق ¬

_ (¬1) ألحقها ناسخ ت في الهامش وصحح هذا اللحق بوضعه عليه علامة صح. (¬2) في ت: هدم وهو خطأ والصواب ما هو مثبت كما في صحيح مسلم وسيأتي تعريف الهدف من الشارح. (¬3) في "صحيحه" (كتاب الحيض 1/ 268) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة (4/ 29) "شرح النووي". (¬4) قول الشارح: وأخرج أيضًا في الباب يعني مسلمًا إلا أن مسلمًا رحمه الله لم يخرج الحديث في باب ما يستتر به وإنما أخرجه كما سيأتي في "الزهد والرقائق" (18/ 428) "شرح النووي". (¬5) مكررة في ت. (¬6) أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الزهد والرقائق 4/ 2301) باب حديث جابر الطويل. (¬7) "في السنن الكبرى" (1/ 94).

ولم يُبوب سوى بالاستتار كما فعل الترمذي، لكن زاد عليه بتلك الأحاديث. والحكم المذكور في الحديث مستحب للنصوص الواردة فيه؛ ويوضح ذلك قوله في حديث أبي هريرة: "من فعل هذا فقد (¬1) أحسن، ومن لا فلا حرج" وهذا من حديث أبي هريرة ظاهر في أن الأمر للوجوب ولولا ذلك لم يحتج - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله: "ومن لا فلا حرج"، وقوله فيه: "فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم". قال الإمام أبو سليمان الخطابي (¬2): "معناه أن الشيطان يحضر تلك الأمكنة ويرصدها بالأذى والفساد، لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى، وتكشف فيها العورات وهو معنى قوله: "إن هذه الحشوش محتضرة" فأمر - صلى الله عليه وسلم - بالتستر مهما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان (¬3) في براح من الأرض يقع عليه اختلاف الناظرين؛ فيتعرض لانتهاك التستر أو تهبُّ الريح عليه فيصيبه نشر البول فيلوث بدنه أو ثيابه، وكل ذلك من فعل الشيطان وقصده إياه بالأذى والفساد". والهدف بفتح الهاء والدال: ما ارتفع من الأرض. وحايش النخل بالحاء المهملة والشين المعجمة، ويقال فيه أيضًا: حَش وحُش بفتح الحاء وضمها. قال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: "فيه استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو وهدة أو هدف أو نحو ذلك؛ بحيث يغيب [شخص (¬4)] الإنسان جيدًا عن أعين الناظرين، وهذه سنة متأكدة" (¬5). ¬

_ (¬1) ألحقها الناسخ في هامش ت وصحح هذا اللحق. (¬2) "معالم السنن" (1/ 35). (¬3) في ت: الشيطان ثم ضرب عليها وجاء بعدها بـ "الإنسان". (¬4) كذا في "شرح مسلم" وفي المخطوط ت (ل 47 / ب): بحيث يغيب مختصر الإنسان والكلام غير متناسب ولا متناسق. (¬5) "شرح مسلم" (4/ 29).

11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

وفي حديث جابر "الإداوة" آنية الماء تشبه المطهرة؛ قاله القاضي عياض (¬1) قال: والبعير المخشوش هو الذي جُعل في أنفه خشاش وهو عود يربط عليه حبل يدلك به لينقاد. وفي انقياد النخلتين ثم وجمعهما علم عظيم من أعمال (¬2) النبوة. 11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين حدثنا محمد بن أبي عمر العدني المكي: ثنا سفيان بن عيينة، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه. وفي الباب: عن عائشة، وسلمان، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف. قال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي والعمل على هذا عند أهل العلم كراهة الاستنجاء باليمين (¬3). * الكلام عليه: أما حديث أبي قتادة: فمتفق عليه، وحيث قلنا: متفق عليه أو مخرج في الكتب الستة؛ فالمراد منه: أنه عند البخاري (¬4)، ومسلم (¬5)، وأبي داود (¬6)، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (8/ 569) بمعناه. (¬2) كذا في المخطوط ولعل الصواب: أعلام. (¬3) "الجامع" للترمذي (1/ 23). (¬4) وهو كما قال فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 70 / 153) باب النهي عن الاستنجاء باليمين، وفي باب لا يمسك ذكره بيمينه (1/ 71 / 654) وفي (كتاب الأشربة باب النهي عن التنفس في الإناء 4/ 20 / 5630). (¬5) وهو كما قال فقد أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 225 / 267) باب النهي عن الاستنجاء باليمين. (¬6) وهو كما قال فقد أخرجه أبو داود في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 31 / 31) باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء.

والترمذي (¬1)، والنسائي (¬2)، وابن ماجه (¬3). وحديث عائشة: رواه الإمام أحمد (¬4) وأبو داود (¬5)، من حديث إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي، عن عائشة؛ قالت: "كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلافه وما كان من أذى". قال العباس بن محمد الدوري عن ابن معين: لم يسمع إبراهيم من عائشة، ومراسيله صحيحة؛ إلا حديث تاجر البحرين (¬6). وقد رواه أبو داود أيضًا (¬7)، حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، فاتصل من هذا الوجه وظهر الواسطة بين إبراهيم وعاثشة. وقد خرج في الكتب الستة من حديث مسروق عن عائشة بمعناه (¬8). ¬

_ (¬1) "الجامع" للترمذي (1/ 23). (¬2) وهو كما قال فقد أخرجه النسائي (كتاب الطهارة 1/ 29 - 30 / برقم 24 - 25) باب النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة، وفي باب النهي عن الاستنجاء باليمين (1/ 46 - 47 / برقم 47 - 48). (¬3) وهو كما قال فقد أخرجه ابن ماجه في (كتاب الطهارة من "سننه" 1/ 113 / برقم 310) باب كراهة مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين. (¬4) في "مسنده" (6/ 265). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 32 / 33) باب كراهية مس الذكر باليمين. (¬6) لم نجد هذه العبارة في تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 15) وإنما سُئل: إبراهيم النخعي أدخل على عائشة؟ أظن يحيى قال: وهو صبي" اهـ. يعني لم يسمع منها وليس فيه قوله: ومراسيله صحيحة إلا حديث تاجر البحرين، ولعل هذا القول لابن سيد الناس وليس من كلام يحيى بن معين فالأمر محتمل على أن ابن معين ذكر حديث تاجر البحرين في تاريخه مرسلًا عن إبراهيم النخعي فالله أعلم. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 32 / 34) باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء. (¬8) وهو كما قال فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 73 / 166) وهو فيه =

وحديث سلمان: قيل له: "قد علَّمكم نَبيكم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتى الخراءةَ؛ قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن يستنجي أحدُنا برجيع أو عظم". رواه مسلم (¬1) والنسائي (¬2) وابن ماجه (¬3) وسيأتي عند الترمذي (¬4). وحديث أبي هريرة: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أُعلِّمكم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطبَّ بيمينه". الحديث أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) مختصرًا. وأخرجه النسائي (¬7) وابن ماجه (¬8) تامًّا. وحديث سهل بن حنيف (¬9). ¬

_ = أيضًا برقم (416) وبرقم (565) وبرقم (5516) وبرقم (5582) وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الطهارة باب السنن في الطهور وغيره، وأبو داود في "سننه" (كتاب اللباس 4/ 378 / 4140) باب في الانتعال، والترمذي في "الجامع" (كتاب الصلاة 2/ 506 / 608) باب ما يستحب من التيمن في الطهور، والنسائي في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 83 / 112) باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل وهو فيه أيضًا برقم (419) وبرقم (5255) وابن ماجه في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 141 / 401) باب التيمن في الوضوء. (¬1) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 223 / 262) باب الاستطابة. (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 41 - 41/ 42) باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 115 / 316) باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. (¬4) في "جامعه" (كتاب الطهارة 1/ 24 / 16) باب الاستنجاء بالحجارة. (¬5) في "صحيحه" كتاب الطهارة (265) باب الاستطابة مختصرًا. (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 18 / 8) باب كراهة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وبتمامه. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 41 / 40) باب النهي عن الاستطابة بالروث. (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 114 / 313) باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. (¬9) يوجد سقط بالكلام إذ الكلام غير تام.

وفي الباب مما لم يذكره حديث حفصة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لا سوى ذلك". رواه الإمام أحمد (¬1) وأبو داود (¬2)، وعند أحمد فيه: "لطعامه وطهوره وصلاته" الحديث في إسناده أبو أيوب الإفريقي عبد الله بن علي، وفيه مقال، وفيه أبو الزبير عن جابر لكنه معلل. قال ابن أبي حاتم (¬3): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه مصعب بن المقدام، عن الثوري، عن أبي الزبير، فقالا: خطأ إنما هو الثوري، عن معمر، عن قتادة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قتادة، عن أبيه والوهم من مصعب". وحديث أبي قتادة أورده مختصرًا ذكره ما يقتضيه التبويب. ولفظه عند مسلم (¬4) عن أبي قتادة الأنصاري؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء". قال: وأبو قتادة الحارث بن ربعي (¬5). قال أبو عمر (¬6): هكذا يقول ابن شهاب وجماعة أهل الحديث: قال ابن إسحاق وأهله يقولون: إن اسمه النعمان بن عمرو بن بلدمة". قال أبو عمر (¬7): وقيل بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم ¬

_ (¬1) في "مسنده" (6/ 287). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 32 / 32) باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء. (¬3) في كتابه (العلل / 1/ 22 برقم 30) بنحوه، وانظر "الإتحاف" (3315) لابن حجر. (¬4) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 225 / 267) باب النهي عن الاستنجاء باليمين. (¬5) أي الترمذي في "الجامع" (1/ 23). (¬6) في "الاستيعاب" (1/ 353 / ترجمة 414). (¬7) المصدر السابق.

ابن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، وقيل: النعمان بن ربعي، وقيل: النعمان بن عمرو بن بلدمة وقيل: عمرو بن ربعي بن بلدمة. واختلف في تقييدها؛ فقيل: مهملة الدال وأولها باء (¬1) ثاني الحروف مفتوحتان، وقيل: مضمومتان، وقيل: بالذال المعجمة مضمومة. قال ابن دريد (¬2): البلدمة لحم الصدر ونحوه وهو أيضًا الرجل الثقيل حلّه (!) بالمهملة. وقال أبو عبيد: البلذم بالمعجمة الحلقوم. وقال ابن دريد (¬3): هو ما اضطرب من المريء. وقال الأصمعي (¬4) في "الفرس": البلدم: هو ما اضطرب من حلقومه ومريئه. وأمه كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، اخُتلف في شهوده بدرًا فلم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين، وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد كُلِّها. وذكر الواقدي (¬5) قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن أبي قتادة؛ قال: "أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذي قرد، فنظر إلي، فقال: اللهم بارك في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله؛ قال قتلت ¬

_ (¬1) في المخطوط ت "ياء" وهو خطأ يرده السياق. (¬2) "الاشتقاق" (ص 465). (¬3) لم أقف على هذا الكلام في "الاشتقاق" لابن دريد. (¬4) نقل هذا القول عن الأصمعي في كتاب "الفرس" الجوهري في "الصحاح" مادة بلدم (5/ 1874). (¬5) في كتابه "المغازي" (2/ 545).

مسعدة؛ قلت: نعم، قال: فما هذا الذي بوجهك، قلت: سهم قد رميت به يا رسول الله! قال: فادن، فدنوت منه فبصق عليه فما ضرب عليَّ قطٌ ولا قاح". وروى من مرسل محمد بن المنكدر (¬1) ومرسل عطاء (¬2) ومرسل عروة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي قتادة: "من اتخذ شعرًا فليحسن إليه أو ليحلقه"، وقال له: "أكرم جُمَّتك وأحسن إليها (¬3). فكان يرجلها غبًّا" وكان يُقال لأبي قتادة: فارسُ رسول الله [روينا عن النبي] أنه قال: "خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع" (¬4). روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة حديث وسبعون حديثًا اتفقا منها على أحد عشر حديثًا وانفرد البخاري بحديثين وانفرد مسلم بثمانية أحاديث. روى عنه ابنه عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن كعب بن نافع، وأبو الجليل صالح بن أبي مريم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن سليم، ومعبد بن كعب بن مالك، وأبو محمد بن نافع مولاه، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعبد الله بن معبد الرماني، وعلي بن رباح وعطاء بن يسار، وعمار مولى بني هاشم. واختلف في وفاته قال أبو عمر: "فقيل: مات بالمدينة سنة أربع وخمسين" وقيل: بل مات في خلافة علي رضي الله عنه بالكوفة وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه علي رضي الله عنه وكبر عليه سبعًا. قال الشعبي: وكان بدريًّا. ¬

_ (¬1) رواه بذلك النسائي في "سننه" (كتاب الزينة (8/ 567 / برقم 5252) باب تسكين الشعر. (¬2) رواه بذلك الطبراني في "الأوسط" (4/ 187 / برقم 3933). (¬3) رواه بذلك الطبراني في "الأوسط" (1/ 208 / برقم 671). (¬4) رواه مسلم في "صحيحه" (كتاب الجهاد والسير 3/ 1433 / برقم 1807) باب غزوة ذي قرد وغيرها في حديث طويل.

وقال الحسن بن عثمان: مات سنة أربعين وشهد أبو قتادة مع علي رضي الله عنهما مشاهده كلها (¬1). وقال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافًا: أنَّ أبا قتادة توفي بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين، وروى أهل الكوفة أنه توفي بالكوفة وعلي بن أبي طالب بها وهو صلى عليه، فالله أعلم (¬2). وقوله: "نهى أنْ يمسَّ الرجلُ ذكره بيمينه" ظاهُر النهي التحريم، وعليه حمله الظاهري فإنه قال: من استنجى بيمينه لا يجزئه لاقتضاء النهي فساد المنهي عنه، وعند الجمهور لا يقتضيه وأيضًا فإن الجمهور صرفوا هذا النهي إلى غير ذات المنهي (¬3) عنه وهو احترام المطعوم واليمين والمطلوب الذي هو الإنقاء قد حصل، فيجزئ عندهم لكنه أساء، واللفظ الذي ذكره الترمذي يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين مطلقًا، فمن الناس من أخذ بهذا العام. ولفظ مسلم: "لا يمسكنَّ أحدُكم ذكره بيمينه وهو يبول" فقد سبق إلى الفهم أن العام محمول على الخاص، فيختص النهي بهذه الحالة، وهذا هو الظاهر في هذه الصورة؛ فإن الحديثَ واحدٌ والمخرج واحد وكله راجع إلى حديث يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه؛ فزيادة الثقة فيه مقبولة مقيدة بمطلق من لم يزد، وأما إذا اختلف الحديثان فقد يتوجه ذلك في بعض الصور وقد لا يتوجه كما سيأتي في موضعه إن شاء الله. قال الخطابي (¬4): "إنما كره مس الذكر باليمين تنزيهًا له عن مباشرة العضو الذي ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (4/ 295). (¬2) ذكره الحافظ عنه في الإصابة (7/ 274) بنحوه. (¬3) نقل نحوه القرطبي في "المفهم" عن أهل الظاهر (1/ 518 - 519). (¬4) "معالم السنن" (1/ 33).

يكون منه [الأذى والحديث، وكان - صلى الله عليه وسلم - يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه ويسراه لما عداها من بقية البدن"] (¬1). وقد تعرض ها هنا شبهة وتشكل مسألة؛ فيقال: قد نهى عن الاستنجاء باليمين، ونهى عن مس الذكر باليمين، فكيف يعمل إذا أراد الاستنجاء من البول؟ فإنه إن أمسك ذكره بشماله احتاج إلى أن يستنجي بيمينه، وإن أمسكه بيمينه يقع الاستنجاء بشماله، فقد دخل في النهي؟ والجواب: أن الصواب في هذا أن يتوخى الاستنجاء بالحجر الضخم الذي لا يزول عن مكانه بأدنى حركة تصيبه، أو بالجدار، أو بالوضع الثاني، ومن وجه الأرض، وبنحوها من الأشياء؛ فإن أدت الضرورة إلى الاستنجاء بالحجارة والنبل ونحوها، فالوجه أن يأتي لذلك بأن يلصق مقعدته إلى الأرض ويمسك الممسوح بين عقبيه، ويتناول عضوه بشماله فيمسحه به وينزه عنه يمينه. وسمعت ابن أبي هريرة يقول: حضرت مجلس المحاملي وقد حضره شيخ من أهل أصفهان نبيل الهيئة، قدم أيام الموسم حاجًّا، فأقبلت عليه وسألته عن مسألة في الطهارة، فتضجر وقال: مثلي يسأل عن مسائل الطهارة؟! فقلت: لا والله، إن سألتك إلا عن الاستنجاء نفسه. فألقيت عليه هذه المسألة فبقي متحيرًا لا يحسن الخروج منها إلى أن فهمته (¬2). قوله: "بالحجارة والنبل"، النبل: حجارة صغار بعد الاستنجاء، وفي الحديث: "اتقوا اللاعن وأعدوا النبل" (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ألحقه الناسخ في الهامش للمخطوط "ت". (¬2) انتهى كلام الخطابي. (¬3) قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 118 / 18) عن هذا الحديث: "عبد الرزاق عن ابن جريج عن الشعبي مرسلًا ورواه أبو عبيد من وجه آخر عن الشعبي عن من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإسناده ضعيف ورواه ابن أبي حاتم في "العلل" من حديث سراقة مرفوعًا وصحح أبوه وقفه كما تقدم".

قال أبو العباس القرطبي (¬1): في النهي عن إمساك الذكر باليمين وعن التمسح في الخلاء باليمين يلزم منهما تعذر، اختلف علماؤنا في كيفية التخلص منه. فقال المازري (¬2): يأخذ ذكره بشماله ثم يمسح به حجرًا ليسلم على مقتضى الحديثين. قال: هذا إن أمكنه حجر ثابت أو أمكنه أن يسترخي فيتمسح بالأرض، فإذا لم يمكنه شيء من ذلك، فقال الخطابي (¬3): وذكر عنه ما حكيناه، ثم قال: وقد يكون موضع لا يآتى له فيه الجلوس. فقال عياض (¬4): أولى ذلك أن يأخذ ذكره بشماله ثم يأخذ الحجر بيمينه فيمسكه أمامه، ويتناول بالشمال تحريك رأس ذكره ويمسحه بذلك دون أن يستعمل اليمين، في غير إمساك على ما يتمسح به. قال أبو العباس (¬5): وهذه الكيفية أحسنها لقلة تكلفها ولتأتيها ولسلامتها على ارتكاب منهي عنه، إذ لم يمسك ذكره باليمين ولا تمسَّح به وإنما أمسك ما يتمسَّح به. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على الحديث الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى. وقوله: "ولا يتنفس في الإناء" وهو نهي تنزيه كما سبق من باب التأدب ¬

_ (¬1) في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 519). (¬2) في "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 241). (¬3) "معالم السنن" (1/ 33 - 34). (¬4) في "إكمال المعلم" (2/ 68). (¬5) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 519).

12 - باب الاستنجاء بالحجارة

والمبالغة في النظافة (¬1). قال العلماء (1): إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقزز الغير عن شربه أو الشارب نفسه، وهذا كالنهي عن النفخ في الشراب وما أشبهه. 12 - باب الاستنجاء بالحجارة حدثنا هناد، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد؛ قال: قيل لسلمان: "قد علَّمكم نَبيُّكُم كُلَّ شيء حتى الِخراءةَ، فقال سلمانُ: أجلْ نهانا أن نستقبلَ القبلةَ بغائطٍ أو بول، أو أنْ نستنجيَ باليمين، أو يستنجيَ أحدُنا بأقلِ من ثلاثةِ أحجارِ، أو أنْ نستنجيَ برجيع أو بعظمٍ". قال: وفي الباب عن عائشة، وخزيمة بن ثابت، وخابر، وخلاد بن السائب عن أبيه. قال: حديث سلمان حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ وإن لم يستنجىِ بالماء إذا اتَّقى أثرَ الغائط والبولِ؛ وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق (¬2). قد تقدم في الباب قبل هذا أن مسلمًا أخرج حديث سلمان هذا (¬3). وأما حديث عائشة فعند الدارقطني خرَّجه (¬4)، وقال: حسن صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) قال أبو العباس القرطبي نحوه في "المفهم" (1/ 519). (¬2) "الجامع" للترمذي (1/ 24). (¬3) وذلك في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 141 / 401) باب التيمن في الوضوء. (¬4) في كتابه السنن (1/ 54 - 4/ 55). (¬5) بل قال: إسناده صحيح.

ورواه أيضًا: أحمد (¬1)، وأبو داود (¬2)، وابن ماجه (¬3). وذكر الترمذي في "العلل (¬4) ": ثنا هناد، ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خزيمة المزني، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره. وقال وكيع: عن هشام، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمرو بن خزيمة [عن عمارة بن خزيمة] (¬5)، عن خزيمة بن ثابت. وقال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألت محمدًا عن هذا؟ فقال: الصحيح ما روى عبدة ووكيع. وحديث مالك، عن هشام صحيح أيضًا، وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد: عبد الرحمن بن سعد. وحديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الاستجمار توّ، ورمي الجمار توّ، والسعي [بين الصفا والمروة] (¬6) توّ، والطواف توّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوّ". رواه مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) في "مسنده" (6/ 108). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 37 / 40) باب الاستنجاء بالحجارة. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 14) برقم 315 باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. (¬4) المعروف "بالعلل الكبير" (1/ 96). (¬5) كذا في العلل وهي ساقطة من المخطوط ت. (¬6) ما بين المعكوفتين ألحقه الناسخ لـ "ت" في الهامش وصحح اللحق. (¬7) في "صحيحه" (9/ 422 / 1300).

ولجابر رضي الله عنه في الباب حديث آخر رواه أحمد (¬1): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا". وحديث خلاد بن السائب عن أبيه؛ قال أبو عمر (¬2): قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم: ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا هدبة بن خالد: ثنا حماد بن الجعد: ثنا قتادة، حدثني خلاد بن السائب الجهني، عن أبيه السائب: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "إذا دخل أحدكم الخلاء فليستنج بثلاثة أحجار". قال الترمذي (¬3): سألت محمدًا عن حديث خلاد بن السائب هذا، فقال: لم أر أحدًا رواه عن قتادة غير حماد بن الجعد، وابن مهدي كان يتكلم في حماد بن الجعد. وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الاستنجاء بثلاثة أحجار وبالتراب إذا لم يجد حجرًا ولا يستنجي بشيء قد استُنجي به مرة". رواه البيهقي (¬4) وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي. قال البيهقي: تكلموا فيه يروي عن قوم مجهولين (¬5). وفي الباب عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أولًا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرًا للمسربة". رواه الدارقطني (¬6) وقال: إسناده حسن. ¬

_ (¬1) في "المسند" (3/ 400). (¬2) في "التمهيد" (22/ 312). (¬3) كما في "العلل الكبير" (1/ 97). (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 112). (¬5) المصدر السابق. (¬6) في كتابه "السنن" (1/ 56 / رقم 10).

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار. الحديث: رواه البخاري (¬1) وأحمد (¬2) والدارقطني (¬3). وفي الباب عن أبي هريرة؛ قال: اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه، فقال: "ابغني أحجارًا أستنفض بها أو نحوه، ولا تأتني بعظم ولا روث". الحديث رواه البخاري (¬4). وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . مثل الوالد -وفيه كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة". رواه الإمام أحمد (¬5)، وأبو داود (¬6)، والنسائي (¬7)، وابن ماجه (¬8). وفي الباب عن طاوس؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها ثم ليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب، ثم ليقل الحمد لله الذي أخرج ما يؤذيني وأمسك عليَّ ما ينفعني". رواه الدارقطني (¬9) كذا مرسلًا. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 70 / 155) باب الاستنجاء بالحجارة. (¬2) في "مسنده" (1/ 418 و 427 و 450 و 465). (¬3) في كتابه "السنن " (1/ 55 / رقم 5). (¬4) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 307 / 154) باب الاستنجاء بالحجارة. (¬5) في "مسنده" (2/ 250). (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 18 - 19/ 8) باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 41 / 40) باب النهي عن الاستطابة بالروث. (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة وسننها 1/ 114 / 313) باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. (¬9) في "سننه" (1/ 57 / رقم 12).

وروى بعضه مرفوعًا عن ابن عباس وضعف من رفعه وقد تقدم. وفي الباب عن أبي أيوب، قال ابن عبد البر (¬1): حدثنا خلف بن القاسم: ثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد: ثنا الربيع بن سليمان: ثنا بشر بن بكر؛ ثنا الأوزاعي: ثنا عثمان بن أبي سودة؛ قال: حدثني أبو شعيب الحضرمي؛ قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار فإن ذلك طهوره". وكُلُّ هذه الأحاديثُ -من حديث أنس بن مالك وإلى حديث أبي أيوب- ليس بما أشار إليه الترمذي. قال القاضي عياض رحمه الله في "مشارق الأنوار (¬2) ": والاستنجاء إزالة النجو وهو الأذى الباقي في فمِّ المخرج، وأكثر ما يستعمل في الأحجار، وأصله من النجو وهو القشر والإزالة، وقيل: من النجو وهو ما ارتفع من الأرض لاستتارهم وقيل: لارتفاعهم وتجافيهم عن الأرض عند ذلك. وقال ابن سيده (¬3): والنجو: ما يخرج من البطن من ريح أو غائط، وقد نجا الإنسان والكلب نجوًا، والاستنجاء: الاغتسال بالماء من النجو والتمسح منه بالحجارة. وقال كراع: هو قطع الأذى بأيهما كان ونجا غصون الشجرة واستنجاها قطعها (¬4). انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (22/ 311 - 312). (¬2) (2/ 5). (¬3) في "المحكم والمحيط الأعظم" (7/ 386). (¬4) في "المحكم والمحيط الأعظم" (7/ 386).

واعلم: أن استفعل تكون متعدية وغير متعدية، فالمتعدية نحو استنجيت الشيء، وغير المتعدية نحو استقدم واستأخر، وتكون مبنية من فعل متعد وغير متعد؛ فالمبنية من متعد نحو استعصم أو استعلم هما مبنيان من عصم وعلم، والمبنية من غير المتعدي نحو استحسن واستفتح هما مبنيان من حسن وفتح. ولها خمسة معان؛ * إحداها: الإصابة؛ كقولك استجدته أي أصبته جيدًا، واستكرمته واستعظمته أصبته كريمًا وعظيمًا. * والثاني: الطلب؛ كقولك استعطيته العطية واستعتبته؛ أي: طلبت له العتبى، واستفهمته أي: طلبت منه أن يفهمني. * والثالث: التحول من حال إلى حال نحو استنوق الجمل واستتيست الشاة. * الرابع: معنى تفعّل؛ كقولهم تعظم واستعظم وتكبر واستكبر. * والخامس: معنى فعل؛ كقولك مرّ واستمرّ وقرّ واستقرّ. فأما الاستنجاء ها هنا؛ فهو من المعنى الثاني الذي هو الطلب كيف ما قدرته إن كان من باب الإزالة والقطع والقشر، كما ذكره كراع وعياض، أو من النجو؛ يريد المكان المرتفع الذي يصلح لارتياد ذلك؛ فهو طلب للإزالة أو طلب المكان الصالح للإزالة، وإن كان النجو هو نفس الخارج كما ذكره ابن سيده فهو أيضًا كذلك من باب الطلب له والتتبع بالآلة المقصودة لإزالته من ماء أو حجر. والخراءة؛ قال القاضي في "المشارق (¬1) ": هي هيئة جلسة المتخلي لقضاء الحاجة، أو صفة التنظف منه. ¬

_ (¬1) المعروف بـ "مشارق الأنوار" (1/ 231) نقله بنحوه.

وأجل؛ بمعنى انعم؛ بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام والسكون. قال الأخفش: إلا أنه أحسن من نعم في الخبر، ونعم أحسن منه في الاستفهام؛ وهما لتصديق ما قبلهما مطلقًا نفيًا كان أو إيجابًا، وبلى: ليست كذلك. قال الجوهري (¬1): بلى؛ إيجاب لما يقال لك لأنهما ترك للنفي، وربما ناقضتها نعم؛ فإذا قال: ليس لك وديعة، فتقول: نعم؛ تصديق له، وقولك: بلى؛ تكذيب له ولكل كلمة مبنية على الوقف. والرجيع: الروث؛ لأنه رجع عن الطعام فصار نجسًا، فعلى هذا يكون استنجاء مضمرًا دل عليه مظهرًا تقديره يستنجي بثلاثة وما قام مقامها ليس فيها رجيع ولا عظم. والثاني: أن الرجيع هو الحجر الذي قد استعمل مرة فصار راجعًا عن الموضع النجس؛ فعلى هذا يكون تقدير الكلام: ويستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم؛ قاله الماوردي. واستقبال القبلة واستدبارها قد تقدم الكلام فيه. وأما الاستنجاء باليمين؛ فقد سبق في الباب قبل هذا بعضه، وينبغي أن يتقدم ذلك حكم الاستنجاء، أولًا، وما للعلماء فيه من الخلاف، ثم يأتي بعد ذلك حكمه باليمين إذ هو صفة له، والموصوف من حقه أن يتقدم الصفة [و] (¬2) إلى وجوب الاستنجاء، ذهب الجمهور. ¬

_ (¬1) في "الصحاح" (4/ 1622) مادة أجل. (¬2) يقتضيها السياق.

وقال أبو حنيفة: الاستنجاء غير (¬1) واجب، ويستدل له في ذلك بحديث أبي سعيد الخير عن أبي هريرة الذي تقدم ذكره في الباب قبل هذا (¬2): "من أتى الغائط فليستتر" الحديث، وفيه: "من اكتحل فليوتر؛ من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر؛ من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"؛ فلما قرنه بالاكتحال ورفع الحرج عن تاركه دل على عدم الإيجاب؛ من حديث أبي هريرة هذا. رواه الإمام أحمد (¬3) وأبو داود (¬4) وابن ماجه (¬5) كما سبق بيانه. وقد نقل تصحيحه عن أبي حاتم بن حبان (¬6) وغيره. وذُكر أبو سعيد الخير في الصحابة (¬7). ومع ذلك ففيه مجهولان؛ أحدهما (¬8). والثاني: أبو سعيد الخير كما تقدم. وأيضًا فالجواب عن قوله: "ومن لا فلا حرج" لو كان ثابتًا من وجهين؛ ¬

_ (¬1) ألحقها الناسخ في الهامش للمخطوط ت وصحَّح اللحق. (¬2) لا بل في الباب الذي قبل هذا الباب ببابين وهو باب الاستتار عند الحاجة باب رقم [10]. (¬3) في "مسنده" (2/ 371). (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 33 / 35) باب الاستتار عند الخلاء. (¬5) في "سننه" (1/ 121 - 122/ 337). (¬6) فقد أخرج الحديث في صحيحه برقم (1410) على ما فيه!. (¬7) ذكره فيهم ابن السكن وغيره ممن ذكرهم الحافظ في الإصابة (7/ 143 / 10005). (¬8) عبارة "المصنف" هنا غير معقولة المعنى ولعل في الكلام سقطًا وقع من الناسخ. والمجهولان هما أبو سعيد الحبراني والراوي عنه الحصين الحبراني فكلاهما نصَّ على جهالته الحافظ في "التقريب".

أحدهما: أن قوله "من لا" عائد إلى الإيتار فإذا تركه إلى الشفع فلا حرج. الثاني: عائد إلى ترك الأحجار فلا حرج فيه إذا تركه لما هو قائم مقامه. وأما الاستنجاء باليمين: فالجمهور على أن كراهته والنهي عنه للتنزيه لا للتحريم، وقد قال بالتحريم فيه قوم من الظاهرية وغيرهم. قال الحسين بن عبد الله الناصري البغدادي أحد فقهاء الظاهرية في كتابه المسمىَّ بـ "البرهان الواضح بالدليل الراجح": ولا يجزئ الاستنجاء باليمين. قال أصحابنا: ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر، وقد سبقت الكيفية في الباب قبله وكل ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط، وغير ذلك مما هو في معناه. والتيامن فيه مستحب كما يستحب التياسر في عكسه كما يأتي بيان ذلك مفصلًا في الكلام على حديث أبي هريرة عند الترمذي (¬1): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا (¬2) بأيمانكم" الحديث. وتقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء لو خالفهما فاته الفضل وصحَّ وضوءه، خلافًا للشيعة فهو عندهم واجب، ولا اعتداد بخلافهم؛ قاله ¬

_ (¬1) لم أجد الحديث بهذا اللفظ عند الترمذي رحمه الله في الجامع بل وجدت فيه حديثًا بمعناه على بعضه أخرجه الترمذي في "الجامع" (كتاب اللباس 4/ 209 - 210/ 7661، باب في القمص) وأما بالحديث للفظ الذي ذكره المصنف فقد أخرجه به أبو داود في "سننه" (كتاب اللباس 4/ 379 / 414، باب في الانتعال)، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 141 / 402) باب التيمن في الوضوء ولم يذكر فيه لفظ اللباس. (¬2) كذا مثبتة في عدد من المصادر التي خرجت الحديث وهي في ت غير مقروءة بوضوح لوجود طمس.

الشيخ محيي الدين (¬1) وقال: واعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن؛ وهو الأذنان والكفان والخدان بل يُطهَّران دفعةً واحدةً، فإنْ تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه، قدَّم اليميَن (¬2). وفيه الاستنجاء بالحجارة، وقد تعلق به أهل الظاهر وقالوا: الحجر متعين لا يجزئ غيره. وقد سئل سعيد بن المسيب عن الاستنجاء بالماء فقال: إنما ذلك وضوء النساء (¬3). وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك (¬4) أيضًا. والسنة دلَّتْ على الاستنجاء بالماء كما سيأتي في حديثه بعد هذا بيسير إن شاء الله تعالى، ولعل سعيد بن المسيب رحمه الله فهم من أحد غلوًا في هذا الباب بحيث يمنع الاستجمار بالأحجار فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو وبالغ في إفراده إياه على هذه الصيغة. وقد ذهب بعضُ الفقهاء وهو ابن حبيب من أصحاب مالك إلى أن الاستنجاء بالحجارة إنما هو عند عدم الماء (¬5). فإذا ذهب إليه بعض الفقهاء فلا يبعد أن يقع لغيرهم في زمن سعيد، وكذلك غير الحجارة مما يستنجى به من خرق وخشب وغير ذلك كل ذلك قائم مقام الحجارة؛ وإنما المقصود إزالة العين، والتقييد بالحجارة تقييد بالغالب لأنها المتيسرة، فلا يدلُّ ¬

_ (¬1) "شرح النووي" على مسلم (3/ 502). (¬2) المصدر السابق. (¬3) ذكره ابن قدامة في "المغني" (1/ 173). (¬4) انظر "الأوسط" لابن المنذر (1/ 345 - 346). (¬5) انظر "فتح الباري" (1/ 302).

على نفي الحكم عمَّا عداه، ويدلُّ على عدم تعين الحجر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن العظم والبعر والرجيع، ولو كان الحجر متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا والذي يقوم مقام الحجر كُلُّ جامدٍ طاهرٍ مزيلٍ للعيِن ليس له حرمةٌ ولا هو جزءٌ من حيوان، قالوا: ولا يشترط اتحاد جنسه؛ فيجوز في القبل أحجار وفي الدبر خرق ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة أو نحو ذلك. والحديثُ نصٌّ في ثلاثة أحجار وهو محمول عندهم على ثلاث مسحات واستيفاؤها لا بدَّ منه عند أصحابنا. قال الشيخ محيي الدين (¬1): فلو مسح مرةً أو مرتين فزالت عين النجاسة وجبت مسحةً ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور. وقال مالك وداود: الواجب الإنقاء فإنْ حصل بحجر أجزأه، وهو وجه لبعض أصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدَّمناه. قال أصحابُنا: ولو استنجى بحجر له ثلاثةُ أحرف مسحَ بكل حرف مسحةً أجزأه؛ لأنَّ المراد المسحات. والأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثةُ أحرف، ولو استنجى في القُبل والدُبر وجب ستُ مسحاتٍ لكلِّ واحد ثلاثُ مسحات، والأفضل أن تكون ستةُ أحجارٍ فإنْ اقتصرَ على حجر واحد له ستةُ أحرف أجزأه، وكذلك الخرقة الصَفِيْقَة التي إذا مُسحَ بأحد جانبيها لا يصل البللُ إلى الجانب الآخر، يجوز أن يمسح بجانبيها. وإذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فإنْ لم يَحُصْل بثلاثةٍ وجبْ رابعٌ فإن حصل الإنقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الإيتار بخامس، فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامسٌ فإن حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد حتى يحصل الإنقاء بوتر فلا زيادة وإلا وجب الإنقاء واستحب الإيتار. ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي (2/ 104).

قوله: "أو يستنجي برجيع أو عظم" قد تقدم تفسير الرجيع والعلة فيه النجاسة وقد أخذ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بحجرين وألقى [الروثة] (¬1) وقال: "هذه ركسٌ" في حديث ابن مسعود، ويلتحق به ما في معناه ولا فرق في النجس بين المائع والجامد فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أَجْنَبْيَّةٍ. [فأما] (¬2) العظم فلكونه طعامًا للجن فنبَّه به على جميع المطعومات ويلتحق بها المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك، وقد علَّل النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم معًا لكونهما زادٌ للجنِّ. روى أبو داود (¬3) من حديث عبد الله بن مسعي قال: قدم وفدُ الجن على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا محمد! انه أُمَّتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حُمَمَة؛ فإن الله جعل لنا فيها رزقًا؛ قال: فنهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وروى البخاري (¬4) من حديث أبي هريرة قال: فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نَصِيْبيِنَ ونعم الجن؛ فسألوني الزاد فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا". وفي بعض الحديث "فأما الروث فعلف دوابهم". ويؤخذ من هذا الحديث احترامُ أطعمةِ بني آدم وتنزيهها من استعمالها في هذه القاذورات، ووجهه أنه إذا منع من الاستنجاء بالعظم والروث لأنهما زاد الجن وطعامهم فأحرى وأولى زاد الإنس وطعامهم. ¬

_ (¬1) غير مقروء في ت ولكنها ثابتة في عدد من المصادر التي أخرجت الحديث. (¬2) يقتضيها السياق وهي غير مقروءه في ت. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 36 - 37/ 39) باب ما يُنهي عنه أن يستنجى به. (¬4) في "صحيحه" (كتاب فضائل الصحابة 3/ 401 / 3647) باب ذكر الجن وقول الله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}.

13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

والرِمَّة: العظم البالي فالمنع في الرمة معللٌ بما سبق من كونه عظمًا فيجدون عليه طعامًا أو لأنها تتفتت فلا تثبت عند الاستنجاء بها ولا يتأتى بها قطع ما هنالك. وقيل: لأنها تصير مثل الزجاج من حيث ملوسها فلا تقطع شيئًا. والحُمَم: الفحم وقد عُلِّلَ بأنه زاد الجن وهو أيضًا لا صلابة لأكثره فيتفتت عند الاستنجاء ويلوث الجسد وينجسه والدين ينبني على النظافة. قال أصحابنا: ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها. وقيل: إن استنجاؤه الأول يجزئه مع المعصية، والله أعلم. 13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين حدثنا هناد وقتيبة قالا: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجته فقال: التمس لي ثلاثة أحجار؛ قال: فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: إنها ركس". قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله نحو حديث إسرائيل. وروى معمر وعمار بن زريق عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله. وروى زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله، وهذا حديث فيه اضطراب.

قال: سألت عبد الله بن عبد الرحمن: أي الروايات في هذا عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقض فيه بشيء. قال: وسألت محمدًا عن هذا؟ فلم يقض فيه بشيء؛ وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله أشبه (¬1) ووضعه في كتاب الجامع (¬2). وأصحُّ شيءٍ في هذا عندي حديثَ إسرائيل وقيس، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله؛ لأنَّ إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء. وتابعه على ذلك قيس بن الربيع؛ قال: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتَّكلتُ به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم. قال أبو عيسى: وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك لأن سماعه منه بأخرة؛ قال: سمعت أحمد بن الحسن، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي أن لا تسمع من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق. وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا نعرف اسمه. حدثنا محمد بن بشار: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة؛ قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا (¬3). * الكلام (¬4) عليه: هذا حديث لم يصفه بأكثر من أنه مضطرب لكنه اضطراب لا يمنع من القول ¬

_ (¬1) أي بالصواب. (¬2) أي "الصحيح" في (كتاب الوضوء 1/ 70 / 155) باب في الاستنجاء بالحجارة. (¬3) انظر "الجامع" للترمذي (1/ 25 - 28). (¬4) بياض على بعض حروفها ولكن المؤلف جرى عمله على هذا.

بصحته فقد تضمَّن كلامه أن البخاري أخرج حديث زهير عن أبي إسحاق والبخاري اشترط الصحيح وأنه أخرج (¬1) حديث إسرائيل عن أبي إسحاق ورجَّح إسرائيل في أبي إسحاق على زهير فهو عنده أصح مما أخرجه البخاري فقد تضمَّن ذلك منه الحكم بصحة مخرجه فهذا تصحيح مع الاضطراب وكثيرًا ما يُعِلُّون بالاضطراب فتبيَّن أنَّ الاضطراب ليس قادحًا على الإطلاق بل منه القادح وغيره فينبغي تمييز القادح من غيره فنقول: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح (¬2): المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له، وإنما نُسمِّيه مضطربًا إذا تساوت [الروايتان] (¬3). أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاويها (¬4) الأخرى بأن يكون رواتها أحفظ وأكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة؛ فالحكم للراجح ولا يطلق عليه حينئذ وصف الاضطراب ولا له حكمه، ثم يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك من راوٍ واحد وقد يقع من رواة له جماعة، والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط. قلت: هذه الضوابط في هذا وأمثاله ليست مضطربة اقتضتها الأدلة ولا هي مما أدَّى إليه السبر والتقسيم وإنما هي حكاية عن اصطلاح قوم، وما ذكره الشيخ أبو عمرو: في المضطرب ينبغي أن يكون أحد أقسامه وإلا كان الاضطراب مظنة الضعف أو مظنة الوقف، ولأدى إلى أن لا يقبل مضطرب وليس كذلك. ¬

_ (¬1) أي الإمام الترمذي. (¬2) في "مقدمة علوم الحديث" ص (44) النوع التاسع عشر. (¬3) كذا في مقدمة ابن الصلاح وهو المناسب للسياق وفي ت: "الروايات". (¬4) كذا في المقدمة لا تقاومها.

فأما الاضطراب فإنه يرجع تارة إلى السند وتارة إلى المتن وفي كُلِّ منهما القادح وغيره، فصارت أقسامًا أربعة: * فالأول الحديث يروى عن الثقة عن ثقة مثله تارة وعن من تُكُلِّمَ فيه تارة والراوي عنهما واحد والطرق إليه مختلفة، كما وقع من الاختلاف في الحديث المروي عن عبيد الله العمري وعبد الله أخيه عن الزهري أو غيره من الشيوخ فإنَّ عبيد الله مجمع على قوله وعبد الله مختلف فيه فهذا اضطراب يرجع إلى الإسناد وهو مما يوجب الوهن لأنَّ ناقل الحديث في نفس الأمر أشكلَ علينا ودار الأمر فيه: متفق عليه، ومختلف فيه فلم يثبت عن من نعرف حاله يقينًا بغير شك. * الثاني: الاضطراب الإسنادي غير القادح وهو أن يكون الانتقال فيه من ثقة إلى ثقة كالحديث الذي نحن فيه فقد وصفوه كلهم بالاضطراب وخرج مع ذلك في الصحيح وهو اضطراب يرجع إلى الإسناد، والخلاف فيه على أبي إسحاق بين أبي عبيدة والأسود بن يزيد وعبد الرحمن ابنه وعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وكلُّهم ثقاتٌ فكيف ما انقلبنا انقلبنا (¬1) إلى ثقة فهذا وأمثاله لا يضر ولا يُعدُّ قادحًا. وأما الراجع إلى المتن؛ فأن تختلف ألفاظه اختلافًا كبيرًا فإن أمكن أن يرد إلى شيء واحد ومعان متقاربة كما في قوله - عليه السلام -: "اذهب فقد زوجتكها أو أنكحتكها أو ملكتها" إلى غير ذلك من الألفاظ التي إنْ وقع بينها خلاف في المعنى فيسير محتمل، فهذا اضطراب يرجع وهو غيرُ قادح، وإن اختلف أهل العلم فيما يستنبطونه من تلك الألفاظ بحسب اختلاف معانيها عند بعضهم أو اتفاقها عند بعضهم؛ إذ لولا ذلك الاختلاف اليسير من حيث المعنى عند من رواه لكان الخلف ¬

_ (¬1) ألحقها الناسخ في ت بالهامش وصحَّح اللحق هناك.

في ذلك من باب الرواية بالمعنى ولم يكن من باب الاضطراب كما ذكرنا وإن اختلفت مدلولات ألفاظه وتباينت معانيه ولم يمكن أن تردَّ إلى معنىَّ واحد ولا معانٍ يَقرب بعضُها منْ بعض فهذا اضطراب من حيث المتن يوجب التوقف عند تساوي الطرق. وأما ترجيحه لحديث إسرائيل على حديث زهير فلخصوصية لإسرائيلَ بجدِّه أبي إسحاق وإلا بين الرجلين بَوْنٌ. وأما اختصاصه بحفظ حديث جدِّه أبي إسحاق وتقديمه فيه على غيره فغير مدفوع عن ذلك وإلى ذلك ذهب أبو زرعة (¬1)، قال: "الصحيح عندي حديثُ أبي عبيدة (¬2) وروى (¬3) إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن إسرائيل، وإسرائيل أحفظهم". قلت: هذا هو المشهور وقد ذكر العجلي (¬4)، قال: زكريا بن أبي زائدة من أصحاب الشعبي، وكان ثقةً إلا أنَّ سماعه من أبي إسحاق بأخرة بعد ما كَبُر أبو إسحاق وروايته ورواية زهير بن معاوية وإسرائيل بن يونس قريب من السواء، ويقال: إن شريكًا أقدمُ سماعًا من أبي إسحاق من هؤلاء. وسنذكر من حال كُلٍّ منهما ما يعرف به منزلته ومحله عند أهل العلم. فأما إسرائيلُ: فهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي أخو عيسى. سمع: جدَّه أبا إسحاق وعبد الملك بن عمير، والمقدام بن شريح، وإسماعيل ¬

_ (¬1) كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 42 / 90). (¬2) قبل قوله "عبيدة" توجد "هريرة" ولكنها ضرب عليها في ت. (¬3) في ت وروي وهوخطأ يرده السياق. (¬4) في "معرفة الثقات" (1/ 370 / 499).

ابن عبد الرحمن السُّدي، ومُغيرة بن مُقسم، وسِماك بن حرب، ومنصور بن المعتمر، والأعمش وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن جعفر، ووكيع، وابن مهدي، وأبو نعيم، ويحيى بن آدم، ومصعب بن المقدام، ومحمد بن يوسف الفريابي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وغيرهم. قال عيسى بن يونس (¬1): قال لي إسرائيل: كنث أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورةَ من القرآن. وقال علي بن المديني (1): سمعت يحيى بن سعيد يقول: إسرائيل بن يونس فوق أبي بكر بن عياش. وقال أحمد بن حنبل (¬2): كان شيخًا ثقة، وجعل (¬3) يعجب من حفظه وهو أحبُّ إليَّ من سهل لأنه صاحبُ كتاب. وقال يحيى بن معين: هو ثقة (¬4). وقال أبو حاتم الرازي (¬5): ثقة متقن من أتقن أصحاب أبي إسحاق. وقال شبابة: قلت ليونس بن أبي إسحاق: أملّ عليَّ حديثَ أبيك؛ قال: اكتبه عن إسرائيل؛ فإن أبي أملَّه عليه (¬6). وقال أبو بكر بن أبي شيبة (6): سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان ¬

_ (¬1) كما في "الجرح والتعديل" (2/ 330 / 1258). (¬2) "الجرح والتعديل" (2/ 331 / 1258). (¬3) عقب قوله وجعل توجد كلمة "يحفظ" وهي ليست موجودة في المصدر السابق. (¬4) المصدر السابق. (¬5) كما في "الجرح والتعديل" (2/ 331 / 1258). (¬6) المصدر السابق.

إسرائيل في الحديث لصًّا؛ يعني: أنه يتلقَّف العلم تلقفًا. ولد: سنة مئة (¬1) ومات سنة ستين (¬2) وقيل: إحدى (¬3)، وقيل: اثنتين وستين ومئه (¬4). روى له الجماعة (¬5). وأما زهير؛ فهو ابن معاوية بن حُديج بالحاء المهملة المضمومة بعدها دال مهملة مفتوحة، ابن الرحيل بالراء المضمومة، والحاء المفتوحة المهملتين. ابن زهير بن خيثمة بن زهير بن خيثمة بن الحارث بن معاوية بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حرم بالحاء المفتوحة والراء المكسورة المهملتين. ابن جعفي الجعفي أبو خيثمة الكوفي سكن الجزيرة. سمع: أبا إسحاق السبيعي وأبا الزبير المكي والأسود بن قيس وهشام بن عروة، وعلي بن زيد بن جدعان، وزياد بن علاقة، وعاصم بن أبي النجود، والأعمش وغيرهم. روى عنه: يحيى القطان، ويحيى بن آدم، ويحيى بن يحيى ويحيى بن أبي بكير وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن محمد بن نفيل، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وعلي بن الجعد، والحسن بن موسى الأشيب، وأبو الوليد الطيالسي وآخرون. قال يحيى بن أيوب (¬6)، عن معاذ بن معاذ: والله ما كان سفيان أثبت من ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (1/ 2 / 57). (¬2) البخاري في "التاريخ" (1/ 2 / 57). (¬3) "تاريخ بغداد" (7/ 24). (¬4) المصدر السابق. (¬5) وهو كما قال فقد رمز الحافظ له في "التقريب" بـ ع يعني روى له الجماعة. (¬6) كما في "الجرح والتعديل" (3/ 588 / ترجمة 2674).

زهير، فإذا سمعتُ الحديثَ من زهير فلا أبالي أنْ لا أسمعه من سفيان. وقال يحيى بن أيوب (¬1)، عن شعيب بن حرب: أنه حدثنا يومًا بحديث عن زهير وشعبة، فقيل له: تُقدَّم زهيرًا على شعبة؟ فقال: كان [زهير] (¬2) أحفظ من عشرين مثل شعبة. وقال بشر بن عمر: سمعت ابن عيينة يقول: عليك بزهير بن معاوية فما في الكوفة مثله. وقال الميموني (¬3): قال أحمد بن حنبل: ليس نجد أحدًا يرفع غير زهير؛ يعني: في المُحرم إذا لم يجد النعلين، وكان زهير من معادن (¬4) العلم. وقال صالح (¬5): قال أبي: زهير فيما روي عن المشايخ: ثبت بخ بخ، وفي حديثه عن أبي إسحاق: لين، سمع منه بأخرة (¬6). وقال يحيى بن معين: ثقة (¬7). وقال أبو حاتم (¬8): زهير أحبُّ إلينا من إسرائيل في كُلِّ شيءٍ إلا في حديث ¬

_ (¬1) كما في "الجرح والتعديل" (3/ 588 / ترجمة 2674). (¬2) في ت: كان زهيرًا وهذا خطأ نحوًا كما هو معلوم لذا عدلناه إلى ما تراه وهو الصواب قطعًا. (¬3) من كلام أحمد بن حنبل في "علل الحديث" و "معرفة الرجال" رواية الميموني ص (196 / برقم 146). (¬4) في ت: وكان زهير من معادن أهل العلم ولكن المؤلف ضرب على قوله "أهل" وما فعله هو الصواب لأن المصادر التي نقلت قول أحمد هذا في زهير لم تذكر هذه الكلمة فيما وقفت عليه. (¬5) صالح هو ابن الإمام أحمد وهذا القول ذكر في مسائله برقم (1158). (¬6) المصدر السابق والمؤلف ذكر الشاهد من عبارة الإمام أحمد مع زهير جماعة آخرين في حديثهم لين عن أبي إسحاق انظر "مسائل الإمام أحمد" لابنه صالح (2/ 457 / 1158). (¬7) "الجرح والتعديل" (3/ 589 / 2674). (¬8) "الجرح والتعديل" (3/ 589 / 2674).

أبي إسحاق، قيل لأبي حاتم: فزائدة وزهير؛ قال: زهير أتقن من زائدة، وما أشبه حديث زهير بحديث زيد بن أبي أنيسة وهو أحفظ من أبي عوانة، وهما يوازيان، إذا حدَّثا من كتابها لم أبال بأيهما بطشت، وإذا حدَّثا من حفظهما فزهير أحبُّ إليَّ. وزهير ثقةٌ متقن صاحب سنة تأخر سماعه من أبي إسحاق وزهير أحبُ إليَّ من جرير بن عبد الحميد، وخالد الواسطي. قيل لأبي حاتم: زهير وحديج ورحيل؛ قال: كانوا ثلاثة أخوة وأوثقهم زهير ثم رحيل (¬1). وسئل أبو زرعة عن زهير فقال: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط (¬2). وقال ابن منجويه: مات زهير سنة سبع ومئة وكان حافظًا متقنًا وكان أهل العراق يُقدِّمونه في الإتقان على أقرانه (¬3). وقال أحمد بن عبد الله العجلي: مأمون (¬4). وقال مطين: مات سنة اثنتين وسبعين ومئة، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وأُخْبِرتُ أنه قَدِمَ الجزيرة فلم يزل مقيمًا بها حتى مات (¬5). وقال الخطيبُ: حدَّث عن زهير بن معاوية: ابنُ جريج، وعبد السلام ابن ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (3/ 589 / ترجمة 2674). (¬2) المصدر السابق. (¬3) "رجال صحيح مسلم" (1/ 224 / 484) وفيه: مات سنة أربع وسبعين ومائة مما يدل على أن ابن سيد الناس وهم في نقله، ويؤكد هذا أن المزي في تهذيب الكمال ذكر أنه مات سنة سبع وسبعين ومائة، وهو قريب لما ذكره ابن منجويه انظر "تهذيب الكمال" (9/ 425). (¬4) بل قال فيه: كوفي ثقة ثبت مأمون انظر "معرفة الثقات" له (1/ 312 / 504). (¬5) ذكره الحافظ المزي عنه في "تهذيب الكمال" (9/ 425) وكذلك الحافظ في "التهذيب" (1/ 640).

عبد الحميد الحراني وبين وفاتيهما سبع، وقيل: ست، وقيل: خمس وتسعون سنة (¬1). روى له الجماعة، وكان فُلج قبل موته بسنة ونصف فقد ظهر بهذا ترجيح زهير على إسرائيل في المعرفة والحفظ والإتقان في الشيوخ وترجيح إسرائيل عليه في أبي إسحاق خاصةً، فإلى الترجيح المطلق نظر البخاري وإلى الترجيح الخاص نظر الترمذي، وقد كان يشبه أنَّ يكون الترمذي أولى بالصواب لولا أنَّ في حديث أبي عبيدة علَّةُ الانقطاع التي سلم منها حديث زُهير، فقد قيل: إنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله شيئًا؛ ذكر ذلك غيرُ واحدٍ منْ الحفاظ منهم الترمذي وغيره. ووجهٌ ثان من ترجيح حديث زهير: يستفاد من الكيفية التي وقع الإخبار بها عند البخاري وغيره ممن خرَّجه؛ وهي قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فقد اقتضى هذا استحضار أبي إسحاق للسندين عند إرادة التحديث، واختياره حديث عبد الرحمن بن الأسود وأنَّ ذلك صدر عن يقظة وتثبت وإضراب عن حديث أبي عبيدة على عَمَد وأنه آخرُ الأمرين من أبي إسحاق لا سيما عند من يرى أنَّ سماعَ زهيرٍ منه متأخرٌ عن سماع إسرائيل، فلولا شبهة اختلاط أبي إسحاق بأخرة لكانت هذه الرواية قاضية على تلك ولتعيَّن المصير إليها. ولعلَّ عدوله عن حديث أبي عبيدة إنما هو للانقطاع الذي ذكره الترمذي، وأما ما زعمه ابن الشاذكوني من أنَّ ذلك من خفي التدليس (¬2) وتبعه على هذا القول من قلَّده فيه فقول بلا برهان وسيأتي الكلامُ عليه إن شاء الله تعالى. وأيضًا فحديثُ زهيرٍ أشهر مخرجًا رواه البخاري عن أبي نعيم عنه (¬3)؛ والنسائي (¬4) ¬

_ (¬1) "السابق واللاحق" ص (204 - 208). (¬2) ذكره الحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص (109) عنه. (¬3) وذلك في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 70 / 155) باب الاستنجاء بالحجارة. (¬4) وذلك في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 42 / 42) باب الرخصة في الاستطابة بحجرين.

عن أحمد بن سليمان، عن أبي نعيم وابن ماجه (¬1)، عن أبي بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد كلهم عن زهير. ورواه البيهقي (¬2) من حديث أبي نعيم وأحمد بن يونس عنه، وحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبيد الله، عن عبد الله ذكره الترمذي (¬3). ورواه أيضًا الدارقطني من حديث عيسى بن جعفر وعبيد الله بن موسى وأبي أحمد الزبيري وغيرهم كُلُّهم عن إسرائيل (¬4) فهذا وجه ثالث. ووجه رابع: حديث زهير غير مختلف عليه فيه كما ذكره البخاري وغيره، وحديث إسرائيل مختلف عليه فيه، فقد ذكرنا أنَّ الدارقطني رواه من طريقه كرواية الترمذي وقد رويناه من طريق أبي عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في "مسنده"؛ قال: ثنا سفيان، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن جدِّه أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله؛ قال: "ناولت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حجرين وروثة فأخذ الحجرين ورمى الروثة، وقال: إنَّها ركس"، يعني: رجيع، فهذا عن سفيان، عن إسرائيل مخالف لرواية الترمذي عن وكيع عنه. وقد ذكر الدارقطني (¬5) أنَّ عباد بن ثابت القطواني وخالد [العبد] (¬6) روياه عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله؛ فهذا طريق ثالث. ¬

_ (¬1) وذلك في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 114 / 314) باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 108). (¬3) في "سننه" كما تقدم (1/ 25/ 17). (¬4) في "العلل" (5/ 33 / ورقم 30 و 31 و 32). (¬5) في علله (5/ 25). (¬6) في المخطوط ت: "العبدي" وهذا غلط كما نبَّه عليه الحافظ في "اللسان" في ترجمة خالد هذا. انظر "لسان الميزان" (2/ 437 / ترجمة 3119).

وذكر الحاكم عن علي بن المديني، قال: كان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول: ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الاستنجاء بالأحجار الثلاثة (¬1). وهناك ذكر الحاكم عن ابن الشاذكوني: هذا من التدليس الخفي فإن كان هذا فهمًا فهمه من كلام ابن المديني فليس في كلام ابن المديني ما يدلُّ عليه وإن كان غير ذلك فيحتاج إلى البيان، فلنذكر كلام الشاذكوني بنصه ثم نذكر ما يمكن أنَّ يرد به عليه؛ قال: وما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى (¬2): (قال أبو عبيدة لم يحدِّثنا ولكن فلان عن فلان) ولم يقل حدثني فجاز الحديث وسار (2). وأمَّا ما يمكن أنَّ يردَّ به عليه فنقول: إن كلام سليمان الشاذكوني يقتضي الانقطاع من الطريقين؛ أما طريق أبي عبيدة فلإضراب أبي إسحاق عنها. وأما طريق عبد الرحمن بن الأسود فلما أشار إليه بالتدليس في إبهام السماع الذي لم يقع، والحمل على الاتصال أولى من الحمل على الانقطاع ها هنا. لأنَّ البخاري أورده في صحيحه (¬3) المشروط فيه الاتصال من طريق عبد الرحمن بن الأسود ولو كانت هذه الصيغة محمولة عنده على التدليس المؤدِّي إلى الانقطاع لما ذكره. وإن الترمذي أورده في "جامعه " ذاهبًا إلى الاتصال بين أبي إسحاق وأبي عبيد [ة] (¬4) بل مرجحًا لهذه الطريق على غيرها ولو احتمل عنده الانقطاع لنبه عليه كما نبه على الانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه، ولأن الدَّارمي لما سأله ¬

_ (¬1) في معرفة علوم الحديث ص (109). (¬2) المصدر السابق. (¬3) كما تقدم قريبًا. (¬4) يقتضيها السياق وفي المخطوط ت: "أبي عبيد" كذا بدون التاء المربوطة.

الترمذي (¬1) عن طرق هذا الحديث لم يقض بشيء ولو كانت هذه عنده منقطعة لقضى عليها بالانقطاع ولرجح عليها غيرها. الوجه الثاني: أنَّ البخاري رواه تعليقًا فصرح فيه برواية إبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود؛ قال البخاري: وقال إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بهذا. ورواه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود (¬2). ورواه أيضًا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن [أبي إسحاق عن] (¬3) عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه (¬4). ورواه عن مطين حدثنا أبو كريب عنه (¬5). وهذا إسناد صحيح وإبراهيم بن يوسف الذي علَّق عنه البخاري هو ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. وقد تكلَّم فيه بعضهم وقد احتجَّ به الشيخان والحاكمُ في "مستدركه "وابنُ حبان في "صحيحه". الثالث: أنَّ قوله: "ليس أبو عبيدة ذكره أو حدَّثنا" مع أنَّه قد ذكره عن أبي عبيدة، وحدَّث به عنه كذا رواه عنه قيس بن الربيع وقد وثَّقه شعبه وسفيان ¬

_ (¬1) كما تقدم قريبًا. (¬2) (10/ 74/ 9954). (¬3) زيادة من "المعجم الكبير" وقد سقط من المخطوط ما بين المعكوفتين. (¬4) (10/ 74/ 9955). (¬5) (10/ 75 / 9956).

وغيرهما (¬1)، وسفيان الثوري وهو أوثق أصحابه وأبيه يونس وهو أعلم بحديثه وابن إسرائيل وهو من أحفظ أصحابه لحديثه وغيرهم عن أبي عبيدة. ورواه زهير عنه، عن عبد الرحمن بن الأسود أيضًا (¬2). ورواه من ذكرنا في المتابعات إذا علمناه على أنه رواه من الطريقين وحدَّت به مرةً كذا ومرةً كذا وكان معنى قوله في هذه الطريق: ليس أبو عبيدة حدثنا أي بما أرويه لكم الآن، وإنما أحدَّثكم به من طريق عبد الرحمن ليس فيه تناقض وإذا كان حدَّث به عن كل واحدٍ منهما ثمً نبَّه على أنه لم يسمعه من واحد منهما كان في ذلك تناقض يرتفع أبو إسحاق السبيعي عن مثله، والله أعلم. وأما ترجيح أبي زرعة فليس راجعًا إلى المجموع بل هو ترجيح لرواية أبي إسحاق عن أبي عبيدة، على رواية أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود. وقد نقلنا عن أحمد بن عبد الله العجلي: أنهما قريب من السواء (¬3). وأما المتابعات فقد ذكر متابعة قيس بن الربيع لإسرائيل على الوجه الذي رواه عنه من طريق وكيع وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني روايةَ محمد بن الحسن عن يونس: ثنا أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله (¬4)؛ قال: وكذلك روي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله (¬5) وذكر الحديثين -فقد تابع إسرائيلَ أبوه يونس، وقيس بن الربيع، وسفيان الثوري، وهو أثبت الناس في زهير" فتابعه أبو حمَّاد الحنفي وأبو مريم وشريك من رواية الحماني عنه، وزكريا بن أبي ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (12/ 458) وانظر أيضًا "تهذيب الكمال" (24/ 29). (¬2) "العلل" للدارقطني (5/ 27). (¬3) "ترتيب الهيثمي والسبكي للثقات" (1/ 370 - 499). (¬4) "العلل" للدارقطني (5/ 38 / برقم 53). (¬5) المصدر السابق (5/ 38 / برقم 54).

زائدة من رواية ابنه يحيى عنه ذكر ذلك الدارقطني (¬1). وتابعه أيضًا ليث بن أبي سليم، ذكر حديثه بذلك البيهقي (¬2). قال الدارقطني: وروى معمر، وعمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله وكذلك رواه أيضًا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وورقاء بن عمر، وسليمان بن قرم، وإبراهيم الصائغ، وعبد الكبير بن دينار الصائغ، ومحمد بن جابر، وصباح بن يحيى المزني، وروح بن مسافر كلهم، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله؛ ذكر ذلك الشيخ أبو الحسن الدارقطني (¬3) وقد تركتُ ذكرَ أحاديثهم اختصارًا غير أنِّي وجدت زيادة حسنة ينبني عليها مسألة اختلف فيها العلماء في رواية معمر، وأبي شيبة فأَثرت ذكرها لذلك. قال الدارقطني: حدثنا المحاملي: ثنا أبو بكر بن زنجويه: ثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق الفارسي: ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني؛ قالوا: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، عن ابن مسعو: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجة فأمر ابن مسعود أنَّ يأتيه بثلاثة أحجار فجاءه بحجرين وروثة، فألقى الروثة وقال: إنها ركس فأتيني بحجر. قال الدارقطني: هذه زيادة حسنة؛ يعني: قوله: "فأتيني بحجر" وافقه عليها أبو شيبة إبراهيم بن عثمان (¬4). حدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلول: ثنا جدي: ثنا أبي، عن أبي ¬

_ (¬1) المصدر السابق (5/ 23 - 24). (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 108). (¬3) "العلل" للدارقطني (5/ 24). (¬4) "العلل" للدارقطني (5/ 29 - 30 / برقم 17).

شيبة، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله، قال: "خرجت يومًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: فأمرني أنَّ آتيه بثلاثة أحجار، فأتيته بحجرين وروثة؛ قال: فألقى الروثة وقال: إنها ركس، فأتني بغيرها" (¬1). وقد ذكرنا الكلام على رواية زهير. وأما رواية ابن أبي زائدة فمختلف عليه فيها فابنه يحيى يروي عنه، عن أبي إسحاق كرواية زهير وقد أشرنا إليه في متابعات زهير. وسلمة بن رجاء يرويه عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن الأسود -لا يدخل بين أبي إسحاق والأسود أحدًا- والفضل بن موسى، وعبد الرحيم بن سليمان، وإسحاق الأزرق، وإسماعيل بن أبان [الغنوي] (¬2) وغيرهم. كلهم عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود، وكذلك رواه غير واحد عن سفيان أيضًا. والخلف فيه كبير جدًّا وإنما وقع الكلام فيه على الخلف من الوجه الذي أشار إليه الترمذي خاصة على سبيل الاختصار، وعبد الله بن عبد الرحمن الذي سأله هو أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند. وأبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بن علي، ويقال: عمرو بن عبد الله بن عبيد، ويقال: بن عبد الله بن ذي يحمد، ويقال: ابن عبد الله بن أبي شعيرة ويحمد هو أبو شعيرة. وقال السلفي: عمرو بن عبد الله بن عبد؛ بضم العين والدال المهملتين كذا ¬

_ (¬1) المصدر السابق (5/ 31 / برقم 22). (¬2) من مصادر ترجمته وفي ت الغزي وهو تحريف.

رأيته بخط شيخنا الحافظ الدمياطي رحمه الله الهمداني الكوفي. والسبيع: هو ابن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن [خيوان] (¬1) بن نوف بن همدان. قال شريك: ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان، ورأى علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، والمغيرة بن شعبة، ولم يصحَّ له منهم سماع وسمع ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان (¬2). قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة، سمع (¬3) ثمانية وثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وسمع من التابعين عمرو بن ميمون، والأسود بن يزيد، وسعيد بن وهب، وأبا الأحوص عوف بن مالك، ومسروق بن الأجدع، وعبد الرحمن بن يزيد، وعبد الله بن معقل، وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم. روى عنه: سليمان التيمي، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، وقتادة، والثوري، وهو أثبت الناس فيه، وإسماعيل بن أبي خالد، ومسعر، وعمار بن زريق وغيرهم. قال شعبة: كان أبو إسحاق أحسن حديثًا من مجاهد والحسن، وابن سيرين (¬5). ¬

_ (¬1) كذا بـ "الأنساب" للسمعاني (7/ 35) وفي المخطوط ت: خيوار وهو تصحيف. (¬2) انظر "تهذيب الكمال" (22/ 103). (¬3) في "معرفة الثقات": وروى وأشار المحقق إلى أنه في هامش النسخة: وسمع. (¬4) "معرفة الثقات" (2/ 179 / ترجمة 1394). (¬5) "الجرح والتعديل" (6/ 243 / ترجمة 1347).

ولم يسمع أبو إسحاق من علقمة بن قيس شيئًا (¬1)، ولم يسمع من حديث الأعور إلا أربعة أحاديث؛ وسائر ذلك إنما هو كتاب أخذه. وقال أبو حاتم: هو ثقة وأحفظ من أبي إسحاق الشيباني (¬2)، ويشبَّه بالزهري في كثرة الرواية (¬3). وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة ولكن هؤلاء الذين حدثوا عنه بأخرة (¬4). وقال يحيى بن معين: هو ثقة (¬5). وقال علي بن المديني: لم يرو عن هبيرة بن يريم، وهانئ بن هانئ؛ إلا أبو إسحاق وقد روى عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره وأحصينا مشيخته نحوًا من ثلاث مئة أو أربع مئة شيخ (¬6). قال سفيان: مات سنة ست وعشرين (¬7). وقال يحيى: سنة سبع وعشرين (¬8). وقال أبو نعيم: سنة ثمان وعشرين (¬9). ¬

_ (¬1) "المراسيل" لابن أبي حاتم ص (121 / برقم 258). (¬2) تقدمة "الجرح والتعديل" (1/ 132) و "التاريخ الصغير" للبخاري (1/ 184). (¬3) "الجرح والتعديل" (6/ 243 / ترجمة 1347). (¬4) "العلل" للإمام أحمد (2/ 363 / برقم 2611) والكلام له سياق. (¬5) "الجرح والتعديل" (6/ 243 / برقم 1347). (¬6) "تهذيب الكمال" (22/ 110 / 111). (¬7) "تهذيب الكمال" (22/ 112). (¬8) وهو كذلك عنه في "تهذيب الكمال" (22/ 112) إلا أنَّ البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 347/ برقم 259) نقل عن يحيى أنه توفي سنة تسع وعشرون ومائة وكذلك قبله ابن سعد في "الطبقات " (6/ 315). (¬9) "الطبقات" ابن سعد (6/ 314) و "التاريخ الصغير" للبخاري (2/ 10).

وقال عمرو بن علي: سنة تسع وعشرين (¬1). روى له الجماعة (¬2). وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، فقال (¬3): لم يوقف على اسمه. وقد ذكر أنَّ اسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته. سمع: أبا موسى الأشعري وأكثر الرواية عن أبيه، ولم يسمع منه. وروى عن كعب بن عجرة، وعمرو بن الحارث. روى عنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، ونافع بن جبير، وأبو مجلز، وسلمة بن كهيل وغيرهم. قال عبد الغني: روى له الجماعة إلا البخاري (¬4). وقال غيره: روى البخاري محتجًا به. قوله: (إنها ركس). قال القاضي: كقوله رجيع؛ يعني: نجسًا؛ لأنها أركست أي: ردت في النجاسة بعد أن كانت طعامًا (¬5). ضمَّن الحديث العدد فيما يُستنجى به وطهارة ما يستنجى به وفي كل من المسألتين خلافُ بين العلماء. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" (22/ 112). (¬2) وهو كما قال. انظر "التقريب" فقد أشار الحافظ له بـ ع. (¬3) أي الترمذي كما في جامعه (1/ 28). (¬4) بل روى له الجماعة ولذلك تعقبه ابن سيد الناس بقوله: وقال غيره: روى البخاري محتجًا به. (¬5) "إكمال المعلم" (2/ 70 - 71) نقل كلامه بنحوه.

قال الرافعي: وقد ذكر حديث سلمان: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار". وظاهر الأمر الوجوب فيجب رعاية العدد. وعند أبي حنيفة: الاستنجاء مستحب من أصله والعدد غير مستحب فيه وإنما الاعتبار الإنقاء. وقال مالك: إذا حصل الإنقاء بدون الثالث كفى (¬1). وهذا الحديث وإن كان في بادئ الرأي يقتضي اشتراط العدد في الأحجار فليس يقتضي ذلك إذا حقق بل إذا أنعم النظر فيه اقتضى عدم الاشتراط لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما طلب الثلاثة وتعذر عليه استعمال الثالثة فرمى بها لم تكن الثالثة شرطًا إذ لو كانت شرطًا لطلب عوضها. وأما رواية معمر التي ذكرناها "فألقى الروثة، وقال: إنها ركس، فأتني بحجر". ورواية أبي شيبة عن أبي إسحاق: فأتني بغيرها، فكلاهما من رواية أبي إسحاق عن علقمة بن قيس، ولم يسمع منه شيئًا، فلا تقوم بها حجة وقد ذكرنا ذلك في ترجمة أبي إسحاق السبيعي. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: قرأت بخط النسائي: أبو إسحاق لم يسمع من علقمة. وكذلك قال ابن أبي حاتم، عن أبي زرعة: أبو إسحاق لم يسمع من علقمة (¬2). ¬

_ (¬1) "فتح العزيز وشرح الوجيز مع المجموع" (1/ 505). (¬2) "المراسيل" لابن أبي حاتم ص (121 / برقم 258).

وقد يستفاد هذا المعنى الذي ذكرته من تبويب الترمذي باب في الاستنجاء بالحجرين لا سيما وقد تقدم عنده باب في الاستنجاء بالحجارة فقصد المغايرة بين الحكمين في البابين ولو صحت عنده الزيادة في طلب الحجر الثالث لدخل حديث هذا الباب في الباب قبله ويبعد أن يقال لعلمه: لم يصر عليها، فإنها من طريق معمر وهو قد نبه في كلامه على هذا الحديث على طريق معمر. وأما طلبه - عليه السلام - الثلاثة أولًا فلعله بطريق الأولوية والتحري أو ليستعمل منها ما تدعو الحاجة إلى استعماله، ويرفض ما عداه أو خشية من أنَّ يقع مثل ما وقع، فاستظهر بطلب زيادة على المقصود لذلك. وأما طهارة ما يستنجى به فمستفاد من تعليله - عليه السلام - إلقاء الروثة بأنها ركس. وقد سبق تفسير الركس بالنجس، وإلى اشتراط الطهارة ذهب مالك والشافعي (¬1) وغيرهما (¬2). ولم يره أبو حنيفة رحمه الله شرطًا (¬3). واحتج أصحابنا بحديث النهي عن الروث والرمة، وما في معناه، وقالوا: ولأن النجاسة لا تزال بالنجس كما لا يزال بالماء النجس ولا فرق بين نجس العين كالروث وما تنجس بعارض. وقد قال الشافعي رحمه الله: ولا يستنجى بحجر قد مسح به مرة إلا أن يكون قد طهره بالماء (¬4). ¬

_ (¬1) انظر كلام الشافعي هذا في "الأم" (1/ 19) و "فتح العزيز وشرح الوجيز" (1/ 491). (¬2) وهو كما قال، وانظر لذلك "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 174) و "المغني مع الشرح الكبير" (11/ 178). (¬3) انظر "الاستذكار" (1/ 174). (¬4) انظر "الأم" (1/ 19).

قال الرافعي: وله شروط: * أحدها: أنَّ يكون [طاهرًا] (¬1). * الثاني: أنَّ يكون خشنًا قالعًا للنجاسة فما لا يقلع لملاسته كالزجاج الأملس والقصب، والحديد الأملس، لا يجوز الاستنجاء به لأنه لا يزيل النجاسة وعد من ذلك التراب المتناثر. * والثالث: أنَّ لا يكون محترمًا فلا يجوز الاستنجاء بالمطعومات لحرمتها، والعظم معدود من المطعومات؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال: "إنه زاد إخوانكم من الجن"، وليس له حكم طعامنا من تحريم الربا فيه وغيره. وعند مالك لا يمنع من الاستنجاء بالعظم الطاهر والخبر حجة عليه (¬2). قلت: ليس هذا معروفًا من مذهب مالك بل المستنجَّى به عندهم الماء والحجر وما في معناه (¬3)، وهو كُلُّ جامد طاهرٍ خشن ليس بمطعوم ولا ذي حرمة، قالوا: والعظم مطعوم وعلى هذا فرَّعوا. وأما التراب فقد سبق ذكره في حديث طاوس عن ابن عباس، فيما يستنجى به (¬4). وقد روى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (¬5). وقد روى عنه من قوله (5): قال البيهقي: وهو الصحيح عن طاوس من ¬

_ (¬1) يقتضيها الإعراب وفي المخطوط ت: طاهر وهو خطأ ظاهر. (¬2) "فتح العزيز مع المجموع" (1/ 491 - 497). (¬3) انظر "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 174). (¬4) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (1/ 111). (¬5) المصدر السابق (1/ 111).

14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

قوله (¬1). وأما مرفوع هذا الخبر ففيه أحمد بن الحسن المصري، وهو كذاب متروك. وفيه أيضًا حديث عن سراقة بن مالك وقد تقدم رده بمبشر بن عبيد الحلبي فيما حكيناه، عن الدارقطني (¬2). وفيه: أنه عن عمر أنه كان إذا بال يأتي حائطًا يتمسح به أو يمسه الأرض. قال البيهقي وهذا أصحُّ ما روى في هذا الباب وأعلاه (¬3). 14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به حدثنا هنَّاد: ثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنَّه زاد إخوانكم من الجن". قال: في الباب عن أبي هريرة، وجابر، وابن عمر. قال: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله: أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ... الحديث بطوله. وقال الشعبي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن"، وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث. والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم (¬4). ¬

_ (¬1) البيهقي في الكبرى (1/ 111). (¬2) انظر "السنن" (1/ 57). (¬3) "السنن الكبرى" (1/ 111). (¬4) "جامع الترمذي" (1/ 29 - 30).

* الكلام عليه: سكت الترمذي عن هذا الحديث وهو صحيح من حديث إسماعيل فإن مسلمًا أخرجه في الصلاة. قال: ثنا ابن مثنّى قال: ثنا عبد الأعلى: وحدثنا ابن حجر، عن إسماعيل بن إبراهيم، كلاهما عن داود بن أبي هند مفصولًا فيه قول الشعبي من حديث عبد الله (¬1). قال البيهقي: ورواه جماعة عن داود مدرجًا في الحديث من غير شك (¬2). قال مسلم: وثنا أبو بكر قال: ثنا ابن إدريس، عن داود، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ببعضه (¬3). ورواه أبو داود في الطهارة عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن داود، عن عامر، عن علقمة (¬4). والترمذي في التفسير: عن علي بن حجر، عن ابن عليَّة، عن داود الحديث بتمامه (¬5). [وأما] (¬6) من الوجه الأول من طريق حفص بن غياث؛ فإن الشيخ أبا الحسن الدارقطني رحمه الله تعالى قال: ¬

_ (¬1) وهو كما قال في كتاب "الصلاة" (1/ 332 / 150) باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن. (¬2) انظر "السنن الكبرى" (1/ 109). (¬3) صحيح مسلم كتاب "الصلاة" (1/ 333 / برقم 151) باب الجهر بالقراءة في الصبح. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 67/ 85) باب الوضوء بالنبيذ. (¬5) "جامع الترمذي" (كتاب التفسير 5/ 356 / 3258) باب ومن سورة الأحقاف. (¬6) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت.

يرويه داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله. رواه عنه جماعة من الكوفيين والبصريين، [فأما] (¬1) البصريون فجعلوا قوله: وسألوه الزاد إلى آخره، من قول الشعبي مرسلًا. وأما يحيى بن أبي زائدة، وغيره من الكوفيين فأدرجوه في حديث ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح قول من فصله؛ فإنَّه من كلام الشعبي مرسلًا (¬2). قلت: في هذا التصرف من كلام الترمذي والدارقطني رد على من زعم أنَّ الحديث المختلف على الثقات في إسناده وإرساله؛ إذا كان مسنده ثقة حكم له، وإن كان أيضًا مرسله أو مرسلوه ثقات، نظر إلى أنَّ الإسناد زيادة فإذا جاءت عن ثقة قبلت، وهذا وإن كان النظر يقتضيه فليس عملهم عليه مطردًا، وحفص بن غياث ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة من الثقات، ولم يحكم لما أسنداه منه، والذي توجَّه به ما قاله الدارقطني في هذا العصر: من لم يقف على نقل فيه يقتضي الترجيح أنَّ نقول: داود بن أبي هند من شيوخ البصرة، فأهل بلده أعلم بحديثه من الغرباء والواردين عليه، مع أنَّ في التفصيل مرتبة تقتضي مزيد علم على من أجمل ولم يفصل، فهذه علة لحديث حفص بن غياث، توجب التوقف عن الحكم بصحته لولاها لكان صحيحًا إذ رواته من شرط الصحيح. [وأما] (1) حديث أبي هريرة وسلمان رضي الله عنهما، فقد تقدما. [وأما] (1) حديث جابر فرواه مسلم، ولفظه: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسح ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬2) ذكر هذا الكلام الدارقطني في "علله" (5/ 131 / 132).

بعظم أو ببعر" (¬1). [وأما] (¬2) حديث ابن عمر ........................ (¬3). وفي الباب مما لم يذكره حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا رويفع! لعلَّ الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلَّد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإنّ محمدًا - عليه السلام - منه بريء". رواه الإمام أحمد (¬4)، وأبو داود (¬5)، والنسائي (¬6). وفيه عن عبد الله بن مسعود قال: "قدم وفدُ الجنِّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا محمد انْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة؛ فإنَّ الله جلّ وعزّ جعل لنا فيها رزقًا. قال: فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم -". رواه أبو داود (¬7) واللفظ له، والدارقطني، وقال: إسناده شامي ليس بشيء، أو ليس بثابت (¬8). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه ليلة الجنّ ومعه عظم حائل وبعرة، وفحمة فقال: لا يستنجى بشيء من دْلك". رواه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة (¬9). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 224 / 58) باب الاستطابة. (¬2) يقتضيها السياق وموضوعها بياض في ت. (¬3) يوجد بياض في مقدار خمس أو ست كلمات في المخطوط ت، وقد أشار إلى حديث ابن عمر: ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (1/ 97) تبعًا لابن الجوزي (1/ 125). (¬4) في "مسنده" (4/ 108). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 34 / 36) باب ما ينهي عنه أن يستنجى به. (¬6) في "سننه" (كتاب الزينة 8/ 511 / 5082) باب عقد اللحية. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 36 / 39) باب ما ينهي عنه أن يستنجى به. (¬8) في "سننه" (1/ 55 - 56/ 6). (¬9) في "مسند" (1/ 457).

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه وقال: أن رسولي إلى أهل مكة، قل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليكم السلام ويأمركم بثلاث: لا تحلفوا بغير الله، وإذا تخلّيتم فلا تستقبلوا القبلة -وفي رواية الكعبة- ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظم ولا ببعر". رواه الإمام أحمد (¬1). وعن أبي هريرة: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أنَّ يستنجى بروث أو عظم، وقال: إنهما لا يطهران " رواه الدارقطني وقال: إسناد صحيح (¬2). قال البيهقي: وأما الحديث الذي رواه عمرو بن الحارث، عن موسى بن أبي إسحاق الأنصاري، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار: أخبره عن رسول الله - رضي الله عنه -: "أنَّه نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث أو جلد". قال: وقد أناه أبو بكر الحارثي: أنا علي بن عمر الحافظ، حدثني جعفر بن محمد بن نصير: ثنا الحسن بن علي: ثنا أبو طاهر عمرو بن سواد: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث: فذكره. قال علي بن عمر: هذا إسناد غير ثابت (¬3). وليس في هذا الحديث ما انفرد به إلا "الجلد"، وفيه خلاف بين الفقهاء يأتي ذكره إن شاء الله. ¬

_ (¬1) في "مسنده": (3/ 487) وعبد الرزاق (15920)، و"الحارث" (66 - البغية)، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق. قال الهيثمي (1/ 205): وهو ضعيف. (¬2) "السنن" (1/ 56 / 9). ويظهر من "العلل" (1547) إنما قصد أصله، فقد ضعفه ابن عدي (3/ 331) وتابعه ابن عبد الهادي في "التنقيح" (1/ 97) بسلمة بن رجاء ويعقوب بن كاسب، فذكر أقوال العلماء فيهما، ولعله يحسنه كما فعل الحافظ في "الدراية" (1/ 97) وقارن مع "الفتح" (1/ 256). (¬3) "السنن الكبرى" (1/ 110 - 111).

15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

أما ما يتعلَّق بهذا الحديث من فقه أو كلام على معناه؛ فقد سبق في الباب قبله. وأما ما وقع في حديث الدارقطني من ذكر الجلد فللفقهاء فيه أقوال ثالثها الفرق بين المدبوغ وغيره، ومن منع فنظر إلى أنَّ الجلد من باب المطعومات، ومثلوا به في الرؤوس والأكارع. 15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قالا: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة قالت: "مُرْنَ أزواجكن أنَّ يستطيبوا بالماء، فإنِّي أستحييهم، فإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله". وفي الباب عن جرير، وأنس، وأبي هريرة. قال: هذا حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم، يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم فإنهم يستحبّون الاستنجاء بالماء ورأوه أفضل. وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق (¬1). وأما حديث عائشة الذي ذكره وصححه فرجاله رجال الصحيح. وقد أخرجه الإمام أحمد (¬2)، والنسائي (¬3)، وفي رواية أحمد: "يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول، فإنَّا نستحيي منهم". وفي لفظ له: "وهو شفاء من الناسور" (¬4). ¬

_ (¬1) "الجامع" (1/ 30 - 31/ 19) كتاب "الطهارة". (¬2) في "المسند" (6/ 96، 114). (¬3) في "سننه" (1/ 46 / برقم 46 كتاب الطهارة) باب الاستنجاء بالماء. (¬4) في "مسنده" (6/ 93).

قال ابن معين: قتادة لم يصح [سماعه] (¬1) عن معاذة (¬2). وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي زرعة: إنّ شعبة يرويه عن يزيد الرشك، عن معاذة، عن عائشة موقوف، وأسنده قتادة فأيهما أصح. قال: حديث قتادة المرفوع أصح، وقتادة أحفظ ويزيد ليس به بأس (¬3). وأما حديت جرير فرواه النسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، ولفظه: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "أنّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الغيضة فقضى حاجته، فأتاه جرير بإداوة من ماء، فاستنجى بها ومسح يده بالتراب". في إسناده أبان بن عبد الله وهو ضعيف، عن إبراهيم بن جرير البجلي، ولم يسمع منه، قاله أبو حاتم (¬6)، وأبو داود. وأمَّا حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}؛ قال: وكانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية، رواه أبو داود (¬7)، وابن ماجه (¬8)، والترمذي (¬9)، وسيأتي في موضعه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) نقل ابن أبي حاتم هذا القول عن يحيى بن سعيد في "المراسيل" ص (142) وكذا العلائي في "جامع التحصيل" ص (255)، وكذا ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/ 430)، مما يدلُّ على خطأ ابن سيد الناس عندما عزاه ليحيى ابن معين. (¬2) "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 42 / برقم 91). (¬3) كذا في "المراسيل" لابن أبي حاتم. انظر ص (142). (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 49 / 51، باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 129 / 359، باب من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء). (¬6) كما في "المراسيل" لابنه ص (19 برقم / 3). (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 39 / 44، باب في الاستنجاء باليمين). (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 128/ 357، باب الاستنجاء بالماء). (¬9) في "الجامع" (كتاب التفسير 5/ 262 / 3100، باب ومن سورة التوبة).

وأما حديث أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزةً، فيستنجي بالماء" (¬1). مخرَّج في الصحيحين. انتهى ما أشار إليه. وفي الباب غير ذلك عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في مسجد قباء فقال: "إنَّ الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجد قباء؛ فما هذا الطهور الذي تطَّهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئًا، إلا أنَّه كان لنا جيران من اليهود يغسلون أدبارهم فغسلنا كما غسلوا". رواه الإمام أحمد (¬2)، وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (¬3)، ذكره المقدسي "في أحكامه" (¬4). وروى الطبراني في "معجمه الكبير" (¬5) من حديث الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عويم بن ساعدة فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟ قالوا: يا رسول الله! ما خرج منَّا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه، أو قال: مقعدته. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: هو هذا". رواه عن الحسن المعمري: ثنا محمد بن حميد الرازي: ثنا سلمة بن الفضل: ثنا محمد بن إسحاق: عن أبي أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 68 / 149) باب الاستنجاء بالماء وذكره أيضًا برقم (150 و 151 و 214 و 478) ومسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 227 / 69 - 70) باب الاستنجاء بالماء من التبرز. (¬2) في "مسنده" (24/ 235 / 5485). (¬3) (1/ 45 / 83). (¬4) المسمى "بعمدة الأحكام" (1/ 252 / برقم 14) مع "حاشية إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد وحاشية الصنعاني. (¬5) (11/ 67 / 11065).

مالك: أنَّ هذه الآية نزلت فيهم {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. قال رسول الله: "يا معشر الأنصار قد ثنى الله عليكم في الطّهور فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة، ونستنجي بالماء! قال: هو ذلك، فعليكموه" (¬1). رواه ابن ماجه (¬2)، وهذا لفظه، والدارقطني (¬3) وفيه عتبة بن أبي حكيم وهو ضعيف، عن طلحة بن نافع، وقد خرّج له (¬4) مسلم. قال شعبة: حديثه عن جابر إنما هو صحيفة (¬5)، وفي موضع آخر قال: سمع منه أربعة أحاديث. قال ابن أبي حاتم: قال أبي: ولم يسمع من أبي أيوب شيئًا، وأما أنس فإنَّه محتمل (¬6). قال البيهقي: وروينا عن حذيفة بن اليمان أنّه كان يستنجي بالماء إذا بال. وعن عائشة رضي الله عنها: "من السنَّة غسل المرأة قبلها" (¬7). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (11/ 67 / 11065). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة (1/ 127 / 355) باب الاستنجاء بالماء. (¬3) في "سننه" (1/ 62 / 2). (¬4) في الإيمان والصلاة وغيرهما كما قال ابن منجويه في رجال صحيح مسلم (1/ 328 / 716). (¬5) وفي رواية: كتاب، ذكرها العقيلي في "الضعفاء" (2/ 224 / 768) و "المراسيل" لابن أبي حاتم ص (89 / برقم 152). (¬6) "المراسيل" (152)، وهو مردود برواية مسلم له في "الصحيح". انظر "التهذيب"، وقارن مع "الإتحاف" (3/ 157) لابن حجر. (¬7) "السنن الكبرى" كتاب الطهارة باب الاستنجاء بالماء (1/ 105).

فيه جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجاته. وفيها خدمة الصالحين، وأهل الفضل والتبرُّك بذلك. وفيه جواز الاستنجاء بالماء، واستحبابه ورجحانه على الاقتصار على الحجر. وقد اختلف الناسُ في ذلك: * فالذي عليه الجمهور: أنَّ الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيستعمل الحجر أولًا لتخفَّ النجاسة، وتقل مباشرتها بيده، ثم يستعمل الماء. فإن أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار على أيّهما شاء، سواء وجد الآخر أو لم يجده، فيجوز الاقتصار على الحجر مع وجود الماء، ويجوز عكسه. فإن اقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الحجر، لأنَّ الماء يُطهر الحلَّ طهارة حقيقية، وأمَّا الحجرُ فلا يطهِّره وإنّما يخفف النجاسة ويبيح الصلاة، مع النجاسة المعفو عنها. * وذهب بعض السلف إلى أنَّ الحجر أفضل، وربما أوهم كلام بعضهم أنَّ الماء لا يجزئ، وذهب إلى أنه من قَبِيل المطعومِ فيحترم في ذلك. وقال سعيد بن المسيب: في الاستنجاء بالماء: إنّما ذلك وضوء النساء. وقال أبو العباس القرطبي: وقد شذَّ ابنُ حبيبِ من أصحابنا فقال: لا يجوز استعمال الأحجار مع وجود الماء، وهذا ليس بشيء، إذ قد صحَّ في "جامع البخاري" من حديث أبي هريرة: أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استعمل الحجارة مع وجود الماء في الإداوة مع أبي هريرة يتبعه بها. * قال: واختلف العلماء في الاستنجاء: قال أبو حنيفة: ليس بفرض، وإزالة النجاسة فرض. وقال الجمهور: هو من باب إزالة النجاسة إلا أنّهم اختلفوا في حكم إزالتها

16 - باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر؛ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حاجته فأبعد في المذهب.

على ثلاثة أقوال: هل هي فريضة مطلقًا، أو سنة مطلقًا، أو هي واجبة بشرط الذكر والقدرة. وهكذا اختلاف أصحاب مالك عنه (¬1). 16 - باب ما جاء أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سفر؛ فأتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حاجته فأبعد في المذهب. قال: وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد، وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد، عن أبيه وأبي موسى، وابن عباس، وبلال بن الحارث. قال: هذا حديث حسن صحيح. وروي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنّه كان يرتاد لبوله مكانًا، كما يرتاد منزلًا". وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (¬2). * الكلام عليه: حديث الباب رواه الإمام أحمد (¬3) وأبو داود (¬4). ومحمد بن عمرو أخرج له مسلم. حديث "ما أذن الله بشيء كإذنه لنبي ¬

_ (¬1) انظر "المفهم" (1/ 520). (¬2) "الجامع" (1/ 32). (¬3) في "مسنده" (30/ 59 / 18134). (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 14 / 1) باب التخلي عند قضاء الحاجة.

يتغنَّى بالقرآن" في المتابعات (¬1)، وقد وثَّقه غيرُ واحدٍ. وسيأتي في الباب بعد هذا الذكر. وحديثُ المغيرةَ مخرّجٌ في الصحيحين من غير هذا الوجه، ودال منقوله وسيأتي (¬2). وحديث ابن أبي قراد قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة أبعد". رواه الإمام أحمد (¬3)، وابن ماجه (¬4)، والنسائي (¬5). وحديث أبي قتادة (¬6) ................................... (¬7). وحديث جابر "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد". لفظ أبي داود (¬8)، ورواه ابن ماجه (¬9). وحديث يحيى بن عبيد عن أبيه؛ روينا في معجم عبد الباقي بن قانع القاضي: قال عبيد بن دحي الجهضمي، حدثنا بشر بن موسى قال: ثنا يحيى بن ¬

_ (¬1) "صحيح" مسلم كتاب "صلاة المسافرين" (1/ 546) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن. (¬2) ص 231 - 232. (¬3) في "مسنده" (24/ 428 / 1566). (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 121 / 434) باب التباعد للبراز في الفضاء. (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 24 / 16) باب الإبعاد عند إرادة الحاجة. (¬6) لم نقف عليه. (¬7) يوجد بياض مقدار ست أو سبع كلمات في المخطوط "ت". (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة (1/ 14 / 2). (¬9) في سننه كتاب الطهارة (1/ 121 / 335) باب التباعد للبراز في الفضاء،

إسحاق قال: ثنا سعيد بن زيد أخو حمّاد بن زيد، عن يحيى بن عبيد بن دحي، عن أبيه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله (¬1) ". وذكره أبو عمر في "الاستيعاب" (¬2). وحديث أبي موسى قال: "كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يوم فأراد أن يبولَ فأتي دمثًا في أصل جدار فبال، ثم قال: إذا أراد أحدُكم أنَّ يبول فليرتد لبوله" رواه الإمام أحمد (¬3) وأبو داود (¬4) من طريق أبي التيّاح، عن رجل كان يصحب ابن عباس، لم يسمّه، عن أبي موسى. وحديث ابن عباس (¬5) .............................. (¬6). وحديث بلال بن الحارث: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد" رواه ابن ماجه (¬7). وفي الباب مما لم يذكره عن المغيرة بن شعبة أيضًا: قال: "كنت مع النبيِّ ¬

_ (¬1) في "معجم الصحابة" (2/ 185/ ت 676). (¬2) (3/ 137 / برقم 1748). (¬3) في "مسنده" (4/ 396). (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 15 / 3، باب الرجل يتبوأ لبوله). (¬5) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9/ 12 / 9304) قال الهثيمي في "المجمع" (1/ 203): فيه سعد بن طريف اتهم بالوضع. (¬6) يوجد بياض في المخطوط مقدار خمس أو ستة ويقابل هذا البياض في الهامش جاء (ل 61/ ا) ما نصه: "حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية سعد بن طريف الإسكاف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا أراد الحاجة أبعد". قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، قلت: سعد ضعيف جدًّا وفي الباب مما لم يذكره هو ولا المصنف عن أنس بن مالك وأبي هريرة وقد أوضحت ذلك في "جامع الأحكام". (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 12/ 336) باب التباعد للبراز في الفضاء.

- صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال: يا مغيرة! خذ الإداوة، فأخذتها. فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عني، فقضى حاجته". رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) من حديث الأعمش، [عن] (¬3) مسلم عن مسروق عنه (2)، وهو غير الأول، وهذا مما عدل فيه الترمذي عن أصحَّ الطريقين. وفيه عن يعلى بن مرة: "أنّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد". رواه ابن ماجه (¬4). وفيه عن ابن عمر: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يذهب في حاجته إلى المُغمس (¬5). قال نافع: المغمس: ميلان أو ثلاثة من مكة. رويناه من مسند السراج. وحديث عائشة من طريق المقدام بن شريح، عن أبيه، عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدو في هذه القلاع" رويناه من طريق السراج (¬6): حدثنا أبو معشر إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا شريك، عن المقدام. قال: وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الصلاة 1/ 142 / 356) باب الصلاة في الجبة الشامية. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 229 / 77) باب المسح على الخفين. (¬3) كذا في البخاري ومسلم وفي المخطوط ت: من حديث الأعمش ومسلم وهو خطأ. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 120 / 333) باب التباعد للبراز في الفضاء. (¬5) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (9/ 476 / 5626)، والطبراني في "الكبير" (12/ 451 / 13638)، وفي الأوسط (5/ 143 / 4903) قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 203): رجاله ثقات من أهل الصحيح. (¬6) في هامش المخطوط ت (ل 61/ ا) يوجد كلام في الهامش وهو يُعدُّ تعليقًا على كلام الشارح في تخريجه لحديث عائشة هذا فعلق عليه قائلًا "وحديث عائشة بنحوه في الصحيح فلا حاجة إلى ذكره من طريق السراج".

قلت: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، بن عبد عوف بن عبد بن الحارث، بن زهرة الزهري المدني. وقيل اسمه: إسماعيل، وقيل: لا يعرف اسمه. قاله عمرو بن علي (¬1) ونقل عن مالك (¬2). سمع عبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وأبا أسيد الساعدي، ومعاوية بن الحكم، وربيعة بن كعب، ومعيقيب بن أبي فاطمة، وعائشة، وأم سلمة. وروى عن أبيه، وزيد بن ثابت، وقيل: سمع حسان بن ثابت. وسمع من التابعين عطاء بن يسار، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وبشر بن سعيد، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ. [وروى] (¬3) عنه: عراك بن مالك، والشعبي، وعبد الرحمن الأعرج، وعبد الله بن دينار، والزهري، وسلمة بن كهيل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وخلق كثير. سئل عنه أبو زرعة فقال: ثقة، إمام (¬4). وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث، وتوفي بالمدينة سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وهذا أثبت من قول من قال: ¬

(¬1) لم أجده فيما بين يدي من المصادر. (¬2) الذي نُقل عن مالك أنَّ اسمه كنيته لا كما قال الشارح رحمه الله من أنَّ اسمه لا يعرف، انظر قول مالك الذي أشرت إليه في "تهذيب الكمال" للمزي (33/ 375). (¬3) يقتضيها السياق كما هي عليه مثبتة وفي المخطوط ت: روي كذا بالياء وهو خطأ يرده السياق. (¬4) "الجرح والتعديل" (5/ 94 / برقم 429).

17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

إنّه توفي سنة أربع ومائة (¬1) روينا عن ابن سعد قال: حدثنا عفان، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب قال: قدم علينا أبو سلمة بن عبد الرحمن البصرة في إمارة بشر بن مروان، وكان رجلًا صبيحًا، كأنّ وجهه دينار هرقلي (¬2). [روى] (¬3) له الجماعة (¬4). في هذا الحديث استحباب التباعد لقضاء الحاجة عن أعين الناس، والاستتار عن أعين الناظرين. والبراز بفتح الباء: هو المكان الواسع الظاهر من الأرض. والدمث: الأرض السهلة، وإنّما فعل ذلك حتى لا يرتدُّ عليه البولُ. 17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى بن عبد الله قالا: حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن أشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن معقل: "أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبول الرجل في مستحمِّه؛ وقال: إنّ عامة الوسواس منه". قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أشعث بن عبد الله (¬5)، ويقال له: أشعث الأعمى. ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" (5/ 157). (¬2) المصدر السابق (5/ 156). (¬3) يقتضيها السياق كما هي عليه مثبتة وفي المخطوط ت: روي كذا بالياء وهو خطأ يرده السياق. (¬4) "التقريب" (1155) برقم 8203. (¬5) علق ناسخ المخطوط ت بالهامش (ل 61 / ا) قائلًا: "ذكر في الإمام أنه رواه إسماعيل بن مسلم -يعني- عن الحسن فلم ينفرد به إذًا أشعث، وفي الباب أيضًا عن عبد الله بن عمرو وغيره ... في "جامع الأحكام"".

وقد كره قوم من أهل العلم البول في الغتسل وقالوا: عامة الوسواس منه. ورخّص فيه بعضُ أهلِ العلمِ؛ منهم: ابن سيرين، وقيل له: إنه يقال: إنَّ عامّة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له. وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء. حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي، عن حبان، عن عبد الله بن المبارك (¬1). * الكلام عليه: حديث الباب: رواه أحمد (¬2)، وأبو داود (¬3)، وابن ماجه (¬4)، والنسائي (¬5) قال: وفي الباب عن رجل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قاله حميد بن عبد الرحمن. وقال: كما صحبه أبو هريرة، قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ يتمشَّط أحدنا كُلَّ يوم، أو يبول في مغتسله" رواه أبو داود (¬6)، والنسائي (¬7)، وهو عند الإمام أحمد أيضًا (¬8). وأشعث الراوي عن الحسن هذا: هو أشعث بن عبد الله بن جابر الأعمى، أبو عبد الله البصري الحدّاني. الحدّاني: بالحاء المضمومة والدال المفتوحة المشددة المهملتين، وبالنون وحدان في الأزد؛ روى عن أنس بن مالك، والحسن بن أبي الحسن، ومحمد بن سيرين، ¬

_ (¬1) "الجامع" (1/ 33 كاب الطهارة). (¬2) في "مسنده" (5/ 56). (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 29 / 27) باب في البول في المستحم. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 111 / 304) باب كراهية البول في الغتسل. (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 38 / 36) باب كراهية البول في المستحم. (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة (1/ 30 / 28) باب في البول في المستحم. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة (1/ 142/ 238) باب ذكر النهمي عن الاغتسال بفضل الجنب. (¬8) في "مسنده" (4/ 110 / 111) وفي "مسنده" أيضًا (5/ 369).

وشهر بن حوشب. روى عنه: محمد، وشعبة، ونوح بن قيس، وبسطام بن حريث، ونصر بن علي، ويحيى القطان، ومعاذ بن معاذ (¬1)، وخالد بن الحارث وابن أبي عدي، وسفيان بن حبيب، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومسكين بن عبد العزيز، وابنه عبد الله بن أشعث. قال الترمذي: الأشعث بن جابر جد نصر بن علي، جد نصر الجهضمي. وقال عبد الغني بن سعيد: أشعث بن جابر الحدَّاني البصري، وهو أشعث بن عبد الله البصري، وهو أشعث بن عبد الله بن جابر، وهو أشعث الأعمى، وهو أشعث الأزدي -لأن أشعث من قبائل الأزد-، وهو أشعث الجمل (¬2). روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (¬3). هذا حديث استغربه الترمذي وبيَّن وجه الغرابة، فقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، فأغنى عن الزيادة فيه، [وبين] (¬4) في كتاب "العلل" أنه سأل البخاري عنه فقال: إنّه لا يعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه (¬5)، ومع الغرابة فيحتمل أنَّ يكون من قسم الحسن لأن راويه أشعث الحدَّاني مستور (¬6) لم يطعن عليه بأكثر من أنَّ العقيلي قال فيه: بصري، في حديثه وهم. ¬

_ (¬1) عقب قوله معاذ بن معاذ توجد كلمتان مطموستان في "ت". (¬2) انظر "مشتبه النسبة" له ص (14 - 15) باب الجملي والحملي "تهذيب الكمال" (3/ 273). (¬3) وهو كما قال فقد رمز له الحافظ في "التقريب" ب ع وزاد: البخاري تعليقًا. (¬4) يقتضيها السياق وموضعها بياض في "ت" من مصورتي. (¬5) انظر "العلل الكبير" (1/ 104). (¬6) علق الناسخ للمخطوط ت في الهامش عندها (ل 61 / ب) قائلًا (قلت: ليس مستورًا فقد وثقه النسائي وغيره" كتاب "الضعفاء" للعقيلي (1/ 29).

18 - باب ما جاء في السواك

وقد روى نحوه من وجه اخر، وقد ذكرناه فهو حسنٌ غريبٌ الغرابة التي لا تُنافي الحُسن. والمستحمّ (¬1): هو الموضع الذي يغتسل فيه، وسُمّي مستحمًا باسم الحميم: وهو الماء الحار الذي يغتسل به، ثم قيل: للاغتسال بأي ماء كان استحمام. قال أهل (1) العلم: وإنّما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب منه البول، أو كان المكان صلبًا فيخيل إليه أنَّه أصابه شيء من رشاشه. فيحصل منه الوسواس. فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة، وقد أشار ابن المبارك إلى العلة بقوله: إذا جرى فيه الماء. والنهي عن الامتشاط كل يوم نهي تنزيه لا تحريم. 18 - باب ما جاء في السواك ثنا أبو كريب: ثنا عبده بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لولا أنَّ أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كُلِّ صلاةٍ". قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمدُ بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث. ¬

_ (¬1) على بعض الحروف بياض في مصورتي ت فهي لذلك غير واضحة وأثبتها لاقتضاء السياق لها.

وحديث أبي هريرة إنَّما صح لأنه قد روي من غير وجه. وأما محمد (¬1) فزعم أنَّ حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح. وفي الباب عن أبي بكر الصدّيق، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن خالد، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وأم حبيبة، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وتمام بن عباس، وعبد الله بن حنظلة، وأم سلمة، ووائلة، وأبي موسى. [حدثنا] (2) هنّاد: ثنا عبده بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لولا أنَّ أشق على أمَّتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخَّرت صلاة العشاءِ إلى ثلثِ الليلِ". [قال] (¬2): وكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد، وسواكه على أذنه موضعَ القلمِ من أدنِ الكاتبِ، لا يقوم إلى الصلاة إلا استنَّ، ثم ردَّه إلى موضعه. [قال أبو عيسى (¬3)]: هذا حديث حسن صحيح (¬4). * الكلام عليه: قد صحح الترمذيُّ كلا الحديثين. ¬

_ (¬1) قوله: محمد سقط من المتن وألحقه الناسخ في الهامش وصحَّحه. ومحمد هو ابن إسماعيل البخاري. (¬2) من "جامع الترمذي" وموضوعها بياض في مصورتي ت. (¬3) من "جامع الترمذي" و "قال" موضعها بياض في مصورتي ت. (¬4) "الجامع" (1/ 35) كتاب "الطهارة".

ونقل عن البخاري أنَّ حديث (¬1) زيد بن خالد أصحُّ، وفي إسناده محمد بن إسحاق. وفي حديث أبي هريرة محمد بن عمرو، وليسا بمحل الحجة عند البخاري، وليس في لفظه ما يشعر بصحّة حديثِ زيد بن خالد جزمًا. ومحمد بن عمرو هذا هو ابن علقمة بن وقاص بن محصن بن كلدة بن عبد ياليل بن طريف بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي المدني. سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، ونافعًا مولى ابن عمر، وسفيان بن أبي يزيد، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وخالد بن عبد الله بن حرملة، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي، وأبا عبد الله القرّاظ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وأباه عمرو بن علقمة بن وقاص، وأبا عبد الله الأغر، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعمر بن الحكم بن ثوبان، وسعيد بن الحارث الأنصاري. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، ويحيى القطان، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن هارون، والنضر بن شميل، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن بشير، وأبو أسامة، ومعاذ بن معاذ، وخالد بن عبد الله الواسطي، وسعيد بن عامر الضبعي، ووهيب بن خالد، وعباد بن عباد. قال يحيى القطان: هو رجل صالح (¬2). وقال يحيى بن معين: ثقة (¬3)، وهو أعلى من سهيل بن أبي صالح (¬4). ¬

_ (¬1) ألحقها ناسخ ت في الهامش وصحَّح هذا اللحق. (¬2) ولكلام يحيى القطان فيه تتمة وهي "ليس بأحفظ الناس للحديث" ذكر ذلك ابن عدي عنه في "الكامل" (6/ 224). (¬3) انظر كتاب من كلام يحيى بن معين في "الرجال" رواية ابن طهمان برقم (24). (¬4) هذا الكلام ظنه المؤلف ليحيى بن معين وإما هو ليحيى بن سعيد القطان انظر "علل الترمذي".

وروي عنه أنّه قال: محمد بن عجلان أوثق منه (¬1). وقال علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان: ليس هو ممن تريد (¬2). وقد سألت مالكًا عنه فقال: نحوًا مما قلت لك، وقال: يحيى بن سعيد، ومحمد بن عمرو أحبّ إلي من ابن حرملة (¬3). وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان، وسئل عن سهيل بن أبي صالح، ومحمد بن عمرو بن علقمة، فقال: محمد بن عمرو أعلى (¬4) منه (¬5). وقال ابن أبي خثيمة: سئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو فقال: ما زال الناسُ يتَّقون حديثه. قيل له: وما علّةُ ذلك؛ قال: كان محمد بن عمرو يُحدِّث مرةً عن أبي سلمة بالشيء [من] (¬6) رأيه، ثم يُحدث به مرةً أخرى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة (¬7)، وذكر إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنه سُئل عن محمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق أئهما تُقدّم؟ فقال: محمد بن عمرو (7). [وقال] (8) ابن أبي حاتم: سألت أبي عن محمد بن عمرو بن علقمة، فقال: صالح الحديث، يكتب حديثه، وهو شيخ. [وقال] (¬8) السعدي: ليس بقوي. ¬

_ (¬1) تاريخ يحيى بن معين برواية عباس الدوري (2/ 531 / برقم 1053). (¬2) انظر "علل الترمذي" (5/ 699) و "الجرح والتعديل" (8/ 31 / برقم 138). (¬3) انظر المصدرين السابقين. (¬4) من "علل الترمذي" و"الجرح والتعديل" وفي المخطوط ت: أعلم والصواب ما هو مثبت. (¬5) انظر المصدرين السابقين. (¬6) ساقطة من المخطوط ت ولكنها مثبته في "الجرح والتعديل" لذا أثبتها. (¬7) "الجرح والتعديل" (8/ 31). (¬8) يقتضيها السياق وموضعها بياض في مصورتي ت.

قال أبو الحسين يحيى بن علي القرشي الحافظ المصري: محمد بن عمرو بن علقمة؛ أخرج له البخاري استشهادًا، ومسلم في المتابعات، واحتجّ به أصحاب السنن أبو داود والترمذي، وصحَّحَ حديثه وغيرهما (¬1). وقال ابن عدي: وقد روى عنه مالك، غيرَ حديث في الموطَّأ، وأرجو أنّه لا بأس به (¬2). يكنى أبا عبد الله، وقيل: يكنى أبا الحسن. توفي سنة أربع وأربعين ومائة (¬3). وأما محمد بن إسحاق فقد أثنى عليه جماعة من السلف منهم: ابنُ شهاب، وشعبة، وكان يقول فيه: "أمير المؤمنين في الحديث" (¬4)، وابن عيينة (4)، وأبو زرعة (¬5)، وعلي بن المديني (¬6)، والشافعي (¬7)، وأبو معاوية: محمد بن خازم الضرير (¬8). وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري: قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، والحمادان، وابن ¬

_ (¬1) "الشجرة في أحوال الرجال" (ص 243 / برقم 249) والذي فيه: "ليس بقوي الحديث ويشتهى حديثه". (¬2) "الكامل" لابن عدي (6/ 225). (¬3) "تهذيب الكمال" (26/ 217) و"تهذيب التهذيب" (3/ 663). (¬4) "تاريخ الخطيب" (1/ 219). (¬5) "تاريخ الخطيب" (1/ 228). (¬6) في "تاريخ دمشق" (ص 537). (¬7) في "سؤالات ابن أبي شيبة" له (ص 89 / برقم 83). (¬8) "تاريخ بغداد" (1/ 219).

المبارك، وإبراهيم بن سعد. وروى عنه من الأكابر: يزيد بن أبي حبيب، وقد اختبره أهلُ الحديث فرأوا صدقًا وخيرًا، مع مدح ابن شهاب له. وقد ذاكرت دحيمًا قول مالك يعني فيه؛ فرأى: أنَّ ذلك ليس للحديث، إنّما هو لأمر آخر بالقدر (¬1). وممن أثنى عليه ابن إدريس (¬2)، ويزيد بن هارون (¬3)، وأحمد بن عبد الله العجلي: وثَّقه (¬4). وقال ابن معين: صدوق (¬5)، وقال: ليس به بأس (¬6)، وتكلم فيه آخرون. وقال أبو بكر الخطيب: قد احتجَّ بروايته في الأحكام قومٌ من أهلِ العلمِ، وصدف عنها آخرون (¬7). [وقال] (¬8) في موضع آخر: قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غيرُ واحد من العلماء، لأسباب منها إنَّه كان يتشيَّع، وينسب إلى القدر، ويُدلِّس، وأمَّا الصدق فليس بمدفوع عنه (¬9). وقال أبو الحسن بن القطان: الحديث الذي من أجله وقع الكلام في ابن ¬

_ (¬1) "تاريخ دمشق" ص (537 / برقم 1454). (¬2) "تاريخ بغداد" (1/ 225 - 226). (¬3) "تاريخ بغداد" (1/ 226). (¬4) في "معرفة الثقات" (2/ 232 / برقم 1571). (¬5) "تاريخ بغداد" (1/ 231). (¬6) "تاريخ بغداد" (1/ 232). (¬7) "تاريخ بغداد" (1/ 215). (¬8) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬9) "تاريخ بغداد" (1/ 224).

إسحاق من روايته، عن فاطمة، حتى قال هشام: إنّه كذابٌ، وتبعه في ذلك مالك، وتبعه يحيى بن سعيد، وتتابعوا بعدهم تقليدًا لهم حديث: "فلتقرضه ولتنضح ما لم تر ولتصلّ فيه". (¬1) قلت: وقد روينا من حديثه عنها غير ذلك، وقد أجاب عن ذلك الإمام أحمد، وابن المديني، وغيرهما (¬2) من أهل العلم، وقد استشهد به البخاري (¬3). وأخرج له مسلم متابعة (3)، وممَّن يُصحح حديثه الترمذي وأبو حاتم بن حبان. فأمَّا الترمذي: فإنه مع تصحيحه حديثه في بعض المواضع؛ ربما اقتصر في بعضها على تحسين حديثه، وربما سكت في بعضها فلم يحكم بشيء. فممَّا صحَّحَ فيه حديثه حديث هذا الباب. وحديث: المذي الذي يصيب الثوب (¬4). وحديث: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النبوة (¬5). ¬

_ (¬1) "بيان الوهم والإيهام" (4/ 225 / برقم 1725). (¬2) "تاريخ بغداد" (1/ 222 - 223). (¬3) "تهذيب الكمال " (24/ 429). (¬4) في "جامعه" في (كتاب الطهارة 1/ 197 - 198 / برقم 115) باب ما جاء في المذي يصيب الثوب وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) في "جامعه" كتاب المناقب 5/ 556 / برقم 3632) باب في آيات إثبات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قد خصّه الله عزَّ وجلَّ، وقال: هذا حديث حسن غريب كذا في نسخة دار الكتب العلمية، وفي "تحفة الأشراف" (12/ 82 / 16612): حسن صحيح غريب ولعل مراد ابن سيد الناس ما نقله المزي عن الترمذي في "تحفة الأشراف".

وحديث: يمين الله ملأى (¬1). وحديث: لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث (¬2). وحديث: لما توفي عبد الله بن أبيّ دُعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليه (¬3). وحديث: لا يحتكر إلا خاطئ (¬4). [وحسّن] (¬5) من أخباره: حديث النهي عن نتف الشيب (¬6). وقد كان يمكن أنَّ يقال: هذا الحديث من رواية ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. فلعل الذي قصر به عن التصحيح ذلك، لما في هذه النسخة من الاختلاف بين العلماء. لكن منع من ذلك أنّه صحح من هذه النسخة حديث "لا يحل سلف وبيع" وغيره، كما سنقف عليه في موضعه من ذلك في هذا الكتاب (¬7) إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في "جامعه" (كتاب التفسير 5/ 234 / برقم 3045) باب ومن سورة المائدة وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) في "جامعه" (كتاب التفسير 5/ 300 / برقم 3166) باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) في "جامعه" (كتاب التفسير 5/ 260 / 3097) باب ومن سورة التوبة وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬4) في "جامعه" (كتاب البيوع 3/ 567 / برقم 1267) باب ما جاء في الاحتكار وقال: وحديث معمر حديث حسن صحيح. (¬5) يقتضيها السياق وموضعها عليه بعض البياض مما جعلها غير مقروء. (¬6) في "جامعه" (كتاب الأدب 5/ 115 / برقم 2821) باب ما جاء في النهي عن نتف الشيب وقال: هذا حديث حسن. (¬7) في باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك من كتاب "البيوع" (3/ 535 / برقم 1234).

ومَّما حسن الترمذي من حديث ابن إسحاق؛ قدم زيد بن حارثة المدينة في [كتاب] (¬1) الاستئذان (¬2). وحديث: ما من مسلم يموت فَيُصلِّى عليه ثلاث صفوف من المسلمين ... (¬3) وممَّا سكت عنه وترك باب النظر فيه مفتوحًا لمن أراده؛ حديث "سأل عثمان قباث بن أشيم: أنت أكبر أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ (¬4) ... وسيأتي الكلام على الأحاديث التي حسَّنها أو سكت عنها من أحاديثه حديثًا حديثًا في مواضعها إن شاء الله تعالى. وإلى تحسين أخباره يذهب أبو الحسن بن القطان (¬5)، وهي أخلق بالتَّصْحيح إن شاء الله. وقد بسطت القول في ترجمته والاعتذار عن طعن الطاعنين عليه في كتابي المسمى "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير" (¬6). وأمَّا ترجيح البخاري حديث زيد على حديث أبي هريرة فلعلَّه من هذا الوجه ¬

_ (¬1) كذا في "الجامع للترمذي" وفي المخطوط ت باب وهو خطأ. (¬2) في "جامعه" (5/ 72 / 2732) باب ما جاء في المعانقة والقبلة وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) في "جامعه" (كتاب الجنائز 3/ 347 / برقم 1028) باب ما جاء في الصلاة على الجنائز والشفاعة للميت وقال: حديث حسن. (¬4) في "جامعه" (كتاب المناقب 5/ 550 / 3619) باب ما جاء في ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنَّ الترمذي لم يسكت عنه كما قال المؤلف بل قال فيه: حديث حسن غريب. وكذا نقل المزي عنه ذلك في "تحفة الأشراف" ولعلَّ ما قاله ابن سيد الناس يرجع إلى اختلاف النسخ والله أعلم. (¬5) انظر مثالًا على ذلك في "بيان الوهم والإيهام" (4/ 218 / برقم 1711) و (4/ 337 / برقم 1917). (¬6) (1/ 10 - 17).

لا مطلقًا فإنه أخرج في صحيحه حديث أبي هريرة (¬1)، ولم يُخرّج حديث زيد بن خالد. لكن من غير طريق محمد بن عمرو، وكذلك فعل مسلم أيضًا (¬2)، فقد يستفاد من ذلك ترجيح ابن إسحاق عنده على محمد بن عمرو، وإن كان لا يُصحَّح لواحد منهما وإلى ذلك يشير تصرف الترمذي فإنَّه لم يصحح (¬3) حديث أبي هريرة لترجيح محمد بن عمرو على محمد بن إسحاق، وإنما علل صِحّته بأنَّه روي من غير وجه، وغيرهما يخالفه في هذا الترجيح بين الرجلين كما حكيناه عن يحيى بن معين. وقال البيهقي في حديث زيد: قد رُفع آخرُ هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن جابر قال: "كان السُّواكُ من أذن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - موضعَ القلم من أُذن الكاتب (¬4) هذا". وطريق يحيى بن يمان وليس بالقوي عندهم (¬5). فأمَّا حديث أبي بكر فرواه أبو نعيم من حديث عيسى بن إبراهيم البركي: ثنا حمَّادُ بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السُّواك مطهرة للفمِّ، مرضاةٌ للرَّبِ" رواه عن فاروق الخطابي، عن أحمد بن محمد [القطان] (¬6)، عنه (¬7). ¬

_ (¬1) وذلك في كتاب "الجمعة" منه (1/ 303 / برقم 847) باب السواك يوم الجمعة. (¬2) وهو كما قال المؤلف فقد أخرج البخاري هذا الحديث في "صحيحه" كما تقدم في الفقرة السابقة، وكذلك فعل مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 220 / 42) ولكن من غير طريق محمد بن عمرو. (¬3) أي لم يرجِّح، وإلا فالترمذي قد تقدم عنه تصحيح الحديثين. (¬4) من تقديم محمد بن عمرو على محمد بن إسحاق. (¬5) انظر "السنن الكبرى" (1/ 37). (¬6) من ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (15/ 521) وفي المخطوط "ت": العطار وهو خطأ لا تقدم. (¬7) وكذا عزاه ابن الملقن في "البدر المنير" (3/ 69) ولعله في كتابه "السواك".

ذكر ابن أبي حاتم أنَّه سأل أباه وأبا زرعة عن حديث أبي بكر هذا؟ فقالا: خطأ إنما هو ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة (¬1). قال أبو زرعة: أخطأ فيه حمّاد، وقال أبي: الخطأ فيه من حماد، أو ابن أبي عتيق (1). وأمّا حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أنَّ أشقّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسواك عند كُلِّ صلاةٍ". رواه الإمام أحمد (¬2). حديث (آخر) لعليّ من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عنه قال: أمرنا بالسِّواك وقال: "إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو فلا يزال يسمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه". رواه البيهقي (¬3). ورواه أبو نعيم (¬4)، وفيه: "فطيِّبوا أفواهكم للقرآن" (¬5). وروى الطبراني: حديث ابن عباس وفيه: "يستاك بين كُلِّ ركعتين" (¬6). حديث ثان لابن عباس: روى زهير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتى رجلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتهما واحدة ¬

_ (¬1) انظر "العلل" (1/ 12 / برقم 6). (¬2) في "مسنده" (2/ 273/ برقم 968) وعلق ناسخ ت في الهامش (ل 63 / ب) قائلًا: قلت: إنما رواه عبد الله أحمد من زياداته لا أحمد نفسه كما أظن والله أعلم. قلت: بل رواه أحمد كما تقدم ورواه عبد الله في زياداته على أحمد كما قال الناسخ (2/ 43 / برقم 607). (¬3) في "السن الكبرى" (1/ 38). (¬4) علق الناسخ في هامش ت (ل 64 / ب) قائلًا: "قلت: وقد أخرجه البزار (603 - بحر) قبلهما (أي البيهقي وأبو نعيم) في مسنده وقال: لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد". (¬5) لم أقف عليه عند أبي نعيم وقد عزاه إليه ابن الملقن كما في "البدر المنير" (3/ 201). (¬6) لم أقف عليه في معاجمه وعزاه إلى الطبراني ابن دقيق العيد كما في "الإمام" (1/ 373) ولعل الشارح ينقل عنه.

فتكلم أحدهما فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فيه إخلافًا؛ فقال له: أما تستاك؟ قال: بلى، ولكنِّي لم أطعم من ثلاث فأمر رجلًا من أصحابه فآواه وقضى حاجته". رواه البيهقي من جهة النفيلي وعمرو بن خالد، عن زهير (1). وقال: أخلف فوه يخلف إخلافًا، كما يقال خلف يخلف خلوفًا (¬1). حديث ثالث لابن عباس: روى أبو نعيم من حديث علي بن غراب، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا يوم عيد جعله الله للناس، فمنْ جاء الجمعةَ فليغتسل وإن كان طيبًا فليمس منه، وعليك بالسواك". رواه عن محمد بن علي بن حبيش، عن أحمد بن الوليد بن إبراهيم الواسطي، عن عمار بن خالد عنه (¬2). قلت: رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب، عن ابن السباق مرسلًا (¬3). ورفعه أبو عمر من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أنس بن مالك (¬4)، والأول أصح. [وأما] (¬5) حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله يُصلِّي باللّيل ركعتين ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" (1/ 39). (¬2) وكذلك عزاه إليه ابن الملقن كما في "البدر النير" (3/ 199). (¬3) في كتاب "الطهارة" (1/ 65 / 113) باب ما جاء في السواك، وهو موصول عند ابن ماجه (1098) وحسنه الألباني. (¬4) "التمهيد" (11/ 208 - 213). (¬5) يقتضيها السياق وموضعها بياض في مصورتي ت.

ركعتين ثم ينصرف فيستاك". رواه ابن ماجه (¬1) والنسائي (¬2). وأما حديث عائشة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - انه قال: "فضل الصلاة بالسواك، على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفًا". أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، قال: ذكر الزهري (¬3)، كأنَّه لم يسمعه عنه. [وعن] (¬4) عائشة: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوضع له وضوءه وسواكه، فإذا قام من اللَّيل تخلَّى ثم استاك". رواه أبو داود (¬5). وعن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة قلت: بأيِّ شيء يبدأُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. رواه مسلم (¬6). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السِّواك مطهرة للفمّ، مرضاة للرب". أخرجه ابن حبّان في "صحيحه" (¬7)، والحاكم في "الستدرك"، ورواه الإمام أحمد (¬8) والنسائي (¬9). ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 106 / برقم 288) باب السواك. (¬2) في "الكبرى" (كتاب الصلاة 1/ 163 / برقم 405/ 9) باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر عباس في كيفية صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل. (¬3) في "مسنده" (6/ 272). (¬4) يقتضيها السياق وموضعها بياض في مصورتي ت. (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 47 / برقم 56) باب السواك لمن قام الليل. (¬6) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 220 / برقم 43) باب السواك. (¬7) انظر "الإحسان" (3/ 348 / 1067). (¬8) في "مسنده" (6/ 47 و 62 و 146 و 238). (¬9) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 17 / برقم 5) باب الترغيب في السواك.

وللإمام أحمد عن أبي بكر الصِّدِّيق، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثله (¬1)، وقد تقدم معزوًّا لرواية أبي نعيم الحافظ. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من خير خصال المرء السواك". رواه ابن ماجه من رواية مجالد (¬2). قال يحيى بن معين: لا يحتجُّ بحديثه (¬3)، وقال مرة: صالح (¬4). وعنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستنُّ وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السِّواك؛ أنَّ كبِّر أعطِ السواكَ أكبرهما". رواه أبو داود (¬5). وعنها قالت: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يستاك، فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به، فأستاك ثم أغسله، وأدفعه إليه". رواه أبو داود (¬6). وعنها قالت: "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري وفيه: ومرَّ عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فظننت أنَّ له بها حاجةً، فأخذتُها، فمضغتُ رأسها، ونفضتها ودفعتها إليه، فاستنُّ بها كأحسنِ ما كان مستنًا" الحديث رواه البخاري (¬7). وعنها قالت: "كنت أضع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة آنية مخمَّرة، إناءً لطهوره، ¬

_ (¬1) في "مسنده" (1/ 3 و 10). (¬2) في "سننه" (كتاب الصيام 1/ 536 / 1677) باب ما جاء في السواك والكحل للصائم. (¬3) في "تاريخه" (2/ 549/ برقم 3142). (¬4) كما في تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عنه ص (217 / برقم 811). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 43 / 50) باب في الرجل يستاك بسواك غيره. (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 44 / 52) باب غسل السواك. (¬7) في "صحيحه" (كتاب المغازي 4/ 1613 / برقم 4174) باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته.

وإناءً لسواكه، وإناءً لشرابه". رواه ابن ماجه (¬1). وعنها قالت: قال رسول الله: "- صلى الله عليه وسلم - عشر من الفطرة قصُّ الشاربِ، وإعفاءُ اللحيةِ، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظافرِ، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء". وقال مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء. رواه مسلم (¬2). وعنها قالت: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع شيئًا بعد الوتر إلا أن يستاك". رواه أبو نعيم. وعن عبد الله بن عباس أيضًا رضي الله عنه قال: "بتُّ عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ ليلةٍ، فقام نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل فنظر إلى السماء، ثم تلى هذه الآية في آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . .} حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، ثم رجع إلى البيت فتسوَّك وتوضَّأ، ثم قام فصلَّى ثم اضَّطجع، ثمَّ قام، فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوَّك، ثم قام فصلَّى". أخرجه البخاري (¬3) ومسلم (¬4). وأمَّا حديث حذيفة فعنه رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 129 / برقم 361) باب تغطية الإناء. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 223 / برقم 56) باب خصال الفطرة. (¬3) في "صحيحه" (كتاب التفسير 4/ 1665 - / 1666 برقم 4293) باب {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}. (¬4) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 221 / برقم 48) باب السواك.

الَّليل يشوص فاه بالسواك" أخرجه البخاري (¬1) ومسلم (¬2). وزيد بن خالد تقدَّم في الباب حديثه حديث أنس، فعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرت عليكم في السواك". رواه البخاري (¬3). [وعنه] (¬4) أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تجزئ من السواك الأصابع". رواه البيهقي (¬5). وذكره الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، بسنده له، وقال: هذا إسناد لا بأس به. وبإسناده عنه أيضًا: قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك بفضل وضوئه". رواه [الدارقطني] (¬6) (¬7). [أما] (¬8) حديث عبد الله بن عمرو، فرواه أبو نعيم من حديث إبراهيم بن سليمان بن هشام الإفريقي: ثنا أبي: ثنا معاوية بن صالح، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالسواك عند كُلِّ صلاة". رواه أحمد بن عبيد الله بن ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 96 / برقم 242) باب السواك. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 220 / برقم 46) باب السوك. (¬3) في "صحيحه" (كتاب الجمعة 1/ 303 / برقم 848) باب السواك يوم الجمعة. (¬4) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬5) في "السنن الكبرى" (1/ 40) باب الاستياك بالأصابع. (¬6) غير مقروءه في ت ويقتضيها السياق. (¬7) في "سننه" (1/ 40 / برقم 4) باب الوضوء بفضل السواك. (¬8) غير مقروءة في ت ويقتضيها السياق.

محمود، عن عبد الله بن وهب، عنه (¬1). وروى أبو نعيم من حديث الوليد، عن ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الرحمن بن عمرو. والصواب: عبد الله بن عمرو، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشقّ على أمَّتي لأمرتهم أن يستاكوا (¬2) بالأسحار". رواه عن علي بن هارون، عن جعفر الفريابي، عن صفوان بن صالح عنه. حديث أمّ [حبيبة] (¬3) فروى أبو نعيم (¬4) من حديث محمد بن حميد، ثنا سلمة بن الفضل: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن سالم بن عبد الله، عن أبي الجراح مولى أمِّ حبيبة، عن أُمِّ حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسواك عند كلِّ صلاةٍ". رواه عن جندب بن الحسن، عن أحمد بن عون، وعن محمد بن المظفر، عن القاسم بن يحيى قالا: ثنا محمد بن حميد، ولفظهما سواء (¬5). [وأما] حديث ابن عمر: فعنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أراني أتسوَّك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّر فدفعته إلى الأكبر منهما" رواه البخاري (¬6) ومسلم (¬7). ¬

_ (¬1) عزاه في "الدراك" (41) لأبي نعيم بلفظ الأسحار. (¬2) من مصادر تخريج الحديث لأن الكلمة عليها بعض البياض في المخطوط ت. (¬3) يقتضيها السياق وفي المخطوط "ت" أم جندبه. (¬4) علق ناسخ ت في هامشه نسخته (ل 65 / ا) قائلًا "قلت: الحديث في مسند أحمد وهذا لفظه فلا حاجة إلى عزوه إلى أبي نعيم وقد صرَّح ابن إسحاق في رواية أحمد بالتحديث". (¬5) يقتضيها السياق وفي المخطوط ت بياض موضعها. (¬6) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 96 / برقم 243) باب دفع السواك إلى الأكبر. (¬7) في "صحيحه" (كتاب الزهد 4/ 2298 / برقم 70) باب مناولة الأكبر.

إلا أنَّ البخاريَّ قال: وقال عفان: لم يذكر أنَّه حدَّثه به: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينام إلَّا والسِّواك [في] (¬1) يده، فإذا استيقظ بدأ بالسِّواك". أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -[قال:] (¬2) "عليكم بالسِّواك فإنه مطيبة للفمِّ، مرضاة للرب تبارك وتعالى" رواهما الإمام (¬3) أحمد وساق ... من طريق ابن لهيعة. [وأما] (¬4) حديث أبي أمامة: فروي من حديث بقية عن إسحاق بن مالك [الألهاني] (¬5). وحدثني يحيى بن الحارث الذماري، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السِّواك مطهرة للفمِّ مرضاة للربِّ عزَّ وجلَّ". وروى ابن ماجه حديث عثمان (¬6) بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مطوَّلًا (¬7) (8). وحديث (¬8) أبي أيوب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أربع من سنن المرسلين؛ الختان (¬9) والسواك والتعطر والنكاح". عند الترمذي، وقال فيه: حسن غريب وسيأتي (¬10). ¬

_ (¬1) من مصادر تخريج الحديث لأن الكلمة عليها بعض البياض في المخطوط ت. (¬2) موضعها بياض في ت. (¬3) في "مسنده" (7/ 108). (¬4) يقتضيها السياق وفي المخطوط ت بياض موضعها. (¬5) غير واضحة في ت: والألهاني. (¬6) من سنن ابن ماجه وفي المخطوط ت غير مقروءة لوجود بياض على بعض حروفها. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 106 / برقم 289) باب السواك. (¬8) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بعض البياض على حروفها في المخطوط ت. (¬9) علَّق الناسخ للمخطوط ت في الهامش (ل 65 / ب) قائلًا "لفظ الترمذي: الختان". (¬10) في باب ما جاء في فضل التزويج والحث عليه من "جامعه" في (كتاب النكاح 3/ 391 / برقم 1080).

[وأمَّا] (¬1) حديث تمام بن عباس فرواه الإمام أحمد عن تَّمام بن عباس رضي الله عنهما قال: أتوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -أو أتي فقال: "ما لي أراكم تأتوني قلحًا؛ استاكوا! لولا أن أشقَّ على أمَّتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء" (¬2). [وأما] (1) حديث عبد الله بن حنظلة فروى أبو داود (¬3) من حديث عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر؛ فلما شقَّ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُمر بالسواك عند كُلِّ صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث". ورواه أحمد (¬4). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (¬5)، وكذلك ابن حبَّان والحاكم في مستدركه (¬6)، وزعم أنّه على شرط مسلم. قال بعضه القشيري. وأما (¬7) حديث واثلة بن الأسقع (¬8) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ بالسواك ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بعض البياض على حروفها في المخطوط ت. (¬2) في "مسنده" (1/ 214)، وانظر "الصحيحة" (3067) حيث تراجع عن تصحيحه له في "الإرواء" (70). (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 41 / برقم 48) باب السواك. (¬4) (5/ 225). (¬5) (1/ 71 - 72 / برقم 138). (¬6) (1/ 156). (¬7) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بعض البياض على حروفها في المخطوط ت. (¬8) يوجد كلام في ت بالهامش مقابل قوله: واثلة بن الأسقع (ل 65 / ب) للناسخ ولكنه غير مقروء عدا قوله " .... حديث أم سلمة". قلت: لعله يقصد حديثها عند البيهقي (7/ 49): ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي. ونقل تحسينه عن البخاري، وكذلك حسنه السيوطي في "الدر" (1/ 277)، قال المنذري: إسناده ليّن، واستنكره الألباني في "ضعيف الترغيب" (146). قلت: وقد أشار لحديث أم سلمة المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 88).

حتى حسبت أن يكتب عليَّ". فرواه الإمام أحمد (¬1). وأما (¬2) حديث أبي موسى الأشعري قال: "أتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يستنُّ بسواك بيده يقول أُع أُع والسِّواك في فيه كأنه يتهوَّع" لفظ البخاري (¬3). ولفظ مسلم (¬4): "دخلت على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يستاك وطرف السواك على لسانه" حسب (¬5). وزاد فيه الإمام أحمد: "دخلت على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يستاك وهو واضع طرف السواك على لسانه يستنُّ إلى فوق، فوصف حمّاد كأنه يرفع سواكه. قال حماد: ووصفه لنا غيلان: قال: كأنَّه يستنّ طولًا (¬6). وفي الباب مما ليس عند الترمذي: عن عامر بن ربيعة وابن مسعود، وبهز، وربيعة بن أكثم بن سخبرة، وعمار بن ياسر، ومليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده، وجبير بن مطعم. وعن سعيد، وعامر بن واثلة، ووضين، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن جراد، وعبد الله بن عمرو بن طلحة، ورافع بن خديج، والعباس بن عبد المطلب، ¬

_ (¬1) في "مسنده" (3/ 490). قال الهيثمي (2/ 99): فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وقد عنعنه. قلت: وهو ضعيف، كما قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 99). (¬2) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بعض البياض على حروفها في المخطوط ت. (¬3) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 96 / برقم 241) باب السواك. (¬4) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 220 / برقم 45) باب السواك. (¬5) هذه الكلمة جاءت عقب لفظ مسلم ولا أدري ما المراد منها ولعله أراد أن مسلمًا لم يزد شيئًا على ما ذكره بخلاف الإمام أحمد فإنه زاد فيه ما قد ذكره. (¬6) "المسند" (4/ 417).

وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير، ومحرر، وأسامة، وأبي سعيد الخدري، وربيعة بن أكثم، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ومعاذ بن جبل، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وأبي حيوة الصباحي، وابن أبي ليلى عن أصحاب محمد. أما (¬1) حديث عامر بن ربيعة قال: رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوَّك وهو صائم. رواه الإمام أحمد (¬2) أبو داود (¬3) والترمذي وقال: حسن وسيأتي (¬4). وأما [حديث] ابن مسعود فرواه أبو يعلى الموصلي (¬5) من حديث زرّ عنه: "كنت أجتني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواكًا من أراك". ورواه الإمام أحمد بنحوه (¬6). [وأما] (1) حديث بهز وربيعة فإنَّ الحافظ ضياء الدين المقدسي روى من طريق الطبراني (¬7) ثنا يحيى بن عبد الباقي المصيصي، وإبراهيم بن متويه الأصبهاني قالا: ثنا يحيى بن عثمان الحمصي: ثنا اليمان بن عدي: ثنا ثبيت بن كثير البصري الضبي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن بهز قال: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يستاك عرضًا، ويشرب مصًّا، ويتنفس ثلاثًا، ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ". ثبيت: بضم الثاء المثلثة، وبعدها باء ثاني الحروف مفتوحة، وبعدها آخر الحروف ثم تاء مثناة. ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬2) قوله "الإمام أحمد" ألحقه الناسخ في ت بالهامش (ل 67 / أ). (¬3) في "سننه" (كتاب الصوم 2/ 768 / برقم 2364) باب السواك للصائم. (¬4) في (كتاب الصوم من "جامعه" 3/ 104 / برقم 725) باب ما جاء في السواك. (¬5) في "مسنده" (9/ 209 / برقم 531 و 5365). (¬6) في "مسنده" (7/ 98 / برقم 3991). (¬7) في "المعجم الكبير" (2/ 47 / برقم 1242).

قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد به (¬1). [وقال] (¬2) ابن عدي: ضعفه أحمد بن حنبل (¬3). ورواه أبو القاسم البغوي وقال: لا أعلم روى بهز غير هذا وهو منكر (¬4). وقال أبو عمر: ولم يرو عن بهز غير سعيد، ولم ينسبه، وإسناد حديثه ليس بالقائم (¬5). وأمَّا ربيعة بن أكثم، فإنَّ أبا عمر ذكره في "الاستيعاب"، وذكر له حديث "يستاك عرضًا ويشرب مصًّا" الحديث. وقال: روى عنه سعيد بن المسيب ولا يحتجُّ بحديثه هذا، لأنَّ من دون سعيد لا يوثق بهم لضعفهم، ولم يره سعيد، ولا أدرك زمانه لأنه ولد زمن عمر رضي الله عنه. انتهى (6). إنّما قال أبو عمر: ولم يدرك زمانه لأن ربيعة بن أكثم استشهد بخيبر (¬6). وأما حديث عمار بن ياسر ففي خصال الفطرة: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الفطرة أو الفطرة المضمضة والاستنشاق وقصُّ الشارب والسواك" الحديث. رواه ¬

_ (¬1) أي ثبيت بن كثير الضبي قال عنه ذلك في "المجروحين" (1/ 208). (¬2) يقتضيها السياق وموضعها بياض في المخطوط ت. (¬3) الذي في "الكامل" لابن عدي (7/ 182 / برقم 2091): وثبيت غير معروف، ولكن نقل عن ابن عدي هذا القول أيضًا ابن الملقن في "البدر المنير" (3/ 127) مما يؤكد ثبوته عن ابن عدي، ولعله سقط من المطبوع أو ذكره في موضع آخر وقد نقل الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" (2/ 633) تضعيف الإمام أحمد لثبيت فقال: وضعفه أحمد وابن حبان اهـ. وأما في "تهذيب التهذيب" (4/ 452) فنقل عن الإمام أحمد تضعيفه لليمان بن عدي الراوي عن ثبيت هذا الحديث. (¬4) في "معجم الصحابة" (1/ 51). (¬5) انظر "الاستيعاب" (1/ 267 / برقم 227). (¬6) (2/ 69 / برقم 756).

أحمد (¬1) وأبو داود (¬2) وابن ماجه (¬3). وأما حديث مليح بفتح الميم، وكسر اللام، ابن عبد الله الخطمي. فروى أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه"، من طريق ابن أبي فديك، عن عمر بن محمد الأسلمي، عن مليح بن عبد الله الخطمي، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر" رواه عن إسماعيل بن عبد الله بن خالد البكري عنه (¬4). وأما (¬5) حديث جبير بن مطعم فروى ثابت بن أبي ثابت السرقسطي في كتاب "الدلائل" له حدثنا موسى بن هارون: ثنا محمد بن الصباح: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يدردني". وذكر في تفسيره: أن مسقط الأسنان ومغارس الأسنان يقال لها الدردر، ويقال للشيخ ما بقي إلا دردره. وهذه الرواية التي ذكرها ثابت، قال أبو نعيم: رفعه أبو معشر، ثم أسنده من حديث محمد بن أبي عمرة. وقال: ثنا بشر بن السري، عن أبي معشر نجيح عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير عن أبيه به. رواه الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلال عنه. ¬

_ (¬1) في "مسنده" (4/ 264). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 45 - 46 / برقم 54) باب السواك في الفطرة. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 107/ برقم 294) باب الفطرة. (¬4) لم نجده في القسم المطبوع منه. (¬5) يقتضيها السياق وموضعها بياض في المخطوط ت.

وأبو معشر، وأبو الحويرث قد ضُعِّفا. وحديث سعيد وعامر بن واثلة، روى أبو نعيم من حديث سعيد وعامر بن واثلة، يرفعانه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: قال: "لقد أمرت بالسواك حتى خشيت على فمي". رواه عن القاضي أبي أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، عن علي بن الحسين العجلي، عن محمد بن طريف، عن محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد وعامر. وحديث الوضين رواه أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشّي في "سننه"، عن عبد العزيز بن الخطاب، عن مندل، عن أبي رجاء، عن وضين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طيبوا أفواهكم، فإنّ أفواهكم طريق القرآن". وأمَّا حديث سليمان بن صرد؛ فروى الطبراني في "معجمه الأوسط" (¬1) من حديث إسماعيل بن عمر البجلي: ثنا الحسن بن صالح، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن صرد جده. فروى البيهقي: من حديث عمر بن علي بن أبي بكر الكندي، عن علي بن ربيعة القرشي المدني، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن ربيعة بن أكثم قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك عرضًا، ويشرب مصًّا، ويقول: هو أهنأ وأبرأ (¬2) ". وقد تقدم عن أبي عمر الكلام على هذه الترجمة. ورواه هشام بن عمار عن مخيَّس بن تميم، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، كذلك نحوه. ¬

_ (¬1) (7/ 259 / برقم 7442). (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 40).

مخيس: بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة بعدها آخر الحروف مفتوحة، ثم سين مهملة. ذكره شيخنا أبو الفتح القشيري. وأما حديث معاذ بن جبل، فروى الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الرحمن بن الديلمي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعم السِّواك الزيتون، من شجرة مباركة، يُطيِّبُ الفمَّ ويذهب بالحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي". رواه عن أحمد بن علي الأبار عن معلل بن نفيل، عن محمد بن محصن، عنه. وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا ابن محصن (¬1). وأما حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأصابع تجري مجرى السواك إذا لم يكن سواك" فرواه أبو نعيم عن سليمان بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن عرس المصري، عن هارون الفروي: ثنا أبو غزية محمد بن موسى عنه (¬2). وأما حديث أبي خيرة الصباحي؛ فقال البخاري: قال خليفة: ثنا عون بن كهمس بن الحسن: ثنا داود بن مساور، عن مقاتل بن همام، عن أبي خيرة قال: كنت في الوفد الذين أتينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من عبد القيس، فزوَّدَنا الأراك وفي لفظ: "نستاك به"، وفي آخر فقال: "استاكوا بهذا" في حديث صباح بن لكيز بن أفصى، ابن عبد القيس. وفي غير عبد القيس أيضًا صباح ممن يُنسب إليه بضمِّ الصاد المهملة بعدها باء، ثاني الحروف، وحاء مهملة. ¬

_ (¬1) انظر "المعجم الاوسط" (1/ 220 / برقم 678)، وضعفه الألباني جدًّا. (¬2) انظر "المعجم الأوسط" (6/ 288 / 6437).

وأما حديث ابن أبي ليلى عن أصحاب محمد قالوا (¬1): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمَّتي لفرضت عليهم السواك كما فُرض عليهم الوضوء". رواه أبو نعيم عن إبراهيم بن عبد الله، عن السراج، عن قتيبة، عن جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن يسار الجهني عنه (¬2). السِّواك: بكسر السين؛ يُراد به الفعل، ويراد به العود الذي يُتَسْوَّكُ به، وهو مُذَّكر، وقيل: وتؤنثَّه العرب أيضًا. ويقال: من الفعل ساك فمه يسوك سوكًا، واستاك ولا يذكَّر ها هنا الفم. وقيل: إنَّ السواك مأخوذ من شاك، إذا دُلِك. وقيل: من جاءت الإبل تساوك، أي تمايل هزلًا وجمع السواك بمعنى العود سُوك ككتاب، وكتب بضمَّتين. وذكر صاحب "المحكم" أنه يجوز أيضًا سؤك بالهمز. والسواك سنة، ليس بواجب في حال من الأحوال. وفي هذه الأحاديث دليل على فضل السواك والترغيب فيه. ودليل على تيسير أمور الديانة، وفضل ذلك، وأنَّ ما شقَّ منها مكروه، قال ¬

_ (¬1) علَّق ناسخ ت بالهامش (ل 68 / أ) قائلًا: "قلت: حديث ابن أبي ليلى في مسند أحمد من هذا الوجه ... قال: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" وقد صرَّح الأعمش فيه بالسماع من عبد الله بن يسار. انظر "المسند" (5/ 410). (¬2) علَّق ناسخ ت بالهامش (ل 68 / أ) قائلًا: قلت: وفي الباب مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح عن زينب بنت جحش أخرجه أحمد في مسنده، بإسناد جيد من رواية أبي الجراح مولى أم حبيبة عنها عن زينب بنت جحش قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون".

الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬1). ولم يُخيَّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه (¬2). قال أبو عمر: وفضل السواك مجمع عليه لا اختلاف فيه، والصلاة عند الجميع بعد السواك أفضل منها قبله. قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: أدركت أهل العلم يحافظون على السواك مع وضوء الصبح والظهر، وكانوا يستحبونه مع كل وضوء، وكانوا أشدّ محافظة عليه عند هاتين الصلاتين. وقال الأوزاعي: السواك شطر الوضوء، وقال: وركعة على أثر سواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك. وقال يحيى بن معين: لا يصح حديث: (الصلاة بأثر السواك أفضل من الصلاة بغير سواك)، وهو باطل. وقال الشافعي: أحب السواك للصلاة عند كل حال تغير فيه الفم نحو الاستيقاظ من النوم، والأزم، وكل ما يغيِّر الفم، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". ¬

_ (¬1) آية (185) من سورة البقرة. (¬2) هذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" في (كتاب المناقب 3/ 1306 / برقم 3367) باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في (كتاب الأدب 5/ 2269 / برقم 5775) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسروا ولا تعسروا"، ومسلم في (كتاب الفضائل من "صحيحه" 4/ 1813 / 77) باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام واختياره من المباح أسهله.

قال الشافعي: "ولو كان واجبًا لأمرهم بهم شَقَّ أو لم يشقّ" (¬1)، وقد حكي عن داود الظاهري وعن إسحاق بن راهويه وجوبه (¬2)، وكأنَّ ذلك لم يثبت عنهما (¬3). وهو مستحبٌّ عند مالك رحمه الله. وتتأكد طلبية السواك في خمسة أوقات: * أحدها: عند إرادة الصلاة سواء كان متطهرًا بماء أو بتراب، أو غير متطهَّر، كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا. * الثاني: عند الوضوء. * الثالث: عند قراءة القرآن. * الرابع: عند الاستيقاظ من النوم. * الخامس: عند تغيّر الفم، وتغيُّره إما بترك الأكل، أو بأكل ما له رائحة كريهة، أو غير ذلك. وقد تقدَّمت الأحاديث نصًّا في كلِّ من هذه الخمسة. ¬

_ (¬1) انظر "التمهيد" لابن عبد البر (7/ 200 - 201). (¬2) انظر "فتح الباري" (2/ 436) ولكن القول بأنه سنة أقوى كما قال الناسخ للمخطوط ت (ل 69 / ب) والقول بأنه سنة أقوى ... باب النوم وما تضمنت الأحاديث من الحض. (¬3) بل هو على اليقين أنه لم يثبت عنهما فقد نفى جماعةٌ من أهل العلم صحته وثبوته عنهما قال النووي في "المجموع" (1/ 271) وهذا النقل عن إسحاق غير معروف ولا يصح عنه وقال القاضي أبو الطيب والعبدري: غلط الشيخ أبو حامد في حكايته وجوبه عن داود بل مذهب داود أنه سنة .... قلت: بل هذا مذهب الظاهرية عمومًا فإن ابن حزم قال به أيضًا في "المحلى" (2/ 218 / برقم 270).

أمَّا استحبابه مطلقًا؛ فلحديث عائشة وأنس وغيرهما، مما في معناها: "السِّواك مطهرةٌ للفمِّ، مرضاةٌ للرَّب". فلم يخصَّ وقتًا دون وقت، ولا حالة دون أخرى. وأمَّا عند الصَّلاة؛ فلحديثي الباب، وما في معناهما. وأما (¬1) عند الوضوء؛ فلحديث مالك عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: "لولا أن يَشقَّ على أمَّته لأمرهم بالسِّواك عند كُلِّ وضوء." (¬2). قال أبو عمر: هذا يدخل في المسند لاتصاله من غير ما وجه كما يدلَّ عليه اللفظ (¬3). قلت: وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله من غير ما وجه، من حديث حميد وغيره، رواه كذلك الدارقطني (¬4)، وابن خزيمة (¬5)، وغيرهما (¬6). [وأما] (¬7) عند قراءة القرآن؛ فلما ذكرنا من حديث عليٍّ، ومن حديث وضين أيضًا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طيِّبوا أفواهكم فإنّ أفواهكم طريق القرآن". وأما عند الاستيقاظ من النوم؛ فلحديث حذيفة وغيره. ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬2) "الموطأ" (كتاب الطهارة 1/ 66 / برقم 115) باب ما جاء في السواك. (¬3) "التمهيد" لابن عبد البر (7/ 194) والعبارة فيها بمعناه لا باللفظ الذي نقله ابن سيد الناس ولعله مذكور بلفظه في موطن آخر. (¬4) في كِتَاب "النزول" ص (123 / برقم 39 - 40 - 43 - 44 - 47). (¬5) في "صحيحه" (/ 1/ 73 برقم 140). (¬6) كالنسائي في "الكبرى" (2/ 196 - 197) والإمام أحمد في "مسنده". (¬7) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت.

وأمَّا عند تغيّر الفم؛ فلحديث ابن عباس: "أتى رجلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" الحديث. وفيما سقناه من الأحاديث: استحباب السِّواك بين كُلِّ ركعتين من صلاة الليل. واستحبابُ السِّواك يوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وعند الأكل، وبالأسحار، ولإزالة القلح، وفي الصيام. والاستياك عرضًا، والاستياك بالآله من قضبان الأشجار وغيرها، والاستياك بالإصبع. وقال أصحابنا: إن كان الإصبع لينة لم يحصل بها السواك، وإن كانت خشنة؛ ففيه ثلاثة أقوال: * المشهور لا يجزئ. * والثاني: يجزئ. * والثالث: يجزئ إن لم يجد غيرها، ولا يجزئ إن يجد (¬1). والأولى في ذلك عندهم الأراك [لحديث] (¬2) أبي خيرة الصباحي، وقد تقدم في الزيتون حديث. قال أبو عمر: السِّواك المندوب إليه هو المعروف عند العرب، وفي عصر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك الأراك والبشام، وكُلُّ ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون، ما ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز شرح الوجيز" للرافعي (1/ 371) مع المجموع. (¬2) في المخطوط ت: بحديث والصحيح: لحديث كما هو مثبت لاقتضاء السياق له.

خلا الريحان والقصب فإنهما يكرهان (¬1). وقد كره جماعة من أهل العلم السِّواك الذي يُغيِّر الفم، ويصبغه لما فيه من التشبُّه بزينة النساء (¬2). واستضعفه ابن العربي وزعم أنَّه لا يكره فيه، وقاسه على الكحل (¬3). وما قاله أبو عمر أولى. ويُذكر عن أصحاب أبي حنيفة كراهة السواك عند القيام إلى الصلاة، ويرون أنَّ محلَّه عند إرادة الوضوء لا بالصلاة، لأنَّه أشبه به؛ لاشتراكهما في إزالة الأوساخ ورفع الأدران (¬4). وحجة من خالفهم قولُه - عليه السلام -: "لأمرتهم بالسواك عند كُلِّ صلاة" (¬5). وقد يمكن من انتحل مذهبهم أن يحمل الصلاة في الحديث على صلاة المتيمم، أو من لم يجد ماءً ولا ترابًا، حتى لا يخلو المصلي عن سواك إن لم يكن عند الوضوء فعند الصلاة. وتأوَّل بعضُ أهلِ العلمِ في حديث حذيفة يشوص فاه بالسِّواك: إنه يدلكَ أسنانه بإصبعه، ويجزئ ذلك من السِّواكِ (¬6). وفيه أنَّ الأمرَ للوجوب مستفاد من قوله - عليه السلام -: "لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم". ¬

_ (¬1) "التمهيد" لابن عبد البر (7/ 201 - 202). (¬2) المصدر السابق. (¬3) "عارضة الأحوذي" (1/ 37). (¬4) "فتح القدير" لابن الهمام (1/ 25). (¬5) سبق. (¬6) قاله أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد" (7/ 202).

"ولولا" تدلُّ على انتفاء الشيء لوجود غيره، فيدلُّ على انتفاء الأمر لوجود المشقَّة، والمنتفي لوجود المشقة إنَّما هو الوجوب لا الاستحباب، فإنَّ الاستحباب ثابت غيرُ منتفٍ. وقال بعض أهل العلم: يحتاج في تمام ذلك إلى أن يكون السواك مستحبًا حالة قوله - عليه السلام - "لولا أن أشق" واستحباب السواك معلل عندهم. إمَّا بأن المتوجه إلى الله تعالى ينبغي أن يكون على أجمل الأحوال وأكملها. وإما بأن الملك يتلقى القراءة من فيه كما سبق فينبغي أن يحول بالسواك بينه وبين ما يؤذيه من الرائحة المتغيرة التي يزيل السواك تغيرها. وفيه أن المندوب ليس مأمورًا به. وفيه خلاف بين أهل العلم لثبوت الندب وانتفاء الأمر. وفيه ما سبقت الإشارة إليه من اتحاد زمنهما. وفي الحديث أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - له أن يحكم بالاجتهاد، ولا يتوقَّفُ حكمُه على النَّص، فإنَّه جعل ثبوت المشقة سببًا لعدم أمره - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الحكم موقوفًا على النصَّ؛ لكان سببُ انتفاءِ أمرهِ - صلى الله عليه وسلم - عدمَ ورود النَّص به إلى وجود المشقَّة، وإليه ذهب الأكثرون (¬1). وفيه ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليه من الرفق بأمته. وفيه استحباب السِّواك عند القيام لكلِّ صلاةٍ، ويدخل في ذلك الصلاتان الواقعتان بعد الزوال للصائم، ومن يخالف في ذلك يحتاج إلى دليل يخصُّ به العمومَ، وهو حديثُ "خلوفُ فمِ الصائمِ" وفيه بحت يأتي. ¬

_ (¬1) انظر "الاستذكار" (2/ 77).

والتهجد الخروج من النوم وهو الهجود بالصلاة، كما يقال: تأثَّم خرج من الإثم، وتحنّث خرج عن الحنث، وما أشبه ذلك. والشوص: بالشين المعجمة المفتوحة، والصاد المهملة؛ دلك الأسنان بالسواك عرضًا، قاله غير واحد (¬1). وقيل: الغسل؛ قاله الهروي (¬2) وغيره (¬3). وقيل: التنقية، قاله أبو عبيد (¬4) والداودي (¬5). وقيل: هو الحك؛ قاله أبو عمر وقد سبق (¬6). * * * ¬

_ (¬1) منهم إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" والخطابي في "معالم السنن" (1/ 43). (¬2) في "غريب الحديث" (1/ 261). (¬3) كالخطابي في "معالم السنن" (1/ 43) والحربي في "غريب الحديث" (2/ 362). (¬4) في "غريب الحديث" (1/ 262). (¬5) نقل عنه أيضًا هذا القاضي. (¬6) الذي سبق عن أبي عمر أنه نقل عن بعض أهل العلم "أن الشوص دلك الأسنان بالأصبع، والدلك بمعنى الحك. قال النووي في شرحه على مسلم (3/ 145): وقيل هو الحك قاله أبو عمر بن عبد البر تأول بعضهم أنه بأصبعه". اهـ. قلت: والذي صرح بالحك ابن حبيب فيما حكاه عنه القاضي عياض في "إكماله" (2/ 59).

19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده".

19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده". [قال] (¬1): وفي الباب عن ابن عمر، وجابر، وعائشة. قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الشافعي: وأُحِبُّ لكل من استيقظ من النوم قائلةً كانت أو غيرها أن لا يُدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة. وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجبُ إليَّ أن يهريق الماء. وقال إسحاق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها (¬2). ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬2) "الجامع" (1/ 36 - 37).

* الكلام عليه: حديث الباب أخرجه البخاري (¬1) ومسلم (¬2). وفي رواية: "إذا كان أحدكم نائمًا ثم استيقظ فأراد الوضوء؛ فلا يضع يده في الإناء حتى يصبَّ على يده، فإنَّه لا يدري أين باتت". ورواه ابن ماجه أيضًا (¬3). وحديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإنّه لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها". رواه ابن ماجه أيضًا (¬4). وحديث عائشة) (¬5) [(¬6) فيسمِّي الله ثم يفرغ الماء على يديه] (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 72 / برقم 160) باب الاستجمار وترًا. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 233 / برقم 87) باب كراهية مس المتوضيء وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة (1/ 138 / برقم 393) باب الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 139 / برقم 394) الباب السابق. (¬5) لم يذكر الناسخ حديث جابر فعلّق عليه مالك هذه النسخة أحمد بن العجمي قائلًا: "قلت: سقط على الناسخ تخريج حديث جابر فإنه أيضًا قد أخرجه ابن ماجه وهذا اللفظ الذي ذكره لحديث ابن عمر هو لفظ حديث جابر في ... والله تعالى أعلم". (¬6) ما بين المعكوفتين ألحقه الناسخ للمخطوط "ت" بالهامش وصحَّح هذا اللحق بوضع علامة "صح" في آخره. (¬7) ذكر حديث عائشة هذا ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 62 / 162).

وفي الباب مما ليس عند الترمذي حديث الحارث، عن عليٍّ أنَّه: "دعا بماء فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم قال: هكذا رأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصنع". رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عنه (¬1). فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وهو نهي تنزيه لا تحريم عند الجمهور، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء، ولم يأثم الغامس (¬2). وحكي عن الحسن البصري أنَّه ينجس إن كان قام من نوم الليل. وحكي ذلك عن إسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري (¬3) وهو ضعيف؛ فإنَّ الأصل في الماء واليد الطهارة. وروي عن الحسن إعادة الوضوء والصلاة على من لم يغسل يده ثلاثًا قبل أن يدخلها في الوضوء (¬4)، وبه يقول داود الظاهري (¬5). وذكر ابن عدي من حديث معلّى بن الفضل: ثنا الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، ثم ليتوضأ، فإن غمس يده في الإناء من قبل أن ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 139 / برقم 396) باب الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (¬2) انظر "فتح الباري" لابن حجر (1/ 317). (¬3) انظر "فتح الباري" (1/ 317). (¬4) انظر "المحلى" (1/ 210). (¬5) المصدر السابق.

يغسلها، فليهريق ذلك الماء. أنكر ابن عدي على معلّى زيادة: فليهريق ذلك الماء. قال: ولمعلّى غير ما ذكرت، وفي بعض ما يرويه نكرة (¬1). وفي الحديث أيضًا رواية الحمسن عن أبي هريرة، وهو منقطع عند أكثرهم (¬2). وقال (¬3) غيره حتى يغسل يديه ثلاث مرات، ويستنشق ويستنثر ثلاثًا ثلاثًا، فإن لم يفعل لم يجزءه الوضوء، ولا تلك الصلاة، لما روى البخاري (¬4) ومسلم (¬5) في صحيحيهما، من حديث عيسى بن طلحة عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإنَّ الشيطان يبيت على خيشومه". وفي لفظ: "فليستنشق ثلاثًا". وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أحقٌّ عليَّ أن أستنشق؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: ثلاثًا. قلت: عمَّن؟ قال: عن عثمان. قال عبد الرزاق: ثنا معمر، عن قتادة، عن معبد الجهني قال في المضمضة والاستنشاق: إن كان جنبًا فثلاثًا، وإن كان جاء من الغائط فاثنتين، وإن كان جاء من البول فواحدة. ¬

_ (¬1) في "الكامل" (6/ 374 / رقم 1857). (¬2) انظر "جامع التحصيل" ص (164). (¬3) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬4) في كتاب "بدء الخلق" (3/ 1199 / برقم 3121) باب صفة إبليس وجنوده. (¬5) (كتاب الطهارة 1/ 213 / برقم 238) باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار.

وقد خصَّ الإمامُ أحمدُ (¬1)، وبعضُ أهلِ الظاهرِ (¬2) التَّحريم في ذلك بنوم الليل دون النهار، أخذًا لذلك من لفظ البيات. [وقد] (¬3) روى أبو داود (¬4) في هذا الحديث: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل" كما ذكرناه من طريق الترمذي. والذي ذهب إليه مالك (¬5) والشافعي (¬6) وغيرهما (¬7) أنّ الأمر بهذا الغسل محمول على اليدين للمتوضئ سواء قام من نوم ليل أو نهار، أو قام لا من نوم. إلَّا أنَّ أصحابنا (¬8) فرقوا في ذلك بين المستيقظ من النوم وغيره تفرقة يأتي ذكرها. قالوا: وإنَّما قلنا إنَّ الأمر بذلك محمول على الندب، لا على الوجوب لأمرين: أحدهما: ما جاء (¬9) في الحديث (¬10) من قوله - عليه السلام - للأعرابي: ¬

_ (¬1) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (9) برقم 18. (¬2) حكى ابن حزم عن داود وأصحاب الظاهر وجوب غسل اليدين ثلاثًا قبل إدخالها في الإناء مطلقًا سواء كان في نوم الليل أو غيره وقرر ذلك كله في "المحلى" (1/ 106 - 207 مسئلة برقم / 149) وهذا خلاف ما ذكره ابن سيد الناس عن بعض أهل الظاهر. فالله أعلم. (¬3) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 76 / 103) باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (¬5) انظر "الاستذكار" (1/ 193). (¬6) انظر "الأم" للربيع (1/ 20). (¬7) حكاه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 372 - 373) عن طائفة من أهل العلم. (¬8) وهم الشافعية انظر مذهب الشارح في المقدمة. (¬9) ألحقها الناسخ في هامش ت وصحَّح اللحق. (¬10) الذي رواه أبو داود في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 537 / برقم 857 و 858) باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، والترمذي في "الجامع" (كتاب الصلاة 2/ 100 / برقم 302) =

"توضَّأْ كما أمرك الله" فأحاله على الآية، وليس فيها غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء. الثاني: أنَّ الأمر وإن كان ظاهره الوجوب، إلا أنَّه انصرف عن الظاهر بقرينة ودليل؛ القرينة ها هنا قائمة في صرفه عن الوجوب لأنَّه - عليه السلام - علَّلَ بأمرٍ يقتضي الشك، وهو قوله: "فإنَّه لا يدري أين باتت يدُه". والقواعد تقتضي أنَّ الشكَ لا يقتضي وجوبًا في الحكم إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجودًا (¬1). والأصل الطهارة في اليد فليستصحب، واعتبار هذه العلَّة ظاهر خلافًا لمن قال من الظاهرية (¬2) وغيرهم (¬3) أنَّ الأمر بذلك للتعبد فهذه علَّة نص [الشارع] عليها. غير أن المعلِّلين بها اختلفوا هل ذلك [للنظافة] (¬4)، أو خشية النجاسة، كما أشار إليه القاضي أبو بكر بن العربي (¬5). فالذين علَّلوا بتوقع النجاسة قالوا: إنَّهم كانوا يستنجون بالأحجار غالبًا ومعلوم أنها لا تستوعب الإنقاء؛ فربما وقعت اليد على المحل في حالة العرق فتنجست، فإذا وضعت في الماء نجّسته، لأن الماء المذكور في الحديث هو ما يكون في الأواني التي ¬

_ = باب ما جاء في وصف الصلاة، والنسائي في سننه كتاب "الأذان" (2/ 349 / برقم 666) باب الإقامة لمن يصلي وحده. وابن ماجه كتاب "الطهارة" (1561 / برقم 460) باب ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى. (¬1) انظر "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 110 - 111 مع حاشية الصنعاني). (¬2) كابن حزم في "المحلى" (1/ 207). (¬3) كمالك انظر "فتح الباري" (1/ 318). (¬4) يقتضيها السياق وفي المخطوط ت تصحفت فجاءت فيه للنضافة. (¬5) بل صرح بذلك في "عارضة الأحوذي" (1/ 38) ولعله أشار إلى ذلك في موضع أو كتاب آخر.

يتوضّأ منها، والغالب عليها القلّة، وقد لا يخلو الإنسان من حك بثرة في جسمه أو ما أشبه ذلك، فيعلق دمه بيده، فاستحبّوا غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوضوء مطلقًا، سواء قام من النوم أو لا، ولهم فيه مأخذان: * أحدهما: أنَّ ذلك وارد في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تعرض لسبق نوم. * الثاني: أن المعنى الذي عُلِّل به النوم وهو جولان اليد في الجسد؛ هو موجود في حالة اليقظة أيضًا فيعمّ الحكم لوجود علته. وإنّما ذُكر الليل لكونه الغالب، وذكر العلّة لينبه على أنّه ليس مخصوصًا باللَّيل، إلَّا أنَّ الأصحاب رحمهم الله تعالى فرّقوا بين حالة المستيقظ من النوم، وغير المستيقظ وهي التفرقة التي تقدَّمت الإشارة إليها. فقالوا في المستيقظ من النوم: * يكره أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثًا. وفي غير المستيقظ من النوم يستحبُ له غسلها قبل إدخالها في الإناء على أظهر الوجهين. * والثاني: يكره الغمس قبل الغسل كالأول. والفرق بين قولنا يستحبّ فعل كذا وقولنا يكره تركه ظاهر. فلا تلازم بينهما، إذ قد يكون الشيء مستحب الفعل، ولا يكون مكروه الترك؛ كصلاة الضحى مثلًا، وكصوم يوم الاثنين والخميس. فغسلهما لغير المستيقظ من النوم قبل إدخالهما الإناء من المستحبّات، وترك غسلهما للمستيقظ من المكروهات. فقد وردت صيغة النهي عن إدخالهما في الإناء قبل الغسل في حق المستيقظ من النوم، وأقل ما يقتضيه الكراهة.

وإذا كان الماء في إناء كبير، أو صخرة بحيث لا يمكن الصّب منه، وليس معه إناء صغير يغترف به، فطريقه أن يأخذ الماء بفيه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذه بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره. قال الشيخ محيي الدين: وفي هذا الحديث دلالة لمسائل كثيرة في مذهبنا ومذهب الجمهور؛ [منها] (¬1): أنَّ الماء القليل إذا وردت عليه نجاسةٌ نجسَّته، وإنْ قلَّت ولم تغيِّره فإنَّها تنجِّسه لأنّ الذي تعلَّق باليد ولا يرى قليل جدًّا، وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلَّتين بل لا تقاربهما (¬2). قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري: "وفيه نظر عندي لأن مقتضى الحديث: إنَّ ورود النجاسة على الماء يؤثّر فيه، ومطلق التأثير أعمُّ من التأثير بالتَّنْجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعمَّ ثبوت الأخصِّ المُعيَّن، فإذا سلَّم الخصمُ أنَّ الماء القليل بوقوع النجاسة فيه يكون مكروهًا. فقد ثبت مطلق التأثير، ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجيس" (¬3). قال: ومنها: "الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورودها عليه، فإنَّها إذا وردت عليه نجّسته، وإذا ورد عليها أزالها" انتهى كلامه (¬4). [وتقريره] (¬5) أنَّه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة، ¬

_ (¬1) موضعها بياض في المخطوط ت وأثبتها من شرح النووي على مسلم (3/ 516). (¬2) في شرحه على مسلم (3/ 179). (¬3) في شرحه "لعمدة الأحكام" (1/ 117 - 118) مع حاشية الصنعاني. (¬4) أي كلام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3/ 179). (¬5) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة في المخطوط ت لوجود بياض على بعض حروفها.

وذلك يقتضي أنَّ ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، وأمر بغسلهما بإفراغ الماء عليهما للتطهير، وذلك يقتضي أنَّ ملاقاتهما الماء على هذا الوجه غير مفسد له، بمجرَّد الملاقاة، وإلَّا لما حصل المقصود من التطهير. قال: "ومنها: أنَّ الغسل سبعًا ليس عامًّا في جميع النجاسات، وإنّما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة. ومنها: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار، بل يبقى نجسًا معفوًّا عنه في حين الصلاة. ومنها: استحباب غسل النجاسة ثلاثًا. ومنها: استحباب الغسل ثلاثًا في المتوهمة. ومنها: أنَّ النجاسة المتوهَّمة يستحبُّ فيها الغسلُ، ولا يُؤثِّر الرش لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: حتى يغسلها، ولم يقل حتى يغسلها أو يرشَّها. ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حدِّ الوسوسة. ومنها: استحباب استعمال الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به، فإنَّه - عليه السلام - قال: "لا يدري أين باتت يده"، ولم يقل: فلعلَّ يده وقعت على دبره، أو ذكره، أو نجاسة ونحو ذلك. وإن كان هذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا عُلم أنَّ السامع يفهم بالكناية. المقصود: فإن لم يكن كذلك، فلا بدّ من التصريح لينتف اللبس والوقوع في

الخلاف للمطلوب. وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مُصرَّحًا به" (¬1). وروى هذا الحديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنّه لا يدري أين باتت يده" أخرجه البخاري من حديث مالك (¬2). قال أبو عمر: لم يختلف الرواة عن مالك في حديث أبي الزناد هذا (¬3). وفيه شيئان: * أحدهما: صيغة الأمر في قوله فليغسل. " والثاني: ترك العدد. [قلت] (¬4): وقد روي بصيغة النهي فلا يدخل يده في الإناء كما ذكرناه، وبصيغة العدد من غير وجه. فأمّا ما ورد فيه الغسل مطلقًا، وما ورد فيه مقيّدًا بالعدد فيحمل مطلق ذلك على مقيّده. * * * ¬

_ (¬1) انظر "شرح مسلم" للنووي (3/ 179 - 180). (¬2) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 172 / برقم 160) باب الاستجمار وترًا. (¬3) في "التمهيد" (18/ 227). (¬4) يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بياض على بعض حروفها.

20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء حدثنا نصر بن علي وبشر بن معاذ العقدي قالا: ثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المرّي، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قال: وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وسهيل (¬1) بن سعد، وأنس. قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد. وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامدًا أعاد الوضوء؛ فإن كان ناسيًا أو متأوِّلًا أجزأه. قال محمد: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن. قال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن، عن جدته، عن أبيها، وأبوها (¬2): سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وأبو ثفال المرّي: اسمه ثمامة بن حصين، ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب منهم من روى هذا الحديث فقال: عن أبي بكر بن حويطب، فنسبه إلى جده (¬3). * الكلام عليه: قال الشيخ أبو الحسن الدارقطني: وقد سئل عن حديث الباب (¬4) هذا فقال: يرويه أبو ثُفال المرّي (¬5). ¬

_ (¬1) في س سهل، وهو الصواب، كما سيأتي. (¬2) من س وفي ت غِر واضحة لوجود بعض البياض عليها. (¬3) "الجامع" (1/ 37 / 39). (¬4) في المخطوط س "وقد سُئل عن هذا الباب" وهو خطأ يرده السياق. (¬5) "علل" الدارقطني (4/ 433).

وأبو علي ضبطه بضمِّ الثاء المثلثة وبعدها فاء. المرّي: بالراء المهملة. [واختلف] (¬1) عنه: فرواه عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن أبي ثفال واختلف عنه. وقال وهيب وبشر بن المفضل وابن أبي فديك وسليمان بن بلال، عن [أبي] (¬2) حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدّته، عن أبيها، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وأبوها: هو سعيد بن زيد (¬3)، وخالفهم حفص بن ميسرة، وأبو معشر: نجيح وإسحاق بن حازم. فرووه عن [أبي] (2) حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح، عن جدته أنها: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكروا أباها في الإسناد. ورواه يزيد بن عياض بن جعد به، والحسن بن أبي جعفر الجفري، وعبد الله بن جعفر بن نجيح المديني، عن أبي ثفال، عن رباح، عن جدته، عن أبيها سعيد، كقول وهيب ومن تابعه، عن [أبي] (2) حرملة. ورواه الدراوردي، عن أبي ثفال، عن رباح، عن ابن ثوبان مرسلًا، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ورواه حمّاد بن سلمة، عن صدقة مولى آل (¬4) الزبير، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بن حويطب مرسلًا، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "علل" الدارقطني ومن س. (¬2) من "علل" الدارقطني ومن س وهو الصواب وفي ت: ابن وما فيها خطأ. (¬3) في المخطوط س "زيه" وهو تحريف بيِّن. (¬4) ساقطة من س.

والصحيح قول وهيب وبشر بن المفضل، ومن تابعهما (¬1). وذكر أبو الحسن بن القطان (¬2)، وقال: عن عبد الحق حين أخرج هذا الحديث من طريق الترمذي. وذكر كلامه عليه كما سقناه: "فإن كان اعتمد قول أحمد فقد بقي عليه أن يبيّن علّته، وذلك هو الذي قصدت بيانه لتكمل الفائدة، وإن كان اعتمد قول البخاري فقد توهَّم أنَّه حسن، وليس كذلك، وما هو إلا ضعيف جدًّا، وإنَّما معنى (¬3) كلام البخاري أنَّه أحسن ما في الباب على علاته. وعلَّل ابنُ القطان الحديث بأنْ قال: "في إسناده ثلاثة مجاهيل الأحوال: * أوَّلهم: جدَّةُ رباح فإنَّها لا تُعرف بغير هذا، ولا يُعرف لها اسم ولا حال، وغاية ما تعرفنا بهذا أنها ابنة لسعيد بن زيد. * والثاني: رباح المذكور فإنَّه مجهول الحال كذلك. ولم (¬4) يعرف ابن أبي حاتم من حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإسناد من روايته عن جدته، ورواية أبي ثفال عنه. * الثالث: أبو ثفال المذكور فإنّه أيضًا مجهول الحال كذلك، وهو أشهرهم لرواية جماعة عنه. منهم عبد الرحمن بن حرملة، وسليمان بن بلال، وصدقة مولى آل الزبير، والحسن بن أبي جعفر، وعبد الله بن عبد العزيز" انتهى ما ذكره ابن القطان (¬5). ¬

_ (¬1) علل الدارقطني (4/ 433 - 435). (¬2) "بيان الوهم والإيهام" (3/ 313 / رقم 1062). (¬3) في س "يعني". (¬4) في المخطوط ت "ولا" والمثبت من س وهو أنسب لسياق الكلام. (¬5) "بيان الوهم والإيهام" (3/ 314 - 315/ 1062).

وقوله إنَّ جدةَ رباح لم يعرف لها اسم؛ قد ذكر البيهقي (¬1) أنَّ اسم جدة رباح أسماء، وأنَّ رباحًا لا يعرف له حال، وقد وثَّق رباحًا أبو حاتم بن حبّان (¬2). وقال البخاري: أبو ثفال المرّي، عن رباح بن عبد الرحمن في حديثه نظر، قاله العقيلي عنه (3)، وقال أيضًا: الأسانيد في هذا الباب فيها لين (¬3). قلت: لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء. وما حكاه عن البخاري لا يدل على أنّه من باب الحسن، بل هو كما قال ابن القطان على علّاته، وقد ذكره الترمذي في كتاب "العلل" (¬4). وذكر نحو ما تقدم، وذكر حديث أبي هريرة فقال: ثنا قتيبة: ثنا محمد بن موسى المخزومي، عن يعقوب بن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"، فسألت محمّدًا عن هذا الحديث فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس به مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني لا يعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة (¬5). قلت: قد ذكر الحافظ عبد العظيم المنذري حديث أبي هريرة هذا من عند أبي داود، من هذا الوجه، وزعم المنذري أنّه أجود أحاديث هذا الباب. قال: وقد رويت في هذا الباب أحاديث ليست أسانيدها مستقيمة (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (1/ 43). (¬2) في كتابه "الثقات" (6/ 307). (¬3) في كتابه "الضعفاء" (1/ 177). (¬4) "العلل الكبير" (1/ 110). (¬5) "العلل الكبير" (1/ 111 - 112). (¬6) في مختصر سنن أبي داود (1/ 88).

وفيما قاله المنذري نظر لانقطاع حديث أبي هريرة هذا في موضعين. قال الترمذي: وثنا أحمد بن منيع: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن كثير بن زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قال محمد: ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد (¬1) منكر الحديث (¬2). قلت: حديث أبي سعيد هذا أجود من الحديثين المتقدِّمين وذلك أنَّ كثير بن زيد ذكر ابن أبي خيثمة (¬3) عن يحيى بن معين أنّه قال: ليس بالقويّ (¬4). وقال معاوية بن صالح عنه: صالح (5). وقال محمد بن عبد الله بن عمار عنه: هو ثقة (¬5). وحكس ابن الجوزي عن ابن معين توثيقه (¬6). وقال أبو زرعة: صدوق وفيه لين (7). وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقويّ يكتب حديثه (¬7). ¬

_ (¬1) "العلل الكبير" (1/ 112 - 113). (¬2) في س "ابنُ أبي سعيد بن أبي الحديث" وهو خطأ ظاهر. (¬3) في س حبيبه وهو تحريف ظاهر. (¬4) الذي في "الجرح والتعديل" (7/ 151 / برقم 841) عن ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين أنه قال فيه: ليس بذاك القوي. (¬5) انظر هذا القول عنه في "تهذيب الكمال" (24/ 115). (¬6) في كتابه "الضعفاء والمتروكين" (3/ 22 / برقم 2786) وكذلك حكى عن ابن معين توثيقه ابن عدي في "الكامل" (6/ 67). (¬7) "الجرح والتعديل" (7/ 151).

وقال ابن سعد: كان كثير الحديث (¬1). وذكره أبو حاتم: في الثقات، وقال: مات سنة ثمان وخمسين ومائة (¬2)، وربيح (¬3) بن عبد الرحمن: وثّقه أبو حاتم بن حبّان (¬4). وقال أبو حاتم الرازي (¬5): شيخ. وابن حبان يخرج حديثه في الصحيح!! وقد قال الإمام أحمد أحسن ما في الباب حديث ربيح، حكاه عنه البيهقي (¬6). وأخرجه الإمام أحمد (¬7) وابن ماجه (¬8). وأمّا حديث أبي هريرة (¬9) المتقدِّم فأخرجه أحمد (¬10) وأبو داود (¬11) وابن ماجه (¬12). ¬

_ (¬1) في كتابه "الطبقات" (5/ 461) (¬2) وهو كما قال، انظر "الثقات" (7/ 354). (¬3) في س: ورابح وهو تحريف والصواب ما هو مثبت كما في ت. (¬4) في كتابه "الثقات" (6/ 309). (¬5) الذي قال فيه شيخ في "الجرح والتعديل" هو أبو زرعة (13/ 19 ل) ولعل أبا حاتم قاله في موضع آخر. (¬6) في "السنن الكبرى" بمعناه (1/ 43) ولعله في موطن آخر حكاه عنه بنصِّه. (¬7) في "مسنده" (3/ 41). (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة" 1/ 39 / برقم 397) باب ما جاء في التسمية على الوضوء. (¬9) ألحقها ناسخ س في الهامش وصحح اللحق. (¬10) في "مسنده" (2/ 418). (¬11) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 75 / برقم 1) باب في التسمية على الوضوء. (¬12) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 140 / برقم 399) باب ما جاء في التسمية على الوضوء.

وأمَّا حديثُ أنسٍ ففي قصة الحديبية، وفيه: "توضؤوا باسم الله". رواه النسائي (¬1) والدارقطني (¬2). ذكره الحافظان أبو بكر البيهقي وقال: هذا أصحُّ ما في التسمية (¬3). وضياء الدين محمد بن عبد الواحد في باب التسمية على الوضوء. أيضًا كما ذكره البيهقي. وقال: إسناده جيِّد (¬4). وهو عند البيهقي من طريق معمر، عن ثابت وقتادة، عن أنس: رواه عن [بشران] (¬5)، عن إسماعيل الصفار، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن عبد الرزاق، عنه (¬6). وهذا من الصحيح، غير أنّه ليس صريحًا في الباب، ولولا أنَّ البيهقيَّ والمقدسيَّ ذكراه في ذلك لا نصرف الذهن إلى أنَّ الترمذي أراد غيره. وأمَّا حديثُ عائشةَ فعند الدارقطني (¬7) من طريق حارثة بن محمد، عن عمرة (¬8)، عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مسَّ طهوره أسمى الله". قال: وفي لفظ: "كان يقوم إلى الصلاة فَيُسمِّي الله، ثمَّ يُفرغ الماء على ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 65 / برقم 78) باب التسمية على الوضوء. (¬2) في "سننه" (1/ 71/ برقم 1) باب التسمية على الوضوء. (¬3) وذلك في "سننه الكبرى" (1/ 43) باب التسمية على الوضوء. (¬4) لعلَّ ذلك في كتابه "الأحكام" وهو غير مطبوع. (¬5) كذا في السنن الكبرى للبيهقي وهو الصواب وفي المخطوط ت: ابن نزار وهو تصحيف وفي س موضعها بياض علق عليه ناسخ س بقوله "بياض". (¬6) في "السنن الكبرى" (1/ 43). (¬7) في "سننه" (1/ 72 / برقم 4). (¬8) في س عمر وهو تصحيف.

يديه". رواه الدارقطني عن حارثة (¬1) وغيره يضعفه (¬2). وأمَّا حديثُ سهلِ بن سعدٍ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصلِّ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار" فرواه ابن ماجه من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد بن الساعدي (¬3)، عن أبيه [عباس] (¬4) عن جده. وعبد المهيمن ضعيف عندهم. وفي الباب مما ليس عند الترمذي حديث سبرة بن معبد الجهني (¬5)، وهو عند البغوي (¬6). قال البغوي: ثنا صلت بن مسعود الجحدري: ثنا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس: حدثني عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جده أبي سبرة (¬7) قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ساعة لا صلاة فيها إلى المسجد، فجلس على المنبر ساكتًا، فتداعى الناس [لخروج] (¬8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كثر الناس؛ قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله ثم قال: يا أيها الناس! لا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم ¬

_ (¬1) في "سننه" (1/ 72 / برقم 4). (¬2) أشار المؤلف بقوله وغيره يضعفه إلى توثيق الدارقطني لحارث بن محمد ولا أدري من أين استفاد ذلك وأما غير الدارقطني فقد ضعفه الإمام أحمد وابن معين وأبو زرعة وغيرهم انظر "تهذيب الكمال" (5/ 314). (¬3) في س: ابن عدي وهو تصحيف والصواب ما هو مثبت كما في ت. (¬4) زيادة من س. (¬5) في س وهو تصحيف والصواب ما هو مثبت كما في ت. (¬6) في "معجم الصحابة" كما في "نتائج الأفكار" (1/ 236) وفيه عيسى بن سبرة قال عنه البغوي: منكر الحديث. (¬7) قوله: "أبي سبرة" ساقط من س وجاء في هامش ت (ل 74 / أ): لعله أبو سبره الجهني. (¬8) من س وفي ت: بخروح وما في س أنسب للسياق.

يسمِّي الله تبارك وتعالى ... الحديث. وفي الباب ممَّا لَمْ يذكره أيضًا: حديثٌ لعبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا تطهَّر أحدُكم فليذكر اسم الله، فإنه يُطهِّر جسده [كله] (¬1)، وإن لم يذكر أحدُكم اسم الله على طهوره، لم يطهِّر إلا ما مرَّ عليه الماء". الحديث ذكره البيهقي من حديث الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله. رواه عن محمد بن موسى بن شاذان، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار: ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني: ثنا أبو زكريا يحيى بن هاشم السمسار عنه. وضعَّفه بيحيى بن هاشم هذا، قال: ولا أعلمه رواه عن الأعمش غيره (¬2). وفيه أيضًا حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ وذكر اسم الله على وضوئه كان طهورًا لجسده، ومن توضَّأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهورًا لأعضائه". وهذا أيضًا ضعيف، ذكره البيهقي أيضًا، من حديث أبي بكر الداهري، عن عاصم بن محمد، عن نافع. رواه عن أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان، عن أحمد بن عبيد الصفار: ثنا محمد بن غالب: ثنا هشام بن بهرام: ثنا عبد الله بن حكيم أبو بكر الداهري، وضعفه بالداهري هذا (2). فيه التسمية على الوضوء. وقد ذهب الإمام أحمد إلى وجوبها (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في سنن البيهقي وفي س وأما المخطوط ت فقد تصحف فيه كلمة كله إلى عليه. (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 44). (¬3) في إحدى الروايات عنه وإلا فظاهر مذهبه أنها مسنونة في طهارة الأحداث كلها كما قال =

أمَّا (¬1) مالك رحمه الله فسئل عن ذلك فقال: أتريد أن تذبح؟ إشارة إلى أنّ التسمية إنّما هي مشروعة عند الذبح (¬2). وهي عندنا سنة على خلاف منقول عن بعض الأصحاب فيها، يأتي له مزيدُ بيانٍ. قال الرافعي: "ومن سنن الوضوء أن يقول في ابتدائه: بسم الله على سبيل التبرك والتيمُّن. وذهب أحمد إلى أنَّ التسميةَ واجبةٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا وضوء لمن لا يسمي الله عليه"؛ قلنا: لا وضوء كاملًا. كذلك روى في بعض الروايات ويدلُّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ وذكر اسم الله عليه؛ كان طهورًا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله؛ كان طهورًا لأعضاء وضوئه، ولو كانت التسمية واجبة لما طهر شيء، ثمَّ لو نسي التسمية في الابتداء وتذكرها في أثناء الوضوء أتى بها، كما لو نسي التسمية في ابتداء الأكل يأتي بها إذا تذكَّر في الأثناء. ولو تركها في الابتداء عمدًا فهل يشرع له التدارك في الأثناء هذا محتمل. وحُكي عن بعض الأصحاب أنَّه لم يعدَّها من سنن الوضوء، وقال: "هي محبوبة في كلِّ أمر ذي بال، فلا اختصاص لها بالوضوء" (¬3). وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وقال الشافعي: هي من سنن الوضوء، ولا ¬

_ = ابن قدامة في "المغني" (1/ 114 / م 130) ونقل قول الخلال عنه حيث قال: والذي استقرت الروايات عنه أنه لا بأس به -يعني إذا ترك التسمية اهـ. قلت: يؤكد ذلك عن الإمام أحمد قوله: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد، وقد نقل قوله هذا الترمذي بعد إيراده للحديث مع جملة أقوال لأهل العلم. (¬1) في س: وأما. (¬2) انظر "عارضة الأحوذي" (1/ 40) لابن العربي المالكي. (¬3) "فتح العزيز" (1/ 373 - 394 حاشية المجموع).

21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

دليل له على ذلك. وقال الشيخ محيي الدين النواوي رحمه الله: "ليس في أحاديث التسمية على الوضوء حديث صحيح صريح". وقد ذكرنا من الأحاديث ما يستدل الفقهاء بمثله ويستند العلماء في الأحكام إليه، فليس من شأنهم أن لا يحتجّوا إلا بالصحيح، بل أكثر احتجاجهم بالحسن، ولا يخلو هذا الباب عن ذلك من حسن صريح وصحيح غير صريح، والله أعلم. 21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق حدثنا قتيبة: ثنا حماد بن زيد وجرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر". قال: وفي الباب عن عثمان، ولقيط بن صبرة، وابن عباس، والمقدام بن معدي كرب، ووائل بن حجر، وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح. * واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق * فقالت طائفة منهم: إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد، ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء. وبه يقول ابن أبي ليلى، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق. وقال أحمد: الاستنشاق أوكد من المضمضة.

* قال: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء. وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة. " وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء، ولا في الجنابة؛ لأنَّهما سُنَّة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تجب الإعادة عليه، من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله تعالى (¬1). * الكلام عليه: قد صحَّحَ حديث الباب. وقد أخرجه النسائي (¬2) وابن ماجه (¬3)، ورجاله رجال الصحيحين إلى سلمة صحابيه. وأما حديث عثمان؛ فعن حمران، عنه: أنّه دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفّيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر ثم غسل [وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل] (¬4) رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ نحو وضوئي هذا ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: "من توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غُفر له ما تقدم من ذنبه". ¬

_ (¬1) "الجامع" (1/ 40 / 41). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 71 / برقم 89) باب الأمر بالاستنثار. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 142 / برقم 406) باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار. (¬4) ما بين المعكوفتين ألحقه ناسخ في الهامش وصحَّح اللحق فيه.

فرواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) وهذا لفظه. وقال البخاري (1) "ثمَّ تمضمض واستنشق واستنثر". وأما حديث لقيط بن صبرة فذكره (¬3) الترمذي وصححه (¬4)، وسيأتي. وأخرجه ابن حبان في صحيححه (¬5) أيضًا وابن خزيمة (¬6). وأمَّا حديثُ ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا". فرواه الإمام أحمد (¬7) وأبو داود (¬8) وابن ماجه (¬9). وأما حديث المقدام بن معدي كرب قال: "أُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوء فتوضَّأ، فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثمَّ غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم مسح برأسه (¬10) وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، ثم غسل رجليه (¬11) ثلاثًا". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 72 / برقم 162) باب المضمضة في الوضوء. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 204 / برقم 226) باب صفة الوضوء وكماله. (¬3) في س "فذكر". (¬4) في "سننه" (كتاب الصوم 3/ 155 / برقم 788) باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم وقال: حسن صحيح. (¬5) في "صحيحه" (3/ 368 / برقم 1087) ذكر الأمر بتخليل الأصابع في الوضوء. (¬6) في "صحيحه" (1/ 78 / برقم 150) باب الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضيء مضطرًا غير صائم. (¬7) في "مسنده" (1/ 228، 352). (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 96 - 97 / برقم 141) باب الاستنثار. (¬9) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 143 / برقم 408) باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار. (¬10) في س "رأسه". (¬11) في س "برجليه".

فرواه [الإمام] (¬1) أحمد (¬2) وهذا لفظه، وأبو داود (¬3) بعضه. وقال ابنُ الجارود: ثنا محمد بن يحيى: ثنا أبو المغيرة: ثنا حريز: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، سمعت المقدام بن معدي كرب قال: "أُتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بوَضوء فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا [ثم] (¬4) مسح برأسه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما (¬5) ... " الحديث. وأمَّا حديثُ وائل بن حجر فعند البزار من طريق محمد بن حجر، عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن أمَّه، عن وائل أبيه قال: "شهدتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأُتِيَ بإناء فيه ماءٌ فأكفأه على يمينه ثلاثًا، ثم غمس يمينه في الماء فغسل بها يساره ثلاثًا، ثمَّ أدخل يمينه في الماء فحفن بها حفنة من الماء، فتمضمض واستنشق ثلاثًا" الحديث (¬6). وأمَّا حديثُ أبي هريرة؛ فإنَّ (¬7) رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "إذا توضَّأ أحدُكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر" فرواه البخاري (¬8) ومسلم (¬9). وفي الباب مما لم يذكره عن علي رضي الله عنه: "أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، وفعل هذا ثلاثًا ثم قال: هذا طهورُ نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) زيادة من س. (¬2) في "مسنده" (4/ 132). (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 88 / برقم 121) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) كذا في "المنتقى" لابن الجارود وفي نسخة س وأما في نسخة ت ففيها "ومسح". (¬5) في "المنتقى" (1/ 73 / برقم 74 "غوث المكدود"). (¬6) عند البزار كما قال، في "مسنده" (1/ 140 - / 142 برقم 268) "كشف الأستار". (¬7) في س "أنَّ". (¬8) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 72 / برقم 160) باب الاستجمار وترًا. (¬9) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 212 / برقم 237) باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار.

رواه الإمام أحمد (¬1) والنسائي (¬2) والدارقطني (¬3). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمضمضة والاستنشاق" رواه الدارقطني (¬4). وهذان الحديثان ليس (¬5) من حديث سلمة بالتبويب لأن فيهما ذكر المضمضة والاستنشاق، وليس في حديث سلمة إلَّا ذكر الاستنثار فقط. وهو يدل على الاستنشاق بطريق الملازمة. وأما المضمضة فليست فيه بمطابقة، ولا التزام، ولا وجه. ومن طريق أبي داود: ثنا حميد بن مسعدة: ثنا معتمر قال: سمعت ليثًا يذكر عن طلحة، عن أبيه، عن جده قال: دخلت -يعني على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضَّأ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق" (¬6). وقال أبو داود: في حديث آخر لليث بن أبي سليم، عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده في الوضوء. قال مسدد: فحدَّثتُ به يحيى القطان فأنكره. وقال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: ابن عيينة زعموا كان ينكر؛ ويقول: ¬

_ (¬1) في "مسنده" (1/ 139). (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 72 / برقم 91) بأي اليدين يستنثر. (¬3) في "سننه" (1/ 92 / برقم 6). (¬4) في "سننه" (/ 1/ 116 برقم 9). (¬5) في س "أمسُّ". (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 96 / برقم 139) باب الفرق بين المضمضة والاستنشاق.

إيش هذا طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده؟ " (¬1). وعن علي بن المديني أنه قال لسفيان: إن ليثًا روى عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده: "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ" فأنكر ذلك سفيان، وعجب أن يكون جدُّ طلحة لقي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال علي: وسألت عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- عن نسب جدِّ طلحة فقال: عمرو بن كعب، أو كعب بن عمرو، وكانت له صحبة، وقال غيره: عمرو بن كعب لم يشكَّ فيه (¬2). وذكر العباس الدَّوري أنَّه سأل يحيى بن معين عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده؛ رأى جده النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال يحيى: المحدثون يقولون: قد رآه، وأهل بيت طلحة يقولون: ليست له صحبة (¬3). وأمَّا حديث أبي هريرة المذكور عن الدَّارقطني (¬4)؛ فذكره البيهقي (¬5) عن غيره (¬6) من حديث هدبة بن خالد عن حمَّاد بن سلمة، عن عمَّار بن أبي عمَّار، عن أبي هريرة الحديث. قال: وقال مرة أخرى: مرسلًا، لم يقل عن أبي هريرة، وقال: كذا في هذا (¬7) الحديث أظنّه هُدْبَة؛ أرسله مرة ووصله أخرى. وتابعه داود بن المحبر (¬8)، عن حمَّاد ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 92 / برقم 132) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) انظر "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 51). (¬3) "التاريخ" ليحيى بن معين برواية الدوري (2/ 278 - 279). (¬4) في ص (269) حاشية رقم (1). (¬5) قوله "عن غيره" ساقط من س. (¬6) في "السنن الكبرى" (1/ 52). (¬7) في نسخة ت ألحق الناسخ كلمة "هذا" في الهامش ولم يصحح اللحق. (¬8) في س "بجير" وهو تحريف والصواب ما هو مثبت كما في ت.

في وصله وغيرهما، يرويه مرسلًا كذلك، ذكره لي [أبو بكر] الفقيه، عن أبي الحسن الدارقطني. قال البيهقي (¬1): وخالفهما إبراهيم بن سليمان الخلال شيخ ليعقوب بن سفيان، فقال: عن حمَّاد، عن عمَّار، عن ابن عباس. وكلاهما غير محفوظ. وفي الباب أيضًا ممَّا لم يذكره حديث عائشة! أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه". ذكره البيهقي (1) من حديث سليمان عن الزهري، عن عروة عنها، رواه عن أبي سعد أحمد بن محمد الصوفي، عن ابن عدي الحافظ، عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث: ثنا الحسين بن علي بن مهران: ثنا عصام بن يوسف، عن ابن المبارك، عن ابن جريج عنه (1). قال: ورواه إسماعيل بن بشر البلخي، عن عصام نحوه، إلَّا أنَّه قال: "من الوضوء الذي لا تتم الصلاةُ إلا به". ثم رواه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلًا (1). وحكى (¬2) عن الدارقطني ترجيح المرسل، لكنه ضعف المسند (¬3) هناك لمحمد بن الأزهر الجوزجاني (1)، وليس مسندنا من طريقه فليعلم ذلك. وفي الباب حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي لطرف منه ذكر عنده، [فيذكر] (¬4) هناك بكماله، وما يتعلَّق به. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (1/ 52). (¬2) غير مقروءة في ت لوجود بعض البياض على حروفها. (¬3) غير مقروءة في س. (¬4) كذا في س وفي نسخة ت: فذكر والذي في س أنسب للسياق ولذا أثبته.

وفي الباب ما في حديث الصنابحي، وعمرو بن عنبسة، من بعض الطرق الذي تقدم ذكر ذلك في أحاديث فضل الوضوء فأغنى عن الإعادة ها هنا (¬1). والمضمضة مأخوذة من الحركة، حركة الماء في الفم أو الغسل وهو قريب منه (¬2). قال ابن سيده: ومضمض إناءه غسله. والصاد يعني المهملة لغة حكاهما يعقوب. ومضمض الماء في فيه حركه وتمضمض به، ومضمض النعاسُ في عينيه: دبَّ، وتمضمضت به العين. وأمَّا حقيقتها الشرعية: فقال أصحابنا: كمالها أن يجعل الماء في فيه، ثم يديره فيه ثم يمجُّه. وأمَّا أقلَّها: فأن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور. وقال بعض الأصحاب: يشترط (¬3). والاستنشاق: جذب الماء بريح الأنف إلى الخياشيم. قاله القاضي عياض (¬4). وقال: الاستنثار: طرح الماء من الأنف بعد استنشاقه (4). وقال ابن قتيبة: الاستنشاق والاستنثار واحد، وحكي ذلك عن ابن ¬

_ (¬1) علق الناسخ في هامش ت (ل 77 / ب) قائلًا "وفي الباب مما لم يذكره المصنف ولا الشارح عن أبي بكرة أخرجه البزار من حديث عبد العزيز بن أبي بكر عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فغسل يديه ثلاثًا ومضمض ثلاثًا واستنثر ثلاثًا وذكر الحديث". قلت: هو في "كشف الأستار" (267) مطولًا، وقال البزار: لا نعلمه عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد، وبكار بن عبد العزيز ليس به بأس، وعبد الرحمن بن بكار صالح الحديث. وذكره الهيثمي (1/ 232) وقال: وشيخ البزار محمد بن صالح بن العوام لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬2) قوله "أو الغسل وهو قريب منه" ساقط من س. (¬3) انظر شرح "عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 170) وشرح مسلم للنووي (3/ 105). (¬4) في "مشارق الأنوار" (2/ 29).

الأعرابي (¬1). وقال ابن قتيبة: مأخوذان من النثرة وهي الأنف. قال القاضي عياض: ولم يقل شيئًا (¬2). وقال ابن عبد البر: "متقاربان في المعنى؛ إلا أن أخذَ الماء للأنف هو الاستنشاق، والاستنثار: ردُّ الماء بعد أخذه بريح الأنف، هذه حقيقة اللفظين (¬3) " (¬4). وقال غيره في الاستنثار مأخوذ من النثرة: وهي طرف الأنف. وقال الخطابي (¬5): "الأنف" والمشهور: الأول (¬6). ويحتمل (¬7) أن يكون مأخوذًا من النثرة (¬8) لأنَّه نُثر الماء، وردُّه من الأنف. قال أبو عمر: "وقد كان مالك يرى أنّ الاستنثار أن يجعل يده على أنفه ويستنثر. قال: وأكثر أهل العلم يكتفون في هذا المعنى باللفظ الواحد، وقد روي (¬9) عن ¬

_ (¬1) في "مشارق الأنوار" (2/ 29). (¬2) من قوله "وقال ابن قتيبة" إلى قوله "عن ابن الأعرابي" ساقط من س. (¬3) في س اللفظتين. (¬4) في "التمهيد" (4/ 33). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 85). (¬6) عليها بعض الطمس في ت. (¬7) مطموسة في ت. (¬8) في س "من النثر". (¬9) ساقطة من ت.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللفظان جميعًا" (¬1). قال أصحابنا: وعلى أيِّ صفةٍ أوصل الماء إلى الفمِّ والأنفِ، حصلت (¬2) المضمضة والاستنشاق (¬3). وفي الأفضل خمسة أوجه يأتي ذكرها. قال أبو عمر: "وأمَّا اختلافهم في حكمها (¬4)، فإنَّ مالكًا والشافعيَّ وأصحابَهما يقولون: المضمضة والاستنشاق سنة ليستا بفرض لا في الجنابة، ولا في الوضوء. وكذلك قال محمد بن جرير الطبري، وهو قول الأوزاعي، والليث بن سعد، ورُوي أيضًا عن الحسن البصري، والزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وقتادة، والحكم بن عتيبة. فمن توضَّأ وتركهما، وصلَّى: فلا إعادة عليه عند واحد من هؤلاء المذكورين. وقال أبو حنيفة وأصحابُه والثوري: هما فرض في الجنابة، سنة في الوضوء، فإنْ تركهما في غسل من الجنابة وصلَّى؛ أعاد كمن ترك لُمعةً، ومن تركهما في وضوءه فلا إعادة عليه. وقال ابن أبي ليلى، وحماد (¬5) بن أبي سليمان، وهو قول إسحاق بن راهويه: هما فرض في (¬6) الغسل والوضوء جميعًا. ¬

_ (¬1) قاله في "التمهيد" (4/ 33). (¬2) غير مقروءة في ت. (¬3) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 105). (¬4) في س "حكمهما". (¬5) ساقطة من ت. (¬6) ساقطة من س.

وروي عن الزهري وعطاء مثل هذا القول أيضًا. وروي عنهما مثل قول مالك والشافعي. وكذلك اختلف أصحاب داود فمنهم من يقول: هما فرض في الغسل والوضوء جميعًا. ومنهم (¬1) من قال: إن المضمضة سنة، والاستنشاق فرض. وكذلك اخْتُلِفَ عن أحمد بن حنبل كهذين القولين المذكورين عن داود وأصحابه (¬2). وقال الإمام أبو العباس أحمد بن تيمية: "المشهور عند أحمد يجبان في الطهَّارتين الصغرى والكبرى (¬3)، فمنْ أخلَّ بهما حتَّى صلَّى أعاد. قال أبو عمر (¬4): "ولم يختلف قول أبي عبيد وأبي ثور (¬5): إنَّ المضمضة سنة، والاستنشاق واجب؛ فمن ترك الاستنشاق وصلَّى أعاد. ومن ترك المضمضة لم يعد. وحجة من لم يوجبهما أنَّ الله لم يذكرهما في كتابه، ولا أوجبهما رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا اتفق الجميع عليه، والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه. وحجة من أوجبهما في الغسل من الجنابة دون الوضوء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحت كُلِّ شعرة جنابة، فبلُّوا الشَّعرَ، وأنقوا البشرة". وفي الأنف ما فيه من الشَّعر، وأنَّه لا يوصل إلى غسل الأسنان والشفتين إلَّا بالمضمضة. ¬

_ (¬1) غير مقروءه في ت. (¬2) "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 34 - 35). (¬3) "شرح عمدة الفقه" (1/ 177) دون قوله "فمن أخلَّ بها حتى صلَّى أعاد". (¬4) في ت: أبو عمرو وهو تصحيف، وأبو عمر هو ابن عبد البر. (¬5) في س أبي ثور وأبي عبيد.

وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "العينان تزنيان، والفمُّ يزني ونحو هذا إلى أشياء يطول ذكرها. وحجَّةُ من أوجبهما في الوضوء وفي غسل الجنابة جميعًا: أنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} كما قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}. فما وجب في الواحد من الغسل، وجب في الآخر (¬1)، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُحفَظْ عنه أنه ترك المضمضة والاستنشاق في وضوئه ولا في غسله للجنابة، وهو المُبيَّن عن الله عزَّ وجلَّ مراده قولًا وعملًا، وقد بيَّن من (¬2) مراد الله بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}؛ المضمضة والاستنشاق [مع] (¬3) [غسل] (¬4) سائر الوجه. وحجَّة من فرَّق بين المضمضة والاستنشاق: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إلا بدليل. وفَعَلَ الاستنثار وأمرَ به، وأمرُه على الوجوب أبدًا، إلا أنْ يتبيَّن غيرُ (¬5) ذلك من مراده، وهذا على أصولهم في ذلك. انتهى ما ذكره الحافظ أبو عمر رحمه الله تعالى (¬6) " (¬7). فأمَّا الاحتجاج لمن لا يرى وجوبهما بأنّ الله لم يذكرهما في كتابه، ولا أوجبهما رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت (¬8) من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ¬

_ (¬1) في ت "الخر" وهو تحريف ظاهر. (¬2) ساقطة من س. (¬3) كذا في س وهو الأنسب للشاق وفي ت "من". (¬4) زيادة من "التمهيد" لابن عبد البر المطبوع وهي زيادة يقتضيها السياق فضلًا عن كونها ثابتة في الأصل. (¬5) في س عن وهو تحريف يرده السياق. (¬6) في س "رضي الله تعالى عنه ورحمه". (¬7) في كتابه "التمهيد" (4/ 35 - 36). (¬8) عليها بعض البياض في ت.

توضأ أحدُكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر". رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2)، وقد تقدَّم في أحاديث في معناه عند غيرهما، أيضًا أول الباب. وأمَّا الاحتجاج لمن يوجبهما في الغسل دون الوضوء بقوله - عليه السلام -: "فبلُّوا الشَّعر وأنقوا البشرة" فهو حديث لا تقوم (¬3) به حجة لتفرَّد الحارث بن وجيه به وهو ضعيف جدًّا. قال يحيى: ليس بشيء (¬4). وقال النسائي: ضعيف (¬5). وقال ابن حبَّان: يتفرّد بالمناكير عن المشاهير (¬6). وأمَّا الاحتجاج لمن أوجب الاستنشاق دون المضمضة فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعل المضمضة ولم يأمر بها. فقد حدثنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف الموصلي قراءة عليه، وأنا أسمع: قال: ثنا أبو حفص عمر محمد بن طبرزد أنا [أبو الوليد بن إبراهيم] (¬7) بن محمد بن منصور الكرخي الفقيه: أبنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب: ثنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، أبنا أبو علي محمد بن أحمد بن [لؤلؤ: ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث: ثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: ثنا يحيى بن سليم، ¬

_ (¬1) في صحيحه. (¬2) في صحيحه. (¬3) في س "لا يقوم". (¬4) في سؤالات ابن الجنيد له (95). (¬5) في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ص (165 / برقم 118). (¬6) في كتابه "المجروحون" (1/ 224). (¬7) كذا في س وفي ت: "ثنا أبو البدر إبراهيم".

عن] (¬1) إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن صبرة قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: "أسبغ الوضوء وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائمًا" (¬2). وبه إلى أبي داود قال: ثنا عقبة بن مكرم: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا ابن جريج: حدَّثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط، عن أبيه لقيط بن صبرة (¬3) فذكر معنى ما ذكرناه (¬4). قال أبو داود: ثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا أبو عاصم، أبنا [ابن] (¬5) جريج هذا الحديث قال فيه: "إذا توضأت فمضمض" (¬6). انتهى. ليس في إسناد هذا الحديث إلا من وُثِّق. أمَّا محمد بن يحيى الذهلي: فإمام نيسابور المجمع على إمامته، وبفضله. وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وابن جريج أعرف من أن يعرَّف بهما، وأشهر من أن ينبّه على محلِّهما. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّح هذا اللحق. (¬2) رواه المؤلف من طريق أبي داود وهو في "سننه" في (كتاب الطهارة 1/ 97 - 100 / برقم 142) باب في الاستنثار. (¬3) من أمر بالإستنشاق دون المضمضة. (¬4) رواه المؤلف من طريق أبي داود وهو في "سننه" في (كتاب الطهارة 1/ 100 / برقم 143) باب في الاستنثار. (¬5) كذا في س وهو الصواب وفي ت: أبو جريج وهو تحريف. (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 100 / برقم 144) باب في الاستنثار.

وإسماعيل بن كثير وثقه أحمد (¬1) وابن سعد (¬2). وقال أبو حاتم: صالح (¬3). وعاصم: وثقه ابن حبَّان (¬4) ولم نقف لأحد على جرح في واحد منهما. وحديث عاصم هذا صحَّحه الترمذي. وأخرجه ابنُ حبَّان، وابن خزيمة في صحيحيهما. وقال أبو بشر الدولابي فيما جمعه من حديث الثوري: ثنا محمد بن بشار: أبنا ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن عاصم بن لقيط، عن أبيه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضَّأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق، إلَّا أن تكون صائمًا". قال أبو الحسن بن القطان: "وهذا صحيح" (¬5). فهذا أمر صحيح صريح، وانضمَّ إليه مواظبة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عليهما (¬6)؛ فثبت ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا، مع المواظبة على الفعل، فلا وجه لدعوى التفرقة بينهما، ومن احتجَّ على وجوب المضمضة في الوضوء بوجوبها في الغسل [بطريق] (¬7) ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (2/ 194 / برقم 656). (¬2) في "الطبقات" (5/ 500). (¬3) "الجرح والتعديل" (2/ 194). (¬4) في "الثقات" (5/ 234). (¬5) أي الحديث ذكر ذلك في "بيان الوهم والإيهام" (5/ 593). (¬6) أي على المضمضة في الوضوء، وفي المخطوط س: "عليها". (¬7) كذا في س وهو الأنسب للسياق وفي المخطوط ت "وطريق".

22 - باب المضمضة والاستنشاق من كف واحد

الإلحاق به والقياس عليه، واستفاد وجوبها في الغسل بقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. كما أشار إليه أبو عمر (¬1): فقد أبعد النجعة، وأتى بما يقبل المنازعة في غير ما موضع. والله أعلم. وأمَّا حكم الجمع والتفرقة وذكر الهيئات في ذلك، وما يختار منها، فيأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله. 22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ حدثنا يحيى بن موسى: ثنا (¬2) إبراهيمُ بنُ موسى: ثنا خالد، عن عمرو بنِ يحيى، عن أبيهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ زيد قال: "رأيتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَضمَض واستنشَقَ مِن كفٍ واحدٍ، فعل ذلك ثلاثًا". [قال: وفي الباب من عبد الله بن عباس]. قال: وحديث عبد الله بن زيد حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقد روى (¬3) مالكٌ، وابن عيينة، وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن عمرو بن يحيى، ولم يذكروا هذا الحرف أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيِ مضمض واستنشق من كفٍ واحدٍ. وإنَّما ذكره خالد بن عبد الله، وخالدٌ: ثقةٌ حافطٌ عند أهل الحديث. ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (4/ 35 - 36). (¬2) عليها بياض في ت. (¬3) في س روي وهو تصحيف يرده السياق.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: المضمضة والاستنشاق مِن كف واحدٍ يُجْزئ. وقال بعضهم: يُفرِّقها أحبُّ إلينا. وقال الشافعي: إن جمعهما في كفٍ واحدٍ فهو جائز، وإن فرَّقَها فهو أحبُّ إلينا (¬1). * الكلام عليه: حديث عبدِ الله بنِ عباس: "فأخَذَ غَرْفة من ماءٍ فتمضمض بها واستنشق، [ثم] (¬2) قال في -آخره-: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ". أخرجه البخاري (¬3) من حديث زيدِ بن أسلمَ، عن عطاء بنِ يسار عنه، رواه عن محمد بن عبد الرحيم قال: ثنا أبو سَلَمة منصور بن سلمة الخُزاعيّ قال: ثنا ابن بلال -يعني سليمان- عنه. وحديثُ الباب: من طريق خالدِ بن عبدِ الله، التي أشار إليها مُخَرَّج في الصحيحين أيضًا. رواه البخاري عن مُسدَّد (¬4). ومسلم عن محمد بن الصَّبَّاح (¬5)، كلاهما عن خالد به. ¬

_ (¬1) "الجامع" (1/ 41 - 43). (¬2) كذا في س وفي المخطوط "ت": وقال في آخره. (¬3) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 65 / برقم 140) باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة. (¬4) في "صحيحه" (كتاب الوضوء 1/ 81 / برقم 188) باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة. (¬5) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 210 / برقم 235) باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد ذَكرَ خالدًا ووثَّقه، ووصفه بالحفظ، وذكَرَ تفرَّده بهذا اللفظ (¬1). فلنذكر ما حضَرَنا من حالِهِ، وما وَصَل إلينا من طُرُق حديثه هذا على سبيل الاختصار والإيجاز، فنقول: خالدٌ هذا هو: خالدُ بن عبدِ الله بنِ عبد الرحمن بن يزيد الواسطيُّ، أبو الهَيْثَم الطحان، ويُقال: أبو محمد المُزَنيُّ مولاهم، يقال: إنه مولى النعمان بن مُقْرِن. سَمعَ أبا إسحاق الشيبانيّ، وإسماعيل بن أبي خالد، وحُصَيْن بن عبد الرحمن، وخالد الحذَّاء، وعمرو بن يحيى الأنصاري، ومُغيرة بن مِقْسَم، وبيان بن بِشر، وعبد الله بن عَوْن، ويونس بن عُبَيْد، وداود بن أبي هند، وسُهَيل بن أبي صالح، ومُطَرِّف بن طَريف، وعبد الملك بن أبي سليمان، وسعيد بن إياس الجُرَيْري. وروى عنه؛ يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وقُتَيْبة، وعمرو بن عون، ووكيع، ويحيى بن يحيى، ومُسدَّد، وعفَّان بن مسلم، ومُعلَّى (¬2) بن منصور، ومحمد بن الصَّبَّاح، ووهب بن بقيَّة، ورفاعة بن الهيثم، وخلف بن هشام [البزار] (¬3)، وعبد الحميد بن بيان، وعمر بن حفص، وإسحاق بن شاهين، وأبو عمر الحوضيّ، وسعيد بن منصور (¬4)، وسعيد بن سليمان. قال أبو زرعة: "ثقة" (5). وقال أبو حاتم: "ثقة صحيح الحديث" (¬5). قال أبو بكر الخطيب: "قدم بغدادَ في أيامِ هارون الرشيد مع جماعة من ¬

_ (¬1) الترمذي في هذا الباب من كتابه "الجامع" (1/ 43). (¬2) في س: يعلى وهو تصحيف. (¬3) كذا في س ومصادر ترجمته وفي ت: البزاز وهو تصحيف. (¬4) قوله "سعيد بن منصور" ألحقه ناسخ في الهامش وصحح اللحق. (¬5) "الجرح والتعديل" (3/ 341 / برقم 1536).

الواسطيين، يسألون عَزْلَ (¬1) سلمة بن صالح عن (¬2) قضاء واسط" (¬3). قال: أنا [أبو] (¬4) نُعيم الحافظ -إملاءً- قال: سمعتُ الطبرانيّ يقول: سمعتُ عبد الله بنَ أحمدَ بن حنبل يقول: قال أبي: "كان خالد بن عبد الله الواسطيُّ من أفاضل المسلمين (¬5)، اشترى نفسَه من الله أربعَ مراتٍ، فتصدَّق بوزن نفسِه فضةً أربعَ مراتٍ" (¬6). وقال أبو داود (¬7): قال إسحاق الأزرق: "ما أدركت أفضلَ من خالد الطحان، [قال] (¬8): رأيت سفيان؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وكان خالدٌ (¬9) رجل عامّة. وسُئل محمد بن [عبد الله بن] (¬10) عمّار عنه، وعن جرير بن عبد الحميد، فقدَّمَه (¬11) " (¬12). وكان عثمان بن أبي شيبة يُقدِّم جريرًا على خالدٍ (¬13). ¬

_ (¬1) في س: عن أبي وهو تحريف يرده السياق. (¬2) عقب قوله "عن" بياض مقدار كلمة في نسخة س. (¬3) "تاريخ بغداد" (8/ 294 / برقم 4397). (¬4) من س وهي ساقطة من ت. (¬5) في س: أفضل الناس. (¬6) "تاريخ بغداد" (8/ 294 / 4397). (¬7) كما في "سؤالات أبي عبيد الآجري" له (2/ 291 / برقم 1888). (¬8) كذا في س وفي ت: قد قيل. (¬9) قوله: "كان سفيان رجل بنفسه وكان خالد" ساقط من س وأشار الناسخ إلى هذا السقط في الهامش قائلًا "سقط في الأصل" ولكنه لم يُحدِّد مقدار هذا السقط. (¬10) زيادة من س. (¬11) ساقطة من س. (¬12) "تاريخ بغداد" (8/ 295). (¬13) قوله: "جريرًا على خالد" ساقط من س وأشار الناسخ لـ س إلى هذا السقط في الهامش ولكنه لم يُحدِّد مقدار هذا السقط.

وقال أحمد: "كان ثقة صالحًا في نفسِهِ" (¬1). ولد سنة عشر ومائة. وقال محمد بن سعد (¬2): "خالد بن عبد الله الطحان ثقة، توفي سنة اثنين وثمانين ومائة" (¬3). وأمَّا ما أشار إليه مِن تفرُّد خالدٍ بهذا اللفظ، فإنَّ البخاري رواه مِن حديث سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى (¬4)، كرواية خالد. وكذلك رواه مسلم (5) -رحمه الله- فقال: حدَّثني محمد بن الصبَّاح قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن عبدِ الله بن زيدِ بن عاصم الأنصاريِّ -وكانت له صُحْبة- قال: قيل له: "توضَّأ لنا وضوءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بإناءٍ، فأكْفَأَ منه على يديْه، فغسلهما ثلاثًا، ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كفٍّ واحدٍ، ففعل ذلك ثلاثًا، ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فغسل وجهَهُ ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل يديه إلى المِرْفَقَيْن مرَّتين مرَّتين، ثم أدخَل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسَلَ رِجْلَيْه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوءُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬5). قال مسلم (¬6): وحدثني القاسم بن زكريا قال: ثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، بهذا الإسناد نحوه، ولم يَذْكرِ الكعبين. ¬

_ (¬1) "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 434 / برقم 968) دون قوله "في نفسه". (¬2) في س سعيد وهو تصحيف. (¬3) في "الطبقات" (7/ 313) وفيها أنه مات بواسط. (¬4) وذلك في "صحيحه" من (كتاب الوضوء 1/ 84 / برقم 196) باب الوضوء من التُور. (¬5) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 210 / 235) باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 211).

قال مسلم (¬1): وحدثني إسحاق بن موسى الأنصاريّ قال: ثنا معن قال: ثنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى، بهذا الإسناد وقال: مضمض واستنثر ثلاثًا، ولم يقل: مِن كفٍّ واحدٍ. فقد تبيَّن بما ذكرناه: أنَّ سليمان بن بلال تابعَ خالدًا، عند مسلمٍ على زيادة: "من كفٍّ واحدٍ"، لأن مسلمًا استثناها في حديث مالك، حيث لم تثبت، ولم يستثنِ في حديث سليمان إلًا الكعبين، فرواية سليمان أيضًا بن بلال هذه تنفي عنه اسمَ الغرابة، وهو أجدر بأن يُسمَّى عزيزًا، فإنَّ المعروفَ عندهم أنّ من اشتهر إذا انفرد الرجل عنه بالحديث سُمِّي غريبًا. وإذا روى عنه رجلان، أو ثلاثة، واشتركوا في حديث سُمِّي عزيزًا، وإذا روى له الجماعة حديثًا سُمِّي مشهورًا، وقد تقدَّم هذا، وإطلاق الصِّحة على هذا هو الظاهر الأن لثبوته في صحيْحَي (¬2) البخاري ومسلم، ومتابعة سليمان بن بلال خالدًا على روايته عن عمرو بن يحيى، كرواية خالد عنه (¬3). ولوجود حديث ابن عباس في معناه، وهو أيضًا عند البخاريِّ (¬4). ولأنَّ خالدًا لو انفرد لم يكن حديثه نازلًا عن درجة الصَّحيح على ما رسموه، ولَسنا في هذا وأمثاله نلزم الترمذي تصحيح الشيخين، إذ هو مجتهد كواحد (¬5) منهما، ولعلَّ متابعة سليمان لم تقع له، وإنَّما كلامُنا بحسب ما انتهى إليه الحال، ممَّا اقتضاه النظر في عصرنا، والله أعلم. وقد تقدَّم في الباب قبله حكم المضمضة والاستنشاق في الوجوبِ وعدمِه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 211). (¬2) في س صحيح. (¬3) في ت عندهما والمثبت أنسب للسياق وهو مثبت من س. (¬4) في صحيحه وقد تقدَّم عزونا إليه ص (277) حاشية (4). (¬5) في س وكواحد منهما.

[والكلام على الهيئة المختارة من ذلك قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله تعالى-] (¬1). "واتفقوا على أنَّ المضمضة مُقدَّمة على الاستنشاق، وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط؟ فيه وجهان: * أظهرهما: أنه اشتراط لاختلاف العُضوين. * والثاني: استحباب كتقديم اليد اليمنى على اليسرى (¬2). قلتُ: تقديمُ المضمضةِ مستفاد من حديث عبدِ الله بن زيدٍ هذا، من قوله: "ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فمَضْمَض"، فعطف بالفاء المقتضية للتعقيب من غير تراخٍ ولا مُهْلة، ثم جاء ذكرُ الاستنشاق بعد ذلك. وأما كيفيَّتها: ففي الأفضل خمسةُ وجوه: * الأصح: يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كُلِّ واحدة، ثمَّ يستنشق منها ثلاثًا. * والوجه الثاني: يجمع بينهما بغرفة واحدة، يتمضمض منها ثلاثًا، ثمَّ يستنشق منها ثلاثًا. * والوجه الثالث: يجمع أيضًا بغرفة، ولكن يتمضمض منها، ثمَّ يستنشق، ثمَّ يتمضمض منها (¬3) ثم يستنشق، ثمَّ يتمضمض منها ثمَّ يستنشق (¬4). * والوجه الرابع: يفصل بينهما بغرفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثًا، ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين مضروب عليه في الأصل وأثبته لأنه مثبت في "ت" و"س". (¬2) انظر "شرح مسلم" للنووي (3/ 106). (¬3) ساقطة من س. (¬4) قوله "ثم يتمضمض منها ثم يستنشق" ساقط من س.

"والخامس: يفصل بست غرفات، يتمضمض بثلاث غرفات، ثمَّ يستنشق بثلاث غرفات". قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله تعالى-: "والصحيح الوجه الأول، وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما". (¬1) والرافعي يخالفه في التصحيح (¬2). قال النووي: "وأمَّا حديثُ الفصل فضعيف، فتعيَّن المصيرُ إلى الجمع بثلاث غرفات، كما ذكرنا، لحديث عبد الله بن زيد" (¬3). يعني قوله فيه: "ثمَّ أدخل يده في الإناء، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماءٍ الحديث. قلت: هذا اللفظ الذي أشار إليه في حديث عبد الله بن زيد هو صحيح من رواية مالك، وسفيان، وغيرهما، عن عمرو بن يحيى. ولكن اللفظ الآخر الذي فيه: "مِن كفٍّ واحدٍ" ثابت أيضًا من رواية خالد بن عبدِ اللهِ الطحّان، وسليمان بن بلال، عن عمرو كما بيّناه. وحديثُ ابنِ عباس في معناه صحيحٌ أيضًا، ويدخل فيهما الوجه الثاني والثالث. فالأحاديث الصحيحة جاءت بالوجه الأول والثاني والثالث، لا تخصيص الوجه الأول فقط كما قال (¬4). وأمّا أحاديث الفصل فليست كذلك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" على مسلم (3/ 106). (¬2) في "فتح العزيز" (1/ 397) وأشار إلى ترجيح الوجه الرابع أو الخامس من الفصل بين المضمضة والاستنشاق. (¬3) في "شرحه" على "صحيح مسلم" (3/ 106). (¬4) النووي في شرحه على مسلم كما تقدم العزو إليه آنفًا.

23 - باب ما جاء في تخليل اللحية

23 - باب ما جاء في تخليل اللحية حدثنا ابنُ أبي عمر: ثنا سفيان بن عُيينة، عن عبدِ الكريم بن أبي المُخارِق أبي أمية، عن حسّان بن بلال قال: "رأيت عمّارَ بن ياسر يتوضأ، فخلّل لحيته، فقيل له: أو قال: أتُخلّل لحيتك؟ فقال: وما يمنعني؛ ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُخَلِّل لحيتَه". حدثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسّان بن بلال، عن عمّار، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثله. قال: وفي الباب عن عائشة، وأمِّ سلمة وأنس، وابن أبي أوفى وأبي أيوب. قال: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعتُ أحمدَ بن حنبل قال: قال ابن عيينة: لم يَسْمَع عبدَ الكريم من حسَّان بن بلال حديث التَّخليل. وقال محمد بن إسماعيل: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان. وقال بهذا أكثر أهل العلم، مِن أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومَن بعدهم، رأوا تخليل الَّلحية، وبه يقول الشافعيُّ. وقال أحمد: إنْ سها عن التخليل فهو جائز. وقال إسحاق: إن تركه ناسيًا أو متأوِّلًا أجزأه (¬1)، وإن تركه عامدًا أعاد. حدثنا يحيى بن موسى: ثنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان بن عفَّان: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُخلِّل لحيته". هذا حديث ¬

_ (¬1) قوله: "إسحاق إن تركه ناسيًا أو متأولًا أجزأه" ألحقه ناسخ س في هامشها وصحح اللحق.

حسن صحيح (¬1). * الكلام عليه: أمَّا حديثُ عائشة: "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضَّأ خَلَّل لحيتَه"؛ فرواه الإمام أحمد (¬2). وأمَّا حديثُ أنسٍ بن مالك: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضَّأ أخذ كفًّا من فأدْخله تحتَ حنكِه، فخلَّل به لحيتَه، وقال: هكذا أمرني ربِّي"؛ فرواه أبو داود (¬3)، واللفظ له، وأخرج ابن ماجه بعضَه في "التخليل" (¬4). وأمَّا حديثُ أبي أيوب الأنصاري قال: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ فخَلَّل لحيتَه"؛ فرواه ابن ماجه (¬5). وأسنده الترمذي في "العلل": ثنا هنَّاد: ثنا محمد بن عُبَيْد، عن واصِل بن السائب، عن أبي سَوْرة، عن أبي أيوب: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضَّأ تمضمض، ومَسَّ لحيته بالماء مِن تحتها" (6). قال: سألتُ محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: لا شيء، فقلت: أبو سورة ما اسمه؟ فقال: لا أدري، ما تصنع به؟ عنده مناكير، ولا يُعرَف له سماعٌ من أبي أيوب" (¬6). قلت: أبو سورة هذا هو: ابن أخي أبي أيوب. ¬

_ (¬1) "الجامع" (1/ 44 - 46). (¬2) في "مسنده" (6/ 234). (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 101 / برقم 145) باب تخليل اللحية. (¬4) في باب ما جاء في تخليل اللحية من "سنته" في (كتاب الطهارة 1/ 149 / برقم 431). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 149 / برقم 433) باب ما جاء في تخليل اللحية. (¬6) "العلل الكبير" (1/ 115).

قال الدارقطني: "مجهول" (¬1)، ووثَّقه ابن حبان" (¬2). وحديث ابن أبي أوفى: أنَّه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأ، وفيه: "يمسح رأسه واحدة، ويُخَلّل لحيته بأصابعه ثلاثًا" (¬3). في نسخة أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن التيميِّ، عن مروان بن معاوية الفزاري: ثنا فائد عنه. وفي الباب ممَّا لم يذكره: عن أبي أُمامة، وابن عمر، وجابر، وعليِّ بن أبي طالب، وابن عباس، وجرير. أمّا حديث أبي أُمامة، فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4) حدثنا زيد بن الحباب، عن عمر بن سليم الباهلي قال: حدثني أبو غالب قال: "قلت لأبي أُمامة: أخْبِرْنا عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ ثلاثًا، وخَلَّل لحيته، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل" (¬4). [وأمّا] (¬5) حديثُ ابن عمر: عن نافع عنه فعن الخلال، أنبا محمد بن الحسن بن هارون، حدثني أبو الفضل جعفر بن محمد المخرمي (¬6)، ثنا عفان ثنا بشر بن منصور، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ خلل لحيته. قال جعفر بن محمد: قال أحمد: ليس في التخليل أحسن من هذا. انتهى. ¬

_ (¬1) في كتاب "الضعفاء والمتروكون" ص (410 / برقم 617). (¬2) في "ثقاته" (5/ 570). (¬3) رواه أبو عبيد في كتاب "الطهور" وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 98). (¬4) (1/ 13). (¬5) من س وهي ساقطة من ت. (¬6) في س والمخرمي.

وقد رواه الطبراني مرفوعًا في "المعجم الأوسط" من حديث مؤمل بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. رواه عن أحمد بن محمد بن صدقة، عن أحمد بن محمد (¬1) بن أبي بردة، عن مؤمل. وقال: لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا مؤمل. وأمَّا حديث ابن عمر في "عرك العارضين" فعن نافع عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضّأ عرَكَ عارِضَيْه بعض العَرْك (¬2)، ثم شبَّك لحيته بأصابعه من تحتها". أخرجها (¬3) ابن ماجه (¬4)، والدارقطني (¬5)، وسيأتي الكلام على تعليله في الباب. وحديث جابر: قال: "رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ فخلَّل لحيته كأنَّها أنيابُ مُشطٍ". ذكره شيخنا الحافظ أبو الفتح القُشَيري في كتابه المسمَّى "بالإمام" (¬6)، من رواية الحسن، عن جابر، من طريق لا معوَّل عليها (¬7). ¬

_ (¬1) قوله "صدقة عن أحمد بن محمد" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّح اللحق. (¬2) قوله "عارضيه بعض العرك" ساقط من س وأشار عندها ناسخ إلى الهامش وليس فيه سوى قوله العرك وصحح اللحق. (¬3) في س أخرجه. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 149 / برقم 432) باب ما جاء في تخليل اللحية. (¬5) في "سننه" (1/ 106 - 107 / برقم 53). (¬6) (1/ 493). (¬7) لأن فيها أصرم بن غياث وهو ضعيف لا سيما فيما رواه عن مقاتل بن حيان فأحاديثه عنه مناكير كما قال البخاري والنسائي، وهذا الحديث من روايته عن مقاتل بن حيان عن الحسن عن جابر رواه بذلك ابن عدي في "الكامل" (1/ 403).

وحديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: رواه أبو القاسم الطبراني من حديث هُشَيْم بن بَشير، عن منصورِ بنِ [زاذانَ] (¬1)، عن أبي البُخْتَريّ الطائيّ قال: "رأيت عليًّا رضي الله عنه يُخلِّل لحيته إذا توضَّأ، ويقول: هكذا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل" الحديث. فيما انتقاه أبو بكر بن مردويه على الطبراني، فيما انتقاه عن أهل البصرة هو للطبراني، عن يحيى بن عثمان، قال: ثنا زكريا بن عبد الخالق الواسطي قال: ثنا هشيم به (¬2). وأمَّا حديثُ ابن عباس: فقال ابن حزم (¬3): وفي "كتاب العُقيلي" (¬4)، في ترجمة نافع مولى يوسف السلمي قال: رُويَ عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتطهّر ثم يخلِّل لحيته، ويقول: بهذا أمرني ربي". قال: ولا يتابع عليه بهذا الإسناد، والرواية في هذا الباب فيها لين، ونافع منكر الحديث (4). وقال النباتي (¬5) في "الحافل" (¬6): نافع مولى يوسف هو: السلمي. ذكر ابن ¬

_ (¬1) من س وفي ت زادان وهو تصحيف. (¬2) عزاه الحافظ ابن حجر أيضًا لأبي بكر بن مردويه فيما انتقاه على الطبراني وذلك في "التلخيص الحبير" (1/ 98) وقال: إسناده ضعيف ومنقطع. انظر "الجزء" رقم (52) ط أضواء السلف. (¬3) في كتابه "المُحلَّى" (2/ 35) دون قوله "وفي كتاب العقيلي". (¬4) "الضعفاء" (4/ 285 / برقم 1877) بنحوها. (¬5) غير مقروءة في ت لوجود بعض البياض عليها. (¬6) في تكملة "الكامل" لابن عدي وهو لأبي العباس النباتي، قال عنه الذهبي: مجلد مفيد فيه استلحاق على "الكامل" لابن عدي. انظر "سير أعلام النبلاء" (23/ 58) و"كشف الظنون" (2/ 1382).

عدي روايته عن عطاء في ترجمة نافع بن هرمز، وجمع بينهما، ووهم (¬1) في ذلك. وأمَّا (¬2) حديثُ جريرٍ: فذكره ابن عدي من طريق ياسين الزيَّات، عن ربعي بن حراش عنه -مرفوعًا-، ثم قال: و "ياسين متروك". [وحديثُ الباب: عن عمَّار من طريق سعيد بن أبي عروبة، وابن أبي المُخارق] (¬3)، عند ابن ماجه (¬4). وذكر ابن أبي حاتم في كتاب "العلل" (¬5)، عن أبيه أنّه قال: لم يُحدِّث بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة، عن ابن (¬6) أبي عروبة. قلت: هو صحيح؟ قال: لو كان صحيحًا لكان في مصنفات ابن أبي عروبة (¬7). وكأنّه يشير إلى أن ابنَ عيينة لم يُصرّح فيه أيضًا بالسماع. وسُئلَ أحمد (¬8) عن حديث الحميدي، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن (¬9) قتادة، عن حسَّان هذا فقال: "إمَّا أن يكون الحميديُّ اختلط، وإمَّا أن يكون ¬

_ (¬1) في ت "وهم". (¬2) عليها بياض في ت. (¬3) ما بين المعكوفتين من س وساقط من نسخة ت. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 148 / برقم 429) باب ما جاء في تخليل اللحية. (¬5) (1/ 32). (¬6) ساقطة من ت. (¬7) في المطبوع من "العلل" زيادة وهي: ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث، وهذا أيضًا مما يوهنه انظر "العلل" (1/ 32). (¬8) كما في كتاب اختصار الخلَّال عن مهنا فيما حكاه ابن دقيق العيد عنه في كتابه المُسمَّى "بالإمام" (1/ 491). (¬9) قوله "سفيان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن حسان هذا فقال إما أن يكون الحميدي "ألحقه ناسخ في الهامش وصحَّح اللحق.

من حدَّث (¬1) عنه خلَّط". قلت: قد بَرِئ الحميدي من هذا بمتابعة ابن أبي عمر له (¬2). وذكر أحمد عن ابن المديني: لم يسمع عبد الكريم هذا إلا من قتادة (¬3) ثمَّ قال أحمد: "كأنَّ عليَّ ابن المديني قد عَرَف الحديث" (3). وروى الطبرانيُّ (¬4) حديثَ سفيان، عن سعيد، عن قتادة ثم قال: لم يَرْوه عن قتادة إلا سعيد، تفرَّد به سفيان (¬5). وذكر ابنُ عساكر عن البخاري (¬6) أنه قال: "لم يسْمَع عبدُ الكريم من حسَّان هذا الحديث"، كما حكاه الترمذي عن أحمد (¬7). فطريق عبد الكريم مضعَّفةٌ به، وبهذا الانقطاع (¬8). وطريق سعيد أرفع منها، ويمكن أن تكون من باب الحسن. ¬

_ (¬1) في س "من حديث" وهو خطأ يرده السياق. (¬2) التي تقدَّم ذكرها في ص (282) أخرجها الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان عن ابن أبي عروبه عن قتادة عن حسان به. (¬3) قلت في كتاب "الإمام" لابن دقيق (1/ 491) أن مهنا قال: قال عباس العنبري لأحمد قال أبو الحسن -يعني علي بن المديني-: لم يسمع قتادة هذا إلا من عبد الكريم- قال أحمد: كأن علي بن المديني قد عرف الحديث. (¬4) في "المعجم الأوسط" (3/ 37 / برقم 2395). (¬5) قوله "عن سعيد عن قتادة ثم قال: لم يروه عن قتادة إلا سعيد تفرد به سفيان" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّح هذا اللحق كُلَّه. (¬6) هذا القول في "التاريخ الكبير" له (3/ 31 / برقم 128) فلا داعي لتوسيط ابن عساكر! (¬7) في "العلل الكبير" (1/ 115). (¬8) الذي بين عبد الكريم وحسان.

وأمَّا حديثُ عثمان فمصحَّح (¬1) في الأصل، وقد أخرجه ابن ماجه (¬2) أيضًا، وأبو بكر بن خزيمة (¬3)، والدارقطني (¬4)، والبيهقي (¬5) وقال: بلغني عن البخاري أنه قال: "هو عندي حسن". وعند الدارقطني: "وخَلَّل لحيته ثلاثًا"، ومع ذلك فكلُّهم رواه من طريق عامر بن شقيق. وقد قال عنه يحيى بن معين: "ضعيف". وقال أبو حاتم: "ليس بقويّ" (¬6). وقال ابن أبي خيثمة: "سألت يحيى بن معين عن حديث عامر (¬7) بن شقيق بعينه؛ فقال: ضعيف" (¬8). وحديث ابن عمر (¬9): "إذا توضَّأ عرك عارضيه بعض العرك": قال الدارقطني (¬10): قال ابن أبي حاتم: قال أبي: "روى هذا الحديث الوليد، عن الأوزاعي، عن عبد الواحد بن قيس، عن يزيد الرقاشي وقتادة قالا: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا-، وهو الصواب (¬11). ¬

_ (¬1) في ت "من". (¬2) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 148 / برقم 430) باب ما جاء في تخليل اللحية. (¬3) في "صحيحه" (1/ 78 / برقم 151 - 152). (¬4) في "سننه" (1/ 86 / برقم 12، 13). (¬5) في "الكبرى" (1/ 54). (¬6) "الجرح والتعديل" (6/ 322 / برقم 1801). (¬7) في س "عن" وهو تحريف. (¬8) في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 364). (¬9) الذي تقدم ذكره ص (284) عند الشارح. (¬10) في "سننه" (1/ 107/ برقم 53). (¬11) "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 31 / برقم 58) وفيه وهو أشبه بالصواب وكذا عند الدارقطني.

قال الدارقطني: ورواه أبو (¬1) المغيرة عن الأوزاعي -موقوفًا-" (¬2). ثمَّ أسنده عن ابن عمر -غير مرفوع - (¬3) من طريق ابن أبي العشرين. وصوَّب الدارقطني الموقوف (¬4). وأخرج هذا الحديث عبد الحق في "أحكامه" (¬5) وقال؛ "والصحيح أنَّه فعل ابن عمر، غير مرفوع إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -". قال ابن القطّان (¬6): "هذا نصُّ ما ذكر، ولم يبيِّن علَّته، وقد يُظَنُّ أنَّ تعليله إيَّاه هو ما ذكر مِن وقفه ورفعه، وليس ذلك بصحيح، فإنه إنَّما كان يصح أن يكون هذا عِلَّةً لو كان رافعه ضعيفًا، وواقفه ثقةً، ففي مثل هذه الحال كان يصدق قوله: "الصحيح موقوف من فعل ابن عمر. أمَّا إذا كان رافغه ثقة، وواقفه ثقةً، فهذا لا يضرُّه، وهو لا علَّة فيه. وهذا حال هذا الحديث، فإن رافعه عن الأوزاعي هو: عبد الحميد بن حبيب ابن أبي العشرين كاتبه، وواقفه عنه هو: أبو المغيرة (¬7)، وكلاهما ثقة فالقضاء للواقف على الرافع يكون خطأً. وبعد هذا فعلَّةُ الخبرِ هي غير ذلك: وهي ضعف عبد الواحد بن قيس راويه عن نافع، عن ابن عمر، وعنه رواه الأوزاعي في الوجهين. ¬

_ (¬1) قوله "أبو" ألحقه ناسخ في الهامش (ل 82 / ا). (¬2) "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 31 / برقم 58) وفيه: وهو أشبه بالصواب وكذا عند الدارقطني في "سننه". (¬3) قوله "غير مرفوع" ساقط من ت. (¬4) في "سننه" (1/ 107 / برقم 54). (¬5) "الوسطى" (1/ 173). (¬6) في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 364). (¬7) في س "ابن المغيرة" وهو تحريف.

قال يحيى بن سعيد (¬1): "عبد الواحد بن قيس الذي رَوى عنه الأوزاعي شبه لا شيء". وإذ (¬2) الموقوف الذي صُحّح لا بُدَّ فيه مِن عبد الواحد، فليس إذن بصحيح. والدارقطني في لم يَقُل في الموقوف: صحيح، ولا أصحُّ؛ إنّما قال: "إنّ رواية أبي المغيرة بوقفه هي الصواب فاعلم ذلك". قلت: أمَّا ما ذكره ابنُ القطَّان، فليس بعيدًا من حيث النَّظر، إذا استويا في مرتبة الثقة والعدالة، أو تقاربا (¬3) كما هو ها هنا، لأنَّ الرفع زيادة على الوقف، وقد جاء عن ثقة، فسبيله القَبول، وهذا هو (¬4) الذي زعمه ابنُ الصلاح (¬5)، فإن كان نظرًا منه فهو نظرٌ صحيح، وإنْ كان نقلًا عن من تقدَّم، فليس للناس في ذلك عملٌ مطّردٌ. وأبو المغيرة هو: عبد القدّوس بنُ الحجّاج الشامي، احتجَّ به الشيخان (¬6). وابن أبي العشرين: رَوَى له الترمذي، وابن ماجه (¬7). وقال ابن معين: "ليس به بأس" (¬8). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (6/ 23 / برقم 120). (¬2) في س وإذا. (¬3) في س "توازيا". (¬4) ألحقت في هامش ت وصححت (ل 83 / ا). (¬5) في "مقدمته " ص (77). (¬6) وروى له سائر الأربعة أيضًا فقد رمز له الحافظ في "التقريب" بـ ع أي روى له الجماعة كما هو معلوم. (¬7) والبخاري تعليقًا أيضًا فقد رمز له الحافظ في "التقريب" خت وت وق وهذا عند ذكر اسمه، أما في الأبناء فقد رمز له بخت وت وس ولعله خطأ في المطبوع. (¬8) في سؤالات ابن الجنيد (306 / برقم 135).

وقال العجليّ؛ قريبًا من ذلك (¬1). وقال النسائي: "ليس بالقويّ" (¬2). وقال البخاريّ: "شاميٌّ رُبَّما يخالف في حديثه" (¬3). فإن كان عبدُ القدّوس مرجَّحًا على عبد الحميد، فإنَّ لعبد الحميد اختصاصًا بالأوزاعي يُوجب له مزيَّةً فيما يروي عنه، كان كاتبه، وقدَّمه هشام بن عمار على أصحاب الأوزاعي، فقال في حكاية: "أوثق أصحابه كاتبه عبد الحميد" (¬4). وعُرِف عن يحيى بن معين أنَّ قولَه: "ليس به بأس"؛ يعني به: الثقة (¬5). فليس بمقصَّر في الأوزاعي عن درجة أبي المغيرة، وإنْ احتمل أنْ يقصر عنه في غيره. وأمَّا ردُّ ابنُ القطان الخبرَ بعبد الواحد بن قيس، فليس في عبد الواحد كبيرُ أمرٍ. عبد الواحد مختلف في حاله: وثَّقه ابن معين (¬6)، وأباه البخاريُّ (7) ويحيى القطان (¬7). وقال ابن عديٍّ: ضعيف (¬8)، وإذا روى [عنه] (¬9) الأوزاعي فهو صالح. ¬

_ (¬1) في "معرفة الثقات" (2/ 70 / 1011) حيث قال: لا بأس به. (¬2) في كتابه "الضعفاء والمتروكون" (169 / برقم 419). (¬3) في كتابه "التاريخ الكبير" (6/ 45 / برقم 1652). (¬4) "تهذيب الكمال" (16/ 422). (¬5) "لسان الميزان" (1/ 24 - 25). (¬6) كما في "تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي" (ص 141 / برقم 471). (¬7) "التاريخ الكبير" (6/ 56 / برقم 1694). (¬8) لم أجد تنصيص ابن عدي على ضعف عبد الواحد بن قيس في "الكامل" في ترجمة عبد الواحد بن قيس هذا (5/ 297 / 469) ولكن أشار إلى ضعفه عندما وثقه إذا روى عنه الأوزاعي -معناه- إن لم يرو عنه الأوزاعي فهو ضعيف. (¬9) كذا في س وهو الصواب لأنه من شيوخ الأوزاعي وفي ت عن وهو تصحيف.

وهذا من رواية الأوزاعي عنه. وأمَّا أبو محمد عبد الحقّ فقد صحَّح ذلك عن ابن عمر مِن فِعْله (¬1)، وليس إلَّا الاعتماد على الدارقطني في ترجيح موقوف هذا الخبر على مرفوعَه (¬2)، وذلك لا يقتضي تصحيح الموقوف مطلقًا. والله أعلم. وزعم أبو عمر في كلام له: "إنَّ أحاديث هذا الباب كلَّها ضعيفة (¬3) " (¬4). وأمَّا حكمُ تخليلِ اللحيةِ: فالعلماء مختلفون فيه: * فمنهم من أوجبه. * ومنهم (¬5) مَن لم يوجبه. * ومنهم من فَرَّق بين الوضوءِ والغسل من الجنابة، فأوجبه في الغسل دون الوضوء. * ومنهم مَن فرَّق بين اللحية الكثيفة والخفيفة. وسنذكر من ذلك ما انتهى إلينا بمشيئة الله تعالى وعونه، وقد ذكرنا الأحاديث المرفوعة في ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) في "أحكامه الوسطى" (1/ 173) كما تقدم قريبًا. (¬2) في "سننه" (/ 1/ 107 برقم 54). (¬3) قوله "كلها ضعيفة" عليه بياض في ت. (¬4) في "التمهيد" (20/ 120). (¬5) ألحق ناسخ س هذه الكلمة في هامشه وأشار إلى صحة هذا اللحق. (¬6) انظر ص (290 - 291 - 292).

وأمَّا الآثارُ: فروي ذلك عن ابن عباس (¬1)، وابن عمر وأنس (1)، وعليّ (1)، وسعيد بن جُبَيْر (1)، وأبي قلابة (1)، ومجاهد (1)، وابن سيرين (1)، والضحّاك (1)، وإبراهيم النخعيّ (1). وممّن رُوي عنه أنَّه [كان] (¬2) لا يُخلّل: إبراهيم النخعيُّ (¬3)، والحسنُ وابنُ الحنفية (3)، وأبو العالية (¬4)، وأبو جعفر الهاشمي (4)، والشعبي (4)، ومجاهد (4)، والقاسم (4)، وابن أبي ليلى (4). ذكر ذلك عنهم أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيده إليهم (4). قال أبو عمر: "واختلف العلماء في تخليل اللحية والذّقن: * فذهب مالكٌ، والشافعيُ، والثوريُ، والأوزاعيُّ؛ إلى أنَّ تخليلَ اللحيةِ ليس بواجب في الوضوء. * وقال مالك، وأصحابُه، وطائفةٌ من أهل المدينة: ولا في غسل الجنابة، لا يجب تخليل اللحية أيضًا. * وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابُهما، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، والطبري، وأكثرُ أهل العلم: تخليل اللحية في غُسل الجنابة واجب، ولا يجب ذلك عندهم في الوضوء (¬5). وأظنُّهم فرَّقوا بين ذلك -والله أعلم- لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحت كل شعرة جنابة، ¬

_ (¬1) رواها كلها ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 12 - 13). (¬2) من س وهي ساقطة من ت. (¬3) في "المصنف" لابن أبي شيبة (1/ 14). (¬4) في مصنفه (1/ 12 - 14). (¬5) في التمهيد (20/ 119 - 120).

فبُلْوا الشّعَر وأنقُوا البشرة". وأظنُّ مالكًا ومَن قال بقوله ذهبوا إلى أن الشعر لا يمنع [مِن] (¬1) وصول الماء لرقة الماء، ويوصله إلى البشرة من غير تخليل إذا كان (¬2) هناك تحريكٌ. وذكر ابنُ عبد الحكم عن مالك قال: وتُحَرّك اللحية في الوضوء إذا كانت كبيرة، ولا يُخلِّلها، وأمَّا في الغسل فليحرِّكها وإن صَغرتْ، وتخليلها أحبُّ إليَّ. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: تخليل اللحية واجبٌ في الوضوء والغسل. وروي نحوه عن سعيد بن جُبَير قال: ما بالُ الرجل يغسل لحيته قبل أن تنبت، فإذا نبتت لم يغسل، وما بال الأمرد يغسل ذقنه، ولا يغسله ذو اللحية. وقال أبو عمر: ورُوي عن جماعة من الصحابة والتابعين تخليل اللحية، وأكثرهم لم يُفرِّقوا بين الوضوء والجنابة (¬3). ورُوي عن جماعة منهم الرخصة في تركِ تخليل اللحية. وإيجاب غسل ما تحت اللحية إيجاب فرض، والفرائض لا تثبت إلا بيقين لا اختلاف (¬4) فيه، ومَن احتاط وأخذ بالأوثق فهو أولى في خاصيّته. وأمَّا الفتوى في إيجاب الإعادة فما ينبغي أنْ تكون إلَّا عن يقين" (¬5). وقال الأصحاب -في شعر الذّقن والعارِضَيْن، والعارِضُ عندهم: ما ينحطُّ ¬

_ (¬1) من س وهي ساقطة من ت. (¬2) أشار عندها إلى الهامش في ت وليس فيه إلا حرف ص. (¬3) في "التمهيد" (20/ 120). (¬4) في س: لختلاف. (¬5) في "التمهيد" (20/ 120).

عن القدر المحاذي للأذن-: يُنظر فيه إنْ كان خفيفًا وَجَب غَسْلُه، وإنْ كان كثيفًا لم يجب إلا المرأة فإنَّ لحيتها نادرة. وفي العَنْفَقة وجهان؛ لما رُوي: أنّه - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ فغَرَف غَرْفةً غسل بها وجهه، وكان - صلى الله عليه وسلم - كثَّ اللحية. ولا يبلغ ماءُ الغرفة الواحدة أصول الشعر مع الكثافة، والمعنى فيه عُسر إيصال الماء إلى النابت مع الكثافة غير النادرة. وحُكيَ فيه قول قديم: أنَّه يجبُ غَسْل البشرة تحته لانتهاء الوجه، وهذا شعر نابت عليه. ومنهم من يحكيه وَجْهًا، وهو قول المزني. * والمذهب الأول: قال الرافعي: "وعبارة أكثر الأصحاب أنَّ الخفيف ما تتراءى البشرةُ من خلاله في مَجْلس التخاطُب، والكثيف ما يستُر ويمنع الرُّؤية، هذا ما يُشعر به لفظ الشافعي، وقال بعض الأصحاب: الخفيف: ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة واستقصاء، والكثيف: ما يفتقر إليه (¬1). وفيما خرج عن حدّ الوجه من اللحية طولًا وعرضًا قولان: * أحدهما: لا يجب غسله، وبه قال أبو حنيفة، والمزني. * وأصحّهما: يجب لأنَّه من الوجه بحكم التبعية. وهذا الخلاف يجري أيضًا في الخارج عن حدِّ الوجه من الشعور الخفيفة كالعذار والسبال (¬2) إذا طال ولا فرق، وذكر بعضهم في السبال أنّه يجب غسله قولًا واحدًا، والظاهر الأول". ¬

_ (¬1) قوله "ما يفتقر إليه" عليه بياض في ت في مصورتي. (¬2) غير مقروءة في مصورتي ت لارتجاج في التصوير.

24 - باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري: ثنا معن: ثنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما، حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه".

قال أبو عمر: "ولأصحاب مالك في هذه المسأله قولان كأصحاب الشافعي، والله أعلم" (¬1). 24 - باب ما جاء في مسح الرأس أنّه يبدأ بمقدّم الرأس إلى مؤخّرِه حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري: ثنا معن: ثنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم (¬2) رأسه، ثم ذهب بهما (¬3) إلى قفاه، ثم ردَّهما، حتى رجع (¬4) إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه". قال: وفي الباب عن معاوية، والمقدام بن معدي كرب، وعائشة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأحسن. وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق (¬5). * الكلام عليه: حديث الباب صحيح مخرَّج عند الشيخين من غير ما وجه (¬6). ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (20/ 122). (¬2) في س "قدَّم". (¬3) في س "بما" وهو تصحيف ظاهر. (¬4) في س "ترجع". (¬5) في "الجامع" (1/ 47). (¬6) وهو كما قال فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الوضوء (1/ 81 / برقم 185) باب مسح الرأس كله وأخرجه في مواطن أخرى من "صحيحه" من غير ما وجه انظره فيه برقم (191) و (192) و (197) و (199) وأخرجه كذلك مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 210 / برقم 235) باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير ما وجه.

قال أبو عمر (¬1): "رواه ابن عيينة، عن عمرو بن يحيى فأخطأ فيه في موضعين: * أحدهما: أنّه قال فيه: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه (¬2)، وهذا خطأ، وإنَّما هو عبد الله بن زيد بن عاصم، وقد نسبناهما في كتاب "الصحابة" (¬3)، وأوضَحْنا أمرهما (¬4). وأمَّا عبد الله (¬5) بن زيد بن عبد ربه، فهو الذي أُرِيَ الأذان في النوم، وليس هو الذي يروي عنه هذا الحديث يحيى بنُ عمارة. وعبد الله بن زيد بن عاصم هو: عمُّ عباد (¬6) بن تميم، وهو أكثر رواية عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من عبد الله بن زيد بن عبد ربه. وقد كان أحمدُ بن زهير يزعم أنَّ إسماعيل بن إسحاق وَهِم فيهما، فجعلهما (¬7) واحدًا، فيما حكى قاسم بن أصبغ عنه. والغلط لا يسلم منه أحد، وإذا كان ابن عيينة مع جلالته يغلط في ذلك، فإسماعيل بن إسحاق أين يقع من ابن عيينة؟ إلا أن المتأخِّرين أوسع عِلْمًا، وأقلّ عذرًا. * وأما الموضع الثاني الذي وَهِم ابنُ عيينة فيه، في متن الحديث فإنَّه ذكر ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (20/ 115). (¬2) غير مقروءة في ت. (¬3) الذي سمَّاه "الاستيعاب" وكلامه موجود فيه (3/ 913) ط دار الجيل. (¬4) قوله "أمرهما وأما عبد الله" ملحق في هامش س مصحَّحًا. (¬5) الذي تقدمت الإشارة إليه وأنه في "التمهيد" (20/ 115). (¬6) قوله "هو عمُّ" غير واضح في ت. (¬7) غير مقروءة في ت.

فيه: مَسَحَ الرأسُ مرتين، ولم يذكر فيه أحدٌ مرتين غير ابن عيينة، وأظنُّه -والله أعلم - تأوّل الحديث". انتهى كلام أبي عمر (¬1). قوله: "وعبد الله بن زيد بن عاصم: هو عمُّ عباد بن تميم"، يُوهم عمومة النسب، بل ربَّما توهَّم هو ذلك فقال في نسب تميم والد عباد بن تميم (¬2)، في كتابه في "الصحابة" (¬3): "قيل فيه: تميم بن عبد عمرو، وقيل: تميم بن زيد بن عاصم أخو عبد الله، وحبيب ابني زيد بن عاصم بن عمرو من بني مازن بن النجار، أُمُّهم أمُّ عمارة نُسيبة الأنصارية، ويُعْرَفون ببني أمِّ عمارة". وقد قال غيره (¬4) مثل ذلك ثمن لم يأخذه عنه، وليس ذلك بشيء، إنَّما هو تميم بن غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، أمُّه أمُّ عمارة نُسَيْبة بضم النون [وفتح] (¬5) السين المهملة، أو فتح النون وكسر السين، والأوَّل أشهر. تزوَّجها زيد بن عاصم، فولدت له عبد الله وحبيبًا، ثم خَلَف عليها غَزِيَّة بن عمرو (¬6) فولدت له تميمًا وأبا حبّة (¬7)، ذكر معناه ابن سعد (¬8). ¬

_ (¬1) الذي تقدمت الإشارة إليه وأنه في "التمهيد" (20/ 115). (¬2) من قوله "يوهم عمومة" إلى قوله "والد عباد بن تميم" ألحقه ناسخ في الهامش وصحَّح اللحق. (¬3) "الاستيعاب" (1/ 195 / برقم 238) ط دار الجيل. (¬4) الذي تقدّمت الإشارة إليه وأنه في "التمهيد" (20/ 115). (¬5) كذا في س وهو الصواب وفي ت "وفتح النون" وهو خطأ يرده السياق. (¬6) في س عمر. (¬7) في س "أبا حية". (¬8) في "الطبقات الكبرى" (8/ 412 - 416).

وقد ذكر أبو عمر نسب أبي حبّة في بابه من الكنى على الصواب (¬1). وأمَّا ما حكاه عن ابن أبي خيثمة من أنَّ إسماعيل بن إسحاق وَهِم فيهما فجعلهما واحدًا (¬2). فقد جعلهما أبو القاسم البغوي ثلاثة، فذكر عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب حديث الأذان، ثم ذكر بعده عبد الله بن زيد بن عمرو المازنيّ، وذكر له حديثًا واحدًا في الأذان، وقال: ليس له غيره، ثم عَقَد لعبد الله بن زيد بن عاصم ترجمة ثالثة، وذكر من حديثه وحكى وفاته. قال: وفي الباب (¬3) عن معاوية، والمقدام بن معدي كرب، وعائشة. أمَّا حديث معاوية: "أنَّه توضَّأ للناس كما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأ؛ فلمَّا بلغ رأسه غَرَف غَرْفةً من ماء، فتلقَّاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتَّى قطر الماء، أو كاد يقطر، ثمَّ مسح من مقدَّمه إلى مؤخَّره، ومن مؤخَّره إلى مقدَّمه" رواه أبو داود (¬4). وأمَّا حديثُ المقدام بِن معدي كرب: فقد تقدَّم في باب المضمضة والاستنشاق مخرّجًا عن الإمام أحمد وأبي داود وابن الجارود. وأمَّا حديثُ عائشةَ (¬5). ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (4/ 627 / برقم 2905) ط دار الجيل. (¬2) في "التمهيد" (20/ 115). (¬3) الواو ساقطة من س. (¬4) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 50 / برقم 124) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين. (¬5) لم يُخرِّجْ الشارحُ حديث عائشة وعلَّق عليه محمد عابد السندي في هامش "س" قائلًا: فقد =

وحديثُ الباب صحيح، وقد ذكر طرفًا منه في هذا الموضع، وطرفًا منه في غيره (¬1)، وسيأتي عنه تصحيحه (¬2)، وهو عند الجماعة (¬3). وأمَّا مسحُ الرأسِ: قال أبو عمر (¬4): "أجمعوا على أنَّ (¬5) مَن مَسَحَ برأسه كُلّه فقد أحسن، وفَعَلَ أكمل ما يلزمه. وكلّهم يقول: يمسح الرأس مسحة واحدة كاملةً، ولا يزيد عليها إلّا الشافعي، فإنه قال: أكمل الوضوء أن يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا كُلَّها سابغة، ويمسح برأسه ثلاثًا. ورُوي مسح الرأس ثلاثًا عن أنس، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء وغيرهم. وكان ابن سيرين يقول: يمسح رأسه مرتين. ¬

_ = أخرجه النسائي في "سننه الكبرى" وفي لفظ حديثها "ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها مرة واحدة إلى مؤخره ثم مدَّت يدها بأذنها ثم مدَّت على الخدين" وستأتي الإشارة إليه في كلام الشارح في باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرة واحدة. "محمد عابد" وعلق ناسخ ت في هامش نسخته (ل 85 / ا) قائلًا "حديث عائشة رواه النسائي بإسناد حسن". (¬1) في باب المضمضة والاستنشاق من كف واحدٍ في "جامعه" (1/ 41) وفي باب من يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا (1/ 66). (¬2) في "الجامع" (1/ 66) حيث قال فيه: حسن صحيح. (¬3) والمراد بهم أصحاب الكتب الستة كما هو معروف وهو كما قال فقد أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" كما تقدم العزو إليهما ص (292) وأخرجه أيضًا أبو داود في "سننه" في (كتاب الطهارة 1/ 86 - 87 / برقم 118) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - والنسائي في "سننه" في (كتاب الطهارة 1/ 71 - 72 / برقم 98) ط عبد الفتاح أبو غدة وابن ماجه في "سننه" (كتاب الطهارة، 1/ 149 - 150 / برقم 434) باب ما جاء في مسح الرأس. (¬4) في "التمهيد" (20/ 123 - 124). (¬5) ساقطة من ت.

وكان مالك يقول -في مسح الرأس-: يبدأ بمقدَّم رأسه، ثم يذهب بيديه إلى مؤخَّره، ثم يردَّهما إلى مقدَّمه، على حديث عبد الله بن زيد. وكذلك يقول الشافعي، وأحمد، وكان الحسن بن حيٍّ يقول: يبدأ بمؤخر الرأس. وقوله: "فأقبل بهما وأدبر"، تفسيره: أنَّه كلام خرج على التقديم والتأخير، كأنَّه قال: فأدبر بهما وأقبل، لأنَّ الواو لا تُوجِب الرُّتبة. وإذا احتمل الكلام التأويل كان قوله: "بدأ بمقدَّم رأسه، ثمَّ ذهب بهما إلى قفاه"، تفسير ما أشكل من ذلك. قلت: وأرفع التأويل (¬1) من هذا أن يُحْمَل: "أقبل" على البداءة بالقبل، "وأدبر" على البداءة بالدبر؛ فيكون من باب تسمية الفعل بابتدائه، وهو أحدُ القولين لأهل الأصول في تسمية الفعل هل يكون بابتدائه أو بانتهائه. ثمَّ روى أبو عمر (¬2) من طريق أبي داود حديث المقدام بن معدي كرب قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، فلمَّا بلغ مسحَ رأسه، وضع كفيَّه على مقدَّم رأسه، فأمرَّهما حتى بلغ القفا، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه". وروى معاوية "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ مثل ذلك" سواء (¬3). وأمَّا قولُ الحسنِ بن حيٍّ: "يبدأ بمؤخَّر رأسه"؛ فسيأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) في "التمهيد" (20/ 124 - 125). (¬3) "التمهيد" (20/ 125).

25 - باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس

25 - باب ما جاء أنَّه يبدأ بمؤخَّر الرأسِ حدثنا قتيبة: ثنا بشر بن الفضل (¬1)، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيّع بنت معوّذ بن عفراء: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَح برأسه مرَّتين، بدأ بمؤخَّر رأسه، ثمَّ بمقدَّمه، وبأذنيه كليهما ظهورهما وبطونهما". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وحديث عبد الله بن زيد أصحُّ من هذا وأجودُ إسنادًا. وقد ذهَب بعضُ أهلِ الكوفةِ إلى هذا الحديث منهم وكيع بن الجرَّاح (¬2). * الكلام عليه: هو حديث يدور على عبد الله بن محمد بن عقيل، ولم يكن بالحافظ عندهم، وقد تقدَّم (¬3)، وألفاظه (¬4) مختلفة، هذا لفظ بشر بن المُفضَّل، والحسن بن صالح. ورواه ابنُ عجلان عنه رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فمسح ما أقبل من رأسه وما أدبر، رواه عن ابن عجلان كذلك سعيد بن أبي أيوب، ورواه الليث عن ابن عجلان فقال: فمسح برأسه، فمسح الرأس كُلَّه، مِن فرق الشعر كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرّك الشعر (¬5) عن هيئته". وبعضُ هذا عند البيهقي (¬6)، ورواه الإمام أحمد (¬7)، ولفظه: "أنَّ رسول الله ¬

_ (¬1) في س: الفضل وهو تصحيف والصواب ما هو مثبت كما في ت "جامع الترمذي". (¬2) "الجامع" (1/ 48). (¬3) من س وفي ت "توَّهم" وهو تصحيف ظاهر من السياق. (¬4) من س وفي ت "ولفظه" وهو تصحيف ظاهر من السياق. (¬5) قوله "لا يحرك الشعر" ألحقه الناسخ لـ ت في الهامش وصحَّحه. (¬6) في "السنن الكبرى" (1/ 60). (¬7) في "المسند" (6/ 359).

- صلى الله عليه وسلم - توضَّأ عندها، فرأيته مَسَح على رأسه مجاري الشعر، ما أقبل منه وما أدبر، ومسح صدغيه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما". ورواه أبو داود (¬1). وأمَّا البداءةُ في مسَحَ الرأس من مؤخَّره: فمَحْكيّةٌ عن الحسن بن حيِّ، ووكيع بن الجراح. وقال أبو عمر (¬2): "قد توَّهم (¬3) بعضُ النَّاس في حديث عبد الله بن زيد في قوله: "ثمَّ مَسَح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر". أنَّه بدأ بمؤخَّر رأسه، وتوهَّم غيره أنَّه: بدأ من وسَطِ رأسه، فأقبل بيديه وأدبر، وهذه كلُّها ظُنون لا تصح". قال (¬4): "وقد رُوي عن ابن عمر "أنَّه كان يبدأ من وسط رأسه"، ولا يصحُّ. وأصحُّ حديث في هذا الباب: حديث عبد الله بن زيد الذي تقدَّم، والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءةُ من مقدَّم الرأس إلى مؤخَّره، وقد جاءت هذه الأحاديث كما ترى: "ما أقبل وما أدبر"، وفي بعضها: "ما أدبر وما أقبل" (¬5)، وقد سَبَق الجواب عن هذا من الوجهين اللذين (¬6) ذكرناهما: * الأول: أنَّ الواو لا تقتضي الترتيب. * الثاني: أنَّ الفعل قد يُسمَّى بالشروع فيه عند قوم، وبالانتهاء منه عند آخرين. ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 91 برقم 126) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في "التمهيد" (20/ 124). (¬3) في ت: تقدّم وهو خطأ ظاهر. (¬4) في ت "قال قال" كذا مكررة. (¬5) في ت "ما أدبر وكذا أقبل". (¬6) في ت: الذي.

26 - باب ما جاء أن مسح الرأس مرة

وأمَّا هذه الروايةُ: "بدأ بمؤخَّر رأسه" فقد تكون محمولة على الرواية بالمعنى عند مَن يُسمِّي الفعل بما يُنتهي إليه، كأنَّه حمَل قولَه: "ما أقبل وما أدبر". على الابتداء بمؤخَّر الرأس فأدَّاه بمعناه عنده، وإنْ لم يكن كذلك ذكر معناه ابنُ العربي (¬1). ويمكن أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) فعل ذلك لبيان الجواز مرَّة، وكانت مواظبته على البداءة بمقدّم الرأس أكثر، وما كان أكثر مواظبته عليه كان أفضل. 26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة ثنا قتيبة: ثنا بكر بن مضر، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الرُّبيِّع بنت معوِّذ: "أنها رأت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، قالت: مَسَح رأسه ما أقبل منه وما أدبر، وصُدْغَيْه، وأُذُنَيْه مرَّةً واحدة". قال: وفي الباب عن عليٍّ، وجدِّ طلحة بن مصرِّف. قال أبو عيسى: حديث الرُّبيِّع حديث حسن صحيح، وقد رُوي من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه مسح برأسه مرَّة" والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومَن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد، وسفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: رأوا مسح الرأس مرَّة واحدة. حدثنا محمد بن منصور المكي، قال: سمعتُ سفيانَ بنَ عيينة يقول: سألتُ جعفر بن محمد عن مسح الرأس: أيجزئ مرّة؟ [واحدة (¬3)] قال: إي والله (¬4). ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 48 - 49). (¬2) في ت يعمل. (¬3) زيادة من س وهي ليست مثبتة في المطبوع من طبعة أحمد شاكر. (¬4) "الجامع" (1/ 49 - 50).

* الكلام عليه: رواه أبو داود عن قتيبة بهذا الإسناد (¬1). قال (¬2) ابن عساكر: وجدث في نسخة من طريق اللؤلؤي، عن ابن عقيل، عن أبيه، عن رُبيع، وهو وَهْم. ورواه الإمام أحمد (¬3)، وصحَّحه الترمذيُّ، وهو كالذي قبله من حديث ابن عقيل، ولم يُصحَّح (¬4) ذلك لأمور: * أحدها (¬5): ما فيه من اضطراب المتن، واختلاف الألفاظ. * الثاني: مخالفة لفظه للأحاديث الصحيحة في هيئة المسح. * الثالث: أنَّه لم يذكر في معناه شيئًا، وذكر في معنى هذا حديث عليٍّ، وحديث طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عن جده. وقد كان الحميدي، وأحمد، وإسحاق، يحتجون بابن عقيل (¬6). وأمَّا حديثُ عليٍّ: فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "رأيتُ عليًّا توضَّأ فَغَسل وجْهَه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا (¬7)، ومسح برأسه واحدة، ثمَّ قال: هكذا توضَّأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" رواه أبو داود (¬8). ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 91 / برقم 129) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في ت: وقال والمثبت أنسب للسياق وهو من س. (¬3) في "مسنده" (6/ 359) وليس فيه: مرَّة واحدة! (¬4) كذا في س وفي ت: ولم يصح. (¬5) في ت: أحدهما رهو خطأ ظاهر يرده السياق. (¬6) كذا قال البخاري فيما نقله الترمذي عنه في "الجامع" (1/ 9). (¬7) قوله "وغسل ذراعيه ثلاثًا" ألحقه الناسخ س في الهامش وصححه. (¬8) في "سننه" في كتاب الطهارة (1/ 83 / برقم 115) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ورواه النسائي (¬1)، من حديث الحُسَين بن عليٍّ، عن أبيه: "ثمَّ مسح برأسه مسحة واحدة". ورواه الإمام أحمد (¬2)، والبيهقي (¬3)، من حديث عبد خير، عن عليٍّ: "مرَّة واحدة". ورواه البيهقي (¬4) أيضًا من حديث زر بن حُبيش، عن علي: "ومسح (¬5) رأسه حتى لمَّا تقطَّر". وأمَّا (¬6) حديثُ طلحةَ بن مصرِّف، عن أبيه، عن جدِّه: فهو عند أحمد (¬7)، والبيهقي (¬8). وفيه زيادة حسنة وهي: "مسح العُنُق". ولفظه عند أحمد: "أنَّه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح رأسه حتى بلغ القذالَ (¬9)، وما يليه مِن مقدَّم العُنق". وعند البيهقي: "حتى يأتي (9) على أُذُنَيْه (¬10) وسالفتيه"، وفي لفظ له: "مَسَحَ رأسه وأذُنَيْه، وأمرَّ يديه على قفاه". وكلاهما خرَّجه من حديث ليث عن ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 69 - 70 / برقم 95) طبعه عبد الفتاح. (¬2) في "مسنده" (1/ 110، 125). (¬3) في "السنن الكبرى" (1/ 58 - 59). (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 58) وفيه "ومسح على رأسه حتى الماء يقطر". (¬5) من قوله "ومسح" إلى قوله "فهو عند أحمد" كل هذا ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه. (¬6) ساقطة من ت. (¬7) في "مسنده" (3/ 481). (¬8) في "السنن الكبرى" (1/ 60). (¬9) غير مقروءة في ت. (¬10) من قوله "أذنيه" إلى قوله "خرجه من حديث" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه.

طلحة، قال المقدسي: "وليثٌ متكلَّمٌ فيه" قلت: قد أخرج (¬1) له مسلم (¬2)، ولو أعلَّه بطلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عن جدِّه لكان أشبه، وقد تقدَّم الكلام على هذا الإسناد. وفي الباب ممَّا لم يذكره: حديث (¬3) سالم سبلان عن عائشة: "فأرتني كيف كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ، قال: "فمضْمَضَتْ واستنثرت ثلاثًا، وغسلتْ وجهها ثلاثًا، ثمَّ غسلت يدها اليمنى ثلاثًا، واليسرى ثلاثًا، ووضعَت يدها في مقدَّم رأسها، ثمَّ مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخَّره، ثم مدَّت بيدها بأذنيها (¬4)، ثم مدّت على الخدَّيْن". رواه النسائي (¬5). وحديثُ ابن عباس: روى البيهقي (¬6) من حديث عطاء بن يسار عنه: قال لنا ابن عباس: "أتحبُّون أنْ أُريَكم كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأ، فدعا بإناء فيه ماء" فذكر الحديث. وفيه قال: "ثمَّ قبض قبضة من الماء، فنفض يده، فمسح بها رأسه وأذُنَيْه". ¬

_ (¬1) في ت: خرَّجه. (¬2) في "صحيحه" حديثًا في (كتاب اللباس والزينة 3/ 1636 / برقم 2066) مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني. (¬3) بياض في ت ومن قوله "حديث سالم سبلان" إلى قوله "يتوضَّأ قال" كل هذا ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّح اللحق في هامشه. (¬4) قوله "ثم مدت بيدها بأذنيها" ساقطة من ت. (¬5) في "سننه" (1/ 72، 73 / برقم 100) طبعة أبي غدة. (¬6) في "السنن الكبرى" (1/ 80).

ولم يُبَوِّب الترمذي على مَسْح الرأس مرتين. وفيه عن عبد الله بن زيد قال: "رأيت رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأ، فغسَلَ وَجْهَهُ ثلاثًا، ويديه مرَّتين، وغَسَل رجليه مرَّتين، ومَسَحَ برأسه مرَّتين". رواه النسائي (¬1). ولا بوَّبَ أيضًا على مسحه ثلاثًا. وفيه (¬2) من حديث الرُّبيِّع بنت معَوِّذ عند البيهقي (¬3)، وفيه: "ومسَحَ برأسه مرَّتين يبدأ بمؤخر رأسه، ثمَّ بمقدَّمه، ثمَّ بمؤخَّره، ثمَّ بمقدَّمه" الحديث (¬4). وفيه عن حُمْران قال: رأيث عثمانَ بنَ عفَّان توضَّأ، وفيه: "ومَسَحَ رأسَه ثلاثًا، ثمَّ غَسَل رجليه ثلاثًا، ثمَّ قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ هكذا"، وقال: "مَنْ توضَّأ دون هذا (¬5) كفاه". رواه أبو داود (¬6) والدارقطني (¬7). وقال أبو داود (¬8): أحاديث عثمان الصحاح كفها تدل على أن مسْحَ الرأس مرَّةً، فإنَّهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: "مسَحَ رأسه"، لم يذكروا عددًا [كما ذكروه في غيره] (¬9). وهو عند أبي داود (¬10) من حديث عبدِ الرحمن بنِ وردان، عن أبي سلمة، ¬

_ (¬1) في "سننه" (1/ 72 / برقم 99) طبعة أبي غدة. (¬2) من قوله: "وفيه من حديث" إلى قوله "ثم بدأ بمقدمه" الحديث كل هذا السقط في س. (¬3) في "السنن الكبرى" (1/ 64). (¬4) علق ناسخ ت عندها في الهامش قائلًا (ل 87 / ا) ". . . أيضًا على مسحه ثلاثًا". (¬5) في س هكذا. (¬6) في "سننه" (كتاب الطهارة 1 / / برقم 107) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬7) في "سننه" (1/ 91 / برقم 3). (¬8) في "سننه" (1/ 64). (¬9) زيادة من "سنن أبي داود". (¬10) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 79 - 80 / برقم 107) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -.

عن حُمران. وعبد الرحمن؛ قال فيه يحيى (¬1): "صالح". وقال أبو حاتم الرازي: "ما به بأس" (¬2). وغيره من رُواته مشهور، فلولا مخالفة عبد الرحمن الثقات، في انفراده بالتَّثليث لكان صحيحًا أو حسنًا. وقال (¬3) البيهقي (¬4): "إن ما روي فيه المسح ثلاثًا لا تقوم به حُجَّةٌ عند أهل المعرفة". وعن عليّ: "إنّه توضّأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذُنَيْه ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هكذا وُضوء رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬5)، أحببْتُ أنْ أُرِيَكُموه". رواه الدارقطني. قال الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي -رحمه الله-: "وغالب الروايات عن عَليٍّ أنَّه مسَحَ رأسه (¬6) مرَّة واحدة". قلت: ما وَرَد (¬7) من ذلك في التثنية، والتثليث محمول على بيان الجواز إن ثبت. ¬

_ (¬1) وهو ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (5/ 295 - 296 / برقم 1401). (¬2) المصدر السابق ولفظه فيه: "هو شيخ ما بحديثه بأس". (¬3) من قوله وقال إلى قوله "عند أهل المعرفة" ساقط من س. (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 62) بمعناه. (¬5) زيادة من س. (¬6) ساقطة من س. (¬7) ساقطة من س.

وأمَّا مَسْح بعضِ الرأسِ: فعن المغيرة بن شعبة: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، فمَسَح بناصيته، وعلى العِمامة والخُفَّين رواه مسلم (¬1). وفي لفظ له (¬2): "ومَسَحَ مقدّم رأسه، ومسح على العمامة" الحديث. والنَّاصية: مُقَدَّم الرأس. وعن أنس بن مالك قال: "رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ، وعليه عمامة قطرية فأدخل يده مِن تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العِمامة". رواه أبو داود (¬3)، والبيهقي (¬4). وضعَّفه ابن القطان (¬5) بمعاوية بن صالح، والجهالة في أبي معقل راويه عن أنس، وقال: "قال ابن السكن: لم يثبت إسناده". وسيأتي الكلامُ عليه في المسح على الناصية والعمامة. واختلف الفقهاء في "مسح الرأس"، هل تُستحبُّ فيه الزيادة على المرَّة الواحدة أو لا؟ كما ذكرناه. وحجَّة من لم يرَ التكرار: أنَّ الأحاديث الصحيحة -كما قال أبو داود (¬6) لا تقتضيه، وأيضًا فليس مشروعية المسح التكرار كما في مسح الخُفَّين، ومَسْح الجبيرة، ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 231 / برقم 83) باب المسح على الناصية والعمامة. (¬2) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 231 / برقم 82) باب المسح على الناصية والعمامة. (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1 / / برقم 147) باب المسح على العمامة. (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 60 - 61). (¬5) في "بيان الوهم والإيهام " (4/ 111 - 112 / برقم 1548). (¬6) بل هو مقتضى كلامه كما سبق.

والمسح في التيمُّم، وإلحاق المسح بالمسح أولى، ولأنَّ المسح إذا تكرر صار غسلًا. والله أعلم. وأمَّا من اختار في المسح التثليث، فله حديث عبد الرحمن بن وردان، عن أبي سلمة، عن حمران، وقد تقدَّم تعليله (¬1). واختلفوا في مسح بعض الرأس: فقال مالك: الفرضُ مسْحُ جميع الرأس، وإن ترك (¬2) شيئًا منه كان كمَنْ ترك غَسْل شيء من وجهه". قال أبو عمر (¬3): "هذا هو المعروف مِن مذهب مالك، وهو قول ابن عُلَيَّة، قال ابن عُلَيّة: قد أمر الله تعالى (¬4) بمسح الرأس في الوضوء كما أمر بمسح الوجْه في التيمُّم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا أنَّه [لا يجوز غسل] (¬5) بعض الوجه في الوضوء، ولا يمسح بعضه في التيمُّم، فكذلك مسح الرأس". وذَكَر من الاحتجاج في ذلك وجوهًا، ثمَّ قال: "وقوله عزَّ وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}، معناه عندهم: وامسحوا رؤوسَكُم، ومن مَسَح بعض رأسه فلم يمسح رأسه. ومن الحجة لهم أيضًا: أنَّ الفرائض لا تؤدّى إلَّا بيقين، واليقين (¬6): ما أجمعوا ¬

_ (¬1) ص (300 - 301). (¬2) في س: "تركت". (¬3) في "التمهيد" (20/ 125). (¬4) ساقطة من س. (¬5) كذا في المطبوع من "التمهيد" وفي ت وس ولا يغسل والمثبت أنسب للسياق. (¬6) ألحقها ناسخ س في الهامش وصحح هذا اللحق.

عليه من مسح جميع الرأس، هذا هو المشهور من مذهب مالك، لكن أصحابه اختلفوا في ذلك: فقال أشهب: يجوز مسح بعض الرأس، وذكَرَ أبو الفرج المالكي قال: اختلف متأخّرو أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: لا بدَّ أنْ يمسح كل الرأسِ، أو أكثره، حتَّى يكون الممسوح أكثر الرأس فيجزئ ترْكُ سائِره. قال أبو عمر: هذا قولُ محمد بن مسلمة. وزعم الأبهريُّ أنَّه لم يقُله غيرُه من المالكيين. قال أبو الفرج: وقال آخرون: إذا مسَحَ الثلث فصاعدًا أجزأه. قال: وهذا أشبه القولين عندي، وأولاهما، مِن قِبَل أنَّ الثلث فما فوقه قد جُعِل في حيِّز الكثير في غير موضعٍ. وزعم الأبْهَريُّ أنَّه لم يقُل أحدٌ من أصحاب مالك ما ذكَرَه أبو الفرج عنهم، وأنَّ المعروف ما ذكَرَه محمدُ بن مسلمة، ونازع في أكثرية الثلث. وأمَّا الشافعي فقال: "الفرضُ مسْحُ بعضِ الرأس ولم يُحَدّ" وهو قول الطبريَ. قال الشافعي: "احتمل قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}؛ مسح بعض الرأس، ومسح جميعه، فدلَّت السنة أن مسح بعضه يُجزئ". وقال -في موضع آخر-: "فإن قيل: قد قال الله -في التيمم-: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}؛ ولا يجزئ بعض الوجه في التيمُّم؛ قيل له: مسح الوجه في التيمُّم بدل من عموم غسله، فلا بُدَّ من أنْ يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل فيه، ومسح الرأس أصلٌ، فهذا فرق ما بينهما، وعفا الله - عزَّ وجلَّ - في التيمُّم عن الرأس

والرجلين، ولم يَعْفُ عن الوجه واليدين، فلا بُدَّ مِن الإتيان بذلك على كماله وأصله. وقال أبو حنيفة وأصحابُه: إنْ مسَحَ المتوضي رُبْعَ رأسه أجزأ، ويبدأ بمقدَّم رأسه إلى آخره. وقال الثوري، والأوزاعي، والليث: يجزي مسْح بعضِ الرأس ويمسح المقدَّم، وهو قول أحمد، وقد قدَّمنا عن جميعهم: أنَّ مسح الرأس أحبُّ إليهم. وكان ابنُ عمر، وسلمة بن الأكوع يمسحان مُقدَّم رؤوسِهما (¬1). وعن جماعة مِن الناس إجازة مَسْح بعض الرأس. وأجاز الثوري، والشافعي: مسح الرأس بأصبع واحدة. وقال أبو حنيفة: "إن مَسَح رأسه، أو بعضه بثلاثة أصابع فما زاد أجزأه، وإنْ مَسَح بأقلَّ مِن ذلك لم يجزئه. والمرأة عند جميع العلماء في مَسْح رأسها كالرجل سواء" (¬2). ولو غسل الرأس بدلًا عن المسح؛ ففي إجزائه عند الأصحاب وجهان: * أحدهما: لا يُجزئ لأنَّه مأمور بالمسح، وهو غير الغسل. * والثاني: يُجزئ (¬3) لأن الغسل مسحٌ وزيادة. وهل يُكره الغسل بدلًا عن المسح، وإن أجزأ؟ فيه وجهان: * أحدهما: يكره لأنَّه سرف، كغسل الخف بدلًا عن مسحه. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (20/ 125 - 128). (¬2) "التمهيد" (20/ 129). (¬3) من قوله "يجزي" إلى قوله "فيها وجهان" ألحقه ناسخ في الهامش وصحَّحه.

* وأظهرهما: لا يُكره لأنَّ الغسل هو الأصل إذْ به تحصل النظافة، والمسح تخفيف من الشرع نازل منزلة الرُّخَص، فإذا عدَلَ إلى الأصل لم يأتِ بمكروه، لكن لا يُستحبُّ لقوله - عليه السلام -: "إنَّ الله يُحِبُّ أن تُقبل رُخَصُه كما يُحبُّ أنْ تُؤتى عزائمه". ولو بلَّ رأسه، ولم يمدَّ اليدَ أو غيرها ممَّا يمسح به على الموضع فهل يُجزئه ذلك؟ فيه وجهان: * أحدهما: يجزئ لأن المقصودَ وصولُ الماء، ولا نظر إلى كيفيَّة الإيصال، كما في الغسل لا يفترق بين أن يُجري الماء على أعضائه أو يخوض ببدنه في الماء. * والثاني: وهو اختيار القفَّال لا يجزئ لأنه لا يُسمَّى مسحًا، ولو قطر على رأسه قطرة، ولم تجر على الموضع فعلى الخلاف، وإنْ جرت كفى، وهذا يدلُّ على أنَّ المقصود عندهم الوصول (¬1)، ولا عبرة بمسمَّى المسح (¬2). وأمَّا أصحابُ داود فمختلفون في استيعاب جميع الرأس بالمسح أو مسح بعضه، على قولين، وممَّن حُكيَ عنه جوازُ الاقتصارِ على مسح البعض من السَّلفِ: عبد الله بن عمر، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، والنخعي، والشعبي، وعطاء، وصفية بنت أبي عُبيد، وعكرمة، والحسن، وأبو العالية، وعبد الرحمن بن أبي ليلى". قال أبو محمّد (¬3) -رحمه الله-: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- خلافًا لما رُوّيناه عن ابن عمر في ذلك". ¬

_ (¬1) من س وفي ت "الوضوء" وهو خطأ يرده السياق. (¬2) من س وفي ت "ولا عبرة بمسح المسح" وهو خطأ ظاهر يرده السياق. (¬3) وهو ابن حزم في "محلاه" (2/ 53).

وأمَّا ما يفعله بعضُ الناس من أنْ يمسح بعض رأسه، بل ربما [بلَّ] (¬1) الشعرة الواحدة منه، أو ما قارب ذلك المرتين والثلاثة، فعَمَلٌ لا أصل له، ومَن نقل عنه استحباب التكرار في مَسْحِ الرأس فمحمولٌ على استحباب التكرار (¬2) في الكلِّ (¬3) لا البعض، ولا يشكُّ قائل ذلك أنَّ مَسْح الرأس جميعه مرَّةً واحدةً أولى من تكرار المسح لبعضه، ولم يُنقل مسحُ بعضِ الرأسِ معادًا مُكرَّرًا عن النَّبِّي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحدٍ من السلف. وأمَّا الصدغُ فهو: المحاذي لرأس الأذن، نازلًا إلى أوَّل العذار، واختلف أصحابُنا فيه فقال بعضهم (¬4): هو من الرأس، وقيل (¬5): مِن الوجه، وقيل: أعلاه من الرأس، وأسفله من الوجه، فمن قال إنَّه مِن الرأس قال: ذكره بعد الرأس توكيدًا لاستيعاب الرأس، ومَن قال: هو من الوجه قال: إنَّما مسح عليهما ليصير بالابتداء منهما محتاطًا في استيفاء آخر الرأس، لئلَّا يترك جُزءً من الرأس بغير مسح. وأمّا مسح (¬6) العنق: فقد وَقَع في حديث طلحة بن مصرف: "يمسح رأسه حتى بلغَ القذال (¬7)، وما يليه من العنق"، والقذال: مقدّم العنق. فالحديث معلّل بليث ابن أبي سُلَيْم، وطلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جدّه. وإن كان طلحة معروفًا فمَن بعده غيرُ معروفين (¬8). وهل يحتاج إلى تجديد ماء أم لا؟ ¬

_ (¬1) زيادة من س. (¬2) من س في ت: الأكل وهو خطأ ظاهر يرده السياق. (¬3) من قوله "التكرار" إلى قوله "أولى من تكرار المسح" ألحقه ناسخ س في الهامش وصححه. (¬4) في س: أكثرهم. (¬5) من قوله "وقيل" إلى قوله "فمن قائل أنه من الرأس" ساقط من ت. (¬6) قوله "وأمَّا مسحُ" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه. (¬7) غير مقروءة في ت من مصورتي. (¬8) في س: غير معروف.

27 - باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديدا

قال الرافعي (¬1): "بناه بعضهم على وجهين: هل هو سُنة فيجدّد، أو أدب فلا يجدد؛ والأدب والسُّنَّة يشتركان في الندبيّة، لكن السنّة آكد". ومَن تركَ مَسْح العُنُق فوضوؤه صحيح باتفاق. 27 - باب ما جاء أنّه يأخذ لرأسه ماءً جديدًا حدثنا عليُّ بن خشرم: ثنا عبد الله بن وهب: ثنا عمرو بن الحارث، عن حبّان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: "أنَّه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، وأنَّه مسح رأسه بماء غير فضلِ يديه". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حَبَّان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضّأ، وأنه مسح رأسه بما غَبَرَ من فضل يديه". ورواية عمرو بن الحارث عن حبَّان أصحُّ، لأنه قد روى من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخذ لرأسه ماءً جديدًا". والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رَأوا أن يأخذ لرأسه ماءً جديدًا (¬2). * الكلام عليه: أخرجه مسلمٌ (¬3) عن هارون بن معروف، وهارون بن سعيد، وأبي الطاهر كُلُّهم عن ابن وهب. ¬

_ (¬1) في "فتح العزيز" (1/ 434). (¬2) "الجامع" (1/ 50 - 52). (¬3) في "صحيحه" (كتاب الطهارة 1/ 211 / برقم 236).

وقد كان يمكن (¬1) حديث (¬2) ابن لهيعة أن يكونَ حسنًا، لكنَّه لم يحكم عليه بشيء (¬3). فشرطه في الحسن موجودٌ فيه، وهو أن ابن لهيعة كما عُلِم من حاله مقبول عند قومٍ، ومردود عند آخرين، ويُفرَّق فيه بين من رَوى عنه قبل احتراق كتبه، أو بعدها عند قوم، فضعفه ضعف محتمل، وليس هو ثمَن يُتَّهم بالكذب -كما قال- (¬4). وللحديث شاهد روى نحوه من وجه آخر. قال أبو عمر (¬5): "اتفق مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابُهم: أنَّ الرأس لا يجزيء مسحه إلا بماءٍ جديدٍ، ومَن مسح رأسه بما فضل في يديه عن غسل ذراعيه لم يجزءه. وقال الأوزاعي: يُجزيء (¬6)، وإليه ذهب جماعة من السلف". قال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنّفه" (¬7): "مَن كان يمسح رأسه بفضل يده": ثنا وكيع: ثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: حدَّثتني الرُّبيِّع بنتُ مَعوِّذ بن عفراء قالت: ¬

_ (¬1) ألحقها ناسخ ت في الهامش ولم يصحح اللحق ولعله استدركها من عنده مراعاة للسياق. (¬2) في ت: من حديث والمثبت من س لمناسبته السياق بالأولوية. (¬3) في ت: بشيء فيه والمثبت من س لمناسبته السياق بالأولوية. (¬4) لا أدري من الذي اتهم ابن لهيعة بالكذب، والكلام له تتمه كما يظهر من السياق ولكنها فيما بين يدي من النسخ. (¬5) في "التمهيد" (20/ 130). (¬6) ساقطة من ت. (¬7) (1/ 21).

"أتانا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فتوضَّأ ومَسَحَ رأسه بما بقي من وَضوئه". أبو داود (¬1): عن مسدد، عن عبد الله بن داود، عن الثوري به (¬2). وقد رُوي في معناه من الآثار ما نذكره إن شاء الله تعالى. قال (¬3): ثنا عبدُ الرحمن بنُ مهدي: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه. وعن حُمَيْد، عن الحسن: "أنَّهما كانا يمسحان رؤوسهما بفضل أيديهما (¬4) ". وروى ابن أبي شيبة أيضًا (¬5): ثنا وكيع، عن معمر، عن أبي جعفر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه (¬6) كان يمسح رأسَه بفضلِ وضوئه". وروى أبو بكر بن عيَّاش، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: "إذا نسِي أنْ يمسح رأسَه، وفي لحيته بلل فذكر وهو في الصلاة، فإن كان في لحيته بلل؛ فليمسحْ رأسه (¬7) " (¬8). وعن عطاء: "إذا نسيَ مَسْحَ رأسِهِ، فوجد في لحيته بللًا أجزأه أنْ يمسح به ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 91 / برقم 130) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) قوله "أبو داود عن مسدد عن عبد الله بن داود عن الثوري به" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه. (¬3) ابن أبي شيبة في "مصنفه" انظر التعليق الآتي. (¬4) "المصنف" لابن أبي شيبة. (¬5) في "مصنفه" المصدر السابق. (¬6) ساقطة من س. (¬7) في ت: برأسه. (¬8) في "المصنف" (1/ 21).

رأسه" (¬1). وروى حفصُ بنُ غياث، عن هشام، عن الحسن. وعن الأعمش، عن إبراهيم، مثله (¬2). وقال ابن أبي شيبة (¬3)؛ ثنا يزيد بن هارون، عن حمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن خِلاس -فيما يعلم حمَّاد- عن عليٍّ قال: "إذا توضَّأ الرجلُ فنَسِي أنْ يمسح برأسه -فوجد في لحيته بللًا- أخذ من لحيته، فمسح (¬4) به رأسه". وقوله (¬5) في حديث ابنِ لهيعة: "بما غَبَر من فضل يديه"؛ أي: بَقي. قد استُدِلَّ به على جواز الماء المستعمل، وقد ألمَمتُ بطرف من ذلك فيما مَضَى. وانفصل عنه (¬6) مَن لم يَرَ جوازَ الاستعمال باضطراب الحديث أو بأنَّه من فضلِ الغسلة الثالثة، وهي مطهّرة على الصحيح. وأمَّا مَن نسي مَسْحَ رأسِه، فمَسَح بعد الوضوء، فهل يجب عليه غسل ما بعد مسح (¬7) الرأس من أعضاء الوضوء أم لا؟ ينبني على الخلاف في الترتيب، هل هو واجب أم لا؟ وهو واجب عند الشافعي، وأحمد (¬8). ¬

_ (¬1) في "المصنف" (1/ 21). (¬2) كما في "المصنف" لابن أبي شيبة (1/ 22). (¬3) في مصنفه (1/ 22). (¬4) ساقطة من ت. (¬5) أي الترمذي في "جامعه" (1/ 51). (¬6) في ت: غير. (¬7) أشار إليها الناسخ لس في الهامش وصحح اللحق إلا أنها غير مقروءة فيه من مصورتي. (¬8) كما في "مسائل أحمد" لأبي داود (11) و"مسائل إسحاق" أيضًا (1/ 3).

28 - باب ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما

وليس (¬1) واجبًا عند أبي حنيفة (¬2)، ومالك (¬3). فمَن أوجَب الترتيب قال؛ عليه مَسْح الرأسِ، وغَسْل ما بعده إذا لم يطُل الفصل، وإلا انبنى على وجوب الموالاة، ومَن لم يُوجب الترتيب أجزأه عنده مسحَ الرأسِ. 28 - باب ما جاء في مسح الأُذُنين ظاهرهما وباطنهما حدثنا هنَّاد: ثنا ابن إدريس، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَح برأسِه وأُذُنيه ظاهرهما وباطنهما". قال [أبو عيسى] (¬4): وفي الباب عن الرُّبيَع. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عباس حديث حسنٌ صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، يَرَوْنَ مَسْحَ الأُذُنين ظهورهما وبطونهما (¬5). * الكلام عليه: رواه الإمامُ أحمد (¬6)، وأبو داود (¬7)، وابن ماجه (¬8)، وابن أبي شيبة (¬9). ¬

_ (¬1) ألحقها ناسخ س في الهامش وصحَّحها. (¬2) كما ذكر ذلك في "فتح باب العناية بشرح النقاية" للقاري (1/ 56). (¬3) كما في "المدونة" (1/ 14). (¬4) زيادة من المطبوع طبعة أحمد شاكر. (¬5) "الجامع" (1/ 52 - 53). (¬6) في "مسنده" (9/ 369) وليس فيه: ظاهرهما وباطنهما. (¬7) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 95 / برقم 137) باب الوضوء مرتين. (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 151 / برقم 439) باب ما جاء في مسح الأذنين. (¬9) في "مصنفه" (1/ 18).

رواه عن ابن (¬1) إدريس، وهذا إسناد صحيح، وزاد فيه ما سنذكره، وذُكر عن ابن خزيمة إخراجه إيَّاه في "صحيحه" (¬2)، وعن ابن منده ورجاله رجال الصحيح (¬3). وحديث الرُّبيّع الذي أشار إليه، تقدّم (¬4) في الباب قبل هذا. وحديثها أيضًا: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، فأدْخَل (¬5) أصبعيه (¬6) في حُجْرَي أُذُنَيْه" عند أحمد (¬7)، وأبي داود (¬8)، وابن ماجه (¬9). وفي الباب ممَّا لم يذكره: عن عثمان عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن طريق عامر بن شقيق، عن شقيق (¬10) بن سَلَمة، عنه: "مَسَح رأسَهُ وأذُنيه ظاهرهما وباطنهما"، رواه الدارمي (¬11). وفيه من حديثِ حميدٍ عن أنسٍ مرفوعًا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند الحاكم في "مستدركه" (¬12)، وعند الدارقطني (¬13)، ورواته ثقات. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) وهو كما ذُكر فقد أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 77 / برقم 148). (¬3) في س: برجال الصحيح. (¬4) ساقطة من س. (¬5) في ت: ثمَّ أدخل، والمثبت من س وهو كذلك عند أحمد وأبي داود وابن ماجه. (¬6) في س: إصبعه والمثبت من ت وهو كذلك عند أحمد وأبي داود وابن ماجه. (¬7) في "مسنده" (6/ 359). (¬8) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 91 - 92 / برقم 131) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬9) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 151 / برقم 44) باب ما جاء في مسح الأذنين. (¬10) أشار ناسخ إلى الهامش عندها إلا أنها غير واضحة فيه. (¬11) في "سننه" (1/ 193 / برقم 708). (¬12) (1/ 150). (¬13) في "سننه" (1/ 106 / برقم 51).

وقد تقدّم مِن حديث أنسٍ (¬1)، عند ابن أبي شيبة إلى ابن مسعود (¬2) يرفعه-. وفيه: مِن حديثِ عائشة، عند البغوي، عن طالوت، عن أبي حذيفة اليمان، عن عمرة، عنها. وفيه: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه (¬3). عند الطحاوي (¬4)، مِن طريق أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو. وفيه: عن المقدام بن معدي كرب، وقد تقدّم. وفيه عن عليّ بن أبي طالب، ذكر أبو بكر (5) بن أبي شيبة: ثنا ابن نُمَير، عن عبد الملك بن سلع، عن عبد خير قال: "صلَّيْنا مع عَليٍّ يومًا صلاة الغداةِ، فلمَّا انصرف دعا الغلامَ بالطَّست، فتوضَّأ، ثمَّ أدخل أُصْبُعَيْه في أُذنَيْه، ثم قال لنا: هكذا رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ". وروى (5) أيضًا: عن أبي خالد الأحمر، عن حُمَيْد قال: "رأيتُ أنسًا توضَّأ، فجعَلَ يمسحُ ظاهر أذنيه وباطنهما، فنظرتُ إليه فقال: إنَّ ابن مسعود كان يأمرُ بذلك". وعند ابن أبي (¬5) شيبة في حديث ابن عباس: "مَسَح أذنيه داخلهما ¬

_ (¬1) قوله: "أنس عند" أثبته ناسخ س وألحقه فوق السطر وصحَّح اللحق. (¬2) كذا في ت وكلمة: يرفعه ساقطة منها وهي مثبته في س وعقبها أشار الناسخ إلى الهامش وفيه إلى ابن مسعود وصحَّح اللحق. (¬3) في س: عن عمر بن شعيب عن عمرة. (¬4) في "شرح معاني الآثار" (1/ 33). (¬5) في "مصنفه" (1/ 18).

بالسبَّابتين، وخالف بإبْهامَيْه إلى ظاهر أذُنَيْه، فمَسَح باطنهما وظاهرهما". وروى (¬1) نحوه عن ابن نُمير، عن عُبيد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر -من فعله-. وعن غندر، عن شعبة، عن الهيثم، عن حمَّاد، عن سعيد بن جُبَيْر، وإبراهيم: أنَّهما قالا في الأذنين: "امْسَحْ ظاهرهما وباطنهما" (¬2). وقال (¬3): ثنا زيدُ بنُ الحُباب: ثنا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد: "أن عُمَر بن الخطاب توضَّأ، فأدْخل أُصْبُعَيْه في باطن أُذنَيه، وظاهرهما [فمسحهما] " (¬4). وقد اختلف العلماء في الأذُنين: هل مسحهما بماء جديد أو لا؟ • فذهب مالك (¬5)، والشافعي (¬6): إلى أنَّهما يُمْسحان بماءٍ جديد، وهو أحد الروايتين عن أحمد (¬7)، قالوا: لأنَّ ابنَ عمر كان يفعلُ ذلك. • وذَهَب أبو حنيفة (¬8) وآخرون: إلى أنَّه يمسحهما بما فضَلَ من الماء الذي مَسَح به رأسه، ولا يحتاج إلى تجديد ماء فإنّ [الذين وصفوا] (¬9) وضوءَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (1/ 18). (¬2) المصدر السابق. (¬3) ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه" المصدر السابق. (¬4) زيادة من "المصنف". (¬5) انظر "المدونة" (1/ 16). (¬6) انظر "الأم" (1/ 26) و "المجموع" (1/ 410 - 413) و "روضة الطالبين" (1/ 61). (¬7) انظر "المغني" (1/ 87 - 88) ط دار الكتاب العربي. (¬8) انظر "المبسوط" للسرخسي (1/ 7) و "شرح فتح القدير" لابن الهمام (1/ 24 - 25). (¬9) يقتضيها السياق كذا وفي ت "فإن الذي وصفوا" وفي س "فإن الذي وصف" ولحاق الكلام يقتضي ما أثبتناه لأن قوله "لم يذكر أحد منهم" يقتضي السياق المثبت.

أحدٌ منهم، أنَّه أخذ لأُذُنَيْه ماءً جديدًا، بل الذي في الأحاديث الصحيحة: "أنَّه مسحهما مع رأسه"، ولم يُنقل هذا إلَّا عن ابن عمر، وقد كان ابنُ عمر (¬1) يُدْخِل الماء في عينيه في الوضوء، ويُذكر عنه أنه قال: "لا تقتدوا بي، فإنّ لي وَسْواسًا" أو نحو هذا. قال الرافعي (¬2): "وليس من الشرط أنْ يأخذه جديدًا حينئذٍ، بل لو أمسك بعض أصابعه من البلل المأخوذ، فمَسَح الرأس ومَسَح به الأُذُنَيْن تأدَّت هذه السُنَّة". ويَمْسَح الصَّماخَيْن بماءٍ جديدٍ أيضًا، لأنّه من الأذن كالفم والأنف من الوجه. وحُكِيَ قولٌ آخر: أنَّه يكفي مسحُه ببقيَّةِ بلل الأذن، لأنَّ الصِّماخَ من الأذُن، والأحبُّ في إقامة هذه السُّنَّة، أنْ يُدْخل مسبّحتيه في صِماخَيْه، ويديرهما على (¬3) المعاطف، ويُمِرُّ إبهامَيْه على ظاهرهما (¬4)، ثمَّ يُلصقْ كفَّيه وهما مبلولتان بالأُذُنَيْن استظهارًا". وحجَّةُ من قال بتجديد الماء للأذُنين، ما رَوى البيهقي (¬5) من حديث عبدِ الله بنِ زيد -في الباب قبل هذا-، من طريق ابنِ وهبٍ كروايةِ الترمذيّ، وفيه: "وأخذ (¬6) لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه". رواه عن الحاكم: عن أحمد بن عبدوس، عن عثمان الدارمي، عن الهيثم بن خارجة عنه. وقال: (5) هذا إسناد صحيح. ¬

_ (¬1) قوله "وقد كان ابن عمر" تكرر في س. (¬2) في "فتح العزيز" (1/ 428 بحاشية المجموع). (¬3) في ت "في ". (¬4) في س: "ظهرهما". (¬5) أي البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 65). (¬6) في س "فأخذ".

29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

قال (¬1): ويروى عن عبد العزيز بن (¬2) مقلاص، وحرملة (¬3)، عن ابن وهب، كرواية الهيثم بن خارجة عنه. 29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس حدثنا قتيبة: ثنا حمَّاد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة؛ قال: "توضَّأ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه وقال: الأذنان من الرأس". قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي أمامة؟ قال: وفي الباب عن أنس. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم، أن الأذنين من الرأس. وبه يقول سفيان، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس. قال إسحاق: وأختار أن يمسح مقدَّمَهما مع وجهه، ومؤخَّرهما مع رأسه (¬4). * الكلام عليه: ذكر أبو داود (¬5): أن سليمان بن حرب؛ قال: يقولها أبو أمامة؛ يعني: قصة الأذنين. ¬

_ (¬1) أي البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 65). (¬2) ساقطة من ت. (¬3) بياض في س. (¬4) "الجامع" (1/ 53 - 55). (¬5) في "سننه" (كتاب الطهارة برقم 134) باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقال الدارقطني: "رَفعه وهم، والصواب أنه موقوف" (¬1). قال: وقال سليمان بن حرب: الأذنان من الرَّأس، إنما هو قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدَّل أو كلمة قالها سليمان أي أخطأ (¬2). قال الدارقطني (2): ثنا دعلج؛ قال: سألت موسى بن هارون عن هذا الحديث، فقال: ليس بشيء، فيه شَهْرٌ وشهر ضعيف والحديث في رفعه شك. وقال ابن أبي حاتم (¬3): سنان بن ربيعة، أبو ربيعة مضطرب الحديث -يعني: راويه عن شهر-. قلت: سنان بن ربيعة أخرج له البخاري (¬4). وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به (¬5). وشهرٌ: وثَّقه (¬6) أحمد (¬7) ويحيى (¬8) والعجلي (¬9) ويعقوب بن شيبة (¬10)، ¬

_ (¬1) أشار الدارقطني إلى استصواب الوقوف في "السنن" ولم أقف على كلامه هذا نصًّا في "السنن" فلعل الدارقطني قاله في كتاب آخر. (¬2) "السنن" للدارقطني (1/ 104 / برقم 41). (¬3) في "العلل" (1/ 28 / برقم 47). (¬4) وهو كما قال ولكن مقرونًا بغيره قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" ص (74) ط دار الفكر: ليس له في البخاري سوى حديث واحدٍ في كتاب "الأطعمة" مقرونًا بالجعد بن عثمان ومحمد بن سيرين ثلاثتهم عن أنس. قلت: الحديث في كتاب "الأطعمة" (32/ 447 / برقم 5461) باب الرجل يُدعى إلى طعام فيقول: وهذا معي. (¬5) في "الكامل" (3/ 1277). (¬6) "الجرح والتعديل" (4/ 382 - 383 / برقم 1668). (¬7) في س: أحمد بن يحيى وهو تحريف ظاهر. (¬8) "الجرح والتعديل" (4/ 382 - 383 / برقم 1668). (¬9) في "معرفة الثقات" (1/ 461 / برقم 471). (¬10) انظر "تهذيب الكمال" (12/ 585).

وحسَّن البخاري (¬1) حديثه، وتكلَّم فيه آخرون (¬2)، وليس الكلام فيه بكبير أمر. فالحديث لو سلم من تعليل ممَّن علَّله ممَّن ذكرناه، لكان صحيحًا أو حسنًا. ويشهد له حديث عبد الله بن زيد؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأذنان من الرأس". رواه ابن ماجه (¬3)، عن سويد بن سعيد، عن يحيى بن زكريا بن (¬4) أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عبَّاد بن تميم، عن عمِّه. ورجالهُ (¬5) كُلُّهم موثقون، مُخرَّج لهم في الصَّحيح، إلَّا حبيب بن زيد، فقد وثَّقه أبو حاتم ابن حبان (¬6)، وتقلَّد تصحيح حديثه هذا (¬7). وقال فيه أبو حاتم الرازي: "صالح" (¬8). وحديث عبد الله بن زيد لم يذكره الترمذي مسنَدًا، ولا بصحابيَّه. وفي الباب ممَّا لم يذكره أيضًا: عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأذنان من الرأس". ¬

_ (¬1) كما في "جامع الترمذي" (5/ 58). (¬2) كالنسائي في "الضعفاء والمتروكين" برقم (310) والجوزجاني في "الشجرة" برقم (141). (¬3) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 152 / برقم 443) باب الأذنان من الرأس. (¬4) كذا في سنن ابن ماجه وفي نسخة س وفي نسخة ت: عن وهو تصحيف. (¬5) في ت و "خالد" وهو تحريف ظاهر يرده السياق. (¬6) في "ثقاته" (6/ 181) وعلَّق ناسخ ت في نسخته (ل 91 / أ) قائلًا "ليس كما قال فإن ابن حبان لم يُخرِّج لسويد بل ذكره في "المجروحين" وقد تفرَّد سويد بهذه الجملة. قلت: بل كلام الشارح صحيح فحبيب بن زيد وثقه ابن حبان وأخرج له في صحيحه وأما سويد بن سعيد فلم يقل الشارح أن ابن حبان أخرج له في صحيح بل قال: مخرج لهم في الصحجح أي صحيح مسلم فإنَّ مسلمًا أخرج لسويد بن سعيد فتعلق الناسخ ليس في موضعه. (¬7) في "صحيحه" (3/ 363 - 364 / برقم 1082 و 1083). (¬8) كما في "الجرح والتعديل" لابنه (3/ 101 / برقم 468).

رواه ابن ماجه (¬1)، والدَّارقطني (¬2)، وفي إسناده (¬3) عمرو بن حصين، وهو متروك، قاله ابن عدي (¬4)، والدارقطني (¬5). وقال أبو حاتم الرازي (¬6): "أخرج لنا عن ابن علاثة (¬7) أحاديث موضوعة"، وحديثه هذا عن محمد بن علاثة. وقال أبو حاتم (¬8) -في ابن علاثة-: يُكْتَبُ حديثه، ولا يحتجُّ به. وقال البخاري: في حديثه نظر (¬9). قال أبو الفتح الأزدي: لسنا نقنع من البخاري بهذا، حديثه يدل على كذبه، وكان أحدُ العُضَلِ في التزيّد (¬10). وقال الدَّراقطني: ضعيف، متروك (¬11). ووثَّقه ابنُ معين (¬12)، وابنُ سعد (¬13) ¬

_ (¬1) في "سننه" (كتاب الطهارة 1/ 152 / برقم 445) باب الأذنان من الرأس. (¬2) في "سننه" (1/ 102 / برقم 32). (¬3) ألحقها ناسخ في الهامش وصحَّح اللحق. (¬4) الذي قاله ابن عدي في "الكامل" عنه "مظلم الحديث" انظر "الكامل" (5/ 1798 - 1799). (¬5) في "الضعفاء والمتروكين" ص (403 / برقم 390) وفي "السنن" أيضًا (1/ 102) و (1/ 221). (¬6) كما في "الجرح والتعديل" لابنه (6/ 229 / برقم 1272) بنحوه. (¬7) في س: ابن علاقه وهو تصحيف. (¬8) كما في "الجرح والتعديل" (7/ 302 / برقم 1638). (¬9) الذي قاله البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 133 / برقم 399) عنه أنه "في حفظه نظر". (¬10) انظر "تاريخ بغداد" (5/ 390 / برقم 2916). (¬11) في "السنن" (1/ 221 / برقم 72). (¬12) كما في "تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي" ص (216 / برقم 808). (¬13) في "الطبقات الكبرى" (7/ 483).

وغيرهما (¬1). ورواه الدارقطني (¬2) من حديث ابن عمر (¬3)، وابن عباس (¬4)، وأبي أمامة (¬5)، وأبي موسى (¬6)، وعائشة (¬7)، وأنس (¬8)، وضعَّفها كُلَّها، ولم يروه من طريق عبد الله بن زيد. فأمَّا حديثُ أنسٍ: فذكره أيضًا أبو أحمد ابن عدي في ترجمة خارجة بن مصعب (¬9)، عن الهيثم بن جمّاز، عن يزيد الرقاشي، عن أنس. وخارجة متروك الحديث (¬10). وذكره عن أنس، من غير هذه الطريق وأعلَّها أيضًا (¬11). وأمَّا حديثُ ابن عباس: فإنَّ الدَّارقطني قال: ثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري -بمصر-: ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: ثنا أبو كامل الجحدري: ثنا غُنْدر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) كالخطيب البغدادي في "تاريخه" (5/ 390 / برقم 2916). (¬2) في "سننه". (¬3) انظر "السنن" له (1/ 97 - 98 برقم 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10). (¬4) انظر "السنن" له (1/ 98، 99، 101 / برقم 11 و 13 و 14) (21 و 22 و 23 و 25 و 26 و 28 و 29 و 30). (¬5) انظر "السنن" له (1/ 103 - 104 / برقم 37 و 38 و 39 و 40 و 41 و 43 و 44). (¬6) انظر "السنن" له (1/ 102 - / 103 برقم 35 و 36). (¬7) انظر "السنن" له (1/ 100، 105 / برقم 20 و 47). (¬8) انظر "السنن" له (1/ 104 / برقم 45). (¬9) في "الكامل" (3/ 925). (¬10) كما قال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" ص (97 / برقم 2916). (¬11) في "الكامل" (2/ 450).

قال: "الأذنان من الرأس" (¬1). حدَّثني به أبي: ثنا محمد بن سليمان الباغندي: ثنا أبو كامل الجحدري بهذا مثله (¬2). هذا صحيح بثقة رواته، واتصاله، وإنمَّا أعلَّه الدارقطني بالاضطراب (3) في إسناده، قاله أبو الحسن بن القطان (¬3). وقال: وهو ليس بعلَّة فيه، والذي قال فيه الدارقطني (¬4) هو: أنَّ أبا كامل تفرَّد به عن غُنْدر، ووهم (¬5) فيه عليه. هذا ما قال، ولم يؤيده بشيء، ولا عضده بحجة، غير أنَّه ذكر أنَّ ابن جريج الذي دار الحديث عليه، يروي عن (¬6) سليمان بن موسى، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان، مسند ومرسل (¬7). قلت: ما قاله ابن القطان له وجه من النَّظر، لكن ليس هو الاصطلاح عندهم، وإنَّما لا يكون الاضطراب عِلَّة عند تساوي الطرفين، أو تقاربهما. وأمَّا حيثُ يكونُ أصحابُ غندر كُلُّهم رووه عنه، من طريق سليمان بن ¬

_ (¬1) في "سننه" (1/ 98 - 99 / برقم 11). (¬2) في "سننه" (1/ 99 / برقم 12). (¬3) مطموسة في ت وهي مثبتة في س. (¬4) في "السنن" (1/ 99). (¬5) كذا في س و"سنن" الدارقطني و "بيان الوهم والإيهام" وفي ت وهمٌ وهو تصحيف يرده السياق فضلًا عن غيره. (¬6) في ت: عنه وهو تصحيف والصواب ما هو مثبت كما في س و "سنن" الدارقطني. (¬7) انتهى نقل كلام ابن القطان الذي في "بيان الوهم والإيهام" (5/ 262 - 264 / برقم 2462).

موسى، وانفرد أبو كامل وحده بطريق أخرى، لم يتابعه عليها غيره، فشبهة تضعيفه راجحة على تصحيحه اصطلاحًا. وقال ابن عدي: ليس هو من حديث غندر بمحفوظ، وضعَّف الحديث (¬1). وفيه: حديث مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن الصُّنابحي، وقد تقدَّم، وفيه: "فإذا مسح برأسه، خرجت الخطايا من رأسه، حتَّى تخرج من أذنيه" الحديث. وحديث عبد الله بن زيد، وأبي أمامة، وابن عباس، والصُّنابحي، أجود ما في هذا الباب. وأمَّا حديثُ أنسٍ، وابن عمر، وأبي موسى، وعائشةَ، فواهية. أمَّا حديثُ أنسٍ: فقد تقدَّم تعليله. وأمَّا حديثُ ابن عمر: فمن طريق محمد بن الفضل بن عطية، والكلام فيه شديد (¬2)، عن زيد العمِّي، وضُعِّف (¬3)، عن نافع (¬4) عنه. وأمَّا حديثُ أبي موسى: فمردود بأشعث بن سوَّار. ¬

_ (¬1) في "الكامل" (4/ 1513). (¬2) ومن ذلك ما قاله أحمد فيه "ليس بشيء حديثه حديث أهل الكذب" "العلل" (2/ 549 / برقم 3601). (¬3) نعم ضعَّفه النسائي في "الضعفاء" ص (111 / برقم 226) وأبو زرعة كما في "الجرح والتعديل" (3/ 560 / برقم 2535) وانظر "تهذيب الكمال" (10/ 56 - 60 / برقم 2102). (¬4) ساقطة من ت.

قال أحمد (¬1) ويحيى (¬2) والنسائي (¬3) والدَّارقطني (¬4): ضعيف. وكان ابن مهدي يَخُطُّ على حديثه (¬5). وقال ابن حِبَّان: فاحش الخطأ، كثير الوهم (¬6). ومُعلَّلٌ بغيره أيضًا (¬7). وحديث عائشة: ذكره الدارقطني (¬8) من طريق سليمان بن موسى -مرفوعًا- وزعم أنَّ إرساله هو الصحيح. وذكره من طريق اليمان أبي (¬9) حذيفة، وضعَّفه به (¬10). قال أبو عمر (¬11): وأمَّا اختلافُ العلماءِ في حكم الأذنين في الطهارة: فإنَّ مالكًا قال -فيما روى (¬12) عنه ابن وهب وابن القاسم وأشهب وغيرهم-: الأذنان من الرأس؛ إلَّا أنَّه يرى لهما ماءًا جديدًا، سوى (¬13) الماء الذي مسح به ¬

_ (¬1) في "العلل" و "معرفة الرجال" (1/ 415/ برقم 887). (¬2) "التاريخ" برواية الدوري (2/ 40). (¬3) في "الضعفاء والمتروكين" ص (56 / برقم 60). (¬4) في "الضعفاء والمتروكين" ص (155 / برقم 115). (¬5) كما في "الجرح والتعديل" (2/ 271 / برقم 978). (¬6) في "المجروحين" (1/ 171). (¬7) كالانقطاع بين الحسن وأبي موسى وتصويب وقفه على رفعه فيما قاله الدارقطني في "سننه" (1/ 30 / برقم 35 مرفوعًا وبرقم 36 موقوفًا). (¬8) في "السنن" (1/ 100 / برقم 20). (¬9) في ت ابن وهو خطأ. (¬10) في "السنن" (1/ 105 / برقم 47). (¬11) في "التمهيد" (4/ 36 - 37). (¬12) في ت يروى والمثبت من س. (¬13) غير مقروءة في س ومن قوله "سوى" إلى قوله "ماءً جديدًا" الحق في هامش س وصحَّح فيه اللحق المشار إليه أعلاه.

الرأس، فوافق الشافعيَّ في هذه، لأنَّ الشافعي يرى لها ماءًا جديدًا؛ كما قال مالك، ولكنَّه قال: "هما سُنَّةٌ على حيالهما (¬1)، لا من الوجه، ولا من الرأس". وقال أبو ثور في ذلك كقول الشافعي، سواءًا حرفًا بحرف، وقول أحمد في ذلك كقول مالك سواءً. وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابُهما: الأذنان [مع الرأس] (¬2)؛ يُمسحان مع الرأس بماء واحد". وروي عن جماعة مثل هذا القول من الصَّحابة، والتَّابعين، وسيأتي. وقال ابن شهاب الزهري: الأذنان من الوجه. وقال الشعبي: ما أقبل منهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس. وبهذا القول قال الحسن بن حي (¬3)، وإسحاق بن راهويه. وحكاه ابن أبي هريرة عن الشافعي، والمشهور من مذهبه ما تقدَّم، رواه المزني والربيع والزعفراني والبويطي وغيرهم. وقد روي عن أحمد بن حنبل مثل قول الشعبي، وإسحاق في هذا أيضًا (¬4). فتلخَّص (¬5) ممَّا ذكره أبو عمر خمسة أقوال: * قول: بأنَّهما من الرأس، فيمسحان بمائه. * وقول: بأنَّهما من الرأس، يجدد الماء لمسحهما. ¬

_ (¬1) في ت على حالهما. (¬2) قوله "مع الرأس" ساقط من س. (¬3) الحقها الناسخ ت في الهامش. (¬4) "التمهيد" (4/ 36 - 37). (¬5) يقتضيها السياق وهي غير مقروءه في ت ومن قوله "فتخلص" إلى قوله "من الرأس" ساقط من س.

* وقول: بأنَّهما عضوان مستقلان. * وقول رابع: بأنَّهما من الوجه. * وقول خامس: بأنَّ ما أقبل منهما من الوجه، وما أدبر من الرأس، كما سبق في المسح والغسل. * وذكر ابن الفرس (¬1) قولًا سادسًا: أنهما يغسلان مع الوجه، ويمسحان مع الرأس. وفيما يأتي ذكره حكاية بهذا القول عن ابن سيرين وإبراهيم. وقال داود: "إن مسح أذنيه فحسن، وإن لم يمسح فلا شيء عليه" (¬2). وأهل العلم يكرهون للمتوضِّئ ترك مسح أذنيه، ويجعلونه تارك سنة من سنن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يوجبون عليه إعادة، إلَّا إسحاق بن راهويه، فإنَّه قال: "إن ترك مسح أذنيه عامدًا لم يجزئه". وقال أحمد بن حنبل: "إن تركهما عمدًا أحببت أن يعيد". وقد كان بعض أصحاب مالك يقولون: من ترك سنةً من سُنن الوضوء، أو الصَّلاة عامدًا أعاد. هذا عند الفقهاء ضعيف، وليس لقائله سلف، ولا له حظ من النظر، ولو كان ذلك كذلك لم يَعرف الفرض الواجب من غيره. وقال بعضهم: من ترك مسح أذنيه، فكأنَّه ترك مسح بعض رأسه، وهو ممَّن يقول بأنَّ الفرض مسح بعض الرأس، وأنَّه يجزئ المتوضِّئُ مسح بعضه، وقول هذا كله ليس على أصل مذهب مالك الذي يعتبر. وقد ذكرنا حجة من قال بتجديد الماء لهما في الباب قبل هذا. ¬

_ (¬1) شيخ المالكية بغرناطة في زمانه واسمه عبد المنعم بن الإمام محمد بن عبد الرحيم بن أحمد الأنصاري الخزرجي ألف في أحكام القرآن كتابًا من أحسن ما وضع في ذلك انظر "سير أعلام النبلاء" (21/ 364 - 365 ترجمة 191). (¬2) انظر "التمهيد" (4/ 37).

وأمَّا من ذهب إلى أنَّهما يمسحان مع الرأس بماء واحد، فاحتجَّ بحديث ابن عباس، وقد سبق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه فعل كذلك، وبحديث الرُّبيِّع، وطلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، وبحديث الصنابحي، قوله: "خرجت الخطايا من أذنيه". وحجَّةُ من قال بغسل (¬1) باطنهما مع الوجه، ومسح (¬2) ظاهرهما مع الرأس: أنَّ الله قد أمر بغسل الوجه، وهو مأخوذ من المواجهة، فكلُّ ما وقع عليه اسم وجه، وجب غسله. وأمر الله (¬3) عزَّ وجلَّ بمسح الرأس، وما لم يواجهك من الأذنين فمن الرأس يمسح معه (¬4). قال أبو عمر (¬5): هذا قول ترده الآثار الثَّابتة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه كان يمسح ظهور أذنيه وبطونهما، وقد تقدَّم. وحجَّةُ ابنُ شهاب في أنَّهما من الوجه: أنَّ ما لم يَنْبُتْ عليه الشَّعرُ، فهو من الوجه، لا من الرأس، إذا أدركته المواجهة، ولم يكن قفا، والله قد أمر بغسل الوجه مطلقًا. ويمكن أن يُحْتَجَّ له بحديث ابن أبي مليكة: أنَّه رأى عثمان بن عفان، فذكر صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، قال: "ثمَّ أدخل يده، فأخذ ماءًا، فمسح رأسه وأذنيه، فغسل ظهورهما وبطونهما". ¬

_ (¬1) في س "يغسل". (¬2) في س "يمسح". (¬3) زيادة من س. (¬4) "التمهيد" (4/ 37 - 38). (¬5) في "التمهيد" (4/ 40).

ومن الحجة له ما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه كان يقول في سجوده: "سجد وجهيَ للذي خلقه وشق سمعه وبصره". فأضاف السَّمع إلى الوجه. قال: وهذا كله يحتمل التأويل، ويمكن فيه الاعتراض. وحجَّة الشَّافعي في قوله: "إنَّ مسح الأذنين سنة على حيالهما" (¬1) إجماع القائلين بإيجاب الاستيعاب في مسح الرأس، أنه إن ترك مسح أذنيه، وصلَّى لم يُعِد، فبطل قولهم أنَّهما من الرأس؛ لأنه لو ترك شيئًا من رأسه لم يُجْزئه. وإجماع العلماء على أنَّ الذي يجب عليه حلق رأسه في الحجِّ، ليس عليه أن يأخذ ما على أذنيه من الشعر، فدلّ ذلك على أنهما ليستا من الرأس، وأنَّ مسحهما سنة على الانفراد، كالمضمضة، والاستنشاق (¬2). وأمَّا ما أشرنا إليه (¬3) من أن جماعة من الصَّحابة والتَّابعين، قالوا: الأذنان من الرأس، فروي ذلك عن عثمان، وابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم. وعن قتادة، عن سعيد بن المسيب، والحسن. وعن عمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز. وعن جابر، عن أبي جعفر الهاشمي. وعن أبي معشر، عن إبراهيم. وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي؛ قال: "ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس". ¬

_ (¬1) في ت حالها وهو خطأ. (¬2) "التمهيد" (4/ 40 - 41). (¬3) في س عليه.

وعن أبي عون: أن ابن سيرين كان يغسل أذنيه مع وجهه، ويمسحهما مع رأسه. وعن حصين، عن إبراهيم؛ قال: سألته عن مسح الأذنين مع الرأس، أو مع الوجه؟ قال: مع كلٍّ. وعن سعيد بن جبير؛ قال: "الأذنان من الرأس" (¬1). وهل مسحهما سنة أو واجب؟ عن مالك روايتان: فوجه الوجوب: أنهما مع الرأس، فواجب مسحهما، لدخولهما في عموم قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}. وذكر بعض أصحاب مالك: أن الخلاف في ذلك إنما هو في ظاهرهما، وأما باطنهما فلا خلاف أنه سنة. وقد ذُكر عن الإمام أحمد في مسحهما الوجوب، حكاه أصحابنا (¬2)، لكن فيما حكيناه عن أبي عمر أنه قال (¬3): "إن تركهما عمدًا أحببت أن يعيد"، ما يقتضي عدم الوجوب. * * * ¬

_ (¬1) هذه الآثار التي تقدم ذكرها تجدها في "مصنف" ابن أبي شيبة (1/ 17 - 18). (¬2) وانظر "المغني" (1/ 119). (¬3) لم يقل أبو عمر ذلك وإنما حكاه الإمام أحمد رحمه الله.

30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع

30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع ثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه؛ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأت فخلِّل الأصابع". قال: وفي الباب عن ابن عباس، والمستورد، وأبي أيوب الأنصاري. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء. وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه. وأبو هاشم: اسمه إسماعيل بن كثير. حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك". قال: هذا حديث حسن غريب. حدثنا قتيبة: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن المستورد؛ قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ دَلَك أصابع رجليه بخنصره". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. * الكلام عليه: حديث عاصم بن لقيط بن صَبرة -بفتح الصاد المهملة، وكسر الباء ثانية

الحروف، ومن الناس من يسكنها- أخرجه أبو داود في الطهارة مطولًا، والنسائي في "الطهارة" و "الوليمة"، وابن ماجه في "الطهارة" مختصرًا، ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة في مصنفه: ثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير به. وأبو هاشم: إسماعيل بن كثير المكي، روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعاصم بن لقيط بن صَبِرة. روى عنه: ابن جريج، والثوري، ويحيى بن سليم الطائفي، وداود بن عبد الرحمن العطار. وقال أحمد بن حنبل (¬1): "هو ثقة". وقال أبو حاتم (¬2): "صالح". وقال ابن سعد (¬3): "ثقة كثير الحديث". وعاصم بن لقيط بن صبرة: وثقه أبو حاتم ابن حبان (¬4)، وأخرج حديثه هذا في "صحيحه" (¬5). وقال البغوي -"في شرح السنة" (¬6) -: هذا حديث صحيح. وذكر شيخنا القشيري (¬7): أن ابن خزيمة (¬8) صححه. ¬

_ (¬1) انظر الجرح والتعديل (2/ 194) برقم 656. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الطبقات الكبرى (5/ 458). (¬4) الثقات (5/ 234). (¬5) صحيح ابن حبان (3/ 368) برقم 1087. (¬6) الحدبث في شرح السنة (1/ 415 - 417) وليس فيه قول البغوي: هذا حديث صحيح. (¬7) الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 67 - 68) برقم 41. (¬8) الحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 78) رقم 150 و (1/ 87) رقم 168.

ومن عدا هذين من رجال إسناده فمخرَّج له في الصحيح. وأما حديث ابن عباس: فأخرجه ابن ماجه (¬1) أيضًا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به. وغرابته ترجع إلى الإسناد، فلا ينافي الحسن، فقد ذكر في معناه عدة أحاديث. وابن أبي الزناد: قد وثقه مالك (¬2) وإن ضغفه جماعة (¬3). وقد تقدم الترمذي إلى تحسين هذا الحديث البخاريَّ فيما ذكر عنه الترمذيُّ في كتاب "العلل"، قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن (¬4). وموسى بن عقبة سمع من صالح مولى التوأمة قديمًا. وكان أحمد (¬5) يقول: من سمع من صالح قديمًا، فسماعه حسن، ومن سمع منه أخيرًا، فكأنه يضعف سماعه. قال محمد: وابن أبي ذئب سمع منه أخيرًا ويروي عنه مناكير (¬6). وأما حديث المستورد بن شداد: فقال فيه: حسن غريب (¬7). ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 153) برقم 447 باب تخليل الأصابع. (¬2) قاله الترمذي في جامعه (4/ 234). (¬3) كالإمام أحمد حيث قال: مضطرب الحديث كما في الجرح والتعديل (5/ 252) رقم 1201 وقال ابن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث كما في سؤالات ابن محرز (رقم 189). (¬4) العلل الكبير (1/ 117) وليس فيه تحسين البخاري ولا ما ذكره الشارح. (¬5) العلل ومعرفة الرجال (3/ 115) برقم 2479. (¬6) انظر تهذيب التهذيب (2/ 202). (¬7) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 58).

والظاهر أنه يشير بالغرابة إلى تفرد ابن لهيعة به، عن يزيد بن عمرو، ومن طريقه رواه الجماعة (¬1)، والبزار (¬2)، وعبد الباقي بن قانع (¬3) وغيرهم. وبابن لهيعة أيضًا صار حسنًا، فإن يكن ذلك فليس بغريب، ولا حسن. فقد رواه عن يزيد كرواية ابن لهيعة الليثُ بن سعد، وعمرو بنُ الحارث، وناهيك بهما جلالةً ونبلًا. قال البيهقي (¬4): أنا أبو حازم عمر بن أحمد الحافظ: أنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ: أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد إدريس الحنظلي بالري: ثنا أحمد -يعني: ابن عبد الرحمن بن وهب- قال: سمعت عمي يقول: سمعت مالكًا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال: ليس ذلك على الناس، فتركته حتى خف الناس، وقلت له: يا أبا عبد الله! سمعتك تفتي في مسألة "تخليل أصابع الرجلين"، زعمت أن ليس ذلك على الناس، وعندنا في ذلك سنة؛ فقال: وما هي؟ فقلت: ثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن المستورد بن شداد القرشي؛ قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه". فقال: إن هذا حديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة. ثم سمعته سئل بعد ذلك فأمر بتخليل الأصابع. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 148 باب غسل الرجلين. وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 152) برقم 446 باب تخليل الأصابع، وقوله: الجماعة يوهم أن النسائي ممن رواه الحديث وليس كذلك. (¬2) في مسنده (8/ 390 - 391) برقم 3464. (¬3) معجم الصحابة (3/ 109) برقم 1075. (¬4) السنن الكبرى (1/ 76 - 77).

قال عمّي: ما أقل من يتوضأ إلا ويخطئه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل، فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء، فمن تفقد ذلك؛ فقد سلم. فالحديث إذن صحيح مشهور. وقد حاول أبو الحسن بن القطان (¬1) تصحيحه، فوقف عن ذلك لفَصْلٍ أشكل عليه، وقد أوضحناه، فزال بحمد الله الإشكال. وهو سماع ابن أبي حاتم من أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، فإنه أشكل عليه؛ هل سمع منه، أو روى عنه إجازة؟ فإن ابن القطان (¬2) ذكره عن أبي داود (¬3): ثنا قتيبة: ثنا ابن لهيعة، كما ذكره الترمذي. وضعف من رواته ابن لهيعة، ثم قال (¬4): فأما الإسناد الصحيح، فقال ابن أبي حاتم: أنا أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، فذكر نحو ما ذكرناه. ثم قال: أحمد بن عبد الرحمن، قد وثقه أهل زمانه. قال ابن أبي حاتم: سألت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عنه، فقال: ثقة ما رأينا إلا خيرًا، قلت: سمع من عمه؟ قال: إي والله. وقال أبو حاتم: سمعت عبد الملك بن شعيب بن الليث يقول: أبو عبد الله بن أخي ابن وهب ثقة، ما رأينا إلا خيرًا، قلت: سمع من عمه؟ قال: إي والله. وقد أخرج له مسلم، وإنما أنكر عليه بعض من تأخر أحاديث، رواها بأخرة عن عمه، وهذا لا يضره -إذ هو ثقة- أن ينفرد بأحاديث، ما لم يكن ذلك الغالب عليه. ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 264 - 266). (¬2) بيان الوهم والإيهام (5/ 264) برقم 2463. (¬3) وهو في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 148 باب غسل الرجلين. (¬4) بيان الوهم والإيهام (5/ 264 - 266).

وإنما الذي يجب أن يتفقد من أمر هذا الحديث، قول أبي محمد ابن أبي حاتم: أنا أحمد بن عبد الرحمن، فإني أظنه، يعني: في الإجازة، فإنه لما ذكره في بابه؛ قال: إن أبا زرعة أدركه، ولم يكتب عنه، وإن أباه قال: أدركته وكتبت عنه. فظاهر هذا أنه لم يسمع منه فإنه لم يقل: كتبت عنه مع أبي كما هي عادته". انتهى كلامه (¬1). وقد صرح بالتحديث من طريق الحاكم أبي أحمد الحافظ عنه، وكذلك أيضًا رواه عن ابن أخي ابن وهب: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، حدث به الدارقطني في "غرائب حديث مالك"، عن أبي جعفر الأسواني، عن الدولابي؛ قال: ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب؛ قال: ثنا عمي، فذكر معنى الخبر والقصة عن ابن لهيعة والليث بن سعد، لم يذكر عمرو بن الحارث. فهذا أبو محمد ابن أبي حاتم، وأبو بشر الدولابي، كل منهما يقول: ثنا أحمد بن عبد الرحمن. والأُسواني -بضم الهمزة، وعند ابن السمعاني (¬2) بفتحها، وعند الرشاطي (¬3) بضمها، وقال ابن خلكان (¬4): قال لي الحافظ المنذري: الأسواني صوابه بضم الهمزة، لا كما زعمه ابن السمعاني. ¬

_ (¬1) انظر الإمام لابن دقيق العيد (1/ 613). (¬2) الأنساب (1/ 158). (¬3) هو الشيخ المتقن النسّابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن أحمد اللَّخمي الأندلسي المَرِتِّي الرُّشاطي، صنف اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار ولعل الشارح ينقل منه وله كذلك الإعلام بما في كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام وغير ذلك توفي سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة في جمادي الآخرة عند دخول العدو المرية. السير (20/ 258 - 260) برقم 175. (¬4) وفيات الأعيان (1/ 163 - 164).

وأما حديث أبي أيوب: فقال أبو بكر ابن أبي شيبة في "المصنف" (¬1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن عمه أبي أيوب؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حبذا المتخللون، أن تخلل بين أصابعك بالماء، وأن تخلل من الطعام". وفي الباب مما ليس عند الترمذي، عن عثمان، وأبي هريرة، والرُّبَيّع بنت مُعَوّذ بن عفراء، وعائشة، وأبي رافع -رضي الله عنهم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما حديث عثمان: ففي الحديت الذي سبق في "تخليل اللحية" عند الترمذي (¬2) مصَحّحًا، وفيه: "وخلّل أصابع قدميه ثلاثًا، وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت". رواه الدارقطني (¬3). وحديث أبي هريرة: عند الدارقطني (¬4) أيضًا من طريق الليث بن أبي سليم -مرفوعًا-: "خللوا بين أصابعكم، لا يخللها اللهُ يوم القيامة بالنار". وحديث الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" (¬5) من حديث عبد الله بن الحجاج بن المنهال الأنماطي: ثنا أبي: ثنا يزيد بن إبراهيم التستري: ثنا ليث بن أبي سليم، عن النعمان بن سالم، عن الرُّبيِّع بنت معوذ قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا ويغشانا، فإذا حضرت الصلاة، وضعنا له إناءًا، وحزرناه يأخذ مدًّا، أو مدًّا ونصفًا، فيغسل كفيه ثلاثًا، ويمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويمسح رأسه مرة، ويغسل أذنيه ظاهرهما وبطونهما ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 12). (¬2) الجامع (1/ 46). (¬3) السنن (1/ 86) رقم 12 و 13. (¬4) السنن (1/ 95) رقم 3. (¬5) المعجم الأوسط (7/ 214 - 215) رقم 7309.

وغضونهما، ويغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، يخلل بين أصابعه". قال (¬1): لم يرو هذا الحديث عن النعمان بن سالم إلا ليث، ولا عن ليث إلا يزيد، ولا عن يزيد إلا الحجاج، تفرد به ابنُه. وحديث عائشة؛ قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأُ، ويخلل بين أصابعه، ويدلك عقبيه، ويقول: خللوا بين أصابعكم، لا يخلل الله بينها بالنار، ويل للأعقاب من النار". رواه الدارقطني (¬2) من رواية عمر بن قيس. قال البخاري (¬3): منكر الحديث. وقال الدارقطني (¬4): ضعيف. وحديث أبي رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ حرك خاتمه. رواه ابن ماجه (¬5)، والدارقطني (¬6)، من حديث معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع. قال البخاري (¬7): "هو منكر الحديث". وروى وكيع عن سفيان، عن واقد، عن مصعب بن سعد؛ قال: "مرَّ عمر على ¬

_ (¬1) المعجم الأوسط (7/ 215) رقم 7309. (¬2) السنن (1/ 95) رقم 2. (¬3) التاريخ الكبير (6/ 187) رقم 2122. (¬4) الضعفاء والمتروكون (298) رقم 378. (¬5) في كتاب الطهارة (1/ 153) برقم 449 باب تخليل الأصابع. (¬6) السنن (1/ 83) رقم 16. (¬7) لم أقف عليه في مصنفات البخاري وذكر ذلك عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (6/ 484) رقم 8699 (ط دار الكتب العلمية) وابن حجر في التهذيب (4/ 128).

قوم يتوضؤون، فقال: خللوا". وأبو الأحوص، عن أبي مسكين، عن هزيل؛ قال: قال عبد الله: "ليُنْهِكن الرجل ما بين أصابعه بالماء، أو لتنهكنه النار". وأبو الأحوص، عن أبي إسحاق؛ قال: حدثني من سمع حذيفة يقول: "خللوا ما بين الأصابع في الوضوء، قبل أن تخللها النار" (¬1). وهشيم عن عمران بن أبي عطاء؛ قال: رأيت ابن عباس توضأ فغسل قدميه حتى تتبع بين أصابعه، فغسلهن. وأبو داود الطيالسي عن هشام، عن يحيى: أن أبا بكر الصديق؛ قال: لتخللن أصابعكم بالماء، أو ليُخَلِّلُنَّها الله بالنار. وعن ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن شيبة بن نصاح (¬2)؛ قال: صحبت (2) القاسم بن محمد إلى مكة، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه. قال: وهو يصب الماء عليها، فقلت له: يا أبا محمد! لم تصنع هذا؟ فقال: رأيت عبد الله بن عمر يصنعه. وعن ابن نمير، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر: أنه رآه في سفر ينزع خفيه، ثم يخلل أصابعه. وعن وكيع، عن أبي مسكين، عن عكرمة؛ قال: إذا توضأت فابدأ بأصابعك فخللها، فإنه كان يقال: هو مقيل الشيطان. وروى عن ابن الحنفية والحسن في ذلك. كله عن أبي بكر ابن أبي شيبة (¬3). ¬

_ (¬1) في ت: يخللها بالنار. (¬2) في س نضاح. (¬3) المصنف (1/ 11 - 12).

قال أصحابنا (¬1): من سنن الوضوء تخليل أصابع الرجلين في غسلها، وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل، فلو كانت الأصابع ملفقة (¬2)، لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل، فحينئذٍ يجب التخليل، لا لذاته، لكن لأداء فرض الغسل، وإن كانت ملتحمة، لم يجب الفتق، ولا يستحب أيضًا، والأحبُّ في كيفية التخليل: أن يخلل بخنصر اليد اليسرى، من أسفل الأصابع، مبتدئًا بخنصر الرجل اليمنى، ومختتمًا بخنصر اليسرى. وعن أبي طاهر الزيادي (¬3): أنه يخلل ما بين كل أصبعين من أصابع رجله بأصبع من أصابع يده، ليكون بماء جديد، ويفصل الإبهامات، فلا يخلل بها لما فيه من العسر، وهل التخليل من خاصية أصابع الرجل، أو هو مستحب في أصابع اليدين أيضًا؟ قال الرافعي (¬4): معظم أئمة المذهب ذكروه في أصابع الرجل، وسكتوا عنه في اليدين. لكن القاضي أبا القاسم بن كج (¬5)؛ قال: إنه مستحب فيهما، واستدل بخبر لقيط، فإن الأصابع تنتظمهما، وبحديث ابن عباس الذي ذكرناه. وعلى هذا فالذي يقرب من الفهم ها هنا، أن يشبك بين الأصابع، ولا تعود فيه الكيفية المذكورة في الرجلين. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 436). (¬2) لعلها ملففة. (¬3) الأصل كما في فتح العزيز: الزيادي وهو الصواب وهو محمد بن محمد بن مَحْمِش أبو طاهر الزيادي انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (4/ 198) برقم 347، جاء خطأ: الرمادي! (¬4) فتح العزيز (1/ 436 - 347). (¬5) المصدر السابق.

31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار ثنا قتيبة: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويل للأعقاب من النار". قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وجابر، وعبد الله بن الحارث، ومعيقيب، وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، "حديث حسن صحيح". وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار". قال: وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين، إذا لم يكن عليهما خفين أو جوربين (¬1). * الكلام عليه: حديث أبي هريرة مخرَّج في الصحيحين (¬2) من حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة، من رواية شعبة عنه. رواه البخاري عن آدم، ومسلم عن قتيبة، وابن أبي شيبة، وأبي كريب، عن وكيع، كلاهما عن شعبة. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 58 - 60). (¬2) رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 74) رقم 165 باب غسل الأعقاب، ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 214 - 215) رقم 242 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما.

وأخرجاه أيضًا (¬1) من حديث ابن سيرين عنه. ورواه ابن ماجه (¬2) وغيره (¬3). وحديث عبد الله بن عمرو: اتفق البخاري (¬4) ومسلم (¬5) على إخراجه، من حديث يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو. وحديث عائشة: رواه مسلم (¬6). وحديث جابر: رواه الإمام أحمد (¬7)، وابن ماجه (¬8). وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء؛ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار". رواه الإمام أحمد (¬9)، والدارقطني (¬10). وحديث معيقيب: رواه الإمام أحمد (¬11) وقد عُلل. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 154) رقم 453 باب غسل العراقيب. (¬3) أخرجه أحمد من طرق عن أبي هريرة (2/ 228، 284، 409، 430، 467، 471، 482، 498) والدارمي في سننه (1/ 192) رقم 707 باب ويل للأعقاب من النار، والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 82) رقم 110 باب إيجاب غسل الرجلين. (¬4) في صحيحه كتاب العلم (1/ 37) رقم 60 باب من رفع صوته بالعلم رقم 96 باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه وفي كتاب الوضوء (1/ 73) رقم 163 باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين. (¬5) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 214) رقم 241 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (¬6) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 213) رقم 240 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (¬7) في مسنده (3/ 316، 369). (¬8) في سننه كتاب الطهارة (1/ 155) رقم 454 باب غسل العراقيب. (¬9) في مسنده (4/ 190 - 199). (¬10) في سننه (1/ 95) رقم 1. (¬11) في مسنده (3/ 426).

قال الترمذي -في كتاب "العلل" (¬1) - وقد ذكر حديث الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير، عن سالم مولى دوس، عن عائشة، ثم قال: وقال أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن معيقيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه (¬2). فسألت محمدًا عن هذا الحديث؛ فقال: حديث أبي سلمة عن عائشة حديث حسن، وكان قد ذكر حديث أبي سلمة هذا عن المقبري، عنه. وحديث سالم مولى دوس عن عائشة؛ حديث حسن. وحديث أبي سلمة عن معيقيب؛ ليس بشيء، كان أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا أحدث عنه، وضعف أيوب بن عتبة جدًّا. وعن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار". رواه ابن ماجه (¬3). وفي الباب مما لم يذكره: عن عبد الله بن عمر، وأبي أمامة أو أخيه، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهم، وعن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما حديث ابن عمر: فعند ابن أبي شيبة (¬4)، عن وكيع، عن سفيان، عن ¬

_ (¬1) علل الترمذي الكبير (1/ 120). (¬2) هذه الجملة اعتراضية هي من كلام ابن سيد الناس رحمه الله. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 155) رقم 455 باب غسل العراقيب. (¬4) حديث ابن عمر ليس في مصنف ابن أبي شيبة وقد استدرك الشارح على نفسه فالذي في المصنف (1/ 26) حديث عبد الله بن عمرو بالسند الذي ساقه ابن سيد الناس والله أعلم ونسبه إليه خطأ من حديث ابن عمر لابن أبي شيبة المباركفوري في تحفة الأحوذي (1/ 127) وحديث ابن عمر أخرجه الحصكفي في مسند أبي حنيفة (29) والخوارزمي في جامع المسانيد (1/ 232) بزيادة: "فإذا غسلتم أرجلكم فبلغوا بالماء أصول العراقيب".

منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمر؛ قال: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومًا توضؤوا وأعقابهم تلوح، فقال: "ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء" كذا (¬1). وحديثه في "مصنف ابن أبي شيبة" وأظنه وهمًا، وكأنه -والله أعلم- عبد الله بن عمرو بن العاص. وأما حديث أبي أمامة أو أخيه: فرواه ابن أبي شيبة (¬2) , عن علي بن مسهر، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة أو عن أخيه، قال: أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومًا توضؤوا فرأى عقب أحدهم خارجًا لم يصبه الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للعراقيب من النار". وقد روي من حديث أبي أمامة (¬3)، ومن حديث أخيه (¬4)، ومن حديثهما معًا (¬5)، ومن حديث أحدهما على الشك (¬6). ¬

_ (¬1) في س: كذا وجدته في مصنف ابن أبي شيبة. (¬2) في مصنفه (1/ 26). (¬3) رواه الطبراني في معجمه الكبير (8/ 347 - 348) برقم 8110 و 8111 و 8112 و 8114 و 8115. (¬4) قال الهيثمي في المجمع (1/ 240): رواه الطبراني في الكبير من طرق ففي بعضهما عن أبي أمامة وأخيه وفي بعضها عن أبي أمامة فقط وفي بعضها عن أخيه فقط وفي بعضها قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يتوضؤون فبقي على أقدامهم قدر الدرهم فقال: "ويل للأعقاب من النار" ومدار طرقه كلها على ليث بن أبي سليم وقد اختلط. قلت وليس في معجم الطبراني الكبير حديث أخي أبي أمامة وحده فلعله سقط، وذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 606) حديث أخي أبي أمامة وعزاه لابن أبي خيثمة في تاريخه. (¬5) رواه الطبراني في معجمه الكبير (8/ 347) رقم 8109. (¬6) كما في الحديث السابق عند ابن أبي شيبة.

وأما حديثُ عمر بن الخطاب: أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع فأحسن وضوءك"، فرجع ثم صلى. فرواه مسلم (¬1). وحديث أنس كحديث عمر مرفوعًا، فيه: موضع ظفر. رواه الإمام أحمد (¬2)، وأبو داود (¬3)، وابن ماجه (¬4)، والدارقطني (¬5) وقال: تفرد به جرير بن حازم، عن قتادة وهو ثقة. وحديث أبي ذر: عن ابن عيينة، عن عبد الكريم أبي أمية عن مجاهد عنه. قال: أشرف علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتوضأ فقال: "ويل للأعقاب من النار"، فجعلنا نغسلها غسلًا، وندلكها دلكًا، وأبو أمية مستضعف. ذكره شيخنا أبو الفتح القشيري رحمه الله في كتابه "الإمام" (¬6). وحديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء والصلاة. ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 215) رقم 243 باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة. (¬2) في مسنده (3/ 146). (¬3) في سنته كتاب الطهارة (1 /) رقم 173 باب تفريق الوضوء. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 218) رقم 665 باب من توضأ فترك موضعًا لم يصبه ماء. (¬5) في سننه (1/ 108). (¬6) الإمام (1/ 604) ولم يذكر ابن دقيق العيد من أخرجه وفاته كذلك أن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر رضي الله عنه وأخرجه عبد الرزاق بواسطة في مصنفه (1/ 22 رقم 64) عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر به والله أعلم.

رواه الإمام أحمد (¬1)، وأبو داود (¬2)، وليس عند أحمد ذكر الصلاة. والعَقِبُ: مؤخر القدم، وهي مؤنثة، وبكسر القاف، وتسكن، وخص العقب بالعذاب لأنها التي لم تغسل، وقيل: أراد صاحب العقب، فحذف المضاف وإنما قال ذلك لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء. قال أبو عمر (¬3): في هذا الحديث من الفقه: * إيجاب غسل الرجلين؛ وفي ذلك تفسيرٌ لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، وبيان أنه أراد الغسل لا المسح، وإن كانت قد قرئت {وَأَرْجُلَكُمْ} بالجر؛ فذلك معطوف على اللفظ دون المعنى، والمعنى فيه الغسل على التقديم والتأخير، فكأنه قال عزَّ وجلَّ: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم؛ والقراءتان بالجر والنصب صحيحتان مستفيضتان، والمسح مخالف للغسل، وغير جائز إبطال إحدى القراءتين بالأخرى، ما وجد إلى الجمع بينهما سبيل. والخفض بالجوار معروف، قال امرؤ القيس: كان أبانا في أفانين ودقة ... كبير أناس في بِجاد مزمّلِ فخفض بالجوار، وإنما المزمل: كبير أناس، وإعرابه الرفع، ومنه: هذا جحر ضب خربٍ، بالجر وإنما هو مرفوع، ومن هذا قراءة أبي عمرو: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} بالجر، لأن النحاس: الدخان، فعلى ما ذكرنا تكون القراءة بالجر والنصب، ويكون الخفض بالجوار، والمعنى: الغسل وقد يراد بلفظ المسح: الغسل عند ¬

_ (¬1) أطراف مسند الإمام أحمد لابن حجر (8/ 266) رقم 11017 ولم أهتد إليه في المسند. (¬2) في سننه كتاب الطهارة رقم 175 باب تفريق الوضوء. (¬3) التمهيد (24/ 254).

العرب من قولهم: تمسحت للصلاة، والمراد الغسل، ويشد هذا التأويل كله قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار". وسيأتي له في آخر الباب مزيدُ بيان إن شاء الله تعالى. وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين، وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق والشام، من أهل الحديث والرأي. وإنما روي مسح الرجلين عن بعض الصحابة، وبعض التابعين، وتعلق به الطبري، وذلك غير صحيح في نظر ولا أثر، والدليل على غسل الرجلين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار". فخوفنا بذكر النار، من مخالفة مراد الله تعالى، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا بطونهما، فتبين بهذا الحديث بطلانُ قول من قال بمسح القدمين، إذ لا يدخل المسح بطونَهما عندهم، وإن (¬1) ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح. ودليل آخر من الإجماع، وذلك أنهم أجمعوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب الذي عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه؛ فاليقين ما أجمعوا عليه، دون ما اختلفوا فيه، وقد اتفقوا أن الفرائض إنما يصح أداؤها باليقين، وإذا جاز عند من قال بالمسح على القدمين أن يكون من غسل قدميه قد أدى الفرض عنده، فالقول في هذه الحال بالاتفاق، وهو اليقين من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار". وقد قيل: أن من قرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ}، بالخفض؛ أراد به المسح على الخفين، مع ما روي في ذلك من الآثار، وذكر أشهب عن مالك أنه سئل عن قول الله عز وجل: {وَأَرْجُلَكُمْ} في آية الوضوء؛ بالنصب أم بالخفض؟ فقال: هو الغسل ولا ¬

_ (¬1) في ت: فإن.

يجزيء المسح. والعرقوب: هو مجمع مفصل الساق والقدم. والكعب: هو الناتي في أصل الساق، والعقب: هو مؤخر الرِّجل تحت العرقوب. وقال أبو جعفر النحاس (¬1): كل مفصل عند العرب كعب. وقال أبو جعفر الطحاوي (¬2): للناس في الكعبين ثلاثة أقوال: * فالذي يذهب إليه محمد بن الحسن: أن في القدم كعبًا، وفي الساق كعبًا، ففي كل رجل كعبان. * وقال: غيره يقول: في كل قدم كعب، وموضعه ظهر القدم مما يلي الساق. * قال: وآخرون يقولون: الكعب هو الدائر بمغرز الساق، وهو مجمع العروق من ظهر القدم إلى العراقيب. قال: والعرب تقول: الكعبان هما العرقوبان. كله عن أبي عمر، وسيأتي الكلام على ما فيه آخر الباب. وروى البيهقي (¬3) من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}، قال: عاد إلى الغسل. وروى عن عباد بن الربيع، عن علي رضي الله عنه: أنه كان يقرؤها كذلك. وعن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ¬

_ (¬1) في التمهيد الطحاوي. (¬2) التمهيد (20/ 130). (¬3) السنن الكبرى (1/ 70 - 71).

الْكَعْبَيْنِ}؛ قال: رجع الأمر إلى الغسل. وعن هشام بن عروة، عن أبيه؛ قال: رجع الأمر إلى الغسل، وقرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} نَصَبَها. وعن قيس، عن مجاهد مثله سواء. وعن عمر بن قيس، عن عطاء: أنه كان يقرؤها {وَأَرْجُلَكُمْ} نصبًا. وروي مثل ذلك عن عبد الرحمن الأعرج، وعبد الله بن عمرو بن غيلان، وعن إسماعيل القاضي قال: ثنا عيسى بن مينا قالون؛ قال: قرأت على نافع هذه القراءة غير مرة، فذكر فيها {بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}؛ مفتوحة. وروي عن الوليد بن حسان: أنه قرأ القرآن على أبي محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي، وكان عالمًا بوجوه القراءات، وذكر فيها: {وَأَرْجُلَكُمْ} بنصب اللام. وعن إبراهيم بن يزيد التيمي مثله. وعن عبد الله بن عامر اليحصبي، وعن عاصم برواية حفص، وعن أبي بكر بن عياش برواية الأعمش، وعن الكسائي، كل هؤلاء نصبوها ومن خفضها فإنما هو للمجاورة، قال الأعمش: كانوا يقرؤونها بالخفض، وكانوا يغسلون. وعن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي أنه قال: اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم. وروينا في الحديث الصحيح: عن عمرو بن عبسة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء: ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى أمر بغسلهما (¬1). ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 71).

قلت: أما الأحاديث في ذلك، فقد ذكرنا عمن وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما تيسر، وكلهم ذكروا غسل رجليه، وهو مبطل لقول من عَيَّنَ الفرض في المسح، وهو دلالة فعلية. وأما الدلالة القولية: ففي حديث عمرو بن عبسة الطويل، وقد تقدم، رواه مسلم (¬1)، وعن جابر بن عبد الله؛ قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا". أخرجه الدارقطني (¬2) من حديث ابن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح عنه. وروى مالك في "الموطأ" (¬3) عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه خرجت من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماء -أو نحو هذا-، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كلُّ خطيئة بطشتها يداه مع الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت من رجليه كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب". قال أبو عمر (¬4): سقط ليحيى "فإذا غسل رجليه ... إلى آخر قطر الماء". ولجماعة معه، وذكره ابن وهب وغيره. وعن إبراهيم؛ قال: سألت الأسود: أكان عمر يغسل قدميه؟ قال: نعم، كان يغسلهما غسلًا. ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/ 569 - 571) رقم 832 باب إسلام عمرو بن عبسة. (¬2) السنن (1/ 107) رقم 1. (¬3) الموطأ (1 /) رقم 67 جامع الوضوء. (¬4) التمهيد (21/ 260) والاستذكار (2/ 201) وقد ذكر المصنف هنا كلامه بالمعنى وكذا ذكره ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 588) وكأن المصنف ينقل عنه.

وعن حميد: أن أنسًا كان يغسل قدميه ورجليه حتى يسيل. وعن عمر: أنه رأى رجلًا غسل ظاهر قدميه وترك باطنهما، فقال: لم تركتهما للنار؟ وعن مجاهد، عن ابن عمر؛ قال: إن كنت لأسكب عليه الماء، فيغسل رجليه. وعن أبي الجحاف، عن الحكم؛ قال: سمعته يقول: مضت السنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، يعني: بغسل القدمين. وعن أبي مجلز: أنه كان يغسل قدميه. وأما من ذهب إلى المسح: فروى ابن علية، عن أيوب؛ قال: كان عكرمة يمسح على رجليه، وكان يقول به. وروى ابن عُلية، عن يونس، عن الحسن، قال: كان يقول: إنما هو المسح على القدمين، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما. وابن علية، عن داود، عن الشعبي؛ قال: إنما هو المسح على القدمين ألا ترى أن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم، وما كان عليه المسح أُهمل، فلم يُجْعل عليه شيء. وابن علية، عن مالك بن مغول، عن زبيد اليامي، عن الشعبي؛ قال: نزل جبريل بالمسح. وروى وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي؛ قال: لو كان الدين بالرأي كان باطنُ القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح ظاهرَهما.

كل هذا عن ابن أبي شيبة (¬1) عن من ذكرناه. وروى أبو داود (¬2)، من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي: أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى كظامة قوم، فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه. والكِظامة: بكسر الكاف، وبالظاء المعجمة، قال القزاز (¬3) في جامعه: قناة في باطن الأرض يجري فيها الماء، والجمع كظام، وهي الكظيمة أيضًا. رواه من طريق هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه؛ قال: حدثني أوس بن أبي أوس. وأعله ابن القطان (¬4) بأمرين وترك ثالثًا: • أما الأول: فالجهالة في عطاء والد يعلى، قال: وإنه ثقة، ولم يرو عنه غيره، ولا ترتفع الجهالة براو واحد. • الثاني: أن من الرواة من يقول: عن أوس بن أوس بن أبي أوس، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فزيادة "عن أبيه" عادت بنقص معناه، صار أوس من التابعين فيحتاج إلى النظر في حاله. • والثالث -الذي لم يذكره-: قال أحمد: لم يسمع هشيم هذا من يعلى، مع ما عرف من تدليس هشيم، فلا بد من ضعف الواسطة بينهما. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 19 - 20). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 160. (¬3) هو محمد بن جعفر القزّاز القيرواني أبو عبد الله التميمي النحوي شيخ اللغة في المغرب صنف الجامع في اللغة مات سنة اثنتي عشرة وأربعمائة بالقيروان عن نحو تسعين، بغية الوعاة (1/ 71) رقم 120 وإنباه الرواة (3/ 84 - 87). (¬4) بيان الوهم والإيهام (4/ 119 - 120) رقم 1565.

والجواب (¬1) عن ذلك: • أما الأول: فقد وَثَّق عطاء هذا أبو حاتم ابن حبان (¬2). • وأما الثاني: فقد ذكر أبو عمر أوس بن أبي أوس هذا في الصحابة، قال: وله أحاديث منها في المسح على القدمين، وفي إسناده ضعف، وسمى أبو عمر أبا أوس: حذيفة، عن خليفة بن خياط (¬3). وهذا التعريف لا يرفع الإشكال لأنه لا ينفي أن يكون لأوس هذا ابن اسمه أوس أيضًا، هو راوي هذا الحديث، وإنما استفدنا منه ضعف الحديث عند أبي عمر. • وأما الثالث: فقد رواه سعيد بن منصور، عن هشيم: أبنا يعلى بن عطاء، فأزال إشكال عنعنة هشيم، رواه عن سعيد دعلج وبشر بن موسى، خرجه ابن شاهين عن بشر، والحازمي من طريق دعلج. حديثٌ آخر: روى سعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن أبيه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ويمسح على رجليه (¬4). رواه الطبراني في "معجمه الكبير" (¬5)، عن هارون بن ملول، عن أبي ¬

_ (¬1) انظر التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي (1/ 161) رقم 151 وفيه أن أحمد قال سمع هشام هذا من يعلى وهو خطأ قطعًا ووقع على الصواب في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 398) ومحقق التحقيق يقول في الحاشية بعد أن عزا الحديث لأحمد قال: وقع في رواية المسند سقط فيما يبدو فلم يذكر فيه والد عطاء ولعل ذلك السقط من الطبع. قلت: والحديث في المسند (4/ 8) بذكر والد عطاء وفي نفس المجلد والصفحة التي عزا إليها المحقق الحديث والله المستعان. (¬2) الثقات (5/ 202). (¬3) طبقات خليفة بن خياط (285). (¬4) ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين (121) رقم 124. (¬5) المعجم الكبير (2/ 60) رقم 1286.

عبد الرحمن المقري، عن سعيد. ورواه ابن قانع (¬1) من جهة أبي بكر بن أبي سعيد، عن المقرئ. وذكر أبو عمر (¬2) تميمًا وحديثه هذا وضعف الحديث وقال: في صحبة تميم نظر، وفيما قاله أبو عمر من ذلك نظر؛ لشهرة من ذكرنا من رواته من طريقي الطبراني وابن قانع. حديث آخر: روى الدارقطني (¬3) من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع حديثًا فيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين". حديث آخر: روى الطبراني في "معجمه الأوسط" (¬4): ثنا أحمد بن علي الأبار: ثنا أمية بن بسطام: ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا أريكم كيف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ثم مسح برأسه، ثم أخذ بيده ماءًا فنضحه على قدميه، فمسح بهما قدميه وعليه النعلان. وقد تقدم في هذا حديث علي، من طريق ابن أبي شيبة، وحديث الربيع بنت معوذ. وقد تقدم فيما روينا عن البيهقي (¬5)، عن ابن عباس ما يخالف هذه الرواية، ¬

_ (¬1) معجم الصحابة (1/ 115). (¬2) الاستيعاب (1/ 195) رقم 238 ط دار الجيل. (¬3) السنن (1/ 95 - 96) رقم 4. (¬4) المعجم الأوسط (1/ 218 - 219) رقم 714. (¬5) معرفة السنن والآثار (1/ 290 - 291) رقم 676.

من طريق الطبراني. وأحاديث المسح منهم من أوَّلها على أن ذلك تجديد للطهارة، لا عن حدث، وذكروا في ذلك رواية النزال بن سبرة، عن علي في هذه القصة، قال: أتي بكوز ماء، فأخذ منه حفنة واحدة، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "هذا وضوء من لم يحدث". قال البيهقي -بعد أن حكم بأن حديث النزَّال ثابت-: وفي ذلك دليل على أن مسحه في كل حديث روي عنه مطلقًا، كان على هذا الوجه. ومما يدل على ذلك: رواية خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه، في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا"؛ وكذلك هو في رواية زر بن حبيش وغيره، عن علي". انتهى كلام البيهقي. ورأى غيره في هذه الأحاديث أنها منسوخة، قال الحازمي (¬1) -بعد ذكره حديث أوس بن أبي أوس المتقدم، من طريق يحيى بن سعيد، عن يعلى-: لا يعرف هذا الحديث مجودًا متصلًا إلا من حديث يعلى، وفيه اختلاف، وعلى تقدير ثبوته، ذهب بعضهم إلى نسخه بما أورده من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء، الحديث وفي آخره: قال هشيم: كان هذا أول الإسلام. وروى من طريق الطحاوي: ثنا فهد: ثنا محمد بن سعيد: أبنا عبد السلام، عن عبد الملك؛ قال: قلت لعطاء: أبلغك عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على القدمين؟ فقال: لا. وروى من طريق أبي الشيح: ثنا القاسم بن فورك: ثنا علي بن سهل الرملي: ¬

_ (¬1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (123 - 124) مكتبة عاطف (مصر).

ثنا مؤمل: ثنا حماد، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك؛ قال: نزل القرآن بالمسح على القدمين، وجرت السنة بالغسل. وذكر من طريق محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن ابن عمر؛ قال: نزل جبريل بالمسح، وسنَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غسل القدمين. محمد بن جابر ضعفه أحمد (¬1) ويحيى (¬2) والنسائي (¬3) وغيرهم (¬4). وروى غيره (¬5) عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه قال: المسح على القدمين هو الوضوء الأول. ومنهم (¬6) من حمل هذا وما أشبهه على مسح القدمين وهما في الخفين، وذهب غير الطائفتين المذكورتين إلى الجمع بين المسح والغسل، أخذًا بالكتاب في المسح والسنة في الغسل، يحكى ذلك عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (¬7)، وغيره. قال أبو محمد بن الفرس (¬8): وأكثر من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض لم يروا المسح على الرجلين، بل رأوا أن فرضهما الغسل، إلا أنهم اختلفوا في تخريج هذه القراءة، ولم يحملوها على ظاهرها. ¬

_ (¬1) العلل ومعرفة الرجال (1/ 374) رقم 719 و (3/ 16) رقم 4176. (¬2) تاريخ ابن معين رواية الدوري (2/ 507) وتاريخ الدارمي برقم 742 وكذا الدقاق (52). (¬3) الضعفاء والمتروكون برقم 533. (¬4) وممن ضعفه: الفلاس وأبو زرعة والبخاري، انظر تهذيب الكمال (24/ 567) برقم 5110). (¬5) ذكر هذا ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 597) والمصنف ينقل عنه. (¬6) كابن الجوزي في التحقيق (1/ 161). (¬7) تفسير الطبري (6/ 130) الطبعة المصرية (البابي). (¬8) تقدمت ترجمته.

فمنهم من قال: يحتمل أن يكون عطف بالمسح على المعنى، والمراد الغسل كما قال: علفتها تبنًا وماءً باردًا. وهذا الوجه يضعف من قبل أنه يحتاج فيه إلى إضمار حرف الجر مع فعل متعلق به، مع أنه ليس في الكلام ما يدل على ذلك الفعل، وقيل: {وَأَرْجُلَكُمْ} خفض على الجوار. * * *

32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة حدثنا أبو كريب، وهناد، وقتيبة؛ قالوا: ثنا وكيع، عن سفيان، وثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا سفيان عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر، وجابر، وبريدة، وأبي رافع، وابن الفاكه. قال: وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح. وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث، عن الضحاك ابن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة". قال: وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان، وهشام بن سعد، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * الكلام عليه: سكت الترمذي عن هذا الحديث، فلم يحكم عليه بشيء، وهو طرف من حديث أخرجه البخاري (¬2) مطولًا ومختصرًا، وأخرجه النسائي (¬3) وابن ماجه (¬4)، ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 60 - 61). (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 67) رقم 140 باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة مطولًا وبرقم 157 باب الوضوء مرة مرة مختصرًا. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 66) برقم 80 باب الوضوء مرة مرة. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 411 باب ما جاء في الوضوء مرة مرة.

وأخرجه أبو داود في بابين (¬1) من "كتابه"؛ في "باب الوضوء مرتين مرتين"؛ مطولًا، ثم أخرجه بعده في "باب الوضوء مرة مرة"؛ مختصرًا، كما ذكره أبو عيسى. وأما حديث عمر: فمذكور في الأصل معلل فيه، ورواه ابن ماجه (¬2) أيضًا. وأما حديث جابر: فسيأتي في باب الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا. وأما حديث بريدة: فأخرجه البزار (¬3) من حديث سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، رواه عن أبي كريب عن علي بن قادم عنه. وأما حديث أبي رافع: فأخرجه البزار (¬4) أيضًا، من حديث عبد العزيز: ثنا عمرو بن أبي عمرو، عن ابن أبي رافع، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة. رواه عن أحمد بن أبان، عن عبد العزيز، ويشبه أن يكون الدراوردي (¬5). وأما حديث ابن الفاكه: فذكره أبو القاسم البغوي في "معجمه": ثنا علي بن الجعد: ثنا عدي بن الفضل، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن ابن الفاكه؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة. وذكر أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" (¬6)؛ قال: ابنُ الفاكه ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة برقم 137 باب الوضوء مرتين وبرقم 138 باب الوضوء مرة مرة. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 412 باب ما جاء في الوضوء مرة مرة. (¬3) لم أقف عليه عند البزار وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 231) وعزاه للطبراني في الأوسط وضعفه بابن لهيعة. (¬4) وانظر كشف الأستار (1/ 143) رقم 272. (¬5) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 231) رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح. (¬6) الجرح والتعديل (9/ 326) رقم 1424.

قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة، في رواية عدي بن الفضل، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، قال أبو محمد: عدي بن الفضل متروك الحديث. وقوله: حديث ابن عباس أحسنُ شيء في هذا الباب (¬1)؛ ظاهر لما ذكرنا من صحته، ومن أن البخاري أخرجه، وقال البزار (¬2): بعد أن خرَّج حديث ابن عباس، من حديث عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، ومن حديث سفيان عن زيد كما أخرجناه: وهذا الحديث رواه عن زيد بن أسلم سفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، وداود بن قيس، وحفص بن ميسرة، والدراوردي، وورقاء بن عمر، وغيرهم كما ذكرناه. وخالفهم: الضحاك بن شرحبيل فرواه عن زيد بن أسلم، عن عمر، وأغفل (¬3) في إسناده قصد الصواب، ثم أخرج عن أبي كريب: ثنا رشدين، عن الضحاك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، الحديث. قال البزار: وقد تابع رشدين عبد الله بن لهيعة على مثل هذه الرواية عن الضحاك، وخالفا من سمينا من الثقات، وما أُتي هذا إلا من الضحاك. وقد ذكره ابن الجارود (¬4) وزاد معمرًا فيمن رواه عن زيد كرواية سفيان والدراوردي وغيرهما. وأما حديث جابر: فسيأتي تعليله في موضعه. ¬

_ (¬1) وقد سبق. (¬2) ولم أقف عليه في كشف الأستار ولا في مجمع الزوائد وهذا التعليل للحديث من البزار ذكره ابن كثير في جامع السانيد (رقم 1066) بعد أن ذكر طرق الحديث فقال: ثم أخذ البزار يعلل حديث هشام بن سعد وما بعده بما ليس بمؤثر ولا مغير والله أعلم. (¬3) في س: أنه غفل. (¬4) المنتقى (1/ 70) رقم 69 غوث المكدود.

وأما حديث أبي رافع: فإن البزار (¬1) قال عند تخريجه بالسند الذي ذكرناه عنه آنفًا: لا نعلم يُروى هذا الحديث عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد. وحكى الترمذي في كتاب "العلل" (¬2) له عن البخاري أنه قال: فيه اضطراب. وأما حديث بريدة: فحكى البزار تفرد علي بن قادم به، عن الثوري وقد ضعفه يحيى. وأما حديثُ ابن الفاكه: فقد ذكرنا عن ابن أبي حاتم: أن عدي بن الفضل راويه متروكٌ. فظهر بذلك ترجيحُ حديث ابن عباس، على ما عداه من أحاديث الباب. وفي الباب أيضًا مما لم يتقدم له ذكر: حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه البزار (¬3) من حديث مندل بن علي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة؛ رواه عن الجراح بن مخلد، عن بكر بن يحيى بن زبان العنزي؛ قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عبد الله بن عمرو إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح (¬4). وفيه مما لم يذكره أيضًا: حديث عكراش بن ذؤيب المري: ذكره أبو بكر الخطيب (¬5)، أخبرنا به عنه أبو ¬

_ (¬1) كشف الأستار (1/ 143) رقم 272. (¬2) العلل الكبير (1/ 124). (¬3) كشف الأستار (1/ 142) رقم 269. (¬4) في س تكملة بعد نجيح: عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ مرة" رواه عن الجراح بن مخلد كذا بكر بن يحيى. (¬5) تاريخ بغداد (11/ 28) رقم 5694.

الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني- إجازة، إن لم يكن سماعًا: أبنا أبو اليمن الكندي: أبنا أبو منصور القزاز عنه، قال: ثنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري: أبنا أبو بكر بن المقرئ بأصبهان: ثنا أبو صالح عبد الوهاب بن أبي عصمة بن الحكم العكبري -بعكبرا سنة خمس وثلاث مئة- قال: ثنا النضر بن طاهر: ثنا عبيد الله بن عكراش: حدثني أبي قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة. وقال: "هذا وضوء لا يقبل اللهُ الصلاة إلا به". وذكر أبو عمر (¬1) عكراش بن ذؤيب هذا في "الاستيعاب"، وقال: له حديث واحد؛ وذكر حديث الصدقة، "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقات قومي"، وهذا ثان لم يذكره أبو عمر، وقد ذكر الخطيب (¬2) ثالثًا قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين، وقال: "هذا وسط من الوضوء". وأما قول البزار في حديث أبي رافع: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، مع أن البخاري قال: فيه اضطراب؛ والاضطراب يقتضي تعدد الطرق إذا كان راجعًا إلى الإسناد فبينهما تعارض، والصواب في ذلك ما قاله البخاري فإن الشيخ أبا الحسن الدارقطني (¬3)؛ قال: يرويه الدراوردي واختلف عنه، فرواه سعيد بن سليمان وسليمان الشاذكوني، ونعيم بن حماد عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده. وروى أبو همام عن الدراوردي بهذا الإسناد إلا أنه لم يذكر عمرو بن أبي عمرو. ¬

_ (¬1) الاستيعاب (3/ 1244) رقم 2039 ط دار الجيل. (¬2) تاريخ بغداد (11/ 28). (¬3) العلل (7/ 10) رقم 1173.

ورواه سعيد بن منصور، وضرار بن صُرْد، وخلف بن هشام، عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن يعقوب بن خالد، عن أبي رافع. ورواه الحسن بن الصباح الزعفراني عن سعدويه، عن الدراوردي، عن محمد بن عمارة، ويعقوب بن المسيب، عن أبي رافع. وأشبهها بالصواب: • حديث: عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله، وهو عبادل، عن أبيه عن جده. • وحديث: محمد بن عمارة، هو حديث آخر، لأن سعيد بن سليمان قد أتى بهما جميعًا، فأشبه أن يكونا محفوظين عن الدراوردي، انتهى ما ذكره الدارقطني (¬1). ولا يحسن أن يقال في الجواب عن البزار أنه ظنهما حديثين، كما ظن الدارقطني، فلا يعارض قوله قول البخاري، لأن الذي عند البزار مخالف لما ذكره الدارقطني؛ سواءً كانا حديثين أو حديثًا واحدًا. وأما الوضوء مرة مرة: فقال الشيخ محيي الدين (¬2): وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاثة سنة، قد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، وثلاثًا ثلاثًا، وبعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين. قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال، ¬

_ (¬1) العلل (7/ 10 - 11) رقم 1173. (¬2) شرح صحيح مسلم (3/ 101) ط دار المعرفة.

والواحدة تجزئ، فعلى هذا يحمل اختلاف الأحاديث. انتهى. ثم ما حكم الثانية والثالثة بعد ذلك: وقال القاضي أبو بكر بن العربي (¬1) رحمه الله: قال: إن للعلماء في ذلك أقوالًا متعددة: • منهم: من جعل المرة الأولى فرضًا، والثانية سنة، والثالثة فضيلة. وقال مالك في "المدونة": تجوز الواحدة، وقال: لا أحب الواحدة إلا من العالم. وقال في "سماع أشهب": الوضوء مرتان وثلاث، قيل له: فالواحدة، قال: لا. وقال في "مختصر ابن عبد الحكم": لا أحب أن ينقص من اثنتين، إذا عمتا (¬2). وقد عللت كراهة مالك للواحدة (¬3)؛ قال في حق الجاهل لما يخشى من تفريطه، وفي حق العالم لئلا يقتدى به؛ وتكرار الغسل فيما يغسل، والمسح فيما يمسح من ذلك كله، سنة عند الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة (¬4) وأحمد (¬5): لا يستحب التكرار في مسح الرأس، وقد سبق ما عن الشافعي في ذلك. ولو شك في أنه غسل أو مسح مرة أو مرتين، أو شك في أنه فعل ذلك مرتين أو ثلاثة؟ فوجهان: ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 55). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 55 - 56). (¬3) بداية المجتهد (1/ 372) ط دار الكتب العلمية، تنوير المقالة (1/ 511). (¬4) المبسوط (1/ 7). (¬5) الأوسط (1/ 396).

أصحهما: أنه يأخذ بالأقل، كما لو شك في عدد ركعات الصلاة. والثاني: ذكره الشيخ أبو محمد (¬1): أنه يأخذ بالأكثر حذارًا من أن يزيد مرة رابعة فإنها بدعة، وترك السنة أهون من اقتحام البدعة، لكن من قال بالأول لا يُسلِّم أن الرابعة بهذه المثابة بدعة، بل لا تكون بدعة، إلا إذا كانت واقعة مقصودة يقينًا. * * * ¬

_ (¬1) انظر فتح العزيز (1/ 411، 412).

33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين

33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين ثنا أبو كريب، ومحمد بن رافع؛ قالا: ثنا زيد بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان؛ قال: حدثني عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين. قال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث بن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح. وفي الباب: عن جابر. قال أبو عيسى (¬1): وقد روي عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا. * الكلام عليه: رواه أبو داود (¬2)، وعبد الله بن الفضل (¬3) روى له الجماعة، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان هو المتفرد به عن عبد الله بن الفضل، فهي الغرابة التي أشار إليها، روى له أبو داود، والترمذي وابن ماجه (¬4)، ومن أجله كان حسنًا، ومن عداه مخرج له في الصحيح، فلنذكر ما حضرنا من الكلام عليه: هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، أبو عبد الله العَنْسي -بالنون- الدمشقي. سمع: أباه، ونافعًا -مولى ابن عمر-، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن دينار، وغيرهم. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 62 - 63). (¬2) في سننه كتاب الطهارة رقم 136 باب الوضوء مرتين. (¬3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (15/ 432 / رقم 3483، تهذيب التهذيب (2/ 403). (¬4) انظر تقريب التهذيب (535) رقم 3557.

روى عنه: بقية، والوليد بن مسلم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعلي بن عياش، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو معيد حفص بن غيلان، وبشر بن مفضل، وخلق كثير. قال أبو داود السجستاني (¬1): كانت فيه سلامة، وكان مجاب الدعوة، وليس به بأس، وكان على المظالم -ببغداد-، وكان أبوه وصي مكحول، سألت علي بن المديني عنه، فقال: ليس به بأس. وقال عبد الرحمن (¬2): هو ثقة. وقال أحمد بن عبد الله (¬3): ليس به بأس. وقال عباس (¬4): سمعت ابن معين يقول (¬5): أصله خراساني نزل الشام، وما ذكره إلا بخير، وفي رواية (¬6): ليس به بأس. وقال: مات ببغداد (¬7). وسئل عنه أبو زرعة (¬8) فقال: لا بأس به. وسئل عنه أبو حاتم (¬9) فقال: أبوه من كبار أصحاب مكحول، ثقة، والابن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (17/ 12) رقم 3775 تهذيب التهذيب (2/ 494). (¬2) وكذا النسائي كما رمز الحافظ ابن حجر في التقريب (ص 572) رقم 572. (¬3) سؤالات الآجري أبا داود (2/ 227) رقم 1679 وليس فيه سألت ابن المديني عنه ونقل الحافظان المزي وابن حجر كلام ابن المديني هذا كما في تهذيب الكمال (17/ 15) وتهذيب التهذيب (2/ 494). (¬4) هذا من قول أبيه كما في الجرح والتعديل (5/ 219) رقم 1031. (¬5) معرفة الثقات (2/ 74) رقم 1024. (¬6) تاريخه (2/ 346). (¬7) تاريخ بغداد (10/ 224). (¬8) الجرح والتعديل (5/ 219) رقم 1031. (¬9) لم أقف عليه في الجرح والتعديل وقد نسب الحافظان الزي وابن حجر هذا الكلام لأبي حاتم كما في تهذيب الكمال (17/ 16) وتهذيب التهذيب (2/ 494).

يشوبه شيء من القدر، وتغير عقله في آخر حياته، وهو مستقيم الحديث. وقال أحمد (¬1): لم يكن بالقوي، وأحاديثه مناكير، ويكتب حديثه. وقال النسائي (¬2): ليس بالقوي. وقال يحيى (¬3) مرة: ضعيف، ومرة: لا بأس به. وذكره أبو بكر الخطيب (¬4) فقال: كان ممن يذكر بالزهد، والعبادة، والصدق في الرواية. وحكي عن يعقوب بن شيبة (¬5) أنه قال: اختلف أصحابنا فيه: فأما يحيى بن معين فكان يضعفه، وأما علي ابن المديني، فكان حسن الرأي فيه. وكان ابن ثوبان رجل صدق لا بأس به، استعمله أبو جعفر والمهدي بعده على بيت المال، وقد حمل الناس عنه (¬6). وقال عمرو بن علي الفلاس: وحديث الشاميين كلهم ضعيف إلا نفرًا منهم: الأوزاعي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وذكر قومًا. وقال ابن خِراش: في حديثه لين (6). فالمقتضى لكونه حسنًا، ما في حال ابن ثوبان من الاختلاف، مع كونه تفرد ¬

_ (¬1) الضعفاء للعقيلي (2/ 326) رقم 917 والجرح والتعديل (5/ 219) رقم 1031. (¬2) الضعفاء والمتروكون (159) رقم 382 ط مؤسسة الكتب الثقافية. (¬3) تاريخ ابن معين رواية الدوري (2/ 346) وتاريخ الدارمي (146) رقم 498. (¬4) تاريخه (10/ 223). (¬5) تاريخ بغداد (10/ 224). (¬6) تاريخ بغداد (10/ 225).

به، وإن كان الغالب عليه التوثيق، فلذلك قال: وهو إسناد حسن صحيح، لكنه مع التفرد تنحط درجة حديثه، عن ما يتابع عليه فالحديث حسن لمحل التفرد المشار إليه، والسند صحيح لما نبهنا عليه من حال رواته، ولا تنافي في ذلك، فإنهم اشترطوا في الصحيح مع ثقة الرواة: السلامة من الشذوذ والعلل، فثقة الرواة هو صحة الإسناد وعدم سلامة الحديث من الشذوذ والتعليل هو سبب عدم القول بصحته. وحديث جابر يأتي بعد هذا، وحديث أبي هريرة أيضًا الذي أشار إليهما. وفي الباب مما لم يذكره، وهو أصح وأقوى مما ذكره: حديثُ عبد الله بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين. رواه البخاري في الصحيح: (¬1) حدثنا الحسين بن عيسى، عن يونس بن محمد: ثنا فليح بن سليمان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد. وذكر أبو بكر الخطيب (¬2) -في ترجمة عبد الوهاب بن أبي عصمة-؛ من حديث عبيد الله بن عكراش، عن أبيه: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين، وقال: "هذا وسط من الوضوء". وحديث ابن عمر الآتي في الباب بعده، وكذلك حديث أبي بن كعب. * * * ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 72) رقم 158 باب الوضوء مرتين مرتين. (¬2) تاريخ بغداد (11/ 28).

34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا

34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا حدثنا محمد بن بشار: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي حية، عن علي: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا". قال أبو عيسى: وفي الباب، عن عثمان، والرُّبيِّع، وابن عمر، وأبي أمامة، وعائشة، وأبي رافع، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الله بن زيد، وأبيّ. قال أبو عيسى: حديث علي أحسن شيء في الباب وأصح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أن الوضوء يجزيء مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء. قال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم. وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى (¬1). * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وصححه الحافظان: أبو علي بن السكن، وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (¬6)، وسيأتي تصحيح الترمذي إياه بعد هذا. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 63 - 64). (¬2) المسند (1/ 120، 148، 149). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 116 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 73) رقم 93، 94، 95. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 150) رقم 346 و (1/ 155) رقم 456. (¬6) المختارة (2/ 411) رقم 797.

وذكره أبو محمد عبد الحق في أحكامه (¬1) فسكت عنه، وهو عنده تصحيح. وتعقب عليه أبو الحسن بن القطان (¬2) في ذلك فقال: وأبو حية الوادعي، قال فيه أحمد بن حنبل: شيخ، ومعنى ذلك عندهم: أنه ليس من أهل العلم، وإنما وقعت له رواية لحديث أو أحاديث، فأخذت عنه. وهم يقولون: لا تقبل رواية الشيوخ في الأحكام، وقد رأيت من قال في هذا الرجل: أنه مجهول، وأبو الوليد بن الفرضي ممن قال ذلك. ولا يَروي عنه -فيما أعلم- غير أبي إسحاق. وقال أبو زرعة (¬3): لا يسمى، ووثقه بعضهم، وصحح آخرون حديث علي هذا، وممن صححه ابن السكن، وقد أتبع الترمذي هذا الحديث أنه: أحسن شيء في هذا الباب، وهو باعتبار حال أبي حية، وباعتبار حال أبي إسحاق واختلاطه، حسن؛ فإن أبا الأحوص وزهير بن معاوية سمعا منه، وأنه استفاد ذلك من قوله: أنه أحسن شيء في الباب، ومن التقصير بأبي حية؛ إما لجهالته عند من ادعاها عليه، أو لتعريف من عرَّفه، بأنه شيخ، ولم يزد على ذلك. وبقوله: إنه لم يرو عنه غير أبي إسحاق فيما يعلم، وقال: عن أبي زرعة لا يعرف اسمه، وبرواية زهير عن أبي إسحاق، وهو إنما سمع منه بعد الاختلاط ولا تخلو هذه الشبه كلها من الاعتراضات. فأما تحسينه له فليس بمستقيم، لتصحيح من صححه ممن ذكره. وأما قول الترمذي (¬4): أحسن شيء في الباب، فلا يدل ذلك على أنه عنده ¬

_ (¬1) الأحكام الصغرى (1/ 117). (¬2) بيان الوهم والإيهام (4/ 108) رقم 1546. (¬3) الجرح والتعديل (3/ 589) رقم 267. (¬4) الجامع (1/ 67).

حسن، كما تقدم غير مرة، وإن كان ذلك يفيد التحسين فلم يقتصر على هذا اللفظ. بل قال: أحسن شيء في هذا الباب وأصح، فإن كان استفاد التحسين من قوله: أحسن، فليستفد التصحيح من قوله: وأصح، ولا فرق بل قد صححه الترمذي بعد هذا، في باب: وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان. وأما الكلام في أبي حية: فقد وثقه أبو حاتم ابن حبان (¬1)، وليس في الجهالة التي حكاها عن ابن الفرضي (¬2)، ولا في قول الإمام أحمد عنه: شيخ (¬3)، ما يعارض التوثيق المذكور. وأما قوله: إنه لم يرو عنه غير أبي إسحاق، فقد قال أبو أحمد الحاكم (¬4): ثنا عمر بن أحمد بن علي الجوهري: ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون: ثنا عمرو بن ثابت، عن المنهال بن عمرو وأبي إسحاق، عن أبي حية؛ قال: رأيت عليًّا دخل الرحبة، وذكر حديث الوضوء بطوله، فهذا المنهال بن عمرو راوٍ ثان عن أبي حية، لكنه قال -في ترجمته-: إن كان ذلك محفوظًا، ثم ساقه بهذا السند. وسئل أبو زرعة عن حديث المنهال بن عمرو؛ قال: حدثنا زر بن حبيش: جاء رجل إلى علي، فسأله عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: إنما يروى عن المنهال بن عمرو، عن أبي حية، عن علي وهو الأشبه (¬5). ¬

_ (¬1) الثقات (5/ 180). (¬2) تهذيب التهذيب (4/ 515). (¬3) العلل ومعرفة الرجال (2/ 483 رقم 3172). (¬4) الأسامي والكنى (4/ 228) رقم 1902. (¬5) العلل لابن أبي حاتم (1/ 21) رقم 28 والمجيب أبو حاتم.

وقال: لا نعرف اسمه (¬1)، وقد سماه ابن حبان -في كتاب الثقات (¬2) له-: عمرو بن عبد الله. وقال الأمير (¬3): أبو حية الوادعي، الحازمي، الهمداني، حدث عن علي، روى عنه السبيعي، يختلف في اسمه يقال: عمرو بن نصر، وقيل: عامر بن الحارث. وأما التضعيف برواية زهير، عن أبي إسحاق، وأنه سمع منه بعد الاختلاط، فلا تكاد أن ترى في الصحيحين حديثًا من رواية زهير، عن أبي إسحاق، إلا رأيته وليس مما تفرد به زهير، عن أبي إسحاق، بل إنما هو عندنا من رواية سفيان عن أبي إسحاق. وذكر الشيخ أبو الحسن الدارقطني في كتاب "العلل" (¬4)، وجوهًا عديدة من الاختلاف على أبي إسحاق في رواية هذا الحديث، ثم قال (¬5): وأصحها كلها قول من قال: عن أبي حية عن علي أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا. وحديث عثمان: أخرجه البخاري (¬6)، ومسلم (¬7)، وأبو داود (¬8)، والنسائي (¬9)، من حديث حمران عنه. ¬

_ (¬1) العلل (1/ 56) رقم 144 بزيادة وهو ابن قيس الوادعي. (¬2) الثقات (5/ 180). (¬3) الإكمال لابن ماكولا (2/ 325). (¬4) العلل (4/ 189 - 193) رقم 501. (¬5) العلل (4/ 192). (¬6) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 72) رقم 159 باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. (¬7) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 204 - 205) رقم 226 باب صفة الوضوء وكماله. (¬8) في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 106 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬9) في سننه كتاب الطهارة (1/ 68 - 69) رقم 84 باب المضمضة والاستنشاق وبرقم 59 باب بأي اليدين يتمضمض.

35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا

غير أن مسح الرأس فيه مطلق بغير عدد، وقد تقدم ذلك. وروى ابن ماجه (¬1) من حديث عثمان، وعلي، من رواية شقيق بن سلمة عنهما قال: كانا يتوضآن ثلاثًا ثلاثًا، ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ واحدة فتلك فريضة الوضوء الذي لا بد منها، ومن توضأ اثنتين، فله كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثًا، فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي". رواه الإمام أحمد (¬2). وحديث أبي أمامة الباهلي أنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا ثلاثًا ... الحديث، رواه الإمام أحمد (¬3)، وأبو داود (¬4). وحديث عائشة وأبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا؛ رواه ابن ماجه (¬5). وحديث الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء (¬6): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 144) رقم 413 باب الوضوء ثلائًا ثلاثًا. (¬2) المسند (2/ 98). (¬3) المسند (5/ 258). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 134 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 144) رقم 415 باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. (¬6) قلت: وحديث الربيع رضي الله عنها أخرجه عبد الرزاق (1/ 37) برقم 919 والحميدي في مسنده (1/ 163 - 164) برقم 342 وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 9 و 20) وأحمد في مسنده (6/ 358 - 359) والدارمي في سننه (1/ 187) برقم 690 وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 145) برقم 418 باب الوضوء ثلاثًا وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 126 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم والدارقطني في سننه (1/ 96) برقم 5 والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 64) وفي المعرفة (1/ 230 و 231). (¬7) توجد لوحة 103 ساقطة من ت، وربما فيها: 35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا

وفي الباب مما لم يذكره: (¬1) حديث المطلب بن حنطب: قرئ على عبد الرحيم بن يوسف المزي -وأنا أسمع-: أخبركم أبو حفص عمر بن محمد طبرزد -فأقر به-: ثنا أبو بكر محمد عبد الباقي بن محمد الأنصاري: أبنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري: ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق -قراءة عليه-: ثنا أبو علي حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب -قراءة عليه-: ثنا نعيم بن حماد الخزاعي: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن مولى المطلب بن حنطب، عن المطلب بن حنطب؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مرة مرة ومرتان وثلاث، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) بداية لوحة 104 من ت. (¬2) الحديث مرسل وذكر العيني في عمدة القاري (1/ 662) أن الحديث رواه نعيم بن حماد والله أعلم.

36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا

36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا حدثنا ابنُ أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ: فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه مرتين، ومسح برأسه، وغسل رجليه. قال: وهذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر في غير حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ بعض وضوئه مرة، وبعضه ثلاثًا. وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأسًا أن يتوضأ الرجلُ بعض وضوئه ثلاثًا، وبعضه مرتين أو مرة (¬1). * الكلام عليه: أخرجه البخاري (¬2)، ومسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6)، مطولًا ومختصرًا. وأما قوله: "وقد ذكر في غير حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ بعض وضوئه مرة ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 66 - 67). (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 80) رقم 183 باب الرجل يوضيء صاحبه وانظره في رقم 184، 188، 189، 194، 196. (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 210 / 211) رقم 235 باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 118 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 76) رقم 98 باب صفة مسح الرأس. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 149 - 150) رقم 434 مطولًا و (1/ 142) برقم 405 مختصرًا و (1/ 159) برقم 471 مختصرًا.

وبعضه ثلاثًا. ففيه: اختلاف العدد في وضوء واحد. فأما ما يتعلق بمسح الرأس فقد تقدم. وأما غسل الرجلين فقد ورد التثليثُ فيهما في حديث عثمان، وحديث علي من رواية عبد خير، ومن رواية الرُّبيِّع العدد ثلاثًا. وكذلك في حديث عبد الله بن عمرو، وروي عن معاذ بن جبل من طريق ابن لهيعة؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة واستنشق ثلاثًا، كل ذلك يفعله إلا رجليه، فإنه كان يغسلهما حتى ينقيهما. ذكره الحافظ أبو الفتح القشيري في "الأحكام الكبرى" (¬1) له، وقد اختلف العلماء في استحباب التكرار في غسل الرجل ثلاثًا، وبعضهم لا يرى بهذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء، وله من الأحاديث ما لا يوقت فيه، مما ذكرناه، ومن جهة المعنى أن الرجل لقربها من الأرض في المشي عليها؛ تكثر فيها الأوساخ والأدران، فيقال: الأمرُ فيها على مجرد الإنقاء من غير اعتبار العدد. وقال شيخنا القشيري (¬2) رحمه الله: والرواية التي ذكر فيها العدد، زائدة على الرواية التي لم يذكر فيها، فالأخذ بها متعين. والمعنى المذكور لا ينافي اعتبار العدد، فليعمل بما دل عليه لفظ الحديث. وأحاديث هذا الباب وما تقدمه إلى حديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، يعني: أن المرة مجزئة. ¬

_ (¬1) لعله يقصد أحكام الأحكام (1/ 38) ط محمد حامد الفقي وأحمد محمد شاكر. (¬2) المصدر السابق.

وهذا مجمع عليه بشرط الإسباغ، وما زاد عليها فهو الأفضل، وكان ذلك منه - عليه السلام - في الاقتصار على المرة لبيان الجواز، وفي الزيادة عليها للأفضلية، وبيان الجواز في المرتين، ولكمال الأفضلية في الثلاث. وقال القاضي الإمام أبو بكر (¬1) بن العربي -رحمه الله- قال: الرواية (¬2) عن النبي - عليه السلام -: أنه توضأ مرة ومرتين وثلاثًا، وذلك من قولهم لا يخلو أن يعبروا به عن الغرفات، أو عن إيعاب العضو كل مرة، ولا يجوز أن يكون إخبارًا عن إيعاب العضو كل مرة، فإن ذلك أمر مغيب لا يصح لأحد أن يعلمه، فعاد القول إلى أعداد الغرفات؛ فلأجل ذلك قال ابن القاسم: لم يكن مالك يوقت في الوضوء بمرة ولا مرتين ولا ثلاثًا إلا ما أسبغ. وقد اختلفت الآثار في التوقيت، إشارة إلى أن التعويل على الإسباغ، وذلك يختلف بحسب اختلاف قدر الغرفة وحال البدن. قال: إذا ثبت هذا، فليس للتفريع على الأعداد معنى. فإن المقصود الإيعاب، والأعداد له. وأحسن مما قاله القاضي أبو بكر، قول الشيخ أبي (3) العباس: هو تعديد الغسلات لا تعديد الغرفات، كما ذهب إليه بعضهم، وليس بشيء إذ لم يجر للغرفات. رأوا أنه إذا لم يجر الغرفات في هذا الحديث، ذكروا: إنما قال: غسل يديه ثلاث مرات، وثلاثَ: منصوب؛ نصبه المصدر لإضافته إليه، فكأنه قال: غسلات ثلاثًا، ومن ضرورة ذلك تعداد الغرفات (¬3). ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 56 - 57). (¬2) في المعارضة قال: الرواة وهو المناسب للسياق. (¬3) المفهم (1/ 480).

قلت: ومما يؤيد ما قاله الشيخ أبو العباس؛ أن الغسلة لا تكون حقيقة إلا مع الإسباغ، ليس للغرفة في كل ذلك مدخل. قال أصحابنا (¬1): ولو شك في أنه غسل، أو مسح مرة، أو مرتين، أو شك في أنه فعل ذلك مرتين أو ثلاثًا؟ فوجهان: • أصحهما: أنه يأخذ بالأقل، كما لو شك في عدد ركعات الصلاة. • والثاني: ذكره الشيخ أبو محمد: أنه يأخذ بالأكثر؛ حذارًا من أن يزيد مرة رابعة، فإنها بدعة، وترك السنة أهون من اقتحام البدعة، لكن من قال بالأول لا يسلم أن الرابعة بهذه المثابة بدعة؛ بل لا شكون بدعة إلا إذا كانت الرابعة مقصودة يقينًا، وهي إذا كانت رابعة ممنوعة؛ إلا بنية التجديد عند بعضهم وأبو حنيفة ممن يرى ذلك. ومذهب مالك: لا يشرع للمتوضئ التجديد حتى يفعل بذلك الوضوء صلاة. وقال الشيخ محيي (¬2) الدين النووي: اتفق أصحابنا على استحباب تجديد الوضوء، ومتى يستحب فيه؟ خمسة أوجه: • أصحها: إن صلى بالوضوء الأول فرضًا، أو نفلًا، استحب؛ وإلا فلا. • الثاني: فإن صلى فرضًا، استحب؛ وإلا فلا. • الثالث: يستحب إن كان فعل بالأول ما يقصد له الوضوء؛ وإلا فلا. • الرابع: إن صلى بالأول، أو سجد لتلاوة، أو شكر، أو قرأ في مصحف، استحب؛ وإلا فلا. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 411 - 412) وكذا الجموع (1/ 440 - 441). (¬2) شرح صحيح مسلم (3/ 177 - 178).

• الخامس: يستحب ولو لم يفعل بالأول شيئًا أصلًا، حكاه إمام الحرمين؛ قال: وهذا لا يصح لا يخلل بين الوضوء والتجديد زمن يقع بمثله تفريق، فأما إذا وصله بالوضوء فهو شبه حكم غسله رابعة. وهذا غريب. وقطع جماعة كثيرون: بأنه يكره التجديد إذا لم يفرد بالأول شيئًا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 177 - 178).

37 - باب ما جاء في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان

37 - باب ما جاء في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية؛ قال: "رأيت عليًّا توضأ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). قال: وفي الباب عن عثمان، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، والرُّبيِّع، وعبد الله بن أنيس. حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد خير: ذكر عن علي مثل حديث أبي حية، إلا أن عبد خير؛ قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه. قال أبو عيسى: حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية، وعبد خير، والحارث عن علي. وقد رواه زائدة بن قدامة، وغير واحد، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي حديث الوضوء بطوله؛ وهذا حديث حسن صحيح. قال: وروى شعبة هذا الحديث، عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه، فقال: مالك بن عرفطة. قال: وروي عن أبي عوانة، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي. قال: وروى عن مالك بن عرفطة، مثل رواية شعبة، والصحيح: خالد بن علقمة. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 67 - 69).

* الكلام عليه: قد تقدم هذا الحديث في "الوضوء ثلاثًا ثلاثًا" (¬1)، من طريق سفيان عن أبي إسحاق، وقال: هو أحسن شيء في الباب وأصح. وهذه العبارة إن لم يقتضِ التصحيح ولا التحسين فليست مما يردُّ ذلك. ولم يزد هناك على إيراده من طريق سفيان عن أبي إسحاق، عن أبي حية، ونبَّه هنا على تعداد طرقه، واشتهاره عن علي من غير طريق أبي حية، واشتهاره من غير طريق أبي إسحاق أيضًا، كما ذكر، لكونه صرح بتصحيحه هنا، ولم يصرح به هناك فاحتاج إلى تقويته بالطرق التي ذكرها، وإن كان طريقه أقوى من غيرها، فليس ذلك بمانع من أن يعتضد بما روى. وقد تقدم عن الدارقطني ترجيح طريق أبي إسحاق، عن أبي حية، عن علي، على غيرها، لكن ترجيحها على غيرها من الطرق التي ذكرها هناك، وقد حكى الترمذي هنا من طرقه ما ليس عند الدارقطني (¬2). فإنه سئل عن طريق أبي إسحاق، عن أبي حية، عن علي، وعن أبي إسحاق، عن عبد خير وحده، عن علي. وعن أبي إسحاق عنهما، عن علي. وعن أبي إسحاق، عن أبي حية، وعمر روى من غير علي. وعن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي. وعن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. ¬

_ (¬1) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 63 - 64). (¬2) العلل (4/ 189 - 193).

وعن أبي إسحاق، عمن سمع عليًّا، ولم يسمعه. وعن أبي إسحاق -مرسلًا-، عن علي. فقال: وأصحها كلها قول من قال: عن أبي حية، عن علي؛ فالحديث السابق من طريق سفيان، عن أبي إسحاق، أحق بالتصحيح من حديث أبي الأحوص، هذا لسلامته من علة رواية أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، بعد الاختلاط والقصر، وقد تقدم (¬1). وأما رواية سفيان عنه، فسليمة من ذلك، وسفيان عندهم أجلُّ أصحاب أبي إسحاق. وأما الأحاديث التي ذكرها في الباب، فقد تقدمت، وحديث عبد الله بن أنيس، وفي الباب حديث المقدام بن معدي كرب الكِنْدي، قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق. ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. أخرجه أبو داود (¬2). وحديث معاوية بن أبي سفيان، وقد تقدم في "باب مسح الرأس"، عند أبي داود وغيره. وحديث ابن أبي أوفى، وتقدم طرف منه في "تخليل اللحية". وحديث وائل بن حُجر، وقد تقدم من طريق البزار، وحديث أبي كاهل؛ قال: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادن مني أريك كيف تتوضأ للصلاة" فقلت: يا رسول الله! لقد أعطانا الله بك خيرًا كثيرًا، فغسل يديه ثلاثًا، وتمضمض واستنشق ¬

_ (¬1) العلل للدارقطني (4/ 189 - 193). (¬2) في سننه كتاب الطهارة رقم 121 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

ثلاثًا ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح رأسه ولم يوقت، وغسل رجليه ولم يوقت، ثم قال: "يا أبا كاهل! ضع الطهور منك مواضعه، وأبقِ فضل طهورك لأهلك، ولا تشقق على خادمك". أخرجه الحافظ أبو أحمد بن عدي في كتاب "الكامل" (¬1): من حديث الهيثم بن جمَّاز بفتح الجيم وتشديد الميم، وآخره زاي معجمة. وذكر (¬2) عن يحيى بن معين: تضعيفه (¬3)، وعن أحمد (¬4): كان منكر الحديث، ترك حديثه. وحديث لأنس بن مالك: روى الطبراني (¬5) في "المعجم الأوسط"، من حديث بكار بن سفيان (¬6): حدثني راشد أبو محمد الحماني؛ قال: رأيت أنس بن مالك بالزاوية فقلت: أخبرني عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف كان؟ فإنه بلغني أنك كنت تُوضِّئه؛ قال: نعم، فدعا بوضوء، فأتيَ بطستٍ وبقدح نحت كما نحت في أرضه، فوقع بين يديه فأكفأ على يده في الماء، وأنعم غسل كفيه، ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم أخرج يده اليمنى فغسلها ثلاثًا، ثم غسل اليسرى ثلاثًا، ثم مسح برأسه مرة واحدة، غير أنه أمرّهما على أذنيه فمسح عليهما، ثم أدخل رجليه في الماء. رواه عن إبراهيم بن هاشم البغوي، عن إبراهيم بن الحجاج السامي، عنه. السامي: بالسين المهملة، الحِمّاني: بكسر الحاء المهملة، وتشديد الميم بعدها نون. ¬

_ (¬1) الكامل (7/ 2562). (¬2) أي ابن عدي. (¬3) التاريخ رواية الدوري (2/ 626). (¬4) انظر الجرح والتعديل (9/ 81) رقم 330. (¬5) المعجم الأوسط (3/ 194) رقم 2905. (¬6) العجم الأوسط بكار بن شُقير كما في طبعة عوض، وسُعَيْر كما في طبعة الطحان.

قال أبو حاتم (¬1): صالح الحديث. وفيه حديث نفير أبي جبير الكندي: أنه قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء، فغسل يديه حتى أنقاهما، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ومضمض واستنشق ومسح برأسه، وغسل رجليه. ورواه ابنُ المقرئ في "كتاب حرملة": عن ابن وهب، حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه: أن أبا جبير الكندي ... فذكره. رويناه من طريق ابن قانع (¬2): ثنا حسين بن إسحاق التُّستري: ثنا حرملة. أخبرناه يعقوب بن أحمد بن فضيل الحق -سماعًا-: ثنا عبد اللطيف بن يوسف: ثنا أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف: ثنا الحاجب أبو الحسن العلَّاف: ثنا أبو الحسن علي بن عمر الحماني، عنه. وهو عند البيهقي من رواية الليث بن سعد، عن معاوية -قرأته على السيدة الأصيلة- مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب: أخبرتك الشيخة أم هانئ عتيقة بنت أحمد بن عبد الله الغارفاية -إجازة-: ثنا أبو طاهر عبد الواحد بن أحمد بن محمد الصباح: ثنا أبو نعيم الحافظ: ثنا أبو علي بن الصواف: ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي: ثنا داود بن منصور أبو سليمان المصيصي: ثنا ليث أسنده، وفيه -بعد غسل يديه فأنقاهما ثم تمضمض واستنشق بماءٍ وغسل وجهه وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، وغسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثًا، ومسح برأسه وغسل رجليه (¬3). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (3/ 484 رقم 1287). (¬2) "معجم الصحابة" (3/ 164 رقم 1139). (¬3) "السنن الكبرى" (1/ 46، 47).

فيه: غسل الكفين في أول الوضوء، وهو سنة باتفاق العلماء. وقوله: "فغسل كفيه حتى أنقاهما" (¬1)، هذا قدرٌ مشترك بين كيفية غسلهما مجتمعتين أو متفرقتين. والفقهاء اختلفوا أيهما أفضل. وفي حديث حمران عن عثمان: "فغسلهما ثلاث مرات" (¬2)، وهو في الصحيحين، وهو مبين لما العمل من العدد في حديث علي هذا وقد اختلفت الآثار في كيفية غسلهما. والحوالة على العدد أو الإنقاء كما سنذكره، وقد ذكرنا حديث الباب في ذلك وحديث حمران عن عثمان، وفي حديث أبي علقمة عن عثمان: "فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين". وفي حديث عبد الله بن زيد من رواية وهيب عند البخاري: "فأكفأ على يده من التور فغسل يده ثلاثًا" (¬3). وفي حديث عبد خير عن علي من رواية زائدة بن قدامة عن خالد بن علقمة عنه: "فأخذ بيمينه الإناء فأنقأ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه؛ فغسله ثلاث مرات" (¬4). قال عبد خير: كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاث مرات؛ رواه الدارقطني ثم البيهقي (¬5). ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 109 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم والدارقطني في سننه (1/ 85) برقم 9 والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 47). (¬3) تقدم. (¬4) السنن (1/ 90) برقم 2. (¬5) السنن الكبرى (1/ 47).

وعند الدارقطني أيضًا من حديث: إسحاق بن يحيى عن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، عن عثمان: أنه توضأ فغسل يديه ثلاثًا كل واحدة منهما ... الحديث (¬1). إسحاق بن يحيى، قال البخاري: يتكلمون في حفظه (¬2). وقال الترمذي: ليس بذاك القوي عندهم وقد تكلموا فيه من قبل حفظه (¬3). وقال البزار: قد روى عنه عبد الله بن المبارك وجماعة واحتمل حديثه (¬4). وأما غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء فقد سبق في بابه. وقد اختلفت أحاديث هذا الباب؛ فالعطف في بعض الأعضاء على بعض فيها بلفظة "ثم" التي تقتضي الترتيب وفي بعضهاب "الواو" التي تقتضي التشريك من غير ترتيب وهو موضع اختلف العلماء فيه: هل هو من فروض الوضوء أو من سننه؟ وهل هو جارٍ في جميع الوضوء مفروضة ومسنونة؟ أو هو مطلوب بين المفروضات خاصة؟ • فالمشهور من مذهب مالك أنه سنة وهو رواية المصريين (¬5). • وروى علي بن زياد وجوَبه (5). • وقيل: إنه مستحب؛ ذكره ابن شاس (¬6). ¬

_ (¬1) السنن (1/ 91) برقم 1. (¬2) التاريخ الكبير (1/ 406) برقم 1299 وزاد في الضعفاء (21) برقم 21 يكتب حديثه ط محمود إبراهيم زايد. (¬3) الجامع (5/ 32) تحت رقم 2654. (¬4) كشف الأستار (2/ 125) برقم 1354 وفيه حدث عنه ابن المبارك وغيره وهو لين الحديث. (¬5) التمهيد (2/ 80). (¬6) عقد الجواهر الثمينة (1/ 43).

• وكذلك المحكي عن مذهب أبي حنيفة (¬1) أنه ليس بواجب، وروى ذلك علي بن أبي طالب وابن عباس ذكره أبو بكر (¬2) بن أبي شيبة، عن معتمر، عن عوف، عن عبد الله بن عمرو بن هند؛ قال: قال علي: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. وروى أيضًا عن حفص، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد؛ قال: قال علي: ما أبالي بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت (¬3). قال: حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن مجاهد؛ قال: قال عبد الله: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء (¬4). وإليه ذهب الأوزاعي (¬5)، والثوري (¬6)، والليث (¬7) بن سعد، والمزني (¬8)، وداود (¬9). وقال بالوجوب قوم؛ منهم: الشافعي (¬10)، وأحمد (¬11)، وأبو ¬

_ (¬1) البناية في شرح الهداية (1/ 182) وفتح باب العناية بشرح النقاية للقاري (1/ 46). (¬2) المصنف (1/ 39) والأوسط لابن المنذر (1/ 422). (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصدر السابق. (¬5) الأوسط لابن المنذر (1/ 422) وانظر فقه الإمام الأوزاعي (1/ 36) برقم 20. (¬6) المصدر السابق وموسوعة فقه سفيان الثوري (246). (¬7) التمهيد (2/ 80). (¬8) المجموع للنووي (1/ 443) والتمهيد (2/ 80). (¬9) المحلى (2/ 66) برقم 206 وانظر التمهيد (2/ 80). (¬10) الأم (1/ 86) ط دار الكتب العلمية تحقيق محمد مطرجي. (¬11) مسائل أحمد لأبي داود (18) برقم 65 ط ابن تيمية تحقيق أبي معاذ طارق بن عوض وفيه سمعت أحمد قيل له: إذا قدم وضوءه بعضه قبل بعض قال: لا يجوز حتى يأتي به على الكتاب والسنة. وانظر مسائل أحمد لابنه عبد الله (26) برقم 92، 94 ومسائل أحمد لابن هانيء (1/ 15) برقم 79. =

عبيد (¬1) القاسم بن سلام، وأبو (¬2) مصعب، وإسحاق (¬3)، وأبو ثور (¬4). وقد خرَّج طائفة من أصحاب أحمد كأبي الخطاب (¬5) وغيره، رواية عن أحمد كمذهب أبي حنيفة. فإنه نص فيمن أخَّر المضمضمة والاستنشاق، فغسلهما بعد اليد على روايتين، فطرد هؤلاء الخلاف في سائر الأعضاء. وأما قدماؤهم: فجعلوا النزاع مختصًا بهذين لعدم نص القرآن عليهما، ولحديث جاء فيهما، ولهذا في تسمية كل واحد منهما واجبًا روايتان عن أحمد ذكره الإمام أبو العباس (¬6) أحمد بن تيمية ولم يرجح طريقي المتقدمين والمتأخرين من أصحابه؛ إلا أنه علل تصرف المتقدمين تعليلًا يسير إلى ترجيحه. والحديثُ الذي أشار إليه قد تقدَّم فيما ذكرناه من حديث المقدام بن معدي كرب بلفظة "ثمَّ" المقتضية للترتيب فيه جعل المضمضة والاستنشاق بعد غسل الذراعين وبعدهما مسح الرأس كذلك، وهو مخرج عند أبي داود عن أحمد بن حنبل، عن أبي المغيرة، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن ¬

_ = وعن الإمام أحمد روايتان إحداهما: أنه واجب والثانية: هو سنة انظر الإنصاف (1/ 139) والمغني (1/ 138) والمبدع (1/ 115). (¬1) الأوسط لابن المنذر (1/ 423). (¬2) التمهيد (2/ 80) وحكاه عن أهل المدينة. (¬3) حكى عنه ابن منصور في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 3) وانظر الأوسط (1/ 423) والاستذكار (1/ 185). (¬4) الأوسط (1/ 423) والاستذكار (1/ 185) وفقه الإمام أبي ثور (128). (¬5) الانتصار في المسائل الكبار (1/ 265 - 266) وانظر مسائل أحمد لأ بي داود (13 / برقم 38 ط عوض. (¬6) مجموع الفتاوى (21/ 407 - 420).

المقدام (¬1). وحريز (¬2): وثقه أحمد (¬3)، ويحيى (¬4)، وأبو حاتم (¬5). وعبد الرحمن (¬6) بن ميسرة: وثقه أحمد (¬7) بن عبد الله العجلي، وليس غيرهما في إسناده موضع السؤال عنه فلا مانع من الاحتجاج به. وهو عند الدارقطني (¬8)؛ من طريق ابن عقيل: أن علي بن المسيب أرسله إلى الربيع بنت معوذ يسألها عن وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيه: فيغسل وجهه ثلاثًا، ثم يمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ثم يغسل يديه، ثم يمسح رأسه. وعنده (¬9) أيضًا تقديم المضمضة على غسل الوجه، من حديث عثمان، بسند جيد، ولكن بـ "الواو" لا بـ "ثم". ومن ترك الترتيب ناسيًا ففيه قولان لأصحابنا (¬10): ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة برقم 121 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 289) برقم 1288، وتهذيب الكمال (5/ 568 - 581) برقم 1175 وتهذيب التهذيب (1/ 375 - 377). (¬3) الجرح والتعديل (3/ 289) سؤالات أبي داود للإمام أحمد (261) برقم 290. (¬4) تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 106) برقم 5125 وكذا تاريخ الدارمي (92) برقم 241. (¬5) الجرح والتعديل (3/ 289). (¬6) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 285) برقم 1362 وتهذيب الكمال (17/ 450، 451) برقم 3973 وتهذيب التهذيب (2/ 558). (¬7) الثقات (2/ 89) برقم 1081. (¬8) السنن (1/ 96) برقم 5. (¬9) أي الدارقطني كما في السنن (1/ 91 - 92) برقم 4. (¬10) انظر فتح العزيز شرح الوجيز (1/ 360) بهامش المجموع.

• الجديد (¬1): أنه كالعامد لا يعذر. • والقديم: أنه معذور وأما من راعى الترتيب في المفروض دون المسنون فروينا في الموطأ (¬2) قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي؛ فغسل وجهه قبل أن يمضمض، أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه. فقال: أما الذي غسل وجهه قبل أن يمضمض؛ فليمضمض ولا يعد غسل وجهه. وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه؛ فليغسل وجهه، ثم ليعد غسل ذراعيه، حتى يكون غسلهما بعد وجهه، إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك. قال أبو عمر: قوله هذا يدل على أن الترتيب لا يراعى في المسنون مع المفروض، وإنما يراعى في المفروض من الوضوء، قلت: وقوله: "إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك" (¬3)، يقتضي: أن ذلك ليس من قبيل الواجب، كما هو المشهور من مذهبه. وقد ذكرنا حديث المقدام، والرُّبيِّع وما عن عثمان والرواية عن أحمد في ذلك. وحجة من لم يوجب الترتيب: أن "الواو" لا تقتضي الترتيب. قال أبو عمر: وقد روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا: ما أبالي بأي الأعضاء بدأت إذا أتممت وضوئي. وهم أهل اللسان. قلت: أما قول أبي عمر: عبد الله بن مسعود، قد تقدم فيما ذكرناه الخبر ¬

_ (¬1) الأم (1/ 30) باب تقديم الوضوء ومتابعته. (¬2) (1/ 20) برقم 7. (¬3) الموطأ (1/ 53) برقم 38 ورواه عن مالك أبو مصعب الزهري (48) وسويد بن سعيد (24).

بذلك، عن علي وابن عباس، من طريق ابن أبي شيبة (¬1). وليس فيه أكثر من: مجاهد عن عبد الله، والظاهر: أنه ابن عباس، كما ذكرنا لا ابن مسعود. وكذلك فهمه بعض أهل العلم، وفسره به، وقومه (¬2) ذلك رواية مجاهد عنه. وقد تعرض أبو عمر لرد هذا الأثر، بالانقطاع بين مجاهد وابن مسعود، بناء على ما ذكر، والظاهر غيره (¬3). ولو كان أبو عمر أورد الخبر عن ابن مسعود، من غير طريق مجاهد، لكان الحمل على أنه روي في ذلك عن ابن مسعود وابن عباس معًا (¬4). وأما مجاهد عن عبد الله، فتفسيره بابن عباس أولى، والله أعلم. وأما من ذهب إلى الترتيب، فقال: الواو توجب الجمع، والرتبة معًا، كذلك هو عند أهل الكوفة، الكسائي، والفراء، وهشام، ومعاوية، ومن ذهب مذهبهم. قالوا: وذلك زيادة في فائدة الخطاب، في قول القائل: أعط زيدًا وعمرًا. قالوا: ولو كانت الواو توجب الرتبة أحيانًا، كما قال: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}، ولا توجبها أحيانًا، كما قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي}، لكان في فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانًا لمراد الله عزَّ وجلَّ من ذلك، لأنه لم يتوضأ قط منذ افترض الله عليه الوضوء، إلا على نسق (¬5). فصار ذلك فرضًا، كما كان بيانه لعدد ركعات الصلوات ومقادير الركعات ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 81). (¬2) في ت: كأنها قدمه. (¬3) المصنف (1/ 39). (¬4) التمهيد (2/ 83). (¬5) التمهيد (2/ 86) و (2/ 82).

فرضًا (¬1). واحتجوا أيضًا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر في الحج من قوله: "ابدأوا بما بدأ الله به"، حين بدأ بالصفا. وحديث جابر عند مسلم (¬2). وقد روي بصيغة الخبر، وبصيغة الأمر: "نبدأ" أو "أبدأ"، وروي: "ابدأوا" عند النسائي (¬3). وكذا رواه الطبراني عند البيهقي بما روى مسلم (¬4)، من حديث عدي بن حاتم (¬5): أن رجلًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، فقال: من يطع الله وسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى (¬7)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله" (¬8). فتعلق به من زعم أن الواو تقتضي الترتيب. ¬

_ (¬1) قارنه بما في التمهيد (2/ 80 فما بعدها) فكأن المصنف ينقل عنه مع تصرف يسير. (¬2) صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 886 - 892) برقم 1218 باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. (¬3) رواه النسائي في سننه كتاب المناسك (5/ 264) برقم 2969 ذكر الصفا والمروة، والترمذي في سننه كتاب الحج (3/ 216) برقم 862 باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة، وأبو داود في سننه كتاب المناسك (2 /) برقم 1905 باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه في سننه كتاب المناسك (2/ 1023) برقم 3074 باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬4) مسلم في صحيحه كتاب الحج (2/ 888) برقم 1218 باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. (¬5) في السنن الكبرى (2/ 413) برقم 3968 كتاب الحج باب الدعاء على الصفا. (¬6) المعجم الكبير (17/ 98) برقم 234 و 235. (¬7) السنن الكبرى (3/ 216). (¬8) في صحيحه كتاب الجمعة (2/ 594) برقم 870 باب تخفيف الصلاة والخطبة.

قالوا: ومن الدليل على ذلك: دخول المسح بين الغسلين، لأنه لو قدَّم ذكر الرجلين، وأخر مسح الرأس لما فهم المراد من تقديم المسح، فأدخل المسح بين الغسلين، ليعلم أنه قدم على الرجلين، ليثبت بذلك الرأس قبل الرجلين، ولولا ذلك لقال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم. وما معناه أنهم أجمعوا على إجزاء الوضوء المرتب واختلفوا في غير المرتب (¬1). فالمرتب مجمع عليه بيقين، والعمل بما أجمعوا عليه أولى من العمل بما اختلفوا فيه. ذكر معناه أبو عمر. قلت: أما الأولوية فلا نزاع فيها، والأولى أن يلزم بهذا من انتحل مذهب مالك، إذ من قواعدهم مراعاة الخلاف، وأما الواو: فلا يتأتى الترتيب، حتى يقع التعارض بينهما وبين "ثم" التي تقتضيه. وقد جاء الوضوء به منسوبًا بلفظة "ثم" المقتضية للترتيب، في غير حديث من الأحاديث الصحيحة، من ذلك: حديث عثمان، وحديث عمرو بن عبسة، وكلاهما عند مسلم (¬2). وقد توضأ - عليه السلام - وضوءً مرتبًا، وقال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" (¬3). وأما اقتضاء الواو الترتيب؛ فقد نقل عن ابن عباس في المشي إلى بيت الله، قوله: أن لا أكون مشيت لأني سمعت الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}، ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 86 - 89). (¬2) سبق تخريجها. (¬3) انظر التمهيد (2/ 83 - 84).

فبدأ بالرجال. وروى عن عمر أنه سمع عبد بني الحسحاس ينشد: عميرة ودع أن تجهزت غاديًا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا فقال عمر: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فهذا عن ابن عباس وعمر وهما هما، فلم يبقى في ذلك أكثر من الإجمال في "الواو" الواقعة في كتاب الله تعالى. وهو مفسر بما جاء في السنة من ذلك قولًا وعملًا، كما تقدم. وأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في في بيان الواجب المجمل، محمولة على الواجب، وليس الإجمال في كل أعضاء الوضوء في القرآن. فالبداءة فيه عند إرادة القيام لغسل الوجه، بالفاء المقتضية للتعقيب والترتيب، وعليه فحملها في الأمر والخبر والجزاء، ولا فرق، ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءًا منكسًا، ولو كان لنقل، ولو لبيان الجواز، والله أعلم (¬1). وأما إذا خالف المتوضئ؛ فتوضأ منكسًا. قال أبو الحسن الماوردي: أجزأ منه غسل وجهه، وعليه أن يعيد غسل ما بعده. فلو نكس وضوءه أربع مرات، حصل له منها وضوء واحد كامل، لأنه يعيد في المرة الأولى بالوجه، وفي الثانية بالذراعين، وفي الثالثة بالرأس، وفي الرابعة بالرجلين، ولو رتب الوجه والذراعين وقدم له ... على الرأس ... غسل الرجلين ... (¬2) فلم يعرفه استأنف وضوءًا. لجواز أن يكون المتروك غسل وجهه، ولا ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (1/ 142). (¬2) كذا ظهر لنا من هامش المخطوط.

يجوز أن يجتهد كما لو يجوز أن يجتهد في عدد ما صلى، إذا شك، فلو ترك المتوضئ موضعًا من وجهه، غسله وأعاد غسل ما بعد الوجه، ليكون بعد كمال غسل الوجه، فلو لم يعرف ذلك الموضع من وجهه؟ استأنف جميع وضوئه. وأما تقديم اليسرى على اليمنى: فمجزئ، قاله الشافعي (¬1)، وقال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب -في "الحاوي" (¬2) بعد كلام له-: فحصل من هذا أن أعضاء الوضوء تنقسم ثلاثة أقسام: * قسم: يكون الترتيب فيه واجبًا، وهو الأعضاء الأربعة، يعني: المفروضة. * وقسم: يكون الترتيب فيه مسنونًا، وهو تقديم اليمنى على اليسرى. * وقسم: مختلف فيه؛ وهو الأعضاء المسنونة، في وجوب الترتيب فيه وجهان. وأما الموالاة: فقال الشافعي (¬3): إن فرق وضوءه، وغسله أجزأه، واحتج في ذلك: بابن عمر أعلم أن الموالاة في الوضوء أفضل ومتابعة الأعضاء أكمل انقيادًا، لما يقتضيه الأمر من التعجيل، واتباعًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن فرق فالتفريق ضربان: قريب وبعيد. فالقريب: معفو عنه، ولا تأثير له في الوضوء وحَده، ما لم يجف الأعضاء، مع اعتدال الهواء في غير حر، ولا برد، ولا حر مشتد، وليس الجفاف معتبرًا، وإنما زمانه هو المعتبر. فأما البعيد: فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء، ففيه قولان: ¬

_ (¬1) الأم (1/ 78) ط دار الكتب العلمية تحقيق محمود مطرجي وانظر الحاوي الكبير (1/ 143). (¬2) الحاوي الكبير (1/ 143). (¬3) الحاوي الكبير (1/ 136).

وبه قال في القديم أنه غير جائز، والوضوء معه غير صحيح. وبه قال عمر بن الخطاب والأوزاعي وأحمد. والقول الثاني: وبه قال في الجديد أنه جائز، والوضوء معه صحيح، وبه قال عبد الله بن عمر والحسن وسعيد بن المسيب والثوري وأبو حنيفة. وقال مالك والليث بن سعد: إن فرقه بعذر؛ جاز، وإن فرقه بغير عذر؛ لم يجز. ووجه القول الأول -أنه لا يجوز: أن مطلق أمر الله تعالى بالوضوء فقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآية، يقتضي الفور والتعجيل، وذلك يمنع من التأجيل. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ على الولاء، ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" (¬1)؛ يعني: إلا بمثله في الموالاة. وروى قتادة عن أنس: أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد توضأ، وترك على قدميه مثل موضع الظفر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع فأحسن وضوءك" (¬2). ولأنها عبادة، يرجع في حال العذر إلى شرطها، فوجب أن تكون الموالاة من شرطها كالصلاة. ووجه قوله في "الجديد" بأنه يجوز هذا التفريق: هو أن لا يمنع من امتثال ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه في سننه (1/ 145) برقم 419 كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا. (¬2) رواه أحمد في مسنده (3/ 146) وأبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 173 باب تفريق الوضوء، وابن ماجه في سنته كتاب الطهارة (1/ 218) برقم 665 باب من توضأ فترك موضعًا لم يصبه الماء.

الأمر، في قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}؛ فوجب أن لا يمنع من الإجزاء، فإن قيل: الأوامر تقتضي الفور. قيل: فيه بين أصحابنا خلاف. وروى نافع عن ابن عمر: أنه توضأ في منزله، وفي رجليه خفاف، فلم يمسح عليهما، حتى خرج إلى المسجد، فحضرت جنازة، فدعا بماء، فمسح على خفيه، وذلك بالمدينة فلم ينكر عليه أحد. ولأنه تفريق في تطهير، فجاز كالتفريق اليسير. ولأن كل عبادة جاز فيها التفريق اليسير، جاز الكثير، كالحج طردًا والصلاة عكسًا، هذا عن أبي الحسن الماوردي (¬1). وقد استدل بعض أهل العلم، على جواز التفريق، بحديث رواه من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغتسل من الجنابة، بدأ فيغسل يديه ثلاثًا، ثم يأخذ بيمينه فيصب على يساره، فيغسل فرجه حتى ينقيه، ثم يغسل يديه غسلًا حسنًا، ثم يمضمض ثلاثًا، ثم يستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويغسل ذراعيه ثلاثًا، ثم يصب على رأسه ثلاثًا، ثم يغسل جسده غسلًا، فإذا خرج من مغتسله غسل رجليه (¬2). قال (¬3): إذا جاز أن يجعل بين وضوءه، وغسله، وبين تمام ذلك بغسل رجليه، مهلة خروجه عن مغتسله، فالتفريق جائز. وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلى أن الموالاة فرض؛ قال أبو (¬4) محمد بن ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (1/ 136 - 137). (¬2) رواه أحمد في مسنده (6/ 96). (¬3) لم أقف على اسم القائل. (¬4) سبقت ترجمته.

الفرس: وعلى هذا يحمل جماعة من المتأخرين مذهب مالك. وقيل: هو سنة، وهو المشهور من مذهب مالك. وقيل: فرض في المغسول، سنة في الممسوح، وهو قول مطرف، وابن الماجشون، وروايته عن مالك؛ وفيه: الشرب من فضل الوضوء. وعند النسائي (¬1) في حديث أبي حية هذا: ثم قام فشرب فضل وضوءه، وقال: صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صنعت. وترجم النسائي (¬2) على "باب الانتفاع بفضل الوضوء"؛ ثم تلاه بحديث أبي جحيفة الذي فيه: وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدروه الناس، فنلت منه شيئًا. ثم أتبعه بحديث جابر، الذي فيه: فصب عليّ وضوءه. وفي حديث أبي حية عند أحمد بن عبيد، في كلام ذكره: قال: كان إذا فرغ من طهوره، أخذ بكفه من فضلة طهوره، فشربه (¬3). وأما ما روي عن محمد بن إسحاق العكاشي، عن الأوزاعي، عن مكحول، والقاسم بن مخيمرة، وعبدة بن أبي لبابة، وحسان بن عطية جميعًا: أنهم سمعوا أبا أمامة، وعبد الله بن بسر، وجماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الشرب من فضل وضوء المؤمن، فيه شفاء من سبعين داء، أدناها الهم"؛ فحديث لا يصح. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 93 - 94) برقم 136 باب الانتفاع بفضل الوضوء. (¬2) المصدر السابق. (¬3) رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده كما في الإمام لابن دقيق العيد (2/ 74) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 75) وفي لفظه بعض اختلاف.

والعُكَّاشي: كذبه يحيى (¬1) بن معين. وقال ابن عدي (¬2): يروى عن الأوزاعي أحاديث مناكير موضوعة. وفيه الوضوء للتعليم. قال أبو العباس (¬3) القرطبي: ووضوء المعلم للوضوء: إذا نوى به رفع الحدث، أجزأه، فإن لم ينو، لم يجزئه، عند من يشترط النية وكذلك المتعلم. * * * ¬

_ (¬1) الضعفاء للعقيلي (4/ 29). (¬2) الكامل (6/ 2176) ووقع في المطبوع روى عنه الأوزاعي وهي على الصواب كما في المخطوط (ل 787 / أ) والسياق يختلف نوعًا ما وما ذكره ابن الجوزي عن ابن عدي في الضعفاء (3/ 40) برقم 2880 هو الموافق. (¬3) المفهم (1/ 484).

38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء أخبرنا نصر بن علي، وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي، أخبرني قالا: ثنا أبو قتيبة، مسلم بن قتيبة، عن الحسن بن علي الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. قال: وسمعت محمدًا يقول: الحسن بن علي الهاشمي، منكر الحديث. قال: وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان، وابن عباس، وزيد بن حارثة، وأبي سعيد. وقال بعضهم: سفيان بن الحكم، أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث (¬1). * الكلام عليه: أخرجه ابن ماجه (¬2) كذلك، من حديث الحسن بن علي الهاشمي أيضًا. وهو ضعيف عندهم، ضعفه أحمد (¬3) والنسائي (¬4) وأبو (¬5) حاتم الرازي. وقال الدارقطني (¬6): يروي عن الأعرج عن أبي هريرة مناكير ضعيف واه. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 71 - 72). (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 463 باب ما جاء في النضح بعد الوضوء. (¬3) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1/ 207) برقم 847. (¬4) الضعفاء والمتروكون (87) برقم 153 ط مؤسسة الكتب الثقافية. (¬5) الجرح والتعديل (3/ 20) برقم 76. (¬6) الضعفاء والمتروكون (193) برقم 188 وفيه حسن بن علي الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة فقط والنص المذكور في تهذيب التهذيب (1/ 407) والله أعلم.

وقال ابن (¬1) حبان -فيما حكاه عنه ابن (¬2) الجوزي-: هذا باطل، فيه الحسن بن علي الهاشمي، يروي المناكير. وأما حديث الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بال توضأ وينتضح. فعند أبي (¬3) داود، وفي رواية عنده (¬4)، عن رجل من ثقيف، عن أبيه؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال، ثم نضح فرجه. وفي رواية (¬5) عن الحكم، أو عن ابن الحكم، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بال، ثم توضأ، ونضح فرجه. وأخرجه النسائي (¬6) وابن ماجه (¬7). واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو عمر (¬8): له حديث واحد في الوضوء، وهو مضطرب الإسناد. وقال الترمذي (¬9) في العلل: سألت محمدًا عن حديث منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان، أو أبي الحكم، أو سفيان بن الحكم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ، ففرغ من وضوئه، أخذ كفًا من ماء، فرشه تحته؛ فقال: الصحيح ما روى ¬

_ (¬1) المجروحون (1/ 234) ط دار المعرفة. (¬2) العلل المتناهية (1/ 355) برقم 586. (¬3) السنن كتاب الطهارة برقم 166 باب في الانتضاح. (¬4) السنن كتاب الطهارة برقم 167 باب في الانتضاح. (¬5) السنن كتاب الطهارة برقم 168 باب في الانتضاح. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 93) برقم 134 و 135 باب النضح. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 461 باب ما جاء في النضح بعد الوضوء. (¬8) الاستيعاب (1/ 360 - 361) برقم 531 ط دار الجيل. (¬9) علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126).

شعبة ووهيب. وقال: عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث: عن أبيه. وقال شعبة: عن الحكم، أو أبي الحكم، عن أبيه (¬1). قال محمد (¬2): وقال بعض وَلَد الحكم بن سفيان: أن الحكم لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره. وذكره أبو حاتم (¬3) بن حبان في معرفة الصحابة فقال: الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معتب الثقفي من أهل الحجاز. يروى عنه: مجاهد، وهو الذي يقال له: سفيان بن الحكم يخطئ الرواة في اسمه واسم أبيه. وأم الحكم: عائشة بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب. وقال أبو عمر (¬4): سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - عندي صحيح، لأنه نقله الثقات، منهم: الثوري ولم يخالفه من هو في الحفظ والإتقان مثله. وذكر أبو زرعة (¬5) نحوه. وقال أبو الحسن (¬6) بن القطان في حديث الحكم هذا: أنه قد عدم الصحة من وجوه: • أحدها: الاضطراب. ¬

_ (¬1) علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126). (¬2) التاريخ الكبير (2/ 30) برقم 2647 دون قوله: ولم يره ط دار الكتب العلمية. (¬3) انظر الثقات له (3/ 85). (¬4) الاستيعاب (1/ 361) برقم 539 ط دار الجيل. (¬5) كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 46) برقم 103. (¬6) بيان الوهم والإيهام (5/ 130 - 137) واختصر المصنف كلام ابن القطان.

• والثاني: الجهل بحال الحكم بن سفيان، فإنه غير معروفها، ولا سيما على ما ارتضى أبو محمد؛ يعني: في ترجيح طريق النسائي، فإن النسائي رواه من حديث شعبة وفيه عن الحكم عن أبيه. • والثالث: أن أباه المذكور، لا يعرف له صحبة، ولا رواية لشيء غير هذا. • والرابع: تهافت لفظ الحديث المذكور، المجتمع من روايات رواته. قلت: الاضطراب الذي أشار إليه أولًا، هو التهافت الذي عده وجهًا رابعًا، غير أن الأول كأنه يرجع إلى الإسناد، والأخير يرجع إلى المتن. وأما الجهالة بحال الحكم بن سفيان: فبعد معرفة أبي زرعة الرازي، وابن حبان، وأبي عمر، لا يضره جهالة من جهله. • والوجه الثالث عنده: الجهالة بأبي الحكم، وهي لا تضر، إذا عرف ابنه، وأكثر ما فيه صحابي روى عن مثله وصحبة ابنه إذا ثبتت وصحت، أفادت صحبة أبيه لروايته عنه، هذا على تقدير أن يكون الشك في تعدد الشخصين والظاهر أنه شك في اسمين لمسمى واحد، وهل يقال له: الحكم بن سفيان؟ أو سفيان بن الحكم؟ ومن هناك نشأ الشك، فتعدى إلى غير ذلك. وقد روى من حديث مجاهد، عن الحكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ومن حديث مجاهد، عن أبي الحكم (¬2)، فأعلَّ أبو الحسن كل رواية بالأخرى، وجعل الحديث مترددًا بين الإرسال والانقطاع، فروايته عن مجاهد، عن الحكم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلة. بين ذلك رواية من رواه عن الحكم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ورواية ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 166 باب في الانتضاح. (¬2) رواه النسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 93) برقم 134.

مجاهد، عن أبي الحكم منقطعة تبين ذلك برواية من رواه عن مجاهد، عن الحكم، عن أبيه. والظاهر أن المقتضى لذلك كله الشك في هذا الشخص هل هو: الحكم أو أبو الحكم؟ فبعضهم يقول فيه: الحكم، وبعضهم يقول: أبو الحكم، وبعضهم يقول: الحكم بن سفيان، وبعضهم يقول: سفيان بن الحكم، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن رجل من ثقيف (¬1). وقال ابن (¬2) أبي حاتم -في كتاب العلل-: سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه جرير عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان -أو أبي الحكم بن سفيان - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نضح فرجه. ورواه الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان -أو سفيان بن الحكم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه وهيب، عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان، عن أبيه. ورواه ابن عيينة عن منصور، وابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف، عن أبيه. فقال أبو زرعة: الصحيح: مجاهد، عن الحكم بن سفيان، وله صحبة. وسمعت أبي يقول: والصحيح مجاهد عن الحكم بن سفيان، عن أبيه، ولأبيه صحبة (¬3). وهكذا روى عن شعبة من طريق الحكم، عن أبيه في الأكثر، وهو الذي ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 167 باب في الانتضاح. (¬2) العلل (1/ 46) برقم 103. (¬3) العلل (1/ 46) برقم 103.

رجحه البخاري (¬1). فالحديث إذن مضطرب اضطرابًا لا يترجح فيه وجه على غيره، وذلك مانع من القول بصحته، لا عيب فيه سوى ذلك. وأما حديث ابن عباس فهو أصح من كل ما في الباب. قرأت على الحافظ الزاهد، أبي العباس أحمد بن محمد بن الظاهري وغيره: أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي، البغدادي -قراءة عليه-. قال: ثنا أبو الوقت، عبد الأول بن عيسى؛ قال: ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن معاذ الداودي: ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه: ثنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي: ثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (¬2): ثنا قبيصة: ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة ونضح. وهذا صحيح على شرط الشيخين وقد تقدم مخرجًا عنهما بدون زيادة ونضح. وأما حديث أسامة بن زيد وزيد بن حارثة: فإن ابن (¬3) ماجه روى عن إبراهيم بن محمد الفريابي، عن حسان بن عبد الله، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة: ثنا أسامة بن زيد؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني جبريل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي، لما يخرج من البول بعد الوضوء. ورواه الإمام أحمد (¬4): من حديث ابن لهيعة، ورشدين بن سعد. ¬

_ (¬1) علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126). (¬2) هو في سننه (1/ 194) برقم 711. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 462 باب ما جاء في النضح بعد البول. (¬4) في مسنده (4/ 161) من حديث ابن لهيعة و (5/ 203) من حديث رشدين بن سعد.

وروى الإمام أحمد (¬1)، وأبو القاسم (¬2) الطبراني في المعجم الكبير من رواية ابن لهيعة، من حديث أسامة بن زيد عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه في نضح الفرج بعد الوضوء. رشدين، وابن لهيعة ضعيفان. وذكره ابن (¬3) أبي حاتم في كتاب العلل: أن أباه سئل عن هذا الحديث؛ فقال: هذا حديث كذب باطل. وأما حديث أبي (¬4) سعيد: وفي الباب مما لم يذكره: حديث أبي الزبير، عن جابر؛ قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنضح فرجه (¬5). وحديث الزهري عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ نضح عانته. رواه الدارقطني في "غرائب حديث مالك" من حديث القاسم بن عبد الله بن مهدي الأخميمي (¬6)، عن سخبرة (¬7) بن عبد الله قاضي القيروان، عن مالك، عنه؛ وقال: هذا باطل عن مالك لا يصح (¬8). وهو عنده من جهة: الحسن بن أحمد بن المبارك، عن القاسم. والحمل فيه على القاسم، فإنه قال: ضعيف جدًّا يتهم بوضع الحديث. وحديث أخرجه أحمد بن عبيد في مسنده عن إسماعيل بن الفضل، عن ¬

_ (¬1) المسند (4/ 161). (¬2) المعجم الكبير (5/ 85) برقم 4657. (¬3) العلل (1/ 46) رقم 104. (¬4) لم أقف عليه. (¬5) سنن ابن ماجه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 464. (¬6) الإمام لابن دقيق (2/ 78). (¬7) لسان الميزان (6/ 42) برقم 6717. (¬8) نقله الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (4/ 548 - 549) برقم 6822.

أبي حسين الرازي، عن الحسين بن زيد، بن علي بن الحسين، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، قال: وضأت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ، نضح فرجه. ذكر ذلك شيخنا الحافظ، أبو الفتح (¬1) القشيري، قال أبو سليمان (¬2) الخطابي رحمه الله تعالى: الانتضاح هنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء. وقد يتأول الإنضاح أيضًا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء به، ليدفع بذلك وسوسة الشيطان، وقال ابن (¬3) العربي: معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صبًّا، ولا تقتصر على مسحه، فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، دون إسراف، ولذلك أنكر مالك: حتى يقطر ويسيل، فكره أن يجعل القطر والسيلان حدًّا وإن كان لا بد منه مع الغسل. وقيل معناه: استبرأ الماء بالنضح والتنحنح يقال: نضحت: أسلت، وانتضحت: تعاطيت الإسالة. وقال ابن (¬4) سيده: نضح عليه الماء ينضِحه نضحًا، إذا ضربه لتيء فأصابه منه رشاش، ونضح عليه الماء: ارتشّ. وقال ابن (¬5) الأعرابي: النضح: ما كان على اعتماد. والنضخ -يعني: بالخاء المعجمة-: ما كان على غير اعتماد. وقيل: هما لغتان بمعنى وكله رشٌّ. ¬

_ (¬1) الإمام (2/ 78 - 79). (¬2) معالم السنن (1/ 89) بهامش أبي داود. (¬3) عارضة الأحوذي (1/ 58). (¬4) المحكم (3/ 93). (¬5) نقله ابن سيده في المحكم (3/ 93).

والنضح والنضيح الحوض لأنه ينضح العطش. وقيل: هما الحوض الصغير. والنضح: سقى الزرع وغيره بالسانية ونضح زرعه: سقاه بالدلو. والناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء، والأنثى بالهاء. واستنضح الرجل وانتضح، نضح شيئًا من ماء على فرجه بعد الوضوء (¬1). وجه خامس: قاله ابن العربي (¬2) أيضًا وقال: وقيل معناه: إذا توضأت فرشّ الإزار الذي يلي الفرج بالماء ليكون ذلك مذهبًا للوسواس. وروى عن قتادة: النضح من النضح، يقول: من أصابه نضح من البول، فعليه أن ينضحه بالماء. ويكون على هذا معنى الحديث الوارد: عشر من الفطرة، فذكر انتقاص الماء. ورواه أبو عبيدة: انتضاح الماء، وفسره بما قدمناه. وقال الشيخ محيي الدين: قال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس. وهذا كالوجه الذي حكيناه عن الإمام أبي سليمان الخطابي ثانيًا إلا أن ذلك قال بعد الاستنجاء. وهذا قال بعد الوضوء وهو أشبه من بعض ما تقدمه لمطابقته ما حكيناه عن أهل اللغة في كلام ابن سيده. وفيما حكاه ابن العربي عن مالك ما يشير إلى أنه جعل النضح واسطة بين الغسل والمسح إذ الغسل عنده صب الماء مع التقاطر والسيلان. ¬

_ (¬1) المحكم (3/ 93 - 94) بتصرف يسير. (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 59).

والنضح: صب الماء دون ذلك من غير سيلان ولا تقاطر والمسح دون النضح إمساس الماء من غير صب. وهو أيضًا أشبه بقول اللغويين من قول من جعله الاستنجاء وصح عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ نضح فرجه، وشكا له مولى لابن الأزهر البول، فقال: إذا توضأت فانتضح واله عنه فإنه من الشيطان. وعن ابن عباس نحوه وعن القاسم بن محمد، وميمون بن مهران مثله. وروى ابن عوف عن ابن سيرين أنه: كان إذا توضأ وفرغ قال بكف من ماء في إزاره هكذا. * * *

39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء

39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء حدثنا علي بن حجر: ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط". حدثنا قتيبة: ثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء ... نحوه. قال قتيبة في حديثه: فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط. قال: وفي الباب عن علي، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وعَبيدة ويقال: عُبيدة بن عمرو، وعاثشة، وعبد الرحمن بن عايش، وأنس؛ قال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعلاء بن عبد الرحمن: هو ابن يعقوب الجهني وهو ثقة عند أهل الحديث (¬1). * الكلام عليه: أخرجه مالك (¬2) عن العلاء في موطئه، وأخرجه مسلم (¬3) من حديث مالك وغير واحد من الأئمة. وهو صحيح على شرطهم إلا البخاري؛ فإنه لم يخرج حديث العلاء بن عبد الرحمن (¬4). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 72 - 74). (¬2) الموطأ كتاب قصر الصلاة في السفر (1/ 161) برقم 55 باب انتظار الصلاة والمشي إليها. (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 219) برقم 251 باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره. (¬4) أخرج له البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وجزء رفع اليدين ولم يخرج له في الصحيح كما في تهذيب الكمال (22/ 523 - 524).

وقد رواه عن العلاء جماعة؛ منهم: شعبة، وإسماعيل بن جعفر، وعبد العزيز الدراوردي. ورواه الحافظ أبو يوسف يعقوب بن شيبة في مسند علي بن أبي طالب من حديث عبد الله بن سعيد المقبري، عن جده، عن شرحبيل بن سعد، عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الخطايا والذنوب، إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط". أخرج من إسناده شرحبيل بن سعد وقال: لا أدري سمع من علي أو لا (¬1). ثم روى بسند له: ثنا ابن أبي ذئب: ثنا شرحبيل وكان متهمًا، وهذا هو حديث علي الذي أشار إليه الترمذي. وقد رواه الحافظ أبو (¬2) عمر بن عبد البر في التمهيد من طريق ابن أبي خيثمة من حديث سعيد بن المسيب عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، يغسل الخطايا غسلًا". وحديث عبد الله بن عمرو؛ قال: رجعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق، تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء". رواه مسلم (¬3). وحديث ابن عباس روينا من طريق الدارمي (¬4) بالسند المتقدم: ثنا مسدد: ثنا ¬

_ (¬1) الإمام لابن دقيق العيد (2/ 19 - 20). (¬2) التمهيد (20/ 224). (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 214) برقم 241 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (¬4) في سننه (1/ 190) برقم 700 باب ما جاء في إسباغ الوضوء.

حماد بن زيد، عن أبي الجهضم، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرنا بإسباغ الوضوء". وأخرجه الترمذي وصححه وسيأتي، والنسائي (¬1)، وابن ماجه (¬2)، وغيرهم مطولًا ومختصرًا. وأبو (¬3) الجهضم: موسى بن سالم، ووقع اسمه عند ابن ماجه (¬4): موسى بن جهضم، والصواب: ابن سالم. وذكر الترمذي (¬5) في العلل: أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث سفيان الثوري وهم. وهم فيه سفيان، فقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، والصحيح عبد الله بن عبيد الله بن عباس. وحديث عبيدة بن عمرو؛ روينا من طريق ابن (¬6) قانع: ثنا محمد بن إسحاق أبو الفتح المؤدب، وابن عبدوس بن كامل؛ قالا: ثنا عمرو الناقد؛ قال: حدثني سعيد بن خثيم؛ قال: حدثتني جدتي ربيعة بنت عياض الكلابية، عن جدها عبيد بن عمرو الكلابي. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 96) برقم 141 مطولًا. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 426 باب ما جاء في إسباغ الوضوء مختصرًا. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 143 - 144) برقم 649 وتهذيب الكمال (29/ 64 - 66) برقم 6254 وتهذيب التهذيب (4/ 175). (¬4) كما في تحفة الأشراف (5/ 42) وشرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (1/ 307) ونبه المزي ومغلطاي على هذا الوهم وكذا في النسخة التي حققها محمد مصطفى الأعظمي (1/ 83) برقم 444 ووقع على الصواب في نسخة محمد فؤاد عبد الباقي (1/ 147) برقم 426. (¬5) علل الترمذي الكبير (1/ 127). (¬6) معجم الصحابة (2/ 185) برقم 677.

وقال (¬1) أبو الفتح: عبيدة بن عمرو. قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأسبغ الوضوء. رواه أبو (¬2) يعلى الوصلي وأبو (¬3) نعيم الحافظ وزاد أبو نعيم: وكانت ربيعة إذا توضأت أسبغت الوضوء. وقال (¬4): رواه بعض المتأخرين فقال: وربَيِّعة، وهو وهم، وقال أيضًا: والصحيح عبيدة، بدل عبيد. وحديث عائشة، قال ابن (¬5) أبي شيبة: ثنا يحيى بن سعيد وأبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة؛ قال: رأت عائشة عبد الرحمن وهو يتوضأ فقالت: أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للعراقيب من النار" (¬6). وحديث عبد الرحمن بن عايش يأتي عند الترمذي معللًا من حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مصححًا من حديثه عن مالك بن عامر (¬7)، عن معاذ بن جبل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أنس: روى أبو (¬8) أحمد بن عدي من حديث أشعت بن براز؛ قال: ¬

_ (¬1) أي ابن قانع. (¬2) لم أجده في مسنده ولا في المطالب العالية. (¬3) في معرفة الصحابة كما أفاده محقق الإمام لابن دقيق العيد (2 / ل 67 / أ) والمصنف ينقل عنه. (¬4) أي أبو نعيم كما في الإمام (2/ 23). (¬5) المصنف (1/ 26). (¬6) المصنف (1/ 26). (¬7) كذا وصوابه: ابن يخامر وهو: مالك بن يخامر السكسكي الألهاني. تهذيب الكمال (27/ 166 - 167) برقم 5758. (¬8) الكامل (1/ 367).

ثنا ثابت، عن أنس؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس! أسبغ الوضوء يزد في عمرك". أشعث (¬1) هذا: أبو عبد الله الهجيمي. قال يحيى (¬2): ليس بشيء، وقال -مرة-: ضعيف (¬3)، وكذلك قال أبو (¬4) زرعة. وقال الفلاس (¬5): ضعيف جدًّا. وقال البخاري (¬6)، والدارقطني (¬7): منكر الحديث. وقال النسائي (¬8): متروك الحديث. وقال ابن حبان (¬9): يخالف الثقات زيادة في الأخبار كما في المجروحين، ويروي المنكر حتى خرج عن حد الاحتجاج به. وقال ابن عدي (¬10): عامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف بين على رواياته. وذكر ابن (¬11) أبي حاتم: أنه سأل أباه وأبا زرعة عن أحاديث تروى عن أنس بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 269) برقم 974 والتاريخ الكبير للبخاري ط دار الكتب العلمية (1/ 428) برقم 1379 وميزان الاعتدال (1/ 425) برقم 1420 ط دار الكتب العلمية. (¬2) و (¬3) الكامل لابن عدي (1/ 366) وقول ابن معين ليس بشيء هي من رواية عباس ولم أهتد إليها في التاريخ المطبوع. (¬4) الجرح والتعديل (2/ 270). (¬5) المصدر السابق. (¬6) التاريخ الأوسط (2/ 130) برقم 1296. (¬7) الضعفاء والمتروكون (152) برقم 112. (¬8) الضعفاء والمتروكون (155) برقم 56 ط دار المعرفة. (¬9) المجروحون (1/ 173) ط دار المعرفة. (¬10) الكامل (1/ 367). (¬11) العلل (1/ 52) برقم 128.

مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إسباغ الوضوء يزيد في العمر وذكر لهما الأسانيد في ذلك؛ فضعفاها كلها، وقالا: ليس في إسباغ الوضوء يزيد في العمر حديث صحيح. وفي الباب مما لم يذكره: ما رواه الطبراني (¬1) في الأوسط من حديث سفيان، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه؛ قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسباغ الوضوء. أخرجه أحمد بن محمد بن صدقة، عن محمد بن عثمان بن أبي صفوان، ثنا أبي، عن سفيان. وحديث أبي سعيد الخدري: روينا من طريق الدارمي (¬2): ثنا زكريا بن عدي: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن ابن عقيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه يقول: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات؟ " قالوا: بلى، قال: "إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة". قال: ثنا موسى بن مسعود: ثنا زهير بن محمد، عن عبد الله هو ابن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر نحوه العلاء (¬3) بن عبد الرحمن بن يعقوب أبو شبل الحرقي الجهني -مولاهم - والحرقة من جهينة. سمع أباه، وابن عمر، وأنس بن مالك، وعباس بن سهل بن سعد، ومعبد ¬

_ (¬1) المعجم الأوسط (2/ 125) برقم 1461. (¬2) السنن (1/ 189 - 190) برقم 698 - 699 باب ما جاء في إسباغ الوضوء. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 357 - 358) برقم 1974 وتهذيب الكمال (22/ 520 - 524) برقم 4577 وتهذيب التهذيب (3/ 345 - 346).

ابن كعب، وأبا السائب مولى هشام بن زهرة؛ روى عنه المعمري، ومالك، وابن جريج، وشعبة، وابن عيينة، والدراوردي وغيرهم. قال أحمد (¬1): ثقة، لم أسمع أحدًا ذكره بسوء (¬2)، هو عندي فوق سهيل ومحمد بن عمرو (¬3) وقال أبو (¬4) حاتم: صالح وهو أشبه من العلاء بن المسيب. وقال أبو (¬5) زرعة: ليس هو بأقوى ما يكون. وقال أبو حاتم: روى عنه الثقات، ولكنه أنكروا من حديثه أشياء (¬6). وقال ابن معين: ليس حديثه بحجة هو وسهيل قريب من السواء. وقال -مرة-: ليس بذلك لم يزال الناس يتوقون حديثه (¬7) وقال ابن سعد: صحيفة العلاء بالمدينة مشهورة، وكان ثقة، كثير الحديث ثبتًا، توفي في خلافة أبي جعفر (¬8). وقال ابن عدي: وللعلاء نسخة عن أبيه، عن أبي هريرة يرويها عنه الثقات وما أرى به بأسًا (¬9). ¬

_ (¬1) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (2/ 483) برقم 3171. (¬2) العلل ومعرفة الرجال (2/ 19) برقم 1406. (¬3) الجرح والتعديل. (¬4) الجرح والتعديل (6/ 357) برقم 1974. (¬5) المصدر السابق. (¬6) الجرح والتعديل (6/ 358) برقم 1974 وفيه وأنا أنكر بدل ولكنه أنكروا. (¬7) الجرح والتعديل (6/ 358) برقم 1974. (¬8) الطبقات القسم المتمم لتابعي أهل المدينة (330) تحقيق زياد محمد منصور. (¬9) الكامل (5/ 1861).

وقال يحيى -عنه مرة-: ليس بالقوي (¬1). وقال: مضطرب الحديثِ (¬2). إسباغ الوضوء: إتمامه. وفيه دليل على محو الخطايا بالحسنات من الصحف بأيدي الملائكة التي يكون فيها المحو والإثبات لا في أم الكتاب التي هي عند الله التي قد ثبتت على ما هي عنده؛ فلا يزيد فيها ولا ينقص منها أبدًا. وقال القاضي عياض: هو كناية عن غفرانها، وأراد بإسباغ الوضوء عند المكاره برد الماء وألم الجسم وإيثار الوضوء على أمور الدنيا فلا يأتي به مع ذلك إلا كارهًا مؤثرًا لوجه الله تعالى (¬3). وكثرة الخطا إلى المساجد؛ يعني به بعدُ الدار؛ وهو أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريبًا من المسجد: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم". وانتظار الصلاة بعد الصلاة يحتمل وجهين: • أحدهما: الجلوس في المسجد، وذلك يتصور في أكثر الصلوات العصر، والمغرب، والعشاء ولا يكون بين العتمة والصبح. وقال القاضي أبو الوليد: هذا من المشتركتين في الوقت من الصلوات، وأما غيرهما فلم يكن من عمل الناس (¬4). ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) الضعفاء للعقيلي (3/ 341) برقم 1369 وفيه مضطرب الحديث ليس حديثه بحجة. (¬3) إكمال المعلم (2/ 55). (¬4) المنتقى (1/ 285).

قال النووي (¬1): وفيه نظر. • الوجه الثاني: تعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها والتأهب لها وهذا يتصور في الصلوات كلها، وقوله: "فذلكم الرباط". لعله الرباط الذي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}، وحقيقته ربط النفس والجسم مع الطاعات. ذكر معناه القاضي أبو بكر بن العربي (¬2). ورفع الدرجات؛ أعلا المنازل في الجنة. ووقع قوله: وذلكم الرباط مرة ومرتين في صحيح مسلم (¬3). وثلاثًا عند مالك (¬4). وحكمة تكراره: قيل: الاهتمام به وتعظيم شأنه. وقيل: كرره - صلى الله عليه وسلم - على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه. * * * ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 134) ط دار المعرفة تحقيق خليل مأمون شيحا. (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 60). (¬3) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 219) برقم 251 باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره. (¬4) الموطأ كتاب قصر الصلاة في السفر (1/ 161) برقم 55 باب انتظار الصلاة والمشي إليها.

40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء حدثنا سفيان بن وكيع: ثنا عبد الله بن وهب، عن زيد بن حباب، عن أبي معاذ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرقة يتنشف بها بعد الوضوء. قال أبو عيسى: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء. وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث. قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل، حدثنا قتيبة: ثنا رشدين بن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ؛ قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف؛ ورشدين بن سعد، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث. وقد رخص قوم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء. ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن (¬1). وروى ذلك عن سعيد بن المسيب، والزهري: حدثنا محمد بن حميد: ثنا جرير؛ قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة، عن ثعلبة، عن الزهري؛ ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 74 - 77).

قال: أكره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن (¬1). * الكلام عليه: أما الحديث الأول من طريق عائشة: فضعفه بأبي معاذ، وقال: يقولون: هو سليمان بن أرقم (1). قلت: هو البصري، يروي عن الحسن والزهري. قال أحمد (¬2): ليس بشيء لا يروى عنه الحديث. وقال يحيى (¬3): ليس بشيء لا يساوي فلسًا. وقال عمرو بن علي (¬4): ليس بثقة. وقال السعدي (¬5): ساقط. وقال البخاري (¬6): تركوه. وقال النسائي (¬7) وأبو داود (¬8) والدارقطني (¬9): متروك. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 100 - 101) برقم 450 وتهذيب الكمال (11/ 351 - 355) برقم (2491) وتهذيب التهذيب (2/ 83). (¬2) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (2/ 67) برقم 157 بلفظ وسليمان لا يسوي شيئًا. (¬3) التاريخ رواية الدوري (2/ 228). (¬4) الجرح والتعديل (4/ 100) برقم 450 بزيادة روى أحاديث منكرة. (¬5) أحوال الرجال (104) برقم 158. (¬6) التاريخ الكبير (4/ 2) برقم 1756 ط دار الكتب العلمية والضعفاء الصغير (54) برقم 142 ط دار المعرفة. (¬7) المجتبى (7/ 35) برقم 3848 وفي الضعفاء له (185) برقم 246 قال إنه ضعيف ط دار المعرفة. (¬8) سؤالات الآجري (2/ 195) برقم 1578. (¬9) السنن (1/ 110) و (1/ 153).

وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث (¬1). وقال ابن حبان: يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات الموضوعات (¬2). وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث (¬3). وقال: قال محمد بن عبد الله الأنصاري: كنا ننهى عن مجالسته، وذكر منه أمرًا عظيمًا (¬4). وأبو معاذ آخر، يروي عن: الزهري وأبي الزبير وغيرهما، اسمه: ياسين بن معاذ، ويقال له أيضًا: أبو خلف (¬5). قال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال -مرة-: ضعيف (¬6). وقال البخاري: منكر الحديث (¬7). وقال أبو حاتم الرازي (¬8): كان رجلًا صالحًا لا يعقل ما يحدث به؛ منكر الحديث. وقال النسائي وعلي بن الجنيد والأزدي: متروك الحديث (¬9). وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات ويتفرد بالمعضلات عن ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (4/ 101) برقم (450) ولفظه بصري ضعيف الحديث ذاهب الحديث. (¬2) المجروحون (1/ 328). (¬3) نقله عنه الحافظ ابن حجر كما في التهذيب (2/ 83). (¬4) الجرح والتعديل (4/ 100) بلفظ كانوا ينهونا عنه ونحن شباب وذكر أمرًا عظيمًا. (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 312، 313) برقم 1350 وميزان الاعتدال (4/ 358) برقم 9443 وكذا اللسان (6/ 315) برقم 9451 والضعفاء الكبير (4/ 464). (¬6) التاريخ برواية الدوري (2/ 639) برقم 2041 و (3/ 417) برقم 2041. (¬7) المصدر السابق برقم 1611. (¬8) الضعفاء الصغير (129) برقم 415 ط دار المعرفة. (¬9) الجرح والتعديل (9/ 313) برقم 1350 بزيادة ليس بقوي.

الأثبات؛ لا يجوز الاحتجاج به (¬1). وكان أبو نعيم يدلس ياسين فيقول (¬2): ياسين العجلي (¬3). وقال الحاكم (¬4): أبو أحمد الكبير -وقد ذكره في الكنى (¬5) -: ليس بالقوي عندهم؛ وإنما ذكرنا ترجمة أبي معاذ هذا لأن الترمذي لم يجزم بسليمان بن الأرقم فذكرنا هذا لأنه في طبقته (¬6). وذكر الخلال عن مهنا؛ قال (¬7): سألت أبا عبد الله عن حديث ابن معاذ هذا في التمندل بعد الوضوء فقال: منكر، منكر. واستغرب (¬8) الثاني، وضعفه بعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وبرشدين بن سعد. فأما ابن أنعم فهو عبد الرحمن بن زياد بن ذري -بفتح الذال المعجمة وكسر الراء المهملة- بن محمد بن معدي كرب بن أسلم بن منبه بن النمادة بن حيويل بن عمرو بن أشوط بن سعد بن ذي شعبين بن يعفر بن ضبع بن شعبان بن عمرو بن معاوية بن قيس الشعباني أبو أيوب، ويقال: أبو خالد الإفريقي قاضيها، عداده في ¬

_ (¬1) الضعفاء والمتروكون (252) برقم 652 ط دار المعرفة. (¬2) نقله الذهبي في الميزان (4/ 358) برقم 9443 وكذا ابن حجر في اللسان (6/ 315) برقم 9451. (¬3) نقل ذلك عنه الذهبي في ديوان الضعفاء (334) برقم 4593. (¬4) المجروحون (3/ 142). (¬5) ذكر ابن شاهين في تاريخ أسماء الثقات أنه كان يدلس أحاديث مناكير (264) برقم 1076 ونقله الحافظ ابن حجر في التهذيب (3/ 390) وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. (¬6) الأسامي والكنى (4/ 313) برقم 2015. (¬7) انظر الإمام لابن دقيق العيد (2/ 71) وزاد وأبو معاذ ياسين بن معاذ وهو ضعيف وهو أقوى من سليمان بن أرقم. (¬8) أي الترمذي.

أهل مصر. كذا نقلت. هذا النسب من خط شيخنا الحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف، وضبط ذري وبعده محمد وهو عند الرشاطي يحمد أوله ياء آخر الحروف (¬1). وقال: الشعباني (¬2) ينسب إلى شعبان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن غوث بن حيدان بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير؛ هذا قول الهمداني (¬3). وقال ابن الكلبي: حسان بن عمرو، وهو شعبان (¬4). والنسب عنده كما تقدم غير أنه يسقط منه حيدان بدل حسان بن عمرو بذي الشعبين باليمن في خبر ذكره الهمداني وغيره (¬5). فسمى شعبان بذلك، هو وولده، فمن كان بالكوفة منهم قيل لهم: شعبيون، ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعوب ومن كان منهم بالشام: شعابيون، ومن كان منهم باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين، حكاه الرشاطي. سمع: عبد الرحمن أبا عبد الرحمن الحُبُلّي، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي، وعمران بن عبد المعافري، وعمارة بن راشد الكناني، وأبا علقمة صاحب أبي هريرة، وعتبة بن حميد. روى عنه: سفيان الثوري، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن لهيعة، وعبد الله ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والعديل (5/ 234) برقم 1111 وتهذيب الكمال (17/ 102 - 110) برقم 3817 وتهذيب التهذيب (2/ 505 - 507). (¬2) الشيخ الإمام الحافظ المتقن النسَّابة أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي، صاحب كتاب اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار، وهو أحد الكتب التي اعتمدها الحافظ ابن حجر في تبصير المنتبه كما ذكر في مقدمه. (¬3) انظر المؤتلف والمختلف (2/ 998) والإكمال (3/ 382) وتبصير المنتبه (2/ 561) وتوضيح المشتبه (4/ 36). (¬4) الأنساب للسمعاني (3/ 430) ط دار الفكر وكذا اللباب لابن الأثير. (¬5) انظر نسب معد واليمن الكبير (2/ 536).

ابن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وأبو معاوية الضرير، ومروان بن معاوية، وجمع يطول ذكرهم (¬1). وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: هو أول مولود في الإسلام؛ يعني: بإفريقية، جاز المئة (¬2). وقال عمرو بن علي (¬3): كان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي؛ إلا أني سمعت عبد الرحمن مرة يقول: ثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري والإفريقي جمعهما في حديث. وقال ابن عدي: ضعفه يحيى بن سعيد، وقال: قد كتبت عنه بالكوفة كتابًا. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي (¬4). وقال علي بن المديني (¬5): كان أصحابهُ يضعفونه وأنكر أصحابنا عليه أحاديثَ تفرد بها لا تعرف (¬6). وقال أبو داود (¬7) السجستاني: سمعت أحمد بن صالح يقول: كان الإفريقي أسيرًا في الروم فخلوا عنه لما رأوا منه على أن يأخذ لهم شيئًا عند الخليفة، فلذلك ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير للبخاري (5/ 283) برقم 916 ط دار الكتب العلمية. (¬2) الجرح والتعديل (5/ 234) برقم 1111. (¬3) الكامل (4/ 1591) عن علي بن المديني. (¬4) الجرح والتعديل (5/ 235) برقم 1111. (¬5) سؤالات ابن أبي شيبة لعلي بن المديني (156) برقم 220. (¬6) في السؤالات أصحابنا يوضحها ما بعدها وفيه وأنكر أصحابنا أحاديث كان يحدث بها لا تعرف وما نقله المصنف موافق لما جاء في نسخة بغداد للسؤالات والله أعلم. (¬7) تاريخ بغداد (10/ 215).

أتى أبا جعفر (¬1) قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم. وقال أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين؛ قلت: لأحمد بن صالح: حيي يجري عندك مجرى أبي هانيء في الثقة؟ فقال: نعم، ثم قال: ابن أنعم أكبر عندي من حيي، ورفع بابن أنعم في الثقة، قلت لأحمد بن صالح: فمن يتكلم فيه عندك جاهل؟ قال: من يتكلم في ابن أنعم فليس بمقبول؛ ابن أنعم من الثقات. وقال يحيى (¬2) بن معين: هو ضعيف ويكتب حديثه (¬3)، وإنما أنكر عليه الغرائب التي كان يجيء بها. وقال عباس (¬4) بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: ليس به بأس، هو ضعيف وهو أحب إلي من أبي بكر بن أبي مريم الغساني. وقال يعقوب (¬5) بن شيبة: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف، وهو ثقة صدوق، رجل صالح. وقال السعدي (¬6): الإفريقي غير محمود في الحديث وكان صارمًا خشنًا. وقال صالح (¬7) جزرة: منكر الحديث، وكان رجلًا صالحًا. ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (17/ 108). (¬2) تاريخ الدارمي (141) برقم 474. (¬3) تاريخ بغداد (10/ 216). (¬4) التاريخ (2/ 348). (¬5) تاريخ بغداد (10/ 217). (¬6) أحوال الرجال (263) برقم 275. (¬7) تاريخ بغداد (10/ 217).

وقال ابن (¬1) خراش: متروك. وقال زكريا (¬2) بن يحيى الساجي: فيه ضعف. وقال إسحاق (¬3) بن راهويه: سمعت يحيى القطان يقول: هو ثقة. وقال البخاري (¬4): روى عنه الثوري ويقال عن المقرئ: مات سنة ست وخمسين ومئة. وقال أبو (¬5) عبد الرحمن: ليس به بأس. وقال عبد (¬6) الرحمن بن أبي حاتم، ساكلت أبي عنه، فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال: سألت أبي وأبا زرعة عن ابن لهيعة والإفريقي أيهما أحب إليكما، فقالا: جميعًا ضعيفان (¬7) وأثبتهما (¬8) الإفريقي؛ بين الإفريقي وابن لهيعة كثير. أما الإفريقي فإن أحاديثه التي تنكر عن شيوخ لا نعرفهم وعن أهل بلده، فيحتمل أن يكون منهم ويحتمل أن لا يكون. قال الترمذي (¬9): الإفريقي ضعيف ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الكامل لابن عدي (4/ 1591). (¬4) التاريخ الكبير (5/ 283) برقم 916 ط دار الكتب العلمية. (¬5) الذي ذكره بهذه العبارة الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 433) فقال لا بأس به وكنية يوسف فلعله خطأ من الناسخ والله أعلم. (¬6) الجرح والتعديل (5/ 235) برقم 1111. (¬7) في الجرح: ضعيفين. (¬8) في الجرح: أشبههما، وهي المناسبة للسياق. (¬9) الجامع (1/ 384) بزيادة عند أهل الحديث.

وقال أحمد (¬1): لا أكتب حديث الإفريقي. ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث (¬2). وقال النسائي (¬3): ضعيف. وقال أبو (¬4) أحمد بن عدي: ولعبد الرحمن بن زياد هذا أحاديث، وأروى الناس عنه: عبد الله بن يزيد المقري، وعامة حديثه لا يتابع عليه. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. وقال يحيى (¬5) مرة: لا يكتب حديثه. وقال الدارقطني (¬6): ليس بالقوي. وقال ابن (¬7) حبان: يروي الموضوعات عن الثقات ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب. قال أبو (¬8) الفرج بن الجوزي: ونقلت من خط أبي بكر البرقاني؛ قال: قال أبو بكر بن أبي داود: إنما تكلم الناس في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وضعفوه، لأنه روى عن مسلم بن يسار. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الضعفاء والمتروكون (206) برقم 361 ط دار العرفة. (¬4) الكامل (4/ 1591). (¬5) لم أقف على هذا النص. (¬6) الضعفاء والمتروكون (169) برقم 337 ط المكتب الإسلامي. (¬7) المجروحون (2/ 50). (¬8) الضعفاء والمتروكون (2/ 94).

فقيل له: أين رأيت مسلم بن يسار؟ فقال: بإفريقية. فكذبه الناس، وضعفوه، وقالوا: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط -يعنون: البصري- ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر؛ يقال له: أبو عثمان الطنبذي؛ وطنبذ: بطن من اليمن. وعنه روى، وكان الإفريقي رجلًا صالحًا. قال أبو الفرج: قلت: ومسلم بن يسار ستة أنفس: * أحدهم: مسلم بن يسار، المديني، حدث عن أبي سعيد الخدري. * والثاني: مسلم بن يسار، البصري، حدث عن أبي الأشعث الصنعاني. * والثالث: مسلم بن يسار، المكي، روى عن ابن عمر. * والرابع: الطنبذي، روى عن أبي هريرة. * والخامس: مسلم بن يسار، الجهني، روى عن نعيم بن ربيعة. * والسادس: مسلم بن يسار، الكوفي، حدث عن الشعبي. وجملة من يجيء في الحديث، اسمه عبد الرحمن بن زياد خمسة لم يضعف غيره (¬1). وذكر أبو (¬2) بكر الخطيب بسند له قال: وظهر بإفريقية جور من السلطان، فلما قام ولد العباس، قدم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم على أبي جعفر فشكا إليه العمال ببلده، فأقام ببابه شهرًا ثم دخل عليه فقال: ما أقدمك؟ قال: ظهر الجور ببلدنا فجئت لأعلمك فإذا الجور يخرج من دارك، فغضب أبو جعفر وهم به ثم أمر ¬

_ (¬1) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (2/ 94 - 95). (¬2) تاريخ بغداد (10/ 215).

بإخراجه (¬1). وروى (¬2) بسنده عن ابن إدريس عن الإفريقي؛ قال: أرسل إلي أبو جعفر المنصور فقدمت عليه فدخلت والربيع قائم على رأسه، فاستدناني، ثم قال لي: يا عبد الرحمن! كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا، قال: قلت: رأيت يا أمير المؤمنين أعمالًا سيئة وظلمًا فاشيًا ظننته لبعد البلاد منك فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم للأمر؛ قال: فنكس رأسه طويلًا ثم رفعه إلي فقال لي: كيف بالرجال؟ قلت: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان برًّا أتوه ببرهم، وإن كان فاجرًا أتوه بفجورهم، قال: فأطرق طويلًا، فقال لي الربيع وأومأ إلى أن أخرج فخرجت وما عدت إليه (¬3). وذكره (¬4) أبو علي حسين بن سعيد بن الوكيل في علماء المغرب فقال: الطبقة الأولى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن ذر (¬5)، المعافري الشعباني، يكنى أبا خالد كان مع رفعته في المحدثين والعلماء منسوبًا إلى الورع، متفننًا في العربية والشعر وله ما يزيد على شعر الفقهاء. روى عن أبيه زياد؛ قال: وكان أبوه من صالحي التابعين، لقي جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحب أبا أيوب الأنصاري صحبة طويلة وغزا معه في البحر. ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد (10/ 215). (¬2) أي الخطيب البغدادي رحمه الله. (¬3) تاريخ بغداد (10/ 215). (¬4) أبو علي الحسين بن أبي سعيد عبد الرحمن بن عبيد البصري يعرف بالوكيل كان حيًّا سنة 346 ويعتبر كتابه الكتاب المعرب عن أخبار إفريقية والمغرب من أهم المصادر التي تؤرخ للحياة السياسية والأدبية والعلمية وجميع النشاط الفكري بإفريقية وهو من الراجع المعمدة لدى القاضي عياض في ترتيبه حيث ذكره (1/ 29) وكذا في مواطن أخر (1/ 110) و (3/ 66، 75، 270) و (4/ 52، 85) وغيرها من المواضع والكتاب من جملة المفقودات والله أعلم. (¬5) كذا، وقد سبق مضبوطًا: ذري.

وروى عن ابن عباس وابن عمر، وروى عن عبد الرحمن بن زياد: سفيان الثوري، وأبو يوسف القاضي وابن لهيعة ولا أعلم أحدأ من أهل المغرب أشهر عند أهل المشرق منه، ويسمونه الإفريقي. وكان قد ولي القضاء بإفريقية مرتين: الأولى: في أيام بني أمية ولاه عليها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم المعروف بالجعدي، وهو آخر من ملك من بني مروان كتب بتوليته القضاء إليه كتابًا وذلك في سنة سبع وعشرين ومئة في السنة التي ولي فيها عبد الرحمن بن حبيب القرشي إفريقية. والثانية: في أيام أبي جعفر المنصور وكان عبد الرحمن قد أسره الروم في البحر وساروا به إلى القسطنطينية، فافتك وسمع من المشائخ بالمشرق؛ قال عبد الرحمن: كنا جماعة أسرى فرُفعنا إلى الطاغية، فبينا نحن في حبسه إذ غشيه عيدٌ فأقبل علينا فيه من الحار والبارد، ما يفوق المقدار إذ أخبرت امرأة نفيسة على الملك بحسن صنيع الملك بالعرب، فمزقت ثيابها، ونثرت شعرها، وسودت وجهها، وأقبلت إليه بمنظر شائه، فقال: ما لك؟ فقالت: إن العرب قتلت ابني وزوجي وأخي وأنت تفعل بهم الذي رأيت؛ فأغضبته، فقال: علي بهم، فصرنا بين يديه سماطين، فأمر سيافًا فضرب عنق واحد واحد، حتى قرب الأمر مني، فحركت شفتي فقلت: الله، الله ربي لا أشرك به شيئًا، فقال: قدموا شماس العرب، يريد عالمهم، فقال لي: ما قلت؟ فأعلمته، فقال لي: ومن أين علمته، فقلت له: نبينا - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بهذا، فقال لي: وعيسى أمرنا بهذا في الإنجيل، فأطلقني ومن معي، ولما غلبت الصفرية على إفريقية خرج جماعة من العرب فيهم عبد الرحمن بن زياد فأتوا أبا جعفر المنصور ويستنصرونه على البربر فوجه معهم محمد بن الأشعث الخزاعي في الأجناد، وفي

تلك السنة سمع منه سفيان الثوري، وكبار أصحاب أبي حنيفة، وغلب ابن الأشعث على إفريقية وقتل البربر وصار على قضائها عبد الرحمن من قبل أبي جعفر، وقيل: دخل على المنصور يومًا فقال: يا ابن أنعم! ألا تحمد الله الذي أراحك مما كنت ترى بباب هشام وذوي هشام، فقلت: ما كنت أرى في ذلك الزمان شيئًا إلا أرى اليوم منه طرفًا، فقال: ما منعك أن ترفع ذلك إلينا وأنت تعلم أن قولك عندنا مقبول؟ فقال: إني رأيت السلطان سوقًا وإنما يرفع إلى كل سوق ما يجوز فيها؛ قال: فكبا لها أبو جعفر، ثم رفع رأسه، فقال: كأنك كرهت صحبتنا؟ فقال: ما يدرك المال والشرف إلا في صحبتك، وإني تركت عجوزًا، فقال: اذهب فقد أذنا لك في الذهاب. وذكر ابن الوكيل أيضًا عن عمر بن شبة؛ قال: لقي عبد الرحمن بن زياد عيسى بن موسى بالكوفة فقيل لعيسى بن موسى: إن من حال هذا الرجل كذا وكذا، فقال له: وما يمنعك من إتياننا؟ فقال: وما أصنع عندك إن أتيتك فأدنيتني؛ قتلتني، وإن أقصيتني؛ أحزنتني، وليس عندك ما أرجوه ولا عندي ما أخافك عليه، ولما انصرف ابن أنعم كتب إلى خاصته بهذه الأبيات: ذكرت القيروان فهاج شوقي ... وأين القيروان من العراق مسيرة أشهر للعيس نصبًا ... وللخيل المضمرة العتاق فأبلغ أنعما وبني أبيه ... ومن ترحالنا وله تلاق بأن الله قد خلى سبيلي ... وجد بنا المسير إلى مزاق مزاق: فحص بالقيروان؛ لتمزق السحاب عنه.

وحكى داود بن يحيى، عن أبي عثمان المعافري؛ قال: كنت عند عبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية وهو يتنفس صعداء حتى أتاه شاب أشقر ومعه مخلاة بصل، فأسر إليه كلامًا فأسفر وجه عبد الرحمن، فقال لمن حضر: قل لهم يبعثوا إلينا من هذا البصل مع الفول المطبوخ، فبعثوا إليه بذلك، فقال: تقرب، قال أبو عثمان: فقلت: لا، فقال: ولم أظننت ظنًّا؟ قلت: نعم، قال لي: أحسنت! إذا رأيت الهدية دخلت دار القاضي من باب داره، فاعلم أن الأمانة قد خرجت من كوة داره، وليس هو هدية يا أبا عثمان، فقلت له: إني كنت رأيتك مغمومًا، فلما أتاك هذا الغلام انطلقت وأسفر وجهك، فقال: إني أصبحت فذكرت بعد عهدي بالمصائب فخفت أن أكون سقطت من عين الله، فلما أتاني هذا الغلام ذكر أن أكفًا عبيدي توفي فزال عني الغمُّ واسترحت. وأقام عبد الرحمن قاضيًا إلى مدة من أيام يزيد بن حاتم المهلبي، فانعزل من قبل نفسه؛ قيل: كان سبب ذلك أن امرأة كانت تدخل على نساء يزيد وكانت لها خصومة فاستدار الحكم لها، فحكم وكتب لها الحكم وختمه وأعطاه إياها فأخذته، فدخلت به دار يزيد بن حاتم وهي فرحة، فقال لها يزيد: ما هذا؟ فأعلمته فأخذه ففض خاتمه وقرأه فصاحت، فقال لها: لا عليك، أنا أبعث إليه بختمه فبعث إليه، فقال: ما أختمه حتى تعيد البنية، فبعث إليه ثانية، فقال: لا أفعل فلما ولى الرسول أخذ عبد الرحمن خاتمه فكسره وأخذ جلده، وقال: والله لا أحكم بين اثنين أبدًا. وكان سبب موت عبد الرحمن فيما ذكر أنه أكل عند يزيد بن حاتم حيتانًا وشرب لبنًا وكان ليلًا وانصرف، فسمع يزيد بكاء في الليل فقال: ينبغي أن يكون على عبد الرحمن بن أنعم؛ فكان كذلك فلج ثم مات، وصلى عليه يزيد بن حاتم؛

وذلك في سنة إحدى وستين ومئة في شهر رمضان وكان جاوز التسعين سنة (¬1). وقال أبو الحسن بن القطان (¬2): كان الإفريقي من أهل العلم والزهد بلا خلاف، ومن الناس من يوثقه ويربأ به عن حضيض رد الرواية. والحق أنه ضعيف لكثرة رواياته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين. وقال أبو العباس النباتي: هو واه عندهم. وأما رشدين بن سعد: فهو ابن مفلح ابن هلال، المهري، أبو الحجاج المصري، وهو رشدين بن أبي رشدين. روى عن: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد الأيلين، وقرة بن عبد الرحمن بن حيويل، وزبان بن فايد الحمراوي، والحسن بن ثوبان، وحرملة بن عمران الضبي، وعمرو بن الحارث، ومعاوية بن صالح الحمصي، وإبراهيم بن نشيط الوعلاني، والضحاك بن شرحبيل، وجرير بن حازم، وأبي صخر حميد بن زياد المدني، وموسى بن أيوب الغافقي، وطلحة بن أبي سعيد. روى عنه: عبد الله المبارك، وقتيبة، ويوسف بن عدي، وزيد بن بشر، وأبو الطاهر بن السرح، وأبو كريب، وعيسى بن حماد زغبة، وعمرو بن الربيع، وضمرة بن ربيعة، وعبد الله بن سليمان، وعبد الله بن صالح، وزهير بن عباد، ويونس بن عبد الرحيم الرملي، ومحمد بن أبي السري العسقلانيان، وسويد بن سعيد، ومحمد بن معاوية، وبقية بن الوليد، ومحرز بن عون، ويحيى بن عبد الله، وعيسى بن إبراهيم بن مثرود، وأحمد بن عيسى التستري، وعمرو بن زياد الثوباني، ومحمد بن يوسف المصيصي، ومروان بن محمد الطاطري. ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (3/ 149). (¬2) صاحب كتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي وهو غير مطبوع.

قال العقيلي (¬1): ثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني (¬2) عبد الملك بن عبد الحميد الميموني؛ قال: سمعت أبا عبد الله يقول: رشدين بن (¬3) سعد ليس يبالي عمن روى ولكنه رجل صالح (¬4)، ليس به بأس في أحاديث (¬5) الرقاق. وقال: ثنا موسى بن هارون: ثنا أحمد (¬6) بن محمد بن الجنيد، قال: سمعت يحيى بن معين وسئل عن رشدين بن سعد، فقال: ليس من جمال المحامل. وقال حرب (¬7): سألت عن أحمد بن حنبل عنه فضعفه وقدم ابن لهيعة. وقال ابن أبي خيثمة عنه (¬8) لا يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم (¬9):منكر الحديث، وفيه غفلة، ويحدث المناكير (¬10)، عن الثقات، ضعيف الحديث، ما أقربه من داود بن المحبر، وابن لهيعة أستر، ورشدين أضعف. ¬

_ (¬1) الضعفاء (2/ 67) برقم 509. (¬2) في الضعفاء أخبرنا المهري البصري. (¬3) قوله ابن سعد ليس في الضعفاء. (¬4) في الضعفاء بعد هذه الكلمة: يوثقه هيثم بن خارجة وكان في المجلس فتبسم من ذلك أبو عبد الله ثم قال أبو عبد الله. (¬5) في الضعفاء حديث. (¬6) في الضعفاء محمد بن أحمد. (¬7) الجرح والتعديل (3/ 513) برقم 2320. (¬8) المتبادر إلى الذهن من كلمة عنه أنها تعود إلى الإمام أحمد إذ هو أقرب مذكور وليس في السياق غيره، لكن الكلام الذي نقله ابن أبي خيثمة إنما هو عن يحيى بن معين كما هو في الجرح والتعديل (3/ 513) برقم 2320. (¬9) المصدر السابق. (¬10) في الجرح بالمناكير.

وقال أبو زرعة (¬1): ضعيف الحديث. وذكر ابن (¬2) عدي عن أبي يوسف الرقي أنه قال: إذا سمعت بقية يقول: ثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنه يريد رشدين بن سعد فإذا سمعته يقول: ثنا أبو مسكين (¬3) فاعلم أنه يريد طلحة بن زيد. وقال أحمد (¬4) بن محمد بن حرب: سمعت يحيى بن معين يقول: رشدينين ليسا برشيدين: رشدين بن كريب، ورشدين بن سعد. وقال البغوي (¬5): سئل أحمد بن حنبل فقال: أرجو أنه صالح الحديث. وقال ابن عدي (¬6): هو مع ضعفه ممن يكتب حديثه. وقال السعدي (7): عنده معاضيل ومناكير كثيرة. وقال السعدي (¬7): سمعت ابن أبي مريم يثني عليه في دينه (¬8). وقال أبو سعيد بن يونس: ولد سنة عشر ومئة، ومات سنة ثمان وثمانين ومئة، وكان رجلًا صالحًا لا يشك في صلاحه وفضله فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث (¬9). ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (3/ 513) برقم 2320. (¬2) الكامل (3/ 1009). (¬3) في الكامل زيادة الرقي. (¬4) الكامل (3/ 1009). (¬5) المصدر السابق. (¬6) الكامل (3/ 1016). (¬7) الشجرة في أحوال الرجال (267 - 268) برقم 280 الناشر حديث أكاديمي باكستان. (¬8) في الشجرة زيادة فأما حديثه ففيه ما فيه. (¬9) تهذيب الكمال (9/ 195) برقم 1911.

روى له: الترمذي وابن ماجه (¬1). وقال ابن (¬2) حبان: كان يقرأُ كل ما وقع إليه سواء كان من حديثه أو لم يكن من حديثه. وكذلك قال قتيبة (¬3). وقال ابن (¬4) عدي: رشدين ضعيف، وقد خص نسله بالضعف: حجاج بن رشدين، ومحمد بن الحجاج، وأحمد بن محمد بن الحجاج، قلت: وفي إسناده أيضًا: عتبة (¬5) بن حميد، أبو معاذ، الضبي، البصري، لم يعرض له، وقد ضعف. قال أحمد (¬6) بن حنبل: كتب من الحديث شيئًا كثيرًا، وحديثه ضعيف، ليس بالقوي، ولم يشتهر (¬7) للناس حديثه. قال أبو (¬8) حاتم: كان جوالة (¬9)، طلب الحديث، وهو صالح الحديث. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المجروحون (1/ 303) ولفظه كان ممن يجيب في كل ما يسأل ويقرأ كل ما يدفع إليه سواء كان ذلك من حديثه أو من غير حديثه ويقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه. (¬3) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير عن قتيبة بن سعيد (3/ 337) برقم 1145 ط دار الكتب العلمية وأخرج ابن عدي في الكامل (3/ 1009) عن أبي عروبة حدثني أبو الحسين الأصبهاني ... عن قتيبة قال: كان لا يبالي ما دفع إليه يقرؤه. (¬4) الكامل (2/ 651) بمعناه. (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 370) برقم 2042 وتهذيب الكمال (19/ 305 - 306) برقم 3773 وتهذيب التهذيب (3/ 51). (¬6) الجرح والتعديل (6/ 370) برقم 2042. (¬7) في الجرح يشتهه وكذا بقية المصادر. (¬8) الجرح والتعديل (6/ 370) برقم 2042. (¬9) في الجرح: جوالة في طلب الحديث.

روى له: أبو داود، والترمذي وابن ماجه (¬1). وفي الباب مما لم يذكره: حديث قيس بن سعد: "أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعنا له ماءً فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة وَرْسيّة فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عُكَنِه". رواه الإمام أحمد (¬2)، وابن ماجه (¬3). ورواه أبو داود (¬4) بلفظ آخر؛ قال: زارنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا فأمر له سعد بغسل فوضع له، فاغتسل ثم ناوله ملحفة مصبوغة بورس أو زعفران فاشتمل بها. وحديث أم هانيء: لما كان عام الفتح أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة قام رسول الله إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه، فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات، سبحة الضحى. رواه مسلم (¬5). وحديث سلمان الفارسي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فقلب جُبَّة صوف كانت عليه، فمسح بها وجهه. رويناه من طريق الطبراني (¬6): ثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم الدمشقي: ثنا محمد بن عبد الرحمن الجعفي ابن أخي حسين بن علي الجعفي: ثنا مروان بن محمد الطاطري: ثنا يزيد بن السمط، عن الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مرثد، عن محفوظ بن علقمة، عن سلمان الفارسي: أن رسول الله ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (19/ 306) برقم 3773. (¬2) المسند (3/ 421). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 466 باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل. (¬4) في سننه كتاب الأدب (5 /) برقم 5185 باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان. (¬5) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 266) برقم 336 باب تستر المغتسل بثوب ونحوه. (¬6) المعجم الأوسط (2/ 373) برقم 2265.

- صلى الله عليه وسلم - توضأ، ثم قلب جُبَّة كانت عليه، فمسح بها وجهه. قال (¬1): لا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد، تفرد به: مروان بن محمد الطاطري]، وكل من يبيع الكرابيس بدمشق يسمى الطاطري (¬2). ورواه ابن (¬3) ماجه من طريق الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة. فأسقط من إسناده يزيد بن مرثد أخبرنا بحديث الطبراني: أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن ابن أبي الفتح الصوري. ثنا أبو الفخر أسعد بن سعد بن روح، وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة من أصبهان؛ قالا: أخبرتنا أم إبراهيم، فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية -قال الأول: سماعًا، وقالت الثانية: حضورًا-: ثنا أبو بكر بن ريذة عنه. وأما محفوظ (¬4) بن علقمة، والوضين (¬5)، قال أحمد (¬6): ما كان به بأس. وقال السعدي (¬7): واهي الحديث. وحديث أنس -ذكر ابن (¬8) أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي ذكر حديثًا رواه عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له خرقة ¬

_ (¬1) أي الطبراني. (¬2) قاله الطبراني ونسبه إليه السمعاني في الأنساب (4/ 28) ط دار الفكر. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 468 باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل. (¬4) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 422) برقم 1921 وتهذيب الكمال (27/ 288) برقم 5809 وتهذيب التهذيب (4/ 33 - 34). (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 50) برقم 213 وتهذيب الكمال (30/ 449) برقم 6689 وتهذيب التهذيب (4/ 309). (¬6) العلل رواية عبد الله (2/ 538) برقم 3550 وفيه ليس به بأس. (¬7) الشجرة (288) برقم 304. (¬8) العلل (1/ 29) برقم 51.

يتمسح بها، فقال أبي: رأيت في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس خرقة. والموقوف أشبه ولا يحتمل أن يكون مسندًا (¬1). قال شيخنا الحافظ أبو (¬2) الفتح محمد بن علي القشيري: عبد الوارث وعبد العزيز من الثقات عندهم فإذا صح الطريق إلى عبد الوارث؛ فللقائل أن يحكم بصحته، ولا يعلله بتلك (¬3) الرواية الموقوفة. وعن مهنا سألت أحمد ويحيى، عن إياس بن جعفر، فقالا: روى عنه أبو عمرو بن العلاء حديثه: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خرقة يتنشف بها (3). وقد اختلفت الآثار في ذلك: فروى ما ذكرناه وما في معناه عن السلف مما سيأتي. ورويت الكراهة، ورويت التفرقة بين الغسل من الجنابة والوضوء. فأما من رأى ذلك، فقال أبو (¬4) بكر بن أبي شيبة: ثنا ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة: أنه كانت له خرقة يتمسح بها. حدثنا ابن إدريس، عن يزيد بن عبد الله، عن عبد الله بن الحارث قال: كان منديل يتمسح به الوضوء. وروى عن عباد بن العوام، عن ابن أبي خالد، عن عمر بن يعلى، عن أبيه يعلى أنه كان لا يرى بمسح الوجه بالمنديل بعد الوضوء بأسًا. ¬

_ (¬1) العلل (1/ 29) برقم 51. (¬2) الإمام (2/ 72). (¬3) الإمام (2/ 73). (¬4) المصنف (1/ 148) في المنديل بعد الوضوء.

وعن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر قال: أرسل أبي مولاة لنا إلى الحسن بن علي فرأته توضّ وأخذ خرقة بعد الوضوء، فتمسّح بها فكأنّها مقتته، فرأت من الليل كأنّها تقتات كبدها. وروى أيضًا بسند له أنّ عثمان بن عفان توضأ فمسح على وجهه بالمنديل (¬1). وعن ثابت بن أبي عبيد قال: رأيت بشر بن أبي سعيد يتمسح بالمنديل (¬2). وعن مسروق أنَّه كانت له خرقة يتنشّف بها. وروى ابنُ عليّة، عن يونس، عن الحسن، ومحمد: أنّهما كانا لا يريان بمسح الوجه بالمنديل بعد الوضوء بأسًا. وروى وكيع، عن شعبة، عن أسير بن الربيع بن عميلة قال: رأيت أبي وأبا الأحوص يتمسحان بالمنديل بعد الوضوء. وروى ابن عليّة عن ليث، عن زريق، عن أنس: أنّه كان يتوضأ ويمسح وجهه ويديه. وعن سعيد بن جبير قال: لا بأس به. وعن ابن عون: سألت الحسن عن الرجل يمسح وجهه بالخرقة بعدما يتوضأ فقال: نعم؛ إذا كانت الخرقة نظيفة. وعن الضحاك أنَّه سئل عن المنديل بعد الوضوء فقال: هو أنقى للوجه. وعن الشعبي قال: لا بأس به. وعن وكيع، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن عمر: أنّه مسح وجهه بثوبه. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 148) في المنديل بعد الوضوء. (¬2) المصنف (1/ 148 - 149).

وعن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: كان الأسود يتمسّح بالمنديل. وعن الزهري: أنّه كان لا يرى بأسًا بمسح الرجل وجهه بالمنديل. وروى ابنُ فضيل، عن عاصم، عن بكر قال: أنفع ما يكون المنديل في الشتاء. وأما من كرهه: فروينا من طريق الدارمي (¬1): ثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن سلمة بن كُهَيْل، عن كريب، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سألتُ خالتي ميمونة عن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة فقالت: كان يؤتى الإناء فيفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، وما أصابه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغسل رجليه، وسائر جسده، ثم يتحول فيغسل رجليه، ثم يؤتى بالمنديل فيضعه بين يديه، فينفض أصابعه ولا يمسّه. أخرجه مسلم (¬2) من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، وعن وائل بن حجر قال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أتى بإناء فيه ماء، فأكفأ على يمينه ثلاثًا -ثم ذكر الوضوء- ولم أره ينشّفه (¬3). وعن عثمان (¬4) بن أبي شيبة، عن جرير بن حازم، عن محمد بن عبد الله بن ¬

_ (¬1) في سننه (1/ 194) برقم 712 ط فواز زمرلي وخالد العلمي الطبعة الباكستانية. (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 254 - 255) برقم 217 باب صفة غسل الجنابة قلت وهو في البخاري كتاب الغسل (1/ 103) برقم 259 باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة. (¬3) رواه البزار في مسنده من حديث عبد الجبار بن وائل عنه (1/ 140 - 141) برقم 268 كشف الأستار وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 232) ط دار الكتاب العربي وعزاه إلى الطبراني في الكبير والبزار وقال فيه سعيد بن عبد الجبار قال النسائي: ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات وفي سند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف. (¬4) ذكره ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 71).

أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر قال: ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحائط فقضى حاجته، ثم توضأ، فأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره - صلى الله عليه وسلم - , رواه الحسن بن علي المعمري في كتاب "ما ينبغي للرجل أن يستعمله في يومه وليلته". وروى ابن (¬1) أبي شيبة، عن أبي الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم وسعيد بن جبير: أنهما كرها المنديل بعد الوضوء. وعن عطاء: أنَّه كان يكرهه، ويقول: أحدثتم المناديل. وروى معمر، عن أبيه: أنَّ أبا العالية وسعيد بن المسيّب كرها أن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء. ووكيع عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: إنّما كانوا يكرهون المنديل بعد الوضوء مخافة العادة (1). وذكر الترمذي (¬2)، عن سعيد بن المسيّب والزهري الكراهة في ذلك من قبل أن الوضوء يوزن، وخرَّج الخبر في ذلك عن الزهري بسنده (¬3). وأما الخبر عن سعيد بن المسيب: فقال أبو (¬4) بكر بن شيبة: ثنا أبو أسامة، عن الصلت بن بهرام، عن عبد الكريم، عن سعيد بن المسيّب: أنّه كره، وقال: هو يوزن. قال (¬5): وكان ابن (¬6) سيرين يقول: تركه أحبّ إليّ منه. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 150). (¬2) الجامع (1/ 77). (¬3) الجامع (1/ 77). (¬4) المصنف (1/ 150). (¬5) ابن أبي شيبة. (¬6) المصنف (1/ 149).

وأمّا من فرّق بين الوضوء والغسل: فروى ابن (¬1) أبي شيبة: ثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: يتمسّح من طهور الجنابة، ولا يتمسّح من طهور الصلاة. وحدّثنا ابن عيينة، عن منصور، عن هلال، عن عطاء، عن جابر قال: لا تمندل إذا توضّأت (¬2). حدثنا وكيع، عن مسعر، عن سويد -مولى عمرو بن حريث-: أنّ عليّا اغتسل، ثم أخذ ثوبًا فدخل فيه -يعني يتنشف به (¬3) -. وفي الأثر الذي رواه الترمذي، عن الزهري، قول جرير: حدثني علي بن مجاهد، عني، وهو عندي ثقة. كذا قال جرير (¬4). وقال يحيى بن الضريس: هو كذاب (¬5) ويعوف بالكابلي، وهذه مسأله (¬6) اختلف العلماء فيها على ثلاثة مذاهب، فالمشهور: أنّ الراوي إذا روى خبرًا ونسيه وحفظه عليه غيره، لا يكون ذلك قدحًا في الرواية إذا كان الراوي ثقة. ومنهم من يردّ الخبر بذلك، وهذه طريقة الكوفيين، ومنهم من يفرّق بين ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 149 - 150). (¬2) المصنف (1/ 149). (¬3) المصنف (1/ 148). (¬4) قال العلامة أحمد محمد شاكر هذا الإسناد من باب من حدث ونسي فإن جريرًا روى هذا الأثر عن ثعلبة ثم حدث به فسمعه منه علي بن مجاهد ثم نسي جريرًا وسمعه من علي فحدث عنه عن نفسه عن ثعلبة به. الجامع (1/ 77) الحاشية. (¬5) الجرح والتعديل (6/ 205) برقم 1123. (¬6) انظر علوم الحديث لابن الصلاح (105) ط عتر والكفاية للخطيب (221) وللخطيب كتاب أخبار من حدث ونسي ذكره ابن الصلاح في علوم الحديث (106) واختصره السيوطي في تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي وطبع هذا الأخير بتحقيق صبحي السامرائي.

النسيان والإنكار، وترى الأمر في نسيان الراوي أقرب منه في إنكاره، ورده خير من الخبر عنه. وثعلبة الراوي عن الزهري؛ هو: ثعلبة (¬1) بن سهيل أبو مالك الطهوي. قال يحيى (¬2): ثقة. وأمّا المتأخّرون: فاختلفوا في تنشيف الأعضاء أيضًا. قال الرافعي (¬3): وهل يستحبّ ترك تنشيف الأعضاء؟ فيه وجهان: • أظهرهما: نعم؛ لما روي عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينشف أعضاءه" (¬4). وعن عائشة (¬5) رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبًا، فيغتسل، ثم لا يخرج إلى الصلاة ورأسه يقطر ماء". • والثاني: لا يستحبّ ذلك، وعلى هذا اختلفوا؛ منهم من قال: يستحبّ التنشيف لما فيه من الاحتراز عن التصاق الغبار، فإذا فرّعنا على الأظهر وهو استحباب الترك: فهل نقول: التنشيف مكروه أم لا؛ فيه ثلاثة أوجه: ¬

_ (¬1) انظر سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين (89) برقم 120 وفيه قلت ليحيى ثعلبة الذي روى عنه جرير؟ قال: هو ثعلبة بن سهيل كوفي نزل الري وقد روى عنه الكوفيون أيضًا. قلت: ثقة؟ قال: لا بأس به. (¬2) انظر الجرج والتعديل (2/ 414) برقم 1882. (¬3) فتح العزيز (1/ 445) بهامش المجموع. (¬4) رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (145) برقم 150 ط مكتبة المنار ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود. (¬5) أخرجه النساني في السنن الكبرى كتاب الصيام (2/ 189) برقم 2990 ذكر الاختلاف على مغيرة.

• أظهرها: لا، لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اغتسل فأتى بملحفة ورسية فالتحف بها حتى رأى أثر الورس في عكنه (¬1)، ولو كان مكروهًا لما فعل. • والثاني: نعم لأنه إزالة لأثر العبادة فأشبه إزالة خلوف فم الصائم. • والثالث: حكي عن القاضي حسين أنّه: إن كان في الصيف كره، وإن كان في الشتاء لم يكره لعذر البرد. الثالثة: قال: أن لا ينفض يديه فهو مكروه لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضَأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان" (¬2) (¬3). قلت: أمّا الحديث الذي ذكره؛ أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أتى بملحفة ورسية، فهو عند ابن ماجه (¬4)، من حديث قيس به سعد قال: "أتانا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فوضعنا له ماء فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسية ... الحديث". وإلى جواز التنشيف ذهب مالك (¬5) والثوري (5). وذهب ابن (¬6) عمر وابن (6) أبي ليلى إلى الكراهة لردّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المنديل على ميمونة وهو في الصحيح (¬7). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 36) وقال أبوه هذا حديث منكر ورواه ابن حبان في المجروحين (1/ 202 - 203) في ترجمة البختري بن عبيد وضعفه به ورواه ابن طاهر في صفة التصوف من حديث أبي هريرة كما في التلخيص لابن حجر (1/ 172) ط قرطبة وإسناده مجهول وقال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط لم أجده أنا في جماعة اعتنوا بالبحث عن حاله أصلًا وتبعه النووي كذا قال ابن حجر في التلخيص. (¬3) فتح العزيز (445 - 448 بهامش المجموع). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 466 باب المنديل بعد الوضوء. (¬5) عارضة الأحوذي (1/ 61). (¬6) المصدر السابق. (¬7) صحيح البخاري كتاب الغسل (1/ 103) برقم 259 باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة.

وفيه أيضًا: عن عبد الله بن جعفر قال: "ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحائط فقضى حاجته، ثم توضأ، فأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره - صلى الله عليه وسلم -". رواه الحسن (¬1) بن علي المعمري، عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير بن حازم، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن ابن جعفر. وأما الحديث الذي ذكره الرافعي: "إذا توضأتم فلا تمْفضوا أيديكم ... الحديث"؛ فإن ابن (2) حبّان رواه من حديث البختري بن عبيد، قال: أخبرني أبي عن أبي هريرة ... فذكره. قال ابن (¬2) حبّان: لا يحلّ الاحتجاج بالبختري فليس بعدل، قد روى عن أبيه، عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب. * * * ¬

_ (¬1) ذكر ذلك ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 71) ولعل المصنف ينقل عنه والله أعلم. (¬2) المجروحون (1/ 203).

شَرْحُ التِّرمِذِيّ «النَّفْحُ الشَّذيّ شَرْحُ جَامِعُ التِّرمِذيّ» [2]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَمِيع حُقُوق الملكية الأدبية مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يسمح مُطلقًا بطبع أَو نشر أَو تَصْوِير أَو إِعَادَة تنضيد الْكتاب كَامِلا أَو مجزأ. ويحظر تخزينه أَو برمجته أَو نسخه أَو تسجيله فِي نطاق استعادة المعلومات فِي أَي نظام كَانَ ميكانيكي أَو الكتروني أَو غَيره يُمكن من استرجاع الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ. وَلَا يسمح بترجمة الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر. حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر دَار الصميعي الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م دَار الصميعي للنشر والتوزيع هَاتِف: 4262945 - 4251459، فاكس: 4245341 المركز الرئيس، الرياض - شَارِع السويدي الْعَام ص. ب: 4967، الرَّمْز البريدي: 11412 المملكة الْعَرَبيَّة السعودية فرع القصيم: عنيزة - أَمَام جَامع الشَّيْخ (بن عثيمين) يرحمه الله هَاتِف: 3624428، تلفاكس: 3621728

41 - باب ما يقال بعد الوضوء

41 - باب ما يقال بعد الوضوء حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي: ثنا زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين؛ فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيّها شاء". قال: وفي الباب عن أنس، وعقبة بن عامر. قال أبو عيسى: حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث، قال: وروى عبد الله بن صالح وغيره، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر، عن عمر وعن ربيعة، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر. وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء (¬1). وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا. * الكلام عليه: قال (¬2): في إسناده اضطراب، ولا يصحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 77 - 79). (¬2) أي الترمذي.

ومسلم رحمه الله قد أخرج في "صحيحه" (¬1) قال: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة يعني بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر. قال: وحدثني أبو عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يحدّث الناس، فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلًا عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنّة". قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود. فنظرت فإذا عمر قال: إني رأيتك جئت آنفًا، قال: "ما منكم أحد يتوضّأ فيبلغ، أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء". وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا زيد بن الحباب قال: ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، وأبي عثمان، عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر مثله، غير أنّه قال: "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (¬2). وهذا تصحيح من مسلم لما أخرجه وقد أورده من طريقين يعضد كل منهما الأخرى. وأخرى الطريقين طريق الترمذي، لكنها عند مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعند الترمذي: عن جعفر بن محمد بن عمران، ولعلّ التخليط فيها من قبل ¬

_ (¬1) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 209 - 210) برقم 234 باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (¬2) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 210) برقم 234 باب الذكر المستحب عقب الوضوء.

جعفر؛ فابن أبي شيبة أجلّ الرجلين، وحديثه أقوم وأسلم من التعليل، وكذلك هو أيضًا في "مصنفه" (¬1)، فالحديث إذن صحيح من طريق مسلم لاتصاله عن ربيعة، عن أبي إدريس، وأبي عثمان، عن جبير، عن عقبة، ومعلّل من طريق الترمذي بالانقطاع بين أبي إدريس (¬2) وعمر الذي نبّه عليه، وذكره. والانقطاع بين أبي عثمان وعمر الذي لم يذكره لكنّه تبيّن من حديث مسلم. وقد صرّح به البخاري فقال: إنما هو عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر. كما سيأتي مبينًا إن شاء الله تعالى (¬3). وأمّا الجهالة بأبي عثمان فلا تضر إذ هو مقرون بغيره عند مسلم، ثم أتبع الترمذي الحديث بقوله: قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث (¬4)، وذكر طريقين لا مانع من القول بصحّة الأول منهما إذا صحّ إلى معاوية لسلامته من الطعن، واتصاله، ولأن يكون الحمل فيه على من دون زيد بن الحباب أولى من أن يكون الحمل على زيد، فقد تابع زيدًا أسدُ بنُ موسى، عن معاوية، عن ربيعة، عن أبي إدريس، عن عقبة وأبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة عند النسائي، وها هنا فائدة ينبغي التنبيه عليها: وهي أنّه وقع في الطريق الأول لمسلم (¬5) قال: وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 3، 4). (¬2) وهو الخولاني كما في صحيح مسلم (1/ 210) برقم 2343. (¬3) الجامع (1/ 78). (¬4) أشار إليها المزي في تحفة الأشراف (8/ 89) برقم 10609 ولم أظفر بها في السنن الصغرى ولا الكبرى بعد البحث والله أعلم. (¬5) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 209) برقم 234 باب الذكر المستحب عقب الوضوء.

قال ابن (¬1) الصلاح: القاتل: وحدثني أبو عثمان؛ هو عند بعضهم معاوية بن صالح، وعند بعضهم ربيعة بن يزيد. قال: والأول أقوى، وأبو عمرو تبع في ذلك أبا عليّ الجيّاني، فإئه أكثر منه، ورد علي أبي عمر بن الحذّاء، واحتج في ذلك برواية ذكرها من طريق أبي (¬2) داود تقتضي ما ذكر وسلفه في ذلك أبو مسعود الدمشقي. ورواية مسلم هذه من طريق ابن أبي شيبة، فخالفه لذلك فتكلّفوا الجواب عنها، ولو تكلّفوا الجواب عن طريق أبي داود، وما جرى مجراها لكان أولى. فقد ذكر عن الترمذي (¬3) في كتاب "العلل" أنّه قال: سألت محمدًا فقال: هذا خطأ إنّما هو معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة، عن عمر، وعن معاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر قال: وليس لأبي إدريس سماع من عمر، قلت: من أبي عثمان هذا؟ قال: شيخ لم أعرف اسمه. انتهى فطريق عمر رضي الله عنه معللّة على هذا بجهالة أبي عثمان وهي علّة مؤثّرة. وأكثر ما في طريق عقبة دخول جبير بن نفير بين أبي إدريس وعقبة من بعض الوجوه دون بعض، وسماع أبي إدريس من عقبة لم ينكره أحد. فدخول جبير وخروجه على حد سواء، إذ من الجائز أن يكون أبو إدريس سمعه من عقبة، ومن جبير عنه، وحدّث به على الوجهين تارة كذا وتارة كذا، ¬

_ (¬1) قال النووي في شرح مسلم (3/ 113) (ط دار المعرفة): "اعلم أن العلماء اختلفوا في القائل في الطريق الأول: وحدثني أبو عثمان من هو؟ فقيل: هو معاوية بن صالح وقيل: ربيعة بن يزيد قال أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل: الصواب أن القائل ذلك هو معاوية بن صالح، قال: وكتب أبو عبد الله بن الحذاء في نسخته: قال ربيعة بن يزيد وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة قال أبو علي: والذي أتى في النسخ المروية عن مسلم هو ما ذكرناه أولًا يعني ما قدمته أنا هنا قال: وهو الصواب قال: وما أتى به ابن الحذاء وهم منه وهذا بين من رواية الأئمة الثقات الحفاظ. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1 /) برقم 169 باب ما يقول الرجل إذا توضأ. (¬3) لم أقف عليه بعد البحث.

فليست الطريق التي دخل فيها معلّة للطريق التي لم يدخل فيها، وهذا حديث عمر وعقبة، قد مضى. وقد روي حديث عقبة من وجوه شتّى: منها ما رويناه عن الدارمي (¬1): ثنا عبد الله بن يزيد: ثنا حيوة، ثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر: أنّه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توكأً (¬2) يحدّث أصحابه فقال: "من قام إذا استقلت الشمس فتوضّأ فأحسن الوضوء، ثم صلّى ركعتين؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". قال عقبة: فقلت: الحمد لله الذي رزقني أن أسمع هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وكان تجاهي جالسًا-: أتعجب من هذا؟ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعجب من هذا قبل أن تأتي، فقلت: وما ذاك بأبي أنت وأمي؟ فقال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره أو نظره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله؛ فتحت له ثمانية أبواب من الجنة، يدخل من أين شاء". رواه أبو داود، عن الحسين بن عيسى البسطامي، عن عبد الله بن يزيد. فوقع لنا موافقة فيه. وفي الباب مما ليس عند الترمذي عن ثوبان، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم (¬3). أما حديث ثوبان فروى أبو بكر البزار من حديث شجاع بن الوليد: ثنا أبو سعد عن أبي سلمة، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن ¬

_ (¬1) في سننه (1/ 196) برقم 716 باب القول بعد الوضوء. (¬2) كذا، وفي "الدارمي": يومًا. (¬3) في هامش الأصل نسخة ابن العجمي: قلت: بقي في الباب مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح: عن عثمان بن عفان، ومسعود بن قرة عن أبيه عن جده، وقد ذكرته في "جامع الأحكام".

محمدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" (¬1). رواه عن محمد بن المثنى، عن شجاع بن الوليد، عن أبي سعيد قال: لا نعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه (¬2). وأما حديث أبي سعيد الخدري؛ فروي من طريق شعبة مرفوعًا وموقوفًا، عند النسائي (¬3) في "اليوم والليلة" بالوجهين: • أما المرفوع (¬4): فمن حديث يحيى بن كثير أبي غسان، عن شعبة، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضّأ فقال: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك؛ كتب في رف، ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة". وكذلك رواه الطبراني (¬5) في الأوسط من حديث يحيى بن كثير، عن شعبة، وقال: لم يرو هذا الحديث مرفوعًا عن شعبة إلا يحيى بن كثير. • والموقوف: عند النسائي (¬6) من طريق محمد بن يسار (¬7)، عن شعبة بسنده المتقدّم إلى أبي سعيد قوله. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 170 باب ما يقول الرجل إذا توضأ. (¬2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 239) ط دار الكتاب العربي رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" باختصار وقال في "الأوسط" تفرد به مسور بن مورع ولم أجد من ترجمه وفيه أحمد بن سهل الوراق ذكره ابن حبان في الثقات وفي إسناد "الكبير" أبو سعيد البقال الأكثر على تضعيفه ووثقه بعضهم ونص الحافظ ابن حجر أنه عند البزار كما في "التلخيص الحبير" (1/ 176) ط مؤسسة قرطبة. (¬3) السنن الكبرى (6/ 25) برقم 9909 و 9910 باب ما يقول إذا فرغ من وضوءه. (¬4) السنن الكبرى (6/ 25) برقم 9909 باب ما يقول إذا فرغ من وضوءه. (¬5) المعجم الأوسط (2/ 132) برقم 1478. (¬6) السنن الكبرى (6/ 25) برقم 9909 باب ما يقول إذا فرغ من وضوءه. (¬7) صوابه محمد بن بشار يروي عن محمد بن جعفر الملقب بغندر.

وأمّا حديث ابن مسعود فرواه أبو (¬1) الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر، من حديث الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فرغ أحدكم من طهوره، فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله، ثم ليصلّ عليّ، فإذا قال ذلك؛ فتحت له أبواب الرحمة". رواه عن محمد بن عبد الرحيم بن شبيب: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: ثنا محمد بن جابر، عن الأعمش، ذكره القشيري (¬2) وقال: أخرجه أبو موسى الأصبهاني من جهة أبي الشيخ، وقال: هذا حديث مشهور، له طرق عن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر، وثوبان، وأنس رضي الله عنهم. ليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية. محمد (¬3) بن جابر متكلّم فيه. وحديث الباب عند مسلم (¬4) رحمه الله أتمّ سندًا ومتنًا، فلنذكر ما يتعلّق بمتنه التام إذ هو أعمّ للفائدة: قوله: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ؛ معناه: أنّهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم، فيجتمع الجماعة ويضمّون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم، ويتصرّف الباقون في مصالحهم. وقوله: فروّحتها بعشي: أي رددتها إلى مراحها في آخر النهار، وتفرّغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) كما في كنز العمال (9/ 296) برقم 26078 ط مؤسسة الرسالة. (¬2) الإلمام (2/ 69). (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 219) برقم 1215 وتهذيب الكمال (24/ 564 - 569) وتهذيب التهذيب (3/ 527). (¬4) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 209) برقم 234 باب المستحب عقب الوضوء.

قوله - عليه السلام -: "فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه" هكذا هو في الأصول مقبل أي وهو مقبل، وقد جمع - صلى الله عليه وسلم - بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع؛ لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب. وقوله: ما أجود هذه يعني الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة وجودتها، إما يريد به من جهة تيسيرها أو عظم أجرها أو مجموع الأمرين. وقوله: جئت آنفًا أي قريبًا، ممدود وغير ممدود. وقوله: فيبلغ أو يسبغ الوضوء كلاهما بمعنى أي يتمّه ويكمله. وفيه أنّه يستحب للمتوضيء أن يقول عقب وضوئه: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (¬1). وهذا متفق عليه. وينبغي أن يضم إليها: "اللهمّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهّرين" (¬2). كما ذكرناه من طريق الترمذي. وأن يضم إليها: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، أستغفرك وأتوب إليك" (¬3). كما هو مذكور من طريق النسائي، وأن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما رويناه من طريق ابن مسعود، ووقع في ¬

_ (¬1) في سننه أبواب الطهارة (1/ 78) برقم 55 باب فيما يقال بعد الوضوء. (¬2) السنن الكبرى (6/ 25) برقم 9909 باب ما يقول إذا فرغ من وضوءه. (¬3) رواه أبو الشيخ في الثواب وفضائل الأعمال له ومن طريقه أبو موسى المديني وفي سنده محمد بن جابر وقد ضعفه غير واحد وقال البخاري ليس بالقوي يتكلمون فيه روى مناكير قاله السخاوي في القول البديع (171) ط المكتبة العلمية بالمدينة لسلطان النمنكاني، والحديث أخرجه التيمي في الترغيب (2/ 321) برقم 1676 ط دار الحديث بالقاهرة والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 44) من طريق يحيى بن هاشم ثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله فإنه يطهر جسده كله وإن لم يذكر أحدكم اسم الله على طهوره لم يطهر منه الإ ما مر عليه الماء فإذا فرغ أحدكم من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم ليصل علي فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة". قال البيهقي وهذا ضعيف لا أعلمه رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم ويحيى بن هاشم متروك الحديث.

الأحاديث: فتحت له أبواب الجنة، وفي حديث ابن مسعود: فتحت له أبواب الرحمة (¬1). والذي ذكره العلماء في فتح أبواب الجنة والدعاء، منها ما فيه من التشريف في الموقف والإشارة، بذكر من حصل له ذلك على رؤوس الأشهاد، فليس من يؤذن له في الدخول من باب لا يتعدّاه، كمن يتلقى من كل باب، ويدخل من حيث شاء. هذا فائدة التعدد في فتح أبواب الجنة. وأما التعدد في فتح أبواب الرحمة، فتيسر للإتيان بمقتضياتها، وتوفر المجازاة عنها، والثواب عليها، كما هو المرجو من كرم الله سبحانه وتعالى. * * * ¬

_ (¬1) كما عند مسلم وغيره.

42 - باب في الوضوء بالمد

42 - باب في الوضوء بالمد حدثنا أحمد بن منيع، وعلي بن حجر قالا: أنا إسماعيل بن عليّة، عن أبي ريحانة، عن سفينة: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضَأ بالمدّ، ويغتسل بالصاع (¬1). قال: وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك. قال أبو عيسى: حديث سفينة حديث حسن صحيح. وأبو ريحانة اسمه عبد الله بن مطر. وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد، والغسل بالصاع. وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنّه لا يجوز أكثر منه ولا أقل؛ وهو قدر ما يكفي. * الكلام عليه: أخرجه مسلم (¬2) وابن ماجه (¬3). وأبو ريحانة: عبد الله، ويقال: زياد بن مطر البصري، يقال: مولى بني ثعلبة بن يربوع، سمع أبا عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 83 - 84). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 258) برقم 52 - 53 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 99) برقم 267 باب ما جاء في مقدار الماء للوضوء والغسل من الجنابة. (¬4) الجرح والتعديل (5/ 168) برقم 779 وتهذيب الكمال (16/ 146 - 149) برقم 3575 وتهذيب التهذيب (2/ 434).

وصحب أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. روى عنه أبو بكر وهيب بن خالد البصري (¬1)، وأبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة الأسدي. ذكره أبو أحمد الحاكم، وقال البُخاريّ: اسمه عبد الله، ويقال: زياد، قال: والأول أصحّ (¬2). قال يَحْيَى بن معين: هو صالح (¬3). وقال ابن عديّ: لا أعرف له حديثًا منكرًا (¬4). وقال النَّسائيّ: ليس بالقويّ (¬5). وروي له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه. حديث عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد". أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (¬6)، وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" (¬7)، وأبو داود (¬8)، والنَّسائيُّ (¬9)، وابن ماجه (¬10). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير (5/ 198) برقم 624 ط دار الكتب العلمية. (¬2) الجرح والتعديل (5/ 119) برقم 779. (¬3) الكامل (4/ 1567) ط دار الفكر ولفظه: ولا أعرف له منكرًا فأذكره. (¬4) الضعفاء والمتروكون (254) برقم 659 ط دار المعرفة. (¬5) انظر تهذيب الكمال (16/ 148) برقم 3575. (¬6) المسند (6/ 249). (¬7) المصنف (1/ 66). (¬8) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 92 باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (¬9) في سننه كتاب المياه (1/ 197) برقم 345 - 346 باب القدر الذي يكفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل. (¬10) في سننه كتاب الطهارة (1/ 99) برقم 268 باب ما جاء في مقدار الماء للوضوء والغسل من الجنابة.

وحديث جابر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬1)، وأبو داود (¬2) السجستاني، وهو عندهما من حديث يزيد بن أبي زياد الكوفيّ، وهو ضعيف (¬3). وذكره ابن السكن: ثنا عبد الله بن سليمان: ثنا هارون بن إسحاق: ثنا ابن فضيل، عن حصين (¬4). وآخر ذكره عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجزئ من الوضوء المدّ، ومن الجنابة الصاع" (¬5). قال ابن القطان، صحيح على مذهب أبي محمد -يعني: عبد الحق- في قبول روايات أبي بكر بن أبي داود -ثقة حافظ، وإن كان مُسَّ بجرحٍ يسير فلا يضره- وأظن الرجل المقرون بحصين هو يزيد بن أبي زياد (¬6). وحديث أنس بن مالك أخرجه البُخاريّ (¬7) ومسلم (¬8) من حديث عبد الله بن جبير، عنه، عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أنه قال: "يكفي أحدكم مدّ ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 65). (¬2) في سننه كتاب الطهارة برقم 93 باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (¬3) ضعفه شعبة وأحمد بن حنبل وابن معين وعبد الله بن المبارك وغيرهم، انظر تهذيب الكمال (32/ 135 - 140) برقم 6991. (¬4) ولم أقف عليه ولا على من عزاه إليه. (¬5) المصنف لابن أبي شيبة (1/ 65). (¬6) بيان الوهم والإيهام (5/ 270) وانظر (5/ 33، 35). قلت: وفي هامش نسخة ابن العجمي: قلت له: ... به أبي بكر بن أبي داود ... عليه أبو بكر بن خزيمة إمام الأئمة، فأخرجه في "صحيحه" عن هارون بن إسحاق. وكذا أخرجه الحاكم في "المستدرك" من طريق مطين عن هارون. اهـ. انظر: "صحيح ابن خزيمة" (117) و"المستدرك" (1/ 161) قال الحافظ في "الإتحاف" (2654): رواه ابن السكن في "صحيحه" عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن هارون بن إسحاق به. ولم يسم يزيد بن أبي زياد، بل كنى عنه (بآخر). وصححه ابن القطان، وقال: هو في "صحيح مسلم" من فعله - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله. والله أعلم. واعترض ذلك محقق "الإتحاف" بأن الذي أخرجه عن جابر أبو داود. وأنه عند مسلم من حديث سفينة وأنس. (¬7) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 85) برقم 201 باب الوضوء بالمد. (¬8) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 285) برقم 325 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.

من الوضوء". رواه الإمام أحمد (¬1). وعند أبي (¬2) داود أيضًا من حديث عبد الله بن جبر، عن أنس قال: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع". وفي رواية قال: "يتوضّأ بمكوك". أخرجه النَّسائيّ (¬3). ولفظه: "كان رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكوك". وفي رواية: مكاكي. وفي الباب ممَّا لم يذكره عن زينب بنت أبي سلمة، وأبي أمامة، وأم عمارة، وابن عمر، وعبد الله بن زيد، وأبي أمامة، وابن عباس. وحديث ابن عباس عند الطّبرانيّ (¬4) في "معجمه الكبير" من حديث ابن جريج، عن عمرو، عن عكرمة، قال: سأل رجل ابن عباس: ما يكفي من الغسل؟ قال: صاع، ومدّ للوضوء. قال الرجل: ما يكفيني! فقال: لا أمَّ لك، فيكفي من هو خير منك، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه عن مطيّن، عن أبي كريب، عن محمد (¬5) بن حماد بن حوار، عنه. أما حديث زينب بنت أبي سلمة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه كان يتوضّأ بالكوب -وهو المكوك-، ويغتسل بالفرق -وهو الصاع.". رواه أحمد الفرضي من حديث إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر الهذلي، عن زينب (¬6). ¬

_ (¬1) المسند (3/ 264) وفيه جبير بن عبد الله بدل عبد الله بن جبر والصّواب عبد الله بن عبد الله بن جبر كما ذكر ذلك الحافظان المزي في تحفة الأشراف (1/ 259) وابن حجر في أطراف مسند الإمام أحمد (1/ 343) برقم 404 ورقم 667 وفيه ورد على الصواب وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه من مقلوب الأسماء في بحث ممتع (2/ 367 - 368). (¬2) في سننه كتاب الطهارة برقم 95 باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 61) برقم 73 باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء. (¬4) المعجم الكبير (11/ 251) برقم 11646. (¬5) في المعجم: أحمد بن حماد بن خوار. (¬6) لم أقف عليه.

وأمَّا حديث أبي أمامة؛ فرواه الطّبرانيّ في "معجمه (¬1) الكبير"، من حديث أبي طالب (¬2)، عن أبي أمامة: "أن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - توضأ بنصف مدّ". وأمَّا حديث أمِّ عمارة وهي نسيبة بنت كعب الأنصاري: "أن النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - توضّأ فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المدّ. فرواه أبو (¬3) داود، وأخرجه النَّسائيّ (¬4)، وفيه قال شعبة: فاحفظ أنَّه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ومسح أذُنيه باطنهما، ولا أحفظ أنَّه مسح ظاهرهما. وحديث ابن عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "الغسل صاع، والوضوء مدّ" (¬5). هو عند عبد الحق من طريق أبي أحمد، وضعّفه لنكارة رواية حكيم بن نافع. وحديث عبد الله بن زيد؛ روى البيهقي من حديث أبي خالد الأحمر: ثنا شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن ابن زيد الأنصاري: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ بنحو من ثلثي المدّ" (¬6). قال: وكذلك رواه معاذ بن معاذ، عن شعبة، وكذلك رواه يَحْيَى بن زكريا بن أبي زائدة. ورواه غندر عن شعبة بن حبيب، عن عباد، عن أم عمارة. قال أبو زرعة: هو الصَّحيح عندي. وحديث أبي أُمامة (¬7): أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَأ بنصف مدّ رواه ابن عديّ من طريق الصلت بن دينار، ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (8/ 334) برقم 8071. (¬2) في المعجم عن أبي غالب. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 94 باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 61) برقم 74 باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء. (¬5) الأحكام الوسطى (1/ 195). (¬6) السنن الكبرى (1/ 195 - 196). (¬7) الكامل (4/ 1398) ط دار الفكر.

وضعّفه به (¬1). الصاع: مكيال أهل المدينة معلوم، وهو أربعة أمداد بمدّ النبي - صَلَّى الله عليه وسلم -، وذلك خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. هذا قول أهل الحجاز وهو الصَّحيح. والمدّ: رطل وثلث، قيل: سمَي مدًّا لأنَّه يملأ كفيّ الإنسان إذا مدّهما طعامًا. وقال أهل العراق: إن الصاع ثمانية أرطال. والمدّ: رطلين. والمكّوك: بفتح الميم الأولى، وضمّ الكاف الأولى وتشديدها، وجمعه مكاكيك، ومكاكي. وهو كيل مع صاعًا ونصف صاع من صاع النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -. قاله القاضي عياض (¬2). وقال الشَّيخ محيي الدين رحمه الله في الكلام على: "حديث يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكوك" (¬3)؛ قال: ولعل المراد بالمكوك هنا المدّ، كما قال في الرّواية الأخرى: يتوضّأ بالمدِّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ولا أدري من أين هذا له، فقد أجمعوا على أن الماء الذي يجزي في الوضوء والغسل غير مقدّر بمقدار معيّن لا يتعدّاه، بل يكفي فيه القليل والكثير، إذا وجد شرط الغسل (¬4)، وهو عند ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: قلت: وفيه أيضًا عن عقيل بن أبي طالب وابن مسعود، وأم سلمة. فحديث عقيل رواه ابن ماجه بلفظ: "يجزيء من الوضوء مد ومن الغسل صاع". وحديث ابن مسعود؛ رواه البزار بنحو حديث قبله لابن عباس: أنَّه كان يتوضّأ بالمد ويغتسل بالصاع. وحديث أم سلمة رواه الطّبرانيّ في "الأوسط" و "الكبير" أيضًا بلفظ حديث ابن عباس المذكور. اهـ. انظر "الصحيحة" (1991، 2447)، "مجمع الزوائد" (1/ 219). (¬2) مشارق الأنوار (1/ 379). (¬3) شرح صحيح مسلم (4/ 232 - 233) ط دار المعرفة تحت باب ما يكفي من الماء في الغسل والوضوء من كتاب الحيض. (¬4) شرح صحيح مسلم (4/ 232 - 233) ط دار المعرفة.

أصحابنا جريان الماء على الأعضاء (¬1). قال الشَّافعي (¬2) رحمه الله: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي. قال العلماء (¬3): والمستحبّ أن لا ينقص في الغسل من صاع، ولا في الوضوء من مدّ. والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي (¬4). والمد رطل وثلث، وذلك على التقريب لا على التحديد، وإذا كان كذلك فليكن كل من المدّ والصاع والمكوك محمولًا على موضوعه اللغوي المفسر به عند أهل العلم، ولم تدع ضرورة إلى إخراجه عن موضوعه بتأويل قريب ولا بعيد، بل كانت طرقًا متعددة من الوضوء والاغتسال بمقادير مختلفة من الماء، يتبيّن من مجموعها أن لا حدّ في ذلك على سبيل الجزم، أو تكون محدودة بالأقل تارة، والأكثر تارة لبيان الجواز، وقد قال الشَّافعي وغيره من العلماء الجمع بين هذه الروايات أنّها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله، وأقله، فدلَّ على أنَّه لا حدَّ في قدر ماء الطهارة؛ يجب استيفاؤه. وذكر ابن أبي شيبة: ثنا ابن عيينة عن الزُّهريّ، عن عروة، عن حفصة (¬5) قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من الفرق -وهو القَدَح-" (¬6). قال: ثنا حسين بن عليّ، عن زائدة، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 165 بهامش المجموع). (¬2) الأم (1/ 84) ط دار الكتب العلمية تحت باب قدر الماء الذي يتوضّأ به. (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصنف (1/ 65). (¬5) لعله سبق قلم والصّواب عائشة. (¬6) المصنف (1/ 66).

يقال: يكفي الرجل لغسله ربعُ الفرق. حدَّثنا وكيع، عن مسعر، عن عطيّة قال: رأيت عمر توضأ من كوز، وأفضل منه (¬1). قلت (¬2): يكون مدًّا؟ قال: وأفضل. وروي عن ابن عيينة (¬3)، عن عبد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: يجزي الصاع للجنب. فقال عبد الله: لا أدري قبل الوضوء أو بعده. * * * ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 66). (¬2) أي ابن أبي شيبة. (¬3) المصنف (1/ 65 - 66).

43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء ثنا محمد بن بشار: ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ: ثنا خارجة بن مصعب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عُتَيّ بن ضمرة السعديّ، عن أبيّ بن كعب، عن النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاتقوا وساوس الماء" (¬1). قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مغفل (¬2). قال أبو عيسى: حديث أبيّ بن كعب حديث غريب، وليس إسناده بالقويِّ عند أهل الحديث لأنَّا لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة. وقد روى هذا الحديث عن الحسن من غير وجه. قوله: ولا يصحّ في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. وخارجة ليس بالقويّ عند أصحابنا، وضعَّفه ابن المبارك. * الكلام عليه: الحديث غريب لانفراد خارجة برفعه، وليس ممن يحتمل تفرّده، فهو ضعيف عندهم. وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل (¬3)، وابن ماجه (¬4)، وابن خزيمة من طريق خارجة في صحيحه (¬5)، ولا أدري كيف دخل هذا في الصَّحيح. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 84 - 86). (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 375) برقم 1716 وتهذيب الكمال (8/ 16 - 23) برقم 1592 وتهذيب التهذيب (1/ 512 - 513). (¬3) المسند (5/ 136). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 146) برقم 421 باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه. (¬5) في صحيحه (1/ 63 - 64).

وقد رواه البيهقي (¬1) وقال: وهذا الحديث معلول به، وبه الثوري عن بيان (¬2)، عن الحسن: بعضه من قوله غير مرفوع، وباقيه عن يونس بن عبيد من قوله: غير مرفوع، وذكر ذلك بأسانيده (¬3). وخارجة يكنى أبا الحجاج السرخسي الضبعي، يروي عن زيد بن أسلم، وشعبة، ويونس (¬4). قال يَحْيَى: ليس بثقة، وقال مرَّة ليس بشيء. وقال أحمد لابنه: لا تكتب عنه! وقال ابن المبارك والدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبّان: لا يحل الاحتجاج بخبره. وقال الأزدي: متروك. وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (¬5): أنّه سمع أباه، وذكر حديثًا رواه خارجة بن مصعب، وذكر هذا الحديث فقال: هكذا رواه خارجة، وأخطأ فيه (¬6). ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 197). (¬2) في السنن برواية الثوري عن بيان. (¬3) تاريخ الدُّوريِّ (2/ 142) برقم 1276. (¬4) سؤالات ابن الجنيد (111) برقم 250 وتاريخ الدُّوريِّ (2/ 142) برقم 1188. (¬5) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (2/ 318) برقم 2409. (¬6) انظر الكامل لابن عدي (3/ 922) نقلًا عن البُخاريّ وفيه تركه ابن المبارك ووكيع، وليس في التاريخ الكبير (3/ 205) برقم 702 وكذا التاريخ الأوسط (2/ 143) إلَّا: تركه وكيع دون ابن المبارك وكذلك الضعفاء للبخاري (44) برقم 108 ليس فيه إلَّا قوله: تركه وكيع، تبع ابن عدي المزي في تهذيب الكمال (8/ 20) وابن حجر في تهذيب التهذيب (1/ 512) وكذا الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 403) برقم 2815 ونقل هذا القول عن ابن المبارك يعقوب بن شيبة قاله ابن مغلطاي، انظر تهذيب الكمال (8/ 22 الحاشية) وعنه نقله الحافظ ابن حجر في التهذيب (1/ 513).

ورواه الثوري عن يونس عن الحسن قوله (¬1). ورواه غير الثوري عن يونس (¬2)، عن الحسن: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... مرسل (¬3). قال ابن أبي حاتم (¬4): وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث فقال: رفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منكر. وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه ابن ماجه من حديث ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: "أنّ رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - مرّ بسعد وهو يتوضّأ، فقال: ما هذا السرف؟ قال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار" (¬5). رواه عن محمد بن يَحْيَى، عن قتيبة، عن ابن لهيعة. وقد تقدَّم ذكر ابن لهيعة. وحديث عبد الله بن مغفل أخرجه أبو داود (¬6) من طريق حماد عن سعيد الجريري، عن أبي نعامة: أنّ عبد الله بن مغفل، سمع ابنه يقول (¬7): اللهمّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: أي بني، سل الله الجنّة، ¬

_ (¬1) الضعفاء والمتروكون (201) برقم 204 وانظر السنن له (1/ 351) برقم 7. (¬2) المجروحون (1/ 288). (¬3) لم أقف عليه ثم وقفت عليه فكدت أن أموت فرحًا انظر الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1/ 243) برقم 1048. (¬4) العلل (1/ 53). (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 426 باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 96 باب الإسراف في الماء. (¬7) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 102) برقم 580 وتهذيب الكمال (24/ 70 - 72) برقم 4913 وتهذيب التهذيب (3/ 451).

وتعوّذ به من النَّار، فإنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنّه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء". أبو نعامة: قيس بن عباية الحنفي البصري (¬1)، قال: ابن أبي خيثمة: سألت يَحْيَى بن معين عنه فقال: ثقة، وأخرجه ابن ماجه (¬2)، مقتصرًا منه على الدعاء. وفي الباب ممَّا لم يذكره التِّرمذيُّ عن ابن عمر، وابن عباس، وعمران بن الحصين. أما حديث ابن عباس، فروى ابن ماجه (¬3) أيضًا من حديث بقيّة، عن محمد بن الفضل (¬4)، عن أبيه، عن سالم، عن ابن عمر قال: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يتوضّأ فقال: لا تسرف" (¬5). رواه أبو أحمد بن عديّ من حديث بقيّة (¬6)، عن محمد بن الفضل، عن أبيه، عن عطاء (¬7)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان يتعوّذ بالله من وسوسة الوضوء". فخالف هذه الرّواية في الإسناد واللفظ. ومحمد بن الفضل بن عطيّة؛ قال أحمد: ليس حديثه حديث أهل الكذب. وكان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه. ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (7/ 102) بزيادة بصري. (¬2) في سننه كتاب الدعاء (2/ 1271) برقم 3864 باب كراهة الاعتداء في الدعاء. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 424 باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه. (¬4) الكامل (6/ 2174) تحت ترجمة محمد بن الفضل بن عطية. (¬5) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (2/ 549) برقم 3601. (¬6) الكامل لابن عدي (6/ 2174). (¬7) تاريخ الخطيب (3/ 151) والضعفاء للعقيلي (4/ 121).

وقال يَحْيَى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وقال مرَّة: كان كذابًا. وكذلك قال السعدي (¬1)، وعمرو (¬2) بن علي، ويحيى (¬3) بن الضريس. وقال النَّسائيّ (¬4): متروك الحديث. وكذا قال الإمام (¬5) مسلم في الكنى. وقال ابن (¬6) حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلَّا على سبيل الاعتبار. وقال الدارقطني (¬7): ضعيف. وأمّا حديث عمران فروى البيهقي (¬8) من حديث سليمان التَّيميّ، عن العلاء بن الشِّخِّير عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "اتقوا وسواس الماء؛ فإن للماء وسواسًا وشيطانًا" وضعَّف إسناده. وروى ابن (¬9) أبي شيبة، عن قطن بن عبد الله، عن أبي غالب قال: "رأيت أبا أمامة توضأ بكوز ماء". وعن جابر بن سمرة (¬10) نحوه. ¬

_ (¬1) أحوال الرجال (342) برقم 377 ط الباكستانية. (¬2) الجرح والتعديل (8/ 57). (¬3) المصدر السابق. (¬4) الضعفاء والمتروكون (234) برقم 542 ط دار المعرفة. (¬5) الكنى والأسماء (1/ 499) برقم 1951. (¬6) المجروحون (2/ 278). (¬7) الضعفاء والمتروكون (349) برقم 482 ط المعارف. (¬8) السنن الكبرى (1/ 197). (¬9) المصنف (1/ 66). (¬10) المصدر السابق.

وروى ابن (1) أبي شيبة أيضًا، عن يزيد، أنا العوام، عمّن أخبره، عن أبي الدرداء قال: "اقصدْ في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر". وروى عن وكيع، عن شريك، عن خالد بن زيد قال: رأيت ابن عمر يتوضّأ فكان يسنّ الماء على وجهه سنًّا (1). وعن أبي الأحوص، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله الماء على أثر الماء، وليس بعد الثلاث شيء (1). قال: حدَّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن محمد بن أبي حفص، عن السدّي، عن البهيّ، عن عائشة: "أنّ النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - توضّأ بكوز" (¬1). حدَّثنا وكيع قال: ثنا شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن ابن جبير، عن أنس: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توضّأ برطلين من ماء (¬2). قال الشَّيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: وأجمع العلماء على النَّهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ البحر، والأظهر أنّه مكروه كراهة تنزيه (¬3). وقال بعض أصحابنا الإسراف حرام. * * * ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 67). (¬2) المصنف (1/ 67). (¬3) شرح مسلم (4/ 227) كتاب الحيض تحت تحت باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.

44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة ثنا محمد بن حميد الرازي: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن حميد عن أنس: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة طاهرًا أو غير طاهر قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كُنَّا نتوضأ وضوءًا واحدًا. قال أبو عيسى: حديث أنس غريب. والمشهور عند أهل الحديثِ حديثُ عمرو بن عامر عن أنس. وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحبابًا لا على الوجوب. حدَّثنا محمد بن بشار: ثنا يَحْيَى بن سعيد، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، قالا: ثنا سفيان بن سعيد، عن عمرو بن عامر الأنصاري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ عند كل صلاة" قلت: فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال: كُنَّا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث. قال: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي عن ابن عمر، عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات". قال: روى هذا الحديث الإفريقي، عن أبي غطيف، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حدَّثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي: ثنا محمد بن يزيد الواسطيِّ، عن الإفريقي. وهو إسناد ضعيف (¬1). قال عليّ: قال يَحْيَى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة إسناد هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 86 - 87).

* الكلام عليه: حديث حميد، عن أنس هذا استغربه التِّرمذيُّ، وانفرد بإخراجه عن أصحاب الكتب الستة، وذكر في كتاب "العلل" (¬1) أنَّه سأل البُخاريّ عنه فقال (¬2): لا أدري ما سلمة هذا، كان إسحاق يتكلَّم فيه، ما أروي عنه، ولم يُعرف محمد هذا من حديث حميد (¬3). وسلمة هذا هو ابن الفضل أبو عبد الله الأبرش الأنصاري، قاضي الرّي، يروي عن ابن إسحاق المغازي، ضعفه ابن راهويه والنَّسائيُّ (¬4). وقال عليّ: رمينا حديثه (¬5). وقال البُخاريّ: عنده مناكير (¬6). وحديث عمرو بن عامر الذي أشار إليه ثم ذكره بإسناده وصححه (¬7). أخرجه البُخاريّ (¬8)، وأبو داود (¬9)، والنَّسائيُّ (¬10)، وابن ماجه (¬11). ¬

_ (¬1) العلل الكبير (1/ 128). (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 168) برقم 739 وتهذيب الكمال (11/ 305) برقم 2464 وتهذيب التهذيب (2/ 76). (¬3) التاريخ الصَّغير للبخاري (2/ 268) ط دار الوعي بحلب تحقيق محمود إبراهيم زايد. (¬4) الضعفاء والمتروكون (184) برقم 241 ط دار المعرفة. (¬5) التاريخ الصَّغير للبخاري (2/ 268). (¬6) التاريخ الكبير (4/ 84) برقم 2044. (¬7) الجامع (1/ 88) وقال حسن صحيح. (¬8) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 89) برقم 214 باب الوضوء من غير حدث. (¬9) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 171 باب الرجل يصلِّي الصلوات بوضوء واحد. (¬10) في سننه كتاب الطهارة (1/ 91 - 92) برقم 131 باب الوضوء لكل صلاة. (¬11) في سننه كتاب الطهارة (1/ 170) يرقم 509 باب الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد.

وذكر حديث ابن عمر من طريق الإفريقي، وضعّفه (¬1)، وهو عند أبي داود (¬2) وابن ماجه (¬3). وذكر التِّرمذيُّ في كتاب "العلل" (¬4) قال: ورأيت محمدًا يثني على الإفريقي خيرًا ويقوّي أمره. يعني عبد الرحمن بن زياد. وحديثُ الإفريقي هذا عند ابن ماجه (¬5) من طريقه عن أبي غطيف، عن ابن عمر، أتمّ من هذا. قال أبو غطيف: سمعت ابن عمر في مجلسه في المسجد، فلمَّا حضرت العصر قام فتوضأ ثم صَلَّى، ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت المغرب قام فتوضّأ ثم صَلَّى المغرب، ثم عاد إلى مجلسه؛ فقلت: أصلحك الله! أفريضة أم سنة؟ الوضوء عند كل صلاة؟ قال: أوَ فطنت إليّ، وإلى هذا منّي؟ فقلت: نعم. فقال: لا، لو توضأت لصلاة الصبح لصلّيت به الصلوات كلّها ما لم أحدث. ولكنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضّأ على طهر فله عشر حسنات"، وإنّما رغب في الحسنات. ذكر أبو (¬6) بكر الحازمي من حديث علقمة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنّه كان يتوضأ لكلّ صلاة". ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 87). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 62 باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 170 - 171) برقم 512 باب الوضوء على طهارة. (¬4) العلل الكبير (1/ 128). (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 170 - 171) برقم 512 باب الوضوء على طهارة. (¬6) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (109 - 111) باب تجديد الوضوء لكل صلاة ط المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، وانظر شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 41 - 42) ط المصرية تحقيق محمد سيد جاد الحق.

وقال: قال أبو جعفر الطحاوي: فذهب قوم إلى أنّ الحاضرين يجب عليهم أن يتوضؤوا لكل صلاة. واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك أكثر العلماء، فقالوا: لا يجب الوضوء، إلَّا من حدث. وما روي عن النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - محمول على التماس الفضل، لا على الوجوب، ويحتمل أن يكون ممَّا خصّ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دون أمَته (¬1)، واستدل على ذلك بحديث أنس الذي ذكرناه آنفًا من طريق عمرو بن عامر وحميد. قال الطحاوي: فهذا أنس قد علم ما ذكرنا من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَر ذلك فرضًا على غيره، قال: وقد يجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك وهو واجب، ثم نسخ (1)، وذكر في ذلك ما يأتي ذكره في الباب بعد هذا. ومن يذهب إلى تجديد الوضوء لكلّ صلاة يتمسَّك بظاهر قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (2) الآية. وقد اختلف في هذا الأمر (¬2)، هل هو مخصوص لمن كان على غير طهارة فذهب قوم إلى أنَّه مخصوص بمن كان على غير طهارة، واختلفوا بعد ذلك في تأويل الآية. ¬

_ (¬1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (109 - 111) باب تجديد الوضوء لكل صلاة ط المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، وانظر شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 41 - 42) ط المصرية تحقيق محمد سيد جاد الحق. (¬2) انظر أحكام القرآن للجصاص (2/ 328 - 331) ط دار الكتاب العربي لبنان وأحكام القرآن للشافعي (45) دار الكتب العلمية ونيل المرام من تفسير آيات الأحكام لصديق ابن حسن خان 2/ 443 - 446) ط رمادي للنشر وأحكام القرآن للكيا الهرّاسي (3/ 31) ط دار الكتب العلمية وأحكام القرآن لابن العربي المالكي (2/ 557 - 561) الطبعة المصرية، تفسير الطبري (10/ 7 - 22) ط دار المعارف بمصر.

فقيل: المأمورون بذلك المحدثون خاصة كأنه تعالى قال: إذا قمتم إلى الصَّلاة وقد أحدثتم وإلى هذا ذهب الشَّافعي (¬1). وقيل: المأمورون بذلك القائمون من النوم، والمعنى: إذا قمتم إلى الصَّلاة وقد نمتم، وهو مذهب زيد (¬2) بن أسلم وأهل المدينة. وقد اختلف العلماء في النوم هل هو حدث أو سبب للحدث، كما يأتي في باب الوضوء من النوم إن شاء الله تعالى. والذين ذهبوا إلى أن الأمر بالوضوء عام لمن أحدث، ولمن لم يحدث اختلفوا هل ذلك الأمر محمول على الإيجاب (¬3) أو الندب (¬4). فذهب جماعة إلى أنَّه أمر ندب، فلم يوجبوا الوضوء على من قام إلى الصَّلاة، وهو على وضوء، وأوجبوه على من قام إلى الصَّلاة وهو على غير وضوء، بدليل من خارج، وذهب جماعة إلى أن الأمر في الآية أمر إيجاب، وقالوا: فيجب على كل من قام إلى الصَّلاة الوضوء محدثًا كان أو غير محدث. ثم اختلف هؤلاء هل ذلك الأمر محكم أو منسوخ، فذهب جماعة إلى أنّه محكم، وأوجبوا الوضوء على كل قائم إلى الصَّلاة. يحكى ذلك عن ابن (¬5) سيرين، ¬

_ (¬1) أحكام القرآن للشافعي (45) وانظر الأم (1/ 10 - 11). (¬2) تفسير ابن جرير (10/ 12) والأثر رواه مالك في الموطأ (1/ 21) برقم 10. (¬3) وبه قال داود الظاهري، انظر نيل المرام (2/ 443). (¬4) وبه قال جمهور أهل العلم، انظر نيل المرام (2/ 446) وهو الذي رجحه ابن جرير في تفسيره (10/ 19). (¬5) أخرجه ابن جرير في تفسيره (10/ 13) برقم 11324 وإسناده ضعيف ابن سيرين لم يرو عن أحد من الخلفاء الراشدين الأربعة ولم يدرك أحدًا منهم.

وعكرمة (¬1)، وعبيد بن عمير. وحمل قوم مذهب عليّ بن أبي طالب على هذا. وذكر أبو (¬2) بكر بن أبي شيبة: ثنا يَحْيَى بن سعيد، عن مسعود بن علي، عن عكرمة قال: قال سعد: إذا توضّأت فصلِّي بوضوءك ما لم تحدث. وقال عليّ (¬3): إذا قمتم إلى الصَّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم. حدَّثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: كانت الخلفاء تتوضّأ لكلّ صلاة (4). حدَّثنا يزيد بن هارون قال: ثنا حماد بن زيد، عن هشام بن حسَّان، عن محمد قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان فيما يعلم أبو خالد: يتوضؤون لكلّ صلاة، فإذا كانوا في المسجد دعوا بالطست (¬4). ولد نقل عن عمر غير هذا كما سنذكر. وذهب جماعة إلى أن الأمر بذلك منسوخ وسيأتي. * * * ¬

_ (¬1) ضعيف أخرجه ابن جرير في تفسيره (10/ 12) برقم 11323 والدارمي (1/ 175) من طريق مسعود بن علي الشيباني قال: سمعت عكرمة يقول: كان علي رضي الله عنه يتوضّأ عند كل صلاة. وهذا إسناد ضعيف بسبب الانقطاع بين مسعود الشيباني وعكرمة، قال البُخاريّ في التاريخ الكبير (7/ 423) برقم 1852: "مسعود بن علي سمع من عكرمة، مرسل، روى عنه يَحْيَى القطان، وقال: لم يكن به بأس". (¬2) المصنف (1/ 28). (¬3) المصنف (1/ 29). (¬4) المصدر السابق.

45 - باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد

45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد حدَّثنا محمد بن بشار: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ لكلّ صلاة، فلما كان عام الفتح صَلَّى الصلوات كلّها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: إنّك فعلت شيئًا لم تكن فعلته؟ قال: عمدًا فعلته". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وروى هذا الحديث علي بن قادم، عن سفيان الثوري، وزاد فيه: توضأ مرَّة مرَّة. قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضًا عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة: "أنّ النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - كان يتوضّأ لكل صلاة". ورواه وكيع عن سفيان، عن محارب، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: وروى عبد الرحمن بن مهدي وغيرُه، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة، عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - مرسلٌ. وهذا أصحُّ من حديثِ وكيع، والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ، أنَّه يُصلِّي الصلوات بوضوء واحد ما لم يُحدثُ، وكان بعضُهم يتوضّأ لكل صلاة استحبابًا، وإرادةَ الفضلِ. ويُروى عن الإفريقي، عن أبي غُطيف، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "من توضأَ على طُهرٍ كتبَ الله له به عشر حسنات". وهذا إسناد ضعيف.

وفي الباب عن جابر بن عبد الله: "أنّ النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - صَلَّى الظهر والعصر بوضوء واحد" (¬1). * الكلام عليه: أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3)، والنَّسائيُّ (¬4)، وابن (¬5) ماجه، وحديث علي بن قادم عن سفيان الذي أشار إليه تقدَّم من طريق البزّار في باب الوضوء مرَّة مرَّة. وحديث وكيع عن سفيان أخرجه أبو (¬6) بكر بن أبي شيبة، عنه في مصنفه كما ذكره. وأمّا المرسل الذي أشار إليه من طريق ابن مهدي، وقد ساقه هو من طريقه مسندًا عن محمد بن بشار، عنه. ومحمد بن بشار ثقة، ورفعه إياه حجة، وزيادة من ثقة، فالأخذ به أولى، كما ذكره هو الذي يقتضيه النظر، إلَّا أنّه ذكر ابن (¬7) أبي حاتم. سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو نعيم، عن سفيان، عن محارب، عن سليمان بن بريدة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنّه صَلَّى خمس صلوات بوضوء واحد". رواه وكيع، عن سفيان، عن محارب، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: حديثٌ أبي نعيم أصح. فاتَّفقَ كلاهما على ترجيحِ مرسلِ حديث محارب بن دثار، وعلى مسنده، ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 89 - 91). (¬2) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 232) برقم 277 باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 172 باب الرجل يصلِّي بوضوء واحد. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 92) برقم 133 باب الوضوء لكل صلاة. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 170) برقم 510 باب الوضوء لكل صلاة. (¬6) المصنف (1/ 29). (¬7) العلل (1/ 58 - 59) برقم 152.

وليس حديث محارب بالمختلف فيه. وحديث الإفريقي تقدَّم تعليلُه في الباب قبل هذا. وحديث جابر رواه ابن (¬1) ماجه، عن إسماعيل بن توبة، عن زياد بن عبد الله، عن الفضل بن مبشر قال: رأيتُ جابرَ بنَ عبدِ الله يُصلِّي الصلوات بوضوء واحد. فقلتُ: ما هذا؟ فقال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعُ هذا، فأنا أصنعُ كما صنعَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وفي الباب ممّا لم يذكره حديث سويد بن النُّعمان رواه البُخاريّ (¬2)، وسيأتي طرف منه، وتقدّم في الباب قبل هذا، عن أبي (¬3) بكر الحازمي: أنّه ذكر الخبر السابق ناسخًا، ولم يذكر هناك وهو حديث بريدة هذا، وقال أيضًا: أخبرني أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الخطيب، الطَّريق: ثنا يَحْيَى بن عبد الوهاب، العبدي: ثنا محمد بن أحمد الكاتب: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر: ثنا عبد الله بن محمد الرازي: ثنا أبو زرعة، ثنا عبيد بن يعيش: ثنا يونس بن بكير: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يَحْيَى بن حبان: قال: قلت لعبد الله بن عبد الله بن عمر: أرأيت وضوءين لكلّ صلاة طاهرًا أو غير طاهر؛ عمَّا هو؟ قال: أخبرته أسماء بنت زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن حنظلة: "أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر الوضوء عند كل صلاة طاهرًا أو غير طاهر" هكذا رواه مختصرًا. ورواه أحمد بن خالد، عن ابن إسحاق، عن محمد بن يَحْيَى بن حبّان، عن عبد الله بن عمر قال: قلت له: أرأيت توضأ ابن عمر لكلّ صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 170) برقم 511 باب الوضوء لكل صلاة. (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 89) برقم 215 باب الوضوء من غير حدث. (¬3) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (109) ط مصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز.

قال: حديث أسماء بنت زيد بن الخطاب: أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدَّثنا: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلمَّا شقّ ذلك عليه أمر بالسواك لكلّ صلاة". فكان ابن عمر يرى أنّ به قوة على ذلك، فكان لا يدع الوضوء لكلّ صلاة. وهو حديث حسن على شرط أبي داود. أخرجه في كتابه عن محمد بن عوف الطَّائي الحمصي، عن أحمد بن خالد، عن محمد بن إسحاق (¬1). أخبرنا بذلك أبو القاسم عبيد بن محمد بن عباس الحافظ، عن أبي الكارم عبد الله بن الحسن بن منصور الشَّافعي سماعًا عنه. قال الشَّيخ محيي الدين رحمه الله في هذا الحديث أنواع من العلم منها: جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتدَّ به (¬2). قال (¬3): وحكى أبو جعفر الطحاوي، وأبو الحسن بن بطال في شرح البُخاريّ عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة، وإن كان متطهّرًا، واحتجوا بقول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية. وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلّهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة. قلت: قد ذكرنا من رأى ذلك على سبيل الوجوب، ومن رآه على سبيل الاستحباب في الباب قبل هذا. ¬

_ (¬1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (111 - 112). (¬2) شرح صحيح مسلم (3/ 168 - 169). (¬3) القائل هو ابن سيد النَّاس.

قال: ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة فذكر حديث بريدة وأنس المتقدّمين، وحديث سويد بن النُّعمان في "صحيح البُخاريّ": "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى العصر ثمّ أكل سويقًا، ثم صَلَّى المغرب، ولم يتوضّأ". وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلواتِ الفائتاتِ يومَ الخندقِ، وغيره ذلك. فأمَّا الآية؛ فالمراد بها واللهُ أعلم: إذا قمتم مُحدِثينَ، وقيل منسوخة بفعلِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهذا القولُ ضعيف (¬1). قوله: وأمّا الآية فالمراد بها: إذا قمتم محدثين، قد تقدَّم هذا عن الشَّافعي فيما حكيناه عنه في الباب قبل هذا. وقال غيره: إذا قمتم من النوم، وحكيناه عن زيد بن أسلم. وإليه ذهب السدّي (¬2). قال أبو (¬3) عمر: وروى عن عمر وعليّ ما يدل على أنّ الآية عني بها تجديد الوضوء في وقت كل صلاة إذا قام المرء إليها، رواه أنس عن عمر، وعكرمة عن علي، وعن ابن سيرين مثل ذلك. قال أبو عمر: وهذا معناه أن يكون الوضوء على المحدث إذا قام إلى الصَّلاة واجبًا، وعلى غير المحدث ندبًا وفضلًا. وروي عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وجابر بن عبد الله، وعبيدة السلماني وأبي العالية وسعيد بن المسيَّب والحسن والأسود بن يزيد ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 168 - 169). (¬2) أخرجه ابن جرير في تفسيره (10/ 12) برقم 11321 ط المصرية تحقيق أحمد محمد شاكر، محمود محمد شاكر. (¬3) فتح البر (3/ 303).

وإبراهيم النَّخعيُّ: أنّ الآية عني بها حال القيام إلى الصَّلاة على غير طهور (1). وقال ابن عمر: هو أمر من الله لنبيّه وللمؤمنين ثم نسخ بالتخفيف (¬1). وقول الشَّيخ محيي (2) الدين، وقيل إنّها منسوخة بفعل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وهذا القول ضعيف (¬2)، ولم يبيّن ضعفه، ووجهه أنّ فيه نسخ الكتاب بالسنة، وهو أمر لم يذهب إليه إلَّا القليل من النَّاس (¬3)، إذ الكتاب متواتر والسنة آحاد، وأقل درجات الناسخ أن يكون في رتبة المنسوخ؛ وليس كذلك. ووجه آخر: وهو أنَّ دلالة القرآن هنا قولية، ودلالة السنة فعلية وهي أضعف الدلالتين. وقول عمر رضي الله عنه؛ صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه. فيه دليل على أنّ النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملًا بالأفضل، وصلى في هذا اليوم الصلوات بوضوء واحد بيانًا للجواز، وهو العمد الذي أشار إليه بقوله: "عمدًا فعلته"، وفيه جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد تكون بعمد، والمعنى خفي على المفضول فيحققها ويستفيدها. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) فتح البر (3/ 303). (¬2) شرح صحيح مسلم (3/ 169) ط دار المعرفة. (¬3) ولعلّه يقصد بذلك الظاهرية، إذ نسخ القرآن بالسنة مذهب داود وجل أصحابه وعليه ابن حزم حيث قال في أحكامه (4/ 107): اختلف النَّاس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن وجواز نسخ السنة بالسنة فقالت طائفة لا تنسخ السنة بالقرآن ولا القرآن بالسنة وقالت طائفة جائز كل ذلك والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصَّحيح.

46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد حدَّثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: حدثتني ميمونة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد من الجنابة" (¬1). قال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء: أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد (¬2). وفي الباب عن عليّ، وعائشة، وأنس، وأم هانئ، وأم حبيبة، وأم سلمة، وابن عمر. قال أبو عيسى: أبو الشعثاء اسمه جابر بن زيد. * الكلام عليه: حديث ميمونة هذا صحيح، أخرجه مسلم من حديثها من رواية ابن عباس عنها، من طريق ابن عيينة، قال: ثنا أبو بكر وقتيبة، عن ابنِ عُيينة: فذكره. ورواه البُخاريّ (¬3)، عن أبي نعيم، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر، عن ابن عبَّاس. ثمّ قال: كان ابنُ عيينة أخيرًا يقول: عن ابن عبّاسٍ، عن ميمونة. والصّحيحُ ما رواه أبو نعيم. وحديث عليّ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله يغتسلون من إناء واحد. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 91 - 92). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 322 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬3) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 102) برقم 253 باب الغسل بالصاع ونحوه.

رواه الإمام أحمد (¬1) من حديث الحارث عن عليّ. وحديث عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه من الجنابة". رواه البُخاريّ (¬2)، ومسلم (¬3) وهذا لفظه. وحديث أنس قال: "كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد". رواه البُخاريّ (¬4). وقال (¬5): وزاد وهب ومسلم -يعني: ابن (¬6) إبراهيم-: من الجنابة. وحديث أم هانئ بنت أبي طالب: "أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين". رواه النَّسائيّ (¬7) عن ابن بشار، عن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ. ¬

_ (¬1) في مسنده (1/ 77) ووقع في المطبوع الحارثة وهو تحريف صوابه الحارث وانظر تحفة الأشراف (7/ 355) برقم 10051 وأطراف المسند لابن حجر (4/ 389) برقم 6176. (¬2) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 104) برقم 261 باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 256) برقم 45 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬4) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 104) برقم 264 باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة. (¬5) أي البُخاريّ. (¬6) في البُخاريّ زاد مسلم ووهب عن شعبة من الجنابة. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 149) برقم 240 باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها.

ورواه ابن (¬1) ماجه، عن أبي عامر الأشعري، عن ابن أبي بكر، عن إبراهيم بن نافع، به. وحديث أم صبية الجهنية قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء من إناء واحد. رواه أبو داود (¬2) في الطهارة، عن النفيلي، عن وكيع، عن أسامة بن زيد، عن معروف بن خربوذ، عن أم صبية. ورواه ابن (¬3) ماجه عن دحيم، عن أنس بن عياض، عن أسامة بن زيد، عن أبي النُّعمان سالم بن سَرْج، عن قتيبة. وقال (¬4): سمعت محمدًا يقول: أم صُبْيَة هي: خولة بنت قيس، فذكرت ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 378 باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 78 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة وابن خربوذ الواقع في الإسناد اثنان معروف وسالم بن سرج، قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (4/ 614): وقع في الطهارة من سنن أبي داود حدَّثنا النفيلي (ووقع في جميع نسخ تهذيب التهذيب العقيلي وهو خطأ) حدَّثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن ابن خزبوذ عن أم صبية (ووقع في نسخة عادل مرشد أم حبيبة وفي نسخة مصطفى عبد القادر عطا أم حبيبة وكذا في النسخة الهندية وهو خطأ محض) فذكر ابن عساكر أنَّه معروف بن خزبوذ وتعقبه المزي بأنه وهم من الأوهام وإنَّما هو سالم بن سرج وسرج يعرف بخزبوذ. انظر تحفة الأشراف (13/ 89 - 90) برقم 18333. وقال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (13/ 89 - 90) أم صفية بالفاء والصّواب بالباء الموحدة. وقلت: وهذا ممَّا يدل على أن الخطأ الموجود في نسخ التهذيب إنَّما هو من النساخ أو الطابعين، وانظر أطراف مسند الإمام أحمد (9/ 450) برقم 12693. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 135) برقم 382 باب الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد. (¬4) أي ابن ماجه. - تنبيه: المعروف بالرواية عن أم صبية هو سالم بن سرج لا معروف كما في تهذيب الكمال (10/ 142) برقم 2147 وتهذيب التهذيب (1/ 676) فترجح كونه سالم بن سرج وهو خربوذ ومما يوْكد ذلك أن الراوي عنه أسامة بن زيد المدني وهو من تلاميذ سالم بن سرج لا معروف كما في تهذيب الكمال (10/ 142) وتهذيب التهذيب (1/ 676) ويأتي لابن سيد النَّاس ما يؤكد ذلك وهو قوله أبو النُّعمان سالم بن سرج في هذه الصفحة.

ذلك لأبي زُرْعة، فقال: صدق. قلت: طريق أبي داود على شرط مسلم (¬1). وأبو النُّعمان (¬2): سالم بن سَرْج بالسين المهملة المفتوحة، والراء المهملة الساكنة، وبعدها جيم (¬3). ذكره أبو (¬4) أحمد في "الكنى" وقال: يقال: ابن النُّعمان، ويقال: ابن خربوذ المديني -مولى أم صبية-، عن أم صبية. من قال: سَرْج، عرّبه، ومن قال: خربوذ، أراد به الإكاف بالفارسية. وقال الدارقطني (¬5): وأمَّا سَرْج: فسالم ونافع، أما سرج: يعرف أبوهما بخربوذ، وسالم يكنى: أبا النُّعمان. رويا عن أم صبية، وهي مولاتهم من فوق. وقال يَحْيَى (¬6) بن معين: سالم بن النُّعمان: ثقة، شيخ مشهور. قال عبد الغني: روي له ابن ماجه (¬7)، ومعروف، وإن كان مسلم (¬8) أخرج له، فقد قال يَحْيَى (¬9) فيه: ضعيف. ¬

_ (¬1) فيه نظر، فإن النفيلي ليس من رواة مسلم وكذا أم صبية الصحابية رضي الله عنها وكذا سالم بن سرج فإنَّه ليس من رجال مسلم بخلاف معروف بن خربود قإنه من رجال مسلم. (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 187، 188) برقم 812 وتهذيب الكمال (10/ 142) وتهذيب التهذيب (1/ 676). (¬3) توضيح المشتبه (5/ 74 - 75). (¬4) انظر تهذيب الكمال (10/ 143) وتهذيب التهذيب (1/ 676). (¬5) المؤتلف والمختلف (3/ 1225، 1226). (¬6) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (1/ 360) برقم 2320 وتهذيب التهذيب (1/ 676) وابحث عن كلام ابن معين في الفهرس الموجود عندك. (¬7) والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود، انظر التقريب (359) برقم 2187. (¬8) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 275) برقم 1682 وأخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجه، انظر التقريب (959) برقم 6839. (¬9) الجرح والتعديل (8/ 321) برقم 1481.

وقال ابن (¬4) حبّان: كان يشتري الكتب، ويحدّث بها، ثم تغيَّر حفظه، فكان يحدث بالتوهّم، وبعضهم يقول في سالم أبي النُّعمان، كذلك ذكره ابن (¬5) أبي شيبة. وبعضهم يقول فيه: النُّعمان أبو النُّعمان، كذلك هو عند البيهقي (¬6). وقال التِّرمذيُّ (¬7) في "العلل": ثنا محمد بن بشار: ثنا يَحْيَى بن سعيد، عن أسامة بن زيد، عن سالم بن خربوذ أبي النُّعمان، عن أم صبية، الحديث. قال: وهكذا روى أبو أسامة، وغير واحد عن أسامة. وقال وكيع عن أسامة بن زيد، عن النُّعمان بن خربوذ قال. سمعت أم صبية ربما اختلفت يدي، فسألت محمدًا فقال: وهم وكيع، والصحيح عن أسامة بن زيد، عن سالم بن خربوذ أبي النُّعمان، ثم ذكره عن محمد (¬8) بن إسماعيل قال ابن أبي أويس: حدثني خارجة بن الحارث بن رافع بن مكيث الجهني، عن سالم بن سرج -مولى ابن صبية-. وهي خولة، جدة خارجة بن الحارث أنَّه سمعها تقول: فذكره. وحديث أم سلمة قالت: "كانت هي ورسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة". ¬

_ (¬4) ترجم ابن حبان لمعروف في كتابه الثقات وليس فيه هذا الكلام، مع أنَّه نقل عنه هذه العبارة ابن الجوزي في كتابه الضعفاء (3/ 129) برقم 3370 والحافظ ابن حجر في التهذيب (4/ 119) فقال: وقال ابن حبان في الضعفاء: كان يشتري الكتب فيحدث بها ثم تغير حفظه فكان يحدث على التوهم. فكأنه ترجم لغيره فإن هذه الصفة مفقودة في حديث معروف. قلت: ولم أقف على هذا الكلام في الضعفاء لابن حبان بعد البحث والتفتيش، والله أعلم. (¬5) في المصنف (1/ 35) النُّعمان بن خربوذ. (¬6) السنن الكبرى (1/ 190) وفيه سالم بن النُّعمان ثم قال: قال البُخاريّ: سالم هذا هو ابن سرج ويقال: ابن خزبوذ أبو النُّعمان وقال: بعضهم ابن النُّعمان. (¬7) العلل الكبير (1/ 130 - 132). (¬8) أي البُخاريّ.

رواه البُخاريّ (¬1) ومسلم (¬2). وحديث ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإناء الواحد جميعًا. أخرجه أبو داود (¬3)، والنَّسائيُّ (¬4)، وابن (¬5) ماجه، وأخرجه البُخاريّ (¬6)، وليس فيه: من الإناء الواحد. وذكر (¬7) أبا الشعثاء وقال: اسمه: جابر (¬8) بن زيد، وهو اليحمدي، الجَوْفي (¬9) -بالجيم-، من ناحية عُمان، وقيل: موضع بالبصرة، يقال له: درب الجوف البصري. سمع ابن عباس، وابن عمر، والحكم بن عمرو الغفاري. روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة، وعمرو بن هرم. ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 120 - 121) برقم 322 باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها. (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 324 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 79 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 60) برقم 71 باب وضوء الرجال والنساء جميعًا و (1/ 195) برقم 341 باب الرخصة في فضل المرأة. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 381 باب الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد. (¬6) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 83) برقم 193 باب وضوء الرجل مع امرأته. (¬7) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 92). (¬8) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 494 - 495) برقم 2032 وتهذيب الكمال (4/ 434 - 437) برقم 866 وتهذيب التهذيب (1/ 279). (¬9) الجوفي بالجيم هكذا قيده غير واحد من العلماء كالمزي في تهذيبه وابن المهندس والسمعاني في الأنساب وابن الأثير في اللباب وياقوت في معجم البلدان، وقيده الذهبي في السير بالخاء المعجمة ونص عليه في المشتبه (259) وأخذه عنه ابن حجر في التبصير وغيره على أن المكان الذي بعمان يقال فيه بالجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة كما قرره الزبيدي في التاج.

روى ابن (¬1) أبي حاتم بسنده إلى عطاء، أنّ ابن عباس قال: إذ (¬2) نزل أهل البصرة عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علمًا عن كتاب الله عزَّ وجلَّ، وربَّما قال: عمَّا في كتاب اللهِ عزَّ وجل. وعن عكرمة قال: كان ابن عباس يقول: هو أحد العلماء -يعني جابر بن زيد (¬3) -. وروى (¬4) بسنده أنّ ابن عباس سُئل (¬5) عن شيء فقال: تسئلوني وفيكم جابر بن زيد (¬6). وقال عروة (¬7): دخلت على جابر بن زيد فقلت: إن هؤلاء القوم ينتحلوك -يعني الإباضية- قال: أبرأ إلى الله عزّ وجلّ من ذلك. وقال ابن (¬8) أبي خيثمة: سمعت يَحْيَى بن معين يقول: أبو الشعثاء، جابر بن زيد، روى عنه: قتادة، بصري ثقة. وسئل أبو (¬9) زرعة عنه فقال: بصري أزدي ثقة. وقال عمرو بن علي، وأحمد بن حنبل، والبخاري (¬10): مات سنة ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (2/ 494 - 495) برقم 2032. (¬2) في الجرح لو أن أهل البصرة نزلوا. (¬3) الجرح والتعديل (2/ 495) برقم 2032. (¬4) أي ابن أبي حاتم. (¬5) المصدر السابق. (¬6) والسائل له رباب كما في الجرح والتعديل (2/ 495). (¬7) كذا والصّواب عزرة وهو ابن عبد الرحمن والخبر في طبقات ابن سعد (7/ 181) ط دار صادر. (¬8) الجرح والتعديل (2/ 495). (¬9) المصدر السابق. (¬10) انظر التاريخ الأوسط (1/ 284 و 350) والتاريخ الكبير (2/ 1 / 204) ط دار الكتب العلمية.

ثلاث وتسعين (¬1). وقال محمد (¬2) بن سعد: توفي سنة ثلاث ومائة. وقال الهيثم (¬3) بن عدي: سنة أربع مائة. وفي الباب ممَّا لم يذكره عن ابن عباس: روى الطّبرانيّ (¬4) في "معجمه الكبير" من حديث عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة اغتسلا من إناء واحد، من جنابة، وتوضّيا جميعًا للصلاة، رواه عن عبدان: حدَّثنا عبد (¬5) الصمد، سمع عبد الوارث: ثنا حبيب (¬6) ابن أبي حبيب، عن عمرو بن هارون (¬7)، عنه. وفيه عن جابر، قال ابن أبي شيبة في المصنف (¬8): ثنا محمد بن الحسن الأسدي قال: ثنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وأزواجه يغتسلون من إناء واحد (¬9). ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (4/ 436) وفي علل الحديث للإمام أحمد رواية عبد الله (3/ 472) برقم 6016 أن وفاته سنة ثلاث ومانة. (¬2) الطبقات (7/ 182) ط دار صادر. (¬3) انظر تهذيب الكمال (4/ 436) قلت وأيد الذهبي قول من قال بوفاته سنة 93 وقال شذّ من قال إنه توفي سنة ثلاث ومائة، انظر السير (4/ 483). (¬4) المعجم الكبير (11/ 361) برقم 12016. (¬5) عبد الوارث بن عبد الصمد كما في المعجم قال حدثني أبي. (¬6) في المعجم حبيب بن أبي ثابت. (¬7) في المعجم عمرو بن هرمز. (¬8) المصنف (1/ 36). (¬9) في هامش نسخة ابن العجمي: قلت: وحديث جابر أخرجه أيضًا ابن ماجه في "سننه"، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا بن الحسن الأسدي، فذكره بلفظه. قلت: انظر "السنن" (379) باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد. وصححه الألباني.

وروى بسنده عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت قال: كنت أغتسل أنا يزيد من إناء واحد من الجنابة (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مثله (¬2). وروى (¬3) عن إسماعيل بن عليَّة، عن حبيب بن شهاب، عن أبيه أنَّه سأل أبا هريرة فقال: إن كُنَّا لننقر حول قصعتنا نغتسل منها كلانا (¬4)، وعن أسباط بن محمد، عن الشيبانيّ، عن عكرمة قال: تغتسل المرأة بسؤر زوجها، وينتهزان من إناء واحد (¬5). وعن (¬6) حسين بن علي، عن زائدة، عن عطاء بن السَّائب، عن الشعبي قال: يغتسل الرجل وامرأته من إناء واحد (¬7). وسيأتي الكلام على خلاف العلماء في هذا، وفي فضل طهور المرأة، في بعد هذا إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 35). (¬2) المصدر السابق ولفظه لا بأس أن يدليا الجنبان من إناء واحد. (¬3) أي ابن أبي شيبة. (¬4) المصنف (1/ 35 - 36). (¬5) المصنف (1/ 36). (¬6) المصدر السابق. (¬7) في هامش نسخة ابن العجمي: قلت: وفي الباب أيضًا ممَّا لم يذكره التِّرمذيُّ ولا الشارح: عن أبي هريرة، وخولة بنت قيس. أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار في "مسنده" [324 - كشف الأستار] من حديث عكرمة عن أبي هريرة: أن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - كان هو وأهله أو بعض أهله يغتسلون من إناء واحد. وأمَّا حديث خولة بنت قيس فأخرجه الدارقطني (1/ 53 - 54) من حديث سالم أبي النُّعمان قال: حدثتني مولاتي خولة بنت قيس: أنها كانت تختلف يدها ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد تتوضأ هي والنبي - صلى الله عليه وسلم -.

47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة ثنا محمود بن غيلان، ومحمد (¬1) بن بشار، قالا: ثنا وكيع عن سفيان، عن سليمان التَّيميّ، عن أبي حاجب، عن رجل من بني عمار قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضل طهور المرأة". قال: وفي الباب عن عبد الله بن سرجس. قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة وهو قول أحمد وإسحاق كرها فضل طهورها، ولم يريا بفضل سؤرها بأسًا. حدَّثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: ثنا أبو داود، عن شعبة، عن عاصم قال: سمعتُ حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري: "أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضّأ الرجل بفضل طهور المرأة، أو قال بسؤرها". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وأبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم. وقال محمد بن بشار في حديثه: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضّأ الرجل بفضل طهور المرأة". ولم يشك فيه محمد بن بشار (¬2). ¬

_ (¬1) زيادة محمد بن بشار خطأ نبه على ذلك العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله كما في الحامع (1/ 92) وهو على الصواب في تحفة الأشراف (3/ 72) برقم 3421 ومما يؤكد خطأ زيادة محمد بن بشار في السند كون التِّرمذيّ يسوق بعد الحديث الأول طريقًا ثانيةً فيها محمد بن بشار ومحمود بن غيلان وقال في آخره وقال قال محمد بن بشار في حديثه ... ولم يشك فيه محمد بن بشار، انظر الجامع (1/ 93) وورد على الصواب كذلك بدون زيادة محمد بن بشار في العلل الكبير (1/ 133). (¬2) الجامع (1/ 92 - 93).

* الكلام عليه: رواه الإمام أحمد (¬1)، وأبو داود (¬2)، وابن ماجه (¬3)، ولفظ ابن ماجه: "نهى أن يتوضّأ الرجل بفضل وضوء المرأة". ورواه التِّرمذيُّ (¬4) في "العلل": عن محمود، وحده بسنده في الأصل، فقال: عن فضل طهور المرأة، وقال: سؤرها، وقال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، وحديث ابن سرجس -موقوف، ومن رفعه أخطأ-. وحديث عبد الله بن سرجس قال: "نهى رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل، ولكن يشرعان جميعًا". رواه ابن (¬5) ماجه، وقال: هو وهم، يعني أنّ الصواب حديث الحكم بن عمرو. ورواه الدارقطني (¬6) من حديث عبد العزيز بن المختار، عن عاصم -مرفوعًا-. وقال: خالفه شعبة، فرواه عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، قال: "تتوضّأ المرأة وتغتسل، من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضّأ الرجل بفضل غسل المرأة، ولا طهورها". قال: هذا موقوف (¬7)، وهو أولى. ¬

_ (¬1) في مسنده (5/ 66). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 82 باب النَّهي عن ذلك. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 373. (¬4) العلل الكبير (1/ 133) برقم 134. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 374 باب النَّهي عن ذلك. (¬6) في سننه (1/ 116 - 117) برقم 1 و 2. (¬7) عبارة الدارقطني كما في السنن وهذا موقوف صحيح وهو أولى بالصواب (1/ 117).

وذكره البيهقي (¬1) من حديث أبي داود الطَّيالسيّ (¬2)، عن شعبة كما تقدَّم. ثم قال (¬3): ورواه وَهْب بن جرير، عن شعبة: فذكره من طريق وَهْب، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي حاجب، عن الحكم: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سؤر المرأة، وكان لا يدري عاصم فضل وضوئها، أو فضل شرابها" (¬4). ثم ذكر (¬5) عن البُخاريّ (¬6) قال: سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي، يعد في البصريين -ويقال: الغفاري-، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو (¬7). قال (5): وبلغني عن أبي (¬8) عيسى أنَّه قال: سألت محمدًا- يعني: البُخاريّ- عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح -يعني: حديث أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو (¬9) - وذكر (5) عن الدارقطني (¬10): أنّ الموقوف فيه أولى بالصواب، كما حكينا عن غيره. وفي الباب ممَّا لم يذكره: عن حميد الحميري قال: لقيت رجلًا صحب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعًا. ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 191). (¬2) وهو عنده في مسنده (176). (¬3) أي البيهقي. (¬4) السنن الكبرى (1/ 191). (¬5) أي البيهقي. (¬6) انظر التاريخ الكبير للبخاري (4/ 184 - 185) برقم 2419 وفيه سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي بصري كناه أحمد وغيره. (¬7) السنن الكبرى (1/ 192). (¬8) انظر العلل الكبير (1/ 133، 134) وقد تقدم. (¬9) المصدر السابق. (¬10) في سننه (1/ 116 - 117) برقم 1 و 2.

رواه الإمام أحمد (¬1) وأبو داود (¬2). ورواه البيهقي (¬3) من حديث أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حُمَيْد به. وفيه: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعًا". رواه عن أبي الحسن بن عبدان، عن أحمد بن عُبَيْد، عن الزياد بن الخليل، عن مسدّد عنه. وحديث أبي داود أيضًا عنده، عن أبي علي الروذباري، عن ابن داسة، عنه (¬4). ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، عن داود (¬5). وقال (¬6): وهذا حديث رواته ثقات إلَّا أن حُمَيْدًا لم يسمّ الصحابي الذي حدّثه، فهو بمعنى المرسل، إلّا أنّه مرسل جيد (¬7). قال: وداود الأودي لم يحتج به الشيخان (¬8). ¬

_ (¬1) في مسنده (5/ 369). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 82 باب النَّهي عن دلك. (¬3) السنن الكبرى (1/ 190). (¬4) أي عن أبي داود. (¬5) السنن الكبرى (1/ 190) وهو في سنن أبي داود كتاب الطهارة (1 /) برقم 28 باب في البول في المستحم. (¬6) أي البيهقي. (¬7) تتمة الكلام: "لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله". (¬8) السنن الكبرى (1/ 190).

قال القشيري (¬1): "أمَّا قوله بمعنى المرسل: فإن أراد به اله يشبه المرسل في أنَّه لم يسمّ فيه الصحابي، فهذا صحيح، لكنَّه لا يمنع خصمه من الاحتجاج به ذاهبًا إلى أنّه لا حاجة إلى تسمية الصحابي بعد أن حكم بكونه صحابيًّا، لعدالة الصّحابة كلّهم، وإن أراد بأنّه في معناه، أنَّه لا يحتج به كما لا يحتج بالمرسل منعه الخصم لما ذكرناه. وقوله أنَّه مرسل جيد غير جيد، بل هو مسند أو كالمسند". وفيه أيضًا: حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال: "كان نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله يغتسلون من إناء واحد، ولا يغتسل أحدهما بفضل صاحبه". أخرجه ابن (¬2) ماجه. الحارث (¬3): لا يحتجّ به. وقال الأثرم (¬4): لم يسمعه أبو إسحاق من الحارث. وذكر أبو بكر (5) بن أبي شيبة: ثنا وكيع، عن خالد بن دينار، عن أبي العالية، قال: كنت عند رجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأردت أن أتوضأ من ماء عنده، فقال: "لا توضّأ به، فإنَّه فضل امرأة". قال: ثنا وكيع، عن المسعودي، عن المهاجر أبي الحسن، عن كلثوم بن عامر: أنّ جويرية ابنة الحارث توضأت فأردتُ أن أتوضأ بفضلها فنهتني (¬5). ¬

_ (¬1) الإمام (1/ 155). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 375 باب النَّهي عن ذلك. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 78) برقم 363 وتهذيب الكمال (5/ 244 - 253) برقم 1025 وتهذيب التهذيب (1/ 331). ذلك: كذَّبه شعبة وقال أبو زرعة لا يحتج به وقال أبو حاتم ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه. (¬4) انظر الإمام (1/ 163). (¬5) المصنف (1/ 34).

وقال (¬1): ثنا عبدة بن سليمان، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب والحسن إنّهما كانا يكرهان فضل طهورها (¬2). قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن غنيم بن قيس قال: "إذا خلت المرأة بالوضوء دونك فلا توضأ بفضلها" (¬3). قال: ثنا يزيد بن هارون، عن التَّيميّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنَّه نهى أن تغتسل المرأة والرجل من إناء واحد (¬4). وقد دلّت أحاديث هذا الباب، والباب قبله على اشتراك الرجال والنساء في الاغتسال من إناء واحد. وهذا ممَّا اتفق عليه أئمة المسلمين أن الرجل والمرأة، أو الرجال والنساء إذا توضؤوا واغتسلوا من إناء واحد جاز، إلّا ما ذكرناه عن أبي هريرة، غير أنّه قد روى ابن (¬5) أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عمار قال: "إذا اغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد يبدأ الرجل". وروى (¬6) في ذلك حديثًا مرفوعًا قال: ثنا هشيم: ثنا عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صَلَّى الله عليه وسلم - من إناء واحد، ولكنّه كان يبدأ" (¬7). ¬

_ (¬1) أي ابن أبي شيبة. (¬2) المصنف (1/ 34). (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصنف (1/ 36). (¬5) المصنف (1/ 36). (¬6) أي ابن أبي شيبة. (¬7) المصنف (1/ 36).

وأمَّا إذا انفرد أحدهما بالطهور: وضوءًا كان أو غسلًا، وجاء الآخر بعده؛ فلم يختلفوا من ذلك في جواز استعمال المرأة فضل الرجل إلّا شيئًا رويناه عن الأوزاعي، وسيأتي. وقد رأيت بخطِّ أبي العباس النباتي، عن الحميدي: أنَّه كتب إلى أبي محمد بن حزم جوابًا عن أحاديث كان يريد الكشف عنها، منها: قال الحميدي (¬1): أخبرنا الشَّيخ الصالح إبراهيم بن سعيد -يعني: الحبّال-: ثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الطحان: ثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري: ثنا البزار: ثنا أحمد بن عبد الرحيم: ثنا مُعلَّى بن أسد: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضّأَ الرَّجلُ من فضلِ وضوءِ المرأةِ، والمرأةُ من فضلِ وضوءِ الرجلِ وغُسلهِ". قال البزار (¬2): وحديث ابن سرجس قد رواه غير واحد عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس -موقوفًا-، ولا يُعلم أحدٌ أسنده عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، إلا عبد العزيز بن المختار. قلت: عبد العزيز بن المختار احتجّ به الشيخان (¬3). وقد أخرج ابن (¬4) ماجه حديث عبد العزيز بن المختار هذا في "سننه"، عن محمد بن يَحْيَى، عن معلّى بن أسد، عنه. وأمَّا عكسه: فاختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب: * أحدها: لا بأس بذلك مطلقًا. ¬

_ (¬1) أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 154). (¬2) لم أقف عليه لا في مجمع الزوائد ولا في كشف الأستار بعد البحث والتفتيش. (¬3) انظر تقريب التهذيب (615) برقم 4148. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 374 باب النَّهي عن ذلك.

* الثَّاني: يكره مطلقًا. * الثالث: التفرقة بين أن ينفرد به ويخلو به أم لا؟ فيكره مع الخلوة، ولا يكره حيث لا خلوة به. وإلى الأول ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور العلماء. وإلى الثَّاني: ذهب عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو، وبه تقول جويرية، وأم سلمة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد روي أنّ عمر ضرب بالدرّة من خالف هذا القول، وبه يقول سعيد بن المسيّب، والحسن. وإلى الثالث: ذهب الأوزاعي إلى جواز تطهر كل واحد منها بفضل صاحبه، ما لم يكن الرجل جنبًا أو المرأة جنبًا أو حائضًا. وقول ما لم يكن الرجل جنبًا هو ما سبقت إليه الإشارة عن الأوزاعي (¬1). وقد ذكرناه عن غنيم بن قيس، من طريق أبي (¬2) بكر بن أبي شيبة إذا خلت المرأة بالوضوء دونك فلا توضأ بفضلها. وروى أبو (¬3) بكر عن إسماعيل بن عليّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنّه كان لا يرى لسؤر المرأة بأسًا إلَّا أن تكون حائضًا أو جنبًا. وعن حفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر نحوه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الاستذكار (3/ 129 - 135). (¬2) المصنف (1/ 34). (¬3) المصنف (1/ 33). (¬4) المصدر السابق.

وقد روى كل من الأقوال الثلاثة عن الإمام أحمد (¬1) رحمه الله ورضي عنه. فأمَّا من ذهب إلى الجواز مطلقًا فله الأحاديث السابقة في الباب قبل هذا، حديث ميمونة، وعائشة، وعليّ، وأنس، ومن ذكر معهم قالوا: باعتراف كل منهم يصدق على ما أبقاه أنّه فضله وسؤره. وقد قال بعض أهل العلم إنه لا مسمى، وهو كذلك، سؤرًا ولا فضلًا. وحديث ابن عباس الآتي في الباب بعده، وهو صحيحٌ صريح كما سيأتي وهو وما في معناه. وأمّا حديث الحكم بن عمرو، وما في معناه فتأولوه جمعًا بين الأحاديث. قال الإمام أبو سليمان الخطابي (¬2) رحمه الله، وكان (¬3) وجه الجمع بين الحديثين أنّ النَّهي إنَّما وقع عن التطهّر بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سأل وفضل عن أعضائها عند التطهّر به دون الفضل الذي تسؤره في الإناء. وفيه حجة لمن رأى أنّ الماء المستعمل لا يجوز الوضوء به. قلت: يعترض على هذا التأويل بفضل طهور الرجل أيضًا، ولو كان النَّهي لتلك العلّة لعمّمها، ولم يخصّ فضل المرأة من فضل الرجل، وللزم منه القول بطهارة الماء المستعمل فيما فضله الرجل، وهو لا يقول به، ويحتاج إلى الجواب عن الماء المستعمل في فضل الرجل. قال (¬4): ومن النَّاس من جعل النَّهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب. قلت: وهذا أيضًا يقبل المنازعة. ¬

_ (¬1) المغني (1/ 214) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 51). (¬2) معالم السنن (1/ 36 - 37) ط دار الكتب العلمية. (¬3) في العالم فكان. (¬4) أي الخطابي والكلام الذي قبله اعتراض من ابن سيد النَّاس على الخطابي فليعلم.

قالوا: وأحاديث الإباحة أصحّ وأثبت من أحاديث النَّهي وهذا ظاهر (¬1). ورَدّ أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ حديث ابن عباس الآتي بعد هذا بسماك بن حرب، وقبوله التلقين. وحديث عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس في غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضل ميمونة، بالشكِّ الواقع في طريقه عن عمرو حيث يقول: أكبر علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس (¬2). وكذا وقع عند مسلم (¬3) من رواية ابن جريج عن عمرو ولم يخل من اعتراض عليه في الحديثين. أمَّا الأوّل فسماك محتج به في الصَّحيح، ولم ينفرد هنا بما خالف الأصول بل روى خبرًا له شواهد شتى فما مثله استحقّ الردّ (¬4). ووجهٌ آخر أقوى من هذا: حديث سماك هذا، وقد أخرجه البزّار من حديث شعبة وسفيان، عن سماك (¬5). وكان شعبة لا يأخذ عن سماك حديثًا ملقنًا، ذكر معناه العقيلي عن شعبة (¬6). ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 36 - 37) ط دار الكتب العلمية. (¬2) المحلى (1/ 206) برقم 151. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬4) انظر تقريب التهذيب (415) برقم 2639. (¬5) ولم أقف عليه بعد البحث والله أعلم. (¬6) الضعفاء (2/ 179) برقم 699 وعبارته عن شعبة قال: حدثني سماك أكثر من كذا كذا مرَّة يعني حديث عكرمة إذا بنى أحدكم فليدعم على حائط جاره، وإذا اختلف في الطَّريق وكان النَّاس ربما لقنوه فقالوا عن ابن عباس فيقول نعم وأما أنا فلم أكن ألقنه.

وأمَّا الخبر الثَّاني: فإنّ أبا محمد أورد حديث الطهراني عن عبد الرَّزاق (¬1): أخبرني ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس: "أن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة" (¬2) مختصر. قال أبو (¬3) محمد: هكذا في نفس الحديث: مختصر. قال: أخطأ فيه الطّبرانيّ بيقين، ثم رواه (¬4) من طريق مسلم، عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن حاتم، قال إسحاق: ثنا محمد بن بكر، وقال ابن حاتم: ثنا محمد بن بكر -وهو البرساني-: ثنا ابن جريج: ثنا عمرو بن دينار قال: أكبر علمي، والذي يخطر على بالي؛ أنَّ أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس أنَّه أخبره: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة (¬5). قال أبو محمد: فصحَّ أنّ عمرو بن دينار شكّ فيه، ولم يقطع بإسناده، وهؤلاء أوثق من الطّبرانيّ، وأحفظ بلا شك (¬6). قال أبو (¬7) الحسن بن القطان: وهذا بيَّن الخطأ فإن الذي أورد فيه إنَّما هو اختلاف أصحاب ابن جريج، وهما عبد الرَّزاق ومحمد بن بكر، أحدهما يقول عن ابن جريج أكبر علمي، وهو محمد بن بكر، والآخر لا يقوله: وهو عبد الرَّزاق. ¬

_ (¬1) المحلى (1/ 206) برقم 151. (¬2) انظر المصنف (1/ 270) برقم 1037. ولا أدري ما وجه الحاشية التي في نسخة ابن العجمي: هذا عجب من المصنف، فإن هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عبد الرَّزاق. فكان عزوه إليه أولى. اهـ. فرواية الطّهرانيّ جيء بها لغرض. وانظر "المسند" (1/ 366). (¬3) المحلى (1/ 206) برقم 151. (¬4) أي ابن حزم. (¬5) والحديث في صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (¬6) المحلى (1/ 206) برقم 151. (¬7) بيان الوهم والإيهام (3/ 331 - 332) برقم 1075.

والنظر إنَّما يجب أن يكون فيما بينهما. فأمَّا الطّهرانيّ فلا، وقوله: وهؤلاء أوثق من الطّبرانيّ فمجازفه فإنَّه ليس هناك أكثر من واحد وهو محمد بن بكر الذي ذكر الشَّك، ومن دونه مبلغون عنه. وقوله: من الطّهرانيّ، إنَّما كان يحتاج أن يقول من عبد الرَّزاق، فإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى المقصود وهو بيان علة الخبر المذكور. فنقول: يجب على رأي المحدثين رد رواية الطّبرانيّ من جهة أخرى، وذلك أن غيره من أصحاب عبد الرَّزاق قد ذكر فيه عن عبد الرَّزاق الشَّك من عمرو بن دينار. فإذن لم تسلم رواية عبد الرَّزاق من الشَّك، ومن حفظ أولى ثمن لم يحفظ. قال الدارقطني (¬1): ثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا ابن زنجويه: ثنا عبد الرَّزاق: ثنا ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار قال: علمي والذي يخطر على بالي: أنّ الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره فذكره. وهكذا هو أيضًا في "كتاب عبد (¬2) الرَّزاق" من رواية الدبري (¬3) عنه (¬4). قلت: وكذا رواه الطّبرانيّ (¬5) في "معجمه الكبير"، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن عبد الرَّزاق. رجع إلى كلام ابن القطان قال: فعبد الرَّزاق إذن على هذا يرويه كما يرويه محمد بن بكر (¬6)، فالاختصار إذن الذي قال الطّهرانيّ إنه في حديثه هو والله أعلم فيما تركه من شك عمرو بن دينار، وقد يحتمل أن يكون عبد الرَّزاق اختصره حين ¬

_ (¬1) السنن (1/ 53) برقم 6. (¬2) المصنف (1/ 270) برقم 1037. (¬3) بفتح الدال والباء المهملتين واسمه إسحاق بن إبراهيم، انظر فهرست ابن خير (127). (¬4) بيان الوهم والإيهام (3/ 331 - 332) برقم 1075. (¬5) المعجم الكبير (23/ 426) برقم 1033. (¬6) زاد في بيان الوهم والإيهام (3/ 332): البرساني.

حدّث به الطّهرانيّ، وحدّث به على الكمال لغيره، فعلى هذا الاحتمال يكون النظر بين عبد الرَّزاق والبرساني. وعلى الأول يكون النظر بين الطّهرانيّ والدبري (¬1) وابن (¬2) زنجويه، وقد حصل المقصود من إبراز علة الحديث على رأيهم والله (¬3) أعلم (¬4). وقال الشَّيخ أبو (¬5) العباس القرطبي -رحمه الله-: وقول عمرو بن دينار: أكبر علمي، والذي يخطر ببالي أنَّ أبا الشعثاء أخبرني: ذهب بعضهم إلى أنّ هذا ممَّا يسقط التمسّك بالحديث لأنَّه لا شك في الإسناد، والصحيح فيما يظهر لي أنّه ليس مسقط له من وجهين: * أحدهما: أنَّ هذا غالب ظنّ لا شك، وأخبار الآحاد إنَّما تفيد غلبة الظنّ، غير أن الظنّ على مراتب في القوة والضعف، وذلك موجب للترجيح، بهذا الحديث وإن لم يسقط بأن عارضه ما جزم الراوي فيه بالرواية كان المجزوم به أولى. * الوجه الثَّاني: أن التِّرمذيَّ رواه من طريق أخرى وصححه (5). قلت: الاعتراض على ما ذكره من وجهين، أما الأول: فلا نسلّم أنَّ الرّواية تجوز مع شيء من الشّكّ، ولا أنَّها تُفيدُ الظَّن وهي مظنونة غير متحقِّقة، بل لا تفيدُ الظنّ، وإن كانتْ معلومة غيرَ مشكوك فيها. فإن قيل: فكيف بإخراج مسلم (¬6) لها، وهي كذلك على الشَّك فالجواب: أن مسلمًا لم يخرج حديث ابن جريج عن محمد عن ... في هذه الواقعة، حتَّى ¬

_ (¬1) زيادة بين كما في بيان الوهم والإيهام (3/ 333). (¬2) واسمه حميد بن مخلد وزنجويه لقب أبيه، انظر: تاريخ بغداد (8/ 160) برقم 4266. (¬3) في بيان الوهم والإيهام والله الموفق للصواب. (¬4) بيان الوهم والإيهام (3/ 332 - 333). (¬5) المفهم (1/ 584). (¬6) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.

تقدَّمت عنده طريق سفيان عن عمرو (¬1) التي لا شك فيها، وإن اختلفت ألفاظ الخبرين فهما واحد على طريقته لا يضره ذلك، فهذا الحديث عند مسلم كالمتابعة، والشاهد له، وصح الحديث عند مسلم بمجموع المسندين. وأمَّا الثَّاني: فلفظ الحديث الذي صححه التِّرمذيُّ (¬2) من رواية ابن عباس عن ميمونة: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - من إناء واحد من الجنابة" وهذا مسألة لم يختلف فيها. وأمّا حديث ابن جريج عن عمرو (¬3) الذي وقع الشَّك فيه، فلفظه: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة"؛ وهذا موضع النزاع، ولم يصحح التِّرمذيُّ هنا غير حديثين: أحدهما: الذي ذكرنا في اغتسالهما من إناء واحد وهو حديث: يغتسل بفضل ميمونة عن رواية عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس (¬4). واحد من مخرج واحد، وإن اختلف على ابن عيينة فيه؛ فبعضهم يجعله عن ابن عباس، عن ميمونة (¬5). وبعصهم عن ابن عباس (5) ... الحديث إلى آخره، كما اختار البُخاريّ (5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 322 وقول المصنف: تقدمت عنده طريق سفيان عن عمرو فيه نظر، فإن مسلمًا روى الحديث من طريق سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء والتي ليس فيها شك وهو برقم 322 ثم أتبعه بالطريق التي فيها شك والله أعلم. (¬2) الجامع (1/ 91). (¬3) وهو في صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323. (¬4) الجامع (1/ 91) برقم 62. (¬5) صحيح البُخاريّ كتاب الغسل (1/ 102) برقم 253 باب الغسل بالصاع وقال البُخاريّ كان ابن عيينة يقول أخيرًا عن ابن عباس عن ميمونة والصحيح ما روى أبو نعيم قلت قال الحافظ في الفتح: وإنَّما رجح البُخاريّ رواية أبي نعيم جريًا على قاعدة المحدثين لأنَّ من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنه قوة حفظ الشَّيخ، ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددًا وملازمة لسفيان ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهي كون ابن عباس لا يطلع على النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم في حال اغتساله مع ميمونة فيدل على أنَّه أخذه عنها، انظر فتح الباري (1/ 488 - 489) ط دار الفكر.

فلا فرق إذ من المعلوم أنَّ ابن عباس إنَّما روى ذلك عن خالته ميمونة سواء ذكرها أو لم يذكرها. والثاني: حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس: "اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة (¬1)، وهذا غير ذاك، ومخرجه غير مخرجه، وهو والحديث الثَّاني المردود عند ابن حزم (¬2) بسماك. وقد تكلَّمنا عليه. فمسلم رحمه الله ومن جرى مجراه من الحفَّاظ يعدهما كليهما حديث ميمونة في غسله عليه السَّلام وإيَّاها من الجنابة حديثًا واحدًا، اختلفت ألفاظُه ورواته، يشهدُ بعضها لبعضٍ ويقوِّي بعضها بعضًا، وليس كذلك للفقيه المستدل بلفظ الحديث المستنبط للأحكام منه (¬3)، فإنَّه تسامحَ كان ذلك فيما لا يتسامح فيه غيره، ولا يحسن على طريقته أن يُقال في حديث ابن جريج عن عمرو قد صحّحه التِّرمذيُّ (¬4)، وصحَّح أيضًا، وعزاه إلى مظانّه عزوًا مستقلًا التِّرمذيُّ. إنَّما هو حديثُ سفيان عن عمرو، بين لفظيهما من الاختلاف ما ذكرناه، فإن كان أراد بتصحيح التِّرمذيّ أن يقول قد أخرجه مسلم من طريق أخرى غير مشكوك فيها، وإن كان أراد حديث سماك عن عكرمة فلا يحسن أن يقول: وأخرجه التِّرمذيُّ ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 235، 308) والدارمي في سننه (1/ 203) برقم 734 و 753 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 68 باب الماء لا يجنب والترمذي كتاب الطهارة (1/ 94) برقم 65 باب ما جاء في الرخصة في ذلك وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 370 باب الرخصة بفضل وضوء المرأة وصححه التِّرمذيُّ وابن خزيمة وقال الحافظ في الفتح (1 /): "وقد أعله قوم بسماك بن حرب لأنَّه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلَّا صحيح حديثهم". (¬2) المحلى (1/ 214) برقم 151 طبعة أحمد محمد شاكر. (¬3) إذ الذي عند التِّرمذيِّ في جامعه حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، انظر الجامع (1/ 91) برقم 62 وقال حسن صحيح. وحديث ابن جريج عن عمرو عند مسلم في صحيحه (1/ 257) برقم 323. (¬4) الجامع (1/ 94) برقم 65.

وصححه (¬1)، إذ هو غيره سندًا ومتنًا، وإنَّما كان يقول: وقد أخرج التِّرمذيُّ في معناه حديثًا من رواية ابن عباس وصححه، أو ما في معناه فيكون كالشاهد له والمتابع، لا أنّه هو (¬2). وإلى نحو ما ذكرته يشير تصرُّف العلماء من أهل الحديث هذا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه "الأحكام" (¬3): ذكر في الباب حديث عمرو (¬4) الذي يقول: فيه علمي، والذي يخطر على بالي، ثم أتبعه بعد أن ذكر هذا الحديث، ومن أخرجه بأن قال: وعن ابن عباس أن امرأة من نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر حديث سماك، عن عكرمة. ولو كان الخبران عنده واحدًا لقال: وفي رواية لهذا الحديث وما أشبه ذلك، وكذلك أبو (¬5) محمد حيث يقول: واحتجّوا بخبرين وردهما فجعل الأول حديث سماك عن عكرمة، وردّه بسماك. والثاني: خبر عمرو عن أبي الشعثاء، وردّه بالشك الواقع في طريقه، ولم يجعلهما خبرًا واحدًا من طريقين مردودين بما ذكره فيهما. وقال البغوي (¬6): ولم يصحح محمد بن إسماعيل حديث الحكم بن عمرو، فإن ثبت (¬7) فهو منسوخ (¬8). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 94) برقم 65. (¬2) وهذا من دقيق فهم ابن سيد النَّاس في عزو الأحاديث إلى أصحابها بألفاظها. وهو في هذا على منهج وطريق أهل الحديث في استنباط الأحكام الشرعية. (¬3) كتاب الأحكام للمقدسي في ثلاث مجلدات ولم يتمه، ذكر ذلك الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (23/ 128) رقم 97، وهو غير الأحاديث المختارة. (¬4) عمرو هو ابن دينار. (¬5) المحلى (1/ 214) برقم 151 طبعة أحمد محمد شاكر. (¬6) شرح السنة (2/ 28) ط المكتب الإسلامي. (¬7) شرح السنة وإن بدل فإن. (¬8) شرح السنة (2/ 28) ط الكتب الإسلامي.

ولم يذكر ناسخه، وأما من منع ذلك: فله حديث ابن سرجس، والحكم بن عمرو، وما مع ذلك -وقد سبق الكلام عليها-. وأما القول بالتفرقة؛ فجمع بين الأخبار المتعارضة في ذلك، فحيث اقتضت الأخبار الجواز فمحمله عنده حيث لا مانع من منفر عن استعمال الماء مما تعافه النفس، أو ما قد يتوقّع معه قيام مانع شرعي، وإن لم يكن محققًا، وحيث اقتضت الأحاديث الجواز فحيث انتفى ذلك، وخلوة الحائض بالماء، وقريب منها الجنب مغبّة لذلك؛ فيدور الحكم معها وجودًا وعدمًا. وقد روى فيه عن مسروق، عن عائشة: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضل وضوء المرأة فقال: "لا بأس به ما لم تخل به، فإذا خلت؛ فلا يتوضأ بفضل وضوئها". ذكره ابن عدي (¬1) من حديث عمرو (¬2) بن صبيح، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عنه. وقال: عمر بن صبيح هذا متروك (1) الحديث. ¬

_ (¬1) الكامل (5/ 1684) وفيه منكر الحديث عن مقاتل بن حيان وغيره وهو كذلك في تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب. (¬2) صوابه عمر بن صبح الخراساني، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 116 - 117) برقم 629 وتهذيب الكمال (21/ 396 - 398) برقم 4259 وتهذيب التهذيب (3/ 233 - 234).

48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك حدثنا قتيبة: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في جفنة فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا! قال: إنّ الماء لا يجنب". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول سفيان ومالك والشافعي (¬1). * الكلام عليه: رواه أبو داود (¬2) عن مسدد، عن أبي الأحوص. والنسائي (¬3) عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان، كلاهما عن سماك. وابن (¬4) ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص وسماك، احتجّ به مسلم (¬5) دون البخاري. وعكرمة (¬6) احتج به البخاري دون مسلم، فليس الحديث على شرط واحد منها. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 94). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 68 باب الماء لا يجنب. (¬3) في سننه كتاب المياه (1/ 189 - 190) برقم 324. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 370 باب الرخصة بفضل وضوء المرأة. (¬5) انظر رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 292) برقم 631 وتقريب التهذيب (415) برقم 2639. (¬6) رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 582) برقم 922 وأخرج له مسلم مقرونًا بطاوس كما في رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 110) برقم 1273. قلت: قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري (425) ط السلفية (مصر): "احتج به البخاري =

وقد تقدَّم القول في سماك في "باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور"، أول الكتاب. وروينا من طريق الدارمي (¬1)، عن يحيى بن حسان، عن يزيد بن عطاء، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قامت امرأة من نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلت في جفنة من جنابة؛ فقام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى فضلها يستحمّ فقالت: إنّي اغتسلت فيه قبلك! فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس على الماء جنابة". وأكثر ما عيب به التلقين، وقد ذكرنا في الباب قبل هذا: أنَّ مرويات شعبة عنه سالمة من ذلك. وقد أخرج هذا الحديث أبو بكر البزار (¬2) من طريق شعبة عنه. وكذلك أخرجه أبو (¬3) بكر بن خزيمة من طريق شعبة عنه أيضًا. ¬

_ = وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونًا بسعيد بن جبير وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن مسنده وأبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم". * قلت: كذا قال الحافظ بن حجر والواقع أن مسلمًا روى له مقرونًا بطاوس كما ذكر ذلك ابن منجويه في رجال صحيح مسلم والحديث في الصحيح كتاب الحج (2/ 868) برقم 1208 باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه في حديث ضباعة بنت الزبير ثم ذكره مقرونًا بسعيد بن جبير كما ذكره الحافظ ابن حجر، انظر صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 869) برقم 1208 باب جواز اشتراط المرم التحلل بعذر المرض ونحوه. (¬1) السنن (1/ 203) برقم 734 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. (¬2) كشف الأستار (1/ 132) برقم 250 وقال البزار: لا نعلم أسنده عن شعبة إلا محمد بن بكر وأرسله غيره، ورواه جماعة عن سماك فاقتصرنا على شعبة والثوري ولا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. (¬3) في صحيحه (1/ 48) برقم 91.

وأمَّا عكرمة (¬1): فأبو عبد الله، القرشي الهاشمي المدني -مولى عبد الله بن عباس- أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحُصَيْن بن أبي الحر العَنْبَري جد عبيد الله بن الحسن العنبريّ -قاضي البصرة- فوهبه لعبد الله بن عباس (¬2)، وعكرمة عبد؛ فباعه عليّ بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة عليًّا فقال له: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فاستقاله فأقاله. فأعتقه (¬3). وكان عكرمة جوالًا في البلاد رحل إلى اليمن والعراق، وخراسان، والمغرب والحجاز (¬4)، ومات بالمدينة ودفن بها. وقيل له في التجول، فقال: أسعى على بناتي (¬5) وآخذ دراهم ولاتكم ودنانيرهم. كان من علماء الناس. سمع ابن عباس، وابن عمر، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة. قال ابن (¬6) أبي حاتم: فقيل لأبي: سمع من عائشة؟ قال: نعم. وسمع من أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وحجاج بن عمرو، والحسن بن علي بن أبي طالب. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 7 - 9) برقم 32 وتهذيب الكمال (20/ 264 - 292) برقم 4009 وتهذيب التهذيب (3/ 134 - 138). (¬2) تاريخ دمشق (41/ 75) برقم 4743 وسير أعلام النبلاء (5/ 13) وتهذيب الكمال (20/ 264) وتاريخ الإسلام (101 - 120) ص 174. (¬3) تهذيب الكمال (13/ 271)، تاريخ دمشق (41/ 73). (¬4) تهذيب الكمال (20/ 287) وسير أعلام النبلاء (5/ 15). (¬5) سير أعلام النبلاء (5/ 27). (¬6) الجرح والتعديل (7/ 7) برقم 31 وفي المراسيل قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول عكرمة لم يسمع من عائشة، انظر المراسيل (158) برقم 583.

قال أبو (¬1) محمد بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: روى عن عكرمة من أهل المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري، والعلاء بن عبد الرحمن الحرقي، ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبو الأسود، وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، ومحمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة، وسلمة بن بخت، وثور بن زيد الديلي، وداود بن حصين، والحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. ومن أهل مكة: عمرو بن دينار، وأبو صالح باذان، والقاسم بن أبي بزة، وحميد بن قيس الأعرج، وابن أبي نجيح، وعبد الله بن كثير، وعبد العزيز بن أبي داود. ومن أهل اليمن: عمرو بن مسلم، والحكم بن أبان، وهمام بن نافع، وإسحاق بن جابر العدني، ويعلى بن حكيم -وكان بصري الأصل-، ووهب بن نافع -عم عبد الرزاق-، وسلمة بن وهرام، وإسماعيل بن شروس. ومن أهل الكوفة: أبو إسحاق الهمداني، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، والحكم بن عتيبة، وأبو الزعراء، عمرو بن عمرو، وميسرة، وأبو حصين، وسماك بن حرب، والسدي، وعلي بن الأقمر، وسعيد بن مسروق، ومغيرة بن مقسم، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، والحارث بن حصيرة، والوليد بن العيزار، وزياد بن فياض، ويزيد بن أبي زياد، وعبد الرحمن بن الأصبهاني، وأبو إسحاق الشيباني، وعطية العوفي، وأشعث بن سوار، والعلاء بن المسيب، وفضيل بن غزوان، وهلال بن خباب، وبدر بن عثمان، وفطر بن خليفة، وأبو بكير، وعمران بن سليمان، ومحمد بن عبد الرحمن -مولى آل طلحة-، وسفيان بن زياد العصفري، وعصام بن قدامة، وزيد الحجام. ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (7/ 7 - 8).

ومن أهل البصرة: جابر بن زيد، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني، وقتادة، ويونس بن عبيد، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وحُميْد الطويل، وهشام بن حسان، والزبير بن خريت، وحنظلة السدوسي، وعمرو بن أبي حكيم، وأبو يزيد المدني، وسعيد بن عبيد الله الثقفي، وأبو مكين، وعمران بن حدير، ويزيد بن حازم، وعبد الكريم أبو أمية، وشبيب بن بشر، وأبان بن صمعة، وأبو الأشهب، ومطر الوراق، وفضل بن ميمون، وعباد بن منصور، ومهدي الهجري، وأبو بكر الهذلي. ومن أهل واسط: أبو بشر جعفر بن أبي وَحْشية، وحسين بن قيس -هو أبو علي الرحبي، وهو حنش (¬1) -. ومن أهل الشام: صفوان بن عمرو، وثور بن يزيد. ومن أهل أيلة: عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد. ومن أهل الجزيرة: عبد الكريم بن مالك، وخصيف، وعلي بن بذيمة، وعثمان الشاهد. ومن أهل اليمامة: يحيى بن أبي كثير، وأبو يزيد. ومن أهل خراسان (¬2): عطاء الخراساني، وأبو المنيب العتكي، وعلباء بن أحمر، ويزيد النحوي، والحسين بن واقد، ونعيم بن ميسرة النحوي (¬3). ¬

_ (¬1) في الجرح والتعديل (7/ 8) قبل أهل الشام: ومن أهل مصر يزيد بن أبي حبيب وبشر بن أبي عمر وجعفر بن ربيعة. (¬2) في الجرح والتعديل قبل أهل خراسان: ومن أهل سجستان عبد الله بن الحسين قاضيها. (¬3) الجرح والتعديل (7/ 7 - 8).

قال البخاري (¬1) عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: قال جابر -يعني: ابن زيد-: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس. وروى ابن (¬2) أبي حاتم عن حجاج بن حمزة: ثنا علي بن الحسين بن شقيق، ثنا أبو حمزة -يعني: السكري-: ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: انطلق فأفْتِ الناس، وأنا لك عون، قال: قلت: لو كان مع الناس مثلك أفتيتهم، قال: انطلق فأفت الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس. وروى ابن (¬3) أبي خيثمة عن يحيى قال: حدثني من سمع حماد بن زيد يقول: سمعتُ أيوبَ، وسُئلَ عن عكرمة: كيف هو؟ قال: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه. وقال ابن (¬4) أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة -مولى ابن عباس- فقال: هو ثقة. قلت: يحتج بحديثه؟ قال نعم، إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك: فليس للرواية (¬5). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير (7/ 49) برقم 218 وفيه قال عبد الله بن محمد عن ابن عيينة وليس فيه علي بن المديني وهو في الجرح والتعديل (7/ 8) من غير طريق البخاري ولا ابن المديني وإنما من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد القري. (¬2) الجرح والتعديل (7/ 8). (¬3) الجرح والتعديل (7/ 8). (¬4) الجرح والتعديل (7/ 8 - 9). (¬5) نقله المصنف بالمعنى وفي الجرح والتعديل فلسبب رأيه.

قيل لأبي: فموالي ابن عباس؟ فقال: قال: كريب وسميع وشعبة، وعكرمة أعلاهم. وسئل أبي عن عكرمة وسعيد بن جبير أيهما أعلم بالتفسير؟ فقال: أصحاب ابن عباس، عيال على عكرمة (¬1). وقال عثمان (¬2) الدارمي: سألت ابن معين قلت: عكرمة أحبّ إليك عن ابن عباس، أو عبيد الله بن عبد الله؟ فقال: كليهما، ولم يخَيِّر. قال أبو (¬3) العرب أحمد بن محمد بن تميم: وسعيد بن جبير أرضى عند مالك وغيره من عكرمة. وقال يحيى (¬4): إذا رأيت رجلًا يتكلّم في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتّهمه على الإسلام. وقال البخاري (¬5): ليس أحد من أصحابنا إلا يحتج بعكرمة. ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (7/ 8 - 9). (¬2) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (117) برقم 357 وفيه زيادة قلت: فعكرمة أو سعيد بن جبير- فقال ثقة وثقة ولم يخير. (¬3) هو العلامة المتفتن ذو الفنون أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام المغربي الإفريقي صنف طبقات أهل إفريقية وكتاب المحن وكتاب فضائل مالك وكتاب مناقب سحنون وكتاب التاريخ في أحد عشر جزءًا، مات لثمان بقين من ذي القعدة 1395 برقم 217 وترتيب المدارك (3/ 334 - 336) وتذكرة الحفاظ (3/ 889). (¬4) انظر تهذيب الكمال (20/ 288)، قلت: قال الحافظ الذهبي: "هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحَيْف في وزنهما، أمّا من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الإنصاف فقد أصاب، نعم إنما قال يحيى هذا في معرض رواية حديث خاص في رؤية الله تعالى في المنام، وهو حديث يستنكر، وقد جمع ابن مندة فيه جزءًا سمّاه "صحة حديث عكرمة". انظر السير (5/ 31). (¬5) التاريخ الكبير (7/ 49) برقم 218.

وقال ابن (¬1) سعد: كان كثير العلم، بحرًا من البحور، وليس يحتج بحديثه ويتكلّم الناس فيه. وذكر ابن (¬2) سعد عن عمرو بن دينار قال: دفع إليّ جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا البحر فاسألوه. وقال أبو (¬3) أحمد بن عديّ -بإسناده- عن ابن هبيرة قال: قدم علينا عكرمة وكان يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يحدثنا به عن غيره، قال: فأتينا شيخًا عندنا يقال له إسماعيل بن عبيد الأنصاري كان قد سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم، قال: فأتاه فسأله عن أشياء سأل عنها ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع، فأتيناه نسأله فقال: الرجل صدوق، لكنه سمع من العلم فأكثر، فكلّما يصح له طريق سلكه. وقال أحمد (¬4) بن عبد الله العجلي: عكرمة مولى ابن عباس: ثقة، هو بريء مما يرميه به الناس. وذكر ابن (¬5) سعد، عن حبيب قال: مرّ عكرمة بعطاء وسعيد قال: فحدثهما فلما قام قلت له: ما ينكر مما قالا شيئًا؟ قال: لا. وقال عكرمة (¬6): إنّي لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلّم بالكلمة فيفتح لي خمسون بابًا من العلم. ¬

_ (¬1) الطبقات الكبرى (5/ 293) وليس هو من قول ابن سعد وإنما قال مصعب الزبيري قالوا فذكر هذا الكلام. (¬2) الطبقات الكبرى (5/ 288) وفيه هذا عكرمة، هذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه. (¬3) الكامل (5/ 1908 - 1909). (¬4) معرفة الثقات (2/ 145) برقم 1272 وفيه زيادة من الحرورية وهو تابعي. (¬5) الطبقات الكبرى (5/ 289). (¬6) الطبقات الكبرى (5/ 288).

وقال حماد (¬1) بن زيد (¬2): حدثني صاحب لنا قال: كنت جالسًا إلى سعيد وعكرمة (¬3)، وأظنّه قال وعطاء، في نفر، فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ، قال: فكأن رؤوسهم الطير، فلما فرع فمن قائل بيده هكذا، وعقد ثلاثين، ومن قائل برأسه هكذا يميّل رأسه، قال: فما خالفه أحد منهم في شيء، إلا أنّه ذكر الحوت فقال: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنّي سمعته يقول: كانا يحملانه في مكتل. وقال أيوب (¬4): لو قلت لك إنَّ الحسن ترك كثيرًا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت. وقال ابن (¬5) عيينة نحوه. وذكر ابن (¬6) سعد، عن سعيد بن جبير قال: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدّث بها فجاء عكرمة فحدّث بتلك الأحاديث كلها، والقوم سكوت، وما تكلّم سعيد، ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك، فعقد الثلاثين، وقال: أصاب الحديث. وقال أبو (¬7) أحمد بن عديّ: عكرمة مولى ابن عباس إذا روى عنه الثقات، فهو مستقيم الحديث، إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون قد أتى من قبل الضعيف لا من قبله، ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه، وأدخل أصحاب الصحاح حديثه في ¬

_ (¬1) الطبقات الكبرى (5/ 290). (¬2) في الطبقات حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب قال حدثني صاحب لنا قال. (¬3) في الطبقات زياد وطاوس. (¬4) الضعفاء للعقيلي (3/ 375) برقم 1413. (¬5) الكامل (5/ 1907) ولفظه: ولما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير. (¬6) الطبقات الكبرى (5/ 288). (¬7) الكامل (5/ 1910).

صحاحهم، وهو أشهر من أن يحتاج إلى إخراج شيء من حديثه، ولا بأس به (¬1). وقال النسائي (¬2): ثقة. وقال أحمد (¬3): يحتج به. وقال أحمد (¬4) بن زهير: أثبت الناس فيما يروي، ولم يحدث عن من دونه أو مثله، حديثه أكثره عن الصحابة. وقال ابن (¬5) أبي ذئب: كان ثقة. وقال الطبري (¬6): لا يدفعه أحد لعلمه عن التقدّم في العلم، فالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار. ¬

_ (¬1) الكامل (5/ 1910). (¬2) انظر تهذيب الكمال (20/ 289) وتهذيب التهذيب (3/ 137) وذكر الحافظ ابن حجر توثيق النسائي له في التمييز كما في هدي الساري (ص 429). (¬3) انظر تهذيب الكمال (20/ 288) وتهذيب التهذيب (3/ 137) وهدي الساري (429) وأحمد بن زهير هو أبو بكر بن أبي خيثمة. (¬4) الكامل (5/ 907). (¬5) الضعفاء للعقيلي (3/ 376) برقم 1413 قلت: ونقل الحافظ المزي في تهذيب الكمال (20/ 282) وابن حجر في تهذيب التهذيب (3/ 138) عن ابن أبي ذئب قوله في عكرمة وكان غير ثقة ثم أتبع المزي ذلك بنقل العقيلي في الضعفاء وقال الله أعلم. وقال الذهبي في السير (5/ 25): هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي سمعت ابن أبي ذئب يقول رأيت عكرمة وكان غير ثقة هكذا رواه عمران بن موسى بن مجاشع عن إبراهيم بن المنذر عنه. ورواه العقيلي عن محمد بن زريق بن جامع عن إبراهيم فقال كان ثقة فالله أعلم والرواية الأولى أشبه. أهـ. قلت: وهشام هذا قال فيه ابن حبان في المجروحين (3/ 91): لا يعجبني الاحتجاج يخبره إذا انفرد. (¬6) هدي الساري مقدمة فتح الباري (429) ط السلفية مصر وفيه: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار.

وقال الشعبي (¬1): ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. وقال يحيى (¬2) بن أيوب: قال لي ابن جريج: قدم عليكم بمصر -يعني عكرمة- قال: قلت: نعم! قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: ذهب عنكم ثلثا العلم. وقال ابن (¬3) المديني. كان عكرمة من أهل العلم. قال قتادة (4): كان أعلم التابعين أربعة عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وعكرمة أعلمهم بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام (¬4). وكذلك وصفه بعلم المغازي سفيان وعمرو بن دينار، وقالا: لو رأيته يحدّث عن القوم قلت: ليشرف عليهم قال عمرو: وهم يقتلون (¬5). قال سلام (¬6) بن مسكين: كان من أعلم الناس بالتفسير. • ذكر من تكلّم في عكرمة بقدح فيه وطعن عليه: قال ابن الحذاء: قال أبو عبد الله البرقي: يقال: إنما روى مالك عن ثور بن زيد، عن ابن عباس، إنّما هو عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، وإنّما ترك مالك عكرمة مولى ابن عباس لم يذكره لأنّه كان لا يرضاه، وذكر كلامًا ثم قال: والصحيح عن مالك أنّه كان لا يرضى عكرمة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (20/ 272) وسير أعلام النبلاء (5/ 17). (¬2) انظر السير (5/ 18) والكمال لابن عدي (5/ 1907). (¬3) انظر تهذيب الكمال (20/ 289). (¬4) انظر المعرفة والتاريخ للفسوي (2/ 16) و (1/ 701 - 702). (¬5) انظر السير (5/ 16). (¬6) المعرفة والتاريخ (1/ 701 - 702). (¬7) انظر الكامل لابن عدي (5/ 1908).

وذكر أبو العرب القيرواني حدثني محمد بن عبيد: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: نا أبي: ثنا إسحاق بن عيسى بن الطباع. قال: سألت مالكًا قلت: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس قال: لا، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه. وذكره عن أحمد بن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه، عن سعيد أنّه قال لمولاه برد: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (¬1). قال أبو العرب: ثنا عبد الرحمن بن محمد الكناني: ثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم: ثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا الصلت بن دينار قال: سألت ابن سيرين عن عكرمة قال: ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب (¬2). وذكره أبو (¬3) الفرج بن الجوزي فقال: قال ابن عمر لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وكذلك قال سعيد بن المسيب لمولاه برد، وقد كذّبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس. وقال ابن أبي ذئب: كان غير ثقة (3). قلت: وفيما حكيناه عن ابن (¬4) سعد به: أثنى عليه، وقال: وليس يحتج به، وقال عبد الله بن الحارث: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، فإذا عكرمة في ¬

_ (¬1) انظر المعرفة والتاريخ (2/ 5) وكذا تهذيب الكمال (20/ 280) قلت وقال الذهبي في السير (5/ 23) رادًا لرواية نافع عن ابن عمر: هذا أشبه ولم يكن لعكرمة ذكر في أيام ابن عمر ولا كان تصدى للرواية. (¬2) انظر الكامل (5/ 1905). (¬3) الضعفاء والمتروكون (2/ 182) برقم 2334. (¬4) الطبقات الكبرى (5/ 293) وقوله ليس يحتج به ليس من كلام ابن سعد كما نبهنا عليه سابقًا وإنما يحكيه ابن سعد عن غيره.

وثاق عند باب الحش، فقلت: ألا تتقي الله؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي (¬1). وروى هذا أيضًا عن يزيد بن أبي زياد، وقال عثمان بن مرة، قلت: للقاسم -هو ابن محمد بن أبي بكر-: إن عكرمة مولى ابن عباس حدثنا. . . قال: يا ابن أخي: إنّ عكرمة كان كذابًا (¬2). وقال فطر بن خليفة: قلت لعطاء: إنّ عكرمة يقول: إن ابن عباس يقول: سبق الكتاب الخفين، فقال: كذب (¬3). سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط. وقال أيوب (¬4): كنا نأتي عكرمة فيحلف بالله لا يحدثنا، فما يكون قط بالجمع منه في الحديث عند ذلك، قال له رجل: ألم تحلف بالله، قال: ما يدريكم كفارة يميني. وقال يزيد بن هارون: قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس بن عبيد، فبينا هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا! أفتسمع؟ ثم قال: قاتله الله فقد أجاد، قال: ما أجود ما غنى. فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه، وعاد أيوب، قال يزيد: وقد أحسن أيوب (¬5). ¬

_ (¬1) انظر الضعفاء للعقيلي (3/ 373 - 374). (¬2) انظر تهذيب الكمال (20/ 286). (¬3) انظر الكامل لابن عدي (5/ 1909). (¬4) انظر تهذيب الكمال (20/ 284) والعلل لأحمد برقم 3027 رواية عبد الله (2/ 455) وبرقم 1775. (¬5) المصدر السابق.

قال ابن عون: ما تركوا أيوب حتى استخرجوا منه ما لم يكن يزيد، يعني الحديث عن عكرمة. وقيل لداود بن أبي هند: تروي عن عكرمة: فقال: هذا عمل أيوب (¬1). وقال أحمد (¬2): كان مضطرب الحديث يختلف عليه، وما أدري. • ذكر الانتصار لعكرمة، والاعتذار عن ما رمي به: أما ما ذكرناه عن ابن الحذاء من ترك مالك ذكر عكرمة؛ فإن مالكًا روى في "الموطأ" (¬3): عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه". الحديث. من غير ذكر لعكرمة، عن ابن عباس، وقد رواه روح بن عبادة، عن مالك (¬4)، عن ثور، عن عكرمة كذلك (¬5). ولا ينبغي أن يحمل سقوطه من الإسناد الذي سقط منه على الوجه الذي ذكره ابن الحذاء، لمعنيين: * أحدهما: أنّه لا ينبغي أن يترك ذكر الواسطة في الإسناد إلا مع الثقة به، وتيقن براءته من مفسدات الرواية، ولا ينبغي أن يترك مع الستر والجهالة بحاله، فكيف يترك ذكره من لا يرضاه، يل يجب إبرازه بالذكر والتنبيه على ضعفه مع العلم بضعفه أو السكوت عنه مع عدم العلم بحاله ليترك باب النظر في حاله مفتوحًا، ويبرأ من عهدته بذكره من لم يعرف حاله. ¬

_ (¬1) انظر السير (5/ 25) والمعرفة والتاريخ (2/ 5) و (2/ 8). (¬2) انظر تهذيب الكمال (20/ 284) وتهذيب التهذيب (3/ 136). (¬3) الموطأ (1/ 287) برقم 3. (¬4) الموطأ (1/ 287) برقم 3. (¬5) التمهيد (2/ 26).

* الثاني: أنه لو كانت العلّة في الإمساك عن ذكره ذلك لا طرد من عمل مالك، ولم يذكره في موضع آخر، لكنه قد ذكره في غير هذا الموضع، فعلمنا أن ما أشار إليه ليس بعلّة للإمساك عن ذكره، روى مالك عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس. وقال: أظنّه عن ابن عباس (¬1): أنّه قال: "الذي يصيب أهله قبل أن يفيض، يعتمر ويهدي". فهذه رواية لمالك في "الموطأ" (¬2) مصرح فيها بذكر عكرمة عمل بها مالك (¬3)، وذهب إليها، واختارها على روايته عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: إنّه سئل عن رجل وقع على امرأته قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة. وعطاء من أعلم التابعين بالمناسك، ذكر بعضه أبو عمر (¬4). عكرمة -مولى ابن عباس (¬5) -: من جلّة العلماء، لا يقدح فيه كلام من تكلّم فيه لأنّه لا حجة مع أحد تكلّم فيه، وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه، لأنّ بلغه أنّ سعيد بن المسيّب كان يرميه بالكذب، ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأي الخوارج، وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله. وقد قال الشافعي -في بعض كتبه-: ونحن نتقي حديث عكرمة. وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، والقاسم العمري، وإسحاق بن أبي فروة؛ وهم ضعفاء متروكون، وهؤلاء كانوا أولى أن يتقى حديثهم ولكنّه لم يحتج ¬

_ (¬1) ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة، انظر التمهيد (2/ 26). (¬2) الموطأ (1/ 384) برقم 159. (¬3) الموطأ (1/ 384) برقم 155 باب من أصاب أهله قبل أن يفيض. (¬4) التمهيد (2/ 26). (¬5) هذا ابتداء كلام ابن عبد البر في عكرمة كما في التمهيد (1/ 27).

بهم في حكم، وكل أحد من خلق الله يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقيل لابن أبي أويس: لِمَ لَم يكتب مالك حديث عكرمة مولى ابن عباس؟ قال: لأنه كان يرى رأي الإباضية (¬2). قلت: العمل عند أهل العلم على قبول رواية من كان من أهل البدع والأهواء إلا ما استثني من ذلك، وليس هذا منه، إلا أن يكون من رمي بتلك البدعة داعية إلى رأيه؛ ولم ينقل وضرب عليها ذلك عن عكرمة (¬3). وأما قول سعيد بن المسيّب فيه؛ فقد ذكر العلّة الموجبة لذلك أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في "كتاب الانتفاع بجلود الميتة"، وسنذكرها. وقال أبو عمر: وتكلّم فيه ابن سيرين، ولا خلاف أعلمه بين نقاد أهل العلم أنَّه أعلم بكتاب الله من ابن سيرين، وقد يظن الإنسان ظنًّا يغضب له، ولا يملك نفسه، وذكر الحلواني، عن زيد بن الحباب، قال: سمعت الثوري يقول: خذوا تفسير القرآن عن أربعة: عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والضحَّاك (¬4). فبدأ بعكرمة. وقال جرير: عن مغيرة عن إبراهيم: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة. فلما قتل سعيد بن جبير؛ قال إبراهيم: ما خلف بعده مثله. وقال ابن عليّة، عن أيوب: ثبت عن سعيد بن جبير أنّه قال: لو كفّ عنهم ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 26). (¬2) المصدر السابق. (¬3) رجع إلى كلام ابن عبد البر. (¬4) في التمهيد للعداوة بينهما.

عكرمة من حديثه لشدّت إليه المطايا. قال محمد بن نصر: وثنا إسحاق بن راهويه قال: ثنا يحيى بن ضريس، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدًا: عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة؛ فتذاكروا التفسير فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير على عكرمة يسألانه عن التفسير وهو يجيبهما. قال: وثنا محمد بن عبيد قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: اجتمع عكرمة وسعيد بن جبير وطاوس، وعدة من أصحاب ابن عباس، فكان عكرمة صاحب الحديث. وعن أيوب قال: قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي؛ أفلا يكذبوني في وجهي؟ وقال حماد بن زيد: قال رجل لأيوب: أكان عكرمة يتهم؟ فسكت عنه ثم قال: أما أنا فلم أكن أتّهمه. قال الحلواني: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت قتادة يقول: كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام، وكان عطاء من أعلم الناس بالمناسك، وكان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير. وقال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم (¬1)، قال: ثنا عبد الصمد بن معقل: إن عكرمة قدم على طاوس اليمن، فحمله طاوس على نجيبه، وأعطاه ثمانين دينارًا، فقيل لطاوس في ذلك؟ فقال: ألا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بنجيب وثمانين دينارًا؟ ¬

_ (¬1) في التمهيد زيادة الصنعاني.

وذكر ابن عباس (¬1) عن يحيى بن معين: ثنا محمد بن فضيل: قال حدثنا عثمان بن حكيم قال: جاء عكرمة إلى أبي أمامة بن سهل وأنا جالس (¬2) فقال: يا أبا أمامة؟ أسمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عكرمة صدّقوه، فإنه لم يكذب عليّ! قال: نعم (¬3). وذكر أبو (¬4) عمر قال: قال أبو العرب سمعت قدامة بن محمد يقول: كان خلفاء بني أميّة يرسلوني إلى المغرب يطلبون جلود الخرفان التي لم تولد بعد العسيلة قال: فربّما ذبحت المائة شاة، فلا يوجد في بطونها إلا واحد عسلي كانوا يتخذون منها الفراء، فكان عكرمة يستعظم ذلك، ويقول: هذا كفر، هذا شرك، فأخذ ذلك عنه الصفرية والإباضية، فكفروا الناس بالذنوب. قال أبو عمر: لهذا كان سحنون يقول: يزعمون أنَّ عكرمة مولى ابن عباس أضلّ المغرب. قلت: أمّا ما ذكرناه من قول ابن عمر لنافع، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقول سعيد لبرد، فسيأتي عن ابن جرير الجواب عنه. وأما ابن أبي ذئب؛ فقد نقلنا عنه أيضًا توثيقه، وأما ما ذكرناه عن داود بن أبي هند؛ أنّه سئل: هل رويت عنه؟ فقال: هذا عمل أيوب، فقد عدّه ابن (¬5) أبي حاتم فيمن يروي عنه من أهل البصرة. ¬

_ (¬1) انظر التاريخ (2/ 413). (¬2) في التاريخ زيادة عنده. (¬3) تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 413) برقم 1217. (¬4) التمهيد (2/ 32). (¬5) الجرح والتعديل (7/ 7) برقم 31.

وأما الرواية عن علي بن عبد الله بن عباس، فلا أدري طريقها (¬1)، ثم يقول: لعلّ عكرمة علم من علم ابن عباس ما لم يعلم ابنه، فكذّبه حين أتاه بما لم يعلم. وأما ما ذكره عطاء عن ابن عباس في المسح على الخفين، فما المانع من أن يكون ابن عباس أفتى فيه بما رواه عكرمة أيضًا (¬2)، وكم من مسئلة اختلف فيها عن ابن عباس وغيره، وكذا أخلفه لا يحدثهم لعله عنده من لغو اليمين، أو يكفر إذا رأى الحديث خيرًا. وما ذكر من سماعه الغنا مشهور من عمل أهل المدينة. وقول أحمد فيه مضطرب، لا أدري (¬3) قد نقلنا عنه توثيقه جزمًا (¬4)، والأخذ بجزمه أولى من الأخذ بما تردد فيه. قال أبو (¬5) عمر: وكان نزل القيروان ومكث فيها برهة، وذكر ابن أبي مريم عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود قال: أنا مدحت المغرب لعكرمة مولى ابن عباس، ¬

_ (¬1) قلت: وفي الخبر يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف لا يحتج بنقله فالخبر لا يصح، وبمثل هذا رد ابن حبان هذه الرواية بسبب ضعف يزيد، انظر الثقات (5/ 230) حيث قال ولا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش. قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبي. ومن أمحل المحال أن نجرح العدل بكلام المجروح لأن يزيد بن أبي زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه. اهـ. وارتضى هذا الكلام ابن حجر في هدي الساري (427) ط السلفية مصر. (¬2) قلت: هذا الخبر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 273) وقال يحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة ثم لما جاءه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعد نزول المائدة قال ما قال عطاء. (¬3) انظر تهذيب الكمال (20/ 284) وتهذبب التهذيب (3/ 136). (¬4) من رواية المروزي عنه، انظر تهذيب الكمال (20/ 288) وتهذيب التهذيب (3/ 137). (¬5) التمهيد (2/ 33 - 34) وفيه نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان قلت وللبزار كلام نحو هذا كما في كشف الأستار (1/ 146) قال فيه: تكلم فيه ولا نعلم أحدًا ترك حديثه إلا مالك.

ذكرت له حال أهلها فخرج إلى المغرب. وقال أبو عبد الله المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث منهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين. ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال عكرمة: عندنا إمام الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه. قال وأخبرني غير واحد أنّهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بحديث عكرمة، فأظهر التعجب. قال المروزي: وعكرمة ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس، وملازمته إياه، وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه، وعدّلوه، وما زال أهل العلم بعدهم يروون عنه. قال: وممن روى عنه من جلّة التابعين محمد بن سيرين -وذكر جمعًا (¬1) -. قال أبو عبد الله المروزي: وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه، وحملهم حديثه، فلن يقبل فيه تجريح أحد جرحه حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يجهل أن يكون جرحة، فأما قولهم: فلان كذاب، فليس مما يثبت به جرح حتى يتبيّن ما قاله. وقال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار: روى عن عكرمة مائة وثلاثون، أو قريب من مائة وثلاثين رجلًا من وجوه البلدان بين مكي ومدني وكوفي وبصري، ومن سائر البلدان كلّهم روى عنه ورضي به (¬2). ¬

_ (¬1) منهم جابر بن زيد وطاوس والزهري وعمرو بن دينار وغيرهم. (¬2) التمهيد (2/ 33 - 34) وفيه نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان قلت وللبزار كلام نحو هذا كما في كشف الأستار (1/ 146) قال فيه: تكلم فيه ولا نعلم أحدًا ترك حديثه إلا مالك.

قال أبو (¬1) عمر: وجماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم نصيب بالفقه والنظر هذا قولهم: إنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به، وصحّت عدالته وفهمه، إلا أن يتبين الوجه الذي يجرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز للشهادة، وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه (¬2). وقال ابن الجوزي -في ترجمة عكرمة هذا (¬3) -: وقد أخرج عنه البخاري ومسلم في "الصحيحين". وهذا يوهم الاحتجاج به عندهما، وليس كذلك، أما البخاري: فأكثر عنه في "صحيحه"، وقد ذكرنا ثناءه عليه. وأما مسلم: فإنّما أخرج له حديثًا واحدًا في "كتاب الحج" (¬4) مقرونًا بغيره. وقال عبد الله محمد بن إسحاق بن مسنده الأصبهاني: وأما حال عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله في الثقة، فقد عدّله أئمة من نبلاء التابعين ومن بعدهم، وحدّثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام، وروى عنه زهاء ثلثمائة رجل من أئمة البلدان فمنهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين إلا لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسكوا عن الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه مثل يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وأمثالهما رحمة الله عليهم، وكان يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة، الذين أخرجوا الصحيح وميّزوا ثابت الحديث من سقيمه وخطأه ¬

_ (¬1) التمهيد (2/ 34). (¬2) التمهيد (2/ 34) وانظر جامع بيان العلم له ففيه فصل جيد (2/ 1087 - 1119). (¬3) الضعفاء والمتروكون (2/ 182) برقم 2334. (¬4) صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 868 - 869) برقم 1208 باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه مقرونًا بطاوس وفي الحديث الذي بعده مقرونًا بسعيد بن جبير.

من صوابه، وجرحوا رواته أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمة الله عليهم أجمعين (¬1). فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به على أنّ مسلم بن الحجاج كان أسوأهم رأيًا فيه، فأخرج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح عنه، وعدّله بعد ما جرحه (¬2). وقال الحافظ أبو (¬3) أحمد النيسابوري: احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيّز الصحاح احتجاجًا بما نذكره، وذكر قصة نافع مع ابن عمر. قلت: لعلّ الحاكم أبا أحمد يريد مسلم بن الحجاج. قال محمد بن نصر المروزي فيما حكاه عنه أبو (¬4) عمر بن عبد البر: ثنا محمد بن يحيى: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر، عن أيوب قال: سأل رجل سعيد بن المسيّب، عن رجل نذر نذرًا لا ينبغي له من المعاصي فأمره أن يفي بنذره. قال: فسأل الرجل عكرمة؟ فأمره أن يكفّر عن يمينه ولا يوفي بنذره، فرجع الرجل إلى سعيد بن المسيّب، فأخبره بقول عكرمة، فقال ابن المسيّب: لينتهينّ عكرمة، أو ليوجعنّ الأمراء ظهره. فرجع الرجل إلى عكرمة، فأخبره. فقال عكرمة أما إذ بلغتني فبلّغه! أما هو فقد ضربت الأمراء ظهره، وأوقفوه في تبان من شعر، وتسلْه عن نذرك أطاعة هو لله أم معصية؟ فإن قال هو طاعة فقد كذب على الله (¬5). وإن قال هو معصية فقد ¬

_ (¬1) انظر هدي الساري (429) ط السلفية مصر وتهذيب التهذيب (3/ 138) وذكر فيه أن كلام ابن منده في صحيحه. (¬2) انظر هدي الساري (429 - 430) ط السلفية مصر وتهذيب التهذيب (3/ 137 - 138). (¬3) انظر تهذيب الكمال (20/ 290) وتهذيب التهذيب (3/ 137). (¬4) انظر جامع بيان العلم (2/ 1104 - 1105) ط الزهيري قلت والخبر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 438 - 439) برقم 15826 بسنده ومتنه سواء. (¬5) في جامع بيان العلم زيادة لأنه لا تكون معصية الله طاعته.

أمرك بمعصية الله. قال المروزي: فلذا كان بين سعيد بن المسيّب، وبين عكرمة ما كان حتى قال فيه ما حكي عنه أنَّه قاله لغلامه (¬1): لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (¬2). وقال أبو (¬3) جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب من القول عندنا في عكرمة، وفي غيره ممن شهر في المسلمين بالستر والصلاح أنّه جائز الشهادة، مستحق الوصف بالعدالة من أهل الإسلام، ولا يدفع ذو علم كعكرمة، ومعرفة بمولاه عبد الله بن عباس: أنّ عكرمة كان وهو رجل يجتمع لمولاه عبد الله بن عباس مملوكًا، بل كان من خواص مماليكه، وأنّه لم يزل في ملكه حتى مضى لسبيله رحمه الله، مع علمه به وبموضعه من العلم بالقرآن، وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وأنّه لم يحدث له إخراجًا عن ملكه ببيع ولا هبة، بل ذكر عنه أنّه كان ربّما استثبته في الشيء يستصوب فيه قوله، ولو كان ابن عباس اطلع منه على أمر في طول مكثه في ملكه مذموم، أو مذهب في الدين مكروه، لكان حريًّا أن يكون قد أخرجه عن ملكه، أو عاقبه بما يكون له عن ذلك من مذهبه أو فعله رادعًا أو يتقدم إلى أصحابه بالحذر منه، ومن روايته، وأعلمهم من حالته التي اطلع منه عليها ما يوجب لهم الحذر منه، والأخذ عنه، وفي تقريظ جلّة أصحاب عكرمة إياه، ووصفهم له بالتقدّم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه كجابر بن زيد أبي الشعثاء، ومنزلته من الإسلام، منزلته وموضعه من الحلال والحرام موضعه وتقدّمه في الفضل الذي يقول وقد سئل عنه: ¬

_ (¬1) في جامع بيان العلم زيادة برد. (¬2) انظر جامع بيان العلم (2/ 1104 - 1105) ط الزهيري قلت والخبر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 438 - 439) برقم 15826 بسنده ومتنه سواء. (¬3) انظر هدي الساري (429) ط السلفية مصر، بمعناه ولم ينقل النص كاملًا.

هو البحر؛ فاسألوه. وكسعيد بن جبير ومكانه من العلم بالحلال والحرام ومعرفته بالشرائع، وتأويل القرآن ومحله من الإسلام يقول وقد سئل: هل بقي أحد أعلم منك؟ فيقول: نعم، عكرمة. وكطاوس بن كيسان في فضله وورعه وزهده وعبادته وعلمه، وقد صحب عبد الله بن عباس رحمة الله عليهما؛ يرى استعطافه بالهدية إليه ليفيد ابنه من علمه، وليمكنه من الاقتباس منه، وكأيوب بن أبي تميمة السختياني في فضله وورعه وإمامته على الدين وأهله يشهد له بالثقة على ما روى وحدث. وينكر تهمة من يتهمه على من يتهمه. وكشهر بن حوشب وأمره من يسأله عنه بالأخذ عنه في [غيرهم ممن يصعب إحصاؤهم من أهل العلم ممن يقرظه ويمدحه في دينه] (¬1) وعلمه بالشهادة، [بعضهم تثبت للإنسان العدالة ويستحسن في المسلمين] (¬2) جواز الشهادة، ومن ثبتت له فيهم العدالة، وجازت له فيهم الشهادة، لم يخرج منها، ولم يسقط عدالته بالتهمة والظنّة، وبأنّ فلانًا قال لمملوكه لا تكذب علي كما كذب فلان على فلان، وما أشبه ذلك من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذين توجهه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب، والعجب كل العجب ممن علم حال عكرمة ومكانه من عبد الله بن عباس وطول مكثه معه، وبين ظهراني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم من بعد ذلك بين خيار التابعين والخالفين، وهم له مقرظون، وعليه مثنون، وله في العلم والدين مقدمون، وله بالصدق شاهدون، ثم يجيء بعد مضيه بسبيله بدهر وزمان توابع، ويجادلون فيه من يشهد له بما شهد له به ممن ذكرنا من خيار السلف، وأئمة أهل الخلف من مضيه على ستره وصلاحه، وحاله من العدالة، وجواز الشهادة في المسلمين بأن كما ما ذكرنا من حاله عمّن ذكرنا عنه، لا حقيقة له ولا صحة، بأن خبرًا ورد عليهم ولا صحة له ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين غير واضح. (¬2) ما بين المعقوفتين غير واضح.

عن ابن عمر أنّه قال لمملوكه: يا نافع لا تكذب على كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقد بينّاه على الاحتمال هذا القول من ابن عمر من الوجوه ما قد ذكرنا بعضها، وهم مع ذلك من استشهادهم على دفع عدالة عكرمة وجرحهم شهادته وتوهينهم روايته بما ذكرنا من الرواية الواهية عن ابن عمر عندهم. نافع عن ابن عمر في نقل ما روى من خبر في الدين حجة، وفيما شهد به عدل ثقة مع صحة الخبر عن أن مولاه سالم، أنّه قال: إذ خبر عنه أنّه يروي عن أبيه عبد الله بن عمر: من استجاز إتيان النساء في أدبارهنّ كذب، وذلك صريح التكذيب منه لنافع، فلم يروا ذلك من قول سالم لنافع جرحًا ولا عليه في روايته طعنًا ورأوا أنّ قول ابن عمر لنافع لا تكذب على كذب عكرمة على ابن عباس، له جرح، وفي روايته طعن، يسقط شهادته. قال أبو جعفر: ولم يعارض ما يلي ما ذكرنا في عكرمة بما قيل في نافع طعنًا منا على نافع، بل أمرهما عندنا في أنَّ ما نقلا في الدين من خبر حجة لازم العمل به. فمن كان بخبر الواحد العدل ذاتيًّا، ولكنا أردنا أن نريهم تناقض قولهم. وقال أيضًا: وغير بعيد أن يكون الذي حكي عن ابن عمر في عكرمة نظير الذي حكي عن سعيد فيه، وقال أيضًا: وأما ما نسب إليه عكرمة من مذهب الصفرية (¬1)، فلو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ونحله، لم يثبتُ ¬

_ (¬1) الصفرية فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الأصفر وقولهم كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون إلا أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ولا نسائهم، وقالوا كل ذنب له حد معلوم في الشريعة لا يسمي مرتكبه مشركًا ولا كافرًا بل يدعى باسمه المشتق من جريمته فيقال سارق وقاتل وقاذف وكل ذنب ليس فيه حد كمن يترك الصلاة فمرتكبه كافر ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعًا مؤمنًا. =

عليه ما ادعى عليه من ذلك، ونحله يجب علينا إسقاط عدالته، وإبطال شهادته، وترك الاحتجاج بروايته. ألزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نقل عنه أمر من محدثي الأمصار كلها لأنه لا أحد منهم إلَّا وقد نسبه ناسبون إلى ما يرغب له عنه قوم ويرتضيه له آخرون. واختلف في وفاته فقيل: سنة أربع ومائة (¬1) وقيل: سنة خمس (¬2)، وقيل. سنه ست (¬3)، وقيل: سنة سبع (¬4)، وقيل: سنة خمس عشرة ومائة (¬5). وهو ابن ثمانين أو أربع وثمانين سنة، وكانت وفاته بالمدينة. ومن الناس من يقول بالقيروان والصحيح الأول، وطلبه بعض الولاة، فتغيب عند داود بن الحصين، وأقام عنده حتى مات عنده (¬6). وذكر الواقدي (¬7) قال: "حدثني خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة مولى ابن عباس، وكثير بن عبد الرحمن الخزاعي صاحب عزّة في يوم واحد في سنة خمس ومائة فرأيتهما جميعًا صلي عليهما بعد الظهر في مسجد الجنائز فقيل: مات ¬

_ = انظر مقالات الإسلاميين (182 - 183) والفرق بين الفرق (70) والتبصير في الدين (52) والملل والنحل (1/ 137). (¬1) وهو قول البخاري في التاريخ الصغير (1/ 257) والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 6). (¬2) وهو قول جماعة من العلماء منهم الفلاس والقاسم بن سلام وأبو سعيد بن يونس وخليفة كما في طبقاته (280) وانظر تهذيب الكمال (20/ 291). (¬3) وهو قول الهيثم بن عدي وأبي عمر الضرير، انظر تهذيب الكمال (20/ 292). (¬4) وهو قول أبي نعيم كما في طبقات ابن سعد (5/ 293) والتاريخ الكبير للبخاري (7 / برقم 218) ط دار الكتب العلمية. (¬5) وهو قول يحيى بن معين ونقل عن الهيثم بن عدي وأبي الحسن المدائني وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 229). (¬6) انظر تهذيب الكمال (20/ 467). (¬7) انظر طبقات ابن سعد (5/ 292).

اليوم أفقه الناس وأشعر الناس". وقال المفضل (¬1) بن فضالة في هذا الخبر: فما علمته تخلف رجل ولا امرأة عن جنازتهما قال: "وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه، ويذكرون عزة في ندبهنّ له". وذكر أبو حاتم بن حبان عكرمة هذا في كتاب الثقات (¬2) له، ورد الخبر المروي عن علي بن عبد الله بن عباس الذي قال فيه: إنّه قال: إن هذا يكذب على أبي، فإنه من رواية يزيد بن أبي زياد لمحل يزيد من التضعيف. وقد تقدّم ذكرنا له من طريق غيره أيضًا، ثم قال (¬3): أما عكرمة؛ فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها، وما أعلم أحدًا ذمّه بشيء إلا بدعابة كانت فيه، مات سنة سبع ومائة، ويقال: سنة خمس، وذكر نحو ما سبق، وقال: وكان متزوجًا بأم سعيد بن جبير (¬4) وفي الباب مما لم يذكره عن جابر قال: "كان الرجال والنساء يتوضّؤون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد يذهب هؤلاء ويجيء هؤلاء". رواه الدارقطني (¬5) من حديث أبي معشر، عن مصعب بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن جابر. وفيه عن عائشة: روى أبو (¬6) أحمد بن عدي من حديث عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضل وضوء المرأة فقال: "لا بأس به". ¬

_ (¬1) انظر التمهيد (2/ 35). (¬2) الثقات (5/ 230). (¬3) أي ابن حبان. (¬4) الثقات (5/ 230). (¬5) كذا قال ولم أجده في السنن، والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد (8/ 61) من طريق أبي معشر. (¬6) الكامل (5/ 1684).

عمر (¬1) بن صبح لا يحتجّ به. وقوله: إن الماء لا يجنب، أي لا ينتقل إليه حكم الجنابة، وفي بعض ألفاظه: إن الماء لا ينجسه شيء؛ كذلك هو عند الإمام أحمد (¬2)، والمراد منه أيضًا والله أعلم، لا يمتنع التطهّر به كامتناعه بما تنجس، وإلا فمعلوم أنّه لم يتنجس بكونه طهور امرأة، وقد يؤخذ منه طهورية الماء المستعمل حيث لم يجعل بين الطهورية والنجاسة واسطة لاستعمال الماء من التطهر بالماء المستعمل عند من يقول بطهارته دون طهوريته، لأنه لم يكن المراد حكم معرفة ذلك الماء في الطهارة والنجاسة، وإنما المراد جواز التطهر به أو عدمه. فضمن إخباره - عليه السلام - إياها لجواز الوضوء به أو الاغتسال، إذا لم ينجسه شيء لأنه لا واسطة بين الطهارة والنجاسة في جواز التطهّر به، أو عدمه، وذكر شيخنا الإمام أبو (¬3) الفتح القشيري رحمه الله تعالى أنّه يستفاد ذلك منه من وجوه: * أحدها: ما دلّ عليه الجواب من ردّ توهّم المرأة لفساد الماء بالاستعمال. * وثانيها: قوله - عليه السلام - إن الماء لا يجنب، أي لا ينتقل إليه حكم الجنابة، وهو المنع ذكر ذلك تعليلًا لجواز الوضوء به. * وثالثها: أنّها لما أخبرت أنّها كانت جنبًا أي عند الاغتسال منه، وأحوال الجنب عند الاغتسال مختلفة، تارة تكون بالانغماس وتارة تكون بالتناول، وبعد التناول تارة ينوي رفع الحديث، وتارة ينوي الاغتراف بخصوصيّة. أعني مع قطع نية رفع الحديث عن اليد، وتارة لا ينوي واحدًا منهما ويذهل، ثم حصل الجواب بما ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 116) برقم 629 وتهذيب الكمال (21/ 396 - 398) برقم 4259، تهذيب التهذيب (3/ 233 - 234). (¬2) المسند (6/ 172). (¬3) شرح الإلمام (2/ 125 - 126).

يقتضي إباحة الاستعمال فيقتضي عدم تأثير الاستعمال في الماء بناء على القاعدة المشهورة في ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال. وقد يردّ على هذا ما يردّ على تلك القاعدة من جواز علم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بتلك الواقعة وجوابه عنها على حسب علمه، إلا أنّه ها هنا ضعيف لأنّه حكم على عموم الماء بأنّه لا يجنب. ولم يحكم على خصوص ما سئل عنه، وهذا أمر زائد. انتهى (¬1). وأما الماء المستعمل؛ وقد تقدَّم ما للناس فيه من المذاهب في باب ما جاء في فضل الطهور، فلا حاجة إلى إعادته ها هنا، وقد تقدَّم الكلام في الباب قبله في الوضوء، بفضل المرأة، وما عن السلف في ذلك من الخلاف، وأن من قال بالجواز مطلقًا أخذ بهذا الحديث، وحديث عمرو عن أبي سعيد المتقدّم لرجحانهما من حيث الصحة على حديثي ابن سرجس، والحكم بن عمرو الغفاري المخالفين لهما في الحكم، ورأيت بخط الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي قال: لم يخف على أبي محمد يعني ابن حزم هذا الاعتراض -يعني تضعيف حديث الحكم بن عمرو بما فيه من الاضطراب-، قال: وقد ذكره في الإيصال (¬2) بعد أن ذكر الخبر من طريق آخر عن العقيل، عن إبراهيم بن يوسف، عن محمد بن عبد الرحيم البوفي، عن عبد الله بن محمد بن المغيرة، عن قيس بن الربيع، عن شعبة، عن ¬

_ (¬1) شرح الإلمام (2/ 125 - 126). (¬2) الإيصال إلى فهم كتاب الخصال ويقع في خمسة عشر ألف ورقة قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/ 193) وقال في تذكرة الحفاظ (3/ 1147): أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول. اهـ. قلت: والإيصال شرح لكتابه الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع وقد اختصر بعض هذا الكتاب ابنه أبو رافع ليكمل بعض أجزاء المحلى، انظر فهرس دار الكتب المصرية (1/ 555).

سليمان -هو التيمي-، عن أبي حازم، عن أبي ذر، وعن معاذ بن المثنى، عن محمد بن منهال، عن يزيد بن زريع، عن سليمان التيمي، عن رجل من بني غفار، وعن ثابت بن عامر الغفاري، عن ابن أبي السري، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: وعن الباجي، عن عيسى بن أبي حرب الصفار، عن يحيى بن أبي بكر، عن أبي كريمة، عن سليمان، عن أبي حاجب، عن أبي هريرة. كلّهم يرفعه بنحو حديث الحكم، ومن طريق ابن أبي خيثمة أيضًا عن أبيه، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عاصم بإسناده ونصّه: "نهى أن يتوضأ الرجل بفضلها، لا يدري فضل سؤرها، أم فضل وضوءها". قالوا: فهذا خبر اضطرب فيه كما ترى، قال أبو محمد: فقلنا هذا كله تقوية للخبر، وتصحيح له، فمن رواه موقوفًا فحق رواه من فتياهما، ومن أسنده عنهما فروى عنهما به علمًا من ذلك، ورواية من رواه مرة عن الحكم، ومرة عن ابن سرجس، ومرة عن أبي ذر، ومرة عن أبي هريرة، ومرة عن رجل من بني غفار. فنحن نحمد الله على ذلك، ونرى أنه قوة للخبر وتأكيد له، إذ روي من طريق هؤلاء كلهم، وما ندري من أين وقع لهم أنّ هذا وهّن الخبر ولم نجد عندهم في ذلك أكثر من الدعوى الفاسدة الزائفة، ولا يجوز رد السنن بمثل هذه الأباطيل التي لا معنى لها، وأما شكّ عبد الصمد في قوله: لا ندري أفضل سؤرها أم فضل وضوءها، فقد بيّن ذلك غيره ولم يشكّ، وهو أبو داود (¬1) عن شعبة. وشكّ عبد الصمد إنما هو جهل منه بما عرفه غيره من معنى الخبر، وما علينا من جهل الراوي بمعنى ما روى، ولا من علمه به، إنّما علينا نفسه في روايته فقط، ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 63) برقم 82 باب النهي عن ذلك.

فيصح النقل أوسيلة فيها فبطل نقله لها. قلت: هذا تصرف حسن، ونظر سديد، لا خفاء به يبيّن أنّ هذا الاضطراب لا يضر وقد سبق في باب الاستنجاء بالحجرين، بيان أن الاضطراب إذا كان بهذه المثابة لا يضرّ ولا يلزم منه وهن، وقد كان ينبغي المصير لما قاله أبو محمد في ذلك، لولا أن البخاري (¬1) قال: "حديث الحكم ليس بصحيح، وحديث ابن سرجس من رفعه فقد أخطأ". فبيّن أن المروي في ذلك حديثان: * أحدهما: ليس بصحيح جملة. * والثاني: ليس بصحيح رفعه فإلى البخاري وأمثاله الرجوع في ذلك، فليست العلة إذن ما ذكروا من الاضطراب الذي أشار إليه، وإنّما العلّة عندنا ما حكيناه عن البخاري، وليس لنا أن نعلل قول البخاري بهذا الاضطراب، فقد يكون له علة غير هذه، وليس لنا بعد ذلك أن نردّ كلام البخاري إلا عن يقين من الوقوف على علّته، وبيان أنّها ليست موثرة، ومثل ذلك يقيد، وليس رد الخبر والحالة هذه من ردّ السنن الثابتة بالظنون، كما قال، بل إثباته من ردّ قول أئمة النقد والعلم بالظنون، أن لا علّة سوى ما وقع له فليعلم ذلك. وقوله: اغتسل بعض أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في جفنة هي والله أعلم ميمونة (¬2) ووقع التصريح بها في موضع آخر، ولأنها خالته فهو أقرب إلى الرواية عنها، وهي وأم الفضل أخت لبابة الكبرى ولبابة الصغرى أم خالد ابن الوليد، وغيره. وعصماء، وأم حفيد بنات الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن ¬

_ (¬1) علل الترمذي الكبير (1/ 134) وقد سبق. (¬2) سنن النسائي كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 240 باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 378 باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد.

عامر بن صعصعة، قد ذكرناهن وأخواتهنّ لأمّهن سلمى وأسماء وسلامة بنات عميس في موضع آخر. والجفنة مفتوح الجيم ساكن الفاء، أعظم القصاع من الخشب، وجمعها جفنات مفتوح الفاء. وقال حسان بن ثابت: ولنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما والقصعة: مفتوح القاف، قال بعضهم: عربية معروفة. وقد قاله أبو هلال (¬1) العسكري، وأنشد: وماء قدور في القصاع ست مشيب (¬2). وقال غيره: فارسي معرّب. وقال كراع (¬3) في "المنتخب" (¬4): وأعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تشبع ¬

_ (¬1) في كتابه التلخيص قال ذلك ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (2/ 117) فلعل المصنف ينقل عنه. (¬2) هذا عجز بيت أوله: سيكفيك صرب القوم لحم معرّض. والبيت نسبه ابن مالك في المشوف المعلم (1/ 449) ص ر ب وابن منظور في لسان العرب (1/ 92) ش وب و (7/ 186) ع ر ض والخطيب التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق (109) و (353) لسليك بن السلكة السعدي. (¬3) هو علي بن الحسن الهنائي المعروف بكراع النمل بضم الكاف أبو الحسن النحوي اللغوي، من أهل مصر، أخذ عن البصريين وكان نحويًّا كوفيًّا، صنف مصنفات مفيدة في اللغة كالمنضد والمجرد مختصر المنضد والمنتخب وغيرها. انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 158) برقم 1693 وإنباء الرواة (2/ 240) وطبقات ابن قاضي شهبة (2/ 146 - 147) والفهرست (83) ومعجم الأدباء (13/ 12 - 13) والأعلام (4/ 272) ولقب بكراع النمل لأنه كان دميم الخِلْقة. (¬4) ونقل هذا ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (2/ 117) وهو في المنتخب (1/ 337) بواسطة محقق شرح الإلمام.

العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المكيال ووقع عند الترمذي (¬1): في جفنة، وكذا هو عند الأكثرين. وعند (¬2) أبي حاتم بن حبّان: من جفنة. فأما من يسوّي بينهما كما قال امرئ القيس: (¬3) [وهل ينعمن من كان أقرب عهده ... ثلاثين شهرًا، في ثلاثة أحوال] (¬4) ومن يرى أنّ حروف الجر يخلف بعضها بعضًا، كما هو معروف من الكوفيين فلا فرق عنده، وأما من يفرق بينهما كما ذهب إليه الجمهور فقد يقول المغتسل منها متناول منها، والمغتسل فيها ليس كذلك، وينبني عليه حينئذ أنّ الانغماس في الماء اليسير هل يصيّره مستعملًا أو لا؟ وهي مسأله تنارع العلماء فيها، فيدل الحديث على عدم تأثير ذلك، وقد يؤخذ هذا الاستدلال من قاعدة ترك الاستفصال كما سبق إذ هو من محتملات كيفيات الاغتسال. وقد يؤخذ منه على تقدير أن يكون بلفظة (من) كما رواه ابن حبان على هذه القاعدة أيضًا مسألة الاغتراف باليد من الماء اليسير، هل يصيّره مستعملًا أو لا؟ إذ من جملة أحوال المغترف أن ينوي رفع الحدث عن اليد أو يدخل عن النية، أو ينوي الاغتراف ولم يقع في الخبر استفصال، وسيأتي الكلام على ذلك في باب الاغتسال ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 94). (¬2) قلت: بل الموجود عنده في صحيحه (4/ 73) برقم 1261 في جفنة، وقال عقبه: لم يقل في جفنة إلا أبو الأحوص فإنه قال في جفنة، وانظر إتحاف المهرة (7/ 465) برقم 8234 فإنه ذكره بحرف الجر في، على أن قول ابن حبان لم يقل في جفنة إلا أبو الأحوص فيه نظر فقد رواه كذلك يزيد بن عطاء كما عند الدارمي (1/ 187). (¬3) البيت في ديوانه (123) بلفظ أحدث بدل أقرب وهو كذلك عند الرماني في معاني الحروف وابن جني في الخصائص وابن هشام في مغني اللبيب. (¬4) انظر شرح المفصل (8/ 7) والتصريح على التوضيح (2/ 3 - 6).

من الجنابة إن شاء الله تعالى والاستدلال بهذا الحديث على جواز طهور الرجل بفضل المرأة من رواية ابن حبان التي هي بلفظة "من" لأنّ المانع على رواية "في"، وقد تكون لأنّ الماء صار مستعملًا لأنّه فضل طهور المرأة. قال القاضي أبو (¬1) بكر بن العربي رحمه الله تعالى: وحديثها أولى لوجهين -يعني حديث الباب في الرخصة-: * أحدها: أنَّه أصحّ. * والثاني: أنّه متأخر عنه بدليل أنّه - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يغتسل من الإناء قالت له ميمونة: إني قد توضأت منه، وهذا يدل على تقدّم النهي فبيّن أن الماء لا يجنب، ورفع ما تقدّم، قال: أو يكون معناه ما استعملته المرأة، أو يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية لتذكرها أثناء الغسل، واشتغال البال بها. انتهى. وليس هنا أجنبية إنّما هي ميمونة، ولم يفرق أحد بين الأجنبية في ذلك وغيرها. قلت: وفي الحديث الرد على من قال: بأن الماء المستعمل ليس بطهور، فلأن يكون فيه الرد على من قال بأنّه ليس بطاهر من باب أولى. وفيه جواز البناء على الظاهر والأصل لأن الأصل في الماء الطهارة واحتمال قيام المانع به ممكن لكن لم يسأل عنه - عليه السلام -، حين إرادة استعماله، وبنى على الأصل فيقتضي ذلك البناء على الأصل والظاهر. وفيه رد على من قال من المالكية (¬2): بأن الماء المستعمل غير طهور، ولم يعلله ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 72). (¬2) هو المحكي عن أصبع بن الفرج المالكي، انظر الاستذكار (1/ 253) والتمهيد (1/ 43) والمنتقى (1/ 55)، ومواهب الجليل (1/ 66).

بانتقال مانع، ولا يتأدى به بل علله بما يلحق الماء ويحله من الأوساخ والأدران. والحديث يدل على بطلان هذا التعليل بعد الحمل على كون الاغتسال في الجفنة لأنّ الاغتسال في الجفنة هنا موجود فلو منعت هذه العلة التطهير لامتنعت الطهارة، ولم تمتنع الطهارة، فلا يمنع التطهير، ذكر معناه شيخنا الإمام أبو (¬1) الفتح القشيري. وقال (¬2): ومن فسّد (¬3) الماء بالاستعمال علل بوجهين: تأدي العبادة، وانتقال المنع (¬4)، وقوله - عليه السلام -: إن الماء لا يجنب؛ كالتصريح برد هذه العلة الثانية. وفيه: إذ الحمل على الاغتسال في الجفنة لا منها، أن التغيّر باليسير من الطاهرات لا يضر لأنّ الغالب أنّه لا بد وأن يحصل في الماء تغيَّر ما بسبب ما لابس البدن من الأدران والأوساخ من الاستدلال بوجود العلة على وجود المعلول لأنّ حكمه - عليه السلام -: أنّ الماء لا يجنب؛ علة لجواز الطهارة به، الذي هو مقصود، فذكر العلة ليدل بها على المعلول، وأما على رواية استعماله له - صلى الله عليه وسلم - فيؤخذ منه العلة من المعلول لأنّ تطهره منه - عليه السلام - لازم لطهوريته فاستعماله له دليل على طهوريته دلالة المعلول على العلة، وقد روي الأمران معًا قوله (¬5): "إن الماء لا يجنب"، كما ذكرناه، وأنّه - عليه السلام - اغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها. * * * ¬

_ (¬1) شرح الإلمام (2/ 136 - 137). (¬2) أي ابن دقيق العيد. (¬3) عبارة ابن دقيق العيد: بعض من أفسد الماء بالاستعمال .. إلخ. (¬4) انظر في ذلك بدائع الصنائع (1/ 67)، الحاوي (1/ 298)، المجموع (1/ 160 - 161) شرح الزركشي على الخرقي (1/ 120 - 123). (¬5) شرح الإلمام (2/ 140 - 141) مع تقديم وتأخير وبتصرف يسير.

49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة، أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد. وفي الباب عن ابن عباس وعائشة (¬1). * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4) والدارقطني (¬5) وقد اختلف في حكمه فقال الإمام أحمد (¬6) هو صحيح، وقال الترمذي حسن. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 95 - 97). (¬2) المسند (3/ 31) و (3/ 86). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 53 - 54) برقم 66 باب ما جاء في بئر بضاعة. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 90) برقم 325 باب ذكر بئر بضاعة. (¬5) السنن (1/ 29 - 30) برقم 10 - 11. (¬6) نقله الحافظ المزي في تهذيب الكمال (19/ 94) ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن رافع وزاد الحافظ في التلخيص (1/ 13) أنه صححه أيضًا يحيى بن معين وأبو محمد بن حزم.

وقال أبو (¬1) الحسن بن القطان: هو ضعيف كما سنوضّحه. وقال المنذري (¬2): وتكلّم فيه بعضهم. قال ابن (¬3) القطان: وأمره إذا بُيِّن يبين منه ضعف الحديث لا حسنه، وذلك أنّ مداره على أبي أسامة عن محمد بن كعب، ثم اختلف على أبي أسامة في الواسطة الذي بين محمد بن كعب، وأبي سعيد؛ فقوم يقولون: عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج (¬4). وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج (¬5). وله طريق آخر من رواية ابن إسحاق عن سليط بن أيوب، واختلف على ابن إسحاق في الواسطة التي بين سليط وأبي سعيد؛ فقوم يقولون عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع. وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع. وقوم يقولون: عن عبد الرحمن بن رافع. فتحصل في هذا الرجل الراوي له عن أبي سعيد خمسة (¬6) أقوال: عبد الله بن عبد الله بن رافع، وعبيد الله بن عبد الله بن رافع، وعبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعبد الرحمن بن رافع. وكيفما كان فهو من لا تعرف له حال ولا عين (¬7)، والأسانيد بما ذكرناه في ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309) برقم 1059. (¬2) مختصر سنن أبي داود (1/ 74). (¬3) بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309) برقم 1059. (¬4) قلت: وممن قال ذلك هناد والحسن بن علي الخلال وغيرهم عن أبي أسامة. (¬5) وقائل ذلك يوسف بن موسى عن أبي أسامة. (¬6) بل هي ستة بزيادة عبد الرحمن بن أبي سعيد. (¬7) والحق أن عينه معروفة وإنما اختلف في اسمه.

كتب الأحاديث معروفة. وقد ذكر البخاري في تاريخه (¬1) الخلاف في المذكور مفسرًا. ولحديث بئر بن بضاعة طريق حسن من غير رواية أبي سعيد، من رواية سهل بن سعد" (¬2). قال قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن وضاح: ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد قالوا: يا رسول الله إنك تتوضّأ من بئر بضاعة، وفيها ما يُنْجِي الناس والمحايض والخبث؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء لا ينجسه شيء". قال قاسم: هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة. "وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن (¬3): ثنا ابن وضاح فذكره أيضًا بإسناده ومتنه. قال ابن حزم (¬4) في كتاب الإيصال: عبد الصمد بن أبي سكينة ثقة مشهور (¬5). وذكره المجالي (¬6) وقال: إنّ ابن وضاح لقيه بحلب، ويروى عن سهل بن سعد ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير (5/ 389). (¬2) بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309). (¬3) أي في مستخرجه على أبي داود كما في التلخيص لابن حجر. (¬4) وذكره في المحلى (1/ 203) كتاب الطهارة وفيه وهو ثقة. فائدة: ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 119) أنه بحث عن عبد الصمد الذي وثقه ابن حزم في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر فلم يظفر له بترجمة. (¬5) قلت انظر الاستذكار (108 - 111) فيه كلام لابن عبد البر وقال ابن عبد البر وغير واحد مجهول ولم نجد له راويًا إلا محمد بن وضاح، الظر التلخيص (1/ 13). (¬6) وفي أصل مخطوط الإمام لابن دقيق العيد المنتجالي وقد يكون له وجه والموجود في البدر المنير (2/ 57) ومعجم البلدان (5/ 207) والمُنْتَجِيلي نسبة إلى مُنْتَ جِيل بلدة بالأندلس، وينسب إليها أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي ألف في تاريخ الرجال كتابًا كبيرًا توفي سنة 350 هـ. انظر تاريخ علماء الأندلس (43 - 44) وجذوة المقتبس (125).

في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها" (¬1). وذكر شيخنا الحافظ الإمام (¬2) أبو الفتح القشيري رحمه الله قال: ولما أخرج أبو عبد الله بن منده هذا الحديث من رواية محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع قال: وهذا إسناد مشهور، وأخرجه أبو داود والنسائي، وتركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده رواه ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد، ثم ذكر رواية مطرف بن طريف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، وقال بعد ذلك: فإن كان عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع هذا هو الأنصاري الذي روى عن جابر بن عبد الله، فقد روى عنه هشام بن عروة، وهو رجل مشهور في أهل المدينة. وعبد الله بن رافع بن خديج مشهور، وعبد الله ابنه مجهول. فهذا الحديث معلول برواية عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقد أخرج الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب "إيضاح الإشكال" له، رواية مطرف عن خالد بن أبي نوف عن سليط، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ من بئر بضاعة فقلت: يا رسول الله تتوضأ منها وهي يلقى فيها ما يلقى من النتن؟ فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء" (¬3). ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 224 - 225) برقم 2435. (¬2) الإمام (1/ 116 - 117). (¬3) الإمام (1/ 116 - 117). قال ابن العجمي كما هو على هامش المخطوط: رواية مطرف في "السنن الصغرى" للنسائي كما سيأتي، فلا حاجة لعزوها إلى عبد الغني. اهـ. فالعجب من ابن دقيق العيد رحمه الله حيث عمد إلى تخريج هذه الرواية من كتاب إيضاح الإشكال لعبد الغني بن سعيد وهو متأخر مع وجودها بهذا السياق سندًا ومتنًا في مسند الإمام أحمد (3/ 15 - 16) وسنن النسائي (1/ 174 برقم 327) في الطهارة باب ذكر بئر بضاعة.

قلت: ذكر ابن (¬1) القطان حديث ابن إسحاق عن سليط بن أيوب وأعلّه بالجهالة (¬2) في الواسطة بين سليط وأبي سعيد، وذلك منه مؤذن بأن لا علة له سوى ذلك، وقد ذكر أبو (¬3) محمد بن أبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن أبيه قال: "محمد بن إسحاق بن يسار بينه وبين سليط رجل". ولنرجع الآن إلى ما ينبغي أن يحكم به على هذا الحديث فنقول: أما حكم الترمذي (¬4) عليه بأنه حسن فجارٍ على ما قرره في السنن، ولا اعتراض عليه فيه، فإن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عرف بروايته عن أبي سعيد (¬5). ورواية محمد بن كعب، وسليط بن أيوب (¬6) عنه فارتفعت بذلك عنه الجهالة العينية، لم يقف لأحد على جرح فيه، وللحديث شاهد من حديث سهل (¬7) بن سعد، وقد ذكر له الترمذي في الباب عن ابن عباس وعائشة (¬8) فهو حديث لم يتهم راويه بكذب، وله شاهد، وهذا هو بعينه الحسن عند الترمذي. وأما قول الإمام أحمد إنّه صححه (¬9) فمهما حكم به أحمد بن حنبل أو علي ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (3/ 309) برقم 1059. (¬2) وهي عند ابن القطان جهالة عين وقد سبق التنبيه على هذا. (¬3) المراسيل (156) برقم 343. (¬4) الجامع (1/ 95 - 97) برقم 66. (¬5) انظر الجرح والتعديل (5/ 321) برقم 1523 وتهذيب الكمال (19/ 83 - 84) وتهذيب التهذيب (3/ 17). (¬6) انظر تهذيب الكمال (19/ 83 - 84) وتهذيب التهذيب (3/ 17). (¬7) وقد مضى. (¬8) انظر الجامع (1/ 97). (¬9) ذكر ذلك عنه أبو الحسن الميموني كما في تهذيب الكمال (19/ 84) وحكاه المنذري في مختصر السنن (1/ 73 - 74). قلت: وقال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 115): "وهذا الذي ذكره الشيخ (أي المنذري) رواه الخلّال أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر في كتاب العلل عن أبي الحارث عن أحمد".

ابن المديني، أو يحيى بن معين، أو من يجري مجراهم من الأئمة (¬1) من تصحيح خبر أو ردّه أو تعديل راوٍ أو جرحه، فإليهم المرجع في ذلك: "إذا قالت حذام فصدّقوها ... فإن القول ما قالت حذام" (¬2) وليس لمن بعدهم أن يعترض ما يجده عن أحد منهم لا سيما من كان في الأعصار البعيدة عن عصرهم؛ اللهم إلا أن يكون الحكم على حديث بسند معين يقتضي الحكم بصحة ذلك الحديث تعديل من تضمنه ذلك السند ويجد من نظر فيه جرحًا مفسرًا في راو من رواته منقولًا عن من يرجع إليه في مثل ذلك فهناك قد يمكن أن يقال: إن الجرح مقدّم على التعديل، وتقبل تلك الطريق حينئذ الرد، وأما حديثنا هذا فأكثر ما فيه الاضطراب بين راوٍ يعرف حاله من غير جرح فيه أو يجهل حاله (¬3). وتصحيح أحمد لا يعارضه جهالة الحال في راوٍ من الرواة إذ تصحيحه مؤذن بتعديل من صح خبره، وأما تضعيف أبي الحسن بن القطان إياه بجهالة الوسائط بين ¬

_ (¬1) قلت وقد نقل الحافظ ابن حجر تصحيح ابن معين له وكذا ابن حزم، وقد أطال الحافظ الدارقطني في بيان طرق حديث بئر بضاعة في العلل (1/ 285 - 290) برقم 2287 وانظر السنن له (1/ 29 - 32) برقم (10 - 16). (¬2) وقبله بيت: فلولا المزعجات من الليالي ... لما ترك القطاطيب المنام إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام والبيتان قيل إنهما لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية والصواب كما في اللسان مادة رقش أنهما للجيم بن صعب والد حنيفة وعجل حذام امرأته وفيها يقولهما. والبيت من شواهد ابن عقيل (1/ 102) برقم 16 وأوضح المسالك (برقم 481) وشذور الذهب (برقم 38) وكذا الخصائص لابن جني (1/ 569) واستشهد به الأشموني في باب ما لا ينصرف. وقد جرى مجرى المثل وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه ويتمسك بمقاله ولا يلتفت إلى ما يقول غيره وفي هذا جاء به المصنف وهو يريد أن أمثال هؤلاء الأئمة يعتد بقولهم ويعتبر بنقلهم وحكمهم لأنهم أرباب هذه الصناعة. (¬3) في هامش نسخة ابن العجمي حاشية: على ما هو المشهور من حكم. . . الحديث بحكم السند الذي أخرج به.

سليط بن أيوب وأبي سعيد فيعارضه رواية سليط عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (¬1) وليست بما ذكره فليس عبد الرحمن هذا مجهولًا روى له الجماعة إلا البخاري (¬2). ومطرف (¬3) بن طريف روى له الجماعة (¬4) كلهم وخالد (¬5) بن أبي نوف، أخرج له النسائي (¬6) وحديثه هذا عند النسائي (¬7). عن عباس العنبري، عن عبد الملك بن عمرو عن عبد العزيز بن مسلم، وكان من العابدين عن مطرف بن طريف عن خالد بن أبي نوف، عن سليط عن ابن أبي سعيد به، ولم يسمّه (¬8). قال ابن عساكر: وإسناده مجهول. قلت: الجهالة التي أشار إليها ابن عساكر في ابن أبي سعيد من هو وقد تبين أنَّه عبد الرحمن في الحديث الذي ذكرنا قبل هذا. وأما قوله: إن الخمسة الذين رووه عن أبي سعيد كلهم مجاهيل. ¬

_ (¬1) وقد سبق ذكرها. (¬2) انظر تهذيب الكمال (17/ 134 - 135) برقم 3829 وتقريب التهذيب (579) برقم 3899. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 313) برقم 1448 وتهذيب الكمال (28/ 62 - 67) برقم 6000 وتهذيب التهذيب (4/ 90). (¬4) انظر تهذيب الكمال (28/ 62) برقم 6000 وتقريب التهذيب (948) برقم 6750. (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 355) برقم 1606 وتهذيب الكمال (8/ 186 - 187) برقم 1658 وتهذيب التهذيب (1/ 534). (¬6) انظر تهذيب الكمال (8/ 186) برقم 1658 وتقريب التهذيب (292) برقم 1693 وأشار المزي إلى أنه له حديث واحد في النسائي كما في تهذيب الكمال. (¬7) في سننه كتاب المياه (1/ 191) برقم 326 باب ذكر بئر بضاعة وقال المزي في تحفة الأشراف (3/ 387 برقم 4125) إسناده مجهول. (¬8) وكذا قال المزي في تحفة الأشراف وقد سبق.

وقد وثق أبو (¬1) حاتم بن حبان عبيد الله بن عبد الله بن رافع الذي أخرجه الترمذي (¬2) من طريقه، وكنّاه أبا الفضل (¬3)، وكذلك وثق أيضًا عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعقد لهما ترجمتين (¬4) وهما في كتاب البخاري (¬5) واحد. وكذلك هما أيضًا عند أبي (¬6) محمد بن أبي حاتم فإنّه تبعه حذو القذة بالقذة، بل لعل الخمسة المذكورين عند ابن القطان واحد عند البخاري (¬7). فما أجدر الحديث على هذا بأن يكون صحيحًا فقد نقل تصحيحه عن الإمام أحمد كما ذكرنا، وعن يحيى بن معين، وعن أبي عبد الله الحاكم (¬8)، وقول ابن القطان في تضعيفه مرجوح لما ذكرناه وأكثر ما فيه أنّه جهل من عرفه غيره، وإذا صح من طريق لا يضره أن يروى من طريق أخرى غير صحيحة، فالضعيف لا يعلّ الصحيح. وأما حديث ابن عباس فقال ابن (¬9) أبي شيبة: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن عكرمة قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير فقالوا: يا رسول الله إن الكلاب تلغ فيه والسباع! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للسبع ما أخذ في بطنه، وللكلب ما أخذ في بطنه، ¬

_ (¬1) الثقات (5/ 70 - 71). (¬2) الجامع (1/ 95) برقم 66. (¬3) الثقات (5/ 70 - 71). (¬4) الثقات (5/ 70) و (5/ 71). (¬5) التاريخ الكبير (5/ 389) برقم 1249. (¬6) الجرح والتعديل (5/ 321) برقم 1523. (¬7) أشار إلى ذلك البخاري في التاريخ الكبير (5/ 389) برقم 1249. (¬8) ولم أره في مستدرك الحاكم مع أن الحافظ ابن حجر عزاه إليه في التلخيص الحبير (1/ 13) وفي إتحاف المهرة (5/ 297) برقم 5439 على أن البيهقي أورده من طريق الحاكم في السنن الكبرى (1/ 4 - 5) وكذلك عزاه إليه ابن الملقن في البدر المنير (2/ 52) والنووي كما في البدر المنير (2/ 52). (¬9) المصنف (1/ 142) وليس فيه قوله: فشربوا وتوضؤوا.

فاشربوا وتوضؤوا". قال: فشربوا وتوضؤوا. ثنا (¬1) أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الماء لا يجنب". وقد سبق. وأما حديث عائشة فروى الطبراني (¬2) في "معجمه الأوسط" من حديث أبي أحمد الزبيري: ثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الماء لا ينجسه شيء" أخرجه عن أحمد بن زهير، عن أبي الربيع، عن عبد الله بن محمد الحارثي، عن أبي أحمد الزبيري. ورواه البزار (¬3) عن عمرو بن علي، عن أبي أحمد. قال الطبراني: لم يروه عن المقدام إلا عن شريك. وفي الباب مما لم يذكره الترمذي حديث سهل بن سعد الساعدي، وقد تقدّم ذكرنا له، وحديث جابر قال: انتهينا إلى غدير فإذا فيه جيفة حمار؛ قال: فكففنا عنه، حتى انتهى إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء"، فاستقينا وأروينا وحملنا. رواه ابن (¬4) ماجه وفيه: عن أبي أمامة قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". رواه ابن (¬5) ماجه أيضًا. قال أبو (¬6) داود: وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيّم بئر بضاعة عن ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 143). (¬2) المعجم الأوسط (2/ 318 - 319) برقم 2093. (¬3) مسنده (1/ 132) كشف الأستار وقال الهيثمي (1/ 214) ورجاله ثقات وقال البزار: لا نعلمه رواه إِلا شريك كما في كشف الأستار (1/ 132). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 173) برقم 520 باب الحياض. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 521 باب الحياض. (¬6) السنن كتاب الطهارة (1/ 55) برقم 67 باب ما جاء في بئر بضاعة.

عمقها قال: أكثر ما يكون فيها الماء قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص الماء؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون (¬1). وذكر الدارقطني (¬2) عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه"، تفرد (¬3) برفعه رشدين بن سعد، وهو ضعيف عندهم. وروى الدارقطني (¬4) عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن أبيه، عن جابر قال: قيل: يا رسول الله أنتوضّأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "وبما أفضلت السباع". إبراهيم (¬5) وثقه أحمد (¬6)، وضعفه البخاري (¬7) ويحيى (¬8) بن معين، ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 55) برقم 67 باب ما جاء في بئر بضاعة. (¬2) السنن (1/ 28) برقم 1. (¬3) قوله تفرد برفعه رشدين بن سعد يوهم نقل المصنف أن الدارقطني قال هذه العبارة عقب حديث ثوبان وليس الأمر كذلك وإنما قال هذه العبارة بعد حديث أبي أمامة (1/ 28 - 29) برقم 3 حيث قال لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي. وانظر في ترجمة رشدين الجرح والتعديل (3/ 513) برقم 2320 وتهذيب الكمال (9/ 191 - 195) برقم 1911 وتهذيب التهذيب (1/ 607 - 608). (¬4) السنن (1/ 62) برقم 2 وقال الدارقطني عقبه ابن أبي حبيبة ضعيف جدًّا وهو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة. (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 83 - 84) برقم 196 وتهذيب الكمال (2/ 42 - 44) برقم 146 وتهذيب التهذيب (1/ 58). (¬6) الجرح والتعديل (2/ 83). (¬7) التاريخ الكبير (1/ 271 - 272) برقم 873 والضعفاء الصغير (16) برقم 2. (¬8) سؤالات ابن الجنيد (382) وفيه ليس به بأس برقم 441 وتاريخ عثمان الدارمي (71) برقم 148 وفيه صالح وكذا هو في رواية ابن محرز (1/ 78) برقم 229 ونقل ابن عدي في الكامل وغيره (3 / =

وغيرهما (¬1). ويروى فيما أفضلت السباع من حديث ابن عمر وأبي هريرة ولا يحتج بأسانيدهما، ذكر حديثهما الدارقطني (¬2) أيضًا. وروى الطبراني (¬3) من حديث محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن أبيه قال: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال: "لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم، وقد والله سقيت منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي". رواه في "معجمه الكبير" عن موسى بن سهل أبي عمران الجوني، عن هشام بن عمار، عن حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى. قال ابن (¬4) أبي شيبة: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب: أنّ عمر بن الخطاب مر بحوض محنة فقال: اسقوني منه! فقالوا: إنّه يرده السباع والكلاب والحمير! فقال: لها ما حملت في بطونها، وما بقي فهو لنا طهور وشراب. قال: ثنا ابن عيينة عن منبود، عن أمه: أنّها كانت تسافر مع ميمونة فمرّتا بغدير فيه الجعلان والبعر فيستقى لها منه فتتوضأ وتشرب (¬5). وعن ابن عليّة، عن حبيب بن شهاب، عن أبيه: أنّه سأل أبا هريرة عن سؤر ¬

_ = 234) قول ابن معين في إبراهيم بن إسماعيل وفيه أنه قال ليس بشيء وهو في تاريخ الدوري (2/ 6) وهذا إنما قاله في إبراهيم بن إسماعيل المكي وهو غير هذا والله أعلم. (¬1) وضعفه النسائي وأبو حاتم والدارقطني، انظر تهذيب الكمال (2/ 43) برقم 146. (¬2) السنن (1/ 31) برقم 12 و (1/ 26) برقم 30. (¬3) المعجم الكبير (6/ 207) برقم 6026. قال في المجمع (4/ 12) ورجاله ثقات ورواه أبو يعلى (13/ 511) برقم 7519. قلت: والحديث في المسند (5/ 337 - 338) من حديث ابن أبي يحيى عن أمه. (¬4) المصنف (1/ 142). (¬5) المصدر السابق.

الحوض تردها السباع ويشرب منه الحمار فقال: لا يحرم الماء شيء (¬1). وعن ابن عليّة عن إسرائيل عن الزبرقان، عن الزبير (¬2) قال: قال لي كعب بن عبد الله: كنا مع حذيفة فانتهينا إلى غدير فيه الميتة وتغتسل فيه الحائض، فقال: الماء لا يجنب (¬3). وعن حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: الماء طهور لا ينجسه إلا النجس، يعني: المشرك (¬4). وروى وكيع عن أبي العميس، عن أبي الربيع، عن ابن أبي ليلى قال: الماء لا ينجسه شيء (¬5). وعن ابن المسيب (¬6) وسلمة (¬7). وعن ابن عليّة، عن داود عن ابن (¬8) المسيب قال: أنزل الله الماء طهورًا فلا ينجسه شيء (9). قال داود: وذلك أنَّا سألناه عن الغدران والحياض يلغ فيها الكلاب (¬9). ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) قوله عن الزبير ليست في المصنف. (¬3) المصنف (1/ 142) وفي نسخة حمد الجمعة ومحمد اللحيدان لا يخبث بدل لا يجنب وهو كذلك في الطبعة الهندية. (¬4) المصنف (1/ 143). (¬5) المصدر السابق. (¬6) المصدر السابق. (¬7) كذا ولعله عائشة كما في المصنف (1/ 143). (¬8) كان الأصل: داود بن المسيب وهو خطأ والصواب داود عن ابن المسيب وداود هو ابن أبي هند وهو على الصواب في السنن الكبرى للبيهقي (1/ 259). (¬9) المصنف (1/ 143).

وروى ابن (¬1) أبي شيبة، عن يزيد بن المقدام، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: إنّه ليس يكون على الماء جنابة. ووكيع عن يزيد، عن إبراهيم (¬2): سئل الحسن عن الحياض التي تكون في طريق مكة تردها الحمير؟ قال: لا بأس به (¬3). وهشيم عن حصين، عن عكرمة: الماء طهور لا ينجسه شيء. ووكيع عن الأعمش، عن أبي عمرو (¬4) البهراني، عن ابن عباس قال: الماء طهور لا ينجسه شيء (5). وجرير، عن عيسى بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: الماء لا ينجس (¬5). وقوله بئر بضاعة المشهور فيها بضم الباء، وذكر الجوهري (¬6): الضم والكسر، وبعدها ضاد معجمة، وعينها مهملة. والحيض بكسر الحاء، وفتح الياء جمع حِيْضة بكسر الحاء، وسكون الياء؛ وهي الخرقة التي تحتشي بها المرأة، وقد تطلق الحيضة بكسر الحاء على الاسم من الحَيْضة بالفتح. وقوله ما يُنْجي الناس، وفي حديث بضم الياء بعدها نون ساكنة ثم جيم، والناس بالرفع على الفاعلية، يقال: أنجى الرجل إذا أحدث فيحتمل أن لا يكون فيه حدف (¬7). ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) كذا يزيد عن إبراهيم وهو خطأ وصوابه يزيد بن إبراهيم وهو التستري. (¬3) المصنف (1/ 143). (¬4) كذا وهو خطأ والصواب أبو عمر واسمه يحيى بن عبيد الكوفي. (¬5) المصنف (1/ 143). (¬6) الصحاح (3/ 1187) مادة بضع. (¬7) انظر الإمام لابن دقيق العيد (1/ 121) فإن المصنف ينقل عنه.

وقد روى الدارقطني (¬1) من جهة ابن إسحاق بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قيل: يا رسول الله إنه يستقى لك من (¬2) محائض النساء، ولحوم الكلاب، وعذر الناس! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء". ويحتمل أن يكون فيه حذف على تقدير، ويلقى فيها خرق ما ينجي الناس، كما قيل في المحائض (¬3). قوله: أتتوضأ هو بتائين مثناتين (¬4) من فوق، خطاب للنبي - عليه السلام -، وقد وقع ذلك مصرحًا به من طريق الشافعي (¬5)، قيل: يا سول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة. . . الحديث. وفي لفظ النسائي (¬6): عن أبي سعيد قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ من بئر بضاعة؛ فقلت: يا رسول الله أتتوضأ منها وهي يطرح فيها. . . وذكر الحديث. وعذر (¬7) الناس: بفتح العين وكسر الذال المعجمة، اسم جنس للعذرة، وضبط أيضًا بكسر العين وفتح الذال كمعدة ومِعَد، وكلاهما صحيح، وضمّ العين ¬

_ (¬1) السنن (1/ 31) برقم 13. (¬2) كذا بالأصل وهو ساقط من الإمام لابن دقيق العيد وعنه ينقل المصنف وعند الدارقطني في السنن (1/ 31) برقم 13 إنه يستقى لك من بئر بضاعة بئر بني ساعدة وهي بئر يطرح فيها إلخ. . . (¬3) انظر الإمام (1/ 121). (¬4) قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 68): وأول من نبه على هذا الضبط النووي وتبعه شيخنا فتح الدين بن سيد الناس في شرح الترمذي. قلت: وكلام النووي في شرح المهذب (1/ 83) ومحقق البدر المنير قال إنه لم يقف على كلام ابن سيد الناس في شرح الترمذي وهو موجود كما ترى. (¬5) الأم (1/ 9). (¬6) السنن كتاب الطهارة (1/ 190) برقم 325 باب ذكر بئر بضاعة. (¬7) قال الأصمعي العذرة أصلها فناء الدار، وقال أبو عبيد وإنما سميت عذرة الناس بهذا لأنها كانت تلقى بالأفنية فكني عنها باسم الفناء كما كني بالغائط أيضًا وهذا مما يبين لك أصل العذرة ما هي غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 450).

فيها تصحيف (¬1). وقال الخطابي (¬2) وغيره: في قوله بئر تلقى فيها الحيض إلى آخره؛ لم يكن إلقاء ذلك تعمّدًا من آدمي، بل كانت هذه البئر في حدور السيل تكسح الأقذار من الأفنية فتلقيها فيها (¬3)، ولم يكن ذلك يؤثر في الماء لأنه كان ماء كثيرًا لا يتغير بذلك، وهي بئر مطروقة للاستسقاء فمن وجد فيها شيئًا من ذلك أزاله كما هو معروف من عادة الناس، وقيل: كانت الريح تلقي ذلك. وقيل المنافقون، ويحتمل الريح والسيول. وأما المنافقون فبعيد لأن الانتفاع بها مشترك، مع تنزيه المنافقين وغيرهم المياه في العادة. قال الشيخ محيي (3) الدين النووي رحمه الله تعالى: واعلم أنّ حديث بئر بضاعة لا يخالف حديث القلّتين لأن ماءها كان فوق القلّتين كما ذكرنا، فحديث بئر بضاعة يخص منه شيئان: * أحدهما: إذا كان دون قلّتين. * أما الثاني: فمجمع على تخصيصه، وأما الأول فقال به الشافعي وأحمد وغيرهما. مالك وآخرون بعمومه انتهى. أما قوله: إن ماء بئر بضاعة أكثر من القلتين فظاهر لأن من قدر القلتين بالمكان من أصحاب الشافعي، قدّرها بذراع وثلث في مثله، وفي عمق ذراع وثلث أيضًا، ¬

_ (¬1) وعن المصنف نقله ابن الملقن كما في البدر المنير (2/ 62). (¬2) معالم السنن (1/ 32 - 33) ط. دار الكتب العلمية. (¬3) المجموع شرح المهذب (1/ 85 - 86).

وهذا المقدار الذي ذكره أبو داود من مقدارها أزيد من ذلك بكثير، وأما مقدار القلّتين ومن ذهب إليهما فسيأتي في الباب بعد هذا، وأما من قال بعموم هذا الخبر فمروي عن عائشة أم المؤمنين وأبي هريرة، وحذيفة بن اليمان، وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس والحسين بن علي بن أبي طالب وميمونة أم المؤمنين رضي الله عنهم. وذكر عن الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن أخيه وابن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتّي وغيرهم. وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران أنَّه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن الماء الراكد الذي لا يجري تموت فيه الدابة؛ أيشرب منه ويغتسل ويغسل منه الثياب، فقالا: انظر بعينيك، فإن رأيت ماء لا يدنسه ما وقع فيه، فنرجوا أن لا يكون به بأس. قال: وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كل ماء فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا لونه ولا ريحه، فهو طاهر يتوضأ به. قال: وأخبرني عبد الجبار بن عمر، عن ربيعة قال: إذا وقعت الميتة في البئر فلم يتغير طعمها ولا لونها ولا ريحها؛ فلا بأس أن يتوضأ منها، وإن يرى فيها الميتة. قال: وإن تغيرت نزع منها قدر ما يذهب الرائحة عنها، هذا قول ابن وهب، وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق، ومحمد بن بكير، وأبو الفرج، والأبهري، وسائر المنتحلين لمذهب مالك من البغداديين، وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن صالح وداود بن علي، وهو مذهب أهل البصرة أيضًا: قاله أبو (¬1) عمر. ¬

_ (¬1) التمهيد (1/ 328).

وقال: وهو الصحيح في النظر، وجيد الأثر (¬1). قال القشيري (¬2): وهو الذي شهره العراقيون (¬3) عن مذهب مالك فاشتهر (¬4)، وهو قول لأحمد بن حنبل (¬5) نصره بعض المتأخرين من أتباعه، وعقد له مسألة خلافية في طريقه، ورجحه أيضًا من أتباع الشافعي القاضي (¬6) أبو المحاسن الروياني صاحب "بحر المذهب" (2). وأما الكوفيون (¬7) فالنجاسة عندهم تفسد قليل الماء وكثيره إذا حلت فيه إلا الماء المستبحر الكثير الذي لا يقدر آدمي على تحريك جميعه قياسًا على البحر الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماءه الحل ميتته" (7). قال أبو جعفر (¬8) الطحاوي في "مختصره": وإذا وقعت نجاسة في ماء يظهر ¬

_ (¬1) التمهيد (1/ 328). (¬2) شرح الإلمام. (¬3) العراقيون من أصحاب مالك يشار بهم إلى القاضي إسماعيل والقاضي أبي الحسين القصار وابن الجلاب والقاضي عبد الوهاب والقاضي أبي الفرج والشيخ أبي بكر الأبهري ونظرائهم. انظر مواهب الجليل (1/ 40). (¬4) وهو رواية المدنيين عنه وروى المصريون عنه أن ذلك لا يوثر فيه إذا كان قليلًا وقاله كثير من أصحابه، المعونة (1/ 53)، الكافي لابن عبد البر (1/ 128 - 130)، الذخيرة (1/ 164)، مواهب الجليل (1/ 70 - 71). (¬5) انظر المغني (1/ 24 - 25)، المقنع (1/ 19)، الإنصاف (1/ 55 - 56). (¬6) هو القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري الشافعي له مصنفات منها البحر، مناصيص الشافعي، الكافي، توفي سنة إحدى أو اثنتين وخمسمائة. طبقات الشافعية للسبكي (4/ 264 - 268)، الأنساب (3/ 106) والسير (19/ 260) واختار هذا في كتابيه البحر والحلية. (¬7) التمهيد (1/ 328). (¬8) مختصر الطحاوي (16) والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 405).

ذلك فيه، فقد نجسته قليلًا كان الماء أو كثيرًا إلا أن يكون جاريًا، أو حكمه حكم الجاري كالغدير الذي لا يتحرك أحد أطرافه بتحريك سواه من أطرافه (¬1). قلت: في حديث بئر بضاعة هذا ردّ على من ذهب هذا المذهب، إن ثبت ماؤها كان راكدًا، وهو الأظهر، على أن محمد بن عمر الواقدي (¬2) كان يقول: إنها جارية، ولم يكن ماؤها راكدًا والمشهور الأول فإن المدينة لم يكن بها ماء جاريًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأما عين الزرقاء (¬3) وعيون حمزة (¬4) حدثت بعد ذلك، وبئر بضاعة باقية إلى اليوم شرقي المدينة بدار بني ساعدة. * والمذهب الثالث: أن اعتبار النجاسة فيه بالقلة والكثرة؛ فإن من الماء المخالط بالنجاسة كان نجسًا، وإن كثر كان طاهرًا. قال أبو (¬5) الحسن الماوردي: واختلف القائلون بهذا في حد القليل من الكثير على ثلاثة مذاهب: * أحدها: وهو مذهب الشافعي أنه محدود بقلّتين كما (¬6) سنذكره. * والثاني: أنَّه محدود بأربعين قلة، والقلة منها كالجرة، وهو قول عبد الله ¬

_ (¬1) مختصر الطحاوي (16) والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 405). (¬2) انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 12)، الحاوي للماوردي ومعجم البلدان (1/ 443). (¬3) العين الزرقاء أو عين الأزرق وانظر في التعريف بها تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا لأحمد ياسين الخياري (210) وعمدة الأخبار لأحمد العياسي (379). (¬4) وتسمى عين الشهداء، انظر المصدر السابق. (¬5) الحاوي الكبير (1/ 325 - 326). (¬6) قوله وسيأتي ما روي في الباب بعده هو من كلام ابن سيد الناس وكذا قوله في بيان الذهب الأول كما سنذكره هو من كلامه لا من كلام الماوردي وإلا فقد أطال الماوردي في بيان مذهب الشافعي واختصر المصنف كلامه.

ابن عمرو بن العاص ومحمد بن المنكدر، وسيأتي ما روي فيه في الباب بعده (¬1). * والمذهب الثالث: أنّه محدود بكر، والكر عندهم أربعون قفيزًا، والقفيز عندهم: اثنان وثلاثون رطلًا، فكان مقدار ذلك ألف رطل، ومائتي رطل، وثمانين رطلًا، وهو قول محمد بن سيرين ومسروق بن الأجدع ووكيع بن الجراح فهذه المذاهب المشهورة فيما ينجس من الماء وما لا ينجس. انتهى. * والمذهب الرابع: أن الماء إذا كان قلتين لم ينجس ما لم يتغير كمذهب الشافعي (¬2) إلا أن يكون مخالطًا ببول الآدمي أو عذرته المائعة، فإنهما ينجسان الماء، وإن كان قلتين فأكثر، وهو المشهور من مذهب أحمد (¬3) بن حنبل ما لم يكثر إلى حيث يكون نزحه كالمصانع التي بطريق مكة. واستدل (¬4) من رأى أنَّ نجاسة الماء معتبرة بالتغيير بما روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه" (¬5)، قالوا: ولأنه ماء لم تغيره النجاسة فوجب أن يكون طاهرًا كالقلّتين، قالوا: ولأن حصول ¬

_ (¬1) قوله وسيأتي ما روي في الباب بعده هو من كلام ابن سيد الناس وكذا قوله في بيان المذهب الأول كما سنذكره هو من كلامه لا من كلام الماوردي وإلا فقد أطال الماوردي في بيان مذهب الشافعي واختصر المصنف كلامه. (¬2) انظر الحاوي الكبير (1/ 325). (¬3) انظر المغني (1/ 23 - 27). (¬4) وهو مذهب مالك رحمه الله، انظر بداية المجتهد (1/ 449) ط. دار الكتب العلمية، عقد الجواهر الثمينة (1/ 8)، ومواهب الجليل (1/ 22) وصرح بذلك الماوردي في الحاوي (1/ 326). (¬5) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 15) برقم 3 ط. مؤسسة قرطبة: لم أجده هكذا. قلت: وهذا الحديث بهذا اللفظ ذكره الرافعي في فتح العزيز (1/ 100) واستدل به على أن الماء المستعمل في إزالة الحدث طاهر ووجه الدلالة فيه أن المستعمل في إزالة الحدث لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة فيكون طاهرًا. وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 70): ولم أر فيه لفظ خلق الله والله أعلم.

النجاسة في الماء قد تكون تارة بورودها على الماء، وتارة بورود الماء عليها، فلما كان الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس إلا بالتغيير، وجب إذا وردت النجاسة على الماء أن لا ينجس إلا بالتغيير. واستدل أبو حنيفة ومن قال بقوله على أن نجاسة الماء معتبرة بالاختلاط، بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي (¬1) لا يجري ثم يغتسل منه". أخرجه البخاري (¬2). فمنع من ذلك لأجل التنجيس بالاختلاط من غير اعتبار قدر فيه، وما روي عن ابن عباس: إنه نزح بئر زمزم من زنجي مات فيه. ومعلوم أنّ ماءها كثير، ولم يقبل التغيير ولم ينكر ذلك أحد من علماء العصر، مع ضنهم بماء زمزم أن يراق بغير حق، وأن يستعمل إلا في قربة؛ فصار إجماع العصر، ولأنه ماء خالطته نجاسة فوجب أن يكون نجسًا قياسًا على ما دون القلّتين، ولأنه مانع ينجس قليله بمخالطة النجاسة قياسًا على سائر المائعات، ولأن العين الواحدة إذا اجتمع فيها حظر وإباحة، يغلب حكم الحظر على الإباحة كالمتولد بين مأكول وغير مأكول، وكالولد إذا كان أحد أبويه وثنيًا والآخر (1) كتابيًا فاقتضى شاهد هذه الأصول في تغليب الحظر أن يغلب حكم النجاسة على الطهارة (¬3). واعترضوا وحديث القلَّتين مما سنذكره عن ذكره وأما ما ذكرناه عن الإمام أحمد ومن قال بقوله فحجتهم حديث أبي هريرة الذي ذكرناه: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ... الحديث". ¬

_ (¬1) قوله الذي لا يجري ليست في الحاوي الكبير وكذا قوله أخرجه البخاري فلعلها زيادة توضيح من المصنف. (¬2) رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 96) برقم 239 باب البول في الماء الدائم. (¬3) الحاوي الكبير (1/ 326 - 327) ثم ذكر الماوردي فصلًا في دفع ما اعترض به الخصم عن حديث القلتين (1/ 327 - 330).

وطريق تقريره أن يقال: حديث القلتين خاص في القدار عام في الأنجاس، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة: "لا يبولنّ أحدكم" عام بالنسبة إلى المقدار، خاص بالنسبة إلى الأنجاس، لكونه ذكر فيه بول الإنسان دون سائر النجاسات، فإذا كان الواقع غير بول الآدمي في القلتين؛ قما زاد حكم بطهارته عملًا بحديث القلتين، وإذا كان الواقع في هذا المقدار بول الآدمي حكم بنجاسته عملًا بحديث لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم. * * *

50 - باب منه آخر

50 - باب منه آخر ثنا هناد: ثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسئل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى بها. قال أبو عيسى: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا يكون نحوًا من خمس قرب (¬1). * الكلام عليه: هذا حديث سكت عنه الترمذي فلم يحكم عليه بشيء، وقد صححه ابن (¬2) حبان وابن (¬3) منده والطحاوي (¬4) والخطابي (¬5) والبيهقي (¬6). وأخرجه ابن (¬7) خزيمة في ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 97 - 99) برقم 67. (¬2) صحيح ابن حبان (2/ 273، 274، 275) برقم (1246، 1250). (¬3) انظر البدر المنير (2/ 91) والتلخيص الحبير (1/ 19) برقم 4 ط. مؤسسة قرطبة والإمام لابن دقيق العيد (1/ 201) ونصب الراية (1/ 106). (¬4) شرح معاني الآثار (1/ 15) ط. دار الكتب العلمية وشرح مشكل الآثار (7/ 63) برقم 2644 - 2545 - 2646. (¬5) معالم السنن (1/ 32) ط. دار الكتب العلمية. (¬6) السنن الكبرى (1/ 260، 261، 262) وكذا في المعرفة له (2/ 84 - 92) وفي الخلافيات (3/ 147) برقم 935 إلى 949. (¬7) في صحيحه (1/ 49) برقم 92.

صحيحه. والحاكم (¬1) في مستدركه، وزعم أنه على شرط الشيخين، ووافقه ابن (¬2) منده في أنه على شرط مسلم، وقال الحاكم (¬3): صحيح. ولا يقبل دعوى من ادعي اضطرابه، وضعفه الحافظ أبو (¬4) عمر بن عبد البر. وقال ابن (¬5) العربي: مداره على مطعون عليه، ومضطرب في الرواية، أو موقوف، وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير، وهو إباضي واختلفت روايته فقيل قلتين وقيل: قلتين أو ثلاثًا، رواه يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، وروي أربعون قلة، وروي أربعون غربًا، ووقف على أبي هريرة وعلى عبد الله بن عمر (5). قلت: وإذ قد اختلفوا كما ذكرنا فلنذكر طرفًا من طرقه، وما يمكن أن يوجه قول من صححه وقول من ضعفه. ثم نذكر بعد ذلك ما يترجح فيه. فأما رواية الكتاب من طريق ابن إسحاق فأخرجها أيضًا أبو (¬6) داود من جهة حماد بن سلمة ويزيد بن زريع وابن (¬7) ماجه من حديث يزيد بن هارون وابن المبارك كلهم عن ابن إسحاق. ¬

_ (¬1) المستدرك (1/ 132) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا جميعًا بجميع رواته ولم يخرجاه وأظنهما والله أعلم لم يخرجاه لخلاف فيه، ووافقه الذهبي. (¬2) انظر البدر المنير (2/ 91) والتلخيص الحبير (1/ 19) ط. مؤسسة قرطبة ونصب الراية للزيلعي (1/ 107). (¬3) المستدرك (1/ 133 - 134). (¬4) التمهيد (1/ 329). (¬5) عارضة الأحوذي (1/ 74). قلت: وضعفه في مصنفات أخر، فقال في القبس (1/ 130): "وهو حديث لم يصح"، وقال في أحكام القرآن (3/ 1425): "الحديث ليس بصحيح". (¬6) في سننه كتاب الطهارة برقم 64 باب ما ينجس الماء. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 517 باب مقدار الماء الذي لا ينجس.

وروه أحمد (¬1) بن خالد الوهبي، وإبراهيم (¬2) بن سعد، وزائدة (¬3) بن قدامة، ورواه عبيد (¬4) الله بن محمد بن عائشة، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق بسنده وقال فيه: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الماء بالفلاة وترده السباع والكلاب فقال: إذا كان الماء قلتين لا يحمل الخبث" ورواه البيهقي (5) وقال: كذا قال: "السباع والكلاب"، وهو غريب. وكذلك قال موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة، وقال إسماعيل بن عياش عن ابن إسحاق: "الكلاب والدواب"، إلا أنّ ابن عياش اختلف عليه في إسناده (¬5). قال شيخنا الحافظ (¬6) أبو الفتح القشيري: والاختلاف الذي أشار إليه يعني البيهقي هو أن المحفوظ عن ابن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه (¬7). ورواه محمد بن وهب السّلمي عن ابن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنّه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف، وتشرب منه الكلاب والدواب قال: "ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء". رواه الدارقطني (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 133) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 261) وهو كذلك في الخلافيات (3/ 162، 163). (¬2) أفاده الدارقطني في السنن (1/ 20) والحاكم في المستدرك (1/ 134) وعنه نقله البيهقي في الخلافيات (3/ 165). (¬3) الدارقطني في السنن (1/ 21). (¬4) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 261) وكذا الخلافيات (3/ 167 - 168). (¬5) المصدر السابق. (¬6) الإمام (1/ 207). (¬7) وهذا كلام الدارقطني في السن (1/ 21) برقم 18. (¬8) السنن (1/ 21) برقم 18.

وروى (¬1) أيضًا من جهة عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد بن خزيمة عن علي بن سلمة الليثي، عن عبد الوهاب. ورواه المغيرة بن سقلاب، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر (¬2) (¬3). ورواه أيضًا الوليد بن كثير، وقد اشتهرت طريقه من جهة أبي أسامة حماد بن أسامة عنه. واختلف على أبي أسامة فرواه محمد بن العلاء عنه، عن الوليد، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" هذا لفظ رواية أبي (¬4) داود عن محمد بن العلاء. ورواه عن أبي أسامة كذلك جماعة منهم: إسحاق (¬5) بن راهويه وأحمد (¬6) بن ¬

_ (¬1) أي الدارقطني. (¬2) قلت رواية المغيرة هذه أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 2358) وقال ابن عدي: والمغيرة ترك طريق هذا الحديث وقال عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر وكان هذا أسهل عليه ومحمد بن إسحاق يرويه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر. قلت: والمغيرة بن سقلاب قال ابن عدي فيه كما في الكامل (6/ 2357) منكر الحديث وقال فيه أبو حاتم صالح الحديث وعن أبي زرعة هو جزري لا بأس به كما في الجرح والتعديل (8/ 223 - 224) برقم 1004. (¬3) الإمام (1/ 207 - 208). (¬4) السنن كتاب الطهارة برقم 63 باب ما ينجس الماء. قلت: وممن رواه كذلك عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة الدارقطني في السنن (1/ 15). (¬5) في مسنده كما في نصب الراية (1/ 109) وعنه الدارقطني في السنن (1/ 15) وكذا الحاكم في المستدرك (1/ 132). (¬6) الدارقطني في السنن (1/ 13 - 14).

جعفر الوكيعي وأبو (¬1) بكر بن أبي شيبة وأبو (¬2) عبيدة بن أبي السفر ومحمد (2) بن عبادة بفتح العين. وحاجب (2) بن سليمان وهناد (¬3) بن السري والحسين (¬4) بن حريث. وروي عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر. قاله (¬5) أبو مسعود الرازي وعثمان (¬6) بن أبي شيبة من رواية أبي داود وعبد الله بن الزبير الحميدي ومحمد بن (¬7) ......... ¬

_ (¬1) في مصنفه (1/ 144) وعنه الدارقطني في السننن (1/ 15) وابن حبان في الصحيح (4/ 57) برقم 1249 الإحسان والحاكم في المستدرك (1/ 132) وعنه البيهقي في الكبرى (1/ 261) واختلف عليه. (¬2) عند الدارقطني في السننن (1/ 13 - 15). (¬3) عند النسائي في الكبرى (1/ 74) برقم 50 وهو في المجتبى (1/ 46) ط. دار إحياء التراث العربي وسقط هناد بن السري من ط. دار المعرفة ورواه من النسائي الجورقاني في الأباطيل برقم 321 والطحاوي في المشكل (7/ 64) برقم 2645 والدارقطني في السننن (1/ 15). (¬4) عند النسائي في المجتبى كتاب الطهارة (1/ 191) برقم 327 باب التوقيت في الماء وهو في الكبرى (1/ 74) برقم 50 وعنه الجورقاني في الأباطيل برقم 321 والطحاوي في الشكل (7/ 64) برقم 2645 والدارقطني في السنن (1/ 15). (¬5) كذا قال وهو كذلك في الإمام (1/ 201) ونصب الراية (1/ 105) والظاهر أنه خطأ وصوابه وأبو مسعود الرازي الحافظ وهو أحمد بن الفرات كما عند الدارقطني في السننن (1/ 16) ومعنى الكلام على ما ذكرت أن ممن رواه عن أبي أسامة وجعل شيخ الوليد بن عباد غيرُ واحد منهم أحمد بن الفرات وهو أبو مسعود الدمشقي وغيره على اختلاف وقع عليهم فيه، والله أعلم. (¬6) أي من رواية أبي داود وهو في سننه كتاب الطهارة بوقم 63 باب ما ينجس الماء ومن طريق أبي داود رواه الدارقطني (1/ 14 - 15) برقم 2. (¬7) كذا الأصل وتتمته: ومحمد بن حسان الأزرق ويعيش بن الجهم وغيرهم، استدركته من الإمام (1/ 201) وعنه ينقل المصنف. قلت: وهذه الروايات أخرجها الدارقطني في السنن (1/ 13 - 17) برقم 1 - 9.

وذكر عبد (¬1) الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل"، عن أبيه أنّه قال: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه. وقال ابن منده: واختلف على أبي أسامة فروي عنه، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر. وقال مرة: عن محمد بن جعفر بن الزبير وهو الصواب؛ لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سئل ... وذكر الحديث. أعني ابن منده. وأما الحافظ أبو الحسن الدارقطني فإنه ذهب إلى الجمع فقال (¬2): "ولما اختلف على أبي أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر فصحّ القولان ¬

_ (¬1) العلل (1/ 44) برقم 96 قلت: ولعل السقط يمكن استدراكه من الإمام لابن دقيق العيد (1/ 201) حيث قال: " ... ويعيش بن الجهم، وغيرهم. وتابعهم الشافعي عن الثقة عنده، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، قاله الدارقطني". وذكر ابن منده أن أبا ثور رواه عن الشافعي، عن عبد الله بن الحارث المخزومي، عن الوليد بن كثير. قال: "ورواه موسى بن أبي الجارود عن البويطي، عن الشافعي، عن أبي أسامة وغيره، عن الوليد بن كثير". فدل روايته على أن الشافعي سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث وهو من الحجازيين، ومن أبي أسامة وهو كوفي جميعًا عن الوليد بن كثير. وقد اختلف الحفاظ في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد ومحمد بن جعفر، فمنهم من ذهب إلى الترجيح، فيقال عن أبي داود أنه لما ذكر حديث محمد بن عباد، قال: "هو الصواب " وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل ... إلخ. (¬2) السنن (1/ 17).

جميعًا عن أبي أسامة، وصحّ أن الوليد بن كثير رواه عنهما (¬1)، فكان أبو أسامة يحدث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير مرة، ومرة يحدث به عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر والله أعلم (¬2). ثم خرّجه الدارقطني (¬3) من حديث شعيب، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، فرواه عن أحمد بن محمد بن جعفر بن الزبير. ونحوه، وفي تصحيح الطريقين كذلك قال أبو (¬4) بكر البيهقي، وخرّجه بسنده، وها هنا اختلاف آخر في أن الصواب في الرواية عن عبيد الله بن عبد الله؛ لا عبد الله بن عبد الله. أو كل واحد منهما صواب، فكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي فيما حكاه عنه البيهقي (¬5) في كتاب المعرفة يقول: "غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنما هو عبيد الله بن عبد الله. واستدل بما رواه عن عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: سئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فذكره إلا أنّ عيسى بن يونس أرسله، وقد روى عن إسحاق، عن عيسى بن يونس أيضًا موصولًا. ورواه عباد بن صهيب، عن الوليد، وقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه موصولًا، والحديث مسند في الأصل، فقد رواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... وذكر الحديث"؛ أعني البيهقي. وقد ذكر ابن منده أن رواية عيسى موصولة. ¬

_ (¬1) عبارة الدارقطني في السننن (1/ 17): "فصح القولان جميعًا عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعًا عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه". (¬2) السنن (1/ 17 - 18) برقم 9. (¬3) السنن (1/ 18) برقم 10. (¬4) السنن الكبرى (1/ 260 - 261). (¬5) المعرفة (2/ 86 - 87) برقم 1865 - 1869.

وذكر أنَّ رواية عيسى بن يونس أشبه بالصواب لأن هذا الحديث رواه عبد الله بن مبارك وغيره، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - .... مثل رواية عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير. قال: فهذا إسناده صحيح على شرط مسلم في عبيد الله بن عبد الله، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن إسحاق، والوليد بن كثير قال: وروى هذا الحديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه. ورواه إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل، عن ابن عمر. فهذا محمد بن إسحاق، وافق عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير في ذكر محمد بن جعفر بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وروايتهما توافق رواية حماد بن سلمة، وغيره، عن عاصم بن المنذر في ذكر عبيد الله بن عبد الله بن عمر. فيثبت هذا الحديث باتفاق أهل المدينة والكوفة والبصرة على حديث عبيد الله بن عبد الله، وباتفاق محمد بن إسحاق، والوليد بن كثير على روايتهما عن محمد بن جعفر بن الزبير. فعبيد الله، وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماع من الجماعة في كتبهم. وكذلك محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر والوليد بن كثير في كتاب مسلم بن الحجاج، وأبي داود والنسائي (¬1) وعاصم بن المنذر، يعتبر حديثه، ومحمد بن إسحاق أخرج عنه مسلم وأبو داود والنسائي (¬2). ¬

_ (¬1) بل روى له الجماعة كما في تهذيب الكمال (31/ 73 - 75) وتقريب التهذيب (1041) برقم 7502. (¬2) قال المزي في تهذيب الكمال (24/ 429): "استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في كتاب القراءة خلف الإمام وغيره، وروى له مسلم في المتابعات، واحتج به الباقون" يعني أصحاب السنن وكان رمز له قبل ذلك (24/ 405) برمز البخاري تعليقًا ومسلم والأربعة وكذا صنع ابن حجر في التقريب (825) برقم 5762.

وعاصم بن المنذر استشهد به البخاري في مواضع (¬1). وقال شعبة بن الحجاج: محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث (¬2). وقال عبد الله بن المبارك: محمد بن إسحاق ثقة ثقة ثقة (¬3). قال شيخنا الحافظ (¬4) أبو الفتح القشيري: كأن أبا عبد الله ابن منده حكم بالصحة على شرط مسلم من جهة الرواة وأعرض عن جهة الرواية وكثرة الاختلاف فيها والاضطراب ولعل مسلمًا تركه لذلك. وحكى البيهقي (¬5) في كتاب المعرفة عن شيخه أبي عبد الله الحافظ: أنه كان يقول: الحديث محفوظ عنهما جميعًا، أعني عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وأخيه عبد الله كلاهما رواه عن أبيه (¬6)، وذكر لأبي (¬7) زرعة أن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، يقول: عن عبيد الله والوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، ¬

_ (¬1) كذا قال، وأما المزي في تهذيب الكمال (13/ 544 - 545) وابن حجر في التقريب (474) برقم 3096 فلم يذكرا أحدًا من أصحاب الكتب الستة سوى أبي داود وابن ماجه. وفي هامش نسخة ابن العجمي، ولعله إلحاق، لا هامش: قال مالك: كذاب. وقال أبو زرعة: لا يمكن أن يقضي له. وإذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح مقدم. ثم جاء ما يمكن تسميته حاشية: لا يقدم الجرح على التعديل إلا إذا بين السبب وكان مؤثرًا، وإلا فلا يقبل الجرح المبهم في حق من ثبتت عدالته فدعوى الاعتراض ... (¬2) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 228). (¬3) الإمام (1/ 201 - 206). (¬4) الإمام (1/ 206). (¬5) المعرفة (2/ 86) برقم 1864 - 1865. (¬6) وهو كذلك في الإمام (1/ 206). (¬7) العلل (1/ 44) برقم 96.

يقول: عن عبد الله، فقال ابن إسحاق: ليس ممكنًا أن يقضى له قيل له: فما حال محمد بن جعفر؟ قال: صدوق (¬1). ورواه أيضًا حماد بن سلمة عن عاصم بن النذر، واختلف على عاصم في إسناده ومتنه أما الإسناد فرواه أبو داود (¬2) وابن (¬3) ماجه، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن عاصم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر؛ قال: حدثني أبي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس"، وخالفه حماد بن زيد؛ فرواه عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله موقوفًا؛ قال الدارقطني (¬4): وكذلك رواه إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل لم يسمه، عن ابن عمر موقوفًا أيضًا. وأما الاختلاف في لفظه فإن يزيد بن هارون رواه عن حماد بن سلمة واختلف على يزيد، فقال: الحسن بن محمد بن الصباح عنه، عن حماد، عن عاصم؛ قال: دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانًا فيه مَقْرَى (¬5) ماء فيه جلد بعير ميت فيه، فتوضأ منه، فقلت له: أتوضأ منه، وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء". أخرجه ¬

_ (¬1) العلل (1/ 44) برقم 96. (¬2) في سننه كتاب الطهارة برقم 65 باب ما ينجس الماء. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 518 باب مقدار الماء الذي لا ينجس. (¬4) السنن (1/ 22). (¬5) وهو الحوض الذي يجتمع فيه الماء، انظر لسان العرب (15/ 179). وقال ابن الأثير في النهاية (4/ 56) قرا: "المقرى والمقراة: الحوض الذي يجتمع فيه الماء". وقال الجوهري في الصحاح: القرى على فعيل مجرى الماء في الحوض والجمع أقرية وقريان والمقراة المسيل وهو الموضع الذي يجتمع فيه ماء المطر من كل جانب.

الدارقطني (¬1) ورواه أبو (¬2) مسعود الرازي عن يزيد ولم يقل ثلاثًا، قال الدارقطني (2): وكذلك رواه إبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد وكامل بن طلحة، عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد، وقالوا فيه: إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا (¬3) وكذلك رواه ابن (¬4) ماجه من حديث وكيع، عن حماد بن سلمة بسنده وفيه: إذا كان الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء. رواه عن علي بن محمد، عن وكيع. ورواه عفان بن مسلم، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وبشر بن السري، والعلاء بن عبد الجبار المكي، وموسى بن إسماعيل، وعبيد الله العيشي، عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد، وقالوا فيه: إذا كان الماء قلتين لم ينجس ولم يقولوا ثلاثًا (¬5). قلت: أما الاضطراب الذي أعل الخبر به أبو (¬6) عمر وابن (¬7) العربي وأشار إليه شيخنا أبو (¬8) الفتح القشيري في الاعتراض على ابن منده، فإذا ثبت أنه اختلاف ولم يصر إلى الجمع، كما ذكرناه عن البيهقي (¬9) في ابني عبد الله بن عمر، وعن الدارقطني (¬10) في محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر: أن الحديث عن كل منهم صحيح، فليس شيء من ذلك قادحًا لما قدمناه من أن الاضطراب منه ¬

_ (¬1) السنن (1/ 22) برقم 20. (¬2) وروايته عند الدارقطني في السنن (1/ 22) برقم 20. (¬3) السنن (1/ 22) برقم 20. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 518 باب مقدار الماء الذي لا ينجس. (¬5) السنن للدارقطني (1/ 22). (¬6) كما في التمهيد (1/ 329 و 335) وأجمل الكلام عليه في الاستذكار (2/ 103). (¬7) عارضهْ الأحوذي (1/ 74) والقبس (1/ 130) وأحكام القرآن (3/ 1425). (¬8) الإمام (1/ 202). (¬9) السنن الكبرى (1/ 261). (¬10) السنن (1/ 17).

القادح وغيره (¬1) فما كان الانتقال فيه من ثقة إلى مثله، كما في حديثنا هذا لا يعد اضطرابًا قادحًا، وقد تقدم في كلام ابن منده، من توثيقهم وإخراج أحاديثهم في الصحيح ما فيه معنى، وقال في عاصم بن المنذر؛ وهو المنذر بن الزبير بن العوام: يعتبر حديثه ولعله لكونه لم يخرج له في الصحيح وما حال ذلك من تقصيره، عن الثقة، فقد قال البزار (¬2) في كلام له: ليس به بأس. وقال أبو (¬3) زرعة: ثقة. وقال أبو (¬4) حاتم: صالح ولم يقف فيه على جرح، لكن لم يكن عنده حديث يحتاج إليه فيه فقال: لم يكن عنده إلا هذا الحديث الواحد في القلتين فلذلك لم يخرج عنه في الصحيح. وقال البزار (¬5): لم يرو عنه إلا حماد بن زيد وحماد بن سلمة (¬6)، وفيما ذكرنا من طرق هذا الحديث رواية إسماعيل بن علية عنه في كتب السنن (¬7)، وقد يتبقى عنه التعليل بالاضطراب، وأما تعليل مرفوعه بموقوفه؛ فليس بمستقيم أيضًا من وجهين: * أحدهما: ما يقتضيه النظر من أن الرافع إذا كان ثقة لا يضر الحديث ¬

_ (¬1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح (84)، تدريب الراوي (1/ 308) والباعث الحثيث (1/ 221). (¬2) نقله عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 260) وقال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 211) أورده البزار في ذكر العواصم (أي من اسمه عاصم). (¬3) الجرح والتعديل (6/ 350) برقم 1932 وفيه صدوق بدل ثقة وهو في تهذيب الكمال (13/ 544) وفيه ثقة وكذا تهذيب التهذيب (2/ 260). (¬4) الجرج والتعديل (6/ 350) وفيه صالح الحديث. (¬5) نقله عنه الحافظ في التهذيب (2/ 260) بتصرف وقال كذا قال. (¬6) في هامش نسخة ابن العجمي: قلت: روى عنه أيضًا عمه هشام بن عروة. (¬7) السنن للدارقطني (1/ 22) وفي هذا رد دعوى البزار من أنه لم يرو عنه إلا حماد بن زيد وحماد بن سلمة، فقد روى عنه كذلك إسماعيل بن علية.

المرفوع عنه تقصير من قصر به فلم يرفعه إذ هي زيادة من ثقة فسبيلها أن تقبل ومن رفعه ثقة، فتوجه الحكم لمرفوعه على موقوفه. * الثاني: ما هو قياس في تصرف أئمة هذا الشأن غالبًا من اعتبار الترجيح بالأحفظ والأكثر والحكم للأكثر والأحفظ، على ما هو دونه فيهما أو في أحدهما رفعًا كان أو وقفًا. وقد تبين بما ذكرناه من طرق هذا الحديث أن من رفعه أكثر وأحفظ ممن وقفه بكثير فالحكم على هذا الوجه أيضًا للمرفوع لا للموقوف (¬1)، وكذلك الاضطراب الراجع إلى المتن الذي أشار إليه القاضي أبو (¬2) بكر بن العربي رحمه الله من أنه وقع في بعض ألفاظه قلتين أو ثلاثًا أو أكثر من ذلك، فلو كان هذه الألفاظ وقعت في طريق يصلح لمعارضة الطريق التي ورد فيها بلفظ القلتين لتردد النظر هناك في الترجيح بينهما، لكن ليس كذلك وقد ذكرنا طريق ابن إسحاق من عدة أوجه ليس فيها ذكر لغير القلتين، وكذلك طريق الوليد بن كثير سواء بسواء، ولم يقع من ذلك إلا اليسير جدًّا في طريق عاصم بن المنذر من بعض الوجوه وهي كلها أعني طريق عاصم لا تساوي واحدًا من الطريقين المذكورين عن ابن إسحاق والوليد ولا يقال: فكيف تنهض ما ورد في بعض وجوهها على الشك لمعارضة ما وقع في تلك الطرق كلها جزمًا من غير شك حتى يكون معلًا له وقادحًا فيه؛ اللهم إلا أن تتساوى الطرق وتتقارب ويتعذر الجمع أو الترجيح، فهناك يكون الاضطراب قادحًا من جهة المتن كما يكون قادحًا من جهة الإسناد إذا كان كذلك. فأما قول ابن (¬3) العربي: وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير وهو ¬

_ (¬1) انظر البدر المنير (2/ 101) وجزء العلائي في تصحيح حديث القلتين (48 - 49) ففيه بسط للمسألة. (¬2) العارضة (1/ 74). (¬3) المصدر السابق.

إباضي (¬1) يريد طائفة من الخوارج ينسبون إلى عبد الله بن إباض (¬2) فالشافعي لم يشافه الوليد بن كثير به وإنما هو عن الشافعي عن الثقة عنده عن الوليد؛ كذا روى عنه وقد تبين من طريق آخر أنه عنده عن عبد الله بن الحارث المخزومي عن الوليد ومن طريق آخر أنه عنده عن أبي أسامة عن الوليد فهذه ثلاثة وجوه وهو اضطراب في طريق الشافعي؛ فات ابن العربي أن يعله به ولكنه ليس بعلة على ما قررنا فأبو أسامة متفق عليه. وعبد (¬3) الله بن الحارث أخرج له مسلم (¬4) وغيره (¬5) والثقة عنده يجوز أن يكون واحدًا منهما فهو كما قدمنا انتقال من ثقة إلى ثقة، والرواية عن أهل الأهواء والبدع جائزة عند أهل العلم ما لم يكن المبتدع داعية إلى قوله (¬6)، ولم ينقل القاضي أبو بكر ذلك عن الوليد بن كثير، فلا يقدح ذلك في روايته. وأما حديث إذا بلغ الماء أربعين قلة (¬7) فليس من هذا في شيء، ذلك من طريق ابن المنكدر عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرد به القاسم العمري عن ابن المنكدر، وهو ¬

_ (¬1) ووقع في المطبوع من العارضة وهو إيادي وهذا خطأ. (¬2) الإباضية أتباع عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم خرج في دولة بني أمية نقل عن الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 134) قوله: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين ومناكحتهم جائزة وموارثتُهم حلال وغنيمة أموالهم عند الحرب حلال وما سواه حرام ... إلخ. ولا تزال بقية من هؤلاء في بلاد الجزائر وقد طول الزركلي في ترجمته في الأعلام (4/ 61 - 62) فانظرها. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 32) برقم 142 وتهذيب الكمال (1/ 394) برقم 3214 وتهذيب التهذيب (2/ 317). (¬4) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 353) برقم 762. (¬5) أصحاب السنن، انظر تهذيب الكمال (14/ 394) والتقريب (498) برقم 3280. (¬6) انظر مقدمة ابن الصلاح (103) والمقنع (1/ 266 - 268). (¬7) رواه الدارقطني في السننن (1/ 26) برقم 34 وابن عدي في الكامل (6/ 2058) والعقيلي في الضعفاء (3/ 473).

مردود بالقاسم (¬1). قال أحمد (¬2): ليس هو عندي بشيء؛ كان يكذب (¬3) ويضع الحديث (¬4)، ترك الناس حديثه (4). وتكلم فيه يحيى (¬5) والنسائي (¬6) والرازي (¬7) والأزدي (¬8) والدارقطني (¬9) وغيرهم (¬10)، والصحيح عندهم في ذلك أنه من رواية محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص، موقوف (¬11). وفيه أيضًا عن أبي هريرة (¬12) شيء لا يثبت وقد حكم الفقيه أبو جعفر الطحاوي (¬13) بصحة هذا الحديث كما ذكرنا لكنه اعتل في ترك العمل به بجهالة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 111 - 112) برقم 643 وتهذيب الكمال (23/ 375 - 379) برقم 4798 وتهذيب التهذيب (3/ 413). (¬2) العلل ومعرفة الرجال (2/ 478) برقم 3136. (¬3) العلل ومعرفة الرجال (3/ 186) برقم 4803. (¬4) الجرح والتعديل (7/ 111 - 112) برقم 643. (¬5) التاريخ للدوري (2/ 481) وفيه ليس بشيء وكذا سؤالات ابن الجنيد (354) برقم 330. (¬6) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 14) برقم 2749 وميزان الاعتدال (5/ 451) برقم 4403 ط. الباز. (¬7) الجرح والتعديل (7/ 112). (¬8) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 15). (¬9) الضعفاء والمتروكون (271) برقم 332 و (328) برقم 438. (¬10) ضعفه أبو زرعة والجوزجاني وأبو داود، انظر تهذيب الكمال (23/ 378). (¬11) انظر سنن الدارقطني (1/ 26 - 27) برقم 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39. وقال ورواه أيوب السختياني عن ابن المنكدر من قوله لم يجاوزه. وصحح الموقوف على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 213)، وانظر إتحاف المهرة (3/ 537). (¬12) السنن للدارقطني (1/ 27) برقم 40. (¬13) شرح مشكل الآثار (7/ 63 - 64) برقم 2644 - 2645 - 2646 وشرح معاني الآثار (1/ 16 - 15).

مقدار القلتين. قال أصحابنا (¬1): والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها، وهي الأواني يبقى مترددة بين الكبار منها والصغار، ومع التردد يتعذر العمل، وأجيب عنه بوجهين: * أحدهما: أن جعله مقدرًا بعدد منها يدل على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين وهو يقدر على تقديره بواحدة كبيرة. * الثاني: أنه قد ورد مقدرًا بقلال هجر وهي معلومة، ولقد ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في موضع التعريف لما ذكر سدرة المنتهى (¬2)، ولا يعرف إلا بمعروف (¬3). قال الشافعي (¬4): أخبرني مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج بإسناد ذكره لا يحضرني (¬5) ذكره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا"؛ وقال في الحديث: بقلال هجر؛ قال ابن جريج: وقد رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا (4). فيه مع ضعف مسلم (¬6) بن خالد وإن كان فقيهًا عابدًا ¬

_ (¬1) انظر الحاوي الكبير (1/ 329 - 335)، التهذيب للبغوي (1/ 152 - 154) والتلخيص الحبير (1/ 22 - 23) وشرح الإلمام (1/ 393 - 394). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق (2/ 422 - 423) برقم 3207 باب ذكر الملائكة. (¬3) هذا الجواب ذكره بمعناه البيهقي في المعرفهْ (2/ 91) والماوردي في الحاوي الكبير (1/ 329). (¬4) الأم (1/ 43) ط. دار الكتب العلمية والمسند (1/ 22) ومن طريقه البيهقي في المعرفة (2/ 90) وفي الكبرى (1/ 263). (¬5) قول الشافعي بإسناد لا يحضرني كالمنقطع لا تقوم به حجة عند الخصم قاله ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 215). (¬6) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 183) برقم 800 وتهذيب الكمال (17/ 508 - 514) برقم 5925 وتهذيب التهذيب (4/ 68).

رحمه الله الإرسال في هذه الطريق. وقد روى من وجه آخر (¬1) عن ابن جريج أخبرني محمد بن يحيى عن يحيى بن عقيل أن يحيى بن يعمر أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا ولا بأسًا" قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر، قال: قلال هجر، قال: أظن أن كل قلة تحمل قربتين. فقد تثبت هذه الرواية أن قائل قلال هجر إنما هو يحيى بن عقيل وأيضًا فمحمد (¬2) عن يحيى بن عقيل غير معروف، فقال: ويحيى المفسر هذا التفسير ليس صحابيًّا فلا يحتج بتفسيره، وقوله ذلك مبني على الظن حيث قال: أظن أن كل قلة تسع قربتين، وقد روى عنه أيضًا تسع قربتين، والفرق ستة عشر رطلًا، فيكون على هذه الرواية أربعة وستون رطلًا ولم يحدد أحد القلتين بذلك وبلفظ الفرق روى من غير طريق ابن جريج عند المغيرة (¬3) بن سقلاب بسند له إلى ابن عمر، والمغيرة تكلم فيه ابن (¬4) عدي وأبو (¬5) جعفر بن نفيل يقول فيه: لم يكن مؤتمنا على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فظهر بهذا جهالة مقدار القلتين عندنا ولا يلزم من الجهالة عندنا الجهالة مطلقًا فقد يكون ذلك معلومًا في العصر الأول ودرس العلم به، أو هو معلوم الآن عند غيرنا؛ وإنما قلنا ذلك احترازًا من أن يورد علينا أن الحوالة على ما لم يتحقق والتعريف ¬

_ (¬1) السنن للدارقطني (1/ 24 - 25) برقم 28. (¬2) وقع في بعض نسخ الدارقطني أخبرني مخبر كما نبه على ذلك العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق في التعليق المغني (1/ 24) ومحمد بن يحيى هذا قال أبو أحمد الحافظ: "محمد هذا الذي حدث عنه ابن جريج هو محمد بن يحيى يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل" نقله ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 216 - 217) وكذا أبو الطيب في التعليق المغني (1/ 24) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 264) وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 21). (¬3) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2358). (¬4) الكامل (6/ 2357 - 2358). (¬5) الكامل (6/ 2357) والضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 134) برقم 3392.

بمجهول لا فائدة فيها. قوله: وما ينوبه من السباع والدواب؛ أي ما يطرقه فيها. وقد وقع في رواية (¬1) أخرى: وما ينوبه من الدواب والسباع بتقديم الدواب فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام؛ إن حملت لفظة الدواب على العموم، وإن حملتها على الدواب العرصة من الخيل والبغال والحمر فليس من ذلك، وقوله: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث وقد تقدم ما حكيناه عن الطحاوي والاحتجاج لمن ذهب مذهبه في عدم اعتبارهما. وأما أصحابنا (¬2) فقالوا: القلة هي الجرة العظيمة التي ينقلها القوي من الرجال أي يحملها وقد جاء في رواية مرسلة: بقلال هجر، وهي التي تقدمت الإشارة إليها وهي قرية بقرب المدينة، ليست هجر البحرين المدينة المشهورة وكانت قلال هجر معلومة عند المخاطبين. قال ابن (¬3) جريج: رأيت قلال هجر؛ فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا، وقدر العلماء القلتين بخمس قرب، كل قربة مئة رطل بالبغدادي فهما خمس مئة رطل، هذا هو الصحيح. وقيل: ست مئة، وقيل: ألف وهما بالمساحة ذراع وربع طولًا، وعرضًا وعمقًا هكذا قالوا: وليس محرزًا فإن الماء يختلف أوزانه. ¬

_ (¬1) انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 261) والسنن للدارقطني (1/ 15) برقم 2 وسنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 51) برقم 63 باب ما ينجس الماء وسنن النسائي كتاب الطهارة (1/ 191) برقم 327 باب التوقيت في الماء وسنن ابن ماجه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 517 باب مقدار الماء الذي لا ينجس وصحيح ابن خزيمة (498) برقم 92. (¬2) القلة: بضم القاف عبارة عن إناء للعرب كالجرة الكبيرة وتجمع على قلال وقلل وهي معروفة بالحجاز واشتقاقها مما يُقِلّه الإنسان أي يحمله. انظر المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء لابن باطيش (1/ 16). (¬3) الأم (1/ 4 و 5) والسنن الكبرى (1/ 263).

وقوله: لم يحمل الخبث معناه لم ينجس بملاصقة النجاسة ووقوعها فيه كما فسره في الرواية الأخرى، وتقديره لا يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه؛ كما يقال: فلان لا يحمل الضيم؛ أي لا يقبله ولا يصبر عليه بل يأباه، ويدفعه. قال الشيخ محيي الدين رحمه الله: وأما قول بعض المانعين من العمل بالقلتين أن معناه أنه يضعف عن حمله فخطأ فاحش من أوجه: * أحدها: أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه، وهي قوله: فإنه لا ينجس. * الثاني: أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام كقولك: فلان لا يحمل الخشبة؛ أي يعجز عن حملها لثقلها، وأما في المعاني فمعناه لا يقبله كما ذكرنا. * الثالث: أن سياق الكلام يفسده لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله، لم يكن التقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك، فإن قيل: هذا الحديث متروك للظاهر بالإجماع في المتغير بالنجاسة فالجواب أنه عام خص منه المتغير بالنجاسة فبقي الباقي على عمومه. وممن قال بالقلتين: الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) وإسحاق (¬3) وأبو (¬4) ثور وأبو (¬5) عبيد وابن (¬6) خزيمة، وقد يستدل بهذا الحديث من يقول بنجاسة سؤر السباع لقوله: وما ينوبه من السباع. ¬

_ (¬1) الأم (1/ 42) ط. دار الكتب العلمية. (¬2) مسائل أحمد وإسحاق (1/ 8). (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر فقه الإمام أبي ثور (114) لسعدي جبر. (¬5) الطهور (127 - 131). (¬6) صحيح ابن خزيمة (1/ 49).

وأما من لا يقول بنجاستها فيجيب عنه بأن السباع إذا وردت مياه الغدران خاضتها وإذا خاضت بالت في الأكثر عادة من أن قوائمها لا تخلو من النجاسة غالبًا فكان سؤالهم عن ذلك، وكان الجواب منه - عليه السلام - عن ذلك بتقرير قاعدة عامة أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، ومياه الغدران بالقلوات لا ينقص عن قلتين غالبًا. * * *

51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد حدثنا محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب: عن جابر (¬1). * الكلام عليه: أخرجه جماعة منهم البخاري (¬2) بسنده عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ ولفظه: "في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه"، هذه رواية شعيب عن أبي الزناد. ورواه ابن عيينة، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة (¬3). ورواه مسلم (¬4) من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به، ومن حديث همام، عن أبي هريرة (¬5) وكذا هو عند النسائي (¬6)، من حديث محمد، عن ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 100). (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 95 - 96) برقم 238 باب البول في الماء الدائم. (¬3) رواه الحميدي في مسنده (2/ 428 - 429) برقم 969 وأحمد (2/ 394) و (2/ 464) والنسائي في سننه كتاب الغسل (1/ 216) برقم 397 باب ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم وقبله في كتاب الطهارة (1/ 135) برقم 221 باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه وفي الكبرى (1/ 114) برقم 225 وابن خزيمة في صحيحه (1/ 37) برقم 66. (¬4) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 282 باب النهي عن البول في الماء الراكد. (¬5) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 282 باب النهي عن البول في الماء الراكد. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 52) برقم 57 - 58 باب الماء الدائم وفي الكبرى (1/ 75) برقم 55 و 57.

أبي هريرة كل هؤلاء قالوا: يغتسل (¬1). ورواه الطبراني (¬2) في المعجم الأوسط، من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ قال: نَهَى -أو نُهِيَ- أن يبول الرجل في الماء الدائم أو الراكد، ثم يتوضأ منه أو يغتسل منه؛ رواه عن بشر بن موسى عنه، وقال لم يجوده عن ابن عون غير المقرئ. ورواه البيهقي (¬3) من حديث عطا بن مينا، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب"؛ أخرجه من طريق ابن وهب عن أنس بن عياض، عن الحارث بن عبد الرحمن عنه، وأخرجه أبو (¬4) بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق من طريق ابن وهب عن أنس بن عياض، عن الحارث؛ فزاد أيضًا ذكره في ترجمة الحارث بن عبد الرحمن، وذكر أن الحارث بن عبد الرحمن تسعة (¬5). وفي لفظ مسلم (¬6): لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، وقالوا: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا، وفي رواية (¬7): لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة. ورواه أبو (¬8) داود وابن (¬9) ماجه والإمام أحمد (¬10) والنسائي (¬11)، ثم يتوضأ منه ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: عند النسائي في رواية؛ ثم يتوضأ منه. (¬2) المعجم الأوسط (3/ 254) برقم 3069. (¬3) السنن الكبرى (1/ 239). (¬4) المتفق والمفترق (2/ 755). (¬5) المتفق والمفترق (2/ 753). (¬6) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 236) برقم 283 باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد. (¬7) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 282 باب النهي عن البول في الماء الراكد. (¬8) في سننه كتاب الطهارة (1/ 29) برقم 27 باب في البول في المستحم. (¬9) في سننه كتاب الطهارة (1/ 124) برقم 344 باب النهي عن البول في الماء الراكد. (¬10) في مسنده (2/ 316) و (2/ 492 و 529). (¬11) في سننه كتاب الطهارة (1/ 52) برقم 57 باب الماء الدائم.

كرواية الترمذي. وأما حديث جابر ولفظه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يبال في الماء الراكد؛ رواه مسلم (¬1). قوله: في الماء الراكد الذي لا يجري، وفي بعض الألفاظ في الماء الدائم الذي لا يجري، وهو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه. قال بعض العلماء: ويحتمل أن يكون احترازًا عن راكد لا يجري بعضه كالبرك، ونحوها وسيأتي. وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه، وهذا يقتضي النهي عن الجمع بينهما؛ أي لا يجمع بين البول والاغتسال منه. وفي بعض ألفاظه: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل منه، وهذا يقتضي النهي عن كل منهما وهو غير الأول؛ فإن هذا يضمن النهي عن كل من الفعلين والأول يضمن النهي عن الجمع بين الفعلين ولا يلزم منه النهي عن كل واحد منهما. وقوله: ثم يغتسل، قال أبو (2) العباس القرطبي في كتابه المفهم: الرواية الصحيحة يغتسل برفع اللام ولا يجوز نصبها إذ لا ينتصب بإضمار أن بعد ثم (2) وخالفه في ذلك ابن مالك وسيأتي. قال القرطبي (¬2): وبعض الناس قيده ثم يغتسل مجزومة اللام على العطف على لا يبولن، وهذا ليس بشيء إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتسلنّ لأنه إذ ذاك ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 281 باب النهي عن البول في الماء الراكد. في هامش نسخة ابن العجمي: قلت: وفي الباب مما لم يذكره: عن عبد الله بن عمر: أخرجه ابن ماجه من حديث ابن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الناقع ... ". اهـ. وضعفه الألباني بهذا اللفظ. (¬2) المفهم (1/ 541 - 542).

يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة؛ وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما وتأكيدهما بالنون الشديدة، فإن المحل الذي توارد عليه شيء واحد، وهو الماء فعدوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف وإنما جاء ثم يغتسل على التنبيه، على مآل الحال؛ ومعناه أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول، قال: وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها" (¬1) برفع يضاجعها ولم يروه أحد بالجزم، ولا يتخيله فيه لأن المفهوم منه أنه إنما نهاه عن ضربها لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها فيتعذر عليه المقصود؛ لأجل الضرب. وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها وثم هو يغتسل (¬2)، قال شيخنا أبو (¬3) الفتح القشيري رحمه الله: وهذا يقتضي أنه كالتعليل للنهي عن البول في الماء الراكد لا عن الغسل منه من مدلول اللفظ مباشرة بل من مدلولاته التزامًا من حيث إنه لو لم يكن البول فيه مانعًا من الغسل أو الوضوء منه لما صح تعليل النهي عن البول فيه بأنه سيقع منه الغسل لكن التعليل صحيح على حسب ما اقتضاه الكلام عنده؛ فوقع النهي عن الغسل منه بعد البول بطريق الالتزام؛ لأنه لازم لصحة التعليل وفي تعيين هذا المعنى الذي ذكره لأن يحمل عليه اللفظ نظر. وقال الشيخ محيي (¬4) الدين النووي: إن الرواية يغتسل مرفوع أي لا تبل ثم أنت تغتسل منه (4)، في كلامه على هذا الحديث الذي لفظه لا يبل في الماء الدائم ¬

_ (¬1) هذا الحديث بهذا اللفظ ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 347) ط. السلفية مصر ولم يعزه لأحد ورواه بنحوه البخاري في صحيحه كتاب التفسير (3/ 323 - 324) برقم 4942 باب سورة الشمس وضحاها ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها (4/ 2191) برقم 2855 باب النار يدخلها الجبارون. (¬2) المفهم (1/ 541 - 542). (¬3) شرح الإلمام (1/ 362). (¬4) شرح صحيح مسلم (3/ 178).

الذي لا يجري ثم يغتسل منه. قال: وذكر شيخنا أبو (¬1) عبد الله بن مالك: أنه يجوز أيضًا جزمه عطفًا على يبولن، ونصبه بإضمار أن بإعطاء ثم حكم واو الجمع (¬2)، قال (¬3): فأما الجزم فظاهر، وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما وهذا لم يقله أحد بل البول منهي عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا. وهذا التعليل الذي علل به امتناع النصب ضعيف لأنه ليس فيه أكثر من كون هذا الحديث لا يتناول النهي عن البول في الماء الراكد بمفرده، وليس يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة بلفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع من هذا الحديث ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر، والله أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) الأستاذ النحوي محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الأندلسي الجياني الشافعي، له تصانيف مفيدة منها التسهيل والكافية، توفي سنة ثنتين وسبعين وستمائة. فوات الوفيات (3/ 407) طبقات الشافعية الكبرى (5/ 28)، غاية النهاية (2/ 180). (¬2) شواهد التوضيح (164). (¬3) أي النووي، انظر شرح صحيح مسلم (3/ 178). (¬4) شرح الإلمام (1/ 362 - 364). قلت: وكلام ابن دقيق العيد هذا ابتداء من قوله وهذا التعليل إلى آخره نقله العراقي في طرح التثريب (2/ 31) والسيوطي في عقود الزبرجد (2/ 324) ونقله بمعناه الحافظ في الفتح (1/ 347) وأجاب الكرماني في شرح البخاري (3/ 92 - 93) عن النووي بمثل جواب ابن دقيق العيد. وقال ابن هشام في مغني اللبيب (1/ 119) تعليقأ على كلام النووي: "فتوهم تلميذه الإمام أبو زكريا رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب لا في المعية أيضًا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته". قلت: لعله يشير بالدليل الذي قام على عدم إرادة المفهوم إلى حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى أن يبال في الماء الراكد" أخرجه مسلم في كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 281 باب النهي عن البول في الماء الراكد.

قال النووي (¬1): وهذا النهي في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة (¬2)، فإن كان الماء كثيرًا جاريًا، لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأولى اجتنابه وإن كان قليلًا جاريًا؛ فقد قال جماعة من أصحابنا يكره والمختار أنه يحرم ولأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره، ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس وإن كان الماء كثيرًا راكدًا. فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم (¬3). ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدًا، فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك طرفه يتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجاسة فيه. وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لأنه ينجسه، ويتلف مائيته ويغير غيره باستعماله. والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء وكذا وإذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول فكله مذموم قبيح منهي عنه على التفصيل المذكور ولم يخالف في هذا أحد من العلماء؛ إلا ما حكى عن داود الظاهري وليس بشيء (¬4). وقال العلماء: ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء. ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 178 - 179). (¬2) زاد النووي ويؤخذ ذلك من حكم المسألة. (¬3) قال النووي قال أصحابنا وغيرهم من العلماء. (¬4) شرح صحيح مسلم (3/ 178 - 179) بتصرف بيسير.

وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه؛ فإن كان قليلًا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام، لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء، وإن كان كثيرًا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، فإن كان جاريًا فلا بأس به وإن كان راكدًا فليس بحرام، ولا تظهر كراهته لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه (¬1). قلت: أما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله: وهذا النهي في بعض المواضع للتحريم، وفي بعضها للكراهة؛ فهو من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين (¬2)، وفيه من الخلاف ما هو معروف عند أهل الأصول هذا إن حملنا النهي حقيقة على التحريم (¬3)؛ كما هو المختار عندهم، وفي قوله - عليه السلام -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ... " الحديث، عموم لا بد من تخصيصه اتفاقًا بالماء المتبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه يتحرك الآخر؛ كما قاله الحنفيون (¬4)، أو بحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي (¬5) ومن ذكرنا أو بالعمومات الدالة على طهورية الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة لقول مالك، ومن نحا نحوه ولو ثبت لنا مقدار القلتين بثبوت حديثهما لكان تخصيص الشافعيين هذا الحديث بحديث القلتين أولى مما فعله الحنفيون، إذ هو تخصيص بمنطوق والحنفيون إنما خصوه بمعنى فهموه؛ وهو سراية ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) ذهب الشافعي وجمهور أصحابه إلى جواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه ومنعه الحنفية وغيرهم. انظر: العدة (2/ 703)، المسودة (166)، الإحكام للآمدي (2/ 242)، المحصول (1/ 268) و (1/ 343)، المدخول (147) البحر المحيط (2/ 139) شرح الكوكب المنير (3/ 195). (¬3) النهي المجرد عن القرائن يفيد التحريم عند الجمهور، إحكام الفصول (125) المنقول (126)، المحصول (2/ 281)، شرح تنقيح الفصول (168)، كشف الأسرار (1/ 256) البحر المحيط (2/ 426 - 427). (¬4) انظر مختصر الطحاوي (16)، الكتاب مع شرحه اللباب (1/ 22)، الهداية (1/ 70) شرح فتح القدير (1/ 68) العناية على البداية (1/ 70). (¬5) انظر طرح التثريب (2/ 610) رسالة علمية وشرح الإلمام (1/ 407).

النجاسة في الماء، وإن مع هذا المقدار من الكثرة لا سراية وهذا المقدار من الماء داخل تحت العموم فتخصيصه بهذا العنى تخصيص العام بمعنى مستنبط يعود عليه بالتخصيص (¬1) وفيه من الخلاف ما ليس في الأول، وأما من تمسك بالعمومات الدالة على طهورية الماء الذي لم يتغير صفة من أوصافه الثلاثة فيحمل النهي هنا على الكراهة فيما لم يتغير وهو خلاف المشهور في النهي. ومن قال بتنجيس ما دون القلتين من الماء وإن لم يتغير من أصحاب الشافعي وغيرهم، فإنما أخذه من مفهوم حديث القلتين. وفي تخصيص العموم بالمفهوم تنارع بين أهل الأصول (¬2) فبعضهم يقول لا نعلم خلافًا بين القائلين بالمفهوم أنه يجوز تخصيص العموم به، وسواء كان من قبيل مفهوم الموافقة أو من قبيل مفهوم المخالفة وغيره يقول: إذا قلنا المفهوم حجة فالأشبه أنه لا يجوز تخصيص العام به لأن المفهوم أضعف دلالة من المنطوق به فكان التخصيص تقديمًا للأضعف على الأقوى وذلك غير جائز، وذلك غير جائز ولكل من الفريقين شبه واحتجاجات ليس هذا موضعها. وقولهم: التغوط في الماء بمعنى البول فيه من باب القياس في معنى الأصل؛ فإن المذكور في الخبر إنما هو البول وكذلك اغتسال الحائض في الماء في معنى اغتسال الجنب وكذلك النفساء فرتب من ذلك المنع من اغتسال الجمعة والغسل من غسل الميت، عند من يوجبهما، كل هذا من باب القياس في معنى الأصل وإن اختلفت الراتب فيه بالقوة والضعف. والظاهري لا يلحق هذه بغسل الجنابة لانتقاء الجسم. وأما الأغسال المسنونة فهل يلحق بغسل الجنابة أو لا؟ أما من اقتصر على ¬

_ (¬1) المشهور من قول الأصوليين أنه يجوز أن يستنبط النهي معنى يخصصه التمهيد للإسنوي (375) والبحر المحيط (3/ 377 - 378). (¬2) انظر المستصفى (2/ 105)، العدة (2/ 578)، المسودة (127، 143)، روضة الناظر (2/ 167)، البحر المحيط (3/ 381 - 385).

اللفظ فلا إلحاق عنده وأما من يقيس فمن زعم أن العلة الاستعمال وإفساد الماء وجب أن يخرج على وجهين: وهو أن الاستعمال في نقل الطهارة هل يجعل الماء مستعملًا أو لا؛ فيه خلاف ومن علل بغير ذلك قال: ساوت العلة في الفرع العلة في الأصل ورجحت عليه ألحق وإلا امتنع الإلحاق وذلك كالتعليل بالعبادة النفسية فقد يدعى أنها في هذه الأغسال ناقصة عنها في الغسل من الجنابة. وقد ذكرنا الفرق بين رواية من روى: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم لا يغتسل فيه"، ومن روى: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه"؛ وأن الرواية الأولى تقتضي النهي عن الجمع بين الأمرين ووقوع الاغتسال منه بعد البول فيه. والثانية تقتضي النهي عن كل فرد منهما، وذكرنا أن ظاهر النهي للتحريم فمن رأى النهي عن البول في الماء لمن لا يغتسل فيه محمولًا على الكراهة والتنزيه يحتاج إلى صارف يصرف النهي عن ظاهره. قال القاضي (¬1) عياض: ونهيه - عليه السلام - عن بول الرجل في الماء الراكد أو الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه وهو تفسير الراكد هذا تفسير منه - عليه السلام -، على طريق التنزيه والإرشاد إلى مكارم الأخلاق والاحتياط على دين الأمة وهو في الماء القليل آكد منه في الكثير لإفساده له؛ بل ذكر بعضهم أنه على الوجوب فيه لأنه قد يتغير منه ويفسد فيظن من مر به أن فساده لقراره أو مكثه، وكذلك يكثر تكرار البائلين في الكثير حتى يعتريه ذلك؛ فحمى - عليه السلام - هذا العارض في الماء الذي أصله الطهارة بالنهي عن ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (2/ 105). (¬2) إكمال المعلم (2/ 105).

وهذا الكلام حمل القاضي فيه النهي على الكراهة وعدم التحريم وحكايته عن بعضهم التحريم تقريب لا تصريح. وما حكيناه عن النووي من التفصيل أظهر من هذا غير أنه قال: فإن الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث وهذا مفهوم المخالفة والخلاف فيه معروف وهو هنا يختص بالجاري وأما الكثير فلا مدخل له في الفهوم هذا فيما يرجع إلى الماء اليسير أو ما قاربه؛ أما حكم البول في الماء الكثير المستبحر الذي لا ينجسه مثل ذلك ولا يستقذر بملاقاة مثله فيرجع إلى أن العموم هل يخص بالمعتاد والغالب أو لا؛ فمن قال بالأول صرف النهي إلى المياه المعتادة في الاستعمال غالبًا وأخرج عن ذلك ما ينذر استعماله ولا يكاد يخطر ببال المتكلم ومن لم يخص العموم بذلك فلا يبعد أن يجري اللفظ على ظاهره إن لم يخصه الإجماع هذا كله إذا لم يعلل النهي بعلة وأما إذا قلنا إنه معلل بالتنجيس أو الاستقذار وهما منتفيان عنه فالحكم ينتفي بانتفاء علته. وقد استدل أبو يوسف رحمه الله بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل فإنه فرق بين الغسل فيه والبول فيه؛ والبول فيه ينجسه فكذلك الغسل فيه، وفي دلالة القرآن بين الشيئين على استوائهما في الحكم خلاف بين العلماء فالمذكور عن أبي يوسف والمزني ذلك وخالفهما غيرهما واستدل بقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، الأول غير واجب، والثاني واجب، ولا ينبغي أن يجعل هذا الحديث وإن اختلفت ألفاظه حديثًا واحدًا، ذكر في بعض طرقه الوضوء في قوله: ولا يتوضأ منه، وفي بعضها الاغتسال، وفي بعضها ولا يغتسل، وفي بعضها ثم يغتسل، فيحتاج إلى حمل بعض هذه الألفاظ على بعض أو الترجيح لأحدهما فيقال به، ويعدل عن ما عداه بل هي أحاديث متعددة، وكلها صحيح ولأن الوضوء

والاغتسال مما يكثر السؤال والجواب عنه. وقد روي من حديث أبي هريرة وجابر كما ذكرنا من طرق عدة وإنما يصار إلى القول في مثل ذلك بأنه حديث واحد إذا اتحد مخرجه وغلب على الظن أن الواقعة المخبر عنها لا يتكرر وقوع مثلها، والله أعلم. * * *

52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور حدثنا قتيبة، عن مالك (¬1): وثنا الأنصاري إسحاق بن موسى: ثنا معن: ثنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن (¬2) آل ابن (¬3) الازرق: ان المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا؛ أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله عبم: "هو الطهور ماؤه الحل ميته". قال: وفي الباب عن جابر والفراسي (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبو بكر، وعمر، وابن عباس، لم يروا بأسًا بماء البحر. وقد كره بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء بماء البحر منهم: ابن عمر، وعبد الله بن عمرو. وقال عبد الله بن عمرو: هو نار (¬5). ¬

_ (¬1) في نسخة أحمد شاكر ح. (¬2) صوابه: من. (¬3) وفي الموطأ (1/ 22) برقم 12 من آل بني الأزرق وما في تحفة الأشراف موافق لما في الترمذي. (¬4) الفراسي بالفاء. (¬5) الجامع (1/ 100 - 102).

* الكلام عليه: أخرجه أبو (¬1) داود والنسائي (¬2) وابن (¬3) ماجه من حديث مالك (¬4). وأخرجه الإمام أبو (¬5) بكر بن خزيمة في صحيحه وأبو (¬6) محمد بن الجارود في المنتقى. قال القشيري (7): ورجح ابن منده صحته (¬7)، وذكر البيهقي (¬8) أنه صححه في كتاب المعرفة له. وقال الترمذي (¬9): سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: هو حديث صحيح. وقال الحافظ أبو (¬10) بكر بن المنذر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 64) برقم 83 باب الوضوء بماء البحر. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 53) برقم 59 باب في ماء البحر و (1/ 192) برقم 331 باب الوضوء بماء البحر. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 136) برق 386 باب الوضوء بماء البحر. (¬4) وهو في الموطأ (1/ 22) برقم 12، ورواه عن مالك أبو مصعب برقم 53 وسويد بن سعيد (27) والقعنبي عند أبي داود برقم 83. (¬5) صحيح ابن خزيمة (1/ 59) برقم 111. (¬6) المنتقى (1/ 51 - 52) برقم 43 مع الغوث. (¬7) الإلمام (1/ 49) برقم 1 وكذا الإمام (1/ 98) وابن منده ذكره في كتابه الطهارة كما في الإمام (1/ 98). (¬8) السنن الكبرى (1/ 3) والمعرفة (1/ 222 - 223) برقم 466 - 467 - 468. (¬9) العلل الكبير (41) برقم 33 ط. عالم الكتب. (¬10) الأوسط (1/ 247).

وصححه ابن (¬1) حبان. وقال البغوي (¬2): هذا الحديث متفق على صحته. وقال الحافظ أبو (¬3) عمر: اختلف أهل العلم في هذا الإسناد. وقال شيخنا الحافظ أبو (¬4) الفتح محمد بن علي القشيري رحمه الله كلامًا ملخصه: إن هذا الحديث علل بالجهالة في سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة وادعاء (¬5) أنه لم يرو عن سعيد غير صفوان بن سليم، ولا عن المغيرة غير سعيد بن سلمة، قد روى عن سعيد غير صفوان، روى عنه الجلاح أبو كثير رواه من طريقه الإمام أحمد (¬6) بن حنبل في مسنده من رواية قتيبة عن ليث عنه. ورواه الحافظ أبو بكر البيهقي (6) في سننه الكبير من طريق يحيى بن بكير عن الليث. ورواه عن الجلاح أيضًا يزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث. أما رواية عمرو فمن طريق ابن (¬7) وهب. ¬

_ (¬1) في صحيحه (4/ 49) برقم 1243. (¬2) شرح السنة (2/ 55) برقم 281. (¬3) التمهيد (16/ 218) وعبارته: وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده وهو عندي صحيح. (¬4) الإمام (1/ 99 مما بعدها). (¬5) قلت وهذا شروع من ابن دقيق الميد في رد ما أعل به الحديث. (¬6) كذا بالأصل ولعله سبق قلم أو خطأ من الناسخ والمصنف ينقل عن ابن دقيق العيد في كتابه الإمام وهذه الرواية عند البيهقي في السنن الكبرى (1/ 3) والمعرفة أيضًا (1/ 226) برقم 475. (¬7) علقها البخاري في التاريخ الكبير (3/ 478) ووصلها البيهقي في المعرفة (1/ 277) برقم 477 من طريق حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن عمرو به.

وأما رواية يزيد فمن طريق الليث عنه. وأما المغيرة بن أبي بردة، فقد روى عنه يحيى بن سعيد، ويزيد بن محمد القرشي، إلا أن يحيى بن سعيد اختلف عليه فيه (¬1)، ورواية يزيد بن محمد رواها أحمد (¬2) بن عبيد الصفار صاحب المسند ومن جهته أخرجها البيهقي (¬3). قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: فاتفاق صفوان والجلاح مما يوجب شهرة سعيد بن سلمة واتفاق يحيى بن سعيد وسعيد بن سلمة على المغيرة ابن أبي بردة مما يوجب شهرة المغيرة فصار الإسناد مشهورًا؛ قال (¬4): قد زدنا على ما ذكرنا عن ابن منده رواية يزيد بن محمد القرشي فتلخص أن الغيرة روى عنه ثلاثة (¬5)، فبطلت دعوى التفرد المذكور عن سعيد وصفوان. الوجه الثاني: من الاعتلال الاختلاف في اسم سعيد بن مسلمة، فقيل كما قال مالك (¬6)، وقيل عبد الله بن سعيد المخزومي، وقيل سلمة بن سعيد، وهذان الوجهان المخالفان لرواية مالك هما من رواية محمد بن إسحاق على الاختلاف عنه والترجيح لرواية مالك مع جلالته وعدم الاختلاف عليه أولى وإن كان أبو (¬7) عمر قال: رواة الموطأ اختلفوا فبعضهم يقول: من آل بني الأزرق، كما قال يحيى. ¬

_ (¬1) انظر الإمام (1/ 103 فما بعدها). (¬2) هو الإمام الحافظ أبو الحسن أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار، مؤلف كتاب السنن على المسند الذي يكثر أبو بكر البيهقي من تخريجه في تواليفه. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (4/ 261) وتذكرة الحفاظ (3/ 876 - 877) وطبقات الحفاظ (358). (¬3) المعرفة (1/ 228) برقم 486. (¬4) أي ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 100). (¬5) وهم يحيى بن سعيد ويزيد بن محمد وسعيد بن سلمة. (¬6) أي سعيد بن سلمة. (¬7) ينظر الاستذكار (2/ 99).

وبعضهم يقول: من آل الأزرق، وكذا قال القعنبي. وبعضهم يقول من آل ابن الأزرق، كذلك قال ابن القاسم وابن بكير، قال أبو عمر: هذا كله متقارب غير ضار. الوجه الثالث: التعليل بالإرسال؛ قال أبو (¬1) عمر: ذكر ابن أبي عمر والحميدي والمخزومي عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن رجل من أهل المغرب يقال له المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، أن أناسًا من بني مُدلج أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله! إنا نركب أزمانًا (¬2) في البحر ... وساق الحديث بمعنى حديث مالك. قال أبو عمر: هو مرسل (¬3)، ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان بن سليم، وأثبت من سعيد بن سلمة وليس إسناد هذا الحديث مما يقوم به عند أهل العلم بالنقل حجة (¬4). ورد مسنده بالجهالة في صفوان وسعيد وقد تقدم. وأكثر ما بقي في هذا الوجه بعد اشتهار صفوان وسعيد تقديم إرسال الأحفظ على إسناد من دونه؛ فإن يحيى بن سعيد أرسله من هذا الوجه، ولسعيد بن سلمة أسنده وهي مسألة معروفة في الأصول. ¬

_ (¬1) الاستذكار (2/ 97) برقم 1561 - 1564. (¬2) كذا بأصل كتاب الإمام وسقط ها اللفظ من الاستذكار وساقه ابن عبد البر على الصواب في التمهيد (16/ 219) وهي قوله أرْماثًا وجاء على الصواب في البدر المنير (2/ 15) والأرماث جمع رمث بفتح الميم وهو خشب يضم بعضه إلى بعض ثم يشد ويركب في الماء ويسمى الطّوف. انظر النهاية في غريب الحديث (2/ 261). (¬3) زاد لا يصح فيه الاتصال كما في الاستذكار. (¬4) الإمام (1/ 101 - 102).

قال الحافظ ابن (¬1) عساكر بعد أن ذكر رواية من روى عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه وجوده عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن صفوان سمع المغيرة أبا هريرة وأيضًا تقَدَّم رواية مالك ومن تابعه لعدم الاضطراب فيها على رواية يحيى بن سعيد للاختلاف عليه. الوجه الرابع: التعليل بالاضطراب (¬2)؛ قد تقدم اتفاق رواية مالك ويزيد بن محمد القرشي والجلاح من جهة الليث وعمرو بن الحارث. أما ابن إسحاق فرواه عن يزيد بن أبي حبيب عن جلاح، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أبو (¬3) محمد الدارمي في مسنده كذلك بالسند المذكور عن أبي هريرة؛ قال: أتى رجال من بني مدلج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، وفي رواية عن ابن إسحاق سلمة بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بردة حليف بني عبد الدار، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال البخاري (¬5): وحديث مالك أصح. وقال البيهقي (¬6): الليث بن سعد أحفظ من محمد بن إسحاق وقد أقام إسناده عن يزيد بن أبي حبيب، وتابعه على ذلك عمرو بن الحارث عن الجلاح؛ فهو أولى أن يكون صحيحًا، وقد رواه يزيد بن محمد القرشي، عن المغيرة بن أبي بردة ¬

_ (¬1) ذكر ابن الملقن في البدر المنير (2/ 16) وكلامه هذا في أطراف السن كما في تحفة الأشراف (10/ 375) ونص عبارته: "وقد جوده عبد الله بن يوسف عن مالك عن صفوان سمع المغيرة ابن أبي بردة سمع أبا هريرة". (¬2) زاد ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 103): واختلاف الروايات. (¬3) السنن (1/ 185 - 186). (¬4) وهذه الرواية أخرجها البخاري في التاريخ الكبير (3/ 478 - 479) ومن طريقه البيهقي في المعرفة (1/ 227 - 228). (¬5) ولا وجود لها في الموضع السابق من التاريخ ونقلها عنه البيهقي في المعرفة (1/ 228). (¬6) المعرفة (1/ 228).

نحو رواية من رواه على الصحة (¬1). وقال أبو (¬2) عمر في قول البخاري إنه صحيح: لا أدري ما هذا من البخاري؛ ولو كان صحيحًا عنده لأخرجه في كتابه، وهذا الحديث لم يحتج أهل الحديث بمثل إسناده وهو عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به لا يخالف جملته أحد من الفقهاء وإنما الخلاف في بعض معانيه (2). قول أبي عمر: لو كان صحيحًا لأخرجه في كتابه غير لازم لأنه لم يلتزم إخراج كل صحيح (¬3). وأما قوله: لم يحتج أهل الحديث بمثل إسناده؛ فقد ذكرنا ما يرفع الجهالة العينية عن صفوان وسعيد روايته فمن عرف من حالهما ما يقتضي تصحيح حديثهما فلا إشكال، ومن لا يعرف فلعله ممن يقبل المستور أو حسن الظن بمالك إذ أخرجه (¬4)، وطريقته في الرواية عن الثقات وانتقائه للرجال معلومة. ولا معارض لذلك من جهالة الحال وغير ذلك من الاعتلال، فقد أوضحنا ما يرده وقد وثق ابن (¬5) حبان سعيدًا والمغيرة (¬6)، وحكم بصحة الحديث، والاختلاف على يحيى بن سعيد فيه كثير، وقال هشيم عنه في رواية عن هشيم المغيرة ابن أبي بردة، وحمل الترمذي (¬7) الوهم على هشيم في ذلك وحكاه عن ¬

_ (¬1) الإمام (1/ 99 - 104). (¬2) التمهيد (16/ 218). (¬3) شرح الإلمام (1/ 179) ونقله بمعناه أيضًا ابن الملقن في البدر المنير عن ابن دقيق العيد (2/ 6). (¬4) انظر شرح الإلمام (1/ 181). (¬5) الثقات (6/ 364 - 365). (¬6) الثقات (5/ 410). (¬7) العلل الكبير (1/ 136).

البخاري (¬1) أنه قال: وهم فيه هشيم، إنما هو ابن أبي بردة، وقد رواه أبو عبيد (¬2) عن هشيم على الصواب وقد يكون الوهم ممن دونه. وأما حديث جابر فرواه أحمد (¬3) بن حنبل، عن أبي القاسم بن أبي الزناد، عن إسحاق بن حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ماء البحر، فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، أخرجه ابن (¬4) ماجه. وعن ابن (¬5) السكن: حديث جابرأصح ما في هذا الباب، وخالفه ابن (5) منده في هذا وقال: قد روى هذا الحديث عبيد الله بن مقسم، عن جابر والأعرج عن أبي هريرة ولا يثبت. قال القشيري (¬6): وعندي أن قول أبي علي بن السكن في تقوية حديث جابر أقوى من قول ابن منده، وذلك أن عبيد الله بن مقسم مذكور في المتفق عليه بين الشيخين (¬7)، وإسحاق المدني وثقه أحمد (¬8) ويحيى (¬9). وقال أبو (¬10) حاتم: صالح. ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) الطهور (296) برقم 234 ط. مشهور حسن. (¬3) المسند (3/ 373). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 137) برقم 388 باب الوضوء بماء البحر. (¬5) انظر الإمام (1/ 107). (¬6) المصدر السابق. (¬7) أخرج له الجماعة سوى الترمذي كما تهذيب الكمال (19/ 163، 164). (¬8) مسائل صالح بن أحمد بن حنبل (2/ 440) رقم 1122 وكذا في الجرح والتعديل (2/ 216). (¬9) تاريخ عثمان الدارمي (73) برقم 158. (¬10) الجرح والتعديل (2/ 216).

وأبو (¬1) القاسم بن أبي الزناد اسمه كنيته (¬2)، أثنى عليه أحمد (¬3)، وقال يحيى (¬4): لا بأس به. ويمكن أن يكون ابن منده علل الحديث باختلاف في إسناده ثم ذكر أن عبد العزيز بن عمران رواه عن إسحاق بن حازم الزيات عن وهب بن كيسان، عن جابر، عن أبي بكر أخرجه كذلك الدارقطني (¬5)؛ انتهى ما ذكره عنه ملخصًا (¬6). وهذا الذي ذكره ابن منده لا يصلح أن يكون معلًا لرواية أحمد، عن ابن أبي الزناد، عن إسحاق لتوثيق ابن أبي الزناد، وضعف عبد (¬7) العزيز بن عمران بن أبي ثابت عندهم ورواية الضعيف لا تعل رواية الثقة. وأما حديث الفراسي فرواه (¬8) ابن ماجه من طريق الليث عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي، قال: كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء وإني توضأت بماء البحر، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"؛ رواه عن سهل بن أبي سهل، عن يحيى بن بكير عنه، كذا وقع عند ابن ماجه، عن مسلم، عن ابن الفراسي، عن النبي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 427) برقم 2109 وتهذيب الكمال (34/ 192 - برقم 7573 وتهذيب التهذيب (4/ 573). (¬2) روى ذلك الخطيب في تاريخه (14/ 398) برقم 7711. (¬3) الجرح والتعديل (9/ 427). (¬4) تاريخ الدوري (2/ 720) برقم 903. (¬5) في سننه (1/ 34) لرقم 3 و 4. (¬6) شرح الإلمام (1/ 106 - 108). (¬7) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 390 - 391) برقم 1817 وتهذيب الكمال (18/ 178 - 181) برقم 3465 وتهذيب التهذيب (2/ 591 - 592). (¬8) في سننه كتاب الطهارة (1/ 136 - 137) برقم 387 باب الوضوء بماء البحر.

- صلى الله عليه وسلم -، والترمذي (¬1) يقول عن الفراسي وكذا هو عند ابن (¬2) عبد البر وذكر (¬3) أن إسناده ليس بالقائم وأن الفراسي مجهول في الصحابة غير معروف، فإن (¬4) كان يريد الجهالة الحالية فليست ضارة في الصحابي، وإن أراد العينية فقد عرفه البخاري (¬5) وأثبت صحبته فيما حكاه عنه الترمذي؛ ومن علم حجة على من جهل. وقال عبد (¬6) الحق: لم يروه عنه فيما أعلم إلا مسلم بن مخشي، ومسلم لم يروه عنه إلا بكر بن سوادة. هذا ما عاب به هذا السند. وقال ابن (¬7) القطان في الاعتراض عليه: خفي عليه انقطاع حديث الفراسي وهو حديث لم يسمعه مسلم من الفراسي؛ وإنما سمعه من ابن الفراسي، عن الفراسي، ثم ذكر رواية أبي عمر؛ قال: ثنا خلف بن القاسم: ثنا أحمد بن الحسن الرازي: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثني الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي: أنه حدث أن الفراسي قال: كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث ... الحديث. وما أرى أبا محمد وقف عليه إلا عند ابن عبد البر، ولذلك ما نقل فيه ما نقل ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 101). (¬2) التمهيد (16/ 220). (¬3) الاستذكار (2/ 97 - 98). (¬4) هذا جواب ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 109) ونقله عنه ابن الملقن في البدر المنير (2/ 26). (¬5) علل الترمذي الكبير (1/ 137). (¬6) الأحكام الوسطى (1/ 157). (¬7) بيان الوهم والإيهام (2/ 440 - 442).

في حديث إذا كنت سائلًا فسل الصالحين، حيث قال: "ابن الفراسي لم يرو عنه إلا مسلم بن مخشي وذلك أنه لم ير في حديثه هنا لابن الفراسي ذكرًا، وراه في حديث (سل الصالحين)؛ ومن هناك تبين أن مسلم بن مخشي لا يروي عن الفراسي إلا بواسطة ابنه، والحديث المذكور، ذكره في الزكاة (¬1) من حديث النسائي (¬2) من رواية مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي؛ أن الفراسي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسأل يا رسول الله؛ قال: "لا وإن كنت لا بد سائلًا؛ فسل الصالحين" (¬3). وقال الترمذي (¬4) في علله: سألت محمدًا عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر، فقال: مرسل لم يدرك ابن الفراسي النبي - صلى الله عليه وسلم - والفراسي له صحبة. فهذا كما ترى يعطي أن الحديث يروى أيضًا عن ابن الفراسي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يذكر فيه الفراسي فمسلم بن مخشي لا يروي إلا عن الابن، وروايته عن الأب مرسلة؛ انتهى (¬5). فتبين بهذا أن الحديث إما منقطع بين مسلم بن مخشي والفراسي أو مرسل بين ابن الفراسي والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وجوز القشيري (¬6) أن يكون ابن الفراسي والفراسي واحدًا وقع الاختلاف فيه وهو لا يجدي الاتصال. وفي الباب مما لم يذكره: عن علي (¬7) بن أبي طالب وفي إسناده من يحتاج إلى ¬

_ (¬1) الأحكام الوسطى (2/ 200). (¬2) وهو في سننه (5/ 95) برقم 2587 في الزكاة، باب سؤال الصالحين. (¬3) ثم قال: ابن الفراسي لا أعلم روى عنه إلا مسلم بن مخشي. (¬4) علل الترمذي الكبير (1/ 137). (¬5) انظر الإمام (1/ 109 - 111). (¬6) الإمام (1/ 112 - 113). (¬7) رواه الدارقطني في سننه (1/ 35) برقم 6 والحاكم في المستدرك (1/ 142) وسكت عنه وكذا الذهبي وقال ابن الملقن في البدر المنير هذا إسناد عجيب وكذا الحافظ في التلخيص (1/ 12) وفي إسناده من لا يعرف.

معرفة حاله. وفيه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده من طريق ابن عياش، عن المثنى بن الصباح عنه ولفظه: "ميتة البحر حلال، وماؤه طهور" (¬1). وفيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ماء البحر فقال: "ماء البحر طهور" (¬2). وكلها عند الدارقطني (¬3)، وروى الدارقطني (¬4) في غرائب حديث مالك من طريق هشام بن عمار، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ... نحو حديث أبي هريرة الأول، قال فيه: ثنا أبو بكر الشافعي من أصل كتابه ومحمد بن حميد قالا: ثنا أحمد بن عمر بن زنجويه المحرمي، عن هشام، وقال: هذا باطل بهذا الإسناد مقلوب، وهو في الموطأ (¬5) عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة، عن أبي هريرة. في الحديث (¬6) دليل على جواز ركوب البحر في الجملة وقد ورد في بعض الروايات ركوبه للصيد (¬7) كما ذكرناه في طرق هذا الحديث، فيدل دلالة خاصة على ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني في سننه (1/ 37) برقم 16. (¬2) رواه الدارقطني في سننه (3511) برقم 10 والحاكم في المستدرك (1/ 140) وقال صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (¬3) السنن (1/ 35) برقم 6 - 7 - 10. (¬4) نقله عنه ابن الملقن كما في البدر المنير (2/ 33). (¬5) الموطأ (1/ 22) برقم 12. (¬6) هذا كلام ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 198 فما بعدها). (¬7) أحمد في مسنده (2/ 378) والدارمي (1/ 151) والحاكم (1/ 141) والبيهقي (1/ 3).

ركوبه في طلب المعيشة، وقد ورد ما يعارض ذلك في حديث رواه أبو (¬1) داود من طريق عبد الله بن عمرو؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تركب البحر إلا حاجًّا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله ... " الحديث. وروى عن عبد الله بن عمر أيضًا ما يناسب هذا (¬2) وطعن بعضهم في صحة هذا الخبر عن ابن عمر، وقد ذكرت كراهة ركوب البحر عن مالك (¬3) رحمه الله، وقسم بعض المالكية ركوب البحر على ثلاثة أقسام؛ وجعل ما كرهه مالك من الكراهة منزلًا على أضرها؛ فقال: ركوب البحر على ثلاثة أوجه: • جائز: وهو إذا كان يعلم شأنه أنه يقدر على صلاته قائمًا ولا يميد. • ومكروه: وهو إذا لم يتقدم له عادة بركوبه ولا يعلم إذا ركب أيميد وتتعطل صلاته أم لا؟ ويقال في هذا القسم إنه ممنوع لأن الغالب بعده عدم ذلك. • وممنوع: وهو ما إذا كان يعلم من شأنه أنه يميد لا يقدر على أداء الصلاة لكثرة الراكب ولا يقدر على السجود (¬4). وقال مالك في سماع أشهب: إذا لم يقدر أحدكم على أن يركع أو يسجد إلا على ظهر أخيه، فلا تركبوا لحجة ولا لعمرة؛ أيركب حيث لا يصلي، ويل لمن ترك الصلاة، ويكره أيضًا إذا كان لا يقدر على الصلاة إلا جالسًا (¬5). ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الجهاد (3/ 13) برقم 2489 باب في ركوب البحر في الغزو. (¬2) روي عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا، رواه البزار (2/ 265) الكشف برقم 1668 وقال لا نعلم رواه عن نافع إلا ليث ولا عنه إلا أبو حفص. (¬3) ذكر ذلك ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 204) عن بعض شراح التفريع للجلاب ونصه قال مالك يكره ركوب البحر بما يدخل على الإنسان من نقص في صلاته وغير ذلك. (¬4) ونقل هذا الكلام بحروفه ابن رسلان في شرح سنن أبي داود (2/ 625). (¬5) شرح الإلمام (1/ 198 - 205).

وقال القاضي أبو (¬1) الوليد الباجي: وقوله فإن توضأنا به عطشنا؛ دليل على أن العطش له تأثير في ترك استعمال الماء المعد للشرب، ولذلك أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعلق به. وقال الحافظ أبو (¬2) عمر: وفي هذا الحديث أيضًا من الفقه أن المسافر إذا لم يكن معه من الماء إلا ما يكفيه لشربه وما لا غنى به عنه لشفقته [ولا فضل فيه يغني عن سقيه أنه لا يتوضأ به] (¬3)؛ لأنه جائز له التيمم ويترك ذلك الماء لنفسه هذا إذا لم يطمع بماء وخشي هلاك نفسه، انتهى. وقال غيره: إذا خاف العطش فما هو العطش المعتبر في ذلك اللفظ تعليقه بمطلق العطش. والشافعية رحمهم الله أو من قال منهم يعتبرون هذه الحالة بحالة المرض المبيح للتيمم باعتبار الخوف، فينظر هل يكون الخوف من التلف لنفس أو عضوًا أو منفعة أو زيادة المرض أو تأخر البرء أو بقاء شين في عضو ظاهر، فإذا قسناه بذلك اقتضى تقييدًا في العطش واحتاج إلى دليل ولعلة القياس (¬4)، وقد يؤخذ منه أن المتوقع من خوف العطش كالواقع والمظنون كالمعلوم؛ لأن قوله: عطشنا يحتمل الحال والاستقبال والحكم بوقوع العطش يحتمل العلم والظن فأجابهم من غير استفصال وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال (¬5). ¬

_ (¬1) المنتقى (1/ 55). (¬2) التمهيد (16/ 223) مع بعض الاختلاف. (¬3) هذه الجملة ليست من كلام ابن عبد البر. (¬4) المهذب مع المجموع (2/ 282 - 286)، المجموع (2/ 245)، روضة الطالبين (1/ 100، 103)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 71). (¬5) شرح الإلمام (1/ 205) وانظر البرهان للجويني (1/ 345)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 161)، المستصفى (2/ 68)، المحصول (2/ 386 - 387).

وقال الخطابي (¬1): في هذا الحديث أنواع من العلم منها: أن المعقول عند (¬2) المخاطبين من الطهور والغسول الضمنين في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...} الآية. أو إنما كان عند السامعين له أو المخاطبين به الماء المفطور على خلقته، السليم في نفسه، الخلي من الأعراض المؤثرة فيه، ألا ترى (¬3) أنهم ارتابوا بماء البحر، لما رأوا تغيره في اللون وملوحته في الطعم؛ حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستفتوه على جواز التطهر به. وقال القاضي أبو (¬4) بكر بن العربي: فتوقوا عنه لأحد وجهين؛ إما أنه لا يشرب، وإما أنه طبق جهنم. وروى (¬5) عن عبد (¬6) الله بن عمر وابن عمرو وما طبق (¬7) سخطه لا يكون طريق طهارة ورحمة. قلت: ما ذكره ابن العربي يشير إلى أن العلة لا تنحصر فيما ذكره الخطابي إذ أتى بعلة ثانية وهي ما روى عن عبد الله بن عمر وابن عمرو. ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 37). (¬2) قوله عند المخاطبين ليس في معالم السنن وهي في شرح الإلمام (1/ 236) وعنه ينقل المصنف. (¬3) في العالم ألا تراهم. (¬4) عارضة الأحوذي (1/ 77). (¬5) في العارضة كما روي. (¬6) عبد الله بن عمر سقط من العارضة. (¬7) صوابه: وما كان طريق سخطة وهو كذلك في شرح الإلمام (1/ 238).

وقال ابن (¬1) العربي أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لهم في (¬2) الجواب: نعم؛ فإنه لو قال ذلك لما جاز الوضوء به إلا لضرورة (¬3)؛ لأنه كان يكون جواب قولهم: إنا نركب البحر ونحمل (¬4) القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا فشكوا إليه بصفة الضرورة وعليه وقع سؤالهم فيها كان يربط جوابهم لو قاله فاستأنف بيان الحكم بجواز الطهارة به. وقال شيخنا الحافظ أبو (¬5) الفتح القشيري: يقول وفيه وجه أنه لو كان قال نعم لم يستفد منه من حيث اللفظ إلا جواز الوضوء به، الذي وقع عنه السؤال، وإذا قال: "هو الطهور" أفاد جواز رفع الأحداث أصغرها وأكبرها، وإزالة الأنجاس به لفظًا فكان أعم فائدة. وفيه جواز التطهر بماء البحر، وهو المقصود بالذات من الحديث وإليه ذهب الجمهور. وقال ابن (¬6) المنذر: وممن روينا عنه أنه قال: ماء البحر طهور: أبو بكر، وعمر، وابن عباس، وعقبة بن عامر وبه قال عطاء، وطاوس، والحسن البصري، ومالك، وأهل المدينة، وسفيان الثوري، وأهل الكوفة، والأوزاعي، وأهل الشام، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبو عبيد، وبه نقول. وقد روينا عن ابن عمر أنه قال في الوضوء بماء البحر: التيمم أحب إلى منه، ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 77). (¬2) في الجواب زيادة بيان من المصنف وليست من كلام ابن العربي. (¬3) زاد ابن العربي وعليها وقع سؤالهم كذا في المطبوع ولعل الأنسب تأخرها. (¬4) معنا كما في العارضة. (¬5) شرح الإلمام (1/ 239). (¬6) الأوسط (1/ 247 - 250).

وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: لا يجزئ من الوضوء ولا من الجنابة والتيمم أعجب إلى منه. وعن ابن المسيب أنه قال: إذا ألجأت إليه فتوضأ منه؛ انتهى ما ذكره ابن المنذر، وزاد ابن (¬1) أبي شيبة فيمن جوّز الطهور بماء البحر: ابن سيرين وعكرمة، وقال (¬2): ثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن عقبة بن صهبان؛ قال: سمعت ابن عمر يقول: التيمم أحب إلي من الوضوء من ماء البحر (¬3). قال (¬4): ثنا أبو داود الطيالسي عن هشام، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو؛ قال: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماء، ثم نارًا (5). قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة؛ قال: ماءان لا يجزيان عن غسل الجنابة؛ ماء البحر وماء الحمام. قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: أنه ركب البحر فنفذ ماؤهم فتوضأ بنبيذ وكره أن يتوضأ من ماء البحر (¬5). وأما من كرهه فقد ذكرنا عن سعيد بن المسيب (¬6). ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 130). (¬2) أي ابن أبي شيبة. (¬3) المصنف (1/ 131). (¬4) أي ابن أبي شيبة. (¬5) المصنف (1/ 131). (¬6) الأوسط (1/ 249 - 250) والمصنف (1/ 131).

وقال ابن (¬1) أبي شيبة: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم؛ قال: ماء البحر يجزئ والعذب أحب إلى منه، فيحصل من هذه الآثار مذاهب أربعة (¬2): الطهور به مطلقًا، وعدمها مطلقًا لا يتوضأ به إلا للضرورة كما ذكرناه عن سعيد بن المسيب وأبي العالية لا يغتسل به ولم يذكر الوضوء كما رواه ابن (¬3) أبي شيبة، عن أبي هريرة. وحكى القاضي أبو (¬4) الوليد الباجي عن القاضي أبي (¬5) الحسن في القول المحكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو إنكاره أن يكون ذلك قولًا لأحدهما، وكذا قال ابن (¬6) عبد البر: إنه لا يصح عنهما وعامة العلماء على خلافه (¬7). قلت: أما المحكي عن أبي هريرة فجدير بأن يقال في مثله ذلك لأمرين: • أحدهما: أنه راوي حديث "هو الطهور ماؤه" فكيف يخالف فتياه روايته في هذا بعد. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 131). (¬2) وفي شرح الإلمام (1/ 267) ثلاثة مذاهب. (¬3) المصنف (1/ 131). (¬4) المنتقى (1/ 55). (¬5) شيخ المالكية أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي ابن القصار له كتاب في مسائل الخلاف كبير وكان أصوليًّا نظارًا. مات سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وكتابه في الخلاف اسمه عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار لم يؤلف مثله واختصره القاضي عبد الوهاب. انظر السير (17/ 107)، تاريخ بغداد (12/ 41، 42) ترتيب المدارك (4/ 602)، الديباج المذهب (2/ 100)، شجرة النور (92). (¬6) الاستذكار (1/ 202) والتمهيد (16/ 221). (¬7) قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 269): وفي هذين القولين نظر أعني قول القاضي أبي الحسن وابن عبد البر. قلت: لأنهما قد صح عنهما ذلك.

• الثاني: أنه منقطع بين يحيى بن أبي كثير وأبي هريرة؛ قال فيه عن رجل من الأنصار (¬1) ولا يدري من هو. وأما الإسناد المذكور إلى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو الذي سقناه عن أبي (¬2) بكر بن أبي شيبة فصحيح ولكن لعلهما لم يبلغهما الخبر في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعقبة (¬3) بن صهبان الراوي عن ابن عمر وثقه العجليّ (¬4) وابن (¬5) سعد، وأخرج الشيخان (¬6) حديثه. وأبو (¬7) أيوب الراوي عن عبد الله بن عمرو أخرج له الجماعة إلا الترمذي (¬8) واسمه يحيى بن مالك المراغي بضم الميم، والغين المعجمة بطن من الأزد (¬9)، ووجد عن ابن طاهر بفتحها (¬10) وبالفتح قيده الرشاطي. ¬

_ (¬1) كما في المصنف (1/ 131). (¬2) المصنف (1/ 131). (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 312) برقم 1736 وتهذيب الكمال (20/ 200 - 202) برقم 3977 وتهذيب التهذيب (3/ 123). (¬4) معرفة الثقات (2/ 143) برقم 1263. (¬5) الطبقات الكبرى (7/ 146). (¬6) الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 381) برقم 1455، رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 108) برقم 1270 ورجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 564) برقم 888. (¬7) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 190) برقم 792 وتهذيب الكمال (33/ 60 - 62) برقم 7217 وتهذيب التهذيب (4/ 483). (¬8) انظر تهذيب الكمال (33/ 60) وتقريب التهذيب (1111) برقم 8006. (¬9) حكاه ابن أبي حاتم عن أبيه كما في تهذيب الكمال (33/ 60) ووقع في الجرح والتعديل (9/ 190) قبيلة من العرب وما عند المزي هو الصواب. (¬10) انظر الأنساب (5/ 245 - 246)، اللباب (3/ 189 - 190) لب اللباب (2/ 248)، معجم البلدان (5/ 93 - 94).

وأما (¬1) قول ابن عمرو في البحر إنه نار، فقيل: باعتبار أنه يصير يوم القيامة نارًا؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}؛ وقال: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}؛ فوصفه بما يؤول إليه حاله، وذلك من كلام العرب معروف (¬2). الثاني: أنه أراد أن البحر في إهلاكه لراكبه؛ كالنار في الصفة؛ كما يقال (¬3): السلطان نار؛ أي فعله فعل يهلك كفعل النار. وأما القول المحكي عن سعيد بن المسيب أنه لا يتطهر به إلا عند الضرورة، فقد أشار بعضهم إلى تعلقه بهذا الحديث بناء على أحد القولين في الأصول في العام الوارد على سبب (¬4). قال القشيري (¬5): وقد أشار بعض فقهاء المالكية المتأخرين إلى تصحيح قول سعيد بن المسيب أنه إنما يتوضأ به إذ ألجئ إليه من هذا الحديث لأنه ورد جوابًا عن قوله: إن توضأنا به عطشنا، وأجاب بأن حمله على المسألة الأصولية أن المرجح عند الأكثرين القول بالعموم (¬6)، وقال: إنما يلزم ذلك الشافعي الذي يختار تخصيص العام بسببه (¬7). وذكر شيخنا الإِمام أبو (¬8) الفتح القشيري رحمه الله في الكلام على فوائد هذا ¬

_ (¬1) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 271). (¬2) في شرح الإلمام (1/ 272) وذلك من مذاهب العرب جائز. قلت: وهذا على أحد إلَّا وجه في تفسير الآيتين. انظر جامع البيان (30/ 67) و (27/ 18)، وزاد المسير (9/ 39) و (8/ 47 - 48). (¬3) في شرح الإلمام (1/ 272) ولهذا يقال. (¬4) شرح الإلمام (1/ 269 - 272). (¬5) شرح الإلمام (1/ 274). (¬6) يريد بذلك أن العام لا يقصر على سببه، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (¬7) شرح الإلمام (1/ 274 - 275). (¬8) شرح الإلمام (1/ 289 فما بعدها).

الحديث؛ قال: ذكر بعض الباحثين المتعلقين بعلم المعقول ما تحصيله وتقرير معناه: الفرق بين مطلق الماء والماء المطلق فالحكم المعلق بمطلق الماء يترتب على حصول الحقيقة من غير قيد والمرتب على الماء المطلق مرتب على الحقيقة يفيد الإطلاق، والإطلاق بالتفسير الفقهي قيد من القيود اللاحقة بالحقيقة، ولا يلزم من حصول الحكم على مطلق الحقيقة توقفه على الحقيقة المقيدة، وهذا معنى صحيح؛ إلا أن الفقهاء يرون أن الأمر المرتب على الماء يقتضي العرف أن يكون مرتبًا عليه بوصف الإطلاق بدليل أنه لو قال لعبده أو لوكيله: ائتني بماء، فأتاه بماء ليس بمطلق بالتفسير الفقهي لم يعد ممتثلًا، فيكون أخذ هذا القيد من أمر عرفي في إطلاق الاستعمال لا من تعليق الحكم بمطلق الماء (¬1) (¬2) فمن يجوز الطهور بالماء المتغير -بما يستغنى عنه (¬3) وتمسك بحصول مطلق الماء فيه ورأى أن الحكم إنما تعلق به- أمكنه أن يستدل بهذا الحديث على هذه المسألة (¬4). وقال القاضي أبو (5) بكر بن العربي: قوله: الحل ميتته زيادة على الجواب، وذلك من محاسن الفتوى بأن يأتي بأكثر مما يسأل عنه تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسؤول عنه (¬5). وقد يؤكد هذا بظهور الحاجة إلى هذا الحكم لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا، فالسؤال ¬

_ (¬1) زاد في شرح الإلمام (1/ 290) ولعل ذلك يتأيد بحصول الإجماع على عدم الحكم في بعض المواضع بحصول مطلق الماء في المنتقل إلى اسم آخر كالمرقة والخبز. (¬2) هذه الفائدة السادسة والعشرون كما في شرح الإلمام (1/ 290). (¬3) وهم الحنفية مخالفين في ذلك جمهور الفقهاء، ويرى الحنفية أنه يطلق عليه ماء مطلقًا عن القيد. انظر: البحر الرائق (1/ 71)، الفروع (1/ 77)، مواهب الجليل (1/ 58)، الإفصاح (1/ 66). (¬4) شرح الإلمام (1/ 289 - 291). (¬5) عارضة الأحوذي (1/ 77).

عن الحكم الأول يظهر الحاجة إلى معرفة الحكم الثاني (¬1). وقال الخطابي (¬2): وفيه أن العالم والمفتي إذا سئل عن شيء فأجاب (¬3) عنه وهو يعلم أن بالسائل حاجة إلى ما وراءه من الأمور التي تتضمنها مسألته أو تتصل بمسألته، كان مستحبًا له تعليمه إياه والزيادة في الجواب عن مسألته؛ وذلك أنهم سألوه عن ماء البحر (¬4)، فأجابهم عن مائه وطعامه لعلمه بأنه يعوزهم الزاد في البحر كما يعوزهم الماء العذب فلما جمعتهما الحاجة منهم انتظمهما الجواب منه لهم (¬5). وقوله: هو الطهور ماؤه الحل ميتته؛ عامان وليسا في مرتبة واحدة فقد قيل لا خلاف في العموم في حل ميتته, لأنه عام مبتدأ لا في معرض الجواب وليس الأول كذلك إذ هو في معرض الجواب من مسؤول عنه. والثاني ورد مبتدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين بالعموم (¬6) ولو قيل في الأول إن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورًا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسؤول عنه لكان له وجه (¬7). ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز أن يحمل على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة، وإن كانت الإضافة سائغة في ذلك بحكم اللغة وإنما هو في حيوان فعليه بيان أنه من دواب البحر بعد تقرير أن المعنى بالميتة ميتة دوابه لا ¬

_ (¬1) شرح الإلمام (1/ 291) وانظر شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 53) وكذا المجموع (1/ 84). (¬2) معالم السنن (1/ 37). (¬3) قوله فأجاب عنه ليست في العالم. (¬4) فحسب زيادة من معالم السنن (1/ 37). (¬5) معالم السنن (1/ 37 - 38). (¬6) شرط الإلمام (1/ 292 - 293). (¬7) شرح الإلمام (1/ 293 - 294) وانظر شرح ابن رسلان على أبي داود (2/ 646 - 647)، شرط الزرقاني على الموطأ (1/ 53).

مطلق الميتة مما يمكن إضافته إليه والظاهر أن هذه الأشياء لا يخرجها عن كونها بحرية طول حياتها في البحر بعد أن تكون منسوبة إلى البحر، وهذا يحرك إلى النظر في معنى دواب البحر؛ فالمنقول عن ابن (¬1) القاسم صاحب مالك رحمهما الله أن ما كان مأواه في الماء فإنه يؤكل بغير ذكاة، وإن كان يرعى في البر، وما كان مأواه ومستقره في البر فإنه لا يؤكل إلا بذكاة، ولو كان يعيش في الماء (¬2)؛ كالجاموس، وفي "المدونة" (¬3): في فرس (¬4) البحر يؤكل بغير ذكاة وفي كتاب آخر تستحب ذكاته لأن له في البر رعيًا ولا خلاف في أن طير الماء لا يؤكل إلا بذكاة (¬5)، واختلفوا في إباحة أكل السمك (¬6) الطافي والذي ذكره الحنفية (¬7) كراهته، ومذهب مالك (8) والشافعي (¬8) رحمهما الله تعالى إباحته وعموم الحديث يقتضيه. وكذلك اختلفوا فيما لا يطلق عليه اسم السمك فالذي ذكره الحنفية (¬9) أنه لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، وبه يقول الشافعي رضي الله عنه في قول؛ وهو ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة أبو عبد الله العُتَقي -بضم المهملة وفتح المثناة- مولاهم المصري المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة. (¬2) انظر المنتقى للباجي (3/ 129). (¬3) المدونة (1/ 417) ونصه: قال ابن القاسم: "بلغني أن مالكًا سئل عن فرس البحر أيذكى؟ فقال مالك: وإن لأعظم هذا من قول من يقول: لا يؤكل إلا بذكاة". (¬4) حيوان تشبه صورته صورة الفرس إلا أن وجهه أوسع وجلده غليظ جدًّا. حياة الحيوان الكبرى (2/ 169). (¬5) شرح الإلمام (1/ 294 - 297). (¬6) السمك الطافي هو الذي يموت في الماء حتف أنفه. المجموع (9/ 33 - 35). (¬7) انظر التمهيد (16/ 223) وهي كراهة تحريم عندهم انظر أحكام القرآن للجصاص (2/ 78) والمبسوط (11/ 247). (¬8) التمهيد (16/ 223 - 224). مختصر المزني مع الحاوي الكبير (15/ 64 - 66)، الروضة (3/ 274)، والمدونة (1/ 419)، والكافي لابن عبد البر (1/ 377). (¬9) انظر أحكام القرآن للجصاص (2/ 480) والمبسوط (11/ 248).

غريب عنه (¬1)، واختلف قول الشافعي رحمه الله في الحيوان البحري الذي له نظير محرم في البر ككلب (¬2) الماء وخنزيره (¬3)، وهذا يرجع إلى قاعدة التي ذكرناها من تعارض العمومين من وجه دون وجه؛ لأن الله تعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (¬4)؛ الخنزير فهو عام في خنزير البر والبحر. وقوله - عليه السلام -: "الحل ميتته" عام في الميتات التي منها الخنزير، فمن قال بتحريمه واستدل بالآية قيل له هي عامة بالنسبة إلى خنزير الماء (¬5). ومن قال بإباحته واستدل بالحديث قيل له هو عام بالنسبة إلى خنزير الماء (¬6) وقد ترجح هذا بأن العمل على الخنزير البري يسبق الفهم إليه في الاستعمال مع زيادة، وقد يمنع كون البحري خنزيرًا حقيقًا بل هو تشبيه به فإذا قيل بإباحة خنزير الماء وكلبه ففي اشتراط الذبح قولان للشافعي: أحدهما: أنه لا يشترط كالسمك ويستدل بهذا الحديث لهذا القول، ويستدل بما اشتهر بين الفقهاء من حديث: أحلت لي ميتتان ودمان. فالميتتان السمك والجراد، للقول الآخر لما يقتضيه لفظ الخبر من أن المباح من ميتات البحر ميتته ما ينطلق عليه اسم السمك لكنه يشكل عليه حينئذ مذهب عامة الفقهاء في عدم تخصيص الحل بالسمك. ¬

_ (¬1) شرح الإلمام (1/ 312 - 313). (¬2) ويقال له القندس وهو من ذوات الشعر كالعز وذوات الصوف الضأن وذوات الوبر الإبل يداه أطول من رجليه. حياة الحيوان الكبرى (2/ 231، 298). (¬3) ويقال له الدلفين وهو ينجي الغريق وليس في دواب البحر ما له رئة سواه. حياة الحيوان الكبرى (1/ 481). (¬4) المائدة آية 3. (¬5) زاد في شرح الإلمام (1/ 320) فتخرجه بالحديث. (¬6) زاد في شرح الإلمام (1/ 321) فتخرجه بالآية.

وقد قيل: إن الخلاف في تحريم ما له نظير محرم في البر ينبني على هذا أعني أنه هل يسمى سمكًا أم لا؟ ويؤخذ حل ما عدا السمك من دليل آخر؛ كقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (¬1). وقال القشيري (¬2): رأيت عن بعض الحنفية أن المتأخرين اختلفوا فيما يعيش في الماء مما ليست له نفس كالضفدع والسرطان والسمك ونحوه، إذا مات في غير الماء كالخل ونحوه هل ينجس أم لا؟ فقال بعضهم: ينجس لأنه مات في غير معدنه، ومنهم من قال: لا ينجس لأنه ليس له دم سائل، قيل هذا قول أبي يوسف ومحمد والأول قول أبي حنيفة، وهذا إنما يتعلق بالحديث من جهة الإضافة التي في ميتته، فإذا حملنا ميتته على دوابه من غير اعتبار موتها فيه جاء القول الثاني: ويشهد له المعنى المستنبط من تعليل عدم نجاستها بعدم النفس السائلة وإن اعتبر في هذه الإضافة موتها جاء فيه القول الأول، ولا شك أن العرب تكتفي في الإضافة بأدنى ملابسة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) المائدة آية 96. (¬2) شرح الإلمام (1/ 335). (¬3) شرح الإلمام (335 - 336).

53 - باب ما جاء في التشديد في البول

53 - باب ما جاء في التشديد في البول حدثنا هناد وقتيبة وأبو كريب؛ قالوا: حدثنا وكيع، عن الأعمش؛ قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن طاوس، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة". قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن حسنة، وزيد، وأبي بكرة. قال: هذا حديث حسن صحيح. وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد، عن ابن عباس، ولم يذكر فيه عن طاوس، ورواية الأعمش أصح. قال: وسمعت أبا بكر محمَّد بن أبيان البلخي مستملي وكيع يقول: سمعت وكيعًا يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور (¬1). * الكلام عليه: حديث ابن عباس أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) وغيرهما ولفظه عند البخاري: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة"، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 102 - 104). (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 90) برقم 218 باب ما جاء في غسل البول. (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 240 - 241) برقم 292 باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.

نصفين فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". وفي لفظة (¬1) له: وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى كان إحداهما فذكره. وفي لفظ لمسلم (¬2): لا يستنزه عن البول أو من البول. وحديث أبي (3) موسى وعبد الرحمن بن حسنة قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج ومعه دَرَقَة، ثم استتر بها ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة فسمع ذلك فقال: ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل؛ كانوا إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم فنهاهم فعذب في قبره. قال منصور عن أبي وائل (¬3) عن أبي موسى: جلد أحدهم. وقال عاصم عن أبي وائل عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جسد أحدهم، رواه الإِمام أحمد (¬4) وأبو (¬5) داود واللفظ له والنسائي (¬6) وابن (¬7) ماجه. وروى ابن (¬8) أبي شيبة حديث أبي موسى، أنبأنا (¬9) غندر عن شعبة، عن منصور؛ قال: سمعت أبا وائل يحدث أن أبا موسى كان يشدد في البول فذكره. وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثر عذاب القبر من البول". ¬

_ (¬1) صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 89) برقم 216 باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله. (¬2) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 241) برقم 292 الباب نفسه. (¬3) أخرجه أحمد (4/ 396) و (4/ 399) و (4/ 414) و (5/ 382) و (5/ 402). (¬4) المسند (4/ 196). (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 26 - 27) برقم 22 باب الاستبراء من البول. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 32) برقم 30 باب البول إلى سترة يستتر بها. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 124 - 125) برقم 346 باب التشديد في البول. (¬8) المصنف (1/ 122). (¬9) في المصنف حدثنا.

رواه الإِمام أحمد (¬1)؛ وقال: في البول. ورواه ابن (¬2) ماجه. وقال الحافظ أبو (¬3) عبد الله محمَّد بن عبد الواحد المقدسي: إسناده حسن. حديث أبي هريرة هذا قال الدارقطني (¬4) أسنده الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه ابن فضيل فوقفه ويشبه أن يكون الموقوف أصح (¬5)، وقال الترمذي (6) في العلل: سألت محمدا عن حديث مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبرين؟ فقال الأعمش يقول: عن مجاهد، عن ابن عباس ولا يذكر فيه طاوس أيهما أصح؟ قال: حديث الأعمش. قلت: فحديث أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بهذا كيف هو قال: حديث صحيح وهو غير ذلك الحديث (¬6). ¬

_ (¬1) المسند (2/ 326 و 388 و 389). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 125) برقم 348 باب التشديد في البول. (¬3) فيض القدير (2/ 80). (¬4) العلل (ج 3 / ق 45/ 1) حيث قال: "والحديث يرويه الأعمش، واختلف عنه، فأسنده أبو عوانة عن الأعمش عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه ابن فضيل فوقفه ويشبه أن يكون الموقوف أصح" اهـ. وهو في المطبوع (8/ 208) برقم 1518 وصحح المرفوع منه في سننه (1/ 128) برقم 8. (¬5) العلل (8/ 208) برقم 1518. (¬6) العلل الكبير (1/ 139 - 140). قلت: وبذلك صرح في جامعه (1/ 103) حيث قال: "وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر فيه عن طاوس ورواية الأعمش أصح". فكأنه تلقى هذا عن شيخه البخاري، وترجيح البخاري رواية الأعمش لا يقتضي أن رواية منصور مرجوحة بدليل أنه أخرج الروايتين في صحيحه ولذلك قال الحافظ في الفتح (1/ 317) ط. السلفية مصر: "وإخراجه -يعني البخاري- له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيحمل على أن مجاهدًا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس". =

وحديث أبي بكرة قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فيعذب في البول، وأما الآخر فيعذب في الغيبة"؛ رواه الإِمام أحمد (¬1) وابن (¬2) ماجه وهذا لفظه. وحديث زيد (¬3) وفي الباب مما لم يذكره حديث أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما. أما حديث أنس فروى الدارقطني (¬4) من حديث أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه". وأما حديث عائشة فقال ابن (¬5) أبي شيبة: ثنا يعلى: ثنا قدامة بن عبد الله ¬

_ = وإلى الجمع بين الطريقين جنح ابن حبان (5/ 52) وابن حزم في المحلى (1/ 179) وله كلام نفيس والبدر العيني (3/ 115) والمباركفوري (1/ 234 - 235) وأحمد شاكر (1/ 104) في شرح الترمذي. ومما يدل على صحة هذا الجمع أن الأعمش رواه أيضًا عن مجاهد عن ابن عباس مثل رواية مجاهد عن طاوس عن ابن عباس كما عند الطيالسي (2646) وابن جرير في تهذيب الآثار (900 مسند عمر) وابن حبان (5 / برقم 3119) من طرق عن شعبة عن الأعمش به. (¬1) المسند (5/ 35 - 36). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 125) برقم 349 باب التشديد في البول. (¬3) حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال المباركفوري في التحفة (1/ 234): "لم أقف عليه". ولعل الترمذي يشير إلى حديث زيد رضي الله عنه في عذاب القبر ولكن لم يذكر فيه علة حديث الباب وهو عند مسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها (4/ 2199 - 2200) برقم 2867 باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه". (¬4) السنن (1/ 127) برقم 2 وقال: المحفوظ مرسل. (¬5) المصنف (1/ 122).

العامري؛ قال: حدثني حمزة (¬1)؛ قال: حدثتني عائشة؟ قالت: دخلت علي امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول، قلت: كذبت، قالت: بلى، إنه ليقرض منه الجلد والثوب؛ قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا، فقال: ما هذا؟ فأخبرته، فقال: صدقت. وفيه عن عبادة بن الصامت: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البول، فقال: "إذا مسكم شيء فاغسلوه، فإني أظن أن منه عذاب القبر"، رواه البزار (¬2) عن خالد بن يوسف بن خالد، عن أبيه: ثنا عمر بن إسحاق، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده؛ قال: لا نعلمه يروى عن عبادة إلا من هذا الوجه، ولا نعلمه (¬3) أن عمر بن إسحاق أسند عن عبادة إلا هذا الحديث، فيه التصريح بإثبات عذاب القبر على ما هو المعروف عند أهل السنة (¬4)، واشتهرت به الأخبار منها قوله - عليه السلام -: "لولا أن تدافنوا لدعوت أن يسمعكم من عذاب القبر" (¬5) واستعاذ به - عليه السلام - في الدعاء المأثور من عذاب القبر. ¬

_ (¬1) في المصنف (1/ 122) حرة كذا وصوابه جسرة كما في مسند أحمد (6/ 61) وكذا أطراف المسند (9/ 305) برقم 12337 وهو عند النسائي في سننه كتاب السهو (3/ 81 - 82) برقم 1344 باب نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم. (¬2) في مسنده (1/ 130 كشف) برقم 246. (¬3) قوله ولا نعلمه أن عمر بن إسحاق ليست في كشف الأستار. (¬4) قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: (وبعذاب القبر لمن كان له أهلًا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن الصحابة رضوان الله عليهم) قال ابن أبي العز (398): "وذهب إلى موجب هذا الحديث (يعني حديث البراء في عذاب القبر) جميع أهل السنة والحديث ... وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لن كان لذلك أهلًا". (¬5) مسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها (4/ 2199 - 2200) برقم 2867 وأحمد (5/ 190) وابن أبي شيبة (3/ 373) وعبد بن حميد في النتخب (254) والبغوي في شرح السنة (5/ 161 - 162).

وروي عن أبي (¬1) سعيد الخدري، وعن عبد (¬2) الله بن مسعود في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}؛ قالا: عذاب القبر. وعن أبي (¬3) هريرة نحوه قال: يضيق على الكافر قبره حتى تختلف أضلاعه وهي المعيشة الضنك. وروى زر بن حبيش، عن علي (¬4) رضي الله عنه، قال: كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت هذه السورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)}، يعني: في القبور. ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 21) وفي المصنف (3/ 584) والطبري في التفسير (16/ 164) موقوف عليه. وروى مرفوعًا من عدة أوجه، قال السيوطي في الدر المنثور (4/ 311): "أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا في قوله معيشة ضنكًا قال عذاب القبر". قال ابن كثير (5/ 323) ط. طيبة والموقوف أصح. انظر: تفسير ابن أبي حاتم (7/ 2439) وإثبات عذاب القبر للبيهقي (71 - 72) ط. مكتبة التراث مصر، تفسير ابن عيينة جمع أحمد محايري (293 - 294). (¬2) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (2/ 600) برقم 1429 وعزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 311) إلى هناد وعبد بن حميد وابن المنذر. (¬3) قال السيوطي في الدر (4/ 557) "وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث قال ابن كثير في تفسيره (5/ 323) ط. دار طيبة: "رفعه منكر جدًّا" ثم ذكر له طريقًا أخرى وقال (5/ 324): إسناده جيد". (¬4) انظر الدر المنثور (6/ 659) وفيه: "وأخرج الترمذي وخشيش بن أصرم في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} في عذاب القبر". وانظر تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3459) برقم 19454 وهو في سنن الترمذي برقم 3355 وانظر تفسير ابن جرير (30/ 183 - 184) ط. دار المعرفة وتفسير ابن كثير (8/ 473) ط. دار طيبة.

وعن ابن عباس في الآية نحوه (¬1). قال أبو (¬2) عمر بن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه (2)؛ ونحوه عن أبي (¬3) عبد الله الترمذي وخالفهما أبو (¬4) محمَّد عبد الحق وذكر أن ذلك يعم المؤمنين والمنافقين والكافرين، وأورد في ذلك آثارًا، واختاره القرطبي (¬5) في كتاب التذكرة، ونقل الخلاف في هذين المعذبين أيضًا هل كانا من أهل القبلة أو لا (¬6)؟ وقال ما معناه إنهما كانا من أهل القبلة فالمرجو لهما بذلك تخفيف العذاب عنهما بذلك مطلقًا وإن كانا كافرين، فالمرجو تخفيف العذاب المتعلق بهذين الذين أعني ترك الاستبراء من البول والنميمة حيث قلت في هذا الثاني بعد. وفي (¬7) إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية تخصه دون سائر المعاصي مع أن العذاب بسبب غيره أيضًا، إن أراد الله ذلك في حق بعض عباده؛ وعلى هذا جاء الحديث: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" (¬8)، وكذا جاء أيضًا أن بعض من ذكر عنه ضمه أو ضغطه، فسئل أهله فذكروا أنه كان منه تقصير في التطهر (¬9). ¬

_ (¬1) لم أقف عليه، والمأثور عنه ذلك في تفسير قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما ينزل بكم من العذاب في القبر، انظر التذكرة للقرطبي (1/ 210) وهو في كتب التفسير بالمأثور والله أعلم. (¬2) فتح البر (2/ 135) بتصرف بيسير. (¬3) ذكره عنه القرطبي في التذكرة (1/ 229) وهو صاحب نوادر الأصول. (¬4) انظر التذكرة (1/ 229). (¬5) التذكرة (1/ 230) ط. دار البخاري. (¬6) التذكرة (1/ 215) وقال: والأظهر أنهما كانا مؤمنين وهو ظاهر الأحاديث والله أعلم. (¬7) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام (1/ 61 - 62) ط. المصرية. (¬8) حديث صحيح، ورد من حديث أنس بن مالك وأبي هريرة وابن عباس، وانظر تخريجه بتوسع في الإرواء (1/ 310 - 312) برقم 280 للعلامة الألباني رحمه الله. (¬9) لم أقف على القصة.

وقوله: وما يعذبان في كبير؛ يحتمل معنيين، والذي يجب أن يحمل عليه منهما أنهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز منه، فإنه سهل يسير على من يريد التوقي منه، ولا يراد بذلك أنه صغير من الذنوب غير كبير منها؛ لأنه قد ورد في صحيح الحديث: وإنه لكبير. وقوله: وإنه لكبير يريد كبير الذنب (¬1). وقوله: وما يعذبان في كبير على سهولة الدفع والاحتراز ويوضحه قول المازري (¬2)؛ قوله: وما يعذبان في كبير، ثم ذكر النميمة، وقد تكون من الكبائر، فيحتمل أن يريد به في كبير عليهم تركه، وإن كان كبيرًا عند الله (2). ولا شك أن النميمة في بعض الأخبار، قال الإِمام (¬3): والمنهي عنه على ثلاثة أنحاء: منه ما يشق تركه على الطباع كالملاذ المنهي عنها، ومنه ما ينوء عنه الطبع ولا يدعو إليه كالنهي عن تناول السموم، وإهلاك النفس، ومنه ما لا مشقة على النفس في تركه فهذا القسم مما يقال فيه ليس بكبير على الإنسان تركه (3). قال القاضي (¬4) عياض: وقيل في معنى وما يعذبان في كبير أي عندكم؛ ألا تراه كيف قال بلى في غير كتاب مسلم: أي بلى هو كبير عند الله كما قال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (¬5) وهذا أظهر في معنى بلى من رده على غير هذا (¬6). ¬

_ (¬1) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام (1/ 61 - 62) ط. المصرية. (¬2) المعلم بفوائد مسلم (1/ 366) ط. التونسية. (¬3) أي المازري كما في المعلم (1/ 366). (¬4) إكمال المعلم (2/ 118). (¬5) النور آية 15. (¬6) إكمال المعلم (1/ 118).

وسبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة وتركها كبيرة (¬1)، وأما النميمة فقد يكون في بعض الأحيان لا سيما إذا تكررت فإن لفظة كان في قوله: كان يمشي بالنميمة، يشعر بالدوام والحالة المستمرة وسيأتي لهذا مزيد بيان. وقوله (¬2): أما أحدهما؛ فكان لا يستتر من بوله وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة على وجوه وهذه اللفظة تحتمل وجهين: أحدهما أن تحمل على حقيقتها من الاستتار عن الأعين فيكون العذاب على كشف العورة. والثاني: وهو الأقرب أن يحمل على المجاز ويكون المراد بالاستتار: التنزه من البول والتوقي منه، أو بعدم ملابسته وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة. وعبر عن التوقي بالاستتار مجازًا؛ ووجه العلاقة بينهما أن التستر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول؛ قاله القشيري (¬3). قال (¬4): وإنما رجحنا المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لوجهين: أحدهما: أنه لو كان العذاب على مجرد كشف العورة؛ كان ذلك سببًا أجنبيًّا مستقلًا عن البول، فإنه حيث حصل الكشف للعورة؛ حصل العذاب المترتب عليه، وإن لم يكن ثم بول، فيبقى تأثير البول بخصوصه مطرحًا عن الاعتبار. والحديث يدل على أنه عذاب القبر بالنسبة إلى البول بخصوصه والحمل على ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 192). (¬2) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد كما في شرح عمدة الأحكام (1/ 62). (¬3) المصدر السابق. (¬4) أي ابن دقيق العيد.

ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضًا فإن لفظة (من) لما أضيفت (¬1) إلى البول وهو لابتداء الغاية حقيقة، أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول فإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى. الوجه الثاني: أن بعض هذه الروايات في هذه اللفظة يشعر بأن المراد التنزه من البول، وفي رواية وكيع: لا يتوقى، وفي رواية بعضهم: لا يستنزه؛ فتحمل هذه اللفظة على تلك المعاني ليتفق معنى الروايات (¬2). فأما النميمة؛ فقال العلماء (¬3): نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم. وقال الغزالي (¬4) في الإحياء: اعلم أن النميمة إنما تطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه؛ كما تقول فلان يتكلم فيك بكذا، قال: وليست النميمة مخصوصة بهذا بل حد النميمة كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه، وسواء كان الكشف بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء! فحقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ولو رآه يخفي مالًا لنفسه فذكره فهو نميمة؛ قال: وكل من حملت إليه نميمة وقيل له: فلان يقول فيك أو يفعل فيك كذا فعليه ستة أمور: • الأول: أن لا يصدقه؛ لأنه النمام فاسق. • الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له قوله فعله. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: أي أدخلت، وليس المراد الإضافة الاصطلاحية. (¬2) إحكام الأحكام (1/ 62 - 63). (¬3) انظر شرح مسلم للنووي (3/ 192) و (2/ 295). (¬4) إحياء علوم الدين (9/ 347 مع الإتحاف) بمعناه ونقله النووي في شرح مسلم (2/ 295) وكذا ابن الملقن في شرح عمدة الأحكام (1/ 532).

• الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من أبغضه الله تعالى. • الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء. • الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك. • السادس: أن لا يرضى لنفسه مما نهى النمام فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا فيصير به نمامًا ويكون آتيًا ما نهى عنه. انتهى كلام الغزالي. وكل (¬1) هذا المذكور في النميمة إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية فإن دعت الحاجة إليها فلا منع منها وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانًا يريد الفتك به، أو بأهله أو مسألة، أو أخبر الإِمام أو من له ولاية بأن إنسانًا يفعل ويسعى بما فيه مفسدة ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك، وإزالته وكل هذا وما أشبهه ليس بحرام وقد يكون بعضه واجبًا وبعضه مستحبًا على حسب المواطن (¬2). وقد جاء في رواية: لا يستنزه من بوله، وفي رواية أخرى: من البول؛ فيؤخذ منه نجاسة الأبوال عامة فيدخل تحت هذا العموم بول ما يؤكل لحمه، وقد خالف أصحاب مالك (¬3) في ذلك. قال ابن شاس (4): في تمييز الأعيان الطاهرة من النجسة كالبول والعذرة، وهما ينجسان من ابن آدم، وقيل: بتخصيص من لم يأكل الطعام من الأدميين بطهارة بوله، وقيل: ذلك في الذكر دون الأنثى، وطاهران من كل حيوان مباح الأكل، نجسان من محرم الأكل، ومكروهان من المكروه أكله وقيل: بل ينجسان منه أيضًا (¬4)، ¬

_ (¬1) هذا كلام النووي في شرح مسلم (2/ 296). (¬2) بشرح مسلم للنووي (2/ 295 - 296). (¬3) انظر المعلم للمازري (1/ 366) وإكمال المعلم (1/ 119) وبداية المجتهد (1/ 301). (¬4) عقد الجواهر الثمينة (1/ 15).

وانفصلوا له عن ذلك بما نذكره. قال أبو (¬1) العباس القرطبي: وقد تخيل الشافعي في لفظ البدل العموم فتمسك به في نجاسة جميع الأبوال ولو كان بول ما يؤكل لحمه، وقد لا يسلم له أن الاسم المفرد للعموم ولو سلم ذلك فذلك إذا لم يقترن به قرينة عهد، وقد اقترنت به ها هنا, ولئن سلم له ذلك فدليل تخصيصه حديث إباحة شرب أبوال الإبل للعرنيين، وإباحة الصلاة في مرابض الغنم، وطوافه - عليه السلام - على بعير (1)، وفيما قاله نظر ولا ينهض شيء فيما ادعى فيه التخصيص بالتخصيص، وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان في باب ما يؤكل لحمه بعد هذا إن شاء الله تعالى. وفيه ما يدل على أن القليل من البول والكثير منه ومن سائر النجاسات سواء، هذا مذهب مالك وعامة الفقهاء (¬2)؛ لم يخصصوا في شيء من ذلك إلا في اليسير من دم الحيض خاصة، واختلف أصحاب مالك (¬3) في مقدار اليسير فقيل: قدر الدرهم البغلي فدونه، وقيل: قدر الخنصر، وجعل أبو حنيفة قدر الدرهم من كل نجاسة يعفو عنه قياسًا على العفو عن المجروحين. وقال الثوري (¬4): كانوا يرخصون في القليل من البول. ورخص الكوفيون (¬5) مثل رؤوس الإبر من البول. وقال مالك والشافعي وأبو ثور: يغسل (¬6). ¬

_ (¬1) المفهم (1/ 552). (¬2) انظر المفهم (1/ 552) وإكمال المعلم (1/ 118). (¬3) انظر المصدرين السابقين. (¬4) انظر إكمال المعلم (1/ 119). (¬5) المصدر السابق. (¬6) انظر الأم (1/ 57) وكذا إكمال المعلم (1/ 119).

وحكي عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن غسل ذلك عند مالك على طريق الاستحباب والتنزه، وهذا هو مذهب الكوفيين، والمعروف عن مالك خلافه (¬1). وأما من روى: يستنزه من بوله أي من الناس عند بوله فيحتج بهذا على ستر العورة. قال القاضي (¬2): استدل المخالف ومن قال من أصحابنا (¬3) أن إزالة النجاسة فرض بتعذيب هذا لعدم التنزه عن البول، والوعيد لا يكون إلا على واجب، والجواب لمن يقول إنه سنة بما تقدم من رواية يستنزه (¬4) فكان يصلي بغير طهارة، أو يترك (5) التنزه (¬5) عمدًا واستخفافًا وتهاونًا. قال ابن (¬6) القصار: وعندنا أن من ترك السنة من السنن عمدًا لغير عذر ولا تأويل أثم (¬7). قال القاضي (¬8): ولعل معناه فيمن تركها جملة لأن إقامتها وإحياءها على أعماله (¬9) واجب (¬10). وأما جعل الجريدتين على القبر فقال الإِمام (¬11): لعله - عليه السلام - أوحي إليه ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (1/ 119). (¬2) إكمال المعلم (1/ 119). (¬3) انظر المنتقى (1/ 41). (¬4) في الإكمال: يستبريء. (¬5) في الإكمال: أو بترك السترة. (¬6) مرت ترجمته. (¬7) إكمال المعلم (1/ 119). (¬8) إكمال المعلم (1/ 120). (¬9) في الإكمال: على الجملة. (¬10) إكمال المعلم (1/ 120). (¬11) أي المازري كما في المعلم (1/ 367).

أن العذاب يخفف عنهما ما لم ييبسا, ولا يظهر لذلك وجه إلا هذا. قال القاضي (¬1): قد ذكر مسلم (¬2) في حديث جابر الطويل آخر الكتاب في حديث القبرين: فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام القضيبان رطبين؛ فإن كانت القضية (¬3) واحدة فقد بين - عليه السلام - أنه دعا لهما وشفع، وإن كانت قضية (¬4) أخرى فيكون المعنى فيهما واحدًا، وذكر بعض أصحاب المعاني أن يكون يحتمل التخفيف عنهما مدة رطوبة الجريدتين لدعاء كان منه - عليه السلام - في ذلك تلك المدة. قال البغوي (¬5) في شرح السنة: فكأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًّا وقعت فيه (¬6) مسألة من تخفيف العذاب عنهما, وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس (¬7). وقيل: بل المعنى أنهما ما دامتا رطبتين تسبح وليس ذلك لليابس (¬8). وقد حكي عن الحسن (¬9) نحو من هذا وفيه على هذا التأويل أن الميت ينتفع ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (1/ 120). (¬2) في صحيحه كتاب الزهد والرقائق (18/ 340) مع شرح النووي ط. دار المعرفة برقم 7437 باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر. (¬3) في الإكمال: القصة. (¬4) في الإكمال: القصة. (¬5) شرح السنة (1/ 372). (¬6) في شرح السنة: له بدل فيه. (¬7) وهذا في الحقيقة كلام الخطابي كما صرح بذلك البغوي، وليس هو من كلام البغوي كما يوهمه كلام المصنف وانظر معالم السنن (1/ 18) ط. دار الكتب العلمية. (¬8) انظر المفهم (1/ 553) وإكمال المعلم (1/ 120) وشرح عمدة الأحكام (1/ 63). (¬9) انظر إكمال المعلم (1/ 120).

بقراءة القرآن على قبره من حيث إن المعنى الذي ذكرناه في التخفيف عن صاحبي القبرين هو بتسبيح النبات ما دام رطبًا؛ فقراءة القرآن من الإنسان أولى بذلك (¬1). قالوا (¬2): وليس لليابس تسبيح، وقيل في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]؛ أي: وإن (¬3) من شيء حي، ثم قالوا: حياة كل شيء بحسبه، فحياة الخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع. وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى حمل ذلك على عمومه (¬4) ثم اختلف هؤلاء هل تسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا لصورة حاله، والمحققون على أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ... وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (¬5). وإذا كان العقل لا يحيل جعل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه، ¬

_ (¬1) انظر شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 63) وشرح صحيح مسلم للنووي (1/ 200) والمفهم (1/ 553) وإكمال المعلم (1/ 120). وفي هذا نظر، أما كون النبات يسبح ما دام رطبًا فغير وجيه لأن الله تعالى ذكر أن كل ما في السماوات والأرض من أخضر ويابس يسبح بحمده: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فسقط قياس قراءة القرآن عليه، على أنه قياس مع وجود النص وهو باطل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقرأ وكان طبعًا حافظًا للقرآن وشفوقًا بالمؤمنين الذين ماتوا من قبله، والصحيح أن وضع الجريدة كان خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصا بهذه الحادثة بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها إلا مرة أومرتين ولم يفعلها أصحابه لا في حياته ولا بعده. وللصنعاني في حاشيته على شرح العمدة كلام نفيس فلينظر (1/ 274). (¬2) انظر إكمال المعلم (1/ 120)، المفهم (1/ 552)، حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 273) فله كلام طيب. وشرح مسلم للنووي (1/ 192). (¬3) هذا ابتداء كلام النووي في شرح مسلم (1/ 192). (¬4) قال النووي في شرح مسلم (1/ 192): "وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه على عمومه". (¬5) البقرة الآية 74.

وذكر البخاري في صحيحه (¬1): أن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان تبركًا (¬2) بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذين القبرين (¬3)، وأما وصول ثواب القراءة للميت على قبره من يقل ثواب القاريء له فقد اختلف العلماء (¬4) في ذلك؛ فمنهم من ذهب إليه، والأكثر على خلافه وكان الشيخ الإِمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى ممن يأبى ذلك، وقال في الفتاوى الموصلية له بعد إنكار ذلك مستدلًا بقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} (¬5) وبقوله عليه السلام: إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث. وما أشبه ذلك من ظواهر النصوص. والعجب ممن يعدل عن هذه النصوص ويثبت حكمًا يخالفها بالمنامات، وسمعت من يذكر أنه لما مات يرى في النوم فقيل له: ما فعل الله بك، فقال: غفر لي ... وذكر خبرًا، فقيل له: ولم ذلك، فقال: بثواب قراءة من قرأ على قبري بعد الموت؛ هذا أو في معناه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في صحيحه معلقًا كتاب الجنائز (1/ 418) باب الجريدة على القبر ووصله ابن سعد في الطبقات (7/ 8). (¬2) قلت: وصية بريدة ثابتة عنه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 222): "كأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصًّا بذينك الرجلين. قال ابن رشيد ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما فلذلك عقبه بقول ابن عمر: إنما يظله عمله. قال الألباني رحمه الله في كتاب الجنائز (203): ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لا سبق بيانه ورأي بريدة لا حجة فيه لأنه رأي والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عامًّا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضع الجريدة في القبر بل عليه كما سبق وخير الهدي هدي محمد" اهـ. ونحوه كلام العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على فتح الباري (3/ 223). (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 192). (¬4) انظر حاشية الصنعاني على عمدة الأحكام (1/ 274) وشرح ابن الملقن على عمدة الأحكام (1/ 540 - 541) ومجموع الفتاوى (24/ 306 - 324، 312). (¬5) سورة النجم آية 39.

54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع؛ قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن؛ قالت: دخلت بابن لي على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل الطعام، فبال عليه فدعا بماء فرشه عليه. قال: وفي الباب عن علي، وعائشة، وزينب، ولبابة هي بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، وأبي السمح، وعبد الله بن عمرو، وأبي ليلى، وابن عباس. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم مثل: أحمد وإسحاق؛ قالوا: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية؛ هذا ما لم يطعما وإذا طعما غسلا جميعًا (¬1). * الكلام عليه: هذا الحديث صحيح؛ أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) في صحيحيهما، وحديث علي بن أبي طالب: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال في بول الرضيع: "ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية"؛ رواه الإِمام أحمد (¬4)، وأبو داود (¬5)، والترمذي (¬6) ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 104 - 105). (¬2) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 92) برقم 223 باب بول الصبيان، وفي كتاب المرضى (4/ 35) برقم 5693 باب السعوط بالقسط الهندي والبحري. (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 287 باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (¬4) المسند (1/ 76) و (1/ 137) و (1/ 97). (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 263) برقم 377 باب بول الصبي يصيب الثوب. (¬6) في سننه كتاب الصلاة (2/ 509 - 510) برقم 610 باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع.

وحسنه (¬1). وفي كتاب الصلاة أخرجه الترمذي (¬2) وهناك يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وابن ماجه (¬3) وهذا لفظه. وحديث أبي السمح قال: كنت أخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى حسن أو حسين فبال على صدره فجئت أغسله؛ فقال: "يغسل بول الجارية ويرش من بول الغلام"؟ رواه ابن ماجه (¬4) والنسائي (¬5) وأبو (¬6) داود وهذا لفظه. ولبابة (¬7) بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة. وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن عمير هي الكبرى, وهي أم الفضل بن العباس وإخوته وبنوها من العباس ستة: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وأم حبيب سابعة وهي أخت لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد ولذلك عرفها بقوله: أم الفضل بن العباس وأختهما ميمونه زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخواتهن لأبيهن وأمهن ميمونة بنت الحارث كانت تحت ابن ¬

_ (¬1) وهو كذلك في تحفة الأشراف (7/ 386) برقم 10131 وفي نسخة أحمد شاكر (1/ 510) حسن صحيح. (¬2) الجامع (2/ 509 - 510) برقم 610. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 175) برقم 525 باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 175) برقم (526). (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 303 باب بول الجارية. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 262) برقم 376 باب الصبي يصيب الثوب. (¬7) انظر طبقات ابن سعد (4/ 6)، (7/ 367)، (8/ 277) الاستيعاب (4/ 1907 - 1909)، الإصابة (8/ 299) برقم 11699.

أبي خلف الجمحي. وعزة بن الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلالي وحديثها عن لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين بن علي في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبال عليه فقلت: البس ثوبًا وأعطني إزارك حتى أغسله، فقال: "إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر"، رواه الإِمام أحمد (¬1) وأبو (¬2) داود وابن (¬3) ماجه. وحديث عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله أخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) واللفظ له والنسائي (¬6) وابن (¬7) ماجه. وفي الباب مما لم يذكره: عن أمر كرز الخزاعية؛ قالت: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل؛ رواه الإِمام أحمد (¬8) وهذا لفظه وابن (¬9) ماجه (¬10). ¬

_ (¬1) المسند (6/ 339). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 261 - 262) برقم 375 باب بول الصبي يصيب الثوب. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 522 باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. (¬4) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 91) برقم 222 باب بول الصبيان وفي كتاب العقيقة (3/ 449) برقم 5468 باب تسمية المولود وفي كتاب الأدب (4/ 92) برقم 6002 باب وضع الصبي في الحجر وفي كتاب الدعوات (4/ 163) برقم 6355 باب الدعاء للصبيان بالبركة. (¬5) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 237) برقم 286 باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 302 باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 523 باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. (¬8) المسند (6/ 422، 440، 464). (¬9) في سننه كتاب الطهارة (1/ 175) برقم 527 باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. (¬10) في هامش نسخة ابن العجمي. لم يذكر الصنف حديث ابن عباس ورواه الدارقطني في "سننه" بلفظ: "أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم -أي صبي وهو صغير فصب عليه من الماء بقدر البول". وفي إسناده الواقدي، وهو ضعيف.

وفيه (¬1) الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالصغار وغيرهم. وفيه استحباب تحنيك المولود. وفيه التبرك (¬2) بأهل الصلاح والفضل. وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك (¬3) بهم وسواء في هذا الاستحباب المولود وغيره حال ولادته وبعدها. وفيه حكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهذا هو مقصود الباب وهو المستفاد من أحاديثه كلها، وأما ما ذكرناه من الفوائد فحاصلة من مجموع أحاديث الباب. وقد اختلف العلماء في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام في موضعين: أحدهما: طهارته أو نجاسته ولا تردد في قول الشافعي وأصحابه أنه نجس (3). قال الخطابي (¬4) وغيره: وليس تجويز من جوز النضح في بول الغلام من أجل أن بوله نجس؛ ولكنه من أجل التخفيف في نجاسته فهذا هو الصواب. قال النووي (¬5) رحمه الله: وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض (¬6) عن الشافعي وغيره إنهم قالوا إن بول الصبي طاهر فينضح فحكاية باطلة قطعًا. ¬

_ (¬1) هذا ابتداء كلام النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 184). (¬2) وفيه نظر (علق على هذا الموطن). (¬3) شرح صحيح مسلم (3/ 184 - 185). (¬4) معالم السنن (1/ 99) والمصنف ينقل عن النووي. (¬5) شرح صحيح مسلم (3/ 185). (¬6) هو في إكمال المعلم (2/ 112) وحكاه الباجي في المنتقى (1/ 128) وكذا في القرطبي في المفهم (1/ 546).

واختلف العلماء بعد ذلك في تطهيره هل يتوقف على الغسل أم لا؟ فذهب الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا يتوقف على الغسل، ويكفي فيه النضح والرش. ومذهب مالك وأبي حنيفة أنه يغسل كغيره. قال الشيخ محيي (¬1) الدين: قد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح المشهور المختار: أنه يكفي النضح في بول الصبي، ولا يكفي في بول الجارية بل لا بد من غسله كغيره من النجاسات. والثاني: أنه يكفي النضح فيهما. والثالث: لا يكفي النضح فيهما. وهذان الوجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره من أصحابنا؛ وهما شاذان ضعيفان، وممن قال بالفرق علي بن أبي طالب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأصحاب الحديث وجماعة من السلف وابن وهب من أصحاب مالك، وروى عن أبي حنيفة وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما وأهل الكوفة (1). والحديث ظاهر في التفرقة وأنه يكفي النضح في بول الصبي لا سيما مع قولهما ولم يغسله، وإليه ذهبت أم (¬2) سلمة وأنس بن مالك والحسن (¬3) البصري. والذين أوجبوا غسله اتبعوا القياس على سائر النجاسات، وأولوا الحديث قولها ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 185). (¬2) انظر فتح البر (3/ 41). (¬3) المصدر السابق.

55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

لم يغسله على أنه لم يغسله غسلًا مبالغًا فيه كغيره؛ وهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل يقاوم هذا الظاهر، ويبعده أيضًا ما ورد في أحاديث التفرقة بين بول الصبي والصبية فإن من أوجب الغسل مطلقًا لا يفرق بينهما, ولا فرق في الحديث بين النضح في الصبي والغسل في الصبية كان ذلك قويًّا في أن النضح غير الغسل إلا أن يحملوا ذلك على قريب من تأويلهم الأول وهو أن يفعل في الصبية أبلغ مما يفعل في بول الصبي؛ فيسمى الأبلغ غسلًا والأخف نضحًا واعتل بعضهم في هذا بأن بول الصبي يقع في محل واحد وبول الصبية يقع منتشرًا فيحتاج من صب الماء في مواضع متعددة ما لا يحتاج إليه في بول الصبي، وربما حمل بعضهم لفظة النضح في بول الصبي على الغسل (¬1) وتأيد بما في الحديث (¬2) من ذكر مدينة ينضح البحر بجوانبها. ................................................................................ (¬3). الخمر فشربها، ففيه ثلاثة أوجه: • أحدها: لا يجوز لما روت أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها". • والثاني: يجوز إنه يدفع الضرر عن نفسه فجاز كالمكروه. • والثالث: يجوز للتداوي ولا يجوز للعطش وقريب منه في ذلك مذهب الإِمام مالك. ¬

_ (¬1) انظر فتح البر (3/ 40). (¬2) الحديث رواه أحمد في مسنده (1/ 44) وفيه انقطاع وأخرجه المروزي في مسند أبي بكر (114) وأبو يعلى في مسنده (1/ 101 - 102) برقم 106. (¬3) هذا التفسير قدر باب بكامله. 55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

قال ابن (¬1) شاس في "جواهره": وأما جنس المستباح يعني (¬2) من الأطعمة في حال الاضطرار فكل ما يرد عنه جوعًا أو عطشًا فيدفع الضرورة أو يخففها كالأطعمة النجسة والميتة من كل حيوان غير الآدمي وكالدم، وشرب المياه النجسة وغيرها من المائعات سوى الخمر فإنها لا تحل إلا لإساغة الغصة على خلاف فيها، وأما الجوع والعطش فلا إذ لا يفيد ذلك بل ربما زادت العطش، وقيل تباح فإنها تفيد تخفيف ذلك على الجملة ولو لحظة. وقال الشيخ أبو (¬3) بكر: وإن ردت الخمر عنه جوعا أو عطشًا يشربها، واختاره القاضي أبو بكر وقال: التداوي بالخمر فالمشهور من المذهب أنه لا يحل. قلت: من لم يجوز استعمال البول بالضرورة من المداواة، وما أشبهها وقال مع ذلك بنجاسة بول ما يؤكل لحمه كما يحكي عن أبي (¬4) حنيفة، فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث. وقال صاحباه فالمحكي عن محمَّد (¬5) طهارة بول ما يؤكل لحمه وعن أبي يوسف نجاسته (¬6) وجواز استعماله للسقيم وفيه من الفقه المماثلة في القصاص؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل بهم كما فعلوا بالراعي وهي مسألة مشهورة في مسائل الخلاف وسيأتي. ¬

_ (¬1) عقد الجواهر الثمينة (1/ 603 - 604). (¬2) قوله يعني من الأطعمة في حال الاضطرار ليس من كلام ابن شاس وإنما هو توضيح من المصنف. (¬3) هو ابن العربي المالكي وكلامه هذا في أحكام القرآن (1/ 58). (¬4) مختصر الطحاوي (1/ 125) برقم 12 والبناية للعيني (1/ 396) وخالفه في ذلك محمَّد بن الحسن الشيباني. (¬5) البناية (1/ 396) ومختصر الطحاوي (1/ 125) برقم 12. (¬6) المصادر السابقة.

ويجيب عن الحديث من لا يرى ذلك بما ذكرناه من النسخ وقد تقدم وهو معنى قوله، وروى عن محمَّد بن سيرين؛ قال: إنما فعل بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تنزل الحدود. وفي الحديث أنهم ارتدوا وليس في لفظ من ألفاظه أنهم استثنوا من الردة. * * *

56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا وكيع عن شعبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". حدثنا قتيبة: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه، فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". قال: وفي الباب عن عبد الله بن زيد، وعلي بن طلق، وعائشة، وابن عباس، وأبي سعيد. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء: أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتًا أو يجد ريحًا. وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانًا يقدر أن يحلف عليه، وقال: إذا خرج من قبل المرأة ريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق. حدثنا محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (¬1). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 109 - 110).

* الكلام عليه: حديث: لا وضوء إلا من صوت أو ريح؛ رواه الإِمام أحمد (¬1)، وابن (¬2) ماجه، وسهيل (¬3) بن أبي صالح، انفرد به مسلم (¬4) دون البخاري وقد وردت ترجمته في باب ما جاء في فضل الطهور؛ فالحديث على شرط مسلم. والحديث الثاني عند مسلم (¬5): "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيئًا أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينفتل ولا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"؛ لفظ البخاري (¬6)، ورواه مسلم (¬7). وحديث أبي هريرة المذكور في آخر الباب أخرجه البخاري (¬8) ومسلم (¬9) أيضًا وفيه عند مسلم (¬10)، فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. ¬

_ (¬1) (2/ 471). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 515 باب لا وضوء إلا من حدث. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 246) برقم 1063 وتهذيب الكمال (12/ 223) برقم 2629 وتهذيب التهذيب (2/ 128). (¬4) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 257) برقم 559 وروى له البخاري مقرونًا بغيره كما في تهذيب الكمال (12/ 228) وتهذيب التهذيب (2/ 129). (¬5) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 276) برقم 362 باب الدليل على أنه من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك. (¬6) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 66) برقم 137 باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن. (¬7) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 276) برقم 361 الباب السابق. (¬8) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135 باب لا تقبل صلاة بغير طهور. (¬9) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 204) برقم 225 باب وجوب الطهارة للصلاة. (¬10) بل هذا عند البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135.

وحديث علي بن طلق؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، فليتوضأ وليعد الصلاة"؛ رواه الإِمام أحمد (¬1) وأبو (¬2) داود وهذا لفظه، والنسائي (¬3) والترمذي (¬4) وسيأتي الكلام عليه في موضعه. وحديث عائشة قال الترمذي (¬5) في "العلل": ثنا عبد الله بن أبي زياد: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: ثنا أبي عن ابن إسحاق، عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: جاءت سلمى امرأة أبي رافع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تستعديه على أبي رافع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا رافع! ما لك ولها؟ " قال: يا رسول الله! إنها تؤذيني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بم آذيته؟ " قالت: يا رسول الله! إنما قلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ للصلاة، فقام يضربني، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنها لم تأمرك إلا بالخير". ¬

_ (¬1) هو كذلك في أطراف مسند الإِمام أحمد لابن حجر (4/ 384) برقم 6162 ثم ذكره من حديث علي بن أبي طالب كما في أطراف المسند (4/ 474) برقم 6400 وقال: "الذي يتبادر إلى ذهني أن عليًّا راوي هذا الحديث هو علي بن طلق الحنفي فإن الراوي عنه حنفي أيضًا والحديث معروف من طريقه وكذا وجدته في مسند علي بن أبي طالب". قلت: وهو في المسند (1/ 86) من حديث علي بن أبي طالب وإدراجه في مسند علي بن أبي طالب خطأ فإنه من مسند علي بن طلق نبه على ذلك ابن عساكر في كتابه ترتيب أسماء الصحابة (84) وابن كثير في تفسيره (1/ 583) وقال النسائي في الكبرى (5/ 324) ذكر حديث علي بن طلق في إتيان النساء في أدبارهن ثم أورد الحديث وأورده المزي في تحفة الأشراف (7/ 471) برقم (10344) تحت مسند علي بن طلق. وأخرجه الترمذي في السنن كتاب الرضاع (3/ 468 - 469) برقم 1164 و 1166 وقال علي هذا هو علي بن طلق وذكره في كتابه العلل (1/ 145). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 141 - 142) برقم 205 باب من يحدث في الصلاة. (¬3) في الكبرى (5/ 324) برقم 9024. (¬4) السنن كتاب الرضاع (3/ 468 - 469) برقم 1164 و 1166 باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن. (¬5) العلل الكبير (1/ 146 - 147).

قال الترمذي: فسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا حديث محمَّد بن إسحاق عن هشام بن عروة. وسألت أبا زرعة فقال مثله (¬1). وعند البيهقي (¬2) أيضًا عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أحدث أحدكم وهو في الصلاة، فليضع يده على أنفه، ثم لينصرف". وحديث ابن عباس ذكره البيهقي (¬3) من حديث عبد العزيز بن محمَّد، عن ثور، عن عكرمة عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يأتي أحدكم فينقر عند أعجازه فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا أو يفعل ذلك متعمدًا". رواه عن أبي الحسن بن إسحاق: ثنا أبو محمَّد عبد الله بن إسحاق الفاكهي بمكة: ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة: ثنا يحيى بن محمَّد البخاري عنه. وحديث أبي سعيد: أخرجه ابن (¬4) ماجه من طريق معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد؛ قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التشبه في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا. وفي الباب مما لم يذكره: عن سلمى مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ؛ رواه الإِمام أحمد (¬5) هكذا، وحديثه مختصر، وهو الحديث الذي تقدم عند البيهقي من طريق عائشة وفيه عن صفوان بن عسال؛ قال: رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين؛ للمسافر ثلاثًا إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو ¬

_ (¬1) العلل الكبير (1/ 146 - 147). (¬2) السنن الكبرى (2/ 254). (¬3) السنن الكبرى (2/ 254). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 171) برقم 514 باب لا وضوء إلا من حدث. (¬5) المسند (6/ 272) وهو حديث عائشة الذي مر في ص 540.

ريح، رواه البيهقي (¬1). هذه (¬2) الأحاديث أصل في أعمال الأصل وطرح الشك، والعلماء متفقون على العمل بهذه القاعدة في كل سورة، لكنهم مختلفون في مسألتنا هذه في السلوك فيه ما هو والمحقق ما هو، وهو ما إذا شك في الحدث بعد سبق الطهارة. فالشافعي أعمل الأصل السابق وهو الطهارة وأطرح الشك الحادث، وهو الحدث وأجاز الصلاة في هذه الحالة. ومالك رحمه الله منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة إعمالًا للأصل الأول وهو ترتب الصلاة في الذمة ورأى أن لا تبرأ الذمة إلا بطهارة متيقنة على خلاف في مذهبهم سنذكره. وهذا الحديث ظاهر في إعمال الطهارة الأولى واطراح الشك (2). قال الشيخ محيي (¬3) الدين رحمه الله تعالى: من تيقن الطهارة وهو شك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف. وحكي عن مالك رحمه الله روايتان: • إحداهما: أنه يلزمه الوضوء إن كان الشك خارج الصلاة ولا يلزمه إن كان في الصلاة. • والثانية: يلزمه بكل حال وحكيت الرواية الأولى عن الحسن البصري، وهو وجه شاذ محكي عن بعض أصحابنا وليس بشيء. ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 115). (¬2) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام (1/ 76 - 77) بتصرف يسير. (¬3) شرح صحيح مسلم (4/ 273).

وقال أصحابنا: ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقوع الحدث وعدمه أو يترجح إحداهما أو يغلب على ظنه فلا وضوء عليه بكل حال. قال أصحابنا: ويستحب له أن يتوضأ احتياطًا (¬1). قال القاضي أبو (¬2) بكر بن العربي: فإن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقن الطهارة وشك في بقائها (¬3)، فلا خلاف بين الأمة أنه يجب عليه الوضوء إجماعًا. فإن تيقن الطهارة وشك في وجود الحدث بعد تيقن الطهارة، ففيه خمسة أقوال: • الأول: أنه واجب وعليه يدل ظاهر قول ابن القاسم في "المدونة". • الثاني (¬4): أنه يستحب، رواه عنه ابن وهب. • الثالث: أنه إن كان في الصلاة ألغى الشك، وإن كان في غير صلاته أخذ بالشك. • الرابع: أنه يقطع الصلاة. • الخامس: قال ابن حبيب: إن خيل إليه أن ريحًا خرجت منه فلا يتوضأ إلا أن يتيقن ذلك فمن أوجب الوضوء تعلق بأن العبد مأمور باليقين. ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (4/ 273). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 86). (¬3) في العارضة إتمامها ولعل ما عند المصنف هو الصواب والله أعلم. (¬4) في المعارضة (1/ 86): الثاني أنه إن كان في الصلاة ألغى الشك وإن كان في غير صلاة أخذ بالشك وهو الوجه الثالث الذي حكاه المصنف وما ذكره المصنف هو الصواب إذ يكون سقط القول الثاني من مطبوعة العارضة ولا وجود للقول الثالث فيها.

ومن استحب تعلق بأن اليقين الطهارة معه، والشك حادث ضعيف، فلا أقل من أن يؤثر الاستحباب. الوجه الثالث: أنه إذا قرن الشك وجود الصلاة لم يعتبر لأنه قد دخل في الصلاة بيقين صحيح. هكذا وجدته ولعله إذا قارنه الشك بعد الدخول في الصلاة، وقد نظر هذا الوجه شيخنا الإِمام أبو (¬1) الفتح القشيري؛ كما سنذكره بعد هذا. قال: والقول الرابع يرجع إلى الأول لأنه ما يشترط في ابتداء الصلاة يشترط في أثنائها كستر العورة ونحوها. ووجه قول ابن حبيب: أن الحديث أخرج الريح من الأصل وبقي البول على ظاهره. وتحقيقه أن الريح يتفق فيها التخيل فأما البول فلا يتفق فيه تخيل، وذلك من تصوره في الصلاة يكون كما يتصور في غير صلاة، والأمر فيهما واحد؛ بدليل قوله: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد بين أليتيه ريحًا فلا يخرج ... "؟ فراعى إلغاء التخييل دون اقتران الصلاة (¬2). وقال القشيري (¬3): وبعض أصحاب مالك يطرحه يعني الشك، بشرط أن يكون في الصلاة وهذا له وجه حسن، فإن القاعدة أن مورد النص إذا وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرًا في الحكم. فالأصل يقتضي اعتباره وعدم اطراحه، وهذا الحديث يدل على اطراح الشك ¬

_ (¬1) شرط عمدة الأحكام (1/ 77). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 86 - 87). (¬3) شرط عمدة الأحكام (1/ 77).

إذا وجد في الصلاة وكونه موجودًا في الصلاة معنى يمكن أن يكون معتبرًا فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها على ما اقتضاه قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، فصارت صحة الصلاة أصلًا سابقًا على حالة الشك مانعًا من الإبطال، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع وصحة العمل ظاهرًا معنى يناسب عدم الالتفات إلى الشك يمكن اعتباره فلا ينبغي إلغاؤه (¬1). قلت: هذا كلامه على حديث عبد الله بن زيد الذي لفظه: شكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ... الحديث، وهو حسن الانسياق على الحديث الذي تكلم عليه فلو لم يرد إلا هذا اللفظ أو ما في معناه لتم له المراد، لكن حديث أبي هريرة: إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه، فلا يخرج؛ وهو غير الأول وحالة كونه في المسجد غير حالة كونه في الصلاة. وأما ما اختاره ابن حبيب فحاصله أن الأصل الأول، وهو ترتب الصلاة في الذمة معمول به، فلا يخرج عنه إلا فمِما ورد فيه النص وما بقي يعمل فيه بالأصل ولا يحتاج في المحل الذي خرج عن الأصل بالنص إلى مناسبة كما في صور كثيرة اقتصر العلماء فيها على مورد النص إذا خرج عن الأصل أو القياس من غير اعتبار مناسبة والسبب فيه أن إعمال الأصل في مورده لا بد منه والعمل بالأصل والقياس المطرد مسترسل، لا يخرج عنه إلا بقدر الضرورة، ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده سواء كان مناسبًا أو لم يكن؛ فقد اختلف العلماء في الأسباب التي تتعلق وجوب الطهارة بها على أقوال (¬2): • الأول: إنها تتعلق بكل خارج نجس من البدن، قاله أبو حنيفة وجماعة. ¬

_ (¬1) شرح عمدة الأحكام (1/ 77). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 85) بتصرف يسير.

• الثاني: إنها تتعلق بكل خارج من المخرج المعتاد؛ قاله الشافعي. • الثالث: إنها تتعلق بكل خارج معتاد من الخرج المعتاد؛ قاله مالك وهو يشير إلى مسألة خروج الخطاب على المعتاد منه في اللفظ دون النادر منه، وإن تناوله العموم وهو المختار. وقوله: لا وضوء إلا من صوت أو ريح لا ينفي وجوب الوضوء من غائط أو بول. قال القاضي أبو (¬1) بكر بخمسة معان: • إحداها: أن الشريعة لم تأت جملة، وإنما أتت آحادًا وفصولًا، تتوالى واحدة بعد أخرى، حتى أكمل الله الدين. • ثانيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر أو زنى أو ردة"، ثم قتل العلماء بعشرة أسباب أو نحوها بزيادة أدلة كذلك ها هنا. • ثالثها: أن قوله لا وضوء إلا من صوت أو ريح؛ يحمل عليه البول والغائط بأنه خارج معتاد فينقض الوضوء كالصوت والري. • رابعها: أن المراد بذلك حال كونه في المسجد ولا يتأتى فيه إلا الصوت والريح. • خامسها: أن المراد بذلك الصلاة وعليه يدل الحديث الصحيح أيضًا، وقصة عباد بن تميم، التي ذكرناها وقد جاء وجوب الوضوء من البول والغائط في حديث صفوان بن عسال الآتي إن شاء الله تعالى (¬2). ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 85). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 85 - 86).

وحديث أبي هريرة: إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ؛ متفق عليه. وفيه بحثان. • الأول (¬1): فيه دلالة على انتفاء القبول عن الصلاة من أحدث عند انتفاء شرطهما من الوضوء، بالمطابقة وعلى ثبوت قبول الصلاة فمن وجد منه شرطها من الوضوء بالالتزام، وفي هذا الثاني بحث يجر إلى معنى القبول ما هو، وقد تقدم التنبيه عليه في الكلام على حديث مصعب بن سعد، عن ابن عمر: لا يقبل صلاة بغير طهور ... الحديث، فشرط القبول بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قبل فلان عذر فلان إذا رتب على عذره الغرض المطلوب منه، وهو هو الجناية والذنب. فإذا ثبت ذلك فيقال في هذا المكان الغرض من الصلاة وقوعها مجزية مطابقتها (¬2) للأمر فإذا حصل هذا الغرض ثبت القول على ما ذكره من التفسير وإذا ثبت القبول على هذا التفسير ثبتت الصحة. وإذا انتفى القبول على هذا التفسير انتفت الصحة. وقال بعض المتأخرين (¬3) القبول كون العبادة بحيث يترتب الثواب والدرجات عليها والإجزاء كونها مطابقة للأمر والمعنيان إذا تغايرا وكان أحدهما أخص من الآخر لم يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، والقبول على هذا التفسير أخص من الصحة فكل مقبول صحيح وليس كل صحيح مقبولا وهذا وإن وقع في الأحاديث التي نفى ¬

_ (¬1) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 13). (¬2) حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 85). (¬3) انظر حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 86).

عنها القبول مع بقاء الصحة؛ كما جاء: إذا أبق العبد لم يقبل له صلاة، وفيمن أتى عرافًا وفي شارب الخمر، فإنه يضر (¬1) في الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، كما في حديث: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، أي من بلغت سن المحيض اللهم أن يقال دل الدليل على كون القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفى انتفت فيصح الاستدلال به. في القبول على نفي الصحة، ويحتاج في تلك الأحاديث التي نفى فيها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل (¬2) على أنه يرد على من فسر القبول يكون العبادة مثابًا عليها، أو مرضية، أو ما أشبه ذلك، إذا كان مقصوده بذلك أن لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة (¬3). أن يقال إن القواعد الشرعية تقتضي أن العبادة إذا أتى بها مطابقة للأمر كانت سببًا للثواب (¬4) والظواهر في ذلك لا تحصى (¬5). • الثاني: الحدث يطلق (¬6) ويراد به نفس الخارج الناقض للوضوء وقد فسره بذلك أبو هريرة رضي الله عنه، وقد سئل عن الحدث، فقال: فساء أو ضراط (¬7)، ولعله نحا بذلك منحى المثل، وأشار إلى ما يتصور وقوعه في المسجد من أنواع الحدث على ما اقتضته قرينة الحال. ويطلق ويراد به نفس خروج ذلك الخارج. ¬

_ (¬1) حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 87) ففيه بحث. (¬2) في شرح عمدة الأحكام أو تخريج جواب (1/ 14). (¬3) شرح عمدة الأحكام (1/ 13 - 14). (¬4) زاد في شرح عمدة الأحكام والدرجات والإجزاء (1/ 14). (¬5) في شرح عمدة الأحكام (1/ 14) لا تنحصر بدل لا تحصى والمعنى واحد. (¬6) قال الصنعاني في حاشيته (1/ 90): أقول كأنه (أي ابن دقيق العيد) في عرف الفقهاء، ولذا قال يطلق ولم يقيده بنص اللغة، وليست معاني لغوية. (¬7) صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135 باب لا تقبل صلاة بغير طهور.

ويطلق ويراد به منع (¬1) المرتب على ذلك الخروج وهذا هو المكلف رفعه عند الوضوء، فإن كل واحد من الخارج، والخروج قد وقع وما وقع لا يمكن رفعه. وأما منع المرتب على الخروج فإن الشارع حكم به (¬2) ومد غايته إلى استعمال المكلف الطهور فباستعماله يرتفع المنع، ويصح قول القائل رفعت الحدث أي المنع المشار إليه (¬3). وفي الحديث دليل لمن يرى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة على من لم يحدث (3)، وقد (¬4) تقدم في حديث ابن عمر المذكور. * * * ¬

_ (¬1) قال الصنعاني في حاشيته (1/ 90): "حذف متعلقه ليعلم كل ما يعتبر فيه الطهارة، فالمراد المنع عن كل قربة تكون الطهارة شرطًا في صحتها". (¬2) أي بالمنع. (¬3) شرح ابن دقيق العيد على عمدة الأحكام (1/ 13 - 15). (¬4) قال الصنعاني رحمه الله: "كما ذهب إليه جماعة مستدلين بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} فإنه علق البخاري غسل أعضاء الوضوء بالقيام" (1/ 96).

57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم حدثنا إسماعيل بن موسى وهناد ومحمد بن عبيد المحاربي المعنى واحد، قالوا: ثنا عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أنَّه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام فصلى، فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت قال: "إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعًا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله". قال أبو عيسى: وأبو خالد اسمه يزيد بن عبد الرحمن. [قال وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة]، حدثنا محمَّد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون. قال: هذا حديث حسن صحيح. قال: وسمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك، عمّن نام قاعدًا معتمدًا؟ فقال لا وضوء عليه. قال ورَوى حديثَ ابن عباس سعيدُ بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قَوْلَه: ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه، واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء، وإذا نام قاعدًا وقائمًا حتى ينام مضطجعًا، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد قال: وقال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق. وقال الشافعي: من نام قاعدًا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم

فعليه الوضوء (¬1). * الكلام عليه: تضمن التبويب الوضوء من النوم، وما اشتمل عليه من حديث أو أثر، إنما تضمن الوضوء من نقض أنواع النوم وسيأتي تفصيل مذاهب السلف في ذلك إن شاء الله تعالى. وحديث الباب سكت عنه ها هنا، فلم يحكم عليه بشيء وتكلم عليه في "العلل" (¬2)، وقال سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس، قوله. ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعًا من قتادة. قلت: أبو خالد كيف هو؟ قال: صدوق وإنما يهم في الشيء، قال محمد: وعبد السلام بن حرب صدوق. انتهى ما ذكره الترمذي في "العلل". وقال الدارقطني (¬3): تفرد به أبو خالد الدالاني (¬4)، ولا يصح. وقال الحربي (¬5): هذا حديث منكر. وذكر البيهقي (¬6) في الكلام على هذا الحديث بعد أن أخرجه من طريق ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 111 - 114). (¬2) علل الترمذي الكبير (1/ 148 - 149). (¬3) السنن (1/ 160) برقم 1. (¬4) زاد الدارقطني عن قتادة. (¬5) في علله نقل ذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 211) وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 430). (¬6) السنن الكبرى (1/ 121).

عبد السلام بن حرب بلفظ: "لا يجب الوضوء على من نام جالسًا أو قائمًا أو ساجدًا حتى يضع جنبه، فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله". قال: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، وذكر عن الترمذي وما حكيناه في علله، ثم ذكر بسنده عن أبي (¬1) داود السجستاني قوله: الوضوء على من نام مضطجعًا، هو حديث منكر، لم يروه إلا الدالاني عن قتادة. وقال أبو داود: قال شعبة: إنّما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة الثلاثة. وحديث ابن عباس: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر، يعني في لا صلاة بعد العصر. قال البيهقي (¬2): وسمع أيضًا حديث ابن عباس فيما يقول عند الكرب، وحديثه في رؤية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به موسى وغيره. قال أبو (¬3) داود: وذكرت حديث الدالاني، لأحمد بن حنبل (¬4)، فقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة (¬5)، قال (¬6): يعني به أحمد ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد الدالاني سماع من قتادة. ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 139) برقم 202 باب في الوضوء من النوم. (¬2) السنن الكبري (1/ 121). (¬3) السنن (1/ 140). (¬4) زاد أبو داود كما في السنن فانتهرني استعظامًا له. (¬5) زاد في السنن ولم يعبأ بالحديث. (¬6) أي البيهقي في السنن الكبرى (1/ 121).

قال أبو (¬1) داود: وروى أوله جماعة عن ابن عباس، لم يذكروا شيئًا من هذا. انتهى. وروى الفريابي عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كريب عن ابن عباس: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نام حتى نفخ ثم قام فصلى، ولم يتوضأ مخرّج في الصحيحين (¬2) من حديث الثوري، دون الزيادة التي تفرد بها الدالاني (¬3). وكذلك رواه سعيد بن جبير، وعدة، عن ابن عباس في حديث: المبيت عند خالتي ميمونة، وفيه: ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ ثم جاء المنادي فآذنه بالصلاة. وقال سفيان مرة أخرى: ثم قام إلى الصلاة، فصلى بنا ولم يتوضأ الحديث (¬4). قال (¬5): وأبو خالد اسمه يزيد بن عبد الرحمن (¬6). قلت: وعبد الرحمن بن أبي سلامة، ويقال: ابن عاصم، وقال: ابن واسط، ويقال: سابط، ويقال: ابن عبد الرحمن بن هند الأسدي، سمع قتادة ونبيح العنزي وأبا عبيدة بن حذيفة بن اليمان وعمرو بن شرحبيل وعون بن أبي جحيفة ومنهال بن عمرو وقيس بن مسلم وعبد الملك بن ميسرة وإبراهيم بن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) السنن (1/ 139). (¬2) صحيح البخاري كتاب الدعوات (4/ 156) برقم (6316) باب الدعاء إذا انتبه من الليل، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين (1/ 525 - 526) برقم 763 باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (¬3) السنن الكبرى (1/ 123). (¬4) السنن الكبرى (1/ 121 - 122). (¬5) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 112). (¬6) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 277) برقم 1167 وتهذيب الكمال (33/ 273 - 275) برقم 7336 وتهذيب التهذيب (4/ 515 - 516).

السكسكي وإبراهيم بن الصائغ وأبا سفيان طلحة بن نافع، روى عنه شعبة وعبد السلام بن حرب والثوري وزهير بن معاوية وحفص بن غياث وشجاع بن الوليد وشريك بن عبد الله. قال يحيى (¬1) بن معين: ليس به بأس، وكذلك قال أحمد (¬2). وقال أبو (¬3) حاتم: صدوق ثقة. وأساء القول فيه أبو (¬4) حاتم بن حبان فقال: كثير الخطأ، فاحش الوهم، يخالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به. قال أبو (¬5) أحمد -وأظنه الحاكم-: لا يتابع في بعض حديثه (¬6). وقال ابن (¬7) عدي: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين، إلا أنه مع لينه يكتب حديثه (7)، روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (¬8). والدالاني (¬9) في همدان ينتسب إلى دالان بن سابقة بن ناسح بن واقع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف همدان كذا قال الكلبي، وقال الهمداني: دالان بن عبد الله بن حبيش بن ناشج بن وداعة بن عمرو بن عامر ¬

_ (¬1) تاريخ الدارمي (229) برقم 880. (¬2) ميزان الاعتدال (7/ 253) برقم 9731، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 210) برقم 3790. (¬3) الجرح والتعديل (9/ 277). (¬4) المجروحون (3/ 105). (¬5) الأسامي والكنى (4/ 254). (¬6) في الأسامي في بعض أحاديثه. (¬7) الكامل (7/ 2732). (¬8) انظر تهذيب الكمال (33/ 275). (¬9) الأنساب (2/ 450).

ابن ناشج بن دافع قال: وكثير من النساب قد نسبوا ابني دالان إلى أرحب، وهم لهم خلف، وهي من حاشد، ثم من وداعة. حكاه الرشاطي، وكذا أبا خالد فيمن ينسب هذه النسبة حكاه عن الدارقطني (¬1)، قال غيره (¬2): كان ينزل في بني دالان ولم يكن منهم. قال: وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة، أما حديث عائشة وابن مسعود فحديث واحد مختلف فيه على الأعمش، وقد ذكره الترمذي (3) في "علله". قال: حدثنا محمود بن غيلان: ثنا علي بن الحسن، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان ينام حتى ينفخ ثم يقول فيصلي ولا يتوضأ، وقال وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة عن النبي. مثله. قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقلت: أي الروايات أصحّ؟ فقال: يحمل عنهما جميعًا، ولا أعلم أحدًا من أصحاب الأعمش، قال: عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ إلا وكيعًا، وسألت عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: حديث الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أصحّ (¬3). وسئل عنه الدارقطني (¬4): فقال: يرويه الأعمش عن إبراهيم، واختلف عنه فرواه منصور بن أبي الأسود وأبو حمزة السكري وعبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. وخالفهم وكيع فرواه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. ورواه الحجاج بن أرطاة، واختلف ¬

_ (¬1) المؤتلف والمختلف (2/ 979) والإكمال (3/ 306) واللباب (1/ 488). (¬2) قاله ابن حبان في المجروحين (3/ 104) ونقله عنه السمعاني في الأنساب (2/ 450). (¬3) علل الترمذي الكبير (1/ 149 - 159). (¬4) العلل (5/ 167 - 168) برقم 799.

عنه فرواه أبو معاوية الضرير، عن حجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، وخالفه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. فرواه عن حجاج، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، ورواه منصور بن معتمر واختلف عنه فروى عن ورقاء، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. وخالفه شعبة وأبو عوانة: فروياه عن منصور، عن إبراهيم مرسلًا، وكذلك أرسله مغيرة، عن إبراهيم. وأشبهها بالصواب حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله (¬1). وروى النسائي (¬2) في الوضوء من النعاس، من حديث هشام عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نعس الرجل وهو يصلي، فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري". رواه عن بشر بن هلال، عن عبد الوارث، عن أيوب، عنه (2). وأما الوضوء من النوم ففيه حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ". رواه الإمام أحمد (¬3) وأبو (¬4) داود وابن (¬5) ماجه، وهذا لفظه وأخرجه البيهقي (¬6) من حديث بقية عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي. ¬

_ (¬1) العلل (5/ 167 - 168) برقم 799. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 107 - 108) برقم 162 باب النعاس. (¬3) المسند (1/ 111). (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 140) برقم 203 باب في الوضوء من النوم. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 161) برقم 477 باب الوضوء من النوم. (¬6) السنن الكبرى (1/ 118) والمعرفة (1/ 367) برقم 935 والخلافيات (2/ 128 - 129) برقم 391.

وكذلك أخرج (¬1) عن بقية أيضًا عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن معاوية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء". قال (¬2): ورواه مروان بن جناح، عن عطية بن قيس، عن معاوية موقوفًا، وروى هذا الحديث من طريق معاوية عبد الله بن أحمد، عن أبيه (¬3)، وجاءه في كتابه بخطه، وقال: وكان في المحنة قد ضرب على هذا الحديث في كتابه. ورواه الدارقطني (¬4). وقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن الطاهري، وعلى غيره، عن عبد الله بن عمر البغدادي سماعًا، أبنا أبو الوقت: ثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر: ثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه: ثنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العياش السمرقندي: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (¬5): ثنا محمد بن المبارك: ثنا بقية بن الوليد، عن أبي بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية بن قيس الكلاعي، عن معاوية بن أبي سفيان: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّما العينان وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء". قيل لأبي محمد عبد الله: تقول به؟ قال: لا، قال: إذا نام قائمًا ليس عليه الوضوء. وأما نوم القاعد ففي الصحيحين (¬6) من حديث ابن عمر: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أي البيهقي في السنن الكبرى (1/ 118). (¬2) أي البيهقي. (¬3) المسند (4/ 96 - 97). (¬4) السنن (1/ 160) برقم 2. (¬5) السنن (1/ 198 - 199) برقم 722. (¬6) صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة (1/ 195) برقم 570 باب النوم قبل العشاء لمن غلب، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 442) برقم 639 باب وقت العشاء وتأخيرها.

شغل عنها ليلة -يعني العشاء- فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم"، يعني العشاء الآخرة، وفيهما (¬1) من حديث ابن عباس: "أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس، واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا وذكر نفسه". وعند مسلم (¬2) عن أنس بن مالك قال: أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يناجيه حتى نام القوم، أو بعض القوم ثم صلوا. وفيه حديث الباب عند الترمذي (¬3) من طريق أنس بن مالك كما ذكرناه، ولفظه عند أبي (¬4) داود، عن أنس قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون". رواه من حديث هشام عن قتادة، زاد فيه شعبة عن قتادة. قال: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواه البيهقي (¬5) من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. قال: وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة (1/ 195) برقم 571 باب النوم قبل العشاء لمن غلب، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 444) برقم 642 باب وقت العشاء وتأخيرها. (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 284) برقم 376 باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء. (¬3) الجامع (1/ 113). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 137 - 138) برقم 200 باب في الوضوء من النوم. (¬5) السنن الكبرى (1/ 120).

وذكر أبو (¬1) الحسن بن القطان حديث أنس: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون، ثم قال: وهذا الحديث هو في كتاب مسلم (¬2) من رواية خالد بن الحارث، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس. وهو على هذا السياق، يحتمل أن ينزل على نوم الجالس، وعلى ذلك ينزله أكثر الناس، وفيه زيادة تمنع من ذلك رواها يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة، قال: قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد السلام الخشني: ثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة. فذكره. وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة (¬3). وروى الدارقطني (¬4) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نام جالسًا فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء". في إسناده يعقوب (¬5) بن عطاء، وقد ضعفه أحمد (¬6) ويحيى (¬7) مع ما في نسخة عمرو بن شعيب من الخلاف (¬8). ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 589). (¬2) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 284) برقم 376 باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء. (¬3) بيان الوهم والإيهام (5/ 589). (¬4) السنن (1/ 161) برقم 4. (¬5) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 211) برقم 882 وتهذيب الكمال (32/ 353 - 356) برقم 7097 وتهذيب التهذيب (4/ 445). (¬6) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (1/ 397) برقم 803. (¬7) الجرح والتعديل (9/ 211)، الكامل (7/ 2601). (¬8) انظر تهذيب الكمال (22/ 68 فما بعدها).

وروى البيهقي (¬1) من حديث حذيفة بن اليمان. قلت: كنت في مسجد المدينة جالسًا أخفق فاحتضنني رجل من خلفي، فالتفت فإذا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله هل وجب علي الوضوء؟ قال: "لا حتى تضع جنبك"، قال (¬2): وهذا الحديث تفرد به بحر (¬3) بن كنيز السقاء وهو ضعيف لا يحتج بروايته. وروى (¬4) بسند صحيح إلى شعبة عن سعيد الجريري، عن خالد بن علاق، عن أبي هريرة قال: "من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء". ثم روى من طريق ابن عليّة عن الجريري مثله. وقال: قال إسماعيل: قال الجريري: فسألناه عن استحقاق النوم فقال: هو أن يضع جنبه، وقد روى ذلك مرفوعًا ولا يصح رفعه (¬5). وقد تقدم حديث ابن عباس: بتّ عند خالتي ميمونة مخرجًا من الصحيح (¬6)، وهو من رواية سفيان، عن عمرو بن دينار، قالي سفيان: قلت لعمرو: إن ناسًا يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه. قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: "رؤيا الأنبياء وحي وقرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}. وقال سفيان: وهذا للنبي خاصة لأنه بلغنا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: تنام عينه ولا ينام ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 120). (¬2) أي البيهقي. (¬3) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 418) برقم 1655 وتهذيب الكمال (12 - 14) برقم 639 وتهذيب التهذيب (1/ 212 - 213). (¬4) أي البيهقي كما في السنن الكبرى (1/ 119). (¬5) السنن الكبرى (1/ 119). (¬6) صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/ 528) برقم 763 باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

قلبه، وقد أخرج الشيخان (¬1) من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة: قوله - صلى الله عليه وسلم - لها في حديث الوتر: "إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي". وروى ابن (¬2) أبي شيبة، عن ابن عمر: أنّه كان لا يرى على من نام قاعدًا وضوءًا. ومثله: عن أبي أمامة، وعن عمر بن الخطاب: من وضع جنبه فليتوضأ. وروى ابن سيرين، عن عبيدة، قال: هو أعلم بنفسه. وعن عطاء: من نام ساجدًا أو قائمًا أو جالسًا فلا وضوء عليه، فإن نام مضطجعًا فعليه الوضوء. وعن مغيرة، عن إبراهيم مثله. وعن عكرمة (¬3): أنّه كان لا يرى بأسًا بالنوم في القعود، ويكرهه في الاضطجاع، وعن هشام قال: رأيت ابن سيرين يخفق برأسه، ثم يقوم فيصلي، وعن الحكم وحماد: ليس عليه وضوء حتى يضع جنبه. وعن مقسم، عن ابن عباس قال: "وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين" (2). قال ابن (¬4) أبي شيبة: ثنا يحيى بن سعيد، عن طارق بياع النوى قال: حدثتني منيعة ابنة وقاص، عن أبيها: "أن أبا موسى كان ينام بينهن حتى يغط فننبهه فيقول: هل سمعتموني أحدثت فنقول: لا، فيقوم فيصلي". ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه كتاب التهجد (1/ 356) برقم 1147 باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل في رمضان وغيره، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة المسافرين وقصرها (1/ 506) برقم 738 باب صلاة الليل. (¬2) المصنف (1/ 132 - 133). (¬3) أثر عكرمة سقط من النسخة الهندية وهو موجود في نسخة حمد الجمعة ومحمد اللحيدان. (¬4) المصنف (1/ 133).

وعن طاوس أنه سئل عن الرجل ينام وهو جالس قال: إنما هو وكاء، فإذا ضيعته أي يقول: توضأ. وكذلك عن عكرمة وعن الحسن أنه يقول: من دخله النوم فليتوضأ. وعن سعيد بن المسيب والحسن: إذا خالط النوم عليه قائمًا أو جالسًا توضأ. وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إذا استثقل نومًا وهو قاعد توضأ (¬1)، وتخفق رؤوسهم -يريد يضطرب (¬2) -. والوكاء (¬3): هو الرباط الذي يشد به الشيء. والسه (¬4): لغة في الاست. وقد اختلف الناس في النوم هل هو حدث، أو سبب للحدث، أو ليس واحدًا منهما؟ على أقوال ثلاثة (¬5): • فمنهم من قال النوم حدث في نفسه ينقض الوضوء قليله وكثيره، وإلى أن ينقض الوضوء بكل حال؛ ذهب الحسن (¬6) البصري والمزني (¬7) وأبو عبيد القاسم (6) بن ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 133 - 134). (¬2) النهاية في غريب الحديث (2/ 56) خفق. (¬3) النهاية في غريب الحديث (1/ 193) تكأ. (¬4) النهاية في غريب الحديث (2/ 429) سه. (¬5) انظر بداية المجتهد (1/ 485) ط. دار الكتب العلمية وشرح صحيح مسلم (4/ 295) فالمصنف ينقل عنه. (¬6) الأوسط (1/ 146 - 147) وشرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 73). (¬7) شرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 74) ومعرفة السنن والآثار (1/ 366) فإن البيهقي أفرد بابًا مستقلًا أسماه اختيار المزني رحمه الله في مسألة الوضوء من النوم، وانظر المختصر له (1/ 16).

سلام وإسحاق (¬1) بن إبراهيم الحنظلي وهو قول غريب للشافعي (¬2). قال ابن (¬3) المنذر: وبه أقول. قال: وروي معناه عن ابن عباس (¬4) وأنس (4) وأبي (4) هريرة رضي الله عنهم، ومن حجة هؤلاء قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...} الآية. على أحد التأويلات فيها، لأنه تعالى أمر بالوضوء عند القيام من النوم إلى الصلاة، ولم يخص قومًا من قوم فحملوه على ظاهره (¬5). • ومنهم من قال: ليس بحدث، ولا بسبب الحدث ولا يجب الوضوء على من نام إلا بيقين الحدث الخارج، وهذا يحكى عن أبي (¬6) موسى الأشعري، كما قدمناه. وعن سعيد (¬7) بن المسيب وأبي مجلز لاحق (8) بن حميد والأعرج (8) وشعبة (¬8). ويشبه أن يكون من ذهب هذا المذهب صار إلى حديث ابن عباس: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ميمونة، فنام عندها حتى سمعنا غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ" (¬9). ¬

_ (¬1) الأوسط (1/ 146 - 147) وشرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 73). (¬2) المجموع شرح المهذب (1/ 14). (¬3) الذي في الأوسط (1/ 153): وأسعد الناس بهذا القول من قال ليس على من نام مضطجعًا وضوء حتى يوقن بحدث غير النوم. وانظر شرح صحيح مسلم (4/ 295) فإن المصنف ينقل عنه وفي الإقناع له (1/ 46) ما يشير إلى ما نقله المصنف حيث قال ابن المنذر: "الذي يوجب الوضوء ... والنوم وإن قل على أي حال كان النوم". (¬4) الأوسط (1/ 144 - 145). (¬5) الأوسط (1/ 143). (¬6) الأوسط (1/ 153 - 154). (¬7) الأوسط (1/ 155). (¬8) شرح صحيح مسلم (4/ 295). (¬9) وقد تقدم.

ويرد هذا القول الآية على التأويل الذي ذكرناه آنفًا على تأويل من رأى أن المأمورين القائمون من النوم، والمعنى عندهم إذا قمتم إلى الصلاة، وقد نمتم، وإليه ذهب زيد (¬1) بن أسلم، وعلماء المدينة وعندهم في ذلك آثار يأثرها خالفهم عن سالفهم، ويرده أيضًا قوله - عليه السلام -: "العينان وكاء السه". وقد تقدّم، ويتأول حديث ابن عباس على أنه خاص بالنبيّ - عليه السلام - في أنه تنام عينه ولا ينام قلبه، وقد سبق. • وذهب الجمهور إلى أنه سبب الحدث، فمنه ما ينقض الوضوء، ومنه ما لا ينقضه، ثم اختلفوا فيما ينقض منه على مذاهب يرجع إلى الحالات والهيئات التي يكون معها خروج الحدث غالبًا، فينقض أو لا يكون قد ينقض. قال القاضي أبو بكر (¬2) بن العربي رحمه الله تعالى: تتبع (¬3) علماؤنا مسائل النوم المتعلقة بالأحاديث الجامعة لتعارضها فوجدوها إحدى عشر حالًا: الأول: أن ينام ماشيًا. الثاني: أن ينام قائمًا. الثالث: أن ينام مستندًا. الرابع: أن ينام راكعًا. الخامس: أن ينام قاعدًا متربعًا. السادس: أن ينام محتبيًا. ¬

_ (¬1) الموطأ (1/ 21) وتفسير ابن جرير (10/ 12). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 90). (¬3) في العارضة سمع.

السابع: أن ينام (¬1) متكئًا. الثامن: أن يكون راكبًا. التاسع: أن يكون ساجدًا (¬2). العاشر: أن يكون مضطجعًا. الحادي عشر: أن يكون مستقرًا. وأما الماشي والقائم؛ فقال أبو عبد الله الأيلي البصري المالكي: لا وضوء عليهما، وكذلك قال غيره: لأن الوكاء لم ينحل لبقاء الاستشعار، وإليه أشار ابن حبيب قال: وقد يمكن أن ينكر بعض الناس نوم الماشي والقائم. ولكن من طال سفره وتوالى سراه وسيره يرى نوم الماشي عيانًا أو يجده في نفسه يقينًا. وأما المستند؛ فهو مثله لأنه ينام بزيادة اعتماد، لا يمكن معه الثبوت عند غلبة النوم، وأما الراكع؛ فروي عن مالك أنه يجب عليه الوضوء، لأن مخرج الحدث منفرج، فيسرع خروج الريح أو الصوت من غير حس، فكان كالساجد. وقال ابن حبيب: لا وضوء عليه لأن معه ضربًا من التماسك، بخلاف الساجد (¬3). وقال الشيخ محيي (¬4) الدين النووي رحمه الله تعالى: إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في ¬

_ (¬1) في العارضة أن يكون. (¬2) الأصل سادجًا، وكتب في حاشية ابن العجمي: لعله ساجدًا. (¬3) عارضة الأحوذي (1/ 90). (¬4) شرح صحيح مسلم (4/ 295).

الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهذا مذهب أبي حنيفة وداود، وهو للشافعي غريب، وحكي عن أحمد أنه لا ينقض الوضوء إلا نوم الراكع والساجد. وروي عنه أيضًا: لا ينتقض إلا نوم الساجد (¬1). قال القاضي أبو (¬2) بكر: وأما الجالس فلا وضوء عليه، إلا أن يطول. قاله مالك في "المختصر"، وابن حبيب، وقال عنه ابن القاسم وعلي وابن نافع: إن استثقل نومًا أحب إلي أن يتوضأ، والقولان متقاربان ولعل الحديث محمول في نوم الصحابة قعودًا على عدم الطول والاستثقال وقيل أن يطول نوم القاعد فيستغرق فيثبت قاعدًا وقد قال عنه ابن القاسم في "العتبية": من نام ساجدًا وطال ذلك، فأحب إلي أن يتوضأ، قيل له: فقاعدًا؟ قال: لا يتوضأ، ومن الناس من ينام في المساجد (¬3) قاعدًا، فأما في يوم الجمعة فلا شيء فيه. قيل له: ربما رأى الرؤيا؟ قال: وتلك أحلام يعني أنها حديث نفس، وليست برؤيا، وحديث النفس يكون مع السِّنة، كما يكون مع اليقظة، ويحتمل أن يكون عذره يوم الجمعة خاصة لأجل ما شرع فيه من التبكير فيطول الانتظار. وأما المحتبي؛ فهو أخف حالًا من الجالس (¬4)، قاله مالك في "المختصر"، وقال عنه علي في "المجموعة": وقد كان شيوخنا ينامون جلوسًا ولا يتوضؤون، وأكثر ذلك يوم الجمعة، قال عنه ابن نافع: إلا أن يطول ذلك. قال عنه ابن القاسم: إلا ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (4/ 295). (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 90). (¬3) في العارضة في المسجد. (¬4) في العارضة من الحالتين.

المحتبي، معناه فإنه لا يطول نومه، ولو طال لانحلت الحبوة في -لعلها (¬1) في الغالب-. قلت: وفي نوم المحتبي لأصحابنا (¬2) ثلاثة أوجه، تفرق في الثالث بين أن يكون نحيف البدن أو لحيمه، فإن كان نحيفًا بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض، وإلا لم ينتقض. وأما المتكئ (¬3)؛ فأجراه مالك مجرى الجالس، وأجراه ابن (¬4) القاسم، وابن حبيب مجرى المضطجع (¬5). قاله أبو عبد الله الأيلي. قال ابن العربي: أخبرني بذلك كله شيخنا أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الزاهد، وأملاه علي. وأما الراكب؛ فحكمه حكم الجالس المستند اللاصق بالأرض بموضع الحدث. قال ابن حبيب: وليس في نوم القائم والراكب والراكع والجالس غير مستند وضوء. وأما الساجد؛ فروى ابن أبي أويس وابن عبد الحكم أنه كالمضطجع مطلقًا من غير شرط يقارنه (¬6)، قال: وأما المضطجع فيتوضأ: إلا أن ابن أبي زيد قال في "النوادر": من نام مضطجعًا، فلم يستثقل، ولا ذهب عقله، فلا وضوء عليه، وفعله ¬

_ (¬1) في العارضة في مجرى العادة. وهو معنى ما فسره المصنف بقوله لعلها في الغالب. (¬2) شرح النووي على مسلم (4/ 296). (¬3) رجع إلى كلام القاضي أبي بكر العربي. (¬4) في العارضة أشهب بدل ابن القاسم. (¬5) وفي العارضة بعد قوله المضطجع: لاسترخاء مفاصله، فإن كان اتكاؤه بحيث ينفرج موضع الحدث كان كالمضطجع قاله أبو عبد الله الأيلي. (¬6) عارضة الأحوذي (1/ 90 - 91) ثم انتقل المصنف إلى كلام آخر لابن العربي تاركًا قدر سبعة أسطر طالبًا للاختصار.

مكحول حتى غط ولم يتوضأ، وقال: أنا أعلم ببطني (¬1). وأما المستقر؛ فذكره أبو المعالي الجويني وقال: لا وضوء عليه، وهو صحيح خارج عن المذهب لأن النوم ليس بحدث بعينه، وإنما هو معنى يظهر معه وجود (¬2) الحدث، فإذا سد في وجه ذلك المعنى وتوثق من الوكاء للمخرج بعد أن يكون منه القاضي أبو بكر، إلا أن يكون دائمًا كثيرًا. فربما زهقت منه ريح خفيفة لا يشعر بها (¬3). قول القاضي عن كلام أبي المعالي، وهو صحيح خارج عن المذهب يعني صحيحًا من حيث النظر خارجًا عن ما نقل أصحابه حكمه. وذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن كثير النوم ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بحال (¬4). وحكي عن الشافعي أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة. وحكاه الشيخ محيي (¬5) الدين رحمه الله، وقال: وهو قول ضعيف للشافعي، والمعروف عنه؛ إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض سواء قل أو كثير، سواء كان في الصلاة أو خارجها، وتعليله ظاهر: إذا قلنا إن النوم في نفسه ليس حدثًا، وإنما هو مظنة لخروج الحدث (¬6). واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر وما أشبهه أو البنج أو الدواء كله ينقض الوضوء سواء قل أو كثير، وسواء كان ممكن المقعدة أو ¬

_ (¬1) العارضة (1/ 91) وترك كذلك المصنف كلامًا قدر أربعة أسطر وانتقل إلى قوله وأما المستقر. (¬2) في العارضة خروج بدل وجود. (¬3) العارضة (1/ 90 - 91). (¬4) شرح صحيح مسلم (4/ 295). (¬5) شرح صحيح مسلم (4/ 295). (¬6) شرح صحيح مسلم (4/ 295 - 296).

غير ممكنها (¬1). قال الشافعي والأصحاب: لا ينقض الوضوء بالنعاس، وهو السنة. قالوا: وعلامة النوم أن فيه غلبة على العقل، وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس. وأما النعاس فلا يغلب على العقل، وإنما تفتر فيه الحواس من غير سقوط، ولو شك هل نام (¬2) أو نعس، فلا وضوء عليه، ويستحب أن يتوضأ، ولو تيقن النوم، وشك هل نام ممكن المقعدة قبل الانتباه انتقض وضوءه، ويستحب له أن يتوضأ ولو نام جالسًا، ثم زالت أليتاه، أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه لأنه مضى عليه لحظة وهو نائم غير ممكن المقعدة، وإن زالت بعد الانتباه أو معه شك في وقت زوالها، لم ينتقض وضوءه، ولو نام ممكنًا مقعدته من الأرض مستندًا إلى حائط أو غيره لم ينتقض وضوءه، سواء بحيث لو وقع الحائط سقط أو لم يكن (¬3). * * * ¬

_ (¬1) المصدر السابق (4/ 296). (¬2) في شرح صحيح مسلم (4/ 296) عبارة بعدها وكأن المصنف اختصر الكلام. (¬3) شرح صحيح مسلم (4/ 296) بتصرف.

58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار حدثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوضوء مما مست النار ولو من ثَوْرِ أَقِط. قال: فقال له ابن عباس: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا سمعت حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تضرب له مثلًا. قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى. قال أبو عيسى: وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما مست النار (¬1). * الكلام عليه: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم (¬2) في "صحيحه": بلفظ: "الوضوء مما مست النار". ومحمد (¬3) بن عمرو مما انفرد به عن البخاري، وقد تقدم الكلام عليه، وكذلك حديث زيد بن ثابت عن مسلم (¬4) أيضًا، ولفظه لفظ حديث أبي هريرة سواء. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 114 - 116). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (3/ 266 بشرح النووي) برقم 786 باب الوضوء مما مست النار بلفظ توضأوا مما مست النار. (¬3) روى له البخاري مقرونًا بغيره ومسلم في المتابعات واحتج به الباقون، انظر تهذيب الكمال (26/ 218). (¬4) في صحيحه كتاب الحيض (3/ 265) برقم 785 باب الوضوء مما مست النار.

وحديث أبي طلحة عند النسائي (¬1) من حديث شعبة عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو، عنه. رواه عن عبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله قالا: أخبر محمد بن عمار عن شعبة. وقال ابن (¬2) أبي شيبة أيضًا: ثنا عفان قال: ثنا همام قال: قيل لمطر الوراق وأنا عنده: عمّن أخذ الحسن أنه كان يتوضأ مما مست النار؟ فقال: أخذه عن أنس، وأخذه أنس عن أبي طلحة. وأخذه أبو طلحة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أبي أيوب عند النسائي (¬3) من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو قال: قال محمد القاري، عن أبي أيوب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضؤوا مما غيّرت النار". رواه عن عمرو بن علي ومحمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عنه. وحديث أم حبيبة: قال ابن (¬4) أبي شيبة: ثنا ابن (¬5) نمير قال: ثنا عثمان بن حكيم، عن الزهري، عن أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس: أنه دخل على خالته أم حبيبة، فسقته شربة من سويق، ثم قالت: يا ابن أختي توضأ! فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضؤوا مما مست النار". ورواه النسائي (¬6)، عن هشام بن عبد الملك: ثنا محمد بن حرب: ثنا الزبيدي، عن الزهري. ورواه من طريق آخر (¬7). ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 115) باب الوضوء مما غيرت النار برقم 177. (¬2) المصنف (1/ 51). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 114) برقم 176 باب الوضوء مما غيرت النار. (¬4) المصنف (1/ 50 - 51). (¬5) تصحفت في المطبوع إلى أبي. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 115) برقم 180 باب الوضوء مما غيرت النار. (¬7) السنن كتاب الطهارة (1/ 115 - 116) برقم 181 باب الوضوء مما غيرت النار.

وحديث أم سلمة: قرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد، أخبركم ابن خليل سماعًا: ثنا ابن أبي زيد: ثنا محمود بن إسماعيل الصيرفي: ثنا ابن فاذشاه: ثنا الطبراني: ثنا المعمري: ثنا عمرو بن عثمان قال: ثنا أبي ح. وثنا أبو الزنباع: ثنا يحيى بن بكير: قالا ثنا عبد الله بن أبي السمح، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية، عن أم سلمة: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "توضؤوا مما مست النار" أخرجه الطبراني (¬1) في "معجمه الكبير"، وفيه إلى الطبراني (¬2): ثنا أحمد بن عمرو الخلال: ثنا يعقوب بن حميد: ثنا عبد العزيز عن محمد عن طحلاء، عن أبي سلمة، عن أم سلمة: "أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ مما مست النار". وحديث زيد (¬3) بن ثابت، وفي الباب مما لم يذكره حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوضوء مما مست النار". وهو عند مسلم (¬4). الثور (¬5) جملة مجموعة من طعامه، وقد أضيف إلى الأقط، والأقط (¬6) لبن حامض، يؤخذ مصله أولًا فأولًا، حتى يبقى الثخين منه ثم يخلط فيه شيء من دقيق ويجفف في الشمس ويؤكل. وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما ممست النار، وممن ذهب إلى ذلك ابن عمر وأبو ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (23/ 301) برقم 675. (¬2) المعجم الكبير (23/ 387) برقم 924. (¬3) قال ابن العجمي في هامش المخطوط: لم يخرج حديث زيد بن ثابت. قلت: وهو في صحيح مسلم كتاب الحيض (3/ 265) برقم 785 باب الوضوء مما مست النار. (¬4) في صحيحه كتاب الحيض (3/ 266) برقم 787 باب الوضوء مما مست النار. (¬5) النهاية في غريب الحديث (1/ 228). (¬6) النهاية (1/ 57).

طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو عزة الهذلي وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز لاحق بن حميد وأبو قلابة ويحيى بن يعمر والحسن البصري والزهري (¬1). وسنذكر عن أبي طلحة خلاف هذا في الباب بعد هذا، وذهب أكثر أهل العلم إلى ترك الوضوء مما مست النار، ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما سيأتي في الباب بعد هذا، وانفصل القائلون بترك الوضوء عن هذه الأحاديث بوجهين: • الأول: دعوى النسخ فيها بحديث جابر الآتي في الباب بعد هذا، وما في معناه. • الثاني: حمل الوضوء على الوضوء اللغوي (¬2) من غسل اليد والنظافة، لا على الوضوء الشرعي حملًا للكلام على حقيقته اللغوية لا على العرف الشرعي، وفيه نصوص لا تقوى وهو مرجوح في الأصول. قالوا: ولو أراد وضوء العبادة لبينه، ويقال: كما قال في الماء من الماء، من جامع ولم ينزل فليتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره وهذا غير لازم لأن ما وقع الأمر فيه بطلب الوضوء لإرادة الوضوء للعبادة، ولم يتبيّن فيه هذا الشأن أضعاف ما ورد فيه. كذلك قال الشيخ محيي (¬3) الدين، ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه بعد حكايته الخلاف كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء مما مست النار والله أعلم. انتهى. ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 266). (¬2) انظر الاستذكار (2/ 148). (¬3) شرح صحيح مسلم (3/ 266).

وأقل ما عليه في هذا الخلاف في الوضوء من لحم الجزور، فهو مما دخل تحت قوله مما مسته النار، وهو نقضه قد حكى انتقاض الوضوء به عن أحمد (¬1) وإسحاق (1) ويحيى (1) بن يحيى وأبي (¬2) بكر بن المنذر وابن (¬3) خزيمة وغيرهم كما سيأتي في بابه بعد هذا. اللهم إلا أن يكون الوضوء من لحم الجزور معللًا بكونه لحم الجزور، لا بكونه مسته النار، فلو أكل لحم الجزور قديدًا لتوضأ، فقد ذهب بعضهم إلى التعليل بذلك كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى وكان الزهري (¬4) يرى أحاديث الوضوء مما مست النار هي الناسخة لترك الوضوء مما مست النار. قال البيهقي (¬5): وقد ورد (¬6) في حديث آخر ما يوهم أن يكون الناسخ إيجاب الوضوء منه، أخبرنا به أبو علي الروذباري: ثنا أبو النضر الفقيه: ثنا عثمان بن سعيد: ثنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث بن سعد: حدثني زيد بن جبيرة بن محمود بن أبي جبيرة الأنصاري من بني عبد الأشهل عن أبيه جبيرة بن محمود، عن سلمة بن سلامة بن وقش -وكان آخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يكون أنس بن مالك فإنه بقي بعده، أنهما دخلا وليمة، وسلمة على وضوء، فأكلوا ثم خرجوا فتوضأ سلمة، فقال له جبيرة: ألم تكن على وضوء قال: بلى ولكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا من دعوة دعينا لها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وضوء فأكل ثم توضأ، فقلت له: ألم تكن على وضوء يا رسول الله؟ قال: بلى ولكن الأمور ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (3/ 266) والاستذكار (2/ 150). (¬2) ... (¬3) صحيح ابن خزيمة (1/ 21) برقم 31، 32. (¬4) الاستذكار (2/ 146). (¬5) السنن الكبرى (1/ 156). (¬6) في السنن الكبرى وقد روي.

تحدث، وهذا مما حدث (¬1). وروى (¬2) به من طريق أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة فألقاها والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ. قال الزهري: فذهبت تلك في الناس ثم أخبر (¬3) رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونساء من أزواجه: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "توضؤوا مما مست النار" (¬4). وذهب آخرون إلى التفرقة بين لحم الجزور وغيره مما مست النار، فأوجبوا الوضوء على من أكله دون غيره. كما سيأتي في بابه بعد هذا إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 156 - 157). (¬2) أي البيهقي. (¬3) أخبرنا هكذا في السنن الكبرى. (¬4) السنن الكبرى (1/ 157).

59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار حدثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل: سمع جابرًا قال: سفيان: وحدثنيه محمد بن المنكدر، عن جابر قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب، فأكل منه ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة من علالة المثاة، فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ". قال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح حديث أبي بكر الصديق في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مِصَكّ، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر الصديق، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والصحيح إنما هو عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رواه الحفاظ. رُوي من غير وجه عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس. وغير واحد عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم يذكروا فيه عن أبي بكر وهذا أصح. وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة. قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول؛ حديث الوضوء مما مست النار (¬1). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 116 - 120).

* الكلام عليه: حديث جابر هذا سكت عنه، وعبد (¬1) الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به، وتقدم الكلام عليه، ولذلك أردفه (¬2) بمحمد بن المنكدر، عن جابر، عن طريق حجاج، عن ابن جريج، عنه قال: ثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي: ثنا حجاج. وقال أبو (¬3) داود أيضًا: ثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي: ثنا علي بن عياش: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار، قال (¬4): وهذا اختصار من الحديث الأول. وقال ابن (¬5) أبي شيبة: ثنا هشيم: ثنا علي بن زيد (¬6): ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال: "أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزًا ولحمًا فصلوا ولم يتوضؤوا". فرجال هذا الخبر عند الترمذي رجال الصحيح، بمتابعة ابن المنكدر ابن عقيل، وقد روي من غير وجه، وثبتت له شواهد في الصحيح، عن غير جابر فلا مانع من القول بصحته، وقد صحح ابن (¬7) حبان حديث جابر من طريق شعيب بن أبي حمزة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 153 - 154) برقم 706 وتهذيب الكمال (16/ 78 - 85) وتهذيب التهذيب (2/ 424 - 426). (¬2) وهذا صنيع أبي داود في سننه لا كما يوهمه كلام المصنف أنه من صنيع الترمذي وقد يكون خطأ من النساخ إذ وقع تقديم وتأخير في الكلام وانظر سنن أبي داود (1/ 133) برقم 191 وهو في المسند (1/ 153) برقم 77. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 192 باب في ترك الوضوء مما مست النار. (¬4) أي أبو داود. (¬5) المصنف (1/ 47). (¬6) وقع في الطبعة الهندية يزيد بدل زيد وهو خطأ. (¬7) صحيح ابن حبان (3/ 416 - 417) الإحسان برقم 1134.

الذي ذكرناه من طريق أبي داود. وحديث أبي بكر الذي أشار إليه، سئل الشيخ أبو (¬1) الحسن الدارقطني عن حديث ابن عباس، عن أبي بكر الصديق: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهش (¬2) كتفًا وصلى ولم يتوضأ". فقال: يرويه حسام بن مصك، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر. قاله موسى بن داود، وزيد بن الحباب عنه، وخالفه أيوب السختياني وهشام بن حسان وأشعث بن سوار وغيرهم (¬3) فرووه عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم يذكروا فيه أبا بكر، وهم أثبت من حسام، والقول قولهم (¬4). ولأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الباب حديث آخر: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يتوضأن رجل من طعام أكله حل له أكله". ذكره أبو بكر البزار (¬5)، ولا يثبت، في إسناده عمرو (¬6) بن أبي المقدام، وهو ضعيف جدًّا. وحديث ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ" مخرج في الصحيحين (¬7). ¬

_ (¬1) العلل (1/ 211 - 212) برقم 18. (¬2) وفي العلل نهس، والنهس أخذ اللحم بأطراف الأسنان، والنهش الأخذ بجميعها. انظر النهاية (5/ 136). (¬3) منهم أيوب. (¬4) العلل (1/ 211 - 212). (¬5) المسند (1/ 152 كشف الأستار) برقم 293 وقال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد وابن أبي المقدام كان يتشيع ولم يترك حديثه لذلك. (¬6) وهو عمرو بن ثابت، مولى بكر بن وائل، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 223) برقم 1239، وتهذيب الكمال (21/ 553 - 559) برقم 4333 وتهذيب التهذيب (3/ 258 - 259). (¬7) صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 87) برقم 207 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 354 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

وحديث أبي هريرة رواه البيهقي (¬1) من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ". قال (¬2): ورواه عبد العزيز بن مسلم، عن سهيل فقال في الحديث: "أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثور أقط، فتوضأ، وأكل كتفًا ولم يتوضأ" (¬3). رواه بإسناد جيد (¬4) قال: ثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ: ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله: ثنا محمد (¬5) بن إسحاق بن خزيمة: ثنا أحمد بن عبدة الضبي: ثنا الدراوردي. وحديث ابن مسعود (¬6)، وحديث أبي (¬7) رافع وعمرو (¬8) بن أمية الضمري وميمونة وابن عباس وقد تقدم حديث ابن عباس. فحديث ميمونة لم يذكره ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 156). (¬2) أي البيهقي. (¬3) السنن الكبرى (1/ 156). (¬4) قوله رواه بإسناد جيد هذا من كلام المصنف رحمه الله. (¬5) انظر صحيح ابن خزيمة (1/ 27) برقم 42. وقد قال ابن العجمي في هامش نسخته: هكذا رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان في "صحيحه" عن ابن خزيمة. (¬6) قلت حديث ابن مسعود أخرجه أحمد في مسنده (1/ 400) وأبو يعلى في مسنده (9/ 182) برقم 5274 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 251) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون". قلت: وفاته أن ينبه على الانقطاع الذي بين عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وبين ابن مسعود رضي الله عنه. (¬7) قلت هو في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 48) ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 274) برقم 357 باب نسخ الوضوء مما مست النار. (¬8) حديث عمرو بن أمية أخرجه الشافعي في الأم (1/ 17) وفي المسند (1/ 36) برقم 96 والطيالسي في المسند (1/ 177) وهو في البخاري كتاب الوضوء (1/ 87) برقم 208 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 355 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

الترمذي. قال مسلم (¬1) رحمه الله في "صحيحه"، فقال عطفًا على حديث ذكره من طريق ابن (¬2) عباس رضي الله عنه: وحدثنا محمد بن الصباح قال: ثنا إبراهيم بن سعد قال: ثنا الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: "أنّه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز كتف يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ". وحدثني أحمد بن عيسى قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة فأكل منها، فدعي إلى الصلاة، فقام وطرح السكين، وصلى ولم يتوضأ". قال ابن شهاب: وحدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عمرو: وحدثني بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنّ النبي أكل عندها كتفًا، ثم صلى ولم يتوضأ". قال عمرو: وحدثني جعفر بن ربيعة، عن يعقوب بن الأشج، عن كريب، عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. قال عمرو: وحدثني سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عبيد الله، بن أبي رافع، عن أبي غطفان، عن أبي رافع قال: "أشهد لكنت أشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ" (¬3). وحديث (¬4) أم عامر فأما حديث أم الحكم كذا رأيته في كتاب الترمذي، ولم ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 355 باب نسخ الوضوء مما مست النار. (¬2) برقم 354. (¬3) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 273 - 274) برقم 355 - 356 - 357 باب نسخ الوضوء مما مست النار. (¬4) حديث أم عامر رضي الله عنها عند أحمد في المسند (6/ 372 و 373).

أدر ما هو والذي رأيت عند غيره. قال ابن (¬1) أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أم حكيم -ابنة الزبير (بن عبد المطلب بن هاشم أخت ضباعة بنت الزبير، كانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أسلمت وهاجرت، روى عنها ابنها ابن أم حكيم، وروى عنها أيضًا عبد الله بن الحارث بن نوفل) (¬2) -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ضباعة بنت الزبير فنهش عندها كتفًا، ثم صلى ولم يتوضأ". وأما حديث أم عامر فقال أبو (¬3) عمر: أم عامر بنت سعيد بن السكن الأنصارية الأشهلية، وذكر خلافًا في نسبها، ثم قال: وقيل اسمها فكيهة، قال (¬4): وكانت أم عامر من المبايعات، من حديثها: "أنها أتت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعرق فتعرقه وهو في مسجد بني عبد الأشهل، ثم قام يصلي ولم يتوضأ" (¬5). وأما حديث سويد بن النعمان فرواه البخاري (¬6) من حديث مالك عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة: أن سويد بن النعمان أخبره: "أنه ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 49) وفيه أم حكيم ابنة الزبير وهو في المسند (6/ 371) و (6/ 419) من حديث ضباعة بنت الزبير أخت أم حكيم وأبو يعلى في مسنده (13/ 73) وفيه أم الحكم عن أختها ضباعة رضي الله عنهما والطبراني في الكبير (25/ 84) برقم 213 - 217 وانظر تحفة الأشراف (13/ 76 - 77) ففيه فصل مهم في أم حكيم وأطراف مسند الإمام أحمد (9/ 385 - 386) برقم 12536 والإصابة (8/ 380 - 381) برقم 11986 ط. دار الكتب العلمية وتهذيب التهذيب (4/ 694). (¬2) ما بين قوسين زيادة توضيح من المصنف. (¬3) الاستيعاب (4/ 1944). (¬4) الاستيعاب (4/ 1787) حيث ذكرها في باب الأسماء. (¬5) الاستيعاب (4/ 1944 - 1945). (¬6) في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 87 - 88) برقم 209 باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ.

خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي أدنى خيبر، صلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به، فثري فأكل، وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ". رواه النسائي (¬1) وهذا لفظه. وقال النسائي (¬2): ثنا محمد بن مسلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك ... فذكره. وأما حديث أم سلمة فعند النسائي (¬3) أيضًا: ثنا محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفًا (¬4) فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء" (¬5). ورواه من طريقها أيضًا بسند آخر عنها: أنّها قربت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جنبًا مشويًا، فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ (¬6). وفي الباب مما لم يذكره عن المغيرة بن شعبة، قال: أبو (¬7) بكر بن أبي شيبة: ثنا عفان: ثنا عبيد الله بن إياد قال: حدثني إياد، عن سويد بن سرحان، عن المغيرة بن شعبة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل طعامًا ثم أقيمت الصلاة وقد كان توضأ قبل ذلك، فأتيته بماء ليتوضأ، فانتهرني وقال: وراءك، ولو فعلت ذلك فعل ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 117) برقم 186 باب المضمضة من السّويق. (¬2) المصدر السابق. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 116) برقم 182 باب ترك الوضوء مما غيرت النار. (¬4) زاد في النسائي وجاءه بلال. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 116) برقم 182 باب ترك الوضوء مما غيرت النار. (¬6) المصدر السابق برقم 183. (¬7) المصنف (1/ 48).

الناس بعدي". وسيأتي خبر المغيرة بعد هذا مبسوطًا أكثر من هذا إن شاء الله تعالى. وحديث عائشة: رواه البيهقي (¬1) في سننه، وذكره ابن (¬2) أبي شيبة في "المصنف"، قال: ثنا حسين، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، وعكرمة، عن عائشة: "أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يمر بالقدر، ويتناول منها العرق فيصيب منه، ثم يصلي ولم يتوضأ، ولم يمس ماء". وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي: قال أبو (¬3) داود: ثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين، قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: لقد رأيتني سابع سبعة، أو سادس ستة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار رجل، فمر بلال فناداه بالصلاة، فخرجنا فمررنا برجل وبُرمته على النار؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أطابت برمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه. وحديث محمد بن مسلمة: فرواه البيهقي (¬4) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي: ثنا عن عبد الرحمن بن المبارك، ثنا قريش بن حيان العجلي: ثنا يونس بن أبي خالد، عن محمد بن مسلمة قال: "أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ، وكان آخر أمريه". ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 154). (¬2) المصنف (1/ 50). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 133 - 134) برقم 193. (¬4) السنن الكبرى (1/ 156).

وفيه عن كثير الأزدي؛ قال أبو (¬1) عمر في كتاب "الصحابة": "كثير الأزدي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل طعامًا مسته النار ثم صلى ولم يتوضأ". روى عنه عقبة بن مسلم التجيبي، سكن كثير هذا مصر، ويعد في أهلها. انتهى. وحديثه هذا مختلف فيه؛ ذكر الحربي كثيرًا هذا فيمن أحل مصر، وذكر له هذا الحديث من رواية حيوة عن عقبة. وقال: هكذا روى حيوة والمشهور عن عقبة، عن عبد الله بن الحارث: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - .... وذكر ابن (¬2) يونس كثيرًا هذا فيمن نزل مصر من الصحابة، وقال: روى عنه عقبة بن مسلم النخعي. والحديث معلول. وقال ابن (¬3) السكن: حديث كثير هذا صحيح، رواه أهل مصر: ثنا أبو (¬4) داود السجستاني: ثنا أحمد بن صالح، وابن السرح قالا: ثنا ابن وهب. سمعت حيوة بن شريح يقول: سألت عقبة بن مسلم التجيبي عن الوضوء مما مست النار فقال: إن كثيرًا وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع له طعام فأكلنا، ثم أقيمت الصلاة فصلينا ولم يتوضأ". قال أبو علي، والعلم (!) روى كثير هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: ذكره البغوي وأورد له هذا الحديث. وانظر الاستيعاب (3/ 1309) برقم 2180، معجم الصحابة لابن قانع (2/ 385) برقم 935 والتاريخ الكبير للبخاري (7/ 205) برقم 898 ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2392) برقم 2525 وأسد الغابة (4/ 432) برقم 4423 والإصابة (5/ 429) برقم 7398. (¬2) انظر الإصابة (5/ 429). (¬3) المصدر السابق. (¬4) ولم أهتد إليه في سننه بعد البحث والتفتيش.

انتهى. رجاله كلهم ثقات: عقبة (¬1) وثقه الكوفي (¬2). ولا نعلم فيه جرحًا، ومن عداه مخرج له في الصحيح. وفيه عن بسرة بنت صفوان معلول، سئل عنه الدارقطني فقال: يرويه الزهري، واختلف عنه؛ فرواه أبو كرز عن الزهري، عن ابن المسيب، عن بسرة به وهم فيه. والصحيح عن الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه. قال البرقاني (¬3): سألته عن أبي كرز هذا؟ قال: هو قاضي الموصل عبد الله بن عبد الملك الفهري. قلت: ثقة؟ قال: لا ولا كرامة. وقال البيهقي (¬4): وفي الباب عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ورافع بن خديج. وفيه عن البيهقي (¬5) من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل أنه قال: "ليس في الوضوء من الرعاف والقيء ومسك الذكر وما مست النار بواجب، فقيل له: إن أناسًا يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: توضؤوا مما مست النار، فقال: إن قومًا سمعوا ولم يعوا، كذا نسمي غسل اليد والفم وضوءًا، وليس بواجب، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 316) برقم 1757 وتهذيب الكمال (20/ 222) برقم 3987 وتهذيب التهذيب (3/ 127). (¬2) معرفة الثقات (2/ 143) برقم 1265. (¬3) تاريخ بغداد (10/ 45) برقم 5175 وليس هو في السؤالات وإنما فيه أن عبد الله بن كرز مجهول (39) برقم 244. (¬4) السنن الكبرى (1/ 155) وعبارته: "وفي الباب عن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وسويد بن النعمان ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ورافع بن خديج وغيرهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬5) السنن الكبرى (1/ 141 - 142).

إنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههم مما مست النار، وليس بواجب". رواه من جهة مطرف بن مازن. وقال مطرف (¬1): تكلموا فيه. وفيه عن أبي سعيد الخدري: روى أبو الشيخ في "فوائد الأصبهانيين" من حديث الحكم: هو ابن يوسف، عن زفر، عن أبي حنيفة، عن داود بن عبد الرحمن، عن شرحبيل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أكل عندهم لحمًا مشويًا، ثم غسل يديه، ثم صلى ولم يتوضأ". وفيه عن ضباعة بنت الزبير، وقد ذكرنا حديث أختها أم حكيم، ويوشك أن يكون حديثًا واحدًا، اختلفت طرقه، ووقع في هذا الخبر، فدخل على امرأة من الأنصار، وقد وقع في خبر ذكره الحازمي (¬2) من طريق الزهري، عن عبد الله بن محمد رجل من قريش، عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أهل سعد بن الربيع .... الحديث" وسيأتي. والقناع (¬3): الطبق، والعلالة (¬4): البقية. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة كما ذكرنا في الباب قبل هذا، وجمهور العلماء على أن أحاديث ترك الوضوء مما مست النار هي الناسخة، وكان ابن شهاب يراها النسوخة، وحكى نحوه عن أبي (¬5) هريرة. قال أبو (¬6) عمر رحمه الله: وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه، وقد ناظره ¬

_ (¬1) انظر الجرح والتعديل (8/ 314) برقم 1452 والتاريخ الكبير (7/ 398) برقم 1737. (¬2) الاعتبار (106) ط. المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز. (¬3) النهاية في غريب الحديث (4/ 115) ق ن ع. (¬4) النهاية (3/ 291) علل. (¬5) المصدر السابق. (¬6) التمهيد (3/ 332).

أصحابه في ذلك، وقالوا: كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون، فأجابهم بأن قال: أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه. قال (¬1): وأظن يعني ابن شهاب كان يقول: إن أمهات المؤمنين لا يخفى عليهنّ الآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم -. فبهذا استدل والله أعلم على أن الناسخ، وكان عنده عن أم حبيبة حديثها في ذلك (1)، وقد تقدم، وقد جاء عن عائشة مثل ذلك (¬2). قال أبو (¬3) عمر: "قرأت على خلف بن القاسم أن عبد الله بن جعفر بن الورد حدثهم قال: ثنا عبد (¬4) الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عبد العزيز بن عمران، عن ابن لعبد الرحمن بن عوف، عن عائشة قالت: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار". وقد نقل ذلك عن ابن عمر من غير وجه، من حديث المدنيين، وروى عنه ترك الوضوء أيضًا. ذكره ابن (¬5) أبي شيبة، عن هشيم، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عمر، وعن وكيع، عن مسعر، عن جبلة، عن ابن عمر (¬6). ¬

_ (¬1) التمهيد (3/ 334). (¬2) التمهيد (3/ 335). (¬3) المصدر السابق. (¬4) في التمهيد عبد الرحمن. (¬5) المصنف (1/ 49). (¬6) المصنف (1/ 49).

قال أبو (¬1) عمر: "رواه أهل المدينة عنه أصح". قلت: وقد يجمع بينهما؛ قال ابن عمر: كان يتوضأ لكل صلاة فحكاية من حكى عنه الوضوء حكاية فعل له لعله ظن سببه أكل ما مسته النار، وإنما سببه أنه من شأنه الوضوء لكل صلاة، ومن روى عنه ترك الوضوء رواه قولًا فلا تعارض، وقد روي ذلك عن ابن عمر مرفوعًا، وأعله ابن (¬2) أبي حاتم، وقال: الصحيح عن ابن عمر موقوف. وعن معمر، عن الزهري: أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مسته النار حتى كان يتوضأ من السكر. قال عبد (¬3) الرزاق: وكان معمر والزهري يتوضآن مما مست النار. وذكر ابن وهب، عن يونس بن يزيد: أن الزهري قال له: أطعني وتوضأ مما مست النار! فقال له يونس: لا أطيعك وأدع سعيد بن المسيب فسكت". وروى (¬4) عن شعيب بن أبي حمزة قال: مشيت بين الزهري، ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مست النار، وكان الزهري يراه وابن المنكدر لا يراه. واحتج الزهري بأحاديث فلم أزال اختلف بينهما حتى رجع ابن المنكدر إلى قول الزهري" (¬5). وقد ذكره مالك (¬6) في "الموطأ" من حديث ابن عباس وسويد بن النعمان، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وذكر فيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبيّ بن كعب أنّهم كانوا لا يتوضؤون مما مست النار. ¬

_ (¬1) التمهيد (3/ 336). (¬2) العلل (1/ 71). (¬3) المصنف (1/ 174) برقم 673. (¬4) أي ابن عبد البر. (¬5) التمهيد (3/ 336 - 337). (¬6) الموطأ (1/ 24 - 28).

وما ذكره مالك (¬1) في "موطئه" عن أبي طلحة يدل على أن المنسوخ هو الوضوء مما مست النار؛ لأن أبا طلحة يروي الوضوء من ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وكان لا يتوضأ؛ فدل ذلك على أنه المنسوخ عنده، لأنه لم يكن يأخذ بالمنسوخ ويدع الناسخ، وقد علمه" (¬3). وهذا من مذهب أبي طلحة مخالف لما ذكره الحازمي (¬4) عنه في الباب السابق، وهو أولى بالصواب إن شاء الله تعالى، وإنّما شبه على من يزعم ذلك مذهبًا لأبي طلحة بروايته فيه. وقد روي عنه بسند جيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "توضؤوا مما مست النار" (¬5). وأما الرواية التي قدمناها من طريقه عمن أخذ الحسن الوضوء مما مست النار فقال: أخذه عن أنس، وأخذه أنس عن أبي طلحة، وأخذه أبو طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلعل المراد هناك عمن أخذ الرواية في ذلك لا العمل به، يدل على ذلك ما روى مالك (¬6) عن موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري، عن أنس: أن أبا طلحة وأبي بن كعب أنكرا عليه الوضوء مما غيرت النار، فلو كان هذا ثابت عند أبي طلحة غير منسوخ لم ينكر عن أنس العمل به. قال أبو (¬7) عمر: "وقد روي عن أنس أنه لم يكن يتوضأ للطعام من وضوءه للصلاة. ذكر العقيلي: ثنا أحمد بن محمد النوفلي: أبنا الحسين بن الحسن المروزي: ¬

_ (¬1) الموطأ (1/ 27). (¬2) وقد تقدم. (¬3) التمهيد (3/ 338 - 339). (¬4) الاعتبار (97). (¬5) وقد سبق. (¬6) الموطأ (1/ 27 - 28) برقم 26. (¬7) التمهيد (3/ 341).

ثنا الهيثم بن جبل: ثنا غالب بن فرقد قال: صليت مع أنس بن مالك المغرب؛ فلما انصرفنا دعا بمائدته فتعشّى، ثم دعا بوضوء فغسل يديه ومضمض فاه، وغسل ذراعيه ووجهه، ثم جلسنا حتى حضرت العتمة، فصلى بذلك الوضوء ولم يغسل رجليه. فهذا يدل على أن أكل ذلك لم يكن عنده حدثًا ينقض الوضوء" (¬1)، كذا ذكر هذا الخبر أبو عمر رحمه الله تعالى، وليس مما يحصل له فيما ادعاء لأن الخبر ليس فيه أن الطعام الذي أكله أنس كان مما مسته النار، وأكثر ما فيه: دعا بمائدته فتعشى، وزعم بعض من انتحل مذهب ابن شهاب في أن أحاديث الأمر بالوضوء هي الناسخة من حديث سويد بن النعمان الذي تقدم ذكرنا له، من عند البخاري والنسائي، وفيه: "فتمضمض، وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ ... " وفيه أنهم كانوا في طريق خيبر، وأن حديث أبي هريرة للوضوء كان بعد ذلك؛ لأن إسلام أبي هريرة إنما كان بعد فتح خيبر، وعارض هذا أن رواية ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّما هو كانت بآخرة. وقد ثبت عن ابن عباس من حفظه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدته إياه في بيت ميمونة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ولم يتوضأ مما مست النار" (¬2). وإلى هذا احتج الشافعي، وجمهور العلماء. قال الشافعي (¬3): وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار، وإنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس وإنما صحبه بعد الفتح يروي عنه أنَّه رآه يأكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ (3)، واختار الحازمي (¬4) الرخصة في ذلك، ¬

_ (¬1) التمهد (3/ 341). (¬2) وقد سبق. (¬3) معرفة السنن والآثار (1/ 446 - 447) برقم 1298 السنن الكبرى (1/ 155). (¬4) الاعتبار (107).

كانت غير مرة جمعًا بين الأحاديث لما ذكرناه من أن حديث سويد بن النعمان يقتضي الرخصة، وهو متقدم على حديث أبي هريرة كما بينّاه. وحديث أبي هريرة يقتضي الأمر بالوضوء وهو متأخر عن حديث سويد وحديث ابن عباس يقتضي الرخصة فيه، وهو متأخر عن حديث أبي هريرة، وطريق الجمع بينهما أن يكون الرخصة فيه قد تكررت غير مرة، وأن تكون هي الأخيرة التي استقر عليها العمل لتأخر صحبة ابن عباس وروايته. أما حديث سلمة بن سلامة بن وقش الذي تقدم، وزعم راويه أنه من آخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يكون أنس، وفيه قوله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقد توضأ: ألم تكن على وضوء؟ قال: بلى، ولكن الأمور تحدث، وهذا مما حدث. ففي إسناده زيد (¬1) بن جبيرة. وقال البخاري (¬2) فيه: متروك. أخبرنا عبيد بن محمد بن عياش الأشعري الحافظ وغيره: ثنا العقبة أبو المكارم، عن عبد الله بن الحسن بن منصور الدمياطي سماعًا قال: ثنا الحافظ أبو (¬3) بكر محمد بن موسى الحازمي قراءة عليه، وأنا أسمع قال: قرأت على محمد بن أبي الأزهر القاضي: أخبرك أحمد بن الحسن الكرجي في كتابه: أنبا أبو علي بن شاذان: أنا دعلج: ثنا محمد بن علي: ثنا سعيد: ثنا فليح بن سليمان قال: سألنا الزهري عما مست النار قال: فأخبرنا في ذلك بأحاديث أمرنا فيها بالوضوء عن أبي هريرة وعمر بن عبد العزيز، وعن خارجة بن زيد وعن سعيد بن خالد وعن عبد الملك بن أبي بكر فقلت: إن ها هنا رجلًا من قريش يقال له عبد الله بن محمد يحدث ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 559) برقم 2528 التاريخ الكبير للبخاري (3/ 390) برقم 1299. (¬2) التاريخ الكبير (3/ 390) برقم 1299 والضعفاء الصغير (50) برقم 125. (¬3) الاعتبار (106 - 107).

عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أهل سعد بن الربيع في نفر من الصحابة فيهم جابر بن عبد الله؛ فأكلنا خبزًا ولحمًا، ثم صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلينا معه وما مس أحد منا وضوءًا". وانصرفت مع أبي بكر في ولايته من المغرب، فابتغي لنا عشاء؛ فقيل له: ليس هنا إلا هذه الشاة وقد ولدت، فحلبها وطبخ لنا لبإ فأكل وأكلنا معه، ثم خرج إلى المسجد، فصلى بنا وما مس ماء، ولا مسست. وكان عمر بن الخطاب ربما جفن لنا في ولايته: فأكلنا الخبز واللحم فيخرج فيصلي ونصلي معه، وما مس أحد منا وضوءًا. فقال الزهري: وأنا أحدثكم أيضًا إن كنتم تريدونه حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: "أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل عضوًا فصلى ولم يتوضأ". فقلنا له: فما بعد هذا؟ فقال: إنه يكون أمر، ويكون بعده الأمر (¬1). وقال ابن (¬2) عبد البر: ثنا أحمد بن قاسم: ثنا محمد بن عيسى: ثنا بكر بن سهل: ثنا عمرو بن عاصم (¬3) البيروتي قال: سمعت الأوزاعي يقول: سألت ابن شهاب عن الوضوء مما غيرت النار فقال لي: توضأ، فقلت: عمن؟ فقال لي: عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة. قلت: فأبو بكر قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعمر؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعثمان قال: لم يكن يتوضأ. قلت: فعليّ؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فابن (¬4) مسعود؟ قال: لم يكن يتوضأ، قال: فقلت له: أرأيت إن سألتك رجالًا مثل ¬

_ (¬1) الاعتبار (106 - 107). (¬2) التمهيد (3/ 348). (¬3) في التمهيد عمرو بن هشام. (¬4) في التمهيد قلت فابن عباس بدل ابن مسعود.

رجالي؟ فقال: إذًا لأتيتك بهم. وذكر أبو (¬1) عمر ممن قال بذلك كقول الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وعبد الله بن عباس، وعامر (¬2) بن سعيد، وأبيّ بن كعب، وأبا الدرداء وأبا أمامة، وقال بذلك من فقهاء الأمصار: مالك فيمن قال بقوله من أهل المدينة وغيرهم، وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي، وسائر أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام والليث بن سعد والشافعي ومن اتبعه، وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري، وجماعة من أهل الأثر إلا أن أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث يقولون: "من أكل لحم الجزور خاصة؛ فعليه الوضوء. وليس ذلك عندهم في شيء مما مسته النار إلا لحم الجزور" (¬3). وسيأتي مذهبهم في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) التمهيد (3/ 348 - 349). (¬2) في التمهيد عامر بن ربيعة (3/ 349). (¬3) التمهيد (3/ 349).

60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل حدثنا هناد أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل، قال: "توضؤوا منها". وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: "لا توضؤوا منها". قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير. قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، وهو قول أحمد وإسحاق. وروى عبيدة الضبي، عن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ذي الغرة [الجهني]. وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة، وأخطأ فيه وقال: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أسيد بن حضير، والصحيح عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال إسحاق (¬1): صحّ في هذا الباب حديثان عن رسول - صلى الله عليه وسلم -. حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة. * الكلام عليه: سكت عن حديث البراء فلم يحكم عليه بشيء، وفي إسناده ¬

_ (¬1) ذكره إسحاق بن منصور والكوسج عن إسحاق كما في التمهيد (3/ 349).

عبد (¬1) الله بن عبد الله الرازي قاضي الري: أصله كوفي، روى عن جابر بن سمرة وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير وغيرهم .. روى عنه الأعمش وقال (¬2): كان ثقة لا بأس به عندي عنه: وفطر بن خليفة، وحجاج بن أرطاة، والحكم بن عتيبة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاسم بن الوليد الهمداني، وعبيدة سئل عنه أحمد (¬3) فقال: لا أعلم إلا خيرًا. وقال عباد (¬4): عن حجاج، وكان ثقة. وقال ابن (¬5) المديني: معروف. وقال العجلي (¬6): ثقة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬7)، وأخرج هذا الحديث الإمام أحمد (¬8) ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 92) برقم 421 وتهذيب الكمال (15/ 183 - 185) برقم 3367 وتهذيب التهذيب (2/ 369). (¬2) الذي يظهر أن قائل ذلك يعقوب بن سفيان كما في المعرفة له (3/ 220)، ثم تبين لي أن الجملة من قول الأعمش كما في تاريخ بغداد (10/ 4) برقم 5116 فالحمد لله أولًا وآخرًا. (¬3) هو عبيدة الضبي، وقول أحمد لا أعلم إلا خيرًا إنما قالها في عبد الله بن عبد الله الرازي كما في العلل لابنه عبد الله (3/ 100) برقم 4379 فلعله سبق قلم من المصنف أو خطأ من النساخ. (¬4) تاريخ بغداد (10/ 5). (¬5) المصدر السابق. (¬6) معرفة الثقات (2/ 44) برقم 924. (¬7) والنسائي في مسند علي، انظر تهذيب الكمال (15/ 185). (¬8) المسند (4/ 67) و (5/ 112) ووقع في المسند من رواية أحمد وهو خطأ والصواب أنه من زيادات عبد الله على المسند كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 486) ط. السعادة وفي تعجيل المنفعة (1/ 513) حيث رمز له (عب) وهو لزيادات عبد الله وكذا في أطراف المسند (2/ 322) برقم 2331 وعزاه الهيثمي في المجمع لعبد الله بن أحمد (1/ 250) وانظر إتحاف المهرة (4/ 460) برقم 4520 وتنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 501) هذا فيما يتعلق بحديث ذي الغرة الجهني رضي الله عنه، أما حديث البراء فهو في المسند (4/ 288، 303) ولعل هو المقصود بقول المصنف وأخرج هذا الحديث الإمام أحمد.

وأبو (¬1) داود وابن (¬2) ماجه، وقد حكم بصحته الإمام أحمد (¬3) وإسحاق (¬4)، روى عنهما أنهما قالا: في الباب حديثان صحيحان. حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وقال ابن (¬5) خزيمة: "لم نر خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل، لعدالة ناقليه" يعني حديث البراء، وقال أحمد (¬6) بعد إخراجه هذا الحديث: عبد الله بن عبد الله الرازي قاضي الريّ ثقة. فأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم (¬7) من حديث أشعث بن أبي الشعثاء، كلهم عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة. قال ابن (¬8) المديني: جعفر بن أبي ثور رجل مجهول. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 128) برقم 184 باب الوضوء من لحوم الإبل. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 166) برقم 494 باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. (¬3) انظر التمهيد (3/ 349) وسنن البيهقي (1/ 159) من رواية الأثرم عنه، وفي مسائل عبد الله لأبيه أنه قال: حديث البراء وحديث جابر بن سمرة جميعًا صحيح إن شاء الله تعالى. انظر مسائل عبد الله (ص 18). (¬4) انظر تنقيح التحقيق (1/ 498) وسنن الترمذي (1/ 125) والتمهيد لابن عبد البر (3/ 249) وسنن البيهقي (1/ 159) من رواية الكوسج عنه. (¬5) في صحيحه (1/ 22) برقم 32. (¬6) المسند (4/ 303) وفيه عبد الله بن عبد الله رازي وكان قاضي الري وكانت جدته مولاة لعلي أو جارية قال عبد الله قال أبي ورواه عنه آدم وسعيد بن مسروق وكان ثقة، وانظر أطراف المسند (1/ 583). (¬7) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 275) برقم 360 باب الوضوء من لحوم الإبل. (¬8) انظر سنن البيهقي (1/ 158)، وقال الترمذي في العلل (1/ 154): "وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور" وقال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (3/ 9) برقم 976: "وجعفر أحد المشايخ الكوفيين الذين اشتهرت روايتهم عن جابر بن سمرة" وقد صحح حديثه في لحوم الإبل: 1 - مسلم في صحيحه (1/ 275) برقم 360. 2 - ابن خزيمة في صحيحه (1/ 22) برقم 31. =

وقال الترمذي (¬1) في كتاب "العلل": أخطأ شعبة في حديث سماك عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء من لحوم الإبل فقال: عن سماك، عن أبي ثور، وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور روى عنه سماك بن حرب، وعثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء، وهو من ولد جابر بن سمرة. قال ابن (¬2) خزيمة: وهؤلاء الثلاثة من أجلّة رواة الحديث. قال البيهقي (¬3): ومن روى عنه مثل هؤلاء الثلاثة خرج من أن يكون مجهولًا. وقد ذكر الحاكم (¬4) فيمن روى عنه أيضًا: محمد بن قيس، وحبيب بن أبي ثابت، وقال (¬5): أحد مشائخ الكوفة (6) الذي (¬6) اشتهر حديثه (6) عن جابر بن سمرة، روى عنه وذكر الخمسة الذين ذكرناهم، وقال البخاري (¬7) فيما حكى عنه البيهقي (¬8): جعفر بن أبي ثور، عن جده جابر بن سمرة، وقال سفيان: وزكريا وزائدة: عن سماك، عن جعفر بن أبي ثور بن جابر، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللحوم قال: .... وقال أهل النسب: ولد جابر بن سمرة خالدًا وطلحة ومسلمة ... ". زاد ¬

_ = 3 - ابن حبان في صحيحه (3/ 408 - 409) برقم 1126 الإحسان. 4 - أبو عبد الله بن منده في كتاب الطهارة نقل ذلك عنه ابن دقيق العيد كما في الإمام (2/ 365). 5 - البيهقي في السنن الكبرى (1/ 158 - 159). (¬1) العلل الكبير (1/ 154 - 155). (¬2) صحيح ابن خزيمة (1/ 21) برقم 31. (¬3) السنن الكبرى (1/ 159). (¬4) الأسامي والكنى (3/ 10). (¬5) الأسامي والكنى (3/ 9). (¬6) في الأسامي الكوفيين الذين اشتهرت روايتهم. (¬7) التاريخ الكبير (2/ 187) برقم 2145 والتاريخ الأوسط (1/ 334). (¬8) السنن الكبرى (1/ 158).

الحاكم (¬1) عن البخاري: وهو أبو ثور، وقال الحاكم (¬2) عن السراج: سمعت محمد بن إدريس يعني الحنظلي قال: سألت أبا السائب وهو سلم بن جنادة، عن اسم أبي ثور بن جابر؟ فقال: اسمه مسلم بن جابر، ومات جابر بن سمرة عن أربعة خالد بن جابر وأبي ثور مسلم أبو جعفر، وجبير، وجندب فعقب منهم مسلم وخالد، وقد أدخل جعفرًا أبو (¬3) حاتم بن حبان في كتاب "الثقات" له، وبعضهم يكنيه أبا ثور، وربما نسبه ابن عكرمة، وأظنّ تقليدًا لشعبة، وقد ردّه الحاكم (¬4) أبو أحمد وغيره، وقال موسى (¬5) بن هارون: جابر بن سمرة جده لأمه، ظنًّا بظنّه ليس على سبيل الجزم. وقال الحافظ أبو (¬6) الحجاج المزّي: قيل: ابن مسلم أو ابن مسلمة، أو ابن عكرمة جده جابر بن سمرة قيل لأبيه وقيل لأمه. قلت: والظاهر من ذلك كلّه أنه جعفر بن أبي ثور مسلم بن جابر كما اختاره الحاكم (¬7)، وحكاه عن أبي السائب. وذكره الشيخ أبو (¬8) الحسن الدارقطني في "العلل" مرفوعًا من حديث الجماعة بنحو ما ذكرناه، وقال: إن داود بن المحبر خالف فيه أصحاب حماد بن سلمة فقال عنه سماك بن جعفر بن أبي ثور، عن أبيه، عن جده جابر بن سمرة. ¬

_ (¬1) الأسامي والكنى (3/ 12). (¬2) الأسامي والكنى (3/ 12). (¬3) الثقات (4/ 105 - 106). (¬4) الأسامي والكنى (3/ 9). (¬5) انظر تهذيب التهذيب (1/ 302) ولم ينسبه لقائل وكذا تهذيب الكمال (5/ 19). (¬6) تهذيب الكمال (5/ 19) وفيه اسمه عكرمة وقيل مسلم وقيل مسلمة السوائي أبو ثور الكوفي. (¬7) الأسامي والكنى (3/ 12). (¬8) وليس هو في العلل المطبوع، والله أعلم.

وقال شعبة: فيه عن سماك، عن أبي ثور بن عكرمة، عن جده جابر بن سمرة. وقال الوليد بن أبي ثور عن سماك، عن جعفر بن أبي ثور جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل لم يذكر جابر بن سمرة. وقوله (¬1): وفي الباب حديث أسيد بن حصير يوهم أنّه حديثي البراء وجابر وليس كذلك، هو حديث البراء، خالف الحجاج بن أرطاة فيه الأعمش، عن عبد الله الرازي. فالأعمش يرويه عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء. وكذلك رواه الناس عن الأعمش. والحجاج يرويه عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير. والحجاج ضعيف. وقد نسب الترمذي (¬2) الخطأ فيه لحماد بن سلمة، عن حجاج وقال: خالف أصحاب حجاج، وخالف الأعمش وحجاجًا معًا عبيدة الضبي فجعله عن ذي الغرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البيهقي (¬3): "وليس بشيء، وعبيدة الضبي ليس بالقوي وذو الغرة لا يدرى من هو". وقال أبو (¬4) عمر: يقال إن اسم ذي الغرة يعيش جهني، وقيل طائي، وقيل هلالي، وذكر له هذا الحديث فكان الأشبه بالترمذي أن يقول: وفي الباب حديث أسيد بن حضير، وحديث ذي الغرة أولًا بعد حديث واحد منهما، ويجعل ذلك كله خلفًا وقع في حديث البراء كما هو الظاهر. ¬

_ (¬1) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 123). (¬2) الجامع (1/ 124) وكذا العلل الكبير (1/ 152 - 153). (¬3) السنن الكبرى (1/ 159). (¬4) الاستيعاب (2/ 470).

وفيه من هذا النمط عن سليك الغطفاني، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: روى جابر الجعفي، عن ابن أبي ثابت، عن ابن أبي ليلى، عن سليك الغطفاني، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء من لحوم الإبل، ذكر ابن (¬1) أبي حاتم أنّه سأل أباه عنه بعد ذكر هذه الروايات الثلاث، أعني عن ذي الغرة، وعن أسيد بن حضير، وعن البراء عن الصحيح فقال: ما رواه الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن البراء، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. والأعمش أحفظ. وفي هذا الباب حديث آخر رواه أحمد (¬2) وابن عبدة (¬3)، عن يحيى بن كثير، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال. "توضؤوا من لحوم الإبل، ولا توضؤوا من لحوم الغنم". قال ابن (¬4) أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كنت أنكر هذا الحديث لتفرده فوجدت له أصلًا: حدثنا ابن المصفى، عن بقية، قال: حدثنا فلان سماه، عن عطاء بن السائب، عن محارب، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. قال: وحدثني عبيد الله بن سعد الزهري قال: حدثني عمّي يعقوب، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني عطاء بن السائب الثقفي: أنّه سمع محارب بن دثار يذكر عن ابن عمر بنحو هذا، ولم يرفعوه. ¬

_ (¬1) العلل (1/ 25) برقم 38. (¬2) قلت ليس هو في مسند أحمد ولعله خطأ من الناسخ أو سبق قلم من المصنف والحديث عند ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 166) برقم 497 باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل وتصحف فيه إلى عبد الله بن عمرو. انظر: تحفة الأشراف (6/ 7416) وعلل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 28) برقم 48 ومصباح الزجاجة (1/ 197). (¬3) صوابه رواه أحمد بن عبدة وعليه فيزول الإشكال ولا حاجة بنا إلى حاشية رقم 5 فالمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (2/ 371) وهذا الأخير ينقل عن ابن أبي حاتم في العلل. (¬4) العلل (1/ 28) برقم 48.

قال أبي: حديث ابن إسحاق أشبه بموقوف. وقد اختلف العلماء في الوضوء من لحوم الجزور (¬1)، فقالت طائفة: لا وضوء عنه. وهم الذين ذكرناهم في الباب قبل هذا، القائلون بأن لا وضوء مما مست النار مطلقًا. وقالت طائفة: يتوضأ منه وممّن قال بذلك أحمد (2) بن حنبل، وإسحاق (¬2) بن راهويه، ويحيى (2) بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن (¬3) خزيمة، واختاره الحافظ أبو (¬4) بكر البيهقي. قال النووي (¬5): وحكى عن أصحاب الحديث مطلقًا، وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. وقال ابن القاص: إن لحم الجزور ينقض الوضوء، وليس قاله النووي: ويعني في مذهب الشافعي يعني الجديد، والقول بذلك هو قديم المذهب. قال أبو (¬6) بكر بن أبي شيبة: ثنا ابن (7) عائشة، عن محمد (¬7) بن حميد، عن أبي العالية: أنَّ أبا موسى نحر جزورًا فأطعم أصحابه، ثم قاموا يصلون بغير طهور، فنهاهم عن ذلك ... الحديث. واختلف القائلون بالوضوء منه: * فمنهم من قال: لا يتوضأ منه إلا أن مسته النار وهم الأكثرون. ¬

_ (¬1) انظر: المغني (1/ 187 - 190)، الكافي (1/ 44)، المحرر (1/ 15) والاستذكار (1/ 226 - 227)، الكافي لابن عبد البر (1/ 151) بداية المجتهد (1/ 31)، شرح معاني الآثار (1/ 71 - 72)، فتح العزيز (2/ 2)، والمجموع (2/ 57 - 61). (¬2) التمهيد (3/ 351). (¬3) صحيح ابن خزيمة (1/ 21 - 22). (¬4) السنن الكبرى (1/ 158 - 159) والمعرفة (1/ 451 - 452). (¬5) شرح صحيح مسلم (4/ 271). (¬6) المصنف (1/ 46). (¬7) صوابه ابن علية عن حميد.

* ومنهم من قال: يتوضأ من أكله بكل حال سواء مسته النار أو لم تمسه، وإلى الثاني ذهب أحمد وهو القديم من قول الشافعي. فأما من قال: لا وضوء من لم الجزور، فتمسك بحديث جابر بن عبد الله: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار، وما في معناه من الأحاديث السابقة في الباب. قال أبو (¬1) عمر: وأما مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث والأوزاعي فكلّهم لا يرون في شيء مما مسته النار وضوء على من أكله، وسواء عندهم لحم الإبل في ذلك وغير الإبل. لأن في الأحاديث الثابتة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل خبزًا ولحمًا، وأكل كتفًا، ونحو هذا كثير: ولم يخص لم الجزور من غيره، وصلى ولم يتوضأ، وهذا ناسخ رافع عندهم لما عارضه (¬2). ثم ذكر (¬3) عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب يقول لعثمان البتي: "إذا سمعت أبدًا اختلافًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو بلغك فانظر ما كان عليه أبو بكر وعمر فشدّ به يدلّ" (3). في آثار كثيرة في معناه، والجواب بأن العمومات في الوضوء تعارضه بالعمومات في ترك الوضوء. وقول جابر: كان آخر الأمرين ترك الوضوء يقابله قول عائشة: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الوضوء مما مست النار. وإن أمكن الترجيح هناك بصحة إسناد، أو عمل صحابي، أو ما أشبه ذلك في أحد الطرفين، وألفينا لأحد العامين على الآخر، فحديث الوضوء من لم الجزور خاص لا معارض له، والخاص مقدّم على العام (¬4)، فيعمل به في موضعه ويبقى ¬

_ (¬1) التمهيد (3/ 351). (¬2) التمهيد (3/ 351). (¬3) أي ابن عبد البر (3/ 353). (¬4) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (4/ 272).

الحكم فيما عداه على عمومه، وكذلك قول أيوب لعثمان: إذا بلغك اختلاف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر ما كان عليه أبو بكر وعمر ولا يصلح أن يكون ردًّا على من ذهب إلى الوضوء من لحم الجزور، لأن هذه الخصوصية لم تبلغنا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اختلاف فيه. ومن قال: لا يتوضأ منه إلا إذا كان مطبوخًا، فهو عنده مستثنى مما مست النار. ومن قال بالوضوء منه مطلقًا أخذ بعموم قوله: توضأ من لحوم الإبل ونظر أيضًا إلى المعنى وهو ما فيه من مزيد الزهومة التي ذكروها على غيره من اللحم، وهي إذا كانت كذلك، وهو مطبوخ أجدر بأن يكون أقوى قبل الطبخ. واختلف العلماء في غسل اليد قبل الطعام وبعد. قال الشيخ محيي (¬1) الدين: والأظهر استحبابه أولًا، إلا أن يتيقن نظافة اليد من النجاسة والوسخ واستحبابه بعد الفراغ إلا أن لا يبقى على اليد أثر الطعام بأن كان يابسًا، ولم يمسه بها. ومذهب مالك (¬2) ترك ذلك إلا أن يكون في اليد قذر. فإن كان للطعام رائحة كالسمك غسلت اليد بعد، ولا يغسل قبل، وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم، والنهي عنها في مبارك الإبل، وسيأتي في بابه من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (4/ 269 - 270). (¬2) قال النووي في شرح مسلم (4/ 270) وقال مالك رحمه الله تعالى: "لا يستحب غسل اليد للطعام إلا أن يكون على اليد أولًا قذر، ويبقى عليها بعد الفراغ رائحة" وانظر عارضة الأحوذي (8/ 40).

61 - باب الوضوء من مس الذكر

61 - باب الوضوء من مس الذكر حدثنا إسحاق بن منصور قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن بسرة بنت صفوان: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ". قال: وفي الباب عن أم حبيبة، وأبي أيوب، وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد، وعبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال: هكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة. وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نحوه: حدثنا بذلك إسحاق بن منصور: ثنا أبو أسامة بهذا. وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة، عن بسرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. حدثنا بذلك علي بن حجر: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن بسرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: نحوه. وهو قول غير واحد من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. قال محمد: أصحّ شيء في هذا الباب حديث بسرة. قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح، وهو حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة. وقال محمد: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن

رجل، عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحًا (¬1). * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد (¬2) وأبو (¬3) داود والنسائي (¬4) وابن (¬5) ماجة، وبسرة هي بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهي خالة صفوان بن الحكم، كذا رأيته بخط الدمياطي، وهي عند أبي (¬6) عمر جدة عبد الملك بن مروان لأمه عائشة بنت مغيرة بن أبي العاص، وعند الزبير (¬7): هي جدة أم عبد الملك. وقال أبو (8) عمر في "التمهيد": وكانت بسرة خالة عبد الملك وهذا أعلى ما جاء في ذلك، وقد طعن في هذا الحديث (¬8) رواه معلولًا، هو وحديث طلق المعارض البخاري، وليس قوله: هو أصح حديث في الباب تصحيحًا له كما سبق، وإنّما مراده هو على علّاته أصح من غيره من أحاديث الباب. وقد اغتر القاضي أبو (¬9) بكر بن العربي بهذا العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه، وليس كذلك، وقد قال عنه أبو (¬10) عمر: "كل من خرج في الصحيح ذكر حديث بسرة في هذا الباب، وحديث طلق بن علي، إلا البخاري فهما عنده ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 126 - 130). (¬2) المسند (6/ 407) و (6/ 406). (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 125 - 126) برقم 181 باب الوضوء من مس الذكر. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 163 باب الوضوء من مس الذكر وبرقم 164. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 161) برقم 479 باب الوضوء من مس الذكر. (¬6) الاستيعاب (4/ 1796) برقم 3255. (¬7) الاستيعاب (4/ 1796). (¬8) التمهيد (17/ 189) وليس هو من قول ابن عبد البر بل الذي رجحه كونها أم عبد الملك كما صرح بذلك في الصفحة نفسها. (¬9) عارضة الأحوذي (1/ 99). (¬10) التمهيد (17/ 197).

متعارضان معلولان" (¬1). ورواه صحيحًا أبو (¬2) حاتم بن حبان، وقبله الإمام أحمد (¬3) بن حنبل. قال الشيخ أبو (¬4) الحسن الدارقطني: ثنا ابن مخلد: ثنا أبو داود السجستاني قال: قلت لأحمد بن حنبل حديث بسرة في مس الذكر ليس بصحيح، قال: "بل هو صحيح، وذلك أن مروان حدثهم عنها، ثم جاءهم الرسول عنها بذلك". وتصحيحه بما سيأتي ذكره أولى من تصحيحه بهذا، لما فيه من الاعتراض بالشرطي الذي هو واسطة بين مروان وبسرة، وكذلك جنح إلى تصحيحه أيضًا الدارقطني (¬5)، فإنّه قال (¬6) في كلامه على هذا الحديث من طريق هشام بن عروة، فلما اختلف على هشام بن عروة في إسناد هذا الحديث فرواه عنه جماعة من الرفعاء الثقات منهم أيوب السختياني ويحيى القطان، ومن قدمنا ذكره معهما. فرواه عن هشام، عن أبيه، عن بسرة، وخالفهم جماعة من الرفعاء الثقات أيضًا منهم سفيان الثوري وهشام بن حسان، وعبد الله بن إدريس وغيرهم ممن قدمنا ذكره معهم، فرووه عن هشام عن أبيه، عن مروان عن بسرة، فلما ورد هذا الاختلاف ¬

_ (¬1) زاد في التمهيد وعنده غيره هما صحيحان. (¬2) صحيح ابن حبان (3/ 396) برقم 1112 و 1113 و 1114 و 1115 و 1116 و 1117. (¬3) المسند (6/ 407) و (6/ 406) وقال أبو داود وقلت لأحمد: حديث بسرة ليس بصحيح؟ قال: بل هو صحيح. انظر التلخيص الحبير (1/ 214) وسيأتي نقل المصنف لذلك. (¬4) لعله في علله. (¬5) السنن (1/ 146). (¬6) وكلامه هذا أعني الدارقطني في العلل ونقل قريبًا منه ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 282) وذكر نحوه عن الدارقطني الحاكم في المستدرك (1/ 136) وعزاه محقق كتاب الإمام إلى المخطوط من كتاب العلل للدارقطني (5 / ل 198 / ب) وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 215) وبسط الدارقطني في علله الكلام عليه في نحو من كراسين.

عن هشام أشكل أمر هذا الحديث، وظنّ كثير من الناس من لم يفهم النظر في الاختلاف، أن هذا الخبر غير ثابت لاختلافهم فيه، ولأن الواجب في الحكم أن يكون القول قول من زاد في الإسناد لأنهم ثقات، فزيادتهم مقبولة، فحكم قوم من أهل العلم بضعف الحديث لطعنهم على مروان فلما نظرنا في ذلك، وبحثنا عنه وجدنا جماعة من الثقات الحفاظ منهم شعيب بن إسحاق الدمشقي، وربيعة بن عثمان التيمي، والمنذر بن عبد الله الحراني، وعنبسة بن عبد الواحد الكوفي، وعلي بن مسهر القاضي الكوفي، وحميد بن الأسود، وأبو الأسود البصري، وزهير بن معاوية الجعفي، رووا هذا الحديث عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، ذكروا في روايتهم في آخر الحديث أن عروة قال: ثم لقيت بسرة بعد فسألتها عن الحديث فحدثني به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما حدثني مروان عنها فدلّ ذلك من رواية هؤلاء النفر على صحة الروايتين الأوليين جميعًا، وزال الاختلاف والحمد لله، وصح الخبر، وثبت أن عروة سمعه من بسرة مشافهة به بعد أن أخبره مروان عنها، وبعد أن أرسله له الشرطي إليها، ومما يقوّي ذلك ويدل على صحته أن هشامًا كان يحدث به مرة عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن السماع الأول، عن عروة. وكان يحدث به تارة أخرى عن أبيه، عن بسرة على مشافهة عروة لبسرة، وسماعه عنها بعد أن سمعه من مروان عنها، ما قدمنا ذكره من رواية ابن جريج وحماد بن سلمة وزمعة وأبي علقمة الفروي وسعيد الحمصي وابن أبي الزناد ومحمد وهشام بن حسان فإنهم رووه عن هشام، على الوجهين جميعًا، وكان هشام ربما نشط فحدث به على الوجهين جميعًا كما رواه شعيب بن إسحاق، ومن تابعه، انتهى كلام الدارقطني. وفيه قوله: فحكم قوم من أهل العلم بضعف الحديث لطعنهم على مروان، ولم يعرض بعد ذلك لإقرار هذا الطعن، ولا ردّه حتى يعلم رأيه في مروان، وإن كان

الحازمي (¬1) قال في كلام له: إن صاحبي الصحيح قد احتجا بمروان فمن دونه من رواة هذا الخبر، فليس كما قال، وإنما هو مورد من أفراد البخاري (¬2) وممن صححه أيضًا الحاكم (¬3) أبو عبد الله بالطرق التي صححه بها الدارقطني التي قدمنا ذكرها، إن جماعة من الحفاظ حدثوا به عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وإن عروة لقي بسرة فحدثته به قال: فدل ذلك على صحة الحديث، وكونه على شرط الشيخين، وزال عنه الخلاف. انتهى كلام الحاكم. وهو طريق ابن (¬4) حبان أيضًا في "صحيحه". فإنه قال: قد صحّ أن عروة سمعه من بسرة. انتهى. وبعض من قدمنا ذكره ممن رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة. ثم عن عروة، عن بسرة يقول في روايته: فأنكر ذلك عروة، فسأل بسرة فصدقته، وقد عللت رواية هشام بن عروة هذه بحديث بسرة بما قيل من أن هشامًا لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة فمنهم من يرويه عن هشام بن عروة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو حزم، عن عروة كذلك، رواه همام، ومنهم من يرويه عن هشام، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة كذلك رواه داود العطار، قد أزاح هذه العلة أن الطبراني (¬5) روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: قال شعبة لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر، يعني منه، قال يحيى: فسألت هشامًا فقال: أخبرني أبي، وقد صح سماع هشام من أبيه، كما صح سماع عروة من بسرة ورواه الحاكم (¬6) أيضًا من جهة عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد، عن هشام ¬

_ (¬1) الاعتبار (93) ط. المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز. (¬2) انظر تهذيب الكمال (27/ 387) (27/ 389). (¬3) المستدرك (1/ 136 فما بعدها). (¬4) صحيح ابن حبان (3/ 397) الإحسان. (¬5) المعجم الكبير (24/ 202) برقم 519. (¬6) المستدرك (1/ 137 - 138 - 139).

قال: حدثني أبي، وجعل الحاكم رواية داود العطار وهمًا منه، وقال: رواية هشام عن أبي بكر بن محمد بن عمرو أنها لم تأت من وجه معتمد، وقد خرجها الطبراني (¬1): ثنا علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن همام بن يحيى، وهي رواية همام وهؤلاء كلهم موثقون لكنها مرجوحة بمخالفة الجم الغفير إياها عن هشام بن عروة، وإذا صح الحديث بالطرق التي ذكرناها، وبتصحيح من الأئمة الذين ذكرناهم فغير مجد بعد ذلك الطعن فيه بالخلف الواقع في الطرق الخارجة عنه هذه، أو دخول الشرطي في إبلاغه بين عروة وبسرة، أو بين مروان وبسرة، وما أشبه ذلك من الاعتلال، فالضعيف لا يعلّ الصحيح، وقد ثبت استغناء الخبر عن الشرطي المجهول، وعمن أرسل الشرطي الذي طعن به يحيى (¬2) بن معين على الحديث، وقد ذكر عنه أنه قال: أي حديث حديث بسرة لولا قابل طلحة في الطريق، ولحديث بسرة طرق كثيرة عن غير هشام بن عروة من جهة مالك والزهري وغيرهما، تركنا ذكرها اختصارًا، وإنما تكلمنا على طريق هشام بن عروة لأنها التي خرجها الترمذي (¬3)، وحديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رواه ابن (¬4) ماجه وغيره من حديث مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبه قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من مسه فرجه فليتوضأ. روي عن الإمام أحمد (¬5) أنه قال: حديث أم حبيبة هذا صحيح، وحكى الترمذي (¬6) عن أبي زرعة تصحيحه أيضًا، وذكر ابن (¬7) أبي حاتم في "المراسيل": أنه ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (24/ 198) برقم 504. (¬2) انظر التلخيص الحبير (1/ 214 - 215). (¬3) الجامع (1/ 126). (¬4) سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 481 باب الوضوء من مس الذكر. (¬5) نقل ذلك الخلال في علله كما في التلخيص الحبير (1/ 217). (¬6) الجامع (1/ 130). (¬7) المراسيل (165) برقم 369 وأبو حاتم يحكيه عن هشام بن عمار.

سأل أباه عنه فقال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا، وهذا مخالف لما حكى الترمذي (¬1) عنه، وقد أعلّه غير أبي زرعة بالانقطاع، ذكر ذلك عن يحيى بن معين في خبر سنذكره عند الفراغ من إيراد هذه الأحاديث. قال أبو (¬2) عمر: قد صحّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، ذكر ذلك دحيم وغيره. وذكر البيهقي (¬3) عن الحاكم (¬4) قال: هذا حديث حدث به الإمام أحمد بن حنبل ويحيى (¬5) بن معين، وأئمة الحديث عن أبي مسهر، وكان يحيى بن معين يثبت سماع مكحول من عنبسة، فإذا ثبت سماعه منه فهو أصح حديث في الباب. وحديث أبي أيوب عند ابن (4) ماجه من حديث إسحاق بن أبي فروة عن الزهريّ، عن عبد الله بن عبد القاري، عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مسّ فرجه فليتوضأ". رواه عن سفيان بن وكيع، عن عبد السلام بن حرب، عنه. إسحاق (¬6) بن أبي فروة ضعيف عندهم. وأما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء". فهو مشهور من رواية يزيد ¬

_ (¬1) العلل الكبير (1/ 161). (¬2) التمهيد (17/ 194). (¬3) الخلافيات (2/ 275) برقم 553. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 482 باب الوضوء من مس الذكر. (¬5) وإسحاق بن راهوية كما في الخلافيات. (¬6) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 227) برقم 792 وتهذيب الكمال (2/ 446 - 454) برقم 367 وتهذيب التهذيب (1/ 123 - 124).

ابن عبد الملك النوفلي، عن المقبري، عنه. رواه الشافعي (¬1) والبزار (¬2) وغيرهما. وقال البزار (¬3) في النوفلي: بين الحديث، قال: ولا نعلمه يروى عن أبي هريرة بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقال أحمد (¬4): شيخ من أهل المدينة ليس به بأس يعني النوفلي، وذكر هذا الحديث من طريقه البيهقي والحازمي واقتصرا على ما نقل عن أحمد فيه من قوله: ليس به بأس وقد ضعفه غير أحمد. قال أحمد (¬5): عنده مناكير. قال أبو العرب: قال لي مالك بن عيسى: يزيد بن عبد الملك النوفلي: ضعيف. وقال النسائي: متروك الحديث. وذكر ابن الجوزي عن أحمد أنه قال: عنده مناكير (5). قال يحيى والدارقطني: ضعيف. قال البخاري: أحاديث شبه لا شيء، وضعفه جدًّا. وقال أبو (¬6) حاتم الرازي: منكر الحديث جدًّا. فالحديث مضعف بالنوفلي إذًا، وقد أعل أيضًا بالانقطاع بين النوفلي وسعيد المقبري، فإنّه ذكر عن يحيى (¬7) بن معين أنه قال: سقط بينهما رجل، وقد رواه ¬

_ (¬1) المسند (1/ 34 - 35 ترتيب) برقم 88. (¬2) في مسنده (1/ 149 كشف) برقم 286. (¬3) المصدر السابق. (¬4) المعرفة والتاريخ (1/ 427) والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 133). (¬5) كذا جاء مكررًا! وقد نقله عن أحمد البخاري كما في "تهذيب الكمال". (¬6) الجرح والتعديل (9/ 279) برقم 1171. (¬7) انظر التلخيص الحبير (1/ 220).

عبد الله بن نافع، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبي موسى الخياط، عن سعيد بن أبي سعيد. ذكر عن البيهقي (¬1) أنَّه رواه في الخلافيات (1)، كذلك من جهة عبد العزيز بن مقلاص، عن الشافعي، عن عبد الله بن نافع. أبو (¬2) موسى هذا: مجهول. قاله يحيى (¬3). وعبد (¬4) الله بن نافع: هو الصائغ صاحب مالك، أثنى عليه غير واحد من العلماء. وقال أحمد (¬5): لم يكن يحفظ الحديث، كان الغالب عليه الرأي، وقد أخبرنا به أبو عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن الصوري: ثنا أسعد بن سعيد بن روح، وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية: ثنا أبو بكر بن ريذة: ثنا الطبراني (¬6): ثنا أحمد بن عبد الله بن العباس الطائي البغدادي: ثنا أحمد بن سعيد الهمداني: ثنا أصبغ بن الفرج: ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم، ويزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء". قال الطبراني (¬7): لم يروه عن نافع المقرئ إلا عبد الرحمن بن القاسم، وذكر ¬

_ (¬1) الخلافيات (2/ 247) برقم 524. (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 290) برقم 1605 وتهذيب الكمال (23/ 15 - 19) برقم 4648 وتهذيب التهذيب (3/ 364 - 365). (¬3) نقله الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 220) وانظر التمهيد (17/ 192). (¬4) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 183 - 184) برقم 856 وتهذيب الكمال (16/ 208 - 212) برقم 3609 وتهذيب التهذيب (2/ 443 - 444). (¬5) سؤالات أبي داود (226) برقم 211. (¬6) المعجم الأوسط (2/ 237) برقم 1850. (¬7) المصدر السابق.

هذه الطريق أبو (¬1) عمر بن عبد البر، عن خلف بن القاسم، ثنا سعيد بن عثمان بن السكن، ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج قالا: ثنا علي بن أحمد البزار: ثنا أحمد بن سعيد الهمداني فذكره. قال أبو (¬2) عمر: "هذا إسناد صالح صحيح إن شاء الله تعالى". وقال ابن (¬3) السكن: "هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب. قال: وأصبغ وابن القاسم ثقتان فقيهان، فصحَ الحديث بنقل العدل عن العدل". انتهى كلامه. وأما نافع (¬4) بن أبي نعيم فهو أجود حالًا من النوفلي، وهو وإن كان أحمد (¬5) يقول عنه: يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء، فقد وثقه يحيى (¬6). وقال الرازي (¬7): صالح الحديث. ورواه الحاكم (¬8) أبو عبد الله أيضًا عن طريق أصبغ، عن ابن القاسم، عن المقبري. من غير ذكر للنوفلي، ثم قال الحاكم: "وهذا صحيح، وشاهده الحديث المشهور من طريق النوفلي عن سعيد". ¬

_ (¬1) التمهيد (17/ 195). (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر ترجمته في التاريخ الكبير (8/ 87) برقم 2281، الجرح والتعديل (8/ 456) برقم 2089 وتهذيب الكمال (29/ 281) برقم 6364 وتهذيب التهذيب (4/ 207). (¬5) الجرح والتعديل (8/ 456)، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 156) برقم 3504، ميزان الاعتدال (7/ 7) برقم 9004. (¬6) تاريخ الدوري (2/ 602). (¬7) الجرح والتعديل (8/ 457) وفيه صدوق صالح الحديث. (¬8) المستدرك (1/ 138).

وأما الانقطاع الذي أشرنا إليه فقد قال الشافعي (¬1) في رواية حرملة، قد سمع يزيد بن عبد الملك من سعيد المقبري، فإذا جمعت إلى كلام الشافعي هذا شهرة، فالحديث من طريق النوفلي عن سعيد بغير واسطة، وقول أحمد في ابن نافع مثبت الواسطة كان الغالب عليه الرأي، ولم يكن الحديث من شأنه، حصل من مجموع ذلك تقوية قول من قال بصحته، كما ذكرناه عن ابن السكن والحاكم، وكما هو مذكور عن ابن حبان أيضًا وله حديث بسرة في الاختلاف على هشام بن عروة. قال الدارقطني (¬2) في علل حديث بسرة: وكذلك ما رواه هشام بن زياد أبو المقدام عن هشام، عن أبيه، عن أروى بنت أنيس. ورواه يحيى بن أيوب المصري، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك قيل عن الدراوردي. رفعناه جميعًا عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يصح هذا القول عن هشام، وروى الدارقطني (¬3) عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. قلت: بأبي أنت وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة". رواه من طريق عبد الرحمن بن عبد الله العمري، وقال: هو ضعيف. وحديث جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء، رواه ابن (¬4) ماجه وأبو (¬5) بكر الأثرم. ¬

_ (¬1) المعرفة للبيهقي (1/ 388) برقم 1087. (¬2) العلل (5 / ل 201 / ب) عن طريق محقق الإمام لابن دقيق العيد (2/ 291) فإن ابن دقيق العيد أشار إلى كلام الدارقطني في العلل وعنه ينقل المصنف. (¬3) السنن (1/ 147 - 148) برقم 9. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 480. (¬5) انظر التلخيص الحبير (1/ 216) والتمهيد (17/ 193).

وقال الحافظ أبو (¬1) عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: "لا أعلم بإسناده بأسًا"، وذكره أبو (¬2) عمر فقال: "هذا إسناد صالح (¬3)، كل مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن عبد الرحمن، فإنه ليس بالمشهور بالعلم" (¬4). وحديث زيد بن خالد: روى ابن (¬5) أبي شيبة، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة عن زيد بن خالد الجهني، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من مس فرجه فليتوضأ". وهو خطأ من ابن إسحاق عند يحيى (¬6) بن معين، وعلي (¬7) بن المديني. وقد روي من حديث عروة على الشك عن بسرة أو زيد بن خالد. وقد روى على الجمع بينهما من غير شك، وهو من الاختلاف في حديث بسرة كما تقدم في حديث أروى وعائشة. وحديث عبد الله بن عمرو من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس فرجه فليتوضأ، وأي امرأة مست فرجها فلتتوضأ". رواه الإمام أحمد (¬8) والدارقطني (¬9). وقال الترمذي (¬10) في "العلل": قال لي محمد: حديث عبد الله بن عمرو، وفي مس الذكر عندي صحيح. ¬

_ (¬1) انظر التلخيص الحبير (1/ 216). (¬2) التمهيد (17/ 193). (¬3) في التمهيد صحيح بدل صالح. (¬4) في التمهيد ليس بمشهور بحمل العلم. (¬5) المصنف (1/ 163). (¬6) انظر الإمام لابن دقيق العيد (2/ 302 - 303). (¬7) المعرفة والتاريخ (2/ 27 - 28) وعنه البيهقي في الخلافيات (2/ 260 - 261). (¬8) المسند (2/ 223). (¬9) السنن (1/ 147) برقم 8 بلفظ: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ". (¬10) علل الترمذي الكبير (1/ 161).

وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عمر: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مس ذكره فليتوضأ". أخرجه البيهقي (¬1)، من طريق ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: ابن لهيعة لا يحتجّ به. وحديث ابن عباس: روى ابن (¬2) عدي من جهة الضحاك بن حجوة، عن الهيثم الراسبي، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مسَ ذكره فليتوضأ". قال: الضحاك بن حجوة منكر الحديث على كل رواياته مناكير إما متنًا أو إسنادًا. وحديث طلق بن علي الحنفي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مسّ فرجه فليتوضأ". قال الطبراني (¬3): لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وأخرجه الحازمي (¬4) من طريق الطبراني، وقال: "وهما عندي صحيحان". يعني حديث طلق هذا، والحديث المشهور من طريقه النهي يعارض هذا الآتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقد اختلف العلماء (¬5) في إيجاب الوضوء من مس الذكر: "فمن روي عنه الإيجاب من الصحابة: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين، ¬

_ (¬1) الخلافيات (2/ 257) برقم 534. (¬2) الكامل (4/ 1418 - 1419). (¬3) المعجم الطبراني (8/ 401 - 402) برقم 2852 وعبارته: "لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد وهما عندي صحيحان". (¬4) الاعتبار (94). (¬5) انظر: الأم (1/ 19)، المهذب (1/ 31) والمجموع (1/ 24) و (2/ 34 - 43) المغني (1/ 178) الإنصاف (1/ 202)، شرح معاني الآثار (1/ 79) شرح فتح القدير (1/ 37)، بدائع الصناع (1/ 30)، المدونة (1/ 8 - 9)، والاستذكار (1/ 308 - 314)، والمنتقى (1/ 89).

ومن التابعين: عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء (¬1) بن أبي رباح وطاوس (2) ومجاهد (¬2) ومكحول والشعبي وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار، وسعيد بن المسيب في أصحّ الروايتين، هشام بن عروة وطاوس ومجاهد ومكحول والشعبي والحسن (¬3) وعكرمة (3) والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو (¬4) المشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء" كذا قال الحازمي (¬5)، وسيأتي لذهب مالك في ذلك مزيد بيان، وإليه ذهب الليث (6) وداود (¬6) والطبري (6). وقال آخرون لا يجب منه الوضوء وسيأتي ذكر من قال ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى، ومن ذهب إلى الإيجاب ادعى أن حديث طلق بن علي في ترك إيجاب الوضوء منه على تقدير ثبوته منسوخ بأحاديث هذا الباب، وأجود ما قالوه في ذلك أن حديث طلق بن علي كان في أول الأمر عند قدومه، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يبنى كما تبين قوله في بعض طرق حديثه (¬7) ذلك: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يبنون المسجد فقال: "يا يمامي أنت أوفق بتخليط الطين". فلدغتني عقرب؛ فرقاني النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8). وحديث بسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو كان بعد ذلك لتأخر إسلامهم، فإذا ثبت أن حديث طلق متقدم، وأحاديت المنع متأخرة وجب المصير إليها. قال الحازمي (¬9): ثم نظرنا هل نجد أمرًا يؤكد ما صرنا إليه؟ ¬

_ (¬1) بعد عطاء جاء في الاعتبار: وأبان عن عثمان. (¬2) ولا ذكر لهؤلاء في الاعتبار. (¬3) ولا ذكر للحسن وعكرمة في الاعتبار. (¬4) في الاعتبار والمشهور، وهو المناسب للسياق. (¬5) الاعتبار (82). (¬6) التمهيد (17/ 199). (¬7) السنن للدارقطني (1/ 148 - 149) برقم 14. (¬8) الاعتبار للحازمي (93). (¬9) الاعتبار (94).

-يعني: من النسخ الذي بيّناه (¬1) -؟ فوجدنا طلقًا روى حديثًا في النع، فدلّ (¬2) ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ، وأن طلقًا قد شاهد الحالين، وروى الناسخ والنسوخ (¬3)، ثم ذكر (¬4) عن طلق الحديث الذي قدمنا ذكره، ثم قال (¬5): يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق بسرة، يعني: وما في معناه، فمن روى الأمر بالوضوء فسمع الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف هؤلاء القائلون بإيجاب الوضوء فالذي عليه أصحابنا أن لا إذا مسّ بالكف، والمراد بالكف الراحة وبطون الأصابع. وقال أحمد: تنتقض الطهارة سواء مس بظهر الكف، أو ببطنها، لنا قوله عليه السلام: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب؛ فقد وجب عليه الوضوء" في حديث أبي هريرة الذي قدمناه، وحكينا تصحيح من صححه، والإفضاء في اللغة المس ببطن الكف، كذلك قال الرافعي وفيه نظر من وجهين: الأول: قال ابن سيده: وأفضى فلان بن فلان وصل، فكأنه قال: إذا وصل أحدكم بيده إلى فرجه، والوصول أعم من أن يكون بباطن الكف أو ظاهرها. * الثاني: لو سلم له ما ادعاه لكان حديث: من مس ذكره شاملا للإفضاء وغيره، فلا يصلح حديث الإفضاء أن يكون مخصصًا لحديث: من مس. إذًا الإفضاء فرد من أفراد المسّ، قال أبو (¬6) عمر: الشرط في مس الذكر أن لا يكون دونه حائل ولا حجاب، وأن يمس بقصد وإرادة، لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلًا إلا بقصد منه إلى الفعل، وهذه الحقيقة في ذلك، ¬

_ (¬1) قوله يعني من النسخ الذي بيناه ليست هذه الجملة من كلام الحازمي وإنما هي زيادة توضيح من المصنف فليعلم ذلك. (¬2) في الاعتبار فدلنا. (¬3) الاعتبار (94). (¬4) أي الحازمي. (¬5) قول المصنف ثم قال يوهم أن الكلام المنقول من الحازمي وليس الأمر كذلك وإنما هو للطبراني في معجمه الكبير (8/ 402) وقد مر في ص 594. (¬6) التمهيد (17/ 194 - 195).

ومعلوم (¬1) في القصد إلى المس أن يكون في الأغلب بباطن الكف، وقد روي بمثل هذا المعنى حديث حسن (¬2)، وذكر أبي هريرة هذا، والأمر محمول به على الاستحباب عند قوم. قال أبو (¬3) عمر: تحصيل مذهب مالك في ذلك أن لا وضوء فيه، لأن الوضوء عنده منه استحباب لا إيجاب؛ بدليل أنه لا يرى الإعادة على من صلى بعد أن مس ذكره إلا في الوقت، وفي سماع أشهب وابن نافع عن مالك: أنه سئل عن الذي يمس ذكره ويصلي أيعيد الصلاة؟ فقال: لا أوجبه أنا، فروجع فقال: يعيد ما كان في الوقت، وإلا فلا. وقال الأوزاعي: إن مس ذكره بساعده فعليه الوضوء، وهو قول عطاء، وبه قال أحمد. وقال الليث: من مس ما بين أليتيه فعليه الوضوء. وقال الليث: من مسّ ذكر البهايم فعليه الوضوء. وقال مالك والليث: إن مسّ ذكره بذراعه وقدمه فلا وضوء عليه. وقال مالك والشافعي والليث: لا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره بباطن كفه، وجملة قول مالك وأصحابه: إن مسّ ذكره بظاهر يده، أو بظاهر ذراعيه، أو باطنهما؛ أو مسّ أنثييه أو شيئًا من أرفاغه (¬4)، أو غيرها، أو شيئًا من أعضائه سوى الذكر فلا وضوء عليه. ولا على المرأة عندهم وضوء في مسها لفرجها (¬5)، ¬

_ (¬1) في التمهيد والمعلوم. (¬2) إلى هنا ينتهي كلام أبو عبد البر. (¬3) التمهيد (17/ 202). (¬4) الأرفاغ جمع رفغ، والأرفاغ أصول المغابن كالآباط والحوالب وغيرها من مطاوئ الأعضاء وما يجتمع فيه من الوسخ والعرق. النهاية (2/ 244) رفغ. (¬5) في التمهيد فرجها.

وقد روي عن مالك أن على المرأة الوضوء في مسها فرجها إذا ألطفت (¬1) أو قبضت والتذت. وكان مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل يقولون: إن مس ذكره غير متعمد فلا وضوء عليه، وبه قال داود. وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: عمده وخطؤه في ذلك سواء؛ إذا أفضى بيده إليه، وجملة قول الشافعي في هذا الباب ما ذكره في كتاب الطهارة. قال: وإذا أفضى الرجل إلى ذكره ليس بينه وبينه ستر فقد وجب عليه الوضوء، عامدًا كان أو ساهيًا (¬2). والإفضاء باليد: إنما هو بباطنها، كما تقول: أفضى بيده مبايعًا، وأفضى بيديه إلى الأرض ساجدًا، وسواء قليل ما مس من ذكره أو كثيره إذا كان بباطن الكف، وكذلك من مسّ دبره بباطن الكف، أو فرج امرأته، أو ذكر غيره، أو دبره. وسواء مسّ ذلك من حي أو ميت، وحكم المرأة في ذلك كله كالرجل منها ومن غيرها. قال: ومن مس ذكره بباطن كفه على ثوب عامدًا أو ساهيًا، أو مسه بظهر كفه أو ذراعه، عامدًا أو ساهيًا فلا شيء عليه، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أفضى أحدكم، وكذلك المرأة، قال: وإن مس شيئًا من هذا من بهيمة لم يجب عليه الوضوء من قبل؛ لأن للآدميين حرمه وتعبدًا، قال: ولا شيء عليه في مس أنثييه ورفغيه وأليتيه وفخذيه. قال: وإنما قسنا الفرج بالفرج، وسائر الأعضاء غير باطن الكف قياسًا على الفخذ (¬3). قال أبو (¬4) عمر: أما قول الشافعي في مس الرجل فرج المرأة، ومس المرأة فرج الرجل، فقد وافقه على ذلك الأوزاعي وأحمد وإسحاق، ووافقه على قوله في مس ذكر الصبي والحي والميت عطاء وأبو ثور، ووافقه على إيجاب الوضوء من مسه الدبر عطاء والزهري، وكان عروة يقول: من مسّ أنثييه فعليه الوضوء. ¬

_ (¬1) الإلطاف عند الفقهاء أن تدخل المرأة أصبعها بين شفري فرجها. (¬2) انظر الأم (1/ 16). (¬3) التمهيد (17/ 202 - 204). (¬4) التمهيد (17/ 205).

قال (¬1): والنظر عندي في هذا الباب: أن الوضوء لا يجب إلا على من مس ذكره أو فرجه قاصدًا مفضيًا، وأما غير ذلك منه، أو من غيره فلا يوجبه الظاهر، والأصل أن الوضوء المجمع (¬2) عليه لا ينقض (¬3) إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل، فلا عيب على القائل يقول الكوفيين لإن إيجابه عن الصحابة؛ لهم فيه ما تقدم في هذا الباب (¬4) عليه من الاعتراض. إن قوله لا يجب إلا على من مس ذكره أو فرجه قاصدًا مفضيًا، وأما غير ذلك منه أو من غيره فلا يوجبه الظاهر، ولو كان الحديث المروي في ذلك من مس ذكره أو من أفضى بيده إلى فرجه، أو ما أشبه ذلك فقط لحسن هذا. ولكن قد روي في ذلك ما ذكره البيهقي (¬5) قال: ثنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي: ثنا أبو سهل بن زياد القطان: ثنا أبو يحيى عبد الكريم بن الهيثم: ثنا أبو اليمان: ثنا (¬6) شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ، أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان بن الحكم في إمارته على المدينة: أنَّه يتوضأ من مس الذكر، إذا أفضى إليه الرجل بيده! فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه. يقول (¬7) مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر ما يُتَوضأُ منه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُتوضأ من مس الذكر". فقال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلًا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها عما حدثت به من ذلك؛ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدث عنها مروان. ¬

_ (¬1) التمهيد (17/ 205). (¬2) في التمهيد المجتمع. (¬3) في التمهيد لا ينتقض. (¬4) التمهيد (17/ 205). (¬5) السنن الكبرى (1/ 129). (¬6) في السنن أخبرني بدل حدثنا. (¬7) في السنن فقال.

وهذه الطريق من أجود طرق هذا الحديث الذي هو أصح أحاديث هذا الباب، أو من أصحها، وقد كان يحيى (¬1) بن معين يقول: "أصح حديث في مس الذكر حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة". وكان أحمد (1) بن حنبل يقول نحو ذلك. ولكن لفظه عند مالك (¬2): إذا مسّ أحدكم ذكره، وموضع الاحتجاج من هذا الخبر وهو اللفظ الذي خالف فيه شعيب عن الزهريّ مالكًا، وهو قوله: يتوضأ من مس الذكر، لكن هذا الإسناد أيضًا جيد، وقد رواه الطحاوي (¬3) من حديث عبد الرزاق: ثنا معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عم مروان، عن بسرة. وفيه إرسال الشرطي إلى بسرة. ولفظه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء من مس الفرج". هذا أعمّ من الذي قبله. رواه عن أبي بكرة بكار بن قتيبة، عن الحسين بن مهدي، عنه. والصواب فيه: الزهريّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرو بن حزم، عن عروة. ويدخل عموم قوله - عليه السلام - من مس الذكر الوضوء، ومن مس الفرج الوضوء. كثير مما ينارع فيه العلماء من ذلك، ولم يبق لقوله: " ... وأما غير ذلك منه أو من غيره فلا يوجبه". الظاهر وجه أصلًا. الثاني: قوله: والأصل أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة إلى زجره، يقتضي انتقاض الوضوء في بعض صور مس الذكر، وهو ما جاءت به السنة الثابتة، ثم قوله: فلا عيب على القائل يقول الكوفيين لأن إيجابه من الصحابة لهم فيه ما تقدم يقتضي أن لا ينتقض الوضوء بشيء من صور مس الذكر ¬

_ (¬1) التمهيد (17/ 190 - 191). (¬2) الموطأ (1/ 42) برقم 58 ورواه عن مالك أبو مصعب الزهريّ (111) ومن طريقه البغوي (165) وسعد بن عبد الحميد الأنصاري عند ابن عبد البر في التمهيد (17/ 186) وسويد بن سعيد (48) وعبد الله بن مسلمة القعنبي (61) والجوهري (495) ومحمد بن الحسن (11) وغيرهم. (¬3) شرح معاني الآثار (1/ 71).

كما هو مذهب الكوفيين، وأن عدم الانتقاض معلل بعدم انعقاد الإجماع عليه، وهو غير الأول. وقد كان هذا الكلام يقتضي منه الوقوف عند رأي الكوفيين. ورد أحاديث الباب بالوجوه التي ردها به من لم ير الوضوء من مس الذكر، لكنه منها حديث بسرة وحديث أم حبيبة بتصحيحه سماع مكحول من عنبسة. وحديث أبي هريرة بمتابعة نافع بن أبي نعيم، يزيد بن عبد الملك النوفلي وغيرها كما سبق، فهذا تناقض يحتاج إلى الجواب عنه، ذكره قوله تسويته بين المسألتين في الحكم، وهما مختلفتان بالفاء المقتضية للتعليل المودية بأنها من تمامها وكمالها، وليست ولو مس ببطن أصبع زائدة نظر إنْ كانت على استواء الأصابع فهي كالأصلية على أصح الوجهين، وإن لم تكن على استواء الأصابع فلا في أصح الوجهين". "والمس باليد الشلّاء كالمس باليد الصحيحة في أصح الوجهين، وكذا الذكر الأشلّ والصحيح، وحكم فرج المرأة في اللمس حكم الذكر". قال الرافعي: حديث عائشة وذكر الحديث الذي قدمنا ذكره من عند الدارقطني (¬1)، وفيه قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ، وقد تقدّم تضعيفه بعبد الرحمن العمري (¬2) فلا يصلح الاحتجاج به، وأعلى من ذلك أن يستدل بحديث عبد الله بن عمرو، وفيه: وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ لما فيه من العموم، وهو حديث تقدم تصحيحه عمن صححه من الأئمة، وقد نقلت عن مالك التفرقة قال: لا وضوء فيه، وما سمعته إلا في الذكر، وكذلك قال الرافعي أيضًا: وفي حلقة الدبر وهي ملتقى المنفذ قولان: قال في القديم لا ينتقض الوضوء بمسه، وبه قال مالك لأن ¬

_ (¬1) السنن (1/ 147 - 148) برقم 9. (¬2) ضعفه والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة، وقد تقدم.

الأخبار وردت في القبل، وهو الذي يقتضي مسه إذا كان على سبيل الشهوة إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج، بخلاف الدبر. وقال في الجديد: ينتقض لأنه فرج، فينتقض الوضوء بمسه لقوله - عليه السلام -: ويل للذين يمسون فروجهم ... " الحديث وهو أيضًا [ذكر] حديث عائشة ولو ذكر حديث أم حبيبة، وعمرو وما في معناها مما صحّ فكان أولى. ومن الأصحاب من جزم بما قاله في الجديد، ونفى الخلاف. وعن أحمد روايتان كالقولين، وفي فرج البهيمة قولان: الجديد: لا أثر لمسه كما لا يجب ستره، ولا يحرم النظر إليه، ولا يتعلق به ختان، ولا استنجاء، لأن لمس إناث البهائم ليس بحدث، فكذلك مس فروجها، وقطع بعضهم بما قاله في الجديد، وفي مس فرج الميت ذكرًا كان أو أنثى وجهان: * أصحهما: أنه كفرج الحي لشمول الاسم وبقاء الحرمة. * والثاني: لا أثر لمسه لزوال الحياة، وخروج لسه عن مظنة الشهوة، وفي فرج الصغير أيضًا وجهان: * أصحهما: أنه كفرج الكبير، ومس محل المحب من المحبوب، هل يؤثر؟ فيه وجهان: - أصحهما: يؤثر لأن مسه مظنة خروج الخارج منه فأشبه الشاخص. - والثاني: لا يؤثر لأنه مس محل الذكر دون الذكر". وأما المس برؤوس الأصابع ففيه وجهان: * أحدهما: أن المس بها كالمس بالراحة لأنها من جنس بشرة الكف، ويعتاد

المس بها بالشهوة وغيرها. * وأظهرها: أنه لا يؤثر اللمس بها لأنها خارجة عن سمت الكف، ولا يعتمد على اللمس بها وحدها، ومن أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخشونة، وغيرهما، وفيما بين الأصابع وجهان: وعدم الانتقاض فيه أظهر، وقد نقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه. وإن مس الخنثى المشكل فرجه نفسه نظر: فإن مس فرجيه جميعًا انتقض وضوءه لأنه كان رجلًا فقد مس ذكره، وإن كانت امرأة فقد مست فرجها، وإن مس أحدهما لم ينتقض وضوءه لأنه إن مس الذكر فيجوز أن يكون رجلًا وهو ثقبة زائدة، وإن مس أحدهما وصلى الصبح مثلًا، ثم توضأ ومس الآخر، وصلى الظهر ففي المسألة وجهان: * أحدهما: أنه يقضيهما لأن إحدى صلاتيه واقعة مع الحدث. * وأظهرهما: أنه لا يقضي واحدة منهما، لأن كل صلاة مفردة بحكمها، وقد بنى كل واحدة منهما على صحيح، فصار كما لو صلى صلاتين إلى جهتين باجتهادين، وإن مس أحدهما وصلى الصبح، ثم مس الآخر وصلى الظهر، من غير وضوء بينهما أعاد الظهر، لأنه محدث عندها، ومضت الصبح الصحة". ومسائل هذا الباب كثيرة، لا حاجة بنا إلى حصرها ولا استيعابها، وكثير منها في كتب الفقه، فمن أرادها وجدها هناك،

والخبر الذي تقدمت إليه الإشارة عن يحيى (¬1) بن معين، عند ذكر حديث أم حبيبة إنّه سيأتي عند تمام إيراد تلك الأحاديت هو أن: مضر بن محمد سأل يحيى بن معين عن مس الذكر: أي شيء أصح فيه من الحديث؟ قال يحيى بن معين: لولا حديث مالك (¬2) عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فإنه يقول فيه: سمعت. قال سمعت لقلت لا يصح فيه شيء، فقلت له حديث جابر: قال: نعم، رواه ابن أبي ذئب وليس بصحيح. قلت: وحديث أبي هريرة قال: رواه يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد المقبري، وقد أدخلوا بينهما رجلًا مجهولًا. قلت: وحديث زيد بن خالد؟ قال: خطأ أخطأ فيه محمد بن إسحاق. قلت: وحديث ابن عمر؟ قال: الصحيح منه غير مرفوع. قلت: فإن الإمام أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: أصح حديث فيه حديث العلاء عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة (¬3) قال: هذا أضعفها. قلت: وكيف؟ قال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا؟ ... ذكر هذا الخبر بتمامه شيخنا الحافظ أبو الفتح بن علي القشيري (¬4)، وروايته عن أبي (¬5) عمر في كتاب "التمهيد" أيضًا قريبًا مما ذكرته. ¬

_ (¬1) التمهيد (17/ 190 - 191) و (17/ 192) والإلمام (2/ 302 - 303). (¬2) وقع في التمهيد (17/ 192) جابر بدل مالك وهو خطأ واضح والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في الإمام وما عند ابن دقيق العيد فيه بعض اختلاف مع ما في التمهيد، والله أعلم. (¬3) وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 217) وقال الخلال في العلل صحيح أحمد حديث أم حبيبة. (¬4) الإمام (2/ 302 - 303) وذكر ابن دقيق العيد أنه نقله من الجزء الثاني من منتقى أبي الحسن الدارقطني على ابن الفضل. (¬5) التمهيد (17/ 192).

62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر حدثنا هناد: ثنا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي -هو الحنفي-، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه. قال: وفي الباب عن أبي أمامة. قال أبو عيسى: وقد رُوي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك. وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه. وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر، وأيوب بن عتبة وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أحسن وأصح (¬1). * الكلام عليه: كذا أورده الترمذي مختصرًا، وقد رويناه من طريق أبي (¬2) داود، عن مسدد، عن ملازم به قال: قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول (¬3) الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ قال: "هل هو إلا مضغة منه، أو بضعة منه". ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 131 - 132). (¬2) السنن برقم 182 باب الرخصة في ذلك. (¬3) في السنن يا نبي الله.

ورويناه من طريق الدارقطني (¬1): ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: ثنا محمد بن زياد بن فروة البدري (¬2) أبو روح: ثنا ملازم بن عمرو به، وفيه خرجنا وفدًا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى قدمنا عليه فبايعناه، وصلينا معه، فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله: ما ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة؟ فقال: "وهل هي إلا بضعة منه، أو مضغة" كذا قال أبو روح. وأما في حديث محمد بن جابر، عن قيس بن طلق عند الدارقطني (¬3): أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يؤسسون مسجد المدينة، قال: وهم ينقلون الحجارة قال: فقلت: يا رسول الله! ألا ننقل كما ينقلون قال: لا، ولكن اخلط لهم الطين يا أخا اليمامة، فأنت أعلم به! قال: فجعلت أخلطه وينقلونه. قال ابن (¬4) أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث محمد (¬5) بن جابر هذا فقالا: قيس بن طلق ليس هو ممن تقوم به حجة، ووهناه (¬6) ولم يثبتاه. ورواه الإمام أحمد (¬7) وأخرجه النسائي (¬8) وابن (¬9) ماجه واختار ابن (¬10) القطان في كلام له أن يكون حسنًا، وذلك أنَّه ذكر كلام ابن (¬11) أبي حاتم الذي قدمناه عن ¬

_ (¬1) السنن (1/ 149) برقم 17. (¬2) في السنن البلدي بدل البدري. (¬3) السنن (1/ 148 - 149) برقم 14. (¬4) علل الحديث (1/ 48) برقم 121. (¬5) في العلل رواه. (¬6) في العلل ووهماه. (¬7) المسند (4/ 22). (¬8) السنن كتاب الطهارة (1/ 109) برقم 165 باب ترك الوضوء من ذلك. (¬9) السنن كتاب الطهارة (1/ 163) برقم 483 باب الرخصة في ذلك. (¬10) بيان الوهم والإيهام (4/ 144) برقم 1587. (¬11) العلل (1/ 48).

أبيه وأبي زرعة، ثم قال: "وإن كان ابن (¬1) معين يقول: شيوخ اليمامة كلهم ثقات". فإن هذا التعميم لا يصح القضاء به على من لعله زل عن خاطره وخفي عليه بعض أمره. والحديث مختلف فيه، فينبغي أن يقال فيه حسن (¬2)، وقد حسّن الترمذي (¬3) من طريقه حديث لا وتران في ليلة، وذكره ابن (¬4) حبان من طريق ملازم، وقال في آخره: حديث طلق بن علي خبر صحيح. وقال أبو (¬5) عمر: هو حديث يمامي لا يوجد إلا عند أهل اليمامة، إلا أن محمد بن جابر، وأيوب بن عتبة يضعفان، وملازم بن عمرو ثقة، وعلى حديثه عوّل أبو داود والنسائي (¬6)، وكل من أخرج (¬7) في الصحيح، وهو نحو ما أشار إليه الترمذي. وعبد الله بن بدر وثقه أبو زرعة (¬8) وابن معين (¬9) والعجلي (¬10) وقيس بن طلق ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (7/ 100 - 101) برقم 568 وفيه شيوخ يمامية ثقات. (¬2) بيان الوهم والإيهام (4/ 144) برقم 1587. (¬3) السنن (2/ 333) برقم 470 باب ما جاء لا وتران في لية وقال حسن غريب. (¬4) الصحيح (3/ 405) برقم 1123 (الإحسان) و (3/ 402) برقم 1119 وليس في الموضعين حديث طلق بن علي خبر صحيح والله أعلم. (¬5) التمهيد (17/ 197). (¬6) زاد في التمهيد جميعًا. (¬7) في التمهيد خرج. (¬8) الجرح والتعديل (5/ 12). (¬9) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ترقيمه (487) ص 144. (¬10) معرفة الثقات له ترقيمه 856 (2/ 22).

وثقه يحيى (¬1) والعجلي (¬2) وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (¬3) وممن صحيح حديثه هذا أبو محمد علي بن أحمد الحافظ. وقال ابن المديني: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة. وأما ابن حبان فرد على من قال: ما رواه ثقة عن قيس بن طلق خلا ملازم بن عمرو وأخرجه من طريق عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق عن أبيه وهو عند ابن حبان في صحيحه منسوخ بحديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله قال: لأن قدوم طلق في السنة الأولى من الهجرة وهم يبنون المسجد كما ذكر وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة انتهى (¬4). وقال غيره نحو منه كان إسلام عمرو بعد ذلك وإسلام بسرة عام الفتح وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في الباب السابق وحديث أبي أمامة: سئل رسول الله صلى عليه وسلم عن مس الذكر فقال: إنما هو جزء منك رواه ابن ماجه من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة (¬5) قال شعبة في جعفر: كان يكذب (¬6)، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة (¬7) وتركه أحمد (¬8) والقاسم ضعيف، قال أحمد: ¬

_ (¬1) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ترجمة 486 ص 144. (¬2) معرفة الثقات ترجمة 1532 (2/ 221). (¬3) الثقات لابن حبان (5/ 313). (¬4) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان كتاب الطهارة باب ذكر الوقت الذي وفد طلق بن علي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3/ 405 ح / 1122). (¬5) سنن ابن ماجه كتاب الطهارة باب الرخصة في ذلك حديث (484) (1/ 163). (¬6) الجرح والتعديل (2/ 479) وتهذيب الكمال (5/ 34) والكامل لابن عدي (2/ 134). (¬7) الكامل لابن عدي (2/ 134). (¬8) في سؤالات أبي داود له قال: ترك الناس حديثه، ترجمة (271) ص 255.

منكر الحديث (¬1). "قرأت على الإمام الحافظ بقية السلف أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله تعالى. قلت له: أخبرك الإمام الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قرأت عليه وأنت تسمع بحلب فأقر به، قال؛ ثنا الشيخ السديد أبو ناصر بن محمد بن أبي الفتح الوثري بقراءتي عليه بأصبهان، قال: ثنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن الفضل بن الأخشيد السراج، قال: ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الكاتب، قال: ثنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني، قال: ثنا محمد بن الحسن النقاش ثنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، ثنا رجاء بن مرجى الحافظ قال: اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين فتناظروا في مس الذكر قال يحيى: يتوضأ منه، وقال علي بن المديني يقول الكوفيين وتقلد قولهم فاحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق، وقال علي: كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيًّا حتى رد جوابها إليه فقال يحيى: وقد أكثر الناس في قيس بن طلق فلا يحتج بحديثه، فقال أحمد بن حنبل: كلا الأمرين على ما قلتما فقال يحيى: مالك عن نافع عن ابن عمر توضأ من مس الذكر. فقال علي: كان ابن مسعود يقول: لا يتوضأ منه وإنما هو بضعة من جسدك فقال يحيى: عمن؟ قال: سفيان عن أبي قيس عن هذيل عن عبد الله وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر واختلفا فابن مسعو أولى أن يتبع فقال له أحمد: نعم ولكن أبو قيس لا يحتج بحديثه. فقال: حدثني أبو نعيم ثنا مسعر عن عمير بن سعيد عن ¬

_ (¬1) نفس المصدر السابق حيث قال: يروى له أحاديث مناكير.

عمار قال: ما أبالي مسسته أو أنفي قال أحمد: عمار وابن عمر استويا فمن شاء أخذ بهذا ومن شاء أخذ بهذا. وفي الباب مما لم يذكره حديث من جهة عبد الرحمن بن مرثد بن الصلت عن أبيه: أنه وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن مس الذكر فقال: إنما هو بضعة منك" (¬1). وحديث آخر من حديث عصمة بن مالك الخطمي وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا قال: يا رسول الله إني احتككت في الصلاة فأصابت يدي فرجي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا أفعل ذلك، رواه الدارقطني من حديث أحمد بن محمد بن رشدين عن سعيد بن عمير عن الفضل بن المختار عن الصلت بن دينار عن عصمة (¬2)، الصلت ضعيف، والمختار مجهول، قال أبو عمر: "وأما الذين لم يروا في مس الذكر وضوءًا فعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبو الدرداء واختلف فيه عن سعد بن أبي وقاص وقد اختلف فيه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب فروى عنهما القولان قال: والأسانيد عن الصحابة في إسقاط الوضوء منه أسانيد صحاح من نقل الثقات، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا وضوء في مس الذكر" (¬3). وقد روينا حديئًا في الباب من طريق البيهقي ولا يثبت. قال البيهقي: ابنا أبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو وقالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن عمران حدثني أبي حدثني ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ليلى قال: كنا عند ¬

_ (¬1) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 136). (¬2) سنن الدارقطني كتاب الطهارة باب ما روى في لمس القبل والدبر والذكر والحكم في ذلك حديث رقم (16) (1/ 149). (¬3) التمهيد (17/ 201).

النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء الحسن فأقبل يتمرغ عليه فرفع عن قميصه وقبّل زبيبته قال البيهقي: فهذا إسناد غير قوي وليس فيه أنه مسه ثم صلى ولم يتوضأ (¬1). وأما مس الأنثيين والرفغ بالراء المهملة المضمومة ويقال بالفتوحة أيضًا والفاء الساكنة والغين المعجمة واحد الأرفاغ وهي المغابن من الآباط وأصول الفخدين. فروى الدارقطني: ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل عن علي بن مسلم عن محمد بن بكر عن عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ (¬2) ". ورواه الطبراني عن مطين الحضرمي عن علي بن مسلم بإسناده نحوه وزاد وضوءه للصلاة (¬3). قال الدارقطني: هكذا رواه عبد الحميد بن جعفر عن هشام ووهم في ذكر الأنثيين والرفغ وإدراجه ذلك في حديث بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد ثم روى حديث أيوب عن هشام عن أبيه عن بسرة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره فليتوضأ"، قال: وكان عروة يقول: إذا مس رفغه أو أنثييه أو فرجه فلا يصلي حتى يتوضأ (¬4). أما رواية الدارقطني حديث أيوب عن هشام مفصلًا فقد خالفه الطبراني فيها فرواه من حديث أيوب عن هشام بتمامه كرواية عبد الحميد بن جعفر رواه عن عبد الله بن أحمد عن أبي كامل الجحدري عن يزيد بن زريع عن أيوب وقد روى الدارقطني من حديث ابن جريج عن هشام مرفوعًا من جهة بسرة قالت: قال رسول ¬

_ (¬1) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 137). (¬2) سنن الدارقطني (1/ 148) حديث رقم (10). (¬3) معجم الطبراني الكبير حديث رقم (510) (24/ 200). (¬4) سنن الدارقطني (1/ 148) حديث (10)، (11)، (12).

الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه فلا يصلي حتى يتوضأ" (¬1) ولم يتكلم عليه، رواه الطبراني (¬2) من حديث ابن جريج نحوًا من ذلك. وروى أيضًا عن إسحاق بن داود الصواف عن أحمد بن عبدة الضبي عن محمد بن دينار عن هشام عن أبيه عن بسرة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس رفغه أو أنثييه، أو ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" (¬3) وهذه كلها متابعات لعبد الحميد بن جعفر تقوي روايته. وأما مس الإبط فروى الدارقطني من حديث الحسن بن عروة: ثنا خلف بن خليفة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: إذا توضأ الرجل ومس إبطه أعاد الوضوء. قال: وثنا خلف بن خليفة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ليس عليه إعادة (¬4). وقد روى نحو هذا عن ابن عمر وروى أن عمر أمر رجلًا أن يتوضأ من مس الإبط من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عمر. قال البيهقي: هذا مرسل، ابن عتبة لم يدرك عمر وقد أنكره الزهري وعن يحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن أبي حبيب والليث ومالك ليس فيه وضوء وهو قول الحسن البصري والحارث العكلي (¬5). وقال ابن أبي شيبة: ثنا ابن علية عن عبيد الله بن العيزار عن طلق بن حبيب قال: رأى عمر بن الخطاب رجلًا حك إبطه أو مسه فقال: قم فاغسل ¬

_ (¬1) نفس المصدر السابق حديث (13). (¬2) معجم الطبراني الكبير (24/ 201) حديث (514). (¬3) نفس المصدر السابق حديث (516). (¬4) سنن الدارقطني كتاب الطهارة باب ما روى في مس الإبط حديث رقم (2) (1/ 151). (¬5) السنن الكبرى للبيهقي كتاب الطهارة باب في مس الإبط (1/ 138، 139).

يدك أو تطهر (¬1). قال: ثنا ابن إدريس عن هشام عن الحسن أنه سئل عن الرجل يمس إبطه أو ينتفه فلم ير به بأسًا إلا أن يدميه (1). وعن أبي أسامة عن ابن عون عن محمد قال: يقولون: من مس إبطه أعاد الوضوء وأنا لا أقول ذلك ولا أدري ما هذا (¬2). قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه كان يغسل من نتف الإبط (2). وأما تنقية الأنف فذكر ابن أبي شيبة: ثنا ابن علية عن ليث عن مجاهد قال: قال عمر من نقى أنفه أو حك إبطه توضأ (2). أما من قال من الكوفيين وغيرهم بترك الوضوء من مس الذكر فتمسكوا بحديث هذا الباب وعللوا حديث بسرة السابق في الباب قبله بوجوه: ادعاء عدم اشتهار بسرة بنت صفوان، قيل: واختلاف الرواية في نسبها يدل على جهالتها لأن بعضهم يقول هي كنانية وبعضهم يقول أسدية. الثاني: بجهالة الواسطة بين مروان وبسرة وهو الحرسي أو الشرطي كما وقع في الخبر. الثالث: عن يحيى بن معين: أي حديث حديث بسرة لولا قاتل طلحة في الطريق. ¬

_ (¬1) مصنف ابن أبي شيبة كتاب الطهارة باب في الرجل يمس إبطه أيتوضأ حديث رقم (565)، (568) (1/ 54، 55). (¬2) نفس المصدر السابق حديث رقم (569)، (570)، (566).

الرابع: الاختلاف في طرقه وقد تقدمت الأجوبة عن ذلك. أما بسرة فقد تقدم التعريف بها وقال أبو عمر: من قال إنها كنانية فلم يصنع شيئًا هذا معنى كلامه وقد اتفق مروان وعروة على الرضى بحديثها عندما صح عن عروة والجواب عن الثاني والثالث إنه قد صح سماع عروة من بسرة فسقط التعلق بمروان والحرسي وقد ذكرنا أن مروان مخرج له في الكتب يحتج بروايته عند الأئمة: البخاري وغيره كما ذكرنا وأن عروة رضي قول الحرسي وقبله ورجع إليه. وأما الاختلاف فمتى كان دائرًا بين ثقات لا ينبنى عليه قدح. وقد تبين ذلك وكذلك الأحاديث المذكورة في الباب قبله وقد سبق من الاعتراض عليها والأجوبة ما فيه مغنى وكذلك تعلق الآخرون في الطعن علي حديث طلق بما لا يؤثر وأولى ما قيل في ذلك النسخ بالوجه الذكره أوضعناه. والله الموفق. * * *

63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار قالوا: ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة قال: قلت: من هي إلا أنت قال: فضحكت. قال أبو عيسى: وقد روى نحو هذا من غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء. وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق في القبلة وضوء وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: وضعف يحيى القطان هذا الحديث وقال: هو شبه لا شيء. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضًا ولا يعرف لإبراهيم التيمي سماعًا من عائشة وليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الباب شيء (¬1). ¬

_ (¬1) تحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب (63) حديث (86).

* الكلام عليه: رواه أبو داود (¬1) وأخرجه أيضًا ابن ماجه (¬2) وذكر الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن عبد الرحمن بن بشير بن الحكم قال: سمعت يحيى بن سعيد وذكر له حدثنا الأعمش (¬3) عن حبيب عن عروة قال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا (¬4) وقال ابن المديني: مثله (¬5). أما قول الترمذي: لا يصح عندهم فليس ذلك لضعف رواته فكلهم ثقات معروفون مشهورون وإنما هو عنده قال الانقطاع الذي أشار إليه، وقد قال قوم عروة هذا راويه عن عائشة ليس هو عروة بن الزبير وإنما هو عروة المزني آخر وهو شيخ مجهول. قرئ على أبي الفضل الموصلي وأنا أسمع أخبركم أبو حفص بن طبرزذ قال: ثنا أبو البدر الكرخي: ثنا أبو بكر الخطيب قال: قرأت على أبي عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أخبركم أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي: ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت فضحكت. قال أبو داود: وكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ثم قال: ثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، ثنا عبد الرحمن يعني ابن مغراء، ثنا الأعمش، ثنا أصحاب لنا عن عروة المزنىِ عن عائشة بهذا الحديث. قال أبو داود: ¬

_ (¬1) سنن أبي داود كتاب الطهارة باب الوضوء من القبلة حديث رقم (179) (1/ 124، 125). (¬2) سنن ابن ماجه كتاب الطهارة باب الوضوء من القبلة حديث رقم (502) (1/ 168). (¬3) في المطبوع "وذكر له حديث الأعمش عن حبيب". (¬4) سنن الدارقطني (1/ 139). (¬5) نفس المصدر السابق.

قال يحيى بن سعيد القطان لرجل أحك عني أن هذين يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة قال يحيى أحك عني أنها شبه لا شيء (¬1) فالحديث على هذا مردود عندهم إما بالانقطاع بين حبيب وعروة بن الزبير وإما بالجهالة في عروة المزني فأما الانقطاع بين حبيب وعروة بن الزبير فإن أبا عمر قال: هذا الحديث عندهم معلول وذكر العلتين اللتين ذكرناهما قال: وضعفوا هذا الحديث ودفعوه وصححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات له من أئمة الحديث وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتًا وهو إمام ثقة من أئمة العلماء الجلة (¬2). وقول أبي عمر هذا أفاد إثبات المكان اللقاء وهو مزيل للانقطاع عند الأكثرين وأرفع من هذا قول أبي داود فيما رويناه عنه بالسند المتقدم، قال وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا (¬3) فهذا أثبت اللقاء فهو مزيل للانقطاع عندهم، وأما الشبهة الثانية في عروة وتفسيره عند قوم بالمزني فقد أزالها ما رواه ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة الحديث (¬4). وقرأت على الحافظ أبي محمد الدمياطي بسنده المذكور في الباب قبله إلى الدارقطني قال: ثنا محمد بن موسى بن سهل البربهاري قال: ثنا محمد بن معاوية بن مالج قال: ثنا علي بن هاشم عن الأعمش ح وثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ¬

_ (¬1) سنن أبي داود (1/ 125) حديث (180). (¬2) الاستذكار له (3/ 51، 52) كتاب الطهارة باب الوضوء من قبلة الرجل امرأته حديث (2653) 54، 55، 56. (¬3) تقدم ص 25. (¬4) سنن ابن ماجه كتاب الطهارة (ج / 502) (1/ 168).

قال: ثنا أبو هشام الرفاعي ح وثنا أبو بكر النيسابوري: ثنا حاجب بن سليمان ح وثنا سعيد بن محمد الخياط قال ثنا يوسف بن موسى قالوا: ثنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ (¬1) الحديث. وهذه أسانيد صحيحة صرحت بعروة وأنه ابن الزبير فإن ثبت أن عروة في ذلك الإسناد هو المزني فهو لا يعارض ما ثبت هنا من كونه ابن الزبير إذ من الجائز أن يكونا معًا روياه عن عائشة وليست رواية المزني معلة لرواية ابن الزبير وقد عضدت هذه الطريق طريق أخرى يمكن أن تكون حسنة رويتا عن الدارقطني بالسند المتقدم قال ثنا أبو بكر النيسابوري: ثنا حاجب بن سليمان: ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قبّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ ثم ضحكت. قال: تفرد به حاجب عن وكيع ووهم فيه والصواب عن وكيع بهذا الإسناد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب إنما كان يحدث من حفظه انتهى كلام الدارقطني (¬2) وهذا إسناد جليل. أما عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري فقال فيه أبو بكر الخطيب كان حافظأ متقنًا عالمًا بالفقه والحديث معًا موثقًا في روايته ثم روى عن البرقاني قال: سمعت الدارقطني يقول: ما رأيت أحفظ من أبي بكر النيسابوري وروى عن السلمي أنه سأل الدارقطني عنه فقال: لم ير مثله في مشائخنا لم ير أحفظ منه للأسانيد ¬

_ (¬1) سنن الدارقطني (1/ 137، 138). (¬2) سنن الدارقطني (1/ 136).

والمتون وكان أفقه المشايخ جالس المزني والربيع وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون، وذكر يوسف بن عمر بن مسرور عنه أنه قال: أعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل ويتقوت كل يوم بخمس حبات ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة ثم قال: أما هو في خبر ذكره (¬1). وأما حاجب بن سليمان فروى عنه النسائي وقال: ثقة (¬2) مع تشدد النسائي في التوثيق ولم يعارض توثيقه جرح من غيره فيما تعلم ومن فيه بعد حاجب فأعرف من أن يعرف به وحديثه من حفظه لا يخرج عنه اسم الثقة فهو مع التفرد الذي أشار إليه ينبغي أن يكون حسنًا ولولا ذلك لكان صحيحًا، مع أن التفرد على هذا الوجه ليس فيه كبير أمر إذ هو تفرد من وجه لا يلزم منه التفرد كل وجه، وإلا فالحديث له شواهد متعددة وبعضها يمكن أن لا يكون مقصرًا عن هذا ولولا خشية الإطالة لذكرنا جملة منها. وأما حديث إبراهيم التيمي عن عائشة فروينا عن أبي داود بالسند المتقدم أنبأ محمد بن بشار: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها ولم يتوضأ: قال أبو داود: هو مرسل. إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة (¬3). قال الدارقطني: لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق عطية بن الحارث، ولم نعلم حدث عنه غير الثوري وأبي حنيفة واختلفا فيه فأسنده الثوري عن عائشة وأسنده أبو حنيفة عن حفصة وكلاهما أرسله وإبراهيم التيمي لم يسمع من حفصة رضي الله عنهما ولا أدرك زمانهما (¬4). ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (10/ 119) ترجمة (5248). (¬2) تهذيب الكمال (5/ 201). (¬3) سنن أبي داود (1/ 123، 124) حديث 178. (¬4) سنن الدارقطني (1/ 140، 141).

قال أبو عمر: هو معلل بالانقطاع لا شك فيه، وفيه أيضًا مع الانقطاع تفرد أبي روق به (¬1). وقال البيهقي: وأبو روق ليس بقوي ضعفه يحيى بن معين وغيره (¬2). وقال أبو عمر أيضًا: لم يروه غير ابن روق وليس فيما تفرد به حجة فصار معللًا بعلتين: الأولى: الإرسال. والثانية: ضعف أبي روق. فأما علة الإرسال فإن الدارقطني رحمه الله قال: وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده وقد اختلف عنه في لفظه فقال عثمان ابن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صاثم، وقال عنه غير عثمان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ولا يتوضأ. ومعاوية بن هشام الذي وصل الحديث أخرج له مسلم وبقية الجماعة. وقال الرازي: صدوق (¬3). وقال يحيى: صالح، وليس بذلك (¬4). وأما التعليل بأبي روق فقال أبو عمر: قال الكوفيون: أبو روق ثقة لم يذكره ¬

_ (¬1) الاستذكار (1/ 53). (¬2) السنن الكبرى له (1/ 127). (¬3) الجرح والتعديل (8/ 385). (¬4) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ترجمة (94).

أحد بجرحة ومراسيل الثقات عندهم حجة (¬1). وقال أحمد في أبي روق ليس به بأس (¬2). وقال أبو حاتم: صدوق (¬3) وليست طريق إبواهيم التيمي في القوة كطريق عروة عن عائشة. وقد اختلف العلماء في الوضوء من القبلة فروى أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيده عن ابن عباس (4) والحسن وعطاء (¬4) ومسروق (4) وأبي جعفر (4) الهاشمي أنهم كانوا لا يرون في القبلة وضوءًا. وعن ابن عمر أنه كان يوى القبلة من اللمس ويأمر فيها بالوضوء (¬5). وعن عبد الله بن مسعود مثله (5). وسئل الزهريّ فقال: كان العلماء يقولون فيها الوضوء (5) وعن شعبة عن الحكم وحماد قالا: إن قبَّل أو لمس فعليه الوضوء (5). وعن الشعبي القبلة تنقض الوضوء (5). وروى فضيل عن إبراهيم أنه قال لامرأته: إما أني أحمد الله يا هنيدة لولا أني أحدث وضوءًا لقبلتك (¬6). ومنهم من فرق بين وجود الشهوة وعدمها فعن النخعي والشعبي إذا قبل ¬

_ (¬1) الاستذكار (1/ 53). (¬2) علل أحمد (1/ 228). (¬3) الجرح والتعديل (6/ 382). (¬4) مصنف ابن شيبة كتاب الطهارة وباب من قال ليس في القبلة وضوء أحاديث (486، 487، 488، 490) (1/ 48، 49). (¬5) نفس المصدر السابق أحاديث (491، 492، 496، 497، 498) (1/ 49). (¬6) نفس المصدر السابق (500، 493، 494)، وفيه: لولا أن.

بشهوة نقض الوضوء (¬1) وهو ظاهر مذهب مالك على ما يأتي تفصيله وروى ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن حماد قال: إذا قبل الرجل امرأته وهي لا تريد ذلك فإنما يجب الوضوء عليه وليس عليها وضوء فإن قبلته هي فإنما يجب الوضوء عليها ولا يجب عليه فإن وجد شهوة فعليه الوضوء وإن قبلها وهي لا تريد ذلك فوجدت شهوة وجب عليها الوضوء (¬2). وأما تقبيل الصبي فروى عن ابن عمر من وجوه أنه قبل صبيًّا فمضمض فاه ولم يتوضأ (2) وروى مغيرة عن إبراهيم أنه قال: تلك رحمة لا وضوء فيه (2) قال القاضي: أبو بكر بن العربي رحمه الله في مسألة القبلة والملامسة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: قول: لا وضوء من القبلة والملامسة قاله أبو حنيفة وصح عن عمر في القبلة وعن ابن عباس مطلقًا في الملامسة. الثاني: على الملامس الوضوء مطلقًا قاله الشافعي. الثالث: إن التذ بالملامسة وجب عليه الوضوء. قاله مالك وأصحابه في الجملة انتهى (¬3). وفي هذه الإطلاقات نظر فأما قوله عن أبي حنيفة لا ينتقض الوضوء بالملامسة مطلقًا والمعروف عن أبي حنيفة أنه إن أنعظ الملامس ينتقض وضوءه. وقال محمد بن الحسن: لا ينقض وضوءه أنعظ أو لم ينعظ إلا أن يخرج منه مذي. ¬

_ (¬1) نفس المصدر السابق (500، 493، 494). (¬2) نفس المصدر السابق (499)، (503)، (504). (¬3) عارضة الأحوذي بشرح الترمذي كتاب الطهارة باب ترك الوضوء من القبلة حديث (86) (1/ 124).

وأما المحكي عن مذهب الشافعي فإن مسائل النقض بالملامسة على ضربين منها ما اتفق الأصحاب عليه ومنها ما اختلفوا فيه كما سيأتي مفصلًا. وأما المحكي عن مالك وأصحابه فالمعروف عن مالك التفرقة بين القبلة والملامسة فيشترط الشهوة في الملامسة دون القبلة وسوى بعض أصحابه بينهما في اشتراط الالتذاد كما يأتي ولنقدم بين يدي المراد الكلام على قوله تعالى: {أو لامستم النساء} فعليه ينبني مسائل هذا الباب. قال الإمام أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن عبد المنعم الخزرجي المعروف بابن الفرس في كتابه في "أحكام القرآن" (¬1): {أو لامستم} وقرئ: أو لمستم لفظ اللمس في اللغة مشترك يقع على الجماع وعلى جس اليد والقبلة والمباشرة ونحو ذلك وعلى حسب اشتراكه (¬2) اختلف العلماء في المراد بملامسة النساء في هذه الآية. فقيل: المراد بها جميع ما يقع عليه من جماع [وقبل] وجس باليد وغير ذلك وهو قول مالك رحمه الله وأصحابه، وعلى هذا القول يكون التقبيل واللمس باليد وغيرهما مما سوى الجماع ناقضًا جميعه للوضوء على تقسيم في المذهب، ويجب معه التيمم للصلاة إذا عدم الماء ويكون الجنب من أهل التيمم. وقيل: المراد بالملامسة هنا ما سوى الجماع مما ذكرناه، وعلى هذا القول يخرج الجنب من أهل التيمم وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلاة حتى يجد الماء وهو قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما، وحكي عن ابن مسعود أنه رجع عن ذلك وذكر كلامًا في مسألة تيمم الجنب ثم قال: ويكون ما سوى الجماع كما ذكرنا ¬

_ (¬1) "أحكام القرآن" (2/ 198). وهكذا وقع اسمه عندنا، وترجم له محقق كتابه تحت اسم: عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم فينظر. (¬2) في "الأحكام": اشتراطه.

ناقضًا للوضوء. وقيل: الملامسة هنا الجماع لا غير روي ذلك عن عمر بن الخطاب وهو قول ابن عباس. وروي أن عبيد بن عمير وسعد بن جبير وعطاء اختلفوا في الملامسة فقال سعيد وعطاء هو اللمس والغمز وقال عبيد بن عمير هو النكاح فخرج عليهم ابن عباس وهم كذلك فسألوه وأخبروه بما قالوا فقال: أخطأ الموليان وأصاب العربي هو الجماع ولكن الله تعالى يصف ويكني، وهو محفوظ عن ابن عباس من وجوه كثيرة، روى عنه أنه قال: ما أبالي قبلت امرأتي أو شممت ريحانة وإلى هذا ذهب أهل العراق وحجتهم ما روي عن عائشة وذكر حديث الباب. قالوا: والملامسة لا تكون إلا من اثنين فلا يكون إلا الجماع، وعلى هذا القول يكون الجنب من أهل التيمم ويكون ما سوى الجماع لا ينقض الوضوء فذكر ثلاثة أقوال: الأول: أنه يعم الجماع وما دونه. الثاني: أن المراد به ما دون الجماع وعلى هذين القولين ينتقض الوضوء بالقبلة والملامسة كما سبق. الثالث: أنه يخص الجماع فلا ينقض الوضوء. وقد دعت الضرورة هنا إلى الترجيح فقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله، يشير إليه من ثلاثة أوجه: الأول: أن الحقيقة الإطلاق في اللمس يتناول الجنس باليد والقبلة والجماع فلا يرجع عن هذه الحقيقة إلى الكناية إلا بدليل ظاهر.

الثاني: أن الله تعالى قال: {أو لامستم النساء} في جملة الأحداث ثم قال: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} فاقتضى اللفظ الأول لمسًا يوجب الوضوء واقتضى قوله جنبًا شيئًا يوجب الغسل وإلا فكان يكون تكرارًا. وثالثها: أن يجعل القراءتين كالآيتين أو الخبرين فيكون قوله: {أو لامستم} يقتضي نقض الوضوء بالقبلة ومس اليد والجسم للجسم ويكون قوله: {أو لامستم} خبرًا عن الوطء وذكره أيضًا خبرين صحيحين لكن لا حجة لهم فيهما. الأول: حديث عائشة: التمست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليل فلم أجده فوقعت يدي على باطن قدميه وهو ساجد ورده بعض أهل العلم بالتفرقة بين اللامس والملموس وباحتمال أن يكون السجود في غير صلاة. والخبر الثاني: من طريق أبي قتادة حمله - عليه السلام - أمامة بنت أبي العاص في الصلاة يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام. ورد بجواز أن يكون اللمس من وراء حائل وردا معًا بأن هذا الخبر والذي قبله ليس فيهما أنهما كانا بعد نزول الآية ناسخة لهما ولما كان الناس عليه من ذلك قبل نزولها. قال ابن الفرس: وإذا قلنا إن اللمس باليد والقبلة والمباشرة داخل تحت قوله: {أو لامستم النساء} فلفظة النساء هاهنا عند مالك محمولة على عمومها في جميع النساء إلا أنه يراعي مع ذلك اللذة إلا في القبلة، وسؤى بعض أصحابه بين اللمس والقبلة في مراعاة اللذة وعند الشافعي محمولة في أشهر قوليه على جميع النساء إلا أنه لم يشترط اللذة وفرق في أحد قوليه بين المحارم وغيرهن واختلف في انتقاض وضوء الملموس. وقال الشافعي في أحد قوليه ينتقض.

وقال أبو حنيفة لا ينتقض وراعى مالك اللذة في انتقاض وضوءه أخذًا بعموم الملامسة؛ لأن كل واحد من الملامسين لامس ملموس (¬1) وإن لمس غير البشرة كالشعرة والظفر والمس ففيه وجهان: أصحهما لا ينتقض وكذا إن لمس منها عضوًا مبانًا وكذلك مس الصغيرة ففيهما أيضًا وجهان: أصحهما لا ينتقض وفي ذوات المحارم قولان: أصحهما لا ينتقض". قال الرافعي: ولا فرق بين محرمية النسب والرضاع والمصاهرة في اطراد القولين وإن لمس ميتة ففيه وجهان: وفي الملموس قولان أصحهما أنه ينتقض وضوءه لكنهم اختلفوا في الملموس من هو فقيل: المرأة هي الملموسة بكل حال وإن وجد اللمس منهما والرجل لامس. والثاني هو الأصح المشهور: أن اللامس من وجد منه فعل اللمس رجلًا كان أو امرأة والملموس الآخر قال: ويخرج مما ذكرناه قول إن المرأة لا ينتقض وضوؤها وإن لمست ثم لا فرق بين أن يتفق اللمس عمدًا وسهوًا كسائر الأحداث وبين أن يكون بشهوة أو بغير شهوة وحكي وجه أن اللمس إنما ينتقض الوضوء إذا وقع قصدًا. وحكي عن ابن سريج إنه كان ذهب إلى اعتبار الشهوة. قال: وقد حكي عن الشافعي أيضًا ولمس العجوز كغيرها ولمس العضو الأشل الزائد كالصحيح والأصل وفي الصور الثلاث وجه آخر" (¬2). ¬

_ (¬1) انتهى كلام ابن الفرس (2/ 201). (¬2) فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي مع حاشية المجموع شرح المهذب للنووي (2/ 32 - 35).

64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور وقال أبو عبيدة: ثنا، وقال إسحاق أبنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد المخزومي، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك فقال: صدق أنا صببت له وضوءه. قال إسحاق: معدان بن طلحة. وابن أبي طلحة أصح. قال أبو عيسى: وروى غير واحد من أهل العلم والتابعين؛ الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي. وقد جود حسين المعلم هذا الحديث. وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب. وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه، فقال: عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة.

* الكلام عليه: أخرجه الحافظان أبو محمد بن الجارود (¬1) وأبو الحسنن الدارقطني من جهة عبد الصمد بن عبد الوارث، ورواه الطبراني وابن مُنده من جهة أبي معمر عن عبد الوارث، وعند ابن منده عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي أن يعيش بن الوليد حدثه: أن أباه قال: حدثني معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء فذكره. قال ابن منده: هذا إسناد متصل صحيح على رسم النسائي وأبي داود وتركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده، وأما ما ذكره الترمذي عن معمر فقد روي عنه من وجوه: أحدها: ما ذكره الترمذي ورواه الطبراني من طريقه عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، قال: استقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفطر وأتي بماء فتوضأ، رواه عن الدبري، عن عبد الرزاق عنه. وهذا مخالف لما عند الترمذي عنه. وقد قيل فيه من طريق هشام عن يحيى، عن رجل، عن يعيش. وبعضهم يقول فيه: عن معدان بن طلحة. قال البيهقي: وإسناد هذا الحديث مضطرب، وقد اختلفوا فيه اختلافًا شديدًا (¬2). ¬

_ (¬1) طريق عبد الصمد عند ابن الجارود في "المنتقى" (8). باب ما جاء في الوضوء من القيء. والدارقطني (1/ 158)، وكذلك عنده طريق أبي معمر، وروى طريق أبي معمر: الطبراني في "الأوسط" (3702). (¬2) "السنن الكبير" (1/ 144).

قال .... والذي به يعلل به على هذا الحديث من جهة الإسناد له أمران: أحدهما: قال ابن حزم في يعيش بن الوليد وأبيه: ليسا مشهورين. الثاني: الاضطراب الذي أشار إليه البيهقي. فأما الأول فإن أحمد بن عبد الله العجلي قال في يعيش: هو شامي ثقة. وقد حكينا عن ابن منده قوله: هذا إسناد صحيح متصل. أما الاضطراب الذي أشار إليه قال رواية من رواه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن يعيش ليست بضارة إذ قد تبين من خارج أن الرجل هو الأوزاعي، ولذلك من قال عن حديث الوليد بن هشام عن معدان وهذا يقول شيبان فهي أيضًا لا تخالف التي قبلها وقد تبين أن الواسطة هو الأوزاعي والاختلاف بين معدان بن طلحة ومعدان بن أبي طلحة صحيح والكل مقول فيه. وأما رواية خالد بن معدان فقد حكم الترمذي أنها غلط فلا تعل الرواية الصحيحة. وقال الأثرم: قلت لأحمد قيل: اضطرب في هذا الحديث فقال حسين المعلم جوده وهذا كما قال الترمذي، وفي كتاب العلل للترمذي أن البخاري هو الذي قال ذلك، قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: حسين المعلم جوده (¬1). وهذا كلام قد اتفق عليه أحمد والبخاري والترمذي وليس صريحًا في التصحيح ولكنه ترجيح لطريق حسين على غيرها وتنبيه على خلاف طريق حسين من العلل الواقعة في طريق غيره. وبوب الترمذي على القيء والرعاف وليس في حديثه للرعاف ذكر. ¬

_ (¬1) "العلل" (57).

وفي الباب مما لم يذكره كحديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن علي صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم". رواه ابن ماجه (¬1) عن محمد بن يحيى، عن الهيثم بن خارجة، ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن عائشة. ومحمد بن يحيى والهيثم بن خارجة ثقتان. والحديث من رواية إسماعيل بن عياش، عن الحجازيين وهو أحد ما عيب به إسماعيل. ذكره ابن دقيق العيد في الإمام وهو عندهم موقوف غير مرفوع لم يرفعه إلا إسماعيل عن ابن جريج وسليمان (¬2). فأما سليمان فليس بشيء مطلقًا وأما إسماعيل فحديثه عن الشاميين مستقيم وعن غيرهم ليس كذلك. وهذا من روايته عن ابن جريج وهو حجازي وقد خالفه فيه .... الحفاظ من أصحاب ابن جريج فلم يرفعه واحد منهم وبهذه الطريقه رده المتقدمون، وقالوا: إن الصحيح فيه الموقوف على من دون النبي - عليه السلام -. فيمكن أن يقال قد اختلف على إسماعيل في رفعه ووقفه فمن أصحابه من يرويه عنه موقوفًا ومنهم من يرويه عنه مرفوعًا، ومنهم من جمع بين الطريقين. رواه الدارقطني (¬3) من طريق محمد قال: عن إسماعيل بالإسنادين وقال ونحوه. ¬

_ (¬1) رقم (1221) وضعفه الألباني. (¬2) هو ابن أرقم كما في "سنن الدارقطني" (1/ 153). (¬3) "السنن" (1/ 153 - 154) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة ونحوه.

أيضًا: ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن عياش بهذين الإسنادين جميعًا. وممن رواه بالإسنادين ... عن إسماعيل بن عياش: الربيع بن نافع وداود بن رشيد. وإسماعيل مختلف فيه فمن الناس من يوثقه مطلقًا نقل ذلك عن يحيى بن معين وغيره ممن يضعفه وهذا بالتقدير ليس بضعيف بوضع ولا كذب ولا قريب من ذلك وإنما يتقون حديثه عن الحجازيين لانفراده برفع ما لم يرفعه غيره، وما أشبه ذلك من الجرح فيه تقصير في الحفظ عن غيره من المتقنين لحديث الحجازيين ويرون أحاديثه عن الشاميين سالمة من ذلك، وأما هنا فنقول لو كان أصحاب إسماعيل اتفقوا على رفعه عنه .... شبهته الخلل في حفظه عن ابن جريج. ولكن جماعة من الثقات كما ذكرنا رووه عنه مرفوعًا وموقوفًا بالإسنادين معًا، فاقتضى ذلك أنه روى المرفوع والموقوف عن ابن جريج وأنه لم يؤت في ذلك من قبل الوهم وسوء الحفظ. ولو كان سمعه من ابن جريج موقوفًا وتوهم أنه عنده مرفوع فحدث به كذلك على الظن لاستمر على ذلك لكن تحديثه به بالإسنادين مما يدل على حفظ وذكرٍ. فامتنع تعليل الخبر بضعف إسماعيل من هذا الوجه لأن إسماعيل ليس هو عند أحمد من الناس في رتبة من يحدث مما لم يسمع متعمدًا. وحديث سلمان قال: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سال من أنفي دم فقال: "أحدث وضوءًا". رواه الدارقطني (¬1) من طريق عمرو بن خالد أبي خالد القرشي الواسطي ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 156).

وقال: متروك. وقال فيه أحمد ويحيى: كذاب. وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: أبو خالد هذا عمرو بن خالد متروك الحديث لا يشتغل بهذا الحديث. وحديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء حتى يكون دمًا سائلًا". رواه الدارقطني (¬1) من طريق محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، عن أبي هريرة. ورواه أيضًا من طريق محمد بن الفضل عن أبيه، عن ميمون، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. ورده بمحمد بن الفضل بن عطية؛ قال: ضعيف. وفي طريقه الأول عند الدارقطني سفيان بن زياد وحجاج بن نصير ثنا محمد بن الفضل؛ قال: سفيان بن زياد وحجاج بن نصير ضعيفان. وحديث ابن عباس؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه ويستقبل صلاته". رواه الدارقطني (¬2) من حديث سليمان بن أرقم وقال: هو متروك. وروى أيضًا من طريق عمر (¬3) بن رياح ثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 157). (¬2) "السنن" (1/ 153). (¬3) الأصل: عمرو! وانظر "السنن" (1/ 157).

عباس؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رعف في صلاته وبنى على ما بقي من صلاته. قال الدارقطني: عمر (¬1) بن رياح متروك. وحديث ابن عباس أنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوضوء مما خرج وليس مما دخل". رواه البيهقي. وحديث الفضل بن المختار، عن ابن أبي ذئب عن شعبة يعني مولى ابن عباس، عن ابن عباس (¬2). قال البيهقي: وروي عن علي من قوله، وورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يثبت في حديث تميم الداري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوضوء من كل دم سائل". رواه الدارقطني (¬3) من حديث بقية عن يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز. وقال: عمر بن عبد العزيز، لم يسمع من تميم الداري، ويزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان. وروي من حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القلس حدث". رواه الدارقطني (¬4) من حديث سوار بن مصعب، عن زيد، وقال: لم يروه عن زيد غير سوار وسوار متروك. وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من رعف في صلاته ¬

_ (¬1) الأصل: عمرو! وانظر "السنن" (1/ 157). (¬2) "السنن" للدارقطني (1/ 151)، والبيهقي (1/ 116). (¬3) "السنن" (1/ 157). (¬4) "السنن" (1/ 155).

فليرجع فليتوضأ وليبن علي صلاته". رواه الدارقطني (¬1) من حديث أبي بكر الداهري، عن حجاج عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد. أبو بكر الداهري قال فيه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: ليس بشيء. وحديث لأبي هريرة سوى ما تقدم، رواه البيهقي (¬2) من حديث سهل بن عفان السجزي ثنا الجارود بن يزيد، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يعاد الوضوء من سبع أقطار: البول والدم السائل والقيء ومن دسعة يُملأ بها الفم والنوم المضطجع وقهقهة الرجل في الصلاة ومن خروج الدم". ويقول سهل بن عفان مجهول والجارود بن يزيد ضعيف في الحديث ولا يصح. وقرأت على الشريف أبي الفتح موسى بن علي بن أبي طالب الحسيني أخبركم أبو الفضل مكرم بن محمد القرشي قراءة عليه وأنت تسمع فأقرّ به قال: ثنا أبو يعلى حمزة بن كدوس، ثنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الميماسي، ثنا أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، ثنا أبو الحسن علي بن الفرج الأزدي، ثنا يحيى بن بكير عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم. وبه إلى يحيى بن بكير؛ قال: ثنا مالك أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل الدم ثم يرجع ويبني على ما قد صلى. ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 157). (¬2) عزاه الزيلعي (1/ 44) للبيهقي في الخلافيات، وفيه: وضعف فإن فيه سهل والجارود، وهما ضعيفان.

وبه إلى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه رأى سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتي بوضوء فتوضأ ثم رجع فبنى على ما قد صلى. قال مالك: ولم يقل أنه وضوء للصلاة. وبه إلى مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى يخضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ. وبه إلى مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم فيمسحه بأصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ. قال: وسئل مالك عن دم الذباب فقال: أرى أن يغسله. وفيه الوضوء مما خرج من غير السبيلين من قيء أو رعاف أو ما معنا (¬1) فيه قد اختلف العلماء في ذلك فذكر ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي والحكم قالا: في القلس وضوء. وعن إبراهيم وحماد مثله. وعن عطاء قال: إذا وجدت من الطعام على لسانك فأعد الوضوء. وعن ليث عن عطاء قال: هو حدث. وروى أبو بكر، عن أبي خالد، وليس بالأحمر عن سفيان، عن جابر، عن القاسم وسالم قالا: في القلس وضوء. وممن كان لا يرى فيه وضوءًا: طاوس ومجاهد والحسن. ¬

_ (¬1) كذا الأصل.

فقال مجاهد: لا، حتى يكون القيء. وعن الحسن: إذا كان يسيرًا فليس بشيء. وعن حماد: إذا كان في القلس إذا كان يسيرًا فليس فيه وضوء وإذا كان كثيرًا ففيه الوضوء. وقد روي عن عطاء ليس فيه وضوء. وذكر عن هشيم أبنا بن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر قال: من رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ فإن لم يتكلم بنى على صلاته، وإن تكلم استأنف الصلاة. وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: إذا رعف الرجل في الصلاة أو ذرعه القيء أو وجد مذيًا فإنه ينصرف فيتوضأ ثم يرجع فيتم ما بقي على ما مضى ما لم يتكلم. وقال الزهري: الرعاف والقيء سواء يتوضأ منهما ويبني ما لم يتكلم. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن رعف في الصلاة فاشدد على منخريك وصلِّ كما أنت فإن خرج من الدم شيء فتوضأ وأتم على ما مضى ما لم تتكلم. قال البيهقي: وروى حجاج بن أرطاة، عن خالد بن سلمة عن محمد بن الحارث أن عمر رضي الله عنه كان يصلي بأصحابه فرعف فقدم رجلًا يصلي بالقوم ثم ذهب يتوضأ ثم رجع فصلى ما بقي من صلاته ولم يتكلم. قال أحمد: هذا مرسل فإن محمد بن الحارث بن أبي ضرار لم يرو عن عمر وحجاج بن أرطاة ضعيف.

وروى الدارقطني من حديث وكيع، عن علي بن صالح وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي؛ قال: إذا وجد أحدكم في بطنه رِزًا أو رعافأ أو قيئًا، فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن علي صلاته ما لم يتكلم. وروى نحوه عن ابن مسعود وأبي هريرة. قوله: رِز بكسر الراء المهملة وبعدها زاي مشددة هو الوجع ويقال فيها أيضًا رزيزي مثل خصيصي. وذكر ابن أبي شيبة، ثنا ابن إدريس عن هشام، عن الحسن ومحمد؛ قال: كانا يقولان في الرجل يحتجم يتوضأ ويغسل أثر المحاجم. وذكر من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثله. وعن ابن عمر أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه. وعن إبراهيم مثله. وقال مكحول: لا يغسل إلا أن يكون عليها دم. وكان القاسم يمسح أثرها. وقد ذهب قوم إلى الاغتسال من الحجامة. قال أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا زكريا عن مصعب بن شيبة، عن طلق، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة حدثته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يغتسل من الحجامة. رواه أبو داود عن عثمان أخي أبي بكر المذكور، عن محمد بن بشر بسنده إلى عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت".

هذا منسوخ. وقال أيضًا: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليهم. وقال البخاري: حديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك ضعيف. وقال الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء. وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن (غسل ميتًا فليغتسل) حديثًا ثابتًا (¬1) ولو ثبت لزمنا استعماله. وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل عنه أباه وأبا زرعة فقالا: لا يصح فيه شيء فقلت لأبي زرعة: تفرد به مصعب بن شيبة، فقال: نعم. وأعله الأثرم بعلل منها: أنه إنما هو من حديث مصعب بن شيبة. قال: وقد سمعت أبا عبد الله يتكلم فيه فيذكر أن أحاديثه مناكير، وسمعته يتكلم في هذا الحديث بعينه. ومنها أنه صح عن عائشة خلاف هذا القول أنها أنكرت الغسل من غسل الميت فكيف ترويه عن - صلى الله عليه وسلم - وتنكره على من يغسله. ومنها أن عائشة كانت ترخص في غسل الجمعة، وهذا يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به. ومنها الغسل من الحجامة وهذا منكر عن النبي - عليه السلام - لإجماع الأمة على أنه لا يجب في الدم غسل. والجواب عن ذلك: أما مصعب بن شيبة فقد احتج به مسلم والحديث على شرطه. ¬

_ (¬1) الأصل: تامًّا.

وقد أخرجه غير واحد من أصحاب الصحيح. رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه. وأخرجه الحاكم في المستدرك. وصححه أبو حاتم بن حبان. وقال البيهقي: رواة هذا الحديث كلهم ثقات فإن طلق بن حبيب ومصعب بن شيبة قد أخرج مسلم حديثهما في الصحيح. وروى عن أبي كريب، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه بهذا الإسناد بعينه: "عشرة من الفطرة". وسائر رواته متفق عليهم. وأما فتيا عائشة بخلافه فليس ذلك علة عند جمهور السلف والحجة عندهم فيما كان كذلك في الرواية لا في الفتيا هذه طريقة الأثرم والإمام أحمد وأكثر العلماء. وإنما أعل السنن بمثل هذا قوم من الكوفيين. ولا يحسن أن يعل هذا بعلة لا تطرد في استعماله. وأما ترخيصها في غسل الجمعة؛ فإن الأحاديث فيه متعددة، وبعضها يقتضي الترخيص، فلعل عندها رواية في ذلك رجعت إليها. وأما قوله في غسل الحجامة لإجماع الأمة على أنه لا يجب، فلا يقتضي ذلك ضعف الحديث لو ثبت على أنه ليس ثابتًا لما نذكره بجواز أن يحمل على الاستحباب.

وقد تبع الأثرم في ذلك الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمهما الله فقال: وكذلك الغسل من الحجامة منكر لأنه لا يجب ولا يستحب إجماعًا؛ فزاد: ولا يستحب وليس كذلك. قال أبو بكر بن أبي شيبة: من قال عليه الغسل، يعني المحتجم. ثنا جرير، عن مغيرة، عن المسيب بن رافع، عن ابن عباس قال لي: الغسل من الحجامة. حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو؛ قال: اغتسل من الحجامة. حدثنا وكيع، عن شعبة، عن الحكم قال: احتجم عندي إبراهيم ومجاهد، فاغتسل مجاهد وغسل إبراهيم موضع المحاجم. حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو أنه كان يغتسل من نتف الإبط. حدثنا المحاربي عن ليث، عن مجاهد، عن علي في الرجل يحتجم، أو يحلق عانته أو ينتف إبطه، قال: يغتسل. حدثنا عبيد الله قال: أبنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا احتجم الرجل فليغتسل، ولم يره واجبًا. وهذا القول الأخير عن ابن عباس من استحباب الاغتسال من الحجامة محكي عن بعض أصحاب الشافعي رحمه الله قال الرافعي في تعداد الأغسال المستحبة منها: الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام. ذكر صاحب التلخيص عن القديم إنه مندوب إليه.

وذكر الضمري في الكفاية: أن الغسل عن الحجامة حسن، والأكثرون أهملوا ذكرهما قال: فإن قلنا بالقديم، قيل: إن المراد من غسل الحمام ما إذا تنور. قال: وعندي أن المراد منه أن يدخل الحمام فيعرق فيستحب أن لا يخرج من غير غسل. انتهى. وقد ورد في الغسل من الحمام عن بعض السلف شيء ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه. وقالت طائفة لا وضوء في ذلك ولا غسل واحتجوا بما روى أبو داود في "سننه" من حديث محمد بن إسحاق، ثنا صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من رجل يكلؤنا" فانتدب رجل من المهاجرين وقام رجل من الأنصار، فقال: "كونا بفم الشعب"، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب واضطجع المهاجري، وقام الأنصاري فصلى، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة القوم فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم أنبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها. وروى الدارقطني من حديث حميد الطويل عن أنس؛ قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه. في إسناده صالح بن مقاتل قال الدارقطني: ليس بالقوي. وذكر البيهقي هذا الحديث وقال: إلا أن في إسناده ضعفًا.

وروى الدارقطني من حديث أبي أسماء الرحبي: ثنا ثوبان حديثًا فيه: قلت: يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟ قال: "لو كان فريضة لوجدته في كتاب الله". في إسناده عتبة بن السكن لم يروه عن الأوزاعي غيره وهو ضعيف. ومن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين وضوءًا: طاووس ويحيى بن سعيد الأ نصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو الزناد، وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور. وأما مذهب أهل المدينة فقال مالك رحمه الله: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا قيح ولا دم يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم. هذا قوله في "موطئه" وعليه جماعة من أصحابه. وكذلك الدم يخرج من الدبر لا وضوء فيه ولا وضوء عنده إلا في المعتادات من ... الخارجة من المخرجين. وقول الشافعي في ذلك كقول مالك إلا ما يخرج من المخرجين: القبل والدبر فإنه عند الشافعي حدث ينقض الوضوء. وسواء كان عنده الخارج من المخرجين دمًا أو ... أو دودًا أو بولًا أو رجيعًا. ومن حجته في ذلك أن دم الاستحاضة إنما وجب فيه الوضوء لأنه خرج من المخرج، وكل ما خرج من سبيل الغائط أو البول ففيه الوضوء، قال: ولا يجوز قياس سائر الجسد على المخرجين لأنهما مخصوصان في الاستنجاء بالأحجار، ولأنهما سبيل الأحداث المجتمع عليها، وليس سائر الجسد يشبههما ولا له علتهما.

قال الرافعي: وكل خارج من غير السبيلين لا ينقض الطهارة عندنا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: كل نجاسة خارج من البدن ينقض الوضوء كالدم إذا سال والقيء إذا ملأ الفم وبه قال أحمد؛ إلا أنه لا يقول بالانتقاض إذا كان الدم قطرة أو قطرتين. لنا ما روي عن أنس -وذكر حديث: "احتجم وصلى ولم يتوضأ"، وقد ذكرناه وبينا ضعفه. قال: وروي مثل مذهبنا عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة رضي الله عنهم. قوله: وقد روي مثل مذهبنا عن عبد الله بن عمرو ... إلى آخره، إن أراد مثل مذهبه في اعتبار السبيل من المخرج منبهًا على السبيل الذي ذكره. ففيه نظر. وإن أراد مثل مذهبه في ... (¬1) الوضوء من الرعاف أو الحجامة أو القيء أو ما أشبه ذلك فهذا أقرب من الأول على أنه قد روى البيهقي عن نافع عن ابن عمر: أنه كان إذا احتجم غسل محاجمه. وليس هذا صريحًا. وروى عنه أيضًا من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من الدم فحكه بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ. وحمل بعض أهل العلم هذا على الفرق بين القليل والكثير وإلا فالمعروف من مذهب ابن عمر وأبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إيجاب الوضوء من الرعاف وأنه كان عندهما حدثًا من الأحداث الناقضة للوضوء إذا كان الرعاف ظاهرًا سائلًا. ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في الأصل، ولعلها بمعنى إيجاب، أو: اختلاف. والله أعلم

وكذلك كل دم سال من الجسد ظهر، قاله أبو عمر ابن عبد البر وغيره. وقد ذكرنا ذلك عن ابن عمر من طريق مالك وابن أبي شيبة ومن طريق عبد الرزاق بأصح إسناد. وفي حديث عبد الرزاق: إذا رعف أو ذرعه القيء أو وجد مذيًا. وكالمروي عن ابن عمر من أنه عصر بثرة. والمروي عن ابن أبي أوفى أنه بصق دمًا ثم صلى ولم يتوضأ، وكذلك المروي عن أبي هريرة وبه: كان لا يرى بالقطرة والقطرتين في الصلاة بأسًا. وكذلك المروي عن جابر من طريق أبي الزبير أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم فمسحه بالأرض أو بالتراب وصلى. وقد تقدم في علل حديث عائشة: من قاء أو قلس أو رعف فعليه الوضوء، أن الصحيح فيه الموقوف، فهذا عن عائشة صحيح. فما ذكره الرافعي محمول على يسير الدم جمعًا بين الخبرين. وروي مثل ذلك في اليسير عن أبي قلابة ومكحول وغيرهما. وأما من لا يرى في الدم السائل وضوء فعن طاوس وسعيد بن جبير كل هذا عند ابن أبي شيبة بأسانيده. قال أبو عمر: فإن كان الدم يسيرًا غير خارج ولا سائل فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم ولا أعلم أحدًا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدًا وحده. قال: وذكر ابن عمر المذي المجمع على أن فيه الوضوء مع ذكر القيء والرعاف يوضح لك مذهبه فيما ذكرنا. وكذلك عن سالم بن عبد الله في الدم اليسير الخارج من الأنف إذا غلبه

بالفتل حتى لا يقطر ولا يسيل. ومعلوم من مذهب سالم أنه كان كمذهب أبيه في الرعاف. ذكر ابن أبي شيبة: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر؛ قال: رأيت سالم بن عبد الله صلى ركعة من صلاة الغداة ثم رعفما فخرج فتوضأ ثم جاء فبنى على ما صلى. ويروى مثل ذلك عن علي وابن مسعود وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتيبة وحماد والحسن وعطاء وكل هؤلاء يرون الرعاف وكل دم سائل من الجسم حدثًا يوجب الوضوء للصلاة. وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والنووي والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في الرعاف والفصاد والحجامة وكل نجس خارج من الجسم يرونه حدثًا ينقض الطهارة. واحتجوا بما ذكرناه من الأحاديث أول الباب وبقوله - عليه السلام - للمستحاضة: "إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة". قالوا: فأوجب - عليه السلام - الوضوء على المستحاضة من دم العرق السائل فكذلك كل دم يسيل من الجسد. وأما الأحاديث السابقة فقد تقدم تعليلها. وأما حديث المستحاضة هذا فقد اختلفت ألفاظه اختلافًا كبيرًا وسيأتي الكلام عليه في بابه. وأما الوضوء من أذى المسلم فروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: يتوضأ

أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها لأخيه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي أن أتوضأ من الطعام الطيب. وعن ابن عباس: الحدث حدثان حدث الفرج وحدث اللسان، وأشدهما حدث اللسان. وعن إبراهيم النخعي: إني لأصلي الظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد إلا أن أحدث أو أقول منكرًا. وعن عبيدة السلماني: الوضوء يجب من الحدث وأذى المسلم. وأمر عطاء فيه بإعادة الوضوء والصلاة. وأما مس الصليب والوثن فروي عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن أبي عمرو الشيباني: أن علي بن أبي طالب استتاب المستورد العجلي وأن عليًّا مسَّ صلبًا كانت في يد المستورد فلما دخل علي في الصلاة قدم رجلًا وذهب ثم أخبر الناس أنه لم يفعل ذلك لحدث أحدثه ولكنه مس هذه الأنجاس فأحب أن يحدث وضوءًا. ومن طريق يعلى بن عبيد، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بريدة وقد مسَّ صنمًا يتوضأ. صالح بن حيان ضعيف لا يحتج به. وأما الدم الطاهر من المرأة فاختلف السلف فيه: قال أبو محمد علي بن أحمد فروينا من طريق أم علقمة عن عائشة أم المؤمنين: أن الحامل تحيض.

هو أحد قولي الزهري وهو قول عكرمة وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وربيعة ومالك والليث والشافعي. وروينا عن سعيد بن المسيب والحسن وحماد بن أبي سليمان: أنها مستحاضة لاحائض. وروي عن مالك أنه قال في الحامل ترى الدم أنها لا تصلي إلا أن يطول ذلك بها فحينئذ تغتسل وتصلي ولم يحد في الطول حدًّا. وقال أيضًا: ليس أول الحمل كآخره ويجتهد لها ولا حد في ذلك. وروينا من طريق عطاء عن عائشة أم المؤمنين: أن الحامل إن رأت الدم فإنها تتوضأ وتصلي. وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة والنخعي والشعبي وسليمان بن يسار ونافع مولى ابن عمر وأحد قولي الزهري. وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وداود. وقد أوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة إبراهيم النخعي، وعن مجاهد: الوضوء من تنقية الأنف. وعن علي بن أبي طالب ومجاهد وذر -والد عمر بن ذر-: إيجاب الوضوء من قص الأظفار وقص الشعر ... (¬1) الدود والحجر يخرجان من الدبر؛ فإن الشافعي أوجب الوضوء من ذلك ولم يوجبه مالك. وروي قول الشافعي عن عطاء والحسن وعن أبي العالية: ما خرج من النصف ¬

_ (¬1) كلمة بياض في الأصل. ولا يوجد ما يقابلها في "المحلى" (1/ 264).

الأعلى فليس فيه وضوء وما خرج من النصف الأسفل ففيه الوضوء. وروى نحو قول مالك عن إبراهيم النخعي. (وعن) عمر بن الخطاب: من مسَّ إبطه أو نقى أنفه توضأ. وعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يغتسل من نتف الإبط. وسئل الحسن عن الرجل يمس إبطه ينتفه فلم ير به بأسًا إلا أن يدميه. واختلفوا في القيح أيتوضأ منه أم لا؟ فعن إبراهيم: ما خرج من الجرح فهو بمنزلة الدم وفيه الوضوء. وعن الزهري: الدم والقيح سواء. وقد ذكرنا قول الزهري: الرعاف والقيء سواء ويتوضأ منهما. وعن الحسن: القيح والصديد ليس فيه وضوء. وعن أبي مجلز أنه كان لا يرى القيح شيئًا؛ قال: إنما ذ كر الله الدم. وعن إبراهيم والحكم وحماد، قالوا: ما خرج من البثرة من شيء فهو بمنزلة الدم. وأما الضحك والقهقهة في الصلاة فرويت أحاديث في إبطال الوضوء به، والصلاة لا تثبت؛ وأجودها مرسل أبي العالية الرياحي. وممن قال بإيجاب الوضوء بذلك: أبو موسى الأشعري وابراهيم النخعي والشعبي وسفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والحسن بن حي وعبد الله بن الحسن؛ وغيرهم يخالفهم في ذلك قال أبو حنيفة إلا أن يكون في صلاة الجنازة فلا ينقض.

وروى وكيع عن عمران بن حدير، عن عيسى بن هلال، عن كثير مولى سلمة من ذبح ذبيحة فليتوضأ". وروى عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن أبي قلابة أنه سقاهم نبيذًا؛ فتوضؤوا. ومن رأى الوضوء من القيء والرعاف فحجته ما ذكرناه من السنن والآثار. ومن لم يذهب إلى ذلك يرى أن الوضوء المجمع عليه؛ لا ينتقض إلا بإجماع أو فريضة أو سنة لا يطعن فيها. وليس هنا قرآن ولا إجماع أما السنن فقد تقدم ما فيها من العلل، ويحمل الوضوء حيث جاء على الوضوء اللغوي ولو ثبت في ذلك سنة وسلمت من التعليل لكان حمل المعنى على الحقيقة الشرعية أولى من البناء على الراعف على ما صلى ما لم يتكلم. قال ابن عبد البر: فقد ثبت عن عمر وعلي وابن عمر وروي عن أبي بكر أيضًا ولا مخالف لهم من الصحابة إلا المسور بن مخرمة. وروي أيضًا البناء للراعف على ما صلى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام، لا أعلم في ذلك اختلافأ إلا الحسن البصري فإنه ذهب في ذلك مذهب المسور بن مخرمة أنه لا يبني من استدبر القبلة لا في الرعاف ولا في غيره. وهو أحد قولي الشافعي واستحب ذلك إبراهيم النخعي وابن سيرين. قال الحسن: إن استدبر القبلة استقبل -يعني صلاته- وإن التفت يمينًا وشمالًا مضى في صلاته. وقال مالك: من رعف في صلاته قبل أن يعقد منها ركعة تامة يسجد فيها

فإنه ينصرف فيغسل الدم عنه ويرجع فيبتديء الإقامة والتكبير والقراءة. ومن أصابه الرعاف في وسط صلاته أو بعد أن يركع منها ركعة يسجد فيها انصرف فغسل الدم عنه وبنى على ما صلى حيث شاء إلا الجمعة فإنه لا يتمها إلا في الجامع. ولولا خلاف من مضى لكان أحب إلي الراعف أن يتكلم ويبتديء صلاته من أولها. قال مالك: ولا يبني أحد في القيء ولا في شيء من الأحداث إلا الراعف وحده. وعلى ذلك جمهور أصحاب مالك. ومنهم من يرى أن يبني الراعف على ما صلى قليلًا كان أو كثيرًا. وعن الشافعي في الراعف روايتان: إحداهما: يبني وفي الأخرى لا يبني. وأما في سائر الأحداث. فقال أبو حنيفة وأصحابه عن حدث: يسبق المصلي ...... بولًا كان أو غائطًا أو ريحًا أو رعافًا فلينصرف فيتوضأ ويبني على ما قد صلى. وهو قول ابن أبي ليلى وبه قال داود في كل حدث بعد أن يتوضأ وليس الرعاف والقيء عنده سيان. وهو قول الشافعي في القديم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: من أحدث في ركوعه أو سجوده بعدما أحدث فيه

ولا يعتد بها، وكذلك قال مالك في ... إذا رعف قبل تمام الركعة سجد بها لم يعتد لها ولم يبن عليها. وقال الثوري: إذا كان حدثه من رعاف أو قيء بنى وتوضأ، وإن كان حدثه من بول أو ريح أو ضحك في الصلاة أعاد الوضوء والصلاة. وهو قول إبراهيم في رواية. وقال الزهري: يبني في الرعاف والقيء خاصة بعد أن يتوضأ ولا يبني في سائر الأحداث. وليس الضحك عند الزهري حدثًا ولا عند الحجازيين. وقال الأوزاعي: إن كان حدثه قيئًا بنى، أو ريحًا توضأ واستقبل، وإن كان من رعاف توضأ وبنى. وكذلك الدم كله عنده مثل الرعاف. وقال ابن شبرمة: من أحدث انتقض وضوءه فإن كان إمامًا قدم رجلًا فصلى بقية صلاته، فإن لم يفعل وصلى كل رجل منهم ما عليه أجزأه، والإمام يتوضأ ويستقبل. قال أبو عمر: قد أجمع العلماء على أن الراعف إذا تكلم لم يبن فقضى إجماعهم بذلك، علمًا بأن المحدث أحرى أن لا يبني لأن الحدث إن لم يكن كالكلام في مباينته الصلاة كان أشد من الكلام. قلت: يشير بذلك إلى أن هذا التفريع كله فيمن سبقه الحدث. وأما من تعمد الحدث في الصلاة فلا بناء له بل يتوضأ وبستأنف الصلاة والله أعلم.

قال: وروى الكوفيون عن علي وسلمان فيمن أحدث في صلاته من بول أو ريح أو قيء أو رعاف أو غائط أنه يتوضأ أو يبني، إلا أن أكثر الأحاديث عن علي ليس فيها إلا ذكر القيء والرعاف لا غير. ويصح عنه البناء إلا في القيء والرعاف. وهو قول ابن شهاب. وقال الشافعي في الجديد: يبطلان صلاة من أحدث في الصلاة وأنه لا يبني، وبه قال أحمد، وهي رواية مالك، قالوا: لما روى علي بن طلق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة". وقد تقدم ذكر هذا الحديث في باب الوضوء من الريح وذكر من أخرجه وسيأتي الكلام عليه مع مسائل هذا الباب في موضعه من هذا الكتاب في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وأما من غلبه الدم من جرح أو رعاف، فروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وجرحه يثعب دمًا أي ينفجر. ورواه مالك أيضًا في الموطأ عن هشام عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن المسور ... فذكره. وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن هشام قال: كانت فيّ دماميل فسألت أبي عنها فقال: إذا كانت ترقأ فاغسلها، وإن كانت لا ترقأ فتوضأ وصل، وإن جرح منها شيء فلا تبال، فإن عمر قد صلى وجرحه يثعب دمًا.

وروى ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر، عن سيف، قال: كان لمجاهد قرحة تحصل فكان لا يتوضأ ويصيب ثوبه فلا يغسله". وعن جرير، عن القعقاع؛ قال: قلت لإبراهيم: رجل به دماميل كثيرة فلا تزال تسيل، قال: يغسل مكانها ويتوضأ ويبادر فيصلي. وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه قال: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي. وعن الصلت بن زيد أنه سأل سليمان بن يسار عن البلل يجده، قال: انضح تحت ثوبك واله عنه. هذا والأثر قبله عن سعيد بن المسيب في المذي والوضوء منه سنة مجمع عليها، ليست كالدم لما ذكرنا فيه من الاختلاف. فإذا سقط الوضوء عمن أصابه ذلك القدر من المذي فلأن يسقط عن صاحب الدم من باب الأولى. وإذا كان خروج المذي من فساد وعلة فلا وضوء فيه عند مالك، ولا عند سلفه وعلماء أهل بلده؛ قال: لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع لا وجه للوضوء فيه. وهذا حكم صاحب سلس البول وسلس المذي وهو الذي تسميه بعض الفقهاء المستنكح وهو الذي لا ينقطع ذلك منه لعلة نزلت به من كبر أو برد أو غير ذلك. قال أبو عمر: أجمع العلماء على أنه لا يسقط ذلك عنه فرض الصلاة وأن عليه أن يصليها في وقتها على حالته تلك إذ لا يستطيع غيرها. واختلفوا في إيجاب الوضوء للصلاة مع حاله تلك: فذهب مالك إلى أنه لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة ولكنه يستحب ذلك

له اعتبارًا بالمستحاضة وذلك كحكم المستحاضة عنده. وقال الشافعي: يتوضأ لكل صلاة. وقال أبو حنيفة: لكل وقت صلاة. وقال الأوزاعي: يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد. وقال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه الوضوء على المستحاضة واجب لكل صلاة وقالوا: تتوضأ وإن كان دمها يسيل، وسلس صاحب السلس لا ينقطع كما تصلي ودمها والبول لا ينقطعان فكما تؤدي صلاتها على تلك الحال وكذلك وضوءها. ولذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أدبرت الحيضة اغتسلي وتوضئي لكل صلاة". قال أبو عمر: ولا يصح عند مالك وأصحابه قوله - صلى الله عليه وسلم - لها: "توضئي لكل صلاة". وسيأتي حكم المستحاضة في بابه إن شاء الله تعالى. * * *

65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ حدثنا هناد، ثنا شريك، عن أبي فزارة، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: سألني النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما في إداوتك؟ " فقلت: نبيذ، فقال: "ثمرة طيبة وماء طهور" قال: فتوضأ منه. قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأبو زيد مجهول، رجل مجهول عند أهل الحديث لا تعرف له كبير رواية غير هذا الحديث. وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ؛ منهم سفيان وغيره. وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا، فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلي. قال أبو عيسى: وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى؛ قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. * الكلام عليه: أخرجه أبو داود من رواية شريك عن أبي فزارة. ورواه الإمام أحمد وابن ماجه. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ فقالا: هذا حديث ليس بقوي لم يروه غير أبي فزارة عن أبي زيد وحماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن ابن مسعود.

وعلي بن زيد ليس بالقوي وأبو ربد شيخ مجهول لا يعرف. وعلقمة يقول: لم يكن عبد الله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن. قلت لهما: معاوية بن سلام يحدث عن أخيه، عن جده، عن ابن غيلان، عن ابن مسعود؛ قالا: وهذا أيضًا ليس بشيء ابن غيلان مجهول ولا يصح في هذا الباب شيء. انتهى. فتلخص من هذا الكلام أنه روي عن عبد الله من وجوه ثلاث: الأول: طريق أبي زيد؛ وهي أشهرها وليست العلة غير تفرد أبي فزارة عن أبي زيد كما يظهر من هذا الكلام إن كان أبو فزارة هو راشد بن كيسان العبسي فقد أخرج له مسلم محتجًا به ووثق كما سنذكره بعد. وإنما العلة تفرد أبي زيد عن ابن مسعود. وبعضهم يقول فيه زيد: فإن أبا زيد مولى عمرو بن حريث مجهول لا تعرف له حال. والقول بأن أبا فزارة راوي هذا الحديث غير راشد بن كيسان وأنه رجل آخر يعيد. وقد ذكره المنذري رحمه الله قال: أبو فزارة رجلان؛ راوي هذا الحديث مجهول ليس هو راشد بن كيسان. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد بن حنبل فإنه قال: أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول. وقد فرق بينهما البخاري فجعلهما اثنان ونبه عليه الحاكم أبو أحمد في الكنى فإنه ذكر ترجمة أبي فزارة راشد المعروف ثم قال بعد ذلك: أبو فزارة العبسي كوفي،

عن مصقلة بن مالك روى عنه الثوري؛ قاله محمد بن إسماعيل. وقد أخرجنا في أول الباب أبا فزارة راشد بن كيسان العبسي؛ روى عنه الثوري فلا أدري أهما اثنان أم واحد؟ ولكن هكذا أخرجه محمد بن إسماعيل في الكنى المجردة وخلْتُ أن يكونا واحدًا، والله أعلم. ومن قال: إن أبا فزارة راشد هو راوي هذا الحديث أبو أحمد بن عدي الحافظ؛ قال: هذا الحديث مداره على أبي فزارة، عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث، وأبو فزارة مشهور واسمه راشد بن كيسان، وأبو زيد مجهول. وكذلك قال الدارقطني: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد بن كيسان. وكذلك قال أبو عمر في كتاب "الاستغناء": أبو فزارة العبسي وذكر من روى هو عنه ومن روى، عن أبي فزارة ومال: أما أبو فزارة فثقة عندهم ليس به بأس. وذكر إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين؛ قال: أبو فزارة ثقة. وأما أبو زيد مجهول لا يعرف فيعتمدونه كأبي فزارة وحديثه عن ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر، لا أصل له. وأبو أحمد الحاكم قال في ترجمة أبي زيد: روى عنه أبو فزارة راشد بن كيسان وذكر حديث ابن مسعود هذا في كلام قاله. وممن روى هذا الحديث يعينه؛ عن أبي فزارة شريك والجراح بن مليح وسفيان الثوري وإسرائيل وأبو عميس، وقيس بن الربيع، وكيف يوصف بالجهالة من روى عنه هؤلاء كلهم (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: نقص من هنا بقية هذا الباب، وباب المضمضة من اللبن، وباب في كراهية رد السلام على متوضئ، وباب في سؤر الكلب. وباب سؤر الهرة. وباب في المسح على الخفين.

وأما حديث علي بن أبي طالب عند مسلم رحمه الله من حديث الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانيء قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب؛ فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه فقال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم. رواه عن إسحاق الحنظلي عن عبد الرزاق، عن الثوري، أخبرني عمرو بن قيس، عن الحكم. قال البيهقي: حديث شريح، عن علي أصح ما روي في هذا الباب. وأما حديث أبي بكرة، فقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا عبد الوهاب؛ قال: ثنا المهاجر مولى البكرات، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للمسافر يمسح ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يومًا وليلة. كذا هو في "المصنف". وقد رواه الدارقطني وأبو بكر الأثرم والطبراني وغير واحد إلا أن البيهقي أخرجه عن أبي عبد الله الحافظ وأبي سعد بن أبي عمر، وعن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عثمان، عن زيد بن الحباب، عن عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه. فجعل خالدًا بدل المهاجر. ورواية أبي بكر بن أبي شيبة، عن زيد أشبه من هذه لموافقتها رواية أصحاب عبد الوهاب الثقفي. وكذلك رواه عنه بندار وبشر بن معاذ العقدي ومحمد بن أبان كل هؤلاء يقول

فيه عن عبد الوهاب عن المهاجر؛ كما قال أبو بكر عن زيد. ولو سلمت طريق البيهقي لكانت أرجح؛ لترجح خالد الحذاء على المهاجر. على أن المهاجر هذا قد قال فيه الساجي: صادق معروف. وقول من قال: إنه مجهول ليس بشيء روى له أبو داوود والترمذي وابن ماجه. وقد ذكر الترمذي أنه سأل البخاري فقال: حديث أبي بكرة حسن -يعني هذا الحديث. وأما حديث أبي هريرة فرواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده من حديث زيد بن الحباب حديث عمر بن عبد الله بن أبي خثعم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسح على الخفين؛ فقال: "للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن". وأخرجه الترمذي في "العلل" عن محمد بن حميد الرازي، عن زيد بن حباب به. وقال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: عمر بن أبي خثعم منكر الحديث ذاهب وضعف حديث أبي هريرة في المسح. انتهى. وقال أبو زرعة: واهي الحديث، حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمس مئة حديث لأفسدتها. وروى ابن أبي شيبة قال: ثنا وكيع، ثنا جرير بن أيوب، عن أبي زرعة بن عمرو، وقال: رأيت جريرًا مسح على خفيه. قال: وقال أبو زرعة: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أدخل أحدكم

رجليه في خفيه وهما طاهرتان، فليمسح عليهما ثلاثًا للمسافر، ويومًا للمقيم". جرير بن أيوب روى عن جده أبي زرعة بن جرير، وعن الشعبي عنه وكيع وأبو أسامة وغيرهما. قال أبو زرعة والبخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وأما حديث صفوان بن عسال فقد خرجه الترمذي في الباب وصححه. وذكر في كتابه العلل أنه سأل البخاري: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؛ قال: حديث صفوان بن عسال، وحديث أبي بكرة حسن. ورواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والدارقطني. وروى أبو حاتم بن حبان في صحيحه، قال: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة بخبر غريب، ثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع؛ قالا: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عاصم، عن زر؛ قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؛ فقلت: جئت أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من خارج يخرج من بيته لطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضىً بما يصنع" قال: جئت أسألك عن المسح على الخفين؛ قال: نعم، كنا في الجيش الذين بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثًا إذا سافرنا، ولا نجعلهما من غائط أو بول. وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي، فقال ابن أبي شيبة: ثنا هشيم، قال: أخبرني داود بن عمرو، عن بسر بن عبيد الله الحضرمي، عن أبي إدريس الخولاني؛ قال: ثنا عوف بن مالك الأشجعي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمسح على الخفين في

غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم. رواه الإمام أحمد والدارقطني. وقال الإمام أحمد: هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها. وأخرجه أبو بكر البزار وأبو القاسم الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث هشيم وقال: لا يروى عن عوف بن مالك إلا بهذا الإسناد تفرد به هشيم. وذكر الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عنه فقال: هو حديث حسن. داود بن عمرو وثقه أبو حاتم الرازي، وقال ابن معين: مشهور. وأما حديث ابن عمر فروى الطبراني من حديث حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن الحسن العصاب عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين: "للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن". رواه في "المعجم الأوسط" (¬1) عن عبدان بن محمد المروزي، عن قتيبة بن سعيد عنه. وقال: لم يرو هذا الحديث، عن نافع إلا الحسن العصاب هو الحسن بن عبد الله بن ميسرة العصاب -بفتح العين وتشديد الصاد المهملتين- حدث عن نافع روى عنه الفضل بن موسى الشيباني. وأما حديث جرير. وفي الباب مما لم يذكره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روى أبو يعلى الموصلي من حديث خالد بن أبي بكر هو ابن عبيد الله ¬

_ (¬1) (4530).

العمري، أبنا سالم، عن ابن عمر، عن عمر؛ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة. رواه عن أبي كريب، عن زيد بن الحباب، عن خالد. وخالد؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه، وعن الدارقطني: ليس بالقوي. وفيه عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة موقوفًا من حديثها. روى الطبراني من حديث عبد الله بن محمد بن المغيرة، ثنا مالك بن مغول، عن مقاتل بن يسير، عن شريح بن هانئ؛ قال: ساكت عائشة وفيه: نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نكن ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة. رواه عن محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن يوسف بن أبي معمر، عن عبد الله بن محمد بن المغيرة؛ وهو شيخ كوفي نزل مصر وهذا أشبه أن يكون معلولًا بحديث علي المتقدم في الباب وأن يكون حديث علي هو الصواب. وفيه عن عبد الله بن مسعود. روى البزار من حديث سليمان بن يُسير، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؛ قال: ما زلنا نمسح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة. رواه عن يوسف بن موسى، عن عبد الرحمن بن هانئ بن نعيم، عن سليمان. ويسير؛ أوله ياء آخر الحروف مضمومة بعدها سين مهملة مفتوحة. عبد الرحمن وسليمان ضعيفان جدًّا. وأما الأثر فيه عن ابن مسعود فصحيح رواه ابن أبي شيبة عن هشيم، عن

حصين، عن إبراهيم عنه. وعن ابن مهدي عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد عنه. وفيه عن عمرو بن أمية الضمري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المسح على الخفين: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة". رواه أبو بكر النيسابوري، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر؛ قال: ثنا قدامة بن موسى الجمحي عن الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه عن جده. وفيه عن يعلى بن مرة الثقفي. روى الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث مروان بن معاوية، حدثني عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده؛ قال: كنا إذا سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ننزع خفافنا فإن شهدنا فيوم وليلة. رواه عبدان بن أحمد، عن عمرو بن عثمان الحمصي، عن مروان ثم قال عقيبه ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا سهل بن زنجلة الرازي، ثنا الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده. وعن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المسح على الخفين: "للمسافر ثلاثًا وللمقيم يوم وليلة". وذكر ابن أبي خيثمة فيمن روى عن أبيه، عن جده: عمرو بن عثمان بن يعلى وذكر له حديثًا. وكذلك في رواية الترمذي؛ فليتأمل.

وفيه عن البراء بن عازب. روى الطبراني في "المعجم الكبير" (¬1) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا موسى بن الحسين السلولي، ثنا الصَّبي بن الأشعث، عن أبي إسحاق، عن البراء: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين". وفيه عن بريد بن أبي مريم، عن أبيه، روى أبو نعيم الحافظ في كتاب الصحابة من حديث خالد بن عاصم؛ قال: ثنا بريد بن أبي مريم، عن أبيه؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ومسح على خفيه، وقال: "للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يومًا وليلة". رواه عن إبراهيم بن محمد بن يحيى، عن محمد بن المسيب، عن عاصم بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن عمرو -يعني ابن جبلة عن خالد، وقال: مالك بن ربيعة السلولي -يكنى أبا مريم والد بريد- شهد الشجرة، سكن الكوفة له غير حديث عند أبيه بريد. وبُريد بضم الباء الموحدة وبعدها راء مهملة مفتوحة. وفيه عن مالك بن سعد. قال أبو نعيم في كتاب الصحابة: مالك بن سعد مجهول عداده في أعراب البصرة، ثم روى من حديث عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، قال: حدثتنا مليكة بنت الحارث المالكية من بني مالك بن سعد؛ قالت: حدثني أبي عن جدي مالك بن سعد: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ¬

_ (¬1) (2/ 25/ 1174) قال الهيثمي (1/ 259): الضبي (كذا بالضاد)! بن الأشعث له مناكير.

ليلته"، وسألته عن المسح على الخفين فقال: ثلانَة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم. قال أبو نعيم: عن محمد بن سعد الباوردي، ثنا عبد الله بن محمد الحمري البصري؛ قال: ثنا عبد الرحمن. قلت: تبويب الترمذي رحمه الله باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، ولم يفرق في ذلك بين التوقيت وعدمه فينبغي أن يضمن هذا الباب عندنا أحاديث التوقيت والأحاديث التي تقتضي أن لا توقيت. فأما الأول فقد تقدم منه ما يسر الله ذكره. وأما الثاني ففيه عن المغيرة بن شعبة ما روى الطبراني في المعجم الكبير من طريق عمر بن ذريح، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي بردة، عن المغيرة؛ قال: آخر غزاة غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة ما لم نخلع. رواه عن الحسن بن علي الفسوي عن إبراهيم بن مهدي المصيصي عن عمر. ذُريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء المهملة وبعدها آخر الحروف ثم حاء مهملة. (¬1) وفيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روى الدارقطني (¬2) من جهة موسى بن علي بن رباح اللخمي، عن أبيه، عن ¬

_ (¬1) من هنا تبتدئ نسخة المؤلف. (¬2) وقع عند ابن العجمي: الطبراني! وانظر "السنن" للدارقطني (1/ 196)، وكذلك صححه ابن تيمية وقد رواه ابن ماجه (558). فانظر "الصحيحة" (2622) و "المختارة" (242) و"الثمر" (1/ 14). وتوقف الضياء في صحة كلمة (السنة).

عقبة بن عامر، قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة، ودخلت على عمر بن الخطاب فقال لي: متى أولجت خفك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا، قال: أصبت السنة. رواه عن أبي بكر النيسابوري، عن سليمان بن شعيب، عن بشر بن بكر، عن موسى بن علي. قال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث غريب. قال الدارقطني: وهو صحيح الإسناد. لم يخرجه البخاري ولا مسلم وأخرجه النسائي. وفيه عن أنس بن مالك. قال الدارقطني: ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا الربيع بن سليمان، ثنا أسد بن موسى، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن زبيد بن الصلت؛ قال: سمعت عمر يقول: إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة. وقال: وثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. قال ابن صاعد: ما علمت أحدًا جاء به إلا أسد بن موسى (¬1). وهذا الحديث ذكره الحاكم في "المستدرك" (¬2) بعدما ذكر حديث عقبة بن عامر: خرجت من الشام، وقال: وقد روي عن أنس مرفوعًا بإسناد صحيح رواته عن ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 203). (¬2) "المستدرك" (1/ 181).

آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة. ثم رواه من جهة المقدام بن داود الرعيني عن عبد الغفار بن داود الحراني، عن حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن أبي بكر، وثابت، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة". وقال فيه: على شرط مسلم، وعبد الغفار ثقة غير أنه ليس عند أهل البصرة عن حماد (¬1). واعترض ابن حزم على حديث أنس هذا بأن قال: وأسد منكر الحديث ولم يرو هذا أحد من ثقات أصحاب حماد بن سلمة. وكذلك قال في الأثر قبله عن عمر، وهذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد وأسد منكر الحديث لا يحتج به. انتهى. أسد بن موسى ذكر أبو العرب قال: قال أبو الحسن -يعني الكوفي-: أسد بن موسى ثقة وذكر أيضًا توثيقه عن البزار ولم يعلم أحدًا تكلم فيه. وقد قال فيه ابن يونس: كان رجلًا صالحًا وكان ثقة فيما روى وحدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من غيره. فإن كان أبو محمد وقف على كلام ابن يونس واستند في قوله منكر الحديث إلى قول ابن يونس: حدث بأحاديث منكرة؛ فإن البون بينهما بعيد جدًّا، فمقتضى منكر الحديث أن حديثه لا يصلح للاحتجاج به لغلبة النكارة عليه ولا يعطي قوله حدث بأحاديث منكرة ولا عنده مناكير، وذلك ولا قريب منه. ¬

_ (¬1) انظر "الإتحاف" (503).

وفيه عن ميمونة بنت الحارث الهلالية. أخرجه الدارقطني من جهة أحمد بن حنبل عن أبي بكر الحنفي؛ قال: ثنا عمر بن إسحاق بن يسار وأخوه محمد بن إسحاق بن يسار، قال: قرأت كتابًا لعطاء بن يسار مع عطاء بن يسار؛ قال: سألت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسح؛ قالت: قلت: يا رسول الله! كل ساعة يمسح الإنسان على الخفين ولا يخلعهما" قال: نعم. وفيه عن خزيمة بن ثابت، قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسافر ثلاثًا ولو مضى السائل في مسألته لجعلها خمسًا. وهو عند ابن ماجه وقد تقدم الكلام عليه. وفيه عن أبي بن عِمارة ما رواه أبو داود (¬1) من جهة يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قَطَن، عن أبي بن عمارة وكان قد صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلتين: أنه قال: يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: "نعم"، قال: يومًا؟ قال: "ويومين"، قال: وثلاثة؟ قال: "نعم"، وما شئت. وفي رواية حتى بلغ سبعًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، ما بدا لك". قال أبو داود: قد اختلف في إسناده وليس بالقوي. وقال البخاري نحوه. وقال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون. وأخرجه الدارقطني وقال: هذا إسناد لا يثبت، وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافًا كثيرًا، وقد بينته في موضع آخر، وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد ¬

_ (¬1) "السنن" (158) وضعفه الألباني.

وأيوب ابن قطن كلهم مجهولون. قلت: لو ثبت لم تقم به حجة؛ إلا على التوقيت المنصوص عليه فيه لأن الزيادة فيه على ذلك التوقيت مظنونه أنهم لو سألوا لزادهم، وهذا صريح في أنهم ما سألوا ولا زيدوا، فكيف تثبت زيادة بخبر دل على عدم وقوعها. وعِمارة بكسر العين المهملة. وقد اختلف السلف في التوقيت في المسح على الخفين. فقال مالك والليث بن سعد: لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له. قال مالك والليث: المسافر والمقيم في ذلك سواء. وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري. روى حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن زبيد بن الصلت؛ قال: سمعت عمر يقول: إذا توضأ أحدكم ثم لبس الخفين فليمسح عليهما إن شاء ولا يخلعهما إلا من جنابة. قال حماد بن سلمة وثنا عبيد الله بن عمر: أن ابن عمر كان لا يجعل للمسح على الخفين وقتًا. قلت: هذا منقطع لأن عبيد الله لم يدرك ابن عمر. وقد ذكرنا خبر عقبة بن عامر مع عمر بن الخطاب في ذلك. وقال ابن وهب: ثنا عبد الجبار بن عمر، قال: قلت لابن شهاب: المسح على الخفين للمسافر ثلاثًا وللمقيم يوم وليلة، قال ابن شهاب: قد طلبنا ذلك فلم نجد

أحدًا يوقت لهما وقتًا. قال ابن وهب: وثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: لا أعلم للمقيم أجلًا. قال: وثنا عبد الله بن عمر بن حفص؛ قال: سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول: ليس لمسح الخف عندنا وقت. قال: وسمعت مالكًا يقول: ليس عند أهل بلادنا في ذلك وقت. قال مالك: تمسح عليهما ما لم تنزعهما. قال ابن وهب: وهذا رأيي الذي آخذ به. ذكر عبد الرزاق (¬1) عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: تمسح (¬2) على الخفين ما لم تخلعهما كان لا يوقت وقتًا. قال: وأبنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، عن الحسن ... مثله. وروى كثير بن شنظير عن الحسن: سافرنا مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يمسحون على خفافهم من غير وقت ولا عدد. كثير: ضعيف. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري بالتوقيت للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. ¬

_ (¬1) "المصنف" (1/ 208 / 804). ورواه الدارقطني (1/ 196) فجعله عن عبيد الله. (¬2) كذا، في نسخة المصنف، وعند ابن العجمي: المسح، وفي "المصنف": امسح.

وقد روي عن مالك في رسالته إلى هارون أو بعض الخلفاء التوقيت. وأنكر ذلك أصحابه؛ حكاه أبو عمر. وثبت التوقيت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وحذيفة والمغيرة بن شعبة وأبي زيد الأنصاري؛ هؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم. وروي عن جماعة من التابعين منهم: شريح القاضي وعطاء بن أبي رباح والشعبي. وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل المصيصة: أن اخلعوا الخفاف في كل ثلاث. قال أبو عمر: وأكثر التابعين والفقهاء على ذلك، وهو الأحوط عندي لأن المسح ثبت بالتواتر واتفق عليه أهل السنة والجماعة، واطمأنت النفس إلى اتفاقهم. فلما قال أكثرهم: لا يجوز المسح للمقيم أكثر من خمس صلوات يوم وليلة، ولا يجوز للمسافر أكثر من خمسة عشرة صلاة؛ ثلاثة أيام ولياليها. فالواجب على العالم أن يؤدي صلاته بيقين، واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ولم يجمعوا فوق الثلاث للمسافر ولا فوق اليوم للمقيم. قال أبو محمد علي بن أحمد: ولا يصح خلاف التوقيت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط ولا حجة فيه لأن ابن عمر لم يكن عنده المسح ولا عرفه بل أنكره حتى أعلمه به سعد بالكوفة ثم أبوه بالمدينة في خلافته، فلم يكن في علم المسح كغيره وعلى ذلك فقد روي عنه التوقيت. روينا من طريق حماد بن زيد، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن نافع،

عن ابن عمر: أنه قال: أين السائلون عن المسح على الخفين للمسافر ثلاثًا وللمقيم يومًا وليلة. قال الأصحاب: ويباح بالوضوء الممسوح فيه على الخفين الصلاة وسائر ما يفتقر إلى الطهارة ممتدًا إلى إحدى غايتين إما مضي مدة المسح وإما نزع الخف وما في معناه من تخرقه. وفي القول القديم لا يتقدر ذلك بمدة. وفي الجديد: يتقدر ذلك بمدة وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويقوى من حيث تظاهر السنن والآثار القول الجديد. وقد تقدم الكلام على ما يستدل به لكل من القولين من السنن والآثار مستوعبًا. ثم نقول: لو ثبتت أحاديث عدم التوقيت وهي بعيدة من ذلك لكان الأخذ بأحاديث التوقيت أولى؛ لأ نها تضمنت شرعًا واردًا وحكمًا زائدًا إذ من المعلوم أن الأصل لا توقيت فمن أخبر به أخبر بحكم زائد يجب المصير إليه وهذا ظاهر، والله أعلم. وإذا قلنا بالتوقيت فالمعتبر في ابتداء المدة للمقيم والمسافر أنه من وقت الحدث يعد اللبس خلافًا لمن قال: إنه يعتبر من وقت المسح. وإلى الأول ذهب الشافعي وأبو حنيفة والثوري. وإلى الثاني ذهب الأوزاعي وأبو ثور وذكر عن أحمد. وروي عن الشعبي يمسح لخمس صلوات فقط إن كان مقيمًا ولا يمسح لأكثر، ويمسح لخمس عشرة صلاة فقط إن كان مسافرًا ولا يمسح لأكثر، وبه يقول إسحاق بن راهويه.

وقال البصري: أول زمانه من وقت لبس الخفين. واستدل من اعتبر أول مدته من وقت اللباس بحديث صفوان بن عسال؛ قال: كان النبي - عليه السلام - يأمر إذا كنا سفرى أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن. فجعل الثلاث مدة اللباس. واستدل من اعتبر مدة زمانه من وقت المسح بحديث أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن". فجعل مدة المسح ذلك. قال أبو الحسن الماوردي رحمه الله: والدليل على أن أول زمانه من وقت الحدث أنك تجعل ما استدل به كل واحد من الفريقين حجة على الأخر ثم تستدل بالمعنى الدال عليهما وهو أن كل عبادة اعتبر فيها الوقت فإن ابتداء وقتها محسوب من الوقت الذي يمكن فيه فعلها، كحكم الصلاة في القصر والإتمام؛ فإنه يعتبر بوقت الأداء والفعل فإن كان وقت فعلها وأدائها مسافرًا قصر وإن كان مقيمًا أتم، كذلك المسح أول زمانه من وقت الحدث لأنه أول وقت الفعل وصفته في مسح المقيم والمسافر معتبر بوقت المسح وإذا ثبت أن أول زمان المسح من حين يحدث بعد لبس الخف إلى مثله من الغد؛ إن كان مقيمًا، أو إلى مثله من اليوم الرابع إن كان مسافرًا فأكثر ما يمكن المقيم أن يصلي بالمسح ست صلوات مؤقتًا إلا أن يجمع بعذر مطرٍ فيصلي سبعًا، مثاله: أن يحدث بعد الزوال وقد مضى بعض الوقت فيمسح ويصلي الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الصبح ثم الظهر أول وقتها ثم العصر يجمعها إليها. وأكثر ما يمكن المسافر أن يصلي بالمسح ستة عشر صلاة إلا أن يجمع فيصلي

سبعة عشرة منهن عشرة في يومين وسبع في اليوم الثالث على ما وصفنا من جمعه. ويجوز للماسح أن يصلي ما شاء من الفوائت والنوافل لأن وقت المسح مقدر بالزمان لا بالصلوات. وقد اختلف العلماء في سفر المعصية وفي السفر القصير هل مدة للمسح فيهما ثلاثة أيام ولياليهن أو لا؟ على قولين: مذهب أبو حنيفة وغيره إلى أنه لا فرق بين سفر الطاعة والمعصية وبين السفر الطويل والقصير في ذلك كله. وهو ظاهر لما دلت عليه الأحاديث من أن تلك المدة منوطة بمطلق السفر من غير قيد زائد. وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن تلك المدة لا بد لها من شرطين. الأول أن يكون السفر طويلًا، والثاني أن يكون في غير معصية. قالوا: فإذا سافر في معصية لم يجز أن يمسح ثلاثًا لأن المسح رخصة والعاصي لا يترخص له. واختلفوا هل يجوز أن يمسح يومًا وليلة على وجهين. وكذلك لو كان مقيمًا على معصية فأحد الوجهين لا يجوز أن يمسح شيئًا لما ذكرناه من العاصي لا يرخص له. وهذا قول أبي سعيد الإصطخري. والثاني: يمسح يومًا وليلة مسافرًا كان أو مقيمًا وإن كان عاصيًا لأن مسح الخفين ملحق بطهارة الأعضاء التي هي عبادات مفعولة فاستوى فيه المطيع والعاصي

كالصلاة وليس بترك فمنع منه للمعصية (¬1) كالفطر والقصر. وهذا قول أبي العباس بن سريج. قال أصحابنا: فإذا أجنب قبل انقضاء المدة لم يجز المسح على الخف. فلو اغتسل وغسل رجليه في الخف ارتفعت جنابته وجازت صلاته. فلو أحدث بعد ذلك لم يجز له المسح على الخف بل لا بد من خلعه ولبسه على طهارة، بخلاف ما لو تنجست رجله في الخف فغسلها فيه فإن له المسح على الخف بعد ذلك. وفي أحاديث الباب دليل على من أنكر المسح في الحضر وربما استدل من أنكره بقول عائشة: عليك بابن أبي طالب فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الموضع من الحديث وإن اقتضى شيئًا من ذلك فإن تمام الحديث يقتضي التوقيت للمقيم والمسافر، فهو دليل على هذا القائل لا له، والله أعلم. وممن ذهب إلى ذلك: مالك بن أنس في رواية عنه وليست جادة مذهبه. ومسائل هذا الباب كثيرة لسنا بصدد تقصيها ولا تتبعها فمن أرادها وجدها في كتب الفروع، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في نسخة ابن العجمي: فتمنع منه المعصية.

72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله ثنا أبو الوليد الدمشقي، نا الوليد بن مسلم، أخبرني ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مسح أعلى الخف وأسفله. قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وهذا الحديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم. قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمدًا عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء، قال: حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه المغيرة. * الكلام عليه: أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود. وضعفه الإمام الشافعي. وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع هذا الحديث ثور من رجاء. وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يضعفه ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن بن مهدي فذكره عن ابن المبارك عن ثور قال: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وليس فيه المغيرة. فأفسده من وجهين: حين قال: حدثت عن رجاء، وأرسله ولم يسنده.

وقد كان نعيم بن حماد حدثني هذا عن ابن المبارك كما حدث به الوليد فقال: عن ثور، عن رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة. فقلت له: إنما يقوله الوليد فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة. فقال: هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم (عن المغيرة) فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث؛ هذا معناه. وقال الدارقطني في العلل عن هذا الحديث: لا يثبت لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلًا، ومع هذا فقد روى الدارقطني عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، عن داود بن رُشيد، عن الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد؛ قال: ثنا رجاء بن حيوة. فقد صرح في هذه الرواية عن ثور بأن رجاءً حدثه. وقد رواه أحمد بن عبيد الصفار عن أحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني، عن داود بن رشيد، فقال: عن رجاء ولم يقل: ثنا رجاء. فقد اختلف على داود بن رشيد في هذه اللفظة. وقد علل أيضًا بعلتين: أما الأولى ففيه عن كاتب المغيرة ولم يُسمِّ. والجواب: أن وصفه بكتابة المغيرة قائم مقام التسمية لأن ورادًا مولاه هو المعروف بذلك وهو مخرج له في الصحيح، وقد أخرج أصحاب الأطراف هذا الحديث

في ترجمة وراد عن المغيرة. ونسبه كذلك ابن عساكر إلى تخريج أبي داود والترمذي وهو عندهما كذلك عن كاتب المغيرة غير مسمى. وأما ابن ماجه في "سننه" فصرح باسمه فقال: عن رجاء بن حيوة، عن وراد كاتب المغيرة. وأما الثالثة فقال شيخنا الإمام الحافظ أبو الفتح القشيري رحمه الله تعالى: وأما الوجه الثالث -يعني ما علل به هذا الحديث-وهو تدليس الوليد -يعني ابن مسلم- وقد أشار إليه أبو الفرج بن الجوزي في تحقيقه فقال: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عنهم. انتهى. قال: وهذا الوجه ليس بشيء فقد أمن تدليس الوليد في هذه الرواية بما رواه أبو داود في سننه فقال: أخبرني ثور. انتهى كلام القشيري رحمه الله تعالى. وقوله: ليس بشيء، ليس بشيء؛ بل هو وجه من التعليل صحيح لم يأت عنه بجواب، وجوابه عنه بأنه قد أمن تدليس الوليد بقوله: أخبرني في رواية من روى ذلك عنه، ودليل على أنه لم يأت على المراد من هذا التعليل لأن التصريح بذلك الإخبار لا يسقطه وبيانه أنه النوع الذي رمي به الوليد بن مسلم من التدليس هو نوع يسمى عندهم (تدليس) التسوية وهو يختص بالتدليس في شيخ شيخه لا في شيخه، وذلك أنه يعمد لأحاديث مثلًا رواها هو عن الأوزاعي وهي عند الأوزاعي عن شيوخ له ضعفاء رووها عن الثقات من شيوخ الأوزاعي نفسه كحديث يكون فيه بين الأوزاعي والزهري أو بين الأوزاعي ونافع أو بين الأوزاعي وعطاء رجل

ضعيف مع أنه معروف بالرواية عن الزهري ونافع وعطاء فيسقط الوليد الواسطة الضعيف ويروى الحديث عن الأوزاعي عن الزهري أو عطاء أو نافع كيف ما كان وكلهم شيوخ للأوزاعي، فيروج بذلك الخبر عند سامعه لعلمه أن الأوزاعي روى عن أولئك الشيوخ. وكذلك مثله ابن الجوزي مثالًا مستقيمًا. والوليد موصوف عندهم بهذا النوع من التدليس. ومن هذا الضرب ما يخشى وقوعه ها هنا فإنه قال: أخبرني ثور عن رجاء، فأتى به بصيغة العنعنة وهي لا تدل على الاتصال من مثله. فبقي التدليس غير مأمون. وقلما يرتكب التدليس ويسقط الواسطة إلا لمقتضى لإسقاطه فقد كانت مثل هذه العنعنة من الوليد في مثل هذا الموضع كافية في التعليل، لا سيما وقد صح عن ابن المبارك وهو من عرف محله قوله في هذا الحديث: عن ثور حُدثت عن رجاء بن حيوة. فنبه على ثبوت واسطة مجهول فاقتضى -لما هو المعهود من تسوية الوليد- الضعف أو الجهالة في تلك الواسطة المطوي الذكر. وتصريح الوليد بن مسلم بقوله: ثنا ثور عن رد هذا التعليل بمعزل. ومثل هذا من الوليد إن كان بعد صحة الخبر المروي كذلك عنده من خارج أو مع حسن ظنه بمن طوى ذكره، فكلاهما قريب. وإن كان مع الجهالة بحاله وقبل ثبوت الخبر عنده فقد دخل الخلل عليه من حيث لا يعلم.

وبعيد أن يكون ذلك منه مع ضعف الراوي عنده وعدم علمه بصحة الخبر الذي رواه من طريقه ففي ذلك انحطاط يرتفع حال مثل الوليد بن مسلم عنه؛ والله أعلم. فالحديث على هذا معلل بالعلتين اللتين أشار إليهما الترمذي عن أبي زرعة والبخاري من الانقطاع بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة، وكما أشار إليه أبو داود وكما نقله الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وهو الذي يخشى من تسوية الوليد بن مسلم فيه أو كما زعم أبو زرعة والبخاري أن (حُدثت) سقطت بين رجاء بن حيوة وكاتب المغيرة كما رواه الترمذي عنهما. وهو سقوط غير الأول ويمكن سقوطهما معًا. والذي وجدته في جامع الترمذي كما ذكرته، وفي كتاب "العلل" له في سؤاله للبخاري وأبا زرعة وجوابهما له سقوط (حُدثت) بين ثور ورجاء بن حيوة كما هو عند أبي داود وأحمد وعلة الإرسال وظاهر أنها أقوى فيه من الإسناد لترجيح ابن المبارك مرسله على الوليد بن مسلم مسنده. ولترجيح ابن مهدي راويه عن ابن المبارك مرسلًا على نعيم بن حماد راويه عنه مسندًا. ولأن نعيم بن حماد رجع عن إسناده لما رأى (عن المغيرة) ملحقة بين السطرين بالخط الجديد. وقد اختلف العلماء في كيفية المسح على الخفين. فقال مالك والشافعي وأصحابهما يمسح ظهورهما وبطونهما وهو قول ابن عمر وابن شهاب. وقال مالك والشافعي: إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه إلا أن مالكًا

قال: من فعل ذلك يعيد في الوقت. قال: ومن مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده عند مالك. وعنه في ذلك غير ما ذكرنا. والمشهور من قول الشافعي أن من مسح ظهورهما واقتصر على ذلك أجزأه. ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه وليس بماسح مثل قول مالك سواء. وله قول آخر مثل قول ابن شهاب: أن من مسح بطونهما ولم يمسح ظهورهما أجزأه. والصحيح من مذهبه أن أعلى الخف يجزئ من أسفله ولا يجزئ مسح أسفله. وتمام المسح عنده أن يمسح أعلى الخف وأسفله. وحجتهما في ذلك حديث الباب. وذكر ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يمسح أعلاهما وأسفلهما. وعن ابن شهاب قال: إنما هما بمنزلة رجليك ما لم تخلعهما. وعن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يمسح ظاهر الخفين دون باطنهما. وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وجماعة. وبروى من فعل قيس بن سعد بن عبادة. وهو قول الحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. وحجة من قال بذلك ما نذكره في الباب بعد هذا.

73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما حدثنا علي بن حجر، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة بن شعبة؛ قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين على ظاهرهما. قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن. وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة، عن المغيرة، ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة، عن المغيرة على ظاهرهما غيره. وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وأحمد؛ قال محمد: وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد. * الكلام عليه: أخرجه أبو داود، ومن عدا عبد الرحمن بن أبي الزناد من رواته فمن شرط الصحيح. وكذا في هذه الرواية عن عروة بن الزبير. وكذلك رواه سليمان بن داود الهاشمي ومحمد بن الصباح عن ابن أبي الزناد. ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة بن المغيرة بن شعبة ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح ظاهر خفيه. كذلك رواه إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد. وفي الباب مما لم يذكره عن علي بن أبي طالب وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

أما حديث علي فروى أبو داود من حديث حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه. رواه بهذا الإسناد بعد ذلك ولفظه: لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على ظهر خفيه. وقد روي من غير وجه من طريق عبد خير عن علي. قال أبو داود (¬1): ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير، عن أبيه؛ قال: رأيت عليًّا توضأ فغسل ظاهر قدميه وقال: لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، وساق الحديث. قال الحافظ المنذري: بقية الحديث "لظننت أن باطنهما أحق". انتهى. أبو السوداء اسمه عمرو النهدي، رواه عنه سفيان وعنه الحميدي، وقال الحميدي: هذا منسوخ. قال البيهقي: عبد خير لم يحتج به صاحبا الصحيح، لم يزد على ذلك. وعبد خير بن يزيد الهمداني هذا كبير. قال عبد الملك: قلت لعبد خير هذا: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومئة سنة، كنت ببلادنا فجاءنا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنودي في الناس فخرجوا إلى خير واسع، فأسلموا وأسلمنا. قال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي: عبد خير ثقة. ¬

_ (¬1) "السنن" (164).

وأما حديث عمر بن الخطاب؛ فقال ابن أبي شيبة: ثنا زيد بن الحباب، عن خالد بن أبي بكر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله سعد بن أبي وقاص عن المسح على الخفين، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا نمسح على ظهر الخفين إذا لبستهما وهما طاهرات. أخرجه في "مسنده"، وذكره البيهقي. وخالد بن أبي بكر هو ابن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه. وقال الترمذي عن البخاري: له مناكير عن سالم بن عبد الله. قال أبو عمر في حديث عبد خير عن علي المتقدم: "يمسح على ظهور قدميه". من أهل العلم من يحمل هذا على المسح على ظهور الخفين، يقول: معنى ذكر القدمين ها هنا أن يكونا مغيبين في الخف فهذا هو المسح الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما المسح على القدمين فلا يصح عنه بوجه من الوجوه. ومن قال إن الحديث على ظاهره جعله منسوخًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار". وقال أصحابنا في كيفية المسح: أن الكيفية تتعلق بالأقل والأكمل. فأما الأقل فيكفي في قدره ما ينطلق عليه اسم المسح؛ خلافًا لأبي حنيفة حيث قدر الأقل بثلاث أصابع من أصابع اليد. ولأحمد حيث أوجب مسح أكثر الخف.

لنا أن النصوص متعرضة لمطلق المسح فإذا أتى بما يقع عليه اسم المسح فقد مسح. وهذا كما ذكرنا في مسح الرأس ثم لا بد وأن يكون محل المسح ما يوازي محل فرض الغسل من الرجل إذ المسح بدل عن الغسل وهل جميع ذلك محل المسح أم لا؟ ولا كلام في أن ما يحاذي غير الأخمصين والعقبين محل له. وأما ما يحاذي الأخمصين وهو أسفل الخف ففي جواز الاقتصار على مسحه ثلاث طرق أظهرها أن فيه قولين أظهرهما أنه لا يجوز لأن الرخص يجب فيها الاتباع ولم يوثر الاقتصار على الأسفل. قال أصحاب هذه الطريقة: وهذا هو المراد مما رواه المزني في المختصر: أنه إن مسح باطن الخف وترك الظاهر أعاد. والثاني: وهو مخرج أنه لا يجوز لأنه محاذٍ لمحل الفرض كالأعلى. وعبر بعضهم عن هذا الخلاف بالوجهين. والطريق الثاني القطع بالجواز ثم من الصائرين إليه من غلط المزني وزعم أن ما رواه لا يعرف للشافعي في شيء من كبته. ومنهم من قال: أراد بالباطن الداخل لا للأسفل. والطريق الثالث: القطع بالمنع. وأما عقب الخف ففيه وجهان، أيضًا ثم منهم من رتب العقب على الأسفل وقال: العقب أولى بالجواز لأنه ظاهر يرى والأسفل لا يرى في أغلب الأحوال، فأشبه الداخل.

ومنهم من قال: العقب أولى بالمنع إذ لم يرد له ذكر أصلًا ومسح الأسفل مع الأعلى منقول، وإن لم ينقل الاقتصار عليه. وأما الأكمل فأن يمسح أعلى الخف وأسفله خلافًا لأبي حنيفة وأحمد. وقد تقدم ذلك في الباب قبل هذا. * * *

74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين حدثنا هناد ومحمود بن غيلان؛ قالا: ثنا وكيع عن سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة؛ قال: توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين والنعلين. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق؛ قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكونا منعلين إذا كانا ثخينين. قال: وفي الباب عن أبي موسى. * الكلام عليه: رواه أحمد بن حنبل وأخرجه أبو داود وابن ماجه. وقال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. وروي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه مسح على الجوربين. وليس بالمتصل ولا بالقوي. قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم.

وسئل الدارقطني عن حديث هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة هذا، فقال: يرويه الثوري عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة. ورواه كليب بن وائل عن أبي قيس عمن أخبره عن المغيرة وهو هزيل ولكنه لم يسمه ولم يروه غير أبي قيس وهو مما يغمز به عليه لأن المحفوظ عن المغيرة: المسح على الخفين. انتهى. وأبو قيس الأودي عبد الرحمن بن ثروان؛ قال إسحاق: يحيى بن معين ثقة، وقال عنه: يقدم على عاصم. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي هو قليل الحديث ليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح هو لين الحديث. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت، روى له البخاري والجماعة إلا مسلمًا توفي سنة عشرين ومئة. وهذا التعليل الذي ذكره الشيخ أبو الحسنن الدارقطني ليس مانعًا القول بصحته إذ لا مانع أن يكون الخبران صحيحين في المسح على الخفين، والمسح على الجوربين والنعلي. ورجاله ثقات. على أن أبا محمد يحيى بن منصور قال: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفة الجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: يمسح على الخفين. وقالوا: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل. فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي

فسمعته يقول: سمعت علي بن محمد بن شيبان؛ يقول: سمعت أبا قدامة السرخسي، يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي، قلت لسفيان الثوري: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف، أو واه، أو كلمة نحوها. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه فيما ذكره عنه البيهقي بسنده: أنه حدث أباه بهذا الحديث فقال أبي: ليس يروى إلا من حديث أبي قيس، قال: أبي عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث به يقول: هو منكر. وقال ابن المديني: حديث المغيرة في المسح رواه عن الغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة والبصرة. ورواه هزيل عن الغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس. وروي أيضًا من جهة المفضل بن غسان قال: سألت أبا زكريا يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس. انتهى ما ذكره البيهقي. وهذا كله ليس مخالفة معارضة بل يمكن أن يقال: إنه حديث آخر من طريق آخر رواته ثقات. فتوجه بذلك تصحيح الترمذي له. وأما حديث أبي موسى فعند ابن ماجه في سننه من حديث عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. وقول أبي داود في هذا الحديث ليس بالمتصل ولا بالقوي أوضحه البيهقي

فقال: الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به. وقد ضعفه يحيى بن معي. وفيه مما لم يذكره عن بلال. وأما في النعلين فقط فعن ابن عباس وأوس بن أوس الثقفي وعلي بن أبي طالب. أما حديث بلال فروى الطبراني من حديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين والجوربين. رواه عن إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه، عن ابن فضيل، عن يزيد. يزيد وابن أبي ليلى يستضعفان. وأما حديث ابن عباس فعند البيهقي من طريق رواد بن الجراح، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة ومسح على نعليه. أخرجه ابن عدي ومن جهته هو عند البيهقي، وقال رواد تفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة. انتهى. أما رواد بن الجراح أبو عاصم فقد تكلم فيه بعضهم ومع ذلك فقد وثقه يحيى بن معين وقال أحمد: لا بأس به صاحب سنة إلا أنه يتفرد عن الثوري بمناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقد تابعه زيد بن الحباب عن الثوري. أخرجه البيهقي عن ابن عبدان، عن الطبراني، عن إبراهيم بن عمر الوكيعي، عن أبيه، عن زيد بن الحباب بسنده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على النعلين. وقال: الصحيح رواية الجماعة. وأما حديث أوس بن أبي أوس الثقفي فعند أبي داود عن مسدد وعباد بن موسى، قالا: نا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه؛ قال: عباد قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على نعليه. قال البيهقي: وهو منقطع. وأما حديث علي فإن ابن خزيمة فيما ذكر عنه ترجم عليه باب ذكر الدليل على أن مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على النعلين كان في وضوء تطوع لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء ثم ذكر طريق سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءًا خفيفًا ومسح على نعليه ثم قال: هكذا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للطاهر ما لم يحدث. وأخرجه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده بزيادة لفظة وفيه ثم قال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يحدث. وأما المسح على المُوق فقد اختلفت عباراتهم عنه. فقال ابن سيده: الموق ضرب من الخفاف والجمع أمواق عربي صحيح. وحكى الأزهري عن الليث الموقات ضرب من الخفاف ويجمع على الأمواق. وقال الجوهري: الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب. وقال القزاز: الموق الخف فارسي معرب، وجمعه أمواق.

وكذا قال الهروي، وقال كراع: الموق الخف والجمع أمواق. فقد روى أبو داود من حديث شعبة عن أبي بكر -يعني ابن حفص بن عمر بن سعد- سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يخرج يقضي حاجته فأتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه. قيل في أبي عبد الله هذا أنه مولى بني تيم ولم يسم هو ولا أبو عبد الرحمن ولا رأيت في الرواة عن كل واحد منهما إلا واحدًا وهو ما ذكر في هذا الإسناد. وفيه عن المغيرة وسيأتي في الباب بعده. وفيه عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الموقين والخمار. رواه البيهقي من جهة علي بن عبد العزيز عن الحسن بن الربيع، عن أبي شهاب الخياط، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك. وبه عن بلال سوى ما تقدم. روى أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن نصر بن مرزوق المصري، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس الخولاني، عن بلال، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه مسح على الموقين والخمار. وروى سعيد بن منصور في سننه من حديث بلال؛ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "امسحوا على النصيف والخمار". وروى مسلم من حديث الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار.

وأخرجه أبو داود والنسائي. وقد روي من طريق ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال. وفيه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. روينا من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ في مشيخته، عن أبي محمد المسيب بن واضح السلمي، نا مخلد بن حسين، عن هشام، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الموقين والخمار. واختلف العلماء في المسح على الجوربين. وقد نقلنا عن أبي داود من ذهب إلى ذلك من الصحابة وممن ذهب إلى ذلك ممن لم يذكره أبو داود أيضًا سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأبو مسعود عقبه ابن عمرو البدري. وكان ابن عمر يقول: المسح على الجوربين كالمسح على الخفين. وعن قتادة، عن سعيد بن المسيب: الجوربان بمنزلة الخفين في المسح. وعن عبد الرزاق، عن ابن جريج قلت لعطاء: أتمسح على الجوربين؟ قال: نعم، أمسح عليهما مثل الخفين. وعن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي: أنه كان لا يرى بالمسح على الجوربين بأسًا. وعن أبي نعيم الفضل بن دكين، قال: سمعت الأعمش يسأل عن الجوربين: أيمسح عليهما من بات بهما؟ قال: نعم. وعن قتادة، عن الحسن وخلاس بن عمرو أنهما كانا يريان الجوربين في المسح

بمنزلة الخفين. وروى ذلك عن سعيد بن جبير ونافع مولى ابن عمر. وهو قول سفيان الثوري والحسن بن حي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وغيرهم. وقال أبو حنيفة: لا يمسح على الجوربين. وقال مالك مرة: لا يمسح عليهما إلا أن يكون أسفلهما قد حزز عليهما بجلد -ثم- رجع فقال: لا يمسح عليهما. وقال الشافعي: لا يمسح عليهما إلا أن يكونا مجلدين. قال الرافعي: ولا يجوز المسح على اللفايف والجوارب المعدة من الصوف واللبد لأنه لا يمكن المشي عليهما ويسهل نزعهما ولبسهما فلا حاجة إلى إدامتها في الرجل ولأنها لا تمنع نفوذ الماء إلى الرجل ولا بد من شيء مانع على الأصح. وكذلك الجوارب المتخذة من الجلد التي تلبس مع الكعب وهي جوارب الصوفية لا يجوز المسح عليها حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها وتمنع نفوذ الماء إن اعتبرنا ذلك إما لصفاقتها أو لتجليد القدمين والنعل على الأسفل والإلصاق بالمكعب. وحكى بعضهم أنها وإن كانت ضعيفة ففي اشتراط تجليد القدمين قولان، وعند أبي حنيفة: لا يجوز المسح على الجوربين وإن كان صفيقين حتى يكونا مجلدين أو منعلين. وأما الجرموق وهو الذي يلبس فوق الخف وإنما يلبس غالبًا لشدة البرد فإذا لبس جرموقين فوق الخفين أو خفين فوق الخفين فلا يخلو من أربع أحوال:

أحدها: أن يكون الأسفل بحيث لا يمسح عليه لضعف أو لخرق. والأعلى بحيث يمسح عليه فالمسح على الأعلى والأسفل والحالة هذه كالجورب واللفافة. والثاني: أن يكون الأمر بالعكس من ذلك فيمسح على الأسفل القوي وما فوقه بخرقة تلف على الخف فلو مسح على الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل، فإن قصد المسح على الأسفل جاز. وكذا لو قصد المسح عليهما جاز، ويلغو قصد المسح على الأعلى. وفيه وجه إنه إذا قصدهما لم يعتد بالمسح. وإن قصد المسح على الأعلى الضعيف لم يجزه. وإن لم يقصد شيئًا بل كان على نيته الأولى وقصد المسح في الجملة ففيه وجهان أظهرهما الجواز لأنه قصد إسقاط فرض الرجل بالمسح وقد وصل الماء إليه فيكفي. الثالث: أن لا يكون واحد منهما بحيث يمسح عليه ولا يخفى تعدد المسح. الرابع: أن يكون كل واحد منهما بحيث يمسح عليه. فهل يجوز المسح على الأعلى؟ فيه قولان: قال في القديم والإملاء يجوز وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني: لأن المسح على الخف يجوز رفقًا وتخفيفًا. وهذا المعنى موجود في الجرموق فإن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق الشقة في نزعه عند كل وضوء. وقال في الجديد: لا يجوز. وهو أشهر الروايتين عن مالك لأن الأصل غسل الرجلين والمسح رخصة وردت

في الخف والحاجة إلى لبسه أهم فلا يلحق الجرموق، وإن فزعنا على القديم وجوّزنا المسح على الجرموق فكيف السبيل في ذلك. ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان أظهرها أن الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل لأنه يستر الخف ستر الخف الرجل، ويشق نزعه كما يشق نزع الخف فأقيم مقامه. وثانيها: أن الأسفل كاللفافة والخف هو الأعلى لأنا إذا جوّزنا المسح عليه فقد جعلناه أصلًا في رخصة المسح. وثالثها: أن الأعلى والأسفل معًا بمثابة خف واحد. فالأعلى كالظهارة والأسفل كالبطانة وتتفرع على هذه الأحوال مسائل مذكورة في كتب الفروع فمن أرادها وقف عليها هناك. وأما المسح على النعلين فالذي ترجم عليه الترمذي: المسح على النعلين والجوربين؛ وذلك لا يقتضي انفراد النعلين عن الجوربين. وقد بوب أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه في المسح على النعلين بلا جوربين فقال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن زيد: أن عليًّا بال ومسح على النعلين. وذكر بسنده عن أبي جعفر يعني الهاشمي قال: لا تمسح على النعلين، ثم ذكر حديث أوس بن أبي أوس الذي ذكرناه في الباب. وقال: ثنا ابن إدريس عن الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: رأيت عليًّا بال قائمًا، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم أقام المؤذن فخلعهما. حدثنا سفيان، عن الزبير بن عدي، عن أكيل، عن سويد بن غفلة: أن عليًّا

بال ومسح على النعلين. حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان: أنه رأى عليًّا بال في الرحبة ثم توضأ ومسح على نعليه. وأما المسح على الجرموقين فقال: ثنا ابن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد؛ قال: رأيت على إبراهيم جرموقين من لبود يمسح عليهما. قد ذكرنا في هذا الباب والأبواب قبله من أحاديث المسح على الخفين عدة تشهد لمذهب السنة والجماعة في ثبوته وما كذلك فلا يخالفه إلا مبتدع. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول فيمن تأول: أنه لا بأس أن يصلى خلفه إذا كان لتأويله وجه في السنة، قال أبو عبد الله: أرأيت لو أن رجلًا لم ير المسح على الخفين في الحضر لم تصل خلفه؟ قال: بلى، ثم قال: لو أنك لم تر أن تمسح فصلى بك رجل يرى المسح ألم تكن تصلي خلفه؟ -وذكر كلامًا ثم قال-: قيل لأبي عبد الله: فإن قال رجل أنا أذهب إلى حديث أبي أيوب حُبِّب إلي الغسل قال: نحن لا نذهب إلى حديث أبي أيوب ولكن لو ذهب إليه ذاهب صلينا خلفه، ثم قال: إلا أن يترك رجل المسح من أهل البدع مثل الرافضة الذين لا يمسحون وما أشبهه فهذا الآن لا يصلى خلفه. قال أبو عمر: روى عن النبي - عليه السلام - المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر. انتهى. وقد بلغت عدة من أخرجنا عنه الأحاديث في ذلك فوق الأربعين صحابيًّا ولله الحمد والمنة. * * *

75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

75 - باب ما جاء في المسح على العمامة حدثنا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الخفين والعمامة. قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة. قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر: أنه مسح على ناصيته وعمامته. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة. ذكر بعضهم: المسح على الناصية والعمامة، ولم يذكر بعضهم الناصية، وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت -يعني مثل يحيى بن سعيد القطان. وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن صحيح. وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر وعمر وأنس. وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على العمامة. وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين؛ قالوا: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة. وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي.

حدثنا هناد، نا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار. قال أبو عيسى: سمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر. حدثنا قتيبة، نا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر؛ قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي، وسألته عن المسح على العمامة، فقال: أمس الشعر. * الكلام عليه: أخرجه مسلم في صحيحه من حديث بكر المزني عن الحسن عن ابن المغيرة، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين. ورواه المعتمر بن سليمان عن أبيه؛ قال: حدثني بكر بن عبد الله، عن ابن المغيرة، عن أبيه. فسقط منه الحسن كما حكاه الترمذي وهذه عند مسلم وليس فيهما تسمية ابن المغيرة. ورواه مسلم أيضًا عن محمد بن عبد الله بن بزيغ، عن يزيد -يعني- ابن زريع عن حميد الطويل نا بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه. فسمي في هذه الرواية ابن المغيرة عروة.

قال الدارقطني في كتاب التتبع: وأخرج مسلم عن ابن بزيع، عن يزيد بن زريع، عن حميد، عن بكر، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه قصة المسح. قال: كذا قال ابن بزيع فيه وخالفه غيره عن يزيد. فرواه عنه على الصواب عن حمزة بن المغيرة، رواه حميد بن مسعدة وعمرو بن علي، عن يزيد بن زريع على الصواب. وكذا قال ابن أبي عدي، عن حميد. وكلام الدارقطني يقضي نسبة الوهم فيه إلى ابن بزيع. وحكى الحافظ أبو علي الجياني في كتابه تقييد المهمل قال: قال ابن مسعود الدمشقي: هكذا يقول مسلم بن الحجاج في حديث بزيع عن يزيد بن زريع، عن عروة بن المغيرة. وخالفه الناس فقالوا: حمزة بن المغيرة بدل عروة. وقول أبي مسعود يقتضي نسبة الوهم فيه إلى مسلم. قلت: الوهم دائر بينهما إلى أن توضحه المتابعات فإن وجدنا راوٍ غير مسلم رواه عن ابن بزيع على الصواب فالحمل فيه على مسلم. وإن وجدنا متابع مسلم رواه عن ابن بزيع كرواية مسلم فالحمل فيه على ابن بزيع. وقد رواه حماد بن سلمة عن حميد، فقال: عن حمزة بن المغيرة على الصواب. قرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد أخبركم الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل قراءة عليه وأنت تسمع بحلب فأقر به أنا أبو عبد الله محمد بن أبي

زيد بن حمد الكراني، ثنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين فاذشاه، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز؛ قال: نا حجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على العمامة والموقين. ورواه أيضًا من طريق ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد، فقال: حمزة بن المغيرة. أخرجه عن الدبري، عن عبد الرزاق عنه فتبين بما أوردناه صحة الطريقين. بكر عن ابن المغيرة. وبكر عن الحسن عن ابن المغيرة. وقد نبه الترمذي عليهما وأن ابن المغيرة هو حمزة لا عروة. وأما الحديث الآخر في المسح على الخفين: "فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمن رواية عروة بن المغيرة عن أبيه. وقد روى حديت المسح على العمامة هذا مسدد عن يزيد بن زريع فقال فيه حمزة. كذلك هو عند أبي عوانة. ورواه مسدد أيضًا عن يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن بكر، فقال فيه عن ابن المغيرة ولم يسمه. كذا هو عند الطبراني. وأما ذكر الناصية في الحديث فعند مسلم والنسائي من حديث المغيرة: أن

النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته. وأما حديث عمرو بن أمية فقد تقدم في باب المسح على الخفين مخرجًا من صحيح البخاري وليس فيه للعمامة ذكر. وهو عند البخاري من جهة الأوزاعي عن يحيى هو ابن أبي كثير (¬1)، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه به. وكذلك رواه علي بن المبارك وحرب بن شداد وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير، ولم يذكروا العمامة في حديثهم. ورواه عن الأوزاعي ابن المبارك ومبشر بن إسماعيل وأبو المغيرة وعبد الله بن داود والهقل بن زياد والوليد بن مسلم فزاد: والعمامة. أما رواية الوليد فعند ابن ماجه عن دحيم عنه. وأما رواية الهقل بن زياد وابن داود وأبي المغيرة فعند الطبراني، قال: نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، نا أبو المغيرة عن الأوزاعي، نا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو، عن أبيه؛ قال: نا معاذ بن المثنى نا مسدد، نا عبد الله بن داود. قال: ونا عبد الله بن أحمد بن حنبل؛ قال: حدثني الحكم بن موسى؛ قال: حدثني الهقل بن زياد كلهم عن الأوزاعي به. وأما رواية مبشر بن إسماعيل فعند ابن أيمن ذكرها أبو محمد بن حزم من طريقه؛ قال: نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، أخبرني الحكم بن موسى، نا مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، أخبرني أبو سلمة بن ¬

_ (¬1) هناك جملة كأنه مضروب عليها: ولم يذكروا العمامة في حديثهم، ورواه عن الأوزاعي.

عبد الرحمن بن عوف، حدثني عمرو بن أمية الضمري أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين والعمامة. وأما حديث ابن المبارك فقال الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الحافظ فيما خرجه على صحيح البخاري أخبرني الحسن بن سفيان، نا حبان، نا عبد الله، أنا الأوزاعي. وثنا القاسم، نا يعقوب بن إبراهيم، ثنا علي بن إسحاق، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن يحيى هو ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن ابن عمرو بن أمية، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يمسح على عمامته وخفيه. ورواه معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير فتابع الأوزاعي في ذكر العمامة. وهو عند معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية. وقال من أعله: أبو سلمة لم يسمع من عمرو بن أمية، إنما سمعه من جعفر. وقد استشهد البخاري برواية معمر في هذا الحديث. وأما أبو محمد بن حزم فرأى أن أبا سلمة سمعه من عمرو بن أمية ومن أبيه جعفر عنه كما صنع بكر المزني في حديث المغيرة السابق حيث سمعه من حمزة بن المغيرة ومن الحسن عن حمزة. لا سيما وطريق ابن حزم التي رواها من جهة ابن أيمن فيها عن أبي سلمة حدثني عمرو بن أمية فهي صريحة في الاتصال. وطريق الإسماعيلي أجود من كل ما ذكرنا لصحتها، وذكر العمامة فيها

واتصالها من حديث أبي سلمة عن ابن عمرو بن أمية عن أبيه فسلمت من هذه الشبهة. (وأما من صحح سماع أبي سلمة من عمرو بن أمية فإنه) (¬1) قد روى بكر بن الأشج، عن الزبرقان بن عمرو بن أمية، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه، فسأله عن المسح على الخفين، فأتاه جعفر فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين. هذه رواية عمرو بن الحارث عن جعفر بن ربيعة، عن بكير. وهي تدل على أن أبا سلمة كان في زمن عمرو بن أمية. وأما حديث سلمان فذكر الترمذي في العلل (¬2) قال: نا محمد بن بشار، نا ابن مهدي، نا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن أبي شريح، عن أبي مسلم مولى زيد بن صوحان قال: كنت مع سلمان الفارسي فرأى رجلًا يتوضأ فأراد أن ينزع خفيه فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وناصيته، قال سلمان: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسح على خفيه وعمامته. قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، قلت: أبو شريح ما اسمه؟ قال: لا أدري لا أعرف اسمه ولا أعرف اسم أبي مسلم مولى زيد بن صوحان ولا أعرف لي غير هذا الحديث. ورواه عبد السلام بن حرب، عن سعيد، عن قتادة وقلبه، فقال: عن أبي مسلم عن أبي شريح. وأما حديث ثوبان فروى ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن ثوبان؛ قال: ¬

_ (¬1) بدل هذه الجملة في نسخة ابن العجمي: (وإن كانت ضعيفة فإنه). (¬2) رقم (71).

بعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. رواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عنه. ورواه أبو داود، عن الإمام أحمد. وذكر الخلال في علله أن أحمد، قال: لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديمًا. والعصائب العمائم والتساخين الخفاف؛ قيل: لا واحد لها، وقيل: بل واحدها تسخان. وقد روي من غير هذا الوجه: وأما حديث أبي أمامة فروى الطبراني في معجمه الأوسط من حديث عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والعمامة في غزوة تبوك. رواه عن أحمد بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر النفيلي، عن عفير وقال: لم يرو هذا الحديث عن سليم بن عامر إلا عفير تفرد به النفيلي. وأما حديث بلال فقد تقدم في الباب قبل هذا. وحديث أبي ذر وقد تقدم أيضًا في الباب قبله. وفيه عن أبي موسى الأشعري روى الطبراني في المعجم الأوسط من حديث عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري؛ قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فمسح على الجوربين في النعلين والعمامة.

وقد تقدم هذا في باب المسح على الجوربين والنعلين من غير ذكر العمامة من طريق ابن ماجه. قال الطبراني: لا يرى هذا الحديث عن أبي موسى بهذا الإسناد تفرد به عيسى بن سنان. وفيه عن خزيمة بن ثابت روى أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط، عن أحمد بن محمد بن صدقة، عن محمد بن غالب الرافقي، عن الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق، عن سعيد بن مسروق، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة بن ثابت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين والخمار. وقال: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن مسروق بهذا اللفظ؛ إلا عمار بن رزيق. ورواه سفيان الثوري وأخوه عمر وأبو عوانة وأبو الأحوص وغيرهم عن سعيد بن مسروق، عن عمرو بن ميمون، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة بن ثابت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في المسح على الخفين للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. وفيه عن أبي طلحة قال: مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمار والخفين. روينا في كتاب مكارم الأخلاق لأبي بكر محمد بن جعفر الخرائطي: نا عمر يعني ابن شبة (¬1)، ثنا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، أنا شعبة عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو القاري، عن أبي طلحة قال: مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمار والخفين. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة محمد عابد: شبة بمعجمة مفتوحة وموحدة مشددة.

وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي؛ قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه يمسح على الخمار -يعني في الوضوء-. وعن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة؛ قال: سأل نباتة الجعفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المسح على العمامة، فقال له عمر: إن شئت فامسح على العمامة وإن شئت فدع. وعن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن زيد بن أسلم؛ قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله. وعن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه كان يمسح على الخفين والعمامة. قال علي بن أحمد: وهذه أسانيد في غاية الصحة. وعن الحسن عن أمه أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنها كانت تمسح على الخمار. وعن سلمان الفارسي أنه قال لرجل: امسح على خفيك وعلى خمارك وامسح بناصيتك. وعن أبي موسى الأشعري أنه خرج من حدث فمسح على خفيه وقلنسوته. وعن أبي أمامة الباهلي أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة. وعن علي بن أبي طالب أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: نعم وعلى النعلين والخمار.

وهو قول سفيان الثوري كما حكاه ابن حزم وهو مخالف لما حكاه الترمذي عن مذهبه. وروى عبد الرزاق عنه قال: القلنسوة بمنزلة العمامة يعني في جواز المسح عليها. وقد اختلف الفقهاء في المسح على العمامة. فذهب إلى جوازه؛ الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي وغيرهم. وقال الشافعي: إن صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه أقول. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يمسح على عمامة ولا خمار ولا خمار ذلك وهو مذهب الشافعي المدون في كتب أصحابه. قال الرافعي في سنن الوضوء: والأولى أن يمسح من الرأس الناصية، مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناصيته وعلى عمامته. ولا يجوز الاقتصار على مسح العمامة لأن المأمور به مسح الرأس والماسح على العمامة ليس بماسح على الرأس وإليه ذهب جابر بن عبد الله كما ذكره صاحب الكتاب عنه. وقد رواه أيضًا أبو بكر بن أبي شيبة. وروي عن يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يمسح على العمامة. وروي عن علي وإبراهيم والشعبي وعروة بن الزبير أنهم حسروا (¬1) عمائمهم ¬

_ (¬1) كذا، وعند عابد: مسحوا عمائمهم ومسحوا.

ومسحوا برؤوسهم. وعن ابن إدريس عن ابن جريج، عن عطاء: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فرفع العمامة فمسح مقدم رأسه. وكان القاسم لا يمسح على العمامة. وأما القائلون بالمسح على العمامة فاختلفوا هل يحتاج الماسح عليها إلى لبسها على طهارة أو لا؟ قال أبو ثور: لا يسمح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسًا على الخفين وخالفه غيره من القائلين بذلك في اشتراط الطهارة. وكذلك اختلفوا في التوقيت. وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التوقيت في ذلك ثابتًا كالمسح على الخفين. وبه قال أبو ثور، وخالفه فيه أيضًا غيره كما ذكرنا. قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم: وقد مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العمامة والخمار ولم يوقت في ذلك وقتًا ووقت في المسح على الخفين. قوله: في المسح على العمامة والخمار ولم يوقت في ذلك وقتًا؛ شهادة على النفي. وقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي مسلم الكشي (¬1) وعبد الله بن أحمد بن حنبل، نا محمد بن أبي بكر المقدمي، نا عبد الصمد بن عبد الوارث، نا ¬

_ (¬1) في هامش نسخة عابد: الكشي بشين معجمة مشددة، نسبة إلى جده الأعلى، ويقال له: الكجي بكاف مفتوحة، وجيم مشددة.

مروان أبو سلمة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثًا في السفر ويومًا وليلة في الحضر. فهذا حديث يقتضي التوقيت لكن في إسناده مروان أبو سلمة ذكره أبو أحمد الحاكم في الكنى وقال ليس بالقوي عندهم. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الأزدي: ليس بشيء منكر الحديث. وقال مهنا: سألت أحمد يعني عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح. * * *

76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة ثنا هناد نا وكيع، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، عن خالته ميمونة، قالت: وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - غسلًا فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط والأرض، ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثًا، ثم أفاض على سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة. حدثنا ابن أبي عمر، نا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرّب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض الماء على سائر جسده ثم يغسل قدميه. والعمل على هذا عند أهل العلم. وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

* الكلام عليه: رواه عن الأعمش جماعة؛ منهم ... وهذه عند مسلم، ومنهم: وكيع، وسفيان بن عيينة، وفيه سترت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل من الجنابة وفيه: فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده الحائط والأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض على جسده الماء ثم تنحى فغسل قدميه. ومنهم أبو حمزة السكري وهي عند البخاري وفيها: ثم تنحى فغسل قدميه فناولته ثوبًا فلم يأخذه، فانطلق وهو ينفض يديه. ومنهم الفضل بن موسى ومنهم عبد الواحد بن زياد وكلاهما عند البخاري. ومنهم حفص بن غياث ومنهم زائدة عند الإسماعيلي. قال الإسماعيلي: قد بين زائدة أن قوله من الجنابة ليس من قول ميمونة ولا ابن عباس وإنما هو عن سالم. وفي حديث زائدة زيادة تستره حتى اغتسل. وأما حديث عائشة فرواه مالك أيضًا في موطئه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جسده كله. رواه البخاري والنسائي من حديث مالك. ورواه مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام وآخره: ثم غسل رجليه. ورواه جرير وعلي بن مسهر، وابن نمير، ووكيع، وزائدة، كلها عند مسلم وليس

فيها غسل الرجلين. وفي حديث زائدة: ثم توضأ مثل وضوئه للصلاة. وقد روي من غير وجه عند البخاري ومسلم وغيرهما. وأما حديث أم سلمة فعن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين. رواه مسلم والترمذي. وسيأتي الكلام عليه في بابه. وأما حديث جابر فمن طريق هشيم، عن أبي بشر، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله: أن وفد ثقيف سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن أرضنا أرض باردة فكيف بالغسل؟ فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا. وروى البخاري من حديث شعبة عن مخول بن راشد، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة صب على رأسه ثلاث حفنات من ماء، فقال له الحسن بن محمد: إن شعري كثير؛ قال جابر: فقلت له: يا ابن أخي! كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من شعرك وأطيب. ورواه البخاري (¬1) عن أبي نعيم، ثنا معمر بن يحيى بن سام، قال: حدثني أبو جعفر؛ قال: قال لي جابر: أتاني ابن عمك يعرِّض بالحسن بن محمد بن الحنفية قال: كيف الغسل من الجنابة؟ فقلت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ ثلاثة أكف فيفيضها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (256) وانظر مسلم (329).

فقلت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر شعرًا منك. وأما حديث أبي سعيد فقال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه: ثنا وكيع، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا سأله فقال: اغسل ثلاثًا، فقال: شعري كثير، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر شعرًا منك وأطيب. وأما حديث جبير بن مطعم فعند البخاري ومسلم من رواية سليمان بن صُرد عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه ذُكر عنده الغسل من الجنابة فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا، وهذا لفظ مسلم. وأما حديث أبي هريرة؛ فمن طريق الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: جاء رجل؛ كم يكفي رأسي في الغسل من الجنابة؟ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب بيده على رأسه ثلاثًا، قال: إن شعري كثير، قال: كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر وأطيب. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، فذكره بمعناه. وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن ثوبان، وعن عمر بن الخطاب، وعن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم. أما حديث ثوبان فعند أبي داود من طريق شريح بن عبيد؛ قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة: أن ثوبان رضي الله عنه حدثهم أنهم استفتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات تكفيها". وأما حديث عمر؛ فعند ابن أبي شيبة؛ قال: نا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن عكرمة بن خالد قال: كان عمر إذا أجنب غسل سفلته ثم توضأ

وضوءه للصلاة ثم أفرغ عليه. قال: ثنا أبو الأحوص عن طارق عن عاصم بن عمر؛ قال: خرج نفر من أهل العراق إلى عمر فسألوه عن غسل الجنابة فقال: سألتموني عن خصال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيركم؛ أما غسل الجنابة فتوضأ وضوءك للصلاة. وأما حديث ابن عمر؛ فعند أبي داود من طريق عبد الله بن عصم، عن ابن عمر؛ قال: كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار وغسل البول من الثوب سبع مرار فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا والغسل من الجنابة مرة وغسل البول من الثوب مرة. عبد الله بن عُصم ويقال: ابن عِصمة نصيبي، ويقال: كوفي، كنيته أبو علوان؛ تكلم فيه غير واحد. وراوي الخبر عنه أيوب بن جابر أبو سليمان اليمامي ولا يحتج بحديثه. وأما حديث ابن عباس فمن رواية شعبة عنه: أنه كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على اليسرى سبع مرار ثم يغسل فرجه، فنسي مرة فسألني: كم مرة أفرغت؟ قلت: لا أدري، قال: لا أم لك وما يمنعك أن تدري، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على جلده الماء ثم يقول: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتطهر. شعبة هذا مولى ابن عباس يكنى أبا يحيى، وقيل: أبا عبد الله؛ مديني لا يحتج به. وفيه عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل عند ابن أبي شيبة، عن ابن علية، عن يونس، عن الحسن أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ناس من أهل الطائف: إن أرضنا باردة، فما يجزي عنا من الغسل؛ قال: أما أنا فأحفن على رأسي ثلاث حفنات. قوله في حديث ميمونة: وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - غسلًا هو مقيد بكسر الغين وهو

الماء المعد للاغتسال به (¬1). قوله: فأكفأ الإناء يعني: قلبه أو أماله، وهو أول القلب ومنه الإكفاء في الشعر وهو قلب القافية الثانية إلى غير الصفة الأولى نحو قوله: إذا ركبتم اجعلوني وسطًا ... إني كبير لا أطيق العندا وقوله: يشرب شعره الماء؛ يعني يسقيه. والحثيات والحفنات؛ يريد ملء الكفين ثلاث مرات. قال أبو عمر في حديث عائشة هذا: هو من أحسن حديث روي في ذلك وفيه فرض وسنة. فأما السنة فالوضوء قبل الاغتسال من الجنابة ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان كذلك يفعل. إلا أن المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده ورأسه ويديه ورجليه وسائر بدنه بالماء وأسبغ ذلك وأكمله بالغسل ومرور يديه، فقد أدى ما عليه إذا قصد الغسل ونواه وتم غسله لأن الله عزَّ وجلَّ إنما افترض على الجنب الغسل دون الوضوء بقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}. وهذا إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل للجنب تأسيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه أعون على الغسل وأهدب فيه. وأما بعد الغسل فلا قال أصحابنا كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: هذا غلط، والصواب بضم الغين.

كفيه ثلاثًا قبل إدخالهما في الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله، ثم يدخل أصابعه في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات، ويتعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الأليتين وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك فيوصل الماء إلى جميع ذلك، ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات، ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات، يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه من بدنه وإن كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات، ويوصل الماء إلى جميع بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة، ويعم بالغسل ظاهر الشعر وباطنه وأصول منابته، والمستحب أن يبدأ بميامنه وأعالي بدنه وأن يكون مستقبل القبلة وأن يقول بعد الفراغ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وينوي الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه. وتستحب النية إلى أن يفرغ من غسله، فهذا كمال الغسل والواجب من هذا كله النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء، وتعميم البدن شعره وبشره بالماء ومن شرطه أن يكون البدن طاهرًا من النجاسة وما زاد على هذا فيما ذكرناه سنة. وينبغي لمن اغتسل من إناء كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهي أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة؛ لأنه إذا لم يغسله في هذا الحين ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لتركه ذلك، وإن ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوءه، أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده، هذا مذهبنا ومذهب كثير من الأئمة ولم يوجب أحد من العلماء الدلك في الغسل ولا في الوضوء إلا مالك والمزني ومن سواهما يقول: هو سنة لو تركت صحت طهارته في الوضوء والغسل.

ولم يوجب أيضًا الوضوء في غسل الجنابة إلا الظاهري داود ومن سواه يقولون: هو سنة فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله واستباح به الصلاة وغيرها ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكرنا وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل أو بعده. وإذا توضأ أولًا لا يأتي به ثانيًا؛ فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان والله أعلم. هكذا قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى. وقوله في هذا الكلام: "ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله"؛ احتراز من الوضوء دون غسل الرجل وتأخير غسلهما إلى آخر الغسل ففي هذه المسألة للشافعي قولان: أصحهما: أن بكل وضوء يغسل القدمين. والثاني: أن يؤخر غسل القدمين وقد تقدم في أحاديث الباب ما يشهد لكل من القولين. وأكثر ما يجيب به من ذهب إلى تكملة الوضوء قبل إكمال الغسل أن غسل الرجلين في ذلك مرتين. الأولى لتكملة أعضاء الوضوء. والثانية: لإزالة ما قد يعلق بالقدمين من الرشاش أو الطين أو غير ذلك لا لجنابة وما أشبهها. وأما من ذهب إلى تفرقة الوضوء وتأخير غسل القدمين إلى تمام الغسل فيحمل الوضوء حيث جاء في ذلك على أكثره ويشهد له رواية وكيع وسفيان، عن الأعمش في حديث ميمونة وفيه: ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، وفي آخره: ثم تنحى

فغسل رجليه وهو عند البخاري. وقال بعض الشافعيين وأما رواية البخاري عن ميمونة رضي الله عنها يعني التي فيها: ثم تنحى فغسل قدميه فجرى ذلك مرة أو نحوها لبيان الجواز. وهذا كما ثبت أنه - عليه السلام -: توضأ ثلاثًا ثلاثًا، و "مرة مرة"، فكان الثالث في معظم الأوقات لكونه للأفضل والمرة في نادر من الأوقات لبيان الجواز. ونظائر هذا كثيرة. وفي قول هذا القائل أن غسل القدمين في آخر الغسل إنما كان مرة أو نحوها نظر لأن هذا يتوقف على النقل. وأيضًا فإن جُلّ من روى عنه ذلك مبسوطًا ميمونة وعائشة وقد ثبت ذلك أيضًا في حديث كل منهما. أما حديث ميمونة وقد ذكرناه من غير وجه. وأما حديث عائشة فقد ذكرناه مختصرًا من حديث أبي معاوية عن هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه. وهي عند مسلم. ورواية ميمونة التي فيها: يتوضأ وضوءه للصلاة غير رجليه -تعني: فيؤخرهما. مبينة أن ذلك الغسل للرجلين في آخر الغسل ليس أجنبيًّا عن غسل الجنابة

كما تأوله من ذكرنا بل هو من تمامه وإلى ذلك نحا القرطبي فإنه قال: عن مالك الأمر فيه واسع -يعني: التقديم والتأخير في غسل الرجلين على النحو الذي ذكرناه ثم قال: والأظهر الاستحباب لدوام النبي - صلى الله عليه وسلم - على فعل ذلك؛ يعني: ختم الغسل من الجنابة بغسل الرجلين، وهذا مخالف لما ادعاه الشافعي الذي حكينا عنه أن ذلك كان مرةً لبيان الجواز. وينوي بهذا الوضوء رفع الحدث الأصغر إلا أن يكون جنبًا غير محدث فإنه ينوي به سنة الغسل. وفيه إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا واستحبابه متفق عليه. وألحق به الأصحاب سائر البدن قياسًا على الرأس وعلى الأعضاء وهو أولى بالثلاث من الوضوء فإن الوضوء مبني على التخفيف ويتكرر فإذا استخف فيه الثلاث ففي الغسل أولى. قال النووي: ولا نعلم في هذا خلافًا إلا ما تفرد به الماوردي فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل وهذا شاذ متروك. وقوله: ثم دلك بيده الحائط أو الأرض: فيه أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو أشنان أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها. وفيه جواز استخدام الرجل للمرأة من قولها: وضعت للنبي - عليه السلام - غسلًا. وفي غسل الفرجين قبل الشروع في الغسل بيان أن تطهير البدن من النجاسة مطلوب ليرد الغسل على محل طاهر.

وقد مضى القول في المضمضة والاستنشاق وفي تخليل اللحية وفي المنديل في أبوابها من هذا الكتاب. وفي قوله: ثم انطلق وهو ينفض يديه. وقد أخرجنا هذه اللفظة من طريق البخاري دليل على أن نفض اليد بعد الوضوء والغسل لا بأس به. وقد اختلف أصحابنا فيه على أوجه: أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال أنه مكروه. والثاني أنه مكروه. والثالث: أنه مباح يستوي فعله وتركه. وهذا هو الأظهر المختار فقد جاء هذا الحديث الصحيح في الإباحة ولم يثبت في النهي شيء. واختلف الفقهاء في الدلك هل هو شرط أو لا؟ وسيأتي الكلام عليه في حديث: "بلوا الشعر واتقوا البشر"؛ بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى. * * *

77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل حدثنا ابن أبي عمر، نا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة" قالت: قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك الماء فتطهرين -أو قال- فإذا أنت قد تطهرت. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض شعرها إن ذلك يجزئها، بعد أن تفيض الماء على رأسها. * الكلام عليه: رواه مسلم في صحيحه. وروى أبو داود: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث؛ قالت: فسألت لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ... بمعناه. قال فيه: واغمري قرونك عند كل حفنة. وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة عن عبيد بن عمير، قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبي لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؛ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. رواه مسلم.

وعن عائشة؛ قالت: لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه فنشرع فيه جميعًا فأفيض على رأسي ثلاث مرات وما أنقض لي شعرًا. رواه النسائي. وعن جميع بن عمير التيمي؛ قال: انطلقت مع عمتي وخالتي فدخلنا على عائشة فسألاها: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع عند غسله من الجنابة؟ فقالت: كان يفيض على كفيه ثلاث مرات، ثم يدخلها في الإناء، ثم يغسل رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض على جسده، ثم يقوم إلى الصلاة وأما نحن فنغسل رؤوسنا خمس مرات من أجل الظفر (¬1). قرئ على الإمام محمد بن إبراهيم المقدسي وأنا حاضر في الرابعة سنة خمس وسبعين وست مئة قرأت على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن الواسطي بسفح قاسيون قالا: ثنا ابن ملاعب، ثنا أبو الفضل الأرموي، ثنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون، نا الدارقطني، ثنا أبو الحسن علي بن الفضل بن طاهر البلخي قدم علينا ثنا عبد الصمد بن الفضل أبو يحيى البلخي ثنا خلف بن أيوب، ثنا الحسين بن سليمان، عن سفيان الثوري، عن صدقة بن سعيد، عن جميع بن عمير، عن عائشة؛ قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفيض على رأسه ثلاثًا ونحن نفيض خمسًا لأنا نضفر. قال الدارقطني: غريب من حديث الثوري عن صدقة بن سعيد وهو والد أبي حماد. الفضل بن صدقة، عن جميع بن عمير، عن عائشة تفرد به الحسين بن ¬

_ (¬1) هذه الرواية ليست في نسخة ابن العجمي.

سليمان العجلي وكان من الثقات. ورواه أبو داود وابن ماجه والنسائي. قولها: أشد ضَفْر رأسي، المعروف فتح الضاد وإسكان الفاء. وكذلك هو مقيد عنه أكثر الجماعة وعليه الرواية وأنكره ابن بري وزعم أن الصواب ضم الضاد والفاء. وعلى الأول يكون مصدرًا. وعلى الثاني جمعًا نحو سُفن. وكلاهما جائز. واختلف العلماء في نقض المرأة شعرها في غسل الجنابة والحيض. قال القاضي أبو بكر بن العربي: فقال جمهورهم: لا ينقضه إلا أن يكون ملبَّدًا ملتفًا لا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقضه فيجب نقضه حينئذٍ. وقال النخعي: تنقضه بكل حال. وقال أحمد: تنقضه في الحيض دون الجنابة. وقال أبو العباس القرطبي وقوله - عليه السلام -: لا يعني في جوابه لأم سلمة حين قالت: أفأنقضه -يدل على صحة ما ذهب إليه مالك وغيره من الرخصة في نقض الضفر مطلقًا للرجال والنساء. وقد منعه بعضهم منهم عبد الله بن عمر وقد أجازه بعضهم للنساء خاصة متمسكًا بحديث ثوبان وقد ذكرناه في الباب قبل هذا. وفيه أنهم استفتوا النبي - عليه السلام - عن ذلك، فقال: "أما الرجل فلينشر

رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه" الحديث. رواه أبو داود. وأكثر ما علل به أن في إسناده إسماعيل بن عياش، والصحيح في أمر إسماعيل التفرقة بين مروياته عن الشاميين فيقبل وعن الحجازيين فترد، وهذا من روايته عن الشاميين فالتعليل فيه قريب، وهو نص في التفرقة. ولنرجع إلى توجيه هذه الأقوال. أما ما ذهب إليه النخعي وابن عمر قبله من الأمر بالنقض بكل حال فوجهه أن عموم الغسل يجب في جميع الأجزاء من شعر وبشر وقد يمنع ضفر الشعر من ذلك ولعلهما لم تبلغهما الرخصة في ذلك للنساء. ووجه ما ذهب إليه مالك عموم نهيه - عليه السلام - عن نقض الشعر ولم يخص رجلًا من امرأة ولا يلزم من كون السائل عن ذلك من النساء أن يكون الحكم مختصًا بهن اعتبارًا بعموم النهي. ووجه التفرقة بين الرجال والنساء في ذلك حديث ثوبان إن ثبت. ووجه التفرقة بين الحيض والجنابة ما روى الدارقطني في أفراده والبيهقي في "سننه الكبير" من حديث مسلم بن صبيح أبي عثمان، نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضًا وغسلته بخطمي وأشنان، فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرته. رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي عن عثمان بن خرزاذ. ورواه البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق عن محمد بن يونس قالا:

ثنا مسلم بن صبيح أبو عثمان في مسجد حرمي بن حفص؛ قال: ثنا حماد بن سلمة فذكره. وقال تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد. ذكره الخطيب في كتاب "التلخيص" له وهذا لفظه. قال أبو العباس: تنبيه: لا يفهم من التخفيف في ترك حل الضفر التخفيف في إيصال الماء إلى داخل الضفر لما يأتي في حديث أسماء بنت شكل -يعني قوله - عليه السلام -: ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، الحديث. فقال أصحابنا: إن كانت المرأة بكرًا لم يجب إيصال الماء إلى داخل فرجها، وإن كانت ثيبًا، وجب إيصال الماء إلى ما تطهر في حال قعودها لقضاء الحاجة، لأنه صار في حكم الطاهر. هكذا نص عليه الشافعي رحمه الله. وقال بعض أصحابه: لا يجب على الثيب غسل داخل الفرج. وقال بعضهم: يجب ذلك في غسل الحيض والنفاس ولا يجب في غسل الجنابة. والصحيح: الأول. قرئ على الإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد، فقرأت على الشيخ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بسفح قاسيون أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب قراءة عليه وأنتم تسمعون، أنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي، أنا أبو الغنائم بن المأمون، أنا الشيخ أبو الحسنن الدارقطني، نا أبو عبد الله المعدل أحمد بن عمرو بن عثمان

بواسط، نا عمار بن خالد النجار، نا القاسم بن مالك المزني، عن ليث بن أبي سليم، عن يونس بن خباب، عن مجاهد، عن عائشة قالت: غسل المرأة قبلها من السنة (¬1). أخرجه الدارقطني في "الأفراد"، وقال: غريب من حديث مجاهد عن عائشة، وهو غريب من حديث يونس بن خباب، عن مجاهد تفرد به ليث بن أبي سليم، ولا نعلم حدث به عنه غير القاسم بن مالك. * * * ¬

_ (¬1) نصه في "أطراف الأفراد" (6413): غسل المرأة زوجها.

78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة حدثنا نصر بن علي، نا الحارث بن وجيه، نا مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر". قال: وفي الباب عن علي وأنس. قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك. وقد روى عنه غير واحد من الأئمة وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال ابن وجبة. * الكلام عليه: يقال: تفرد به الحارث بن وجيه عن مالك مرفوعًا. وإنما يروى هذا الحديث عن أبي هريرة من قوله. وقال أبو داود: الحارث حديثه منكر وهو ضعيف. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير. وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه قال: هذا حديث منكر والحارث ضعيف الحديث. وأنكره البخاري أيضًا.

وإنما يُرى عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. وأما حديث علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار". قال علي: فمن ثم عاديت رأسي ثلاثًا وكان يجز شعره. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وهذا لفظه. وأما حديث أنس: "خلل أصول الشعر وأنق البشر"، فقد ذكره أبو محمد بن حزم وقال: هو من رواية يحيى بن عنبسة، عن حميد، عن أنس -قال:- ويحيى بن عنبسة مشهور برواية الكذب فسقط. وفي الباب مما لم يذكره حديث عائشة قالت: أخمرت رأسي إخمارًا شديدًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة! إن على كل شعرة جنابة". رواه الإمام أحمد من رواية خصيف عن رجل غير مسمى عنها. وخصيف ضعفه غير واحد. تضمنت أحاديث الباب التشديد في إنقاء البشرة والاستيعاب في بل الشعر وذلك يستدعي التخليل والدلك في الشعر والبشر. فأما التخليل فقد تقدم في بابه وسنزيد الآن بيانًا وقد اختلف قول مالك في تخليل الجنب لحيته في غسله من الجنابة. فروى ابن القاسم عنه أنَّه قال: ليس ذلك عليه. وروى أشهب عنه: أن عليه أن يخلل لحيته من الجنابة. قال ابن عبد الحكم: هو أحب إلينا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل شعره في

غسل الجنابة. واختلف العلماء في الجنب يغتسل في الماء ويعم جسده ورأسه كله بالغسل أو ينغمس في الماء ويعم بدلك جميع جسده دون أن يندلك. فالمشهور من مذهب مالك لا يجزئه. قال أصحابه: لأن الله أمر الجميع بالاغتسال كما أمر المتوضي بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ولم يكن للمتوضئ بدٌّ من إمرار يديه مع الماء على وجهه وعلى يديه، وكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضئ وحكم يديه. وهذا قول المزني واختياره. قال أبو عمرو في بعض روايات حديث ميمونة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل جسده في غسله من الجنابة. قال أبو الفرج: هذا هو التي مقول من لفظ الغسل لأن الاغتسال في اللغة هو الافتعال، ومن لم يمر يديه فلم يص هل غير صب الماء ولا يسميه أهل اللسان غاسلًا بل يسمونه صابًّا للماء ومنغمسًا فيه. قال: وعلى نحو ذلك جاءت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "تحت كل شعرة جنابة فبلوا واغسلوا الشعر وأنقوا البشر". قال: وإنقاؤه لا يكون إلا بالدلك على حد ما ذكرناه. قال أبو الفرج: وتخريج هذا عندي والله أعلم أنَّه لما كان المعتاد من المنغمس في الماء وصابه عليه أنهما لا يكادان يسلمان من تنكب الماء مواضع المغابن المأمور بها، وجب لذلك عليهما أن يُمرّا أيديهما، قال: وإلى هذا المعنى لو طال مكث الإنسان في ماء أو والى بين صبه عليه من غير أن يُمرّ يديه على بدنه فإنه ينوب له

ذلك عن إمرار يديه. قال: وإلى هذا المعنى والله أعلم، ذهب مالك. هذا قول أبي الفرج. وقد عاد إلى جواز الغسل للمنغمس في الماء إذا أسبغ وعم. وعلى ذلك جماعة الفقهاء وجمهور العلماء. وقد روي ذلك عن مالك أيضًا نصًّا ثم ذكر بسند صحيح عن مروان بن محمد الطاطري ثقة من ثقات الشاميين، قال: سألت مالك بن أنس عن من انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ وصلى قال: مضت صلاته. فهذه الرواية فيها أنَّه لم يتدلك ولا يتوضأ. وقد أجزأه عند مالك. لكن المعروف من مذهبه ما وصفنا من التدلك. وقد روي عن الحسن وعطاء مثل ذلك. وروي عنه خلافه سئل عطاء عن الجنب يفيض عليه الماء؛ قال: لا بل يغتسل غسلًا. وقال أبو العالية: يجزئ الجنب من غسل الجنابة أن يغوص عوضه في الماء غير أنَّه يمر يديه على جلده. وذكر دحيم عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: إذا اغتسلت من الجنابة فادلك جلدك وكل شيء نالت يدك. قال: وثنا الوليد، نا الأوزاعي، عن الزهري، في الزهري ينغمس في نهر قال: يجزئه.

قال: وثنا أبو جعفر أنَّه سأل الأوزاعي عن جنب طرح نفسه في نهر وهو جنب، لم يزد على أن ينغمس مكانه، قال: يجزئه. وعن الشعبي ومحمد بن علي وعطاء والحسن البصري؛ قالوا: إذا انغمس الجنب في نهر اغتماسة أجزأه. قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي: يجزئ الجنب إذا انغمس في الماء وإن لم يتدلك. وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو داود والطبري ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وحماد بن أبي سليمان وعطاء كل هؤلاء، يقول: إذا انغمس في الماء وقد وجب عليه الوضوء فعم الماء أعضاء الوضوء ونوى بذلك الطهارة؛ أجزأه. وحجتهم أن كل من صب عليه الماء فقد اغتسل والعرب تقول: غسلتني السماء. وقد حكت عائشة وميمونة صفة غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تذكرا فيه التدلك ولو كان واجبًا ما تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه المبين عن الله مراده، ولو فعله لنقل عنه كما نقل عنه غيره من صفة وضوئه وغسله - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك. وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن أبي إسحاق، عن رجل يقال له: عاصم أن رهطًا أتوا عمر بن الخطاب فسألوه عن الغسل من الجنابة فقال: أما الغسل فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاث مرات وادلكه ثم أفض الماء على جلدك. وذكر عبد الرزاق أنا معمر، عن زيد بن أسلم؛ قال: سمعت علي بن حسين، يقول: ما مس الماء منك وأنت جنب فقد طهر منك ذلك المكان.

وكان ابن عيينة يقول في تأويل الحديث "وأنقوا البشر": أنَّه أراد غسل الفرج وتنظيفه وأنه كنّى بالبشرة عن الفرج. وقال ابن وهب: ما رأيت أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة. وأما ما تعلق به من رأى التدلك في الغسل واجبًا؛ من قياسه أعضاء الغسل على أعضاء الوضوء في ذلك كما ذكرناه، أو قياسه الغسل للجنب وما أشبهه على غسل النجاسة في احتياجه إلى الدلك، وما أشبه ذلك فإنها حالات ضعيفة معارضة بمثلها بل بما هو أقوى منها فلا حاجة بنا إلى الإطالة بإيرادها وتتبعها بالنقض لظهورها ووجودها في كتب الفروع فليطلبها هناك من أراد ذلك، وبالله التوفيق. * * *

79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل ثنا إسماعيل بن موسى، نا شريك عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتوضأ بعد الغسل. وهذا حديث حسن صحيح. قال أبو عيسى: هذا قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين: أن لا يتوضأ بعد الغسل. * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد وابن ماجة والنسائي. وتختلف نسخ الترمذي في تصحيحه: فتابع إسماعيل بن موسى أبو نعيم على روايته عن شريك. وتابع هو شريكًا زهير عن أبي إسحاق (¬1) أخرجها البيهقي بأسانيد جيدة. وإسماعيل بن موسى هو الفزاري أبو محمد الكوفي ويقال: أبو إسحاق نسيب السدي سمع مالك بن أنس وشريك بن عبد الله النخعي وعبد الرحمن بن أبي الزناد وإبراهيم بن سعد وعبد السلام بن حرب وعلي بن عابس الكوفي، روى عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة ومحمد بن عبد الله بن سليمان وأبو عروبة الحراني وأبو يعلى الموصلي وابن خزيمة والقاسم بن زكريا المطرز وخلق كثير. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صدوق. وقال النسائي: كوفي ليس به بأس. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة ابن العجمي: رواية زهير عن أبي إسحاق في سنن أبي داود.

وقال ابن عدي: إنما أنكروا عليه الغلو في التشيع وأما الرواية فقد احتمله الناس ورووا عنه. قال محمد بن عبد الله الحضرمي: مات سنة خمس وأربعين ومئتين. ومن في هذا الإسناد بعده فأعرف من أن نُعرف به. وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عمر: روى محمد بن عبد الله بن بزيع، عن عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الوضوء بعد الغسل ..... ". قال الحاكم: محمد بن عبد الله بن بزيع ثقة. ووثقه أبو حاتم الرازي وروى عنه مسلم. وقد تقدم القول في هذا الوضوء في باب صفة الغسل. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن غنيم بن قيس، عن ابن عمر: سئل عن الوضوء بعد الغسل، فقال: وأي وضوء يا غنيم من الغسل؟ وأبو الأحوص عن سلام، عن أبي إسحاق؛ قال: قال رجل لابن عمر: إني أتوضأ بعد الغسل، قال. لقد تعمقت. وجرير عن منصور، عن إبراهيم قال: جاء رجل إلى علقمة فقال له: إن بنت أخيك توضأت بعد الغسل قال: أما إنها لو كانت عندنا لم تفعل ذلك وأي وضوء أعم من الغسل. ويحيى بن سعيد، عن المهلب بن أبي حبيبة، سئل جابر بن زيد، عن رجل اغتسل من الجنابة فتوضأ وضوء للصلاة فخرج من مغتسله أيتوضأ قال: لا يجزئه أن

يغسل قدميه. ووكيع، عن معاذ بن العلاء، عن سعيد بن جبير؛ قال: سألته عن الوضوء بعد الغسل من الجنابة فكرهه. ووكيع عن جعفر بن برقان، عن عكرمة: في الرجل يغتسل من الجنابة وتحضره الصلاة أيتوضأ! قالا: لا. وعباد بن العوام، عن حجاج، عن طلحة، عن إبراهيم، عن حذيفة؛ قال: أما يكفي أحدكم أن يغسل من قرنه إلى قدميه حتَّى يتوضأ؟! وجرير عن مغيرة، عن إبراهيم؛ قال: كان يقال: الطهر قبل الغسل. وأبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد؛ قال: قال رجل لعبد الله: إن فلانة توضأت بعد الغسل قال: لو كانت عندي لم تفعل ذلك. ومعتمر عن أبيه، عن عطاء بن السائب عن أبي البختري: كان يتوضأ بعد الغسل. وفيما ذكرته في باب صفة الغسل أن داود الظاهري أوجب الوضوء في غسل الجنابة لأنه بعده لكن (¬1) لا يخلو عنده الغسل من الوضوء. حكاه عنه الشيخ محيي الدين رحمه الله. والذي رأيته عن أبي محمد بن حزم أن ذلك عنده ليس فرضًا في الغسل وإنما هو كمذهب الجماعة. وذكر القاضي أبو بكر بن العربي ما معناه أنَّه لم يختلف العلماء أن الوضوء ¬

_ (¬1) كذا ولعلها: لكي. وفي نسخة المؤلف ومحمد عابد لا أنَّه بعد لكن.

داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحديث وتقضي عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحديث (¬1) فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزت نية الأكثر عنه. ولذلك قال سحنون: أن نية الجنابة لا تجزئ عن نية الحيض في طهارة الحائض الجنب لأن موانع الحيض أكثر ولو نوت الحيض لطهرت من الجنابة لأنها الأقل. [والصحيح أن ذلك يجزئ عن نية الحيض في طهارة الحائض الجنب لأن موانع الحيض أكثر ولو نوت الحيض لطهرت من الجنابة لأنها الأقل]. والصحيح أن ذلك يجزئها كما قال عامة العلماء. * * * ¬

_ (¬1) في نسخة ابن العجمي: البول.

80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل؛ فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا. قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، ورافع بن خديج. حدثنا هناد، نا وكيع، عن سفيان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة؛ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح. وقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل". وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعاثشة والفقهاء ومن التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق؛ قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل. * الكلام عليه: ذكر حديث عبد الرحمن عن أبيه وأتبعه حديث ابن جدعان عن سعيد. وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح. وفي تصحيحه من الطريقين المذكورين نظر. أما الأول فإن الترمذي قال في "علله": سألت محمدًا عن هذا الحديث؛ يعني حديث عبد الرحمن، فقال: هذا حديث خطأ إنما يرويه الأوزاعي عن

عبد الرحمن بن القاسم مرسلًا. وروى الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة شيئًا من قولها: "تأخذ الخرقة فتمسح بها الأذى". وقال أبو الزناد: سألت القاسم بن محمد: سمعت في هذا الباب شيئًا؟ قال: لا. وذكر الدارقطني في "العلل" أن أيوب السختياني وعبد الله العمري وغيرهما رووه عن عبد الرحمن بن القاسم موقوفًا. واختلف على الأوزاعي فرفعه الوليد بن مسلم والوليد بن مزيد. ورواه بشر بن بكر وأبو المغيرة وعمرو بن أبي سلمة ومحمد بن كثير المصيصي ومحمد بن مصعب وغيرهم موقوفًا. وأما الطريق الثانية طريق ابن جدعان فقد رواها غندر ويزيد بن هارون عن شعبة عنه مرفوعة. ورواها وهب بن جرير، عن شعبة عنه موقوفة. وزاد بين سعيد بن المسيب وعائشة أبا موسى. وكذلك قال مالك: عن [يحيى بن سعيد، عن سعيد] بن المسيب، عن أبي موسى، عن عائشة؛ إلا أنَّه عنده موقوف على عائشة في "موطئه" من قولها، غير أن أبا قرة موسى بن طارق رفعه عن مالك، فقال: عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل". وأبو قرة موسى بن طارق الزبيدي ثقة عندهم. وقد رواه عن علي بن زيد سفيان الثوري وزائدة بن قدامة وابن عُلية وسفيان

ابن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة وغيرهم، فقالوا: عنه عن سعيد بن المسيب؛ قال: جاء أبو موسى الأشعري إلى عائشة فسألها فقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. إلا أن في طريق حماد بن سلمة من بعض الوجوه زيادة حسنة سنذكرها، فهو كما ترى بعضهم يقفه وبعضهم يرفعه وبعضهم يرويه عن سعيد، عن عائشة، وبعضهم عن سعيد عن أبي موسى الأشعري عن عائشة فلم يخل من تردد بين وقف ورفع ووصل وقطع. والدارقطني يرجح في حديث سعيد بن المسيب الوقف؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري رواه عنه وهو من الثقات المتفق عليهم ولم يرفعه، رواه عن يحيى بن سعيد: مالك وشعبة والجم الغفير، فاتفقوا على أنَّه موقوف. ورواه همام بن يحيى عن يحيى بن سعيد، وعلي بن زيد فرفعه؛ قاله الدارقطني وقال: أحسبه يعني همامًا حمل حديث يحيى بن سعيد على حديث علي بن زيد فرفعه لأن يحيى لا يرفعه كذا قال الدارقطني: أن يحيى لا يرفعه. وقد ذكرنا رفعه عن يحيى من طريق أبي قرة عن مالك عنه. وروينا من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في "مسنده"، ثنا ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب: أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين، فقالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاوز الختان الختان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل". قال العدني: ونا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب؛ قال: سأل أبو موسى عائشة مثله -وزاد فيه-: ولا أسأل عن هذا أحدًا بعدك أبدًا. وينضم إلى علة هذا الاختلاف ضعف علي بن زيد بن جدعان فهو وإن كان له

شرف وقدر فقد تكلم فيه بعضهم. ذكره أبو العرب أحمد بن محمد بن تميم في كتابه في الضعفاء فقال: قال أبو الحسن: تيمي مكفوف ضعيف الحديث، كان يتشيع، يكتب حديثه. وقال عثمان: سألت ابن معين عنه فقال: ليس بذاك القوي. ومن كتاب ابن البرقي عن ابن معين: وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف. وقال الدولابي: قال السعدي: علي بن زيد واهي الحديث ضعيف فيه ميل عن القصد لا يحتج بحديثه. وقال أبو الحسن: علي بن زيد لا بأس به بصري. وقال ابن عبد الرحيم: ليس بالقوي. وذكر ابن أبي حاتم بسنده عن حماد بن زيد؛ قال: كان علي بن زيد يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا به غدًا كأنه ليس ذاك. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عنه، فسألته مرة عن حديث لعلي بن زيد فقرأ الإسناد ثم تركه وقال: دعه. وقال أحمد: ليس بالقوي. وروى العباس الدوري عن يحيى: ليس بحجة. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. قال أبو الفرج: وضعفه ابن عيينة. وقال حماد بن زيد: كان يقلب الأخبار. وذكر شعبة أنَّه اختلط.

وقال أحمد ويحيى: ليس بشيء. ويمكن أن يجاب عما علل به الطريق الأول؛ بأن المرسل لا يعارض المسند لأن المسند أتى بأمر زائد فسبيله أن يقبل مسنده إذا كان ثقة ولا يعلل بمرسل غيره. وكذلك القول في الرفع والوقف. وأما الرواية عن القاسم بن محمد: أنَّه لم يسمع في هذا الباب شيئًا فلا يقتضي رد ما رواه الثقة عنه، ولا يوثر فيه ولا في روايته قدحًا على ما ذهب إليه أكثر العلماء لجواز السهو والنسيان على من أنكر ما روي عنه إذا كان الراوي ثقة. وعبد الرحمن بن القاسم ثقة من الثقات الأئمة المتفق عليهم. وقد بقي من النظر في هذا الإسناد أن الوليد بن مسلم رمي بالتدليس أو التسوية، كما تقدم قبل هذا، وهي التدليس في شيخ شيخه وحديثه هذا معنعن عن الأوزاعي عن عبد الرحمن؛ فيحمل الانقطاع. لكن هذه الشبهة قد زالت، أما بينه وبين الأوزاعي فقد رواه الدارقطني من طريق الوليد بن مسلم، وقال فيه: حدثنا الأوزاعي. وأما بين الأوزاعي وعبد الرحمن بن القاسم فقد ذكر الشيخ أبو الحسن أيضًا متابعًا للوليد بن مسلم على روايته عن الأوزاعي كرواية بن مسلم؛ وهو الوليد بن مزيد البيروتي، فقال: نا أبو بكر النيسابوري، أنا العباس بن الوليد بن مزيد، أنا أبي؛ قال: سمعت الأوزاعي؛ قال: نا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أنها سئلت عن الرجل يجامع أهله ولا ينزل الماء؟ قالت: فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا جميعًا. والوليد بن مزيد من الثقات كان الأوزاعي يثني عليه يقول: عليكم بكتبه؛

فإنها صحيحة، ووثقه الدارقطني وابن ماكولا وغيرهما. وقال أيضًا: إنه ما عرض علي كتاب أصح من كتب الوليد بن مزيد. وقال دحيم: صالح الحديث وابنه العباس ثقة صدوق؛ فقد زال ما يتوقع من تدليس الوليد بن مسلم بتصريحه بحدثنا من طريق الدارقطني، وبرواية الوليد بن مزيد ومن ذكرناه قبل عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بغير واسطة. وقد اعترض أبو الحسن بن القطان على الترمذي في تصحيحه حديث الوليد بن مسلم لما فيه من الكلام؛ أعني الوليد بن مسلم وصححه هو من حديث الوليد بن مزيد. وليس ذلك بطائل لوجهين: الأول: أن تصحيح الترمذي لحديث عائشة بعد أن ذكره من الطريقين المذكورين عنده، فمن أين وقع لابن القطان أن التصحيح لطريق الأوزاعي دون طريق ابن جدعان. الثاني: أن الوليد بن مسلم محتج به في صحيحي البخاري ومسلم وليس للوليد بن مزيد في الصحيحين ولا في أحدهما حرف واحد؛ فليس الترمذي وحده المعترض عليه إذن في تصحيح حديث الوليد بل البخاري ومسلم قبله فكلاهما يحتج به. وأيضًا فغائلة تدليس الوليد وهي غاية ما رمي به مأمونة ها هنا لما بيناه. ويمكن أن يجاب عما علل به الطريق الثاني بأن رواية وهب بن جرير الموقوفة لا تقدح في رواية غندر وهو من أوثق الناس في شعبة وأعلمهم بحديثه.

وأما الانقطاع بين سعيد بن المسيب وعائشة فقد تبين أن الواسطة أبو موسى فلا أثر بعد ذلك لهذا الانقطاع. على أنَّه قد روى حماد بن سلمة ما يدل على أن ابن المسيب سمعه من عائشة مع أبي موسى. قال حماد عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب؛ قال: ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا التقى الختانان أيوجب الغسل؟ فقال أبو موسى: أنا آتيكم بعلم ذلك، فنهض وتبعته حتَّى أتى عائشة فقال: يا أم المؤمنين! إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك، فقالت: سل، فإنما أنا أمك، قال؛ إذا التقى الختانان أيجب الغسل؟ فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقى الختانان اغتسل. أخرجه الطحاوي من طريق أسد عن حماد. وأما الاعتلال بتضعيف ابن جدعان، فذكر ابن أبي حاتم عن عمر بن شبة، حدثني أبو سلمة؛ قال: قلت: لحماد بن سلمة أن وهيبًا زعم أن علي بن زيد لا يحفظ الحديث، فقال: ووهيب كان يقدر على مجالسة علي بن زيد؛ إنما كان يجالس عليًّا وجوه الناس. وكان عبد الرحمن بن مهدي يخرج حديثه عن السفيانين والحمادين عنه. وهذا يقتضي توثيقه عند ابن مهدي لأنه كان لا يروي الحديث إلا عن الثقات عنده. وقد أخرج مسلم حديثه عن أنس في الجهاد وفي غزوة أحد مقرونًا بثابت، رواه من طريق حماد بن سلمة عنهما. وأما الترمذي؛ فإنه يحسِّن حديثه تارة ويصححه أخرى؛ فمما حسّن من

حديثه حديث: "يمكث أبو الدجال وابنه لا يولد لهما". رواه في الفتن عن عبد الله بن معاوية الجمحي، عن حماد بن سلمة عنه، عن أبي بكر، عن أبيه. ومما صحح من حديثه: أن رجلًا قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره ... " الحديث. أخرجه في الزهد عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد بن الحارث، عن شعبة عنه، عن أبي بكرة، عن أبيه. وهو يصحح حديث حماد بن سلمة كثيرًا فليس المانع له من تصحيح الأول كونه من طريق حماد وأنه قد يكون يرى فيه رأي البخاري فلا يصحح حديثه. وعبد الله بن معاوية الجمحي وثقه ابن حبان، ولم يقف لأحد فيه على جرح فهذا الترمذي يصحح حديث ابن جدعان في غير هذا الوضع فمن الجائز أن يصححه في هذا الوضع للعلة التي رواها عن البخاري في الأول. ومن الجائز أن يكون يصححه الأول وذكر الثاني متابعًا ليجبر به العلة التي ذكرها في الأول في كتابه في العلل، والله أعلم. ولحديث عائشة طريق عند مسلم من جهة حميد (¬1) بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"، أخرجه عن محمد بن المثنى عن الأنصاري عن هشام بن حسان عن حميد، ح وعن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن هشام عن حميد، قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي موسى. ¬

_ (¬1) برقم (349).

وله طريق أخرى عند مسلم (¬1) من حديث ابن وهب عن عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر عن أم كلثوم عن عائشة مرفوعًا. وأم كلثوم هذه بنت أبي بكر الصديق ولدت بعد وفاته. ففي هذه الطريق رواية الصحابي عن تابعية، وذلك من ملح الأسانيد. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم (¬2) من طريق هشام عن قتادة عن الحسن [عن أبي رافع] عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل". ورواه النسائي (¬3) من حديث أشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: هذا خطأ، والصواب أشعث عن الحسن عن أبي هريرة. وأما حديث عبد الله بن عمرو، فقال ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة، فقد وجب الغسل". وأما حديث رافع بن خديج قال: ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت فأخبرته، فقال: "لا عليك، الماء من الماء"، قال رافع: ثم أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بالغسل. أخرجه الإمام أحمد من جهة رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب الغافقي عن بعض ولد رافع بن خديج عن رافع. وقال في رشدين، يحيى بن معين: ليس بشيء. ¬

_ (¬1) برقم (350). (¬2) البخاري (291) ومسلم (348). (¬3) "السنن" (191).

وقال النسائي: متروك الحديث، وسيأتي الكلام عليه في الباب بعده. وقد اختلف أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين بعدهم في هذا الباب، فقالت طائفة: لا غسل إلا من الإنزال، وسيأتي ذكرهم في الباب بعد هذا. وقال آخرون: يجب الغسل بالتقاء الختانين أنزل أو لم ينزل، منهم من الصحابة: أبو بكر، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعائشة وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وابن عباس وسهل بن سعد، والنعمان بن بشير وعثمان بن عفان. وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي، قال: حدثني الحارث عن علي، وعلقمة عن عبد الله ومسروق عن عائشة. قالوا: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. وروى معمر عن ابن عقيل: أن عليًّا قال: كما يجب منه الحد كذلك يجب منه الغسل. وروى عمرو بن دينار عن أبي جعفر: أن عليًّا وأبا بكر وعمر قالوا نحوه. وعن علي وشريح قالا: أيوجب الحد، ولا يوجب قدحًا من ماء؟ ومن طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر، قال: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل. وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة: أن ابن مسعود سئل عن ذلك، فقال: إذا بلغت ذلك اغتسلت. قال سفيان: والجماعة على الغسل. قوله: (إذا التقى الختانان) يبحث فيه عن معنى الملاقاة والختان.

فأما الملاقاة فالمحاذاة، قال الشافعي: يقال: التقى الفارسان إذا تحاذيا. قال القاضي أبو بكر رحمه الله: فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد التقى الختان مع الختان؛ أي: حاذاه. وهكذا معنى قوله: مس الختان الختان؛ أي: قارنه (¬1) وداناه. وإلا فلا يتصور أن يمسه إذا غابت الحشفة، ولو مسه من غير إيلاج ما وجب الغسل إجماعًا. انتهى كلامه. وحاصله: أنَّه ليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة، وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة أو مقاربة، وهو ظاهر، وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع، وقد أجمع العلماء -كما أشار إليه- على أنَّه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما، فلا بد من قدر زائد على الملاقاة، وهو ما وقع مصرحًا به في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الَّذي قدمنا ذكره من قوله: وتوارت الحشفة. وأما الختان، فيقال: ختن الغلام ختنًا إذا قطع جلد كمرته، والختان موضع الختن، وهو من المرأة الخفاض، والخفاض للمرأة كالختان للرجل، وهو قطع جليدة في أعلى الفرج مجاورة لخرج البول كعَرْف الديك، فكان الوجه أن يقال: إذا التقى الختان والخفاض فقد وجب الغسل، وما وقع في الحديث فهو من باب التغليب، وهو مشهور معروف كما قالوا في القمرين والعمرين، يريدون الشمس والقمر، وبالعمرين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كما قال الشاعر: أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع يريد الشمس والقمر. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: قاربه؛ بالباء.

وكثيرًا ما يقع ذلك في كلام العرب. وهو في الغالب موجه إما برد الثقيل إلى الخفيف، كما قالوا في العمرين؛ لأن عمر مفرد وأبا بكر مركب، والمفرد أخف من المركب. أو التأنيث إلى التذكير، أو الأدنى إلى الأعلى، فالقمر مذكر، والشمس مؤنثة، فلذلك غلبوا المذكر حيث قالوا القمرين. قال بعض أهل العلم: ومن ذلك الختانان؛ فإنهما مستويان في الخفة، لكنه رد ما للمرأة لأنه أدنى إلى ما للرجل لأنه أعلى. وقول عائشة رضي الله عنها: فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا. وكذلك قوله - عليه السلام - في "صحيح مسلم": "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل". فيه: جواز ذكر مثل هذا، وجواز ذكره أيضًا بحضرة المرأة، إذا ترتب عليه مصلحة. وفيه أن فعله - صلى الله عليه وسلم - للوجوب فلولا ذلك لم يحصل الجواب المطابق (¬1). وإلى أحاديث هذا الباب صار الإجماع بعد الخلاف في الزمن الأول عن الصحابة رضي الله عنهم. وحكي عن عائشة من التابعين كما سنذكره في الباب بعد هذا، إلا خلافًا لا اعتبار له عند أهل العلم. والاعتبار في وجوب الغسل في هذا الباب بتغييب الحشفة من صحيح الذكر؛ فإذا غيبها بكمالها تعلقت به جميع الأحكام، ولا يشترط تغييب جميع الذكر. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: ... لم يحصل الجواب المطابق يستقيم؛ فإن علل هذا ... صدر منه - صلى الله عليه وسلم - في مسألة التقبيل ... يكون ذلك واجبًا ... ولا ماثل به، فتنبه. محمد عابد. ومحل النقاط غير واضح في التصوير.

ولو غيب بعض الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام إلا وجهًا شاذًا أن حكمه حكم من غيب جميعها، وهو مردود. فمتى غيب الحشفة في فرج امرأة ودبرها أو دبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها وجب الغسل، وسواء كان المولج فيه حيًّا أو ميتًا، صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان ذلك عن قصد أو عن نسيان، وسواء كان مختارًا أو مكرهًا، أو استدخلت المرأة ذكره وهو نائم، وانتشار الذكر في ذلك وعدم انتشاره، والمجبوب والأغلف في ذلك كله سواء. والغسل في ذلك كله واجب على الفاعل والمفعول به، إذا كان بالغًا. وأما المميز من الصبيان فيجب على الولي أن يأمره بالغسل كما يأمره بالوضوء، فإن صلى من غير غسل لم تصح صلاته، وإن لم يغتسل حتَّى بلغ، وجب عليه الغسل. وإن اغتسل في الصبا ثم بلغ لم يلزمه إعادة الغسل. وأما إذا كان الذكر مقطوعًا، فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام، وإن كان الباقي قدر الحشفة فحسب تعلقت الأحكام بتغييبه بكماله، وإن كان زائدًا على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما: أن الأحكام تتعلق بقدر الحشفة منه. والثاني: لا يتعلق شيء من الأحكام إلا بتغييب الباقي جميعه. ولو لف على ذكره خرقة وأولجه في فرج امرأة، ففيه ثلاثة أوجه: الصحيح منها والمشهور: أنَّه يجب عليهما الغسل. والثاني: لا يجب. والثالث: إن كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللذة والرطوبة لم يجب الغسل،

وإلا وجب. وهذا الوجه الثالث، قال ابن العربي: هو الأشبه بمذهبنا، يعني مذهب مالك، رحمهم الله، بعد أن حكى الأوجه الثلاتة في مذهبه. وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل على من أولج في فرج بهيمة ولا فرج ميتة، لأنه معنى غير مقصود، فكان بمنزلة إيلاج الأصبع. واختلفوا في إعادة غسل الميت إذا أولج في دبره، أو فرجه حي، فقال بعضهم: يعاد. وذهب مالك وبعض أصحاب الشافعي إلى أنَّه لا يعاد غسله لسقوط التكليف عنه، وفي هذا التعليل نظر؛ لأن التكليف بذلك على الأحياء في حق الأموات، لا على الأموات أنفسهم. * * *

81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

81 - باب ما جاء أن الماء من الماء حدثنا أحمد بن منيع ثنا عبد الله بن المبارك أنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها (¬1). حدثنا أحمد بن منيع نا ابن المبارك أنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب، ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنَّه إذا جامع امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا. حدثنا علي بن حجر نا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إنما الماء من الماء في الاحتلام. قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك. قال أبو عيسى: أبو الجحاف اسمه داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري: ثنا أبو الجحاف، وكان مرضيًّا. وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الماء من الماء". ¬

_ (¬1) في نسخة ابن العجمي: عنه.

* الكلام عليه: أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة، وهو حديث يختلف فيه على الزهري، فرواية ابن المبارك عن يونس عنه [كما ذكرنا]. - وأما عمرو بن الحارث، فرواه ابن وهب عنه عن ابن شهاب: حدثني بعض من أرضى: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره. وقد رواه عثمان بن عمر عن يونس والليث عن عقيل كلاهما عن ابن شهاب فقالا عنه؛ قال سهل بن سعد، وكقولهما قال شعيب عن الزهري، ولم يأت بعنعنة ولا إخبار. وقال الإمام أبو بكر بن خزيمة: وهذا الرجل الَّذي لم يسمه عمرو بن الحارث يشبه أن يكون أبا حازم سلمة بن دينار؛ لأن مبشر بن إسماعيل روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل عن أبي بن كعب. وجزم بذلك البيهقي؛ فقال: هذا الحديث لم يسمعه الزهري من سهل، وإنما سمعه من بعض أصحابه عنه. وذكر أبو عمر بسنده من طريق النسائي قال: أنا عبد الملك بن يحيى، قال: سمعت موسى بن هارون يقول: كان الزهري إنما يقول في هذا الحديث: قال سهل بن سعد، ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد، وقد سمع من سهل أحاديث، إلا أنَّه لم يسمع منه هذا. وقال موسى -وذكر رواية عمرو بن الحارث من طريق ابن وهب التي قدمناها- ثم قال موسى: ولعمري إن كان الزهري سمعه من أبي حازم [فإن أبا حازم رضى]، فقد روى أبو حازم هذا الحديث عن سهل بن سعد.

قلت: فهو كما ترى مختلف فيه عن الزهري، فمنهم من يرويه عنه عن سهل عن أبي. ومنهم من يقول فيه عن الزهري: قال سهل، من غير زيادة. ومنهم من يصرح فيه بواسطة مجهول كما فعل عمرو بن الحارث. ومنهم من يقول فيه: عن الزهري عن سهل بن سعد موقوفًا عليه لا يتجاوزه (¬1)، كذلك هو عند معمر عنه، ذكره الحازمي، وقبله أبو عمر ابن عبد البر. وفيما ذكراه من ذلك نظر، فقد قرئ على الشيخة الأصيلة أم محمد (سيدة) بنت موسى بن عثمان بن عيسى بن درباس (المارانية)، وأنا أسمع: أخبرك الشايخ الأربعة: أبو بكر القاسم بن الإمام أبي سعد عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور الصفار، وأبو روح عبد المعز محمد بن أبي الفضل الهروي، وإسماعيل بن عثمان بن إسماعيل القاري، وزينب بنت عبد الرحمن بن أبي الحسن الشعري الجرجاني؛ إجازة قالت هي وابن الصفار والقاري: أنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي قراءة عليه ونحن نسمع، قالت هي وأبو روح: ثنا أخوه زاهر بن طاهر سماعًا، قالت هي وحدها: أنا الأستاذ أبو المظفر عبد المنعم بن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري -قراءة عليه وأنا أسمع، قالوا كلهم: أبنا الإمام أبو القاسم القشيري قراءة عليه ونحن نسمع-، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر بن الخفاف القنطري، قراءة عليه، قال: أنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي السراج، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم نا غندر نا معمر عن الزهري. قال السراج: ونا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن ¬

_ (¬1) زاد العجمي في نسخته: به!

سهل بن سعد الساعدي، قال: كان القول في الماء من الماء رخصة رخص في أول الإسلام، ثم أمرنا بالغسل. وهذا على المشهور من الاصطلاح داخل في المرفوع، على أن ابن خزيمة روى حديث يونس عن أحمد بن منيع كما هو عند الترمذي (¬1) كما أتبعه أن قال: ونا أحمد بن منيع، قال: أنا ابن المبارك: أخبرني معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه. وهذا منهما يقتضي أن رواية معمر مرفوعة، كرواية يونس، وقد يكون سهل بن سعد رفعه تارة وأفتى به تارة. قوله: فظن من وقعت له الفتيا أن ليس عند معمر عن الزهري عنه غيرها، وليس كذلك. وبالجملة فحديث أبي بن كعب من طريق الزهري هذا معلول بالانقطاع، بينه وبين سهل، ومن زاد في ذلك حجة على من نقص فالحكم بصحته لو سلم من هذا التعليل قد كان ممكنًا، وإن كان الحديث أقرب إلى الصحة من طريق آخر سنذكرها بعد الفراغ من الكلام على هذه. وأما احتمال كون الواسطة بين الزهري وسهل أبو حازم فيصح لعدالة أبي حازم كما اعتذر به بعضهم عمن صححه، فأرفع مراتب ذلك الاحتمال الظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا. وأما الطريق التي قلنا: إنها أقرب إلى الصحة من طريق الزهري؛ فقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد الظاهري وغيره: أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر سماعًا، قال: ثنا عبد الأول بن عيسى ثنا أبو الحسن الداودي ثنا ابن حمويه، ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: لعل هنا لفظ ساقط. قلت: في نسخة ابن العجمي: وأتبعه كما أتبعه.

ثنا أبو عمران عيسى بن العباس السمرقندي أنبأ أبو محمد الدارمي، أنبأ أبو جعفر محمد بن مهران ثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي: أن الفتيا التي كانوا يفتون: الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام أو الزمان، ثم اغتسل بعد. أخرجه أبو داود في "سننه" عن محمد بن مهران كذلك. هذا حديث صحيح الإسناد، مخرج لرواته في الصحيحين، ليس فيها أكثر من أن ابن أبي حاتم ذكر أنَّه سأل أباه (¬1) عنه؟ فقال: ما أعرف هذا الحديث أصلًا! ولعله إنما أشار إلى هذه الطريق خاصة، وإلا فقد ذكر ابنه عنه أنَّه سمعه يذكر الأحاديث المروية في الماء من الماء، ثم قال: هذا منسوخ نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي بن كعب (¬2)، فلعله عرفه بعد ذلك، أو لم يعرفه من هذه الطريق، وهذا الدارمي وأبو داود قد عرفاه، وأخرجاه عن شيخ واحد، وإذا لم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره فليس من لم يعرف حجة على من عرف. وأخرج البيهقي حديث (الزهري) عن سعد ثم أعله بالانقطاع المذكور، ثم قال بعد تخريجه: وقد رويناه بإسناد آخر موصول صحيح عن سهل بن سعد. وأخرج حديث أبي حازم: هذا عن الدارقطني من طريق موسى بن هارون الحمال وعن غيره من طريق أبي داود؛ فلا مانع من القول بصحته، والله أعلم. وقوله: (وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي بن كعب ورافع ¬

_ (¬1) في نسخة ابن العجمي: الَّذي في "العلل": أن أبا حاتم سأل عبد الرحمن الحلبي ابن أخي الإمام. اهـ. انظر "العلل" (86)، ففيه الأمر كذلك على ما وصف ابن العجمي، لا ما ذكره المصنّف. (¬2) "العلل" (114).

ابن خديج)، يعني في الجمع بين ثبوت حكم الماء من الماء في الأول، ثم الأمر بالاغتسال من التقاء الختانين بعد ذلك، إذ الأحاديث في ذلك على ثلاثة أنحاء: فالأول: الماء من الماء كما سنذكره في هذا الباب. والثاني: الأمر بالغسل من التقاء الختانين بعد ذلك، كما سبق. والثالث: الإخبار أن ذلك كان أولًا ثم تغير حكمه. وفي هذا المعنى حديث أبي بن كعب، وقد انتهى الكلام عليه. وحديث رافع بن خديج وقد تقدم في الباب قبل هذا يسير من الكلام عليه، وسنذكر تكملته عليه. وفيه أيضًا مما لم يذكره حديث عن عائشة يأتي ذكره. أما حديث رافع، فأخرجه الحازمي من طريق الإمام أحمد، كما ذكرناه، ثم قال: هذا حديث حسن! وهو عندي بعيد عن ذلك لضعف رشدين راويه. وإن نازع في انحطاطه إلى رتبة من لا يحسَّن حديثه، فكيف يصنع ببعض ولد رافع، وهو هكذا مجهول العين والحال؟ على أن أبا الطاهر بن السرح قد رواه عن رشدين، فقال فيه: سهل بن رافع عن أبيه؛ رواه أبو بكر أحمد بن محمد المهندس عن محمد بن زبان بن حبيب عنه؛ فسمّى ولد رافع سهلًا، لكنه لم يتحصل منه ما يرفع الاعتلال به بعد، فالحديث ضعيف به وبرشدين. والله أعلم. وأما حديث عائشة فرواه أبو حاتم بن حبان من طريق الحسين بن عمران (¬1) عن ¬

_ (¬1) عند ابن حبان (1177): الحسين بن عثمان، وقال: هو ابن عثمان بن بشر بن المحتفز، من أهل البصرة، سكن مرو، ثقة.=

الزهري قال: سألت عروة في (¬1) الَّذي يجامع ولا ينزل؟ قال: على الناس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حدثتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل، رواه عن علي بن الحسين بن سليمان أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ثنا أبو ضمرة (¬2) ثنا الحسين بن عمران به. وأخرجه الدارقطني أيضًا من حديث الحسين بن عمران وقال فيه: نَوْل الناس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. ونول بنون بعدها واو وآخرها لام، ونونه مفتوحة وواوه ساكنة؛ قال الجوهري: وقولهم: نولك أن تفعل كذا، أي: حقك، وينبغي لك، وأصله من التناول كأنك قلت: تناولك كذا وكذا. صححه ابن حبان وفي إسناده الحسين بن عمران؛ قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وذكر أبو بشر في حديث رواه الحسين المذكور عن خيثمة: كنت عند ابن عباس في النذر، وقال: لا يتابع عليه. وذكر أبا الجحاف وقال: اسمه داود بن أبي عوف، وهو التميمي روى عن ¬

_ = قال الحافظ في "الإتحاف" (22083): كذا وقع عند ابن حبان، وأظن الصواب في رواية الدارقطني، فقد رواه أبو جعفر العقيلي، في "ضعفائه" في ترجمة الحسين بن عمران، وقال: لا يتابع عليه. اهـ. قلت: فظهر أن في نقل ابن سيد الناس تجوَّز واضح. (¬1) عند ابن حبان: من، ... ، والآخر، وسقط الكلمة الثانية: (والآخر) عند الدارقطني. (¬2) كذا وقع في النسخ الثلاث، وفي المطبوع أبو حمزة، بل سماه ونسبه العقيلي في "الضعفاء" (1/ 273 - 274) فقال: أبو حمزة السكري وهو محمد بن ميمون.

عكرمة وعطية العوفي وأبي حازم والشعبي. رورى عنه الثوري وشريك وتليد بن سليمان وعبد السلام بن حرب، قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، قال: أنا عبد العزيز بن الخطاب الكوفي بالبصرة، قال: سألت عبد الله بن داود: ما كان أبو الجحاف عند سفيان؟ قال: كان يوثقه ويعظمه. قال: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: قال أبي: أبو الجحاف داود بن أبي عوف، قلت: هو ثقة؟ قال: ثقة. سمعت أبي يقول: أبو الجحاف داود بن أبي عوف صالح الحديث. قال: (وفي الباب عن عثمان ...) إلى آخره، يعني: باب الماء من الماء. فأما حديث عثمان وعلي والزبير وطلحة وأبي أيوب، فروينا من طريق الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان نا محمد بن المثنى. وأخبرني محمد بن إسحاق بن خزيمة نا الحسين بن عيسى البسطامي، قالا: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يحدث عن الحسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسارعن زيد بن خالد الجهني: أنَّه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع ولا ينزل؟ قال: ما عليه إلا الطهور، قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فسألت علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب، فقالوا مثل ذلك. قال أبو سلمة: وحدثني عروة بن الزبير عن أبي أيوب الأنصاري مثل ذلك. وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي وقال: ما عليه غسل.

ورويت من طريق السراج بالسند المذكور في هذا الباب، قال: نا هارون بن عبد الله نا عبد الصمد: سمعت أبي نا حسين المعلم ثنا يحيى بن أبي كثير: أن أبا سلمة حدثه عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنَّه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع فلا ينزل؟ قال: ليس عليه الغسل، عليه الطهور، قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسألت علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب، فقالوا مثل ذلك. وأخرجه البخاري من حديث حسين المعلم عن يحيى، كما أخرجناه، غير أنَّه قال: فأمروه بذلك، ولم يقل: فقالوا مثل ذلك. ولفظة: فأمروه بذلك لا تقتضي الرواية، بل تقتضي الفتوى. وأما قوله: فقالوا مثل ذلك، فتحتمل الجمع بين الرواية والفتوى معًا، وهو ظاهر لأن عثمان أفتى وروى، وهؤلاء قالوا مثله، وإذا قالوا مثله فقد جمعوا بين الأمرين، وقد أوضح ذلك ما رواه الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد البغوي ثنا يحيى بن عبد الحميد نا عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم قال بهذا الإسناد. يكسل ولا ينزل، وقال: ليس عليه غسل، وفيه: وأتيت طلحة والزبير وأبي بن كعب فسألتهم فقالوا مثل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الإسماعيلي: لم يذكر عليًّا، وجعل الخبر مسندًا عن هؤلاء أيضًا، وقال: ولم يقل أحد منهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الحماني، وليس الحماني من شرط هذا الكتاب. وأما أبي بن كعب؛ فقد روى البخاري ومسلم حديثه في ذلك من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب عن أبي بن كعب رضي الله عنهما: أنَّه قال: يا رسول الله! إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟

قال: "يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي". وهذا لفظ البخاري، وقد روي عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنذكره بعد. وأما قول الإسماعيلي في الحماني: ليس من شرط هذا الكتاب، فصحيح لما فيه من الكلام فهو وإن كان يحيى بن معين قد أثنى عليه ووثقه فيما روى ابن أبي خيثمة عنه. وقال: لم يزل صدوقًا، فيما روى العباس الدوري عنه. وقال: ما كان بالكوفة رجل أيامه يحفظ معه، وهؤلاء يحسدونه، فيما روى عنه أبو بكر بن أبي خيثمة عنه. وقال: صدوق مشهور ما في الأرض مثله ما يقال فيه إلا من حسد، فيما روى عثمان الدارمي عنه. فقد تكلم فيه غيره وأساء القول فيه غير واحد من أهل هذا الشأن؛ فهو كما قال: ليس على شرطه، غير أنَّه ليس هو هنا منفردًا بأصل يحتاج فيه إليه، ولا بإسناد مرسل يتوقف إسناده عليه، وأكثر ما عنده زيادة بيان للفظ آخر، وقد كان قول الراوي الأول: فقالوا مثل ذلك؛ كافيًا في الرفع المراد. وقد روينا حديث أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الماء من الماء" من طريق السراج بالسند المذكور قال: أنا عبد الجبار بن العلاء نا سفيان عن عمرو عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن بن سعاد عنه. رواه النسائي. وروينا عن علي بن أبي طالب في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل" من طريق النسائي. وحديث أبي سعيد الخدري، رويناه من طريق مسلم وغيره من حديث ابن

وهب عن عمرو بن الحارث: أن ابن شهاب حدثه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إنما الماء من الماء". وروينا بالسند المتقدم إلى أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال: ثنا الحسن بن أبي الربيع نا عبد الرزاق نا سفيان عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل". وفي الباب مما لم يذكره. حديث أبي بن كعب: وقد ذكرناه في أثناء طرق حديث عثمان، وقد كان يحسن به ذكره، فليس هو حديث الباب عنده، لما ذكرناه من الفرق بينهما. وفيه أيضًا عن أبي هريرة؛ روى الطحاوي (¬1) من حديث العلاء بن محمد بن سيار عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل من الأنصار فأبطأ فاحتبس، فقال: "ما حبسك"؟ قال: كنت أصيب من أهلي، فلما جاءني رسولك اغتسلت ثم لم أحدث شيئًا (¬2). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء من الماء، والغسل على من أنزل". أخرجه عن يزيد (¬3) عن العلاء. يزيد هذا هو يزيد بن سنان. وإلى هذه الأحاديث ذهب جماعة من الصحابة، قال الحازمي: وقالت طائفة: لا غسل عليه إذا جامع ولم ينزل، روينا ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" (1/ 54 - 55). (¬2) في هامش أصل المؤلف: في نسخة: من غير أن أحدث شيئًا. (¬3) رسمت في نسخة السندي: زيد!

مسعود وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي أيوب وأبي سعيد ورافع بن خديج وابن عباس وزيد بن خالد الجهني. ومن التابعي: عروة بن الزبير. ثم ذكر المخالفين لهم في ذلك؛ الذين قدمنا ذكرهم في الباب قبل هذا، وما يحتج لهم به من السنن والآثار. وقد قال أبو بكر بن المنذر: ولا أعلم اليوم بين أهل العلم فيه اختلافًا. قال: فإن قيل: هذه الآثار تخبر عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يجوز أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس حتمًا، والآثار يعني في الباب الآخر تخبر عما يجب، وعما لا فهو أولى. يقال: الآثار التي رويت في باب الماء من الماء على قسمين: قسم منها: الماء من الماء لا غير. وقسم منها: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا غسل على من أكسل حتَّى ينزل". وأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء فإن بعضهم حمله على وجه يمكن الجمع بي الحكمين. روينا عن ابن عباس، وذكر عن ابن عباس قوله الَّذي سبق: الماء من الماء في الَّذي يحتلم ليلًا، ويستيقظ من منامه ولا يجد بللًا. وأما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بيّن فيه الأمر وأخبر فيه بالقصة وأنه لا غسل في ذلك حتَّى يكون الماء، فإنه قد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك، وقد صحت الأخبار في طرفي الإيجاب والرخصة، وتعذر الجمع، فنظرنا هل نجد مناصًا عن غوائل التعارض من جهة التاريخ حيث تعذر معرفته من صريح اللفظ، فوجدنا

آثارًا تدل على ذلك وبعضها يصرح بالنسخ فحينئذ تعين المصير إلى الإيجاب لتحقق النسخ في ذلك، ثم ذكر حديث أبي بن كعب ورافع بن خديج وحديث عائشة: ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل، يعني فتح مكة، وذكر عن مالك عن يحيى بن سعيد بن عبد الله بن كعب عن محمود بن لبيد: أنَّه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يغسل ولا ينزل؟ فقال زيد: يغتسل. فقلت له: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل. فقال زيد: إن أبيًّا قد نرع عن ذلك قبل أن يموت. قال: فهذا أبي قال هذا، وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك، فلا يجوز هذا عندنا إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قاله الشافعي، وكان الحازمي قد حكى عن الشافعي نحو هذا الكلام. وقال فيما روى محمد بن يحيى الذهلي: أنا أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: كان رجال من الأنصار فيهم أبو أيوب وأبو سعيد الخدري يفتون: الماء من الماء، ويقولون: إنه ليس على من مس امرأته غسل، ما لم يمْنِ، فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب ولعثمان بن عفان ولعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر، أبوا تلك الفتيا، وقالوا: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل. وهذا يدل على أن أكثر من كان يرى الرخصة لما بلغهم النسخ نزعوا عن ذلك. وروينا عن علقمة وابن مسعود نحوه. انتهى. قول الحازمي: قسم منها: الماء من الماء، ثم خرجه على تأويل ابن عباس، ويمكن أن يقال: إن هذا القسم على قسمين: الأول: ما ورد بهذه الصيغة.

والثاني: ما ورد: إنما الماء من الماء بصيغة الحصر المتفق عليه. فهذا يفتقر إلى تأويل ابن عباس. وأما الأول فيكفي في رده منع الحصر، إذ القول بحصر المبتدأ في الخبر ضعيف. وكذلك قوله: "إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل" وهو لفظ حديث أبي سعيد، وما في معناه؛ فإنه يقبل التأويل بأن يكون الإعجال فيه أو الإكسال أنَّه لم يبلغ مجاوزة الختان الختان، فأحاديث الإعجال والإكسأل أيضًا تنقسم إلى قسمين: الأول: ما ذكرناه، ويحتمل التأويل المشار إليه. والثاني: لا غسل معه ما لم يمن أو ما لم ينزل. فهذا يحتاج فيه إلى القول بالنسخ، ونسخ السنة مما اتفق الناس على جوازه من أنواع النسخ. وأما الرواية عن ابن مسعود التي ذكرها في أول الباب فإنه كان يقول الماء من الماء فهي عند عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن مسعود. وعطاء لم يسمع من ابن مسعود. وأما هذه الثانية التي أشار إليها أخيرًا فهي صحيحة متصلة ذكرها ابن أبي شيبة (¬1) قال: أنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أما أنا فإذا بلغت ذلك منها اغتسلت. وقد ذكر ابن أبي شيبة الفتيا بذلك عن علي، قال: أنا أبو بكر بن عياش عن ¬

_ (¬1) "المصنف" (1/ 85) و (1/ 159 / 943) ط. الرشد الجديدة.

عاصم عن زر عن علي - عليه السلام - قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. وروى نحوه عن أبي بن كعب وابن عباس، وقد تقدم ذكر من ذهب إلى ذلك من الصحابة في الباب قبل هذا. وذكر أبو عمر: أن ابن خويز منداذ ذكر أن إجماع الصحابة انعقد على إيجاب الغسل من التقاء الختانين. قال: وليس ذلك عندنا كذلك، ولكننا نقول: إن الاختلاف في هذا ضعيف، وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين أو مجاوزة الختان الختان وهو الحق إن شاء الله تعالى. وكيف يجوز القول بإجماع الصحابة في شيء من هذه المسألة؛ وذكر حديث زيد بن خالد: سألت زيد بن خالد، قال: سألت خمسة من المهاجرين لا آلو، منهم علي بن أبي طالب كلهم قالوا: الماء من الماء. وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: أخبرني إسماعيل الشيباني عن امرأة رافع بن خديج: أن رافع بن خديج كان لا يغتسل إلا إذا أنزل الماء، وكان إسماعيل قد خلف على امرأة رافع بن خديج. وذكره أيضًا عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وقد كان هشام بن عروة يقول به؛ ذكر عبد الرزاق عن ... عن هشام بن عروة قال: سمعته يقول: أصبت فأكسلت ولم أنزل فلم أغتسل. وقد ذكر مثله عن عروة والأعمش. فأما دعوى الإجماع في هذا عن الصحابة كما حكيناه عمن زعمه فبعيد.

وأما عن التابعين فقد ذكرنا مذهب الجمهور، وأن المخالف منهم لذلك يسير. وأما عمن بعدهم فليس دعوى الإجماع فيه ببعيد إلا من شذ من الظاهرية، فبعضهم وافق الجماعة في ذلك، ومنهم من خالف، وليس هذا الخلاف معتبرًا عندهم لا سيما وقد ظهر ضعف مأخذه. والله أعلم. * * *

82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولم يذكر احتلاما

82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا نا أحمد بن منيع ثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؛ قال: "يغتسل". وعن الرجل يرى أنَّه قد احتلم ولم يجد بللًا؛ قال: "لا غسل عليه". قالت أم سلمة: يا رسول الله! هل على المرأة ترى ذلك غسلًا؟ قال: "نعم، إن النساء شقائق الرجال". قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر؛ حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا، وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه (¬1). وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنَّه يغتسل. وهو قول سفيان وأحمد. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة. وهو قول الشافعي وإسحاق. وإذا رأى احتلامًا ولم ير بلة فلا غسل عليه عند (¬2) أهل العلم. ¬

_ (¬1) زاد في ط د. بشار: في الحديث! (¬2) زاد أيضًا: عند عامة.

* الكلام عليه: أخرجه أبو داود وابن ماجة، وسكت عنه، وينبغي أن يكون ضعيفًا، وذلك أن رواته غير عبد الله العمري من شرط الصحيح، إنما يقع النظر من رواية في عبد الله العمري فقط، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. سمع نافعًا، وخُبيب بن عبد الرحمن وأبا الزبير المكي وابن شهاب ووهب بن كيسان وسعيدًا المقبري وغيرهم. روى عنه منصور بن سلمة الخزاعي ويونس بن محمد المؤدب وأبو نعيم الفضل بن دكين وغيرهم. وكان رجلًا صالحًا، وخرج على أبي جعفر المنصور مع محمد بن عبد الله بن الحسن، ولم يزل معه حتَّى انقضى أمره وقتل، فاستخفى عبد الله، ثم وجد، فأتي به المنصور فحبسه سنين عديدة، ثم أطلقه، وتوفي سنة إحدى وسبعين أو سنة اثنتين وسبعين أو سنة ثلاث وسبعين ومائة. واختلف في حاله، فقال أحمد: هو صالح، وروي عنه أيضًا: لا بأس به، [وكان ابن مهدي يحدث عنه، وقال يحيى بن معين: صالح، من رواية عثمان الدارمي. وروى عنه غيره: لا بأس به]، يكتب حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، في حديثه اضطراب. أخرج له مسلم مقرونًا بأخيه عبيد الله. فهذا ابن مهدي قد عرف من حاله أنَّه لا يروي إلا عن ثقة، وقد روى عنه. ويحيى بن معين يقول: لا بأس به، والمعروف عن يحيى أن ذلك عنده توثيق.

وتكلم فيه ابن المديني، فقال: ضعيف. وروي عن أحمد قال: يزيد في الأسانيد، ويخالف وكان رجلًا صالحًا. وذكر عن يحيى القطان أنَّه كان لا يحدث عنه. وقال صالح بن محمد جزرة: يليّن، مختلط الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: غلب عليه التعبد حتَّى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفط، فوقعت المناكير في حديثه، فلما فحش خطؤه استحق الترك، وليس فيما تقدم من هذا الجرح أشد من كلام ابن حبان، فإنه أتى به مفسرًا بقوله: وقعت المناكير في روايته، وقوله: فحش خطؤه، وحكمه عليه بأنه استحق الترك، فعلى زعم ابن حبان ينحط حديثه عن مرتبة الحسن عندهم. وأما على طريقة الترمذي فلا؛ لأنه لم يتهم بكذب فيما حكيناه. وقد ذكر الترمذي من حديثه في غير هذا الموضع ما حسنه، وهو حديث نافع عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة نهارًا. وقد ضعف حديثه هذا أبو محمد عبد الحق في "الأحكام" بل قال أبو الحسن بن القطان أنَّه يختلف نظره فيه فتارة يضعف ما يرويه وتارة يسكت عنه مصححًا له، كما زعم أن سكوته عما يسكت عنه تصحيحًا له. قال: وعمله في التضعيف أقرب إلى الصواب. وأصوب منه أن يقال فيما لا عيب له إلا العمري: أنَّه حسن فإنه رجل مختلف فيه. انتهى.

أما تضعيف عبد الحق لحديث العمري هذا فصحيح، وأما قول ابن القطان: وأصوب منه أن يقال فيما لا عيب له إلا العمري أنَّه حسن؛ فصحيح أيضًا. وذلك أن الترمذي قال: إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر، فأشار إلى تفرده به، وكذلك هو عند الإمام أحمد، وعند أبي بكر بن أبي شيبة، وعند من ذكرنا من مخرجيه. ولم نجده عن غيره، ولا متابع له عليه ولا شاهد له من خارج. فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري، وقصرت به عن درجة الصحيح. والثانية: التفرد وعدم المتابعات الَّذي أشرنا إليه، وقصر ذلك به عن درجة الحسن، كما تقدمت الإشارة إليه. وفي هذا الحديث أن أم سلمة قالت: هل على المرأة ترى ذلك من غسل؟ ... الحديث. والمعروف أن ذلك من قول أم سليم بنت ملحان، وأن أم سلمة أنكرت ذلك عليها وقالت: أو تحتلم المرأة؟ وفي بعض الطرق: فضحت النساء. ويبعد أن تسأل أم سلمة عن أمر، ثم تنكر على غيرها السؤال عنه، أو أن تسأل عنه بعد المعرفة به، وكما ذكرنا هو منسوب إلى أم سليم في "موطأ مالك" وكتب الصحيح، وعند أبي داود وغيرهم، ومن الجائز أن تكون أم سلمة اشتغلت بإنكارها على أم سليم عن سماع الجواب عن ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعد العلم بإباحة ذلك، ووقوع ما وقع مما قد يستحيا منه استثبتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحكم، ونقلته عنه، فروي ذلك عنهما معًا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في بابه

إن شاء الله تعالى (¬1). ¬

_ (¬1) عقب هذا جاء في أصل المؤلف مضروبًا عليه، وحذفه ابن العجمي وعابد السندي، وآثرت نقله لفائدته: وروينا من طريق الدارمي بالسند المذكور قبل هذا: أنا أبو الوليد الطيالسي أنا شعبة عن عطاء الخراساني قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل. عطاء الخراساني أخرج له مسلم في "صحيحه" ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وتكلم فيه غيرهما. ففي هذا أن السائلة خولة، وهو قريب لاحتمال تعدد الواقعة، وإنما استُبْعد سؤال أم سلمة لما ثبت في الصحيح من إنكارها على من سأل. وقوله في النساء: "إنما هن شقائق الرجال"، قد ذكره أبو بكر البزار بإسناد أجود من هذا، قال: ثنا عمر بن الخطاب نا محمد بن كثير نا الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت: يا رسول الله! المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام! فقالت أم سلمة: فضحت النساء يا أم سليم! فقال: "إذا رأت ذلك فلتغتسل"، فقالت أم سلمة: وهل للنساء من ماء؟ قال: "نعم، إنما هن شقائق الرجال". وقد روي أن المنكرة على أم سليم ذلك عائشة؛ روى مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن أم سليم قالت: يا رسول الله! المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل، أتغتسل؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فلتغتسل"، فقالت لها عائشة: أفٍ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تربت يمينك، ومن أين يكون الشبه"؟. ذكر أبو عمر أنَّه يختلف على مالك في وصله، وكذلك عن ابن شهاب، قال: ومن وصله عن ابن شهاب من أصحابه، فإنما رواه عنه عن عروة عن عائشة. وكذلك رواه مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة. وعندي أنَّه موصول من الجهتين سواء قال راويه: عن ابن شهاب أو عن مالك عنه عن عروة عن عائشة. أو عن عروة عن أم سليم، وساقه كما أوردناه؛ لأن قول عروة عن عائشة في أثناء الحديث؛ فقالت عائشة: أفٍ لك، وجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة عن إنكارها ذلك، كله من رواية عروة عن عائشة، فالخبر كله () (أ) لما يقتضيه ضرورة تمام الكلام، لأن بعضه آخذ بأطراف بعض، والرواية المحققة لآخر الحديث تستدعي الإخبار عن أوله.

وأما الاحتلام، فقال ابن سيده: والحلم والاحتلام الجماع ونحوه في النوم، والاسم الحلم، يعني مضموم الحاء واللام، وفعله حلم مفتوح اللام، وفي التنزيل: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم}، ثم قال: والحِلم الأناة، والعقل وجمعه أحلام وحلوم، وفي التنزيل: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا}. ¬

_ وقد رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة: أنها قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة ... الحديث. وكذلك رواه ساثر من رواه عن هشام بن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة: لا عن عروة عن عائشة. وهو الصحيح عندهم أنَّه لعروة عن زينب عن أمها لا عن عائشة. وقد رويت قصة أم سليم هذه من حديث أنس؛ ذكر ابن أبي شيبة [المصنف (1/ 79)]. ثنا يزيد بن هارون قال: أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس: أن أم سليم سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [المصنف (1/ 80)]. ثنا محمد بن بشر العبدي قال: ثا عبد الله بن عامر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة يقال لها: بسرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقالت: يا رسول الله! إحدانا ترى أنها يجامعها زوجها في المنام، فقال: "إذا وجدتِ بللًا فاغتسلي يا بسرة". قوله. (ولا يذكر احتلامًا) قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: الاحتلام رؤية الحلم في النوم، وهو الماء الَّذي يخرج من الرجل فيدل على كمال حلمه وعقله. انتهى كلامه. والاعتراض عليه من وجوه خمسة: الأول: أن رؤية الشيء غير الشيء فاقتضى ذلك أن الاحتلام غير الحلم، وليس كذلك. الثاني: لو نقح هذه العبارة، وأتى بها على الصواب، فقال: الاحتلام هو الحلم، فكاد تعسيرًا مستغنى عنه، إذ من المعلوم أن الاحتلام افتعال من الحلم كغيره من الأبنية. الثالث: تفسيره الحلم بالماء الَّذي يخرج من الرجل تفسير غير مطابق لما سنذكره عن أهل اللغة، ولفظ الحديث يرد عليه؛ لأنه تضمن السؤل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام، فهذا يقتضي ... موجودًا واحدًا، وهما شيئان، وتفسير الاحتلام بالماء نفسه يقتضي حقيقة واحدة. الرابع: تخصيصه ذلك بالرجل، وإنما هو مما يشترك فيه الرجل والمرأة. الخامس: قوله: فيدل على كمال حلمه، فيه أخد الحلم -مضموم الحاء- من الحلم ... ، ولم تجمع بينهما بنية ولا معنى.

وقال جرير: هل من حلوم لأقدار فتنذرهم ... ما جرّب الناس من عصيي وتضريبي وهذا أحد ما جمع من المصادر. فعلى هذا يكون السؤال عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الجماع أو نحوه. وذكر ابن أبي شيبة عن حفص عن ابن عباس: إذا احتلم الرجل ولم ير بللًا فلا غسل عليه، وإذا رأى بللًا ولم يذكر أنَّه احتلم فعليه الغسل. وعن إبراهيم عن الشعبي فيمن استيقظ ورأى أنَّه قد جامع ولم يرى بللًا لا غسل عليه. وعن إبراهيم في الرجل يجد البلل بعد النوم، قال: يغتسل. وقال مجاهد: لا يغتسل حتَّى يستيقن أنَّه أجنب. وعن الحكم في الرجل يستيقظ فيجد البلة، قال: لا يغتسل. وعن قتادة: لا يغتسل حتَّى يستيقن. وعن سعيد بن جبير قال: إنما الغسل من الشهوة والفترة. وعن حماد في الرجل يصبح فيرى على فراشه البلة، قال: إن كان يرى أنَّه احتلم اغتسل، وإن لم يكن يرى أنَّه احتلم لم يغتسل. وقال قتادة: إن كان ماء دافقًا اغتسل. قال: فقلت: كيف يعلم؟ قال: يشمه. وقال الحكم: لا يغتسل. قال الشيخ أبو الحسن الماوردي رحمه الله: فأما إذا استيقظ النائم فيرى المني من غير أن يحس به في نومه فالغسل منه واجب، ولو أحس في النوم بالإنزال فلم ير

بعد استيقاظه منيًّا فلا غسل عليه، وذلك من حديث النفس، فلو رأى الرجل المني في ثوب هو لابسه ولم يحس من نفسه بالإنزال فيه فلا يخلو حال ذلك الثوب من أن يلبسه غيره، أم لا، فإن لبسه غيره لا غسل عليه لجواز أن يكون من غيره، ولا على ذلك الغير أيضًا لجواز أن لا يكون منه، وإن كان ذلك الثوب لا يلبسه غيره، فلو لم يلبسه غيره منذ غسل، وقد كان يلبسه غيره قبل الغسل نظر فيه فإن كان المني من ظاهره فلا غسل عليه لجواز أن يكون قد لاقى منيًّا على ثوب غيره فتعدى إليه، أو قد حاكه رجل أنزل فوقع منيه على ثوبه. وإن كان المني من داخل الثوب فالغسل عليه واجب لعلمنا أنَّه منه، أو امتناع كونه من غيره، فإذا اغتسل أعاد كل صلاة صلاها من أقرب نومة نامها فيه لأنه الظاهر من حال إنزاله. إلا أن لا يكون قد نام فيه فلا يلزمه إعادة شيء مما صلى، لجواز أن يكون حادثًا بعد آخر صلاته، وليس هناك ظاهر يغلب فحمل على اليقين. وللمني الَّذي يجب الاغتسال بخروجه أوصاف يأتي ذكرها، وحكمها في الاجتماع والافتراق في الباب بعد هذا. إن شاء الله تعالى. * * *

83 - باب في المني والمذي

83 - باب في المني والمذي حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي ثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد. وحدثنا محمود بن غيلان ثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المذي؛ فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل". قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه: من المذي الوضوء، ومن المني الغسل. وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق. * الكلام عليه: أخرجه ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام. وأخرج أبو داود من حديث حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاء فجعلت أغتسل حتَّى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل". وأخرجه النسائي، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث محمد بن الحنفية عن علي مختصرًا.

قد صحح الترمذي هذا الحديث وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو وإن كان مسلم قد انفرد بإخراج حديثه مقرونًا بغيره، في كتاب الأطعمة، فقد تكلم فيه بعضهم، فلنذكر ما حضرنا من الكلام عليه ليبين محله من القبول أو التوقف، قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الضعفاء" له: يزيد بن زياد، ويقال: ابن أبي زياد ويقال: أبو زيّاد، الشامي، واسم أبيه ميسرة. يروي عن الزهري وعبد الرحمن بن أبي ليلى. قال علي ويحيى: ضعيف لا يحتج به. قال ابن المبارك: ارم به. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، كل أحاديث موضوعة أو باطلة. وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: صدوق إلا أنَّه لما كبر ساء حفظه وتغيَّر، وكان يتلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح. انتهى ما ذكره. وهذا عنده كلام على راوٍ واحدٍ، وإنما هذا الكلام على ثلاثة من الرواة: فأحدهم يزيد بن أبي زياد الدمشقي، يروي عن الزهري، روى عنه وكيع ومحمد بن ربيعة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت ابن نمير يقول: يزيد بن أبي زياد الَّذي يروي عنه وكيع ليس بشيء، سألت أبي عنه، فقال: ضعيف الحديث كل أحاديثه [موضوعة].

وقال البخاري: هو منكر الحديث. والثاني: يزيد بن زياد، واسم أبي زياد ميسرة مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي المدني. روى عن محمد بن كعب القرظي. روى عنه مالك وابن إسحاق. ذكره ابن أبي حاتم، وذكر رواية ابن إسحاق عنه. وقال الترمذي: روى عنه مالك بن أنس وغير واحد، مدني. والثالث: راوي هذا الحديث، وهو كوفي مولى بني هاشم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل. روى عن عبد الله بن جعفر ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى عنه الأعمش والثوري وشعبة وزهير بن معاوية، وزائدة وشريك وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن فضيل وعبد الله بن إدريس وغيرهم. قال شعبة: كان رفاعًا. وقال عثمان بن أبي شيبة: سألت جريرًا عن ليث وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد؟ فقال: يزيد أحسنهم استقامة في الحديث، ثم عطاء. قال عبد الله: سألت أبي عن هذا فقال: أقول كما قال جرير. وقال مرة: وكان ليث أكثرهم تخليطًا. وقال عبد الله: قال لي أبي: لم يكن يزيد بن أبي زياد بالحافظ، وليس بذاك. قال عبد الله: فقلت ليحيى بن معين: يزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب.

فقال: نعم، ومن سمع من عطاء وهو مختلط فيزيد فوق عطاء. وروى العباس الدوري عن يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، ذكره ابن أبي حاتم، وحكى عن أبيه قوله فيه: ليس بالقوي. وعن أبي زرعة: كوفي لين، يكتب حديثه ولا يحتج به. وإذ قد تبين أنهم ثلاثة وأن أحوالهم مختلفة، فلنذكر ما ينبني على اختلاف أحوالهم من اختلاف أحوال أخبارهم في القبول والرد، فنقول: أما الأول فلا تلتحق أخباره بالصحيح ولا بالحسن لما فيه من الجرح المفسر الذي لم يعارضه شبهة تعديل، وقد وقع لأبي عيسى حديث من طريقه وردّه به، وهو حديث: "ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم". رواه يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة. ورواه عن يزيد عنده: وكيع، ومحمد بن ربيعة. قال الترمذي: يزيد يضعف في الحديث. وأما الثاني فينبغي أن يكون حديثه -إذا سلم من العلل والشذوذ والتفرد- من باب الحسن، إذا لم يعدم شاهدًا أو متابعًا لدخوله تحت كنف الستر والسلامة من الجرح، والمعرفة بعينه برواية من روى عنه. وأما الثالث فينبغي أن يتردد النظر في حديثه بين قسمي الحسن والصحيح بحسب شواهد الحديث المخرج من روايته ومتابعاته، فحيث وجد ما يعضده فلا ينبغي أن يقصر به عن التصحيح لثناء من أثنى عليه، واشتهاره بحمل العلم، وكون الجرح فيه غير مفسر. وينبغي أن يعتبر مذهب المجرح بلفظ: لا يحتج به، وهل هو ممن يحتج بالحسن أو لا؟

فإن كان القائل بالتجريح عمن جرحه؛ لا يحتج به، وهو لا يحتج إلا بالصحيح، فلم يسلب الجروح رتبة تحسين حديثه، وإن كان المجرح ممن يحتج بالحسن فقد سلبه تلك الرتبة، وهو أشد في الجرح من الأول. وأما الترمذي فقد صحح حديث يزيد هذا في مواضع منها حديث الباب. وحديثه عن مقسم عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم. وحديثه عن عبد الله بن الحارث: حدثني المطلب بن ربيعة: أن العباس دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مغضبًا ... الحديث. ومما حسن من حديثه حديثه عن مجاهد عن ابن عباس: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. وهو من رواية زياد البكائي عنه. وزياد وإن كان قد مس بتضعيف من النسائي وابن معين، فقد أثنى عليه أحمد وأبو زرعة، وأخرج له في الصحيحين، فلعل التصحيح والتحسين في ذلك بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون أو غرابتها أو اشتهار طرقها أو عدم ذلك. وأيضًا فهو من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل: لم يسمعه منه. وأما حديث المقداد بن الأسود؛ فروى سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه الذي؛ ماذا عليه؛ فإن عندي ابنته وأنا استحيي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضئ وضوءه للصلاة". رواه أبو داود، وأخرجه النسائي وابن ماجه.

قال الإمام الشافعي: حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلم سمع منه شيئًا. قال البيهقي: هو كما قال، وابن حبان يزعم أنه سمع منه وعمره دون العشر سنين. وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة علي والمقداد موصولًا. انتهى. وحديث سليمان بن يسار عند مسلم من حديث مخرمة بن بكير عن أبيه، ولم يسمع مخرمة من أبيه شيئًا، كذا قال عنه غير واحد، إلا أن مالكًا ذكر أنه سأله: هل سمع من أبيه؟ فقال: إي والله. قال: وكان مخرمة رجلًا صالحًا. وأما حديث أبي بن كعب، فقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر، قال: ثنا مسعر عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية عن ابن عباس أنه أتى أبيًّا ومعه عمر بن الخطاب فخرج عليهما فقال: إني وجدت مذيًا فغسلت ذكري وتوضأت. فقال عمر: أو يجزئ ذلك؟ قال: نعم. قال: سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. وأبو حبيب بن يعلى بن منية، ومنية أمه، وهو يعلى بن أمية التميمي حليف لقريش، ويقال منية أخت عتبة بن غزوان المازني. ذكره أبو أحمد الحاكم فيمن يعرف بكنيته ولا يقف على اسمه. وقال: روى عن ابن عباس. روى عنه مصعب بن شيبة.

قال عبد الغني: روى له ابن ماجه. قال ابن أبي شيبة: نا أبو معاوية عن الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر، قال: سئل عثمان عن المذي، فقال: ذاك المقطر، ومنه الوضوء. وعن ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي: أن سلمان بن ربيعة تزوج امرأة من بني عقيل فرآها فلاعبها فخرج منه ما يخرج من الرجل. قال سليمان: أو قال: المذي. قال: فاغتسلت ثم أتيت عمر فسألته، فقال: ليس عليك في ذلك غسل (¬1). وابن علية عن ابن عون عن أنس بن سيرين عن ابن عباس: المني يغتسل منه، والمذي يغسل منه فرجه، ويتوضأ، والذي من الشهوة لا أدري ما هو. وعن عائشة: الني يغتسل منه، والمذي والودي يتوضأ منهما. وسئل أبو هريرة عن المذي؟ فقال: منه الوضوء. وروى وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: المني والودي والمذي، فأما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما الوضوء. وعن عكرمة ومجاهد مثله. وروى ابن علية عن ابن عون عن محمد قال: ذكروا عند ابن عمر البلة والمذي وبعض ما يجد الرجل، فقال: إنكم لتذكرون شيئًا ما أجده، ولو وجدته لاغتسلت منه. ¬

_ (¬1) زاد في المصنف (1/ 90): ذلك النشر. وهو خروج المذي، كما في القاموس. قلت: وفي المصنف: سليمان بن ربيعة!

فضخ الماء؛ بالفاء والضاد والخاء المعجمتين، ساكنة الضاد، دفقه، يقال أفضخ الدلو، ويقال للدلو المفضخة لدفق الماء منها. وفي المذي لغات. مذي؛ بفتح الميم وإسكان الذال، وبكسر الذال وتشديد الياء، وبكسر الذال وتخفيف الياء، وأفصحها الأولى وأشهرها. يقال منه: مذي وأمذى، ومذاء بتشديد الذال. والمذي؛ ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند تذكر الجماع لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه بفتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال، وفي حديث أبي: وغسلت فرجي، وفي حديث المقداد: فلينضح فرجه. والنضح هنا محمول عند الأصحاب على الغسل؛ فإن النضح يكون غسلًا ويكون رشًا. وقد جاء في رواية أخرى في الصحيح: يغسل ذكره، فهو محمول عندهم على ذلك. وأما حكمه فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل، قال أحمد والشافعي وأبو حنيفة والجمهور بوجوب الوضوء منه لهذا الحديث. وقد اختلف العلماء في غسل جميع الذكر منه أو غسل ما أصابه المذي منه على قولين: الأول: محكي عن مالك وأحمد: أنه يغسل منه جميع الذكر. الثاني: محكي عن الشافعي وغيره.

وقد أخذ بعض الناس من قوله - عليه السلام -: يغسل ذكره؛ أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة، وهي البول والغائط، وأما النادر كالدم والمذي فلا بد فيها من الماء، وهذا أصح القولين عند أصحابنا، كذا قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله- في "شرح مسلم". والمعروف أن الصحيح جواز الاقتصار على الحجر في ذلك، وكذا نقله هو في "الروضة". وقال غيره: والانفصال عن ذلك ممكن بحمل ذلك على الاستحباب، أو على أنه خرج مخرج الغالب. وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لسؤال علي المقداد أن يستفتي له مع تمكنه من السؤال، واقتصاره على خبر المقداد في ذلك. وقد يمنع اقتصاره على خبر المقداد، فلعل المقداد سأل عن ذلك بحضور علي صيانة لعلي أن يكون المواجه بهذا السؤال للعذر الذي ذكره علي في ذلك، وسمع علي الجواب عن سؤال المقداد من النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاهًا إذ لا مانع من ذلك من غير واسطة المقداد ولا غيره. وفيه ما كانوا من حسن الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظهم لعظيم حرمته وتوقيره. وفيه حسن العشرة مع الصهر لمحل علي من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما المني فقد جاءت حقيقته في قوله - عليه السلام -: "إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر"، وسيأتي لهذا الحديث ذكر في باب المرأة ترى مثل ما

يرى الرجل، وهذا أصل في بيان صفة المني، وهذه صفته في حال السلامة، وفي الغالب. قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يندفق في خروجه دفعة بعد دفعة، ويخرج بشهوة وتلذذ، وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل، وهي قريبة من رائحة العجين، وقيل يشبه رائحة القصل، وقيل إذا يبس كانت ريحه كريح البول، فهذه صفاته، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيًّا، وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقًا أصفر، أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة، أو يستكثر من الجماع فيجمد ويصير كاللحم (¬1)، وربما خرج دمًا عبيطًا. وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر موجب للغسل، كما لو كان أبيض. ثم إن خواص المني المعتبرة في كونه منيًّا ثلاث: الأولى: الخروج بشهوة مع الفتور عقيبه. الثانية: الرائحة التي تشبه رائحة الطلع كما سبق. الثالثة: الخروج .... (¬2) وتدفق في دفعات. وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيًّا، ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيًّا، وغلب على الظن كونه ليس منيًّا. وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق، وقد يبيض لفضل قوتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما: ¬

_ (¬1) كذا! ورسمت كماء اللحم. في الأصول. (¬2) كلمة غير مفهومة رسمت: بتزريق.

الأولى: الرائحة التي أشرنا إليها، كما سبق. الثانية: التلذذ بالخروج والفتور بعقبه. ويجب الغسل لخروج المني بأي صفة كان، وعلى أي حال كان. وأما الخلاف في طهارته ونجاسته فيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ التِّرمِذِيّ «النَّفْحُ الشَّذيّ شَرْحُ جَامِعُ التِّرمِذيّ» [3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَمِيع حُقُوق الملكية الأدبية مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يسمح مُطلقًا بطبع أَو نشر أَو تَصْوِير أَو إِعَادَة تنضيد الْكتاب كَامِلا أَو مجزأ. ويحظر تخزينه أَو برمجته أَو نسخه أَو تسجيله فِي نطاق استعادة المعلومات فِي أَي نظام كَانَ ميكانيكي أَو الكتروني أَو غَيره يُمكن من استرجاع الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ. وَلَا يسمح بترجمة الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر. حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر دَار الصميعي الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م دَار الصميعي للنشر والتوزيع هَاتِف: 4262945 - 4251459، فاكس: 4245341 المركز الرئيس، الرياض - شَارِع السويدي الْعَام ص. ب: 4967، الرَّمْز البريدي: 11412 المملكة الْعَرَبيَّة السعودية فرع القصيم: عنيزة - أَمَام جَامع الشَّيْخ (بن عثيمين) يرحمه الله هَاتِف: 3624428، تلفاكس: 3621728

84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب ثنا هناد: نا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن عبيد -هو ابن السباق-، عن أبيه، عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدّةً وعناءً، فكنت أكثر من الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسألته عنه فقال: "إنّما يجزيك من ذلك الوضوء" (¬1). قلت: يا رسول الله! كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه" (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي. وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: "لا يجزئ إلا بالغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق. وقال بعضهم: يجزئه النضح. وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء (¬3). * الكلام عليه: أخرجه أبو داود وابن ماجه. فأبو داود: عن مسدد، عن ابن علية. وابن ماجه: عن أبي كريب، عن ابن المبارك وعبدة بن سليمان، كلهم عن ابن إسحاق. ¬

_ (¬1) الجامع كتاب المناقب (5/ 557) برقم 3634. (¬2) الجامع كتاب تفسير القرآن (5/ 234) برقم 3045. (¬3) الجامع كتاب تفسير القرآن العظيم (5/ 300 - 301) برقم 3166 باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام.

ومدار هذا الحديث على ابن إسحاق، وقد تقدم التعريف بحاله، وإن من الأئمة من يصحح حديثه، ومنهم من وقف عن الاحتجاج به في الأحكام (¬1). وأما الترمذي فيصحح حديثه تارة ويحسنه تارة. فمما صحح من حديثه: حديث: "أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النبوة الرؤيا الصادقة". رواه عن إسحاق بن موسى، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وحديث: "يمين الله ملأى سحاء". رواه في التفسير عن ابن منيع، عن يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن أبي الرثد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وحديث: "لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث ... ". رواه عن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وحديث: لما توفي عبد الله بن أُبَيّ دُعِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليه ... ". رواه في التفسير، عن عبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس. وحديث: "لا يحتكر إلا خاطئ". رواه عن إسحاق بن منصور، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن ابن المسيّب، عن معمر بن عبد الله بن نضلة (¬2). ¬

_ (¬1) الجامع كتاب تفسير القرآن العظيم (5/ 260 - 261) برقم 3097. (¬2) الجامع كتاب البيوع (3/ 567) برقم 1267 ووقع في المطبوع من السنن فضلة بدل نضلة وهو خطأ.

وحسّن من أخباره: حديث النهي عن نتف الشيب (¬1)؛ وقد كان يمكن أن يقال: هذا الحديث من رواية ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فلعل الذي قصر به عن التصحيح ذلك، لما في قبول هذه النسخة من الخلاف بين السلف. لكن منع من ذلك أنه صحح حديث: "لا يحل سلف وبيع" (¬2). من رواية أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وصحح حديث: "من لم يرحم صغيرنا ... " (¬3). وهو من رواية ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب كذلك. ومما حسن أيضًا من حديث ابن إسحاق: "قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فقرع الباب ... " أخرجه في الاستئذان عن محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد، حدثني أبي يحيى عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة (¬4). وحديث: "ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين ... " (¬5). رواه عن أبي كريب، عن ابن المبارك، ويونس بن بكير، عن ابن ¬

_ (¬1) الجامع كتاب الأدب (5/ 115) برقم 2821. (¬2) الجامع كتاب البيوع (3/ 535) برقم 234 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك. (¬3) الجامع كتاب البر والصلة (4/ 284) برقم 1920 باب ما جاء في رحمة الصبيان وقال حسن صحيح. (¬4) الجامع كتاب الاستئذان (5/ 72) برقم 2732 باب ما جاء في المعانقة والقبلة وقال حسن غريب. (¬5) الجامع كتاب الجنائز (3/ 347) برقم 1028 باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت وقال حسن.

إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليَزَني، عن مالك بن هبيرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وربما ذكر من حديثه ما سكت عنه، ولم يعرض له بتصحيح ولا تحسين، وترك باب النظر فيه مفتوحًا لمن أراده كحديث: "سأل عثمانُ قباثَ بن أشيم: أنت أكبر أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ... " (¬1). رواه في المناقب، عن ابن بشار، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده: الحديث ... قال أبو الحسن بن القطان (¬2): وفي إسناده أيضًا سعيد بن عبيد بن السباق، وهو ممن لا يعرف له حال، ولا يوقف فيه على جرح ولا تعديل، فينبغي أن يكون الحديث بسببه حسنًا (¬3). هذا معنى كلامه، وقوله في ابن السبّاق: لم يوقف فيه على جرح صحيح، وأما قوله: ولا تعديل؛ فقد وثقه النسائي، وأبوه أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، فاندفعت شبهة ابن القطان، ولم يبق الحمل إلا على ابن إسحاق. وأما المذي وقد تقدم في الباب قبله ذكر اللغات فيه، ووصفه، وشيء من أحكامه. وروى العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم -بالحاء والراء المهملتين-، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عمّا يوجب الغسل، ¬

_ (¬1) الجامع كتاب المناقب (5/ 550) برقم 3619 باب ما جاء في ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال حديث حسن غريب. (¬2) انظر تهذيب الكمال (10/ 547) وتهذيب التهذيب (2/ 33). (¬3) انظر تهذيب الكمال (19/ 207) برقم 3717.

وعن الماء يكون بعد الماء فقال: "ذلك المذي وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة" (¬1). في هذا الحديث زيادة غسل الأنثيين، وهو صحيح الإسناد (¬2)؛ فإنه عند أبي داود من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء. ومعاوية بن صالح أخرج له مسلم (¬3). ولما ذكر عبد الحق هذا الحديث قال: لا يصح غسل الأنثيين، ولا يحتج بهذا الإسناد (¬4). قال ابن القطان (¬5): كذا قال: وهو كذلك، ولكن بقي عليه أن يبين منه موضع العلة (¬6)، وهي الجهل بحال حرام بن حكيم الدمشقي (¬7)، ثم حكى أبو الحسن عن عبد الحق أنه قال -في باب ما يحل للرجل من امرأته-: ... وذكر حديثًا من طريق حرام هذا، ثم قال بعده (¬8): حرام بن حكيم ضعيف (¬9). ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة برقم 211 باب في المذي. (¬2) انظر رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 229) برقم 1564 وتقريب التهذيب (955) برقم 6810. (¬3) الأحكام الوسطى (1/ 138). (¬4) زاد في الأحكام الوسطى: في ذلك. (¬5) بيان الوهم والإيهام (3/ 310) برقم 1060. (¬6) بيان الوهم (3/ 312). (¬7) الأحكام الوسطى (1/ 279). (¬8) أي ابن القطان. (¬9) وتبع عبد الحق ابن حزم قال في المحلى (2/ 180 - 181): "حرام بن حكيم ضعيف". وحرام وثقه العجلي كما في معرفة الثقات (1/ 290) ونسبه مصريًّا ورد عليه ابن عساكر وقال إنه دمشقي برقم 279 وابن حبان في ثقاته (4/ 185) والدارقطني ودحيم كما في تهذيب التهذيب (1/ 368) ومال إليه الحافظ ابن حجر. هذا وإن كان العجلي وابن حبان من المتساهلين في التوثيق، فإن توثيقهما مع توثيق الدارقطني يصير معتبرًا على الأقل في نفي جهالة الحال.

قال: ولا أدري من أين جاءه تضعيفه، إنما هو مجهول الحال. انتهى. وليس ذلك من عملهما بمستقيم في الحديثين معًا (¬1)؛ فقد خفي عليهما من توثيق حرام ما ذكره العجلي؛ قال أحمد بن عبد الله العجلي (¬2): مصري ثقة، كذا قال مصري، وإنما هو دمشقي، قاله الحافظ عبد الغني في ترجمته (¬3). وقد أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (¬4). وحرام بن حكيم هذا: قال ابن أبي حاتم (¬5): حرام بن معاوية روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر كلامه، روى معمر عن زيد بن رفيع، عنه فقال (¬6): عن حرام بن حكيم: سمعت أبي يقول ذلك، ثم ذكر ترجمة حرام بن حكيم الدمشقي -فجعلهما ترجمتين، وإنما ذلك كله ترجمة واحدة- روى عن عمه عبد الله بن سعد، وأبي هريرة روى عنه العلاء بن الحارث، وزيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء بن زيد .. سمعت أبي يقول ذلك. فقال أبو بكر الخطيب -ومن خطه نقلت (¬7) -: حرام بن حكيم هو حرام بن معاوية، وليس بغيره، يختلف على معاوية بن صالح في اسم أبيه، وكان معاوية بن صالح يروي حديثه عن العلاء بن الحارث عنه، عن عمه عبد الله بن سعد، وقيل: إنه يرسل الرواية عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة، وابن أبي حاتم تبع البخاري في ¬

_ (¬1) معرفة الثقات (1/ 290). (¬2) وكذا ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 307). (¬3) انظر تهذيب الكمال (5/ 520). (¬4) الجرح والتعديل (3/ 282) برقم 1259. (¬5) زاد في الجرح والتعديل مرسل. (¬6) قبل قوله فقال، قال في الجرح وروى عبد الله بن عمرو عن زيد بن رفغ فقال حرام بن حكيم بن حرام سمعت أبي يقول ذلك. (¬7) الجرح والتعديل (3/ 282) برقم 1260.

التفريق في الترجمة، وكذلك فعل أبو الحسنن الدارقطني ولعله تبع البخاري (¬1). وروى بكر بن سهل، عن عبد الله بن صالح بن معاوية، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عبد الله بن سعد، وروى محمد بن إسماعيل بن عليّة وخالد بن محمد البصري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد (¬2). ويعضد هذا الحديث الذي رده عبد الحق في غسل الأنثيين ما روى أبو عوانة في "صحيحه" (¬3) من حديث سليمان بن حيان، عن ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني (¬4)، عن علي قال: كنت رجلًا مذّاءً فاستحييت أن أسأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬5)، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يغسل أنثييه وذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة". رواه عن موسى بن سهل، عن محمد بن عبد العزيز، عن يزيد بن خالد بن مرسل (¬6). يزيد بن خالد من أهل يافا. ¬

_ (¬1) موضع أوهام الجمع (1/ 108) الوهم التاسع والعشرون. (¬2) التاريخ الكبير (3/ 101) برقم 351. (¬3) المؤتلف والمختلف (2/ 572). قلت: وتبع البخاري ابنُ ماكولا كذلك كما في الإكمال (2/ 411) وكذا أبو أحمد العسكري ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التهذيب (1/ 368). وقد ناقش العلامة المعلمي الخطيب البغدادي فيما وهم فيه البخاري، فانظره في حاشية موضع أوهام الجمع (1/ 91) فإنه نفيس للغاية. (¬4) مسند أبي عوانة (1/ 229) برقم 765. (¬5) فأرسلت المقداد فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال الحديث، كذا في مسند أبي عوانة. (¬6) مُرَشَّل بفتح الراء تليها شين معجمة مفتوحة مشددة أبو مسلمة يزيد بن خالد بن مُرَشَّل الرملي، كذا قال ابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه (8/ 123 - 124) و (9/ 205) وفيه ذكر أنه من أهل يافا وانظر الأنساب (3/ 91) ترجمة الرملي.

ذكر أبو حاتم، عن محمود بن سُمَيْع قال: يزيد ثقة عاقل (¬1). وكذلك عند أبي داود من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن علي. ورواه يوسف بن يعقوب القاضي عن محمد بن أبي بكر، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن عروة، أنّ عليًّا ... فذكره (¬2). ورجاله ثقات، إلا أن ابن أبي حاتم قال في المراسيل (¬3): عروة بن الزبير، عن أبي بكر مرسل، وعن علي مرسل. قال القاضي أبو بكر بن العربي (¬4): أجمع العلماء على أن المذي نجس، واختلفوا في غسله أو نضحه (¬5). فقال مالك والشافعي وإسحاق: لا يجزئه إلا الغسل. وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح. ودليلنا أنها نجاسة فوجب غسلها، أصلها سائر النجاسات، وهذا الحديث حجة لنا؛ لأنه قال: "يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضح به ثوبك"، والنجاسات على قسمين: نجاسة كلون الماء وهو البول والودي ونحوهما ... ونجاسة تخالف لون الماء لزِم صبّ الماء حتى يذهب عنها، فإذا وافقت لون الماء فالواجب أن تكاثر بالماء خاصة، إذ ليس لها عين تزال، وكفّ من ماء على ما ورد في الحديث أكبر من نقطة من مذي (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (9/ 259) برقم 1093. (¬2) السنن كتاب الطهارة برقم 209 باب في المذي. (¬3) المراسيل (149) برقم 541. (¬4) عارضة الأحوذي (1/ 145). (¬5) في العارضة وبدل أو. (¬6) في العارضة فإذا خالفت لون الماء وجب صب الماء.

وقد سبق في حديث المقداد نضح الفرج منه، وحملهم النضح على الغسل، فكذلك تأويله في الثوب، وقد قالوا في قوله - عليه السلام -: "إني لأعرف مدينة ينضح البحر جانبها بجانبها" (¬1) أن المراد الغسل. قال الماوردي: ولو شكّ فيما أنزله هل هو مني أو مذي فلا غسل عليه للشك فيه، ويتوضأ ولا يلزمه غسله لجواز أن يكون منيًّا طاهرًا، وإن احتاط في الأمرين فغسله واغتسل كان أولى وأفضل. وأما الودي؛ فهو كدر يخرج بعد البول قطرة أو قطرتين، وهو يوجب الوضوء دون الغسل كالمذي. فصارت المائعات الخارجة من الذكر غير البول المعتاد ثلاثة: المني وهو طاهر يوجب الغسل، والمذي والودي وهما نجسان يجب منهما الوضوء، وغسل المحل أو نضحه على الخلاف الذي حكيناه. * * * ¬

_ (¬1) كذا الأصل، ولعل الصواب بجانبها، وفي رواية: بناصيتها. والحديث رواه أحمد (2/ 30) وضعفه الألباني في "الضعيفة" (213). أو حتى إن شئت قلت: ساحله، كما في "النهاية" (ن ض خ) وفي هامش نسخة السندي: ... بين النضخ والنضح أيهما أكثر، والأكثر أنه بالمعجمة أقل من المهملة. وقيل هو بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والحسد. وبالمهملة الفعل نفسه. وقيل: هو بالمعجمة ما فعل تعمدًا. وبالمهملة من غير تعمد. نهاية. اهـ. قلت: واستفدنا من المطبوع بعض الكلمات التي جاءت على طرف التصوير؛ فلم تظهر.

85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب

85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب ثنا هناد: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال: "ضافَ عائشةَ ضيفٌ، فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها، فاحتلم فاستحيا أن يرسل بها، وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: "أفسد علينا توبنا! إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربما فركته من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصابعي". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين، ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان وأحمد وإسحاق، قالوا في المني يصيب الثوب يجزئه الفرك، وإن لم يغسل. وهكذا رُوي عن منصور عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عائشة مثل رواية الأعمش. وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة، وحديث الأعمش أصح.

86 - باب غسل المني من الثوب

86 - باب غسل المني من الثوب (¬1) حدثنا أحمد بن منيع: ثنا أبو معاوية: عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن سليمان بن يسار، عن عائشة: "أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. وفي الباب عن ابن عباس. وحديث عائشة أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه إذا كان الفرك يجزئ، فقد يستحب للرجل أن لا يرى ثوبه أثره. قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط؛ فأمطه عنك ولو بإذخرة (¬2). * الكلام عليه: صحح الترمذي حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة، وقواه بالمتابعة عن منصور، عن إبراهيم، ورجحه على حديث أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وكلاهما صحيح أخرجه مسلم (¬3) وغيره. والحديث عند إبراهيم عنهما، وكان يحدث تارة عن همام، وتارة عن الأسود، وتارة عنهما عن عائشة، وكلها في الصحيح -أعني أصل الحديث-. ¬

_ (¬1) لم يأت في النسخ الثلاث تبويب. (¬2) الجامع (1/ 198 - 202) برقم 116 - 117. (¬3) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني، وأبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 371 باب المني يصيب الثوب وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 179) برقم 538 باب في فرك المني من الثوب والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 297 باب فرك المني من الثوب وفي الكبرى برقم 282.

فأما رواية أبي معشر التي أشار إليها فقد ذكرها مسلم (¬1) وتابعه عليها من طريق الأسود منصور والمغيرة بن مقسم وواصل الأحدب، وكلها عند مسلم، وحماد بن أبي سليمان، عند أبي داود، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عنه. وأما حديث الأعمش، فقال الدارقطني: قال أبو عوانة، وعبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وقد جمع بينهما حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وهمام، كلاهما عن عائشة. رواه مسلم عن عمر بن حفص، عن أبيه. وأما حديث منصور فقد ذكرنا أن مسلمًا رواه من طريقه عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشه بخلاف ما ذكره الترمذي فإنه ذكره عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة. وقد ذكر الشيخ أبو الحسنن الدارقطني أن الأشجعي رواه عن الثوري، عن منصور عن إبراهيم، عن همام، وعن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. قال الدارقطني: وهو صحيح من حديث إبراهيم عن الأسود، وهمام عن عائشة؛ لأن حفص بن غياث جمع بينهما عن الأعمش، ولأن الأشجعي، عن الثوري جمع بينهما، عن منصور. انتهى. فتحصّل من هذا أن حديث الأعمش ومنصور سواء في رتبة واحدة من الصحة، وأن حديث أبي معشر أيضًا يساويهما؛ لصحه الحديث عن همام والأسود عن عائشة، والأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن كوفي ثقة صاحب سفيان مخرّج له في الصحيحين. وأما حديث عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة، فقد سكت ¬

_ (¬1) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني.

الترمذي عنه (¬1)، ولم يحكم عليه بشيء. قال البزار (¬2): وإنما يروى الغسل عن عائشة رضي الله عنها من وجه واحد: رواه عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها. ولم يسمع سليمان بن يسار من عائشة، ولا يكون معارضًا لهذه الأسانيد حديث عمرو، عن سليمان، عن عائشة. وهذا توهين من البزار للحديث، وليس كما ذكر فإن الحديث صحيح مخرج في الكتب الستة (¬3)، وسماع سليمان بن يسار من عائشة؛ صحيح ثابت في الصحيحين (¬4): أما البخاري: فرواه من حديث عبد الواحد، عن عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المني يصيب الثوب؟ فقالت: "كنت أغسله من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ¬

_ (¬1) هنا يقابلها في نسخة ابن العجمي حاشية قرأها الأخوة: قلت: بلى وهو صحيح. ثم بعد عدة أسطر: بل قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فينظر! (¬2) وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 334) قول البزار هذا في أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة وقال: " ... على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره" وانظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 416). (¬3) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 93) برقم 229 و 230 باب غسل المني وفركه ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 289 باب حكم المني وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 260) برقم 373 وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 178) برقم 536 باب المني يصيب الثوب. والنساني في سننه كتاب الطهارة (1/ 171) باب غسل المني من الثوب وفي الكبرى (1/ 128) برقم 288 باب غسل المني من الثوب. (¬4) انظر صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 93) برقم 230 و 231 وكذا صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 289 باب حكم المني.

ثوبه بقع الماء". وفي رواية محمد بن بشر عند مسلم؛ عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب الرجل، أيغسله أم يغسل الثوب؟ فقال: حدثتني عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه". فلفظ البخاري عن سليمان: سألت عائشة، ولفظ مسلم عنه: حدثتني عائشة؛ وهذا صريح في السماع. فهذا الحديث المسكوت عنه عند الترمذي صحيح أيضًا، وقد قيل: إن الفرك كان في ثياب ينام فيها، لا في ثياب يصلي فيها، واستدل عليه بحديث عمرو بن ميمون الماضي، وأن الغسل كان في ثوب الصلاة (¬1). وبحديث يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حُدَيْج (¬2)، عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؛ قالت: "نعم، إذا لم يَرَ فيه أذىً". أخرجه أبو داود (¬3). وروى خالد بن الحارث، عن أشعث، عن محمد بن (¬4) عبد الله بن شقيق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في لحف ¬

_ (¬1) انظر الإمام (3/ 417). (¬2) في هامش نسخة السندي: بمهملة مضمومة ودال مهملة مفتوحة. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 257) برقم 366 باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. (¬4) كذا في هذا الموضع ابن والصواب عن والتصويب من مصادر التخريج.

نسائه" (¬1). رواه شعبة (¬2) عن أشعث، وفيه: "لحفنا"، ويرد هذا التأويل حديث أبي معشر الصحيح (¬3)، من طريق عائشة الذي قدمناه، ولفظه: "أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلي فيه". وأمّا من فرّق بين رطبه ويابسه: فروى الدراقطني (¬4) من حديث بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: "كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يابسًا، وأغسله إذا كان رطبًا". أخرجه من حديث أبي إسماعيل الترمذي عن الحميدي. ورواه الطحاوي (¬5) عن أحمد بن البرقي، عن الحميدي؛ إلا أنه قال فيه: "وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبًا". شكّ (¬6) الحميدي، وكذلك رواه أبو (¬7) عوانة في "صحيحه". وأما حكّ رطبه بالإذخر دون الغسل، فقد روى الدارقطني (¬8) من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، نا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المني يصيب الثوب، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في سننه (2/ 496) برقم 600 أبواب الصلاة باب في كراهية الصلاة في لحف النساء وابن الجارود في المنتقى (1/ 136) برقم 134 والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) برقم 282. (¬2) وروايته عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) برقم 283. (¬3) وروايته هذه في صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني. (¬4) في سننه (1/ 125) برقم 3. (¬5) شرح معاني الآثار (1/ 49) برقم 275. (¬6) القائل شك الحميدي هو الطحاوي. (¬7) (1/ 204). (¬8) في سننه (1/ 124) برقم 1.

فقال: "إنما هو بمنزلة المخاط (¬1)، وإنما يكفيك مسحه بخرقة أو بإذخرة". قال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك، ثم أخرجه من حديث وكيع عن ابن عباس موقوفًا به (¬2). لم يذكر الترمذي حديث ابن عباس هذا، وكذلك لم يذكر حديث أم سلمة. قرأت على محمد بن ساعد، أخبرك يوسف بن خليل، أنا البراني (¬3) زيد، أنا محمود الصيرفي، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني (¬4)، نا أحمد بن سهل الأهوازي، نا (¬5) سليمان بن داود المنقري ثنا سلم بن قتيبة عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وقد اختلف العلماء (¬6) في طهارة المني أو نجاسته: فروي عن عمر (¬7) بن الخطاب وابن مسعود وجابر (¬8) بن سمرة رضي الله عنهم أنهم غسلوه من ثيابهم، وأمروا بغسله، ومثله عن ابن (8) عمر وعائشة (8) على اختلاف عنهما. وعن جُبَيْر بن نُفَير: أنّه أرسل إلى عائشة يسألها عن المني في الثوب، فقالت: إن شئت فاغسله وإن شئت فاحككه. وروي عن سعيد بن المسيب أنه أمر بغسله. ¬

_ (¬1) زاد في السنن والبزاق. (¬2) السنن (1/ 125) برقم 2. (¬3) في نسخة السندي: ابن أبي زيد, فانظر ما سيأتي ص (34). (¬4) المعجم الكبير (23/ 366 - 367) برقم 867. (¬5) أحمد بن سهل الأهوازي ثنا سليمان بن داود المقري ثنا سلم بن قتيبة عن أبي بكر الهذلي. (¬6) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 187) وعارضة الأحوذي (1/ 147). (¬7) الأوسط (2/ 157). (¬8) الأوسط (2/ 157).

وروى عنه أنه قال: إذا صلى فيه لم يعد. وقال مالك: غسل الاحتلام من الثوب أمر مجمع عليه عندنا، وعن الأوزاعي نحوه. ولا يجوز عند مالك وأصحابه في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء، ولا يجزئ عنده الفرك وأنكره ولم يعرفه. وأما أبو حنيفة وأصحابه فالمني عندهم نجس، ويجزئ فيه الفرك على أصلهم في النجاسات (¬1)، أنه يطهرها كل ما أزال عينها من الماء وغير الماء. وقال الثوري: يفركه فإن لم يفركه أجزأته صلاته. وقال الحسن بن حيّ: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كثُر، وتعاد من المني في الجسد، وإن قل، وكان يفتي مع ذلك بفركه من الثوب إذا كان يابسًا، ويغسله إذا كان رطبًا. وقال الليث بن سعد: هو نجس، ويعيد منه في الوقت، ولا يعيد بعده، ويفركه من الثوب بالتراب قبل أن يصلي. وقال الشافعي: المني طاهر، ويفركه من ثوبه إذا كان يابسًا، وإن لم يفركه فلا بأس به، وأما النجاسات فلا يطهرها عنده إلا الغسل بالماء كقول مالك سواءً. والمني عند أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود وطاهر كقول الشافعي، ويستحبون غسله رطبًا، وفركه يابسًا، وهو قول سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس، كان سعد يفرك المني من ثوبه، وقال ابن عباس: هو نجس أمطه عنك بإذخرة أو امسحه بخرقة. وروى معمر عن الزهري، عن طلحة بن عبيد الله، عن أبي هريرة: أنه كان ¬

_ (¬1) هنا حاشية في نسخة ابن العجمي لم أستطع قراءتها.

يقول في الجنابة تصيب الثوب: إن رأيت أثره فاغسله، وإن شككت فلم تدر أصاب الثوب أم لا فانضحه. وروي نحو ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب، وعن أنس بن مالك والشعبي وابن سيرين وجماعة من التابعين. هذا حكم المني، ولنا قول شاذ: أن منيّ المرأة نجس دون مني الرجل، وقول أشذّ منه: أنّ مني الرجل ومنىّ المرأة نجس، والصواب أنهما طاهران. وهل يحل أكل المني الطاهر؟ فيه وجهان لأصحابنا، أظهرهما أنّه لا يحل أكله لأنه مستقذر؛ فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا. وأما منيّ باقي الحيوانات غير الآدمي، فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، فمنيّها نجس بلا خلاف، وما عداها من الحيوانات في منيّه ثلاثة أوجه: * الأصح: أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره. * والثاني: أنها نجسة. * والثالث: التفرقة بين مأكول اللحم، فهو طاهر، وغيره فهو نجس. أما القول بنجاسة المنيّ عند القائلين فله وجوه (¬1): * الأول: حديث الغسل منه، وهو صحيح كما تقدّم. * الثاني: أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه نجسة، والمني منها فليكن نجسًا. * الثالث: أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة، والمني منها، أي من الأحداث الموجبة للطهارة. ¬

_ (¬1) قال الشيخ السندي في نسخته: ها هنا سقط، والله أعلم.

* الرابع: أنه يجري على مجرى البول فينجس. وأما في كيفية إزالته فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء؛ إلا ما عُفِيَ عنه من آثار بعضها، والفرع ملحق بالأعم الأغلب. وأما أبو حنيفة -رحمه الله فإنّه اتبع الحديث في فرك اليابس، والقياس في غسل الرطب، ولم يَرَ الاكتفاء بالقول دليلًا على الطهارة، وشبّهه بعض أصحابه بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو بنعله فطهورها التراب". رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة، فإن الاكتفاء بالدلك فيه لا يدل على طهارة الأذى. وأما الشافعي -رحمه الله- فاتّبع الحديث في فرك اليابس ورآه دليلًا على الطهارة؛ فإنه لو كان نجسًا لما اكتفى فيه إلا بالغسل قياسًا على سائر النجاسات، فلو اكتفى بالفرك مع كونه نجسًا لزم خلاف القياس، والأصل عدم ذلك. وهذا الحديث يخالف ظاهره ما ذهب إليه مالك، وقد اعتذر عنه بأن الفرك فيه محمول على الفرك بالماء، وفيه بعد؛ لأنه ثبت في بعض الروايات في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لقد رأيتني وإنّي لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسًا بظفري". فهذا تصريح بيبسه. وأيضًا ففي رواية يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: "كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان يابسًا، وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبًا"، شك الراوي.

وهذا التقابل بين الغسل والفرك يقتضي اختلافهما، والذي قرب التأويل المذكور عند من قال به: إما في بعض الروايات عن عائشة أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب: "إنما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه، وإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه، وحكمت بالنضح لما لم يره، وهذا حكم النجاسات، فإن كان هذا الفرك المذكور من غير ماء، ناقض آخر الحديث أوله؛ الذي يقتضي حصر الإجزاء في قولها لأحكه يابسًا بظفري، أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن في كونه مفروكًا بالماء، والحديث الواحد اختلفت طرقه ونعني بالقرائن النضح لما لم يُرَ، وقولها: "إنما كان يجزئك". ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك، فقال: هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب، وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلى فيه فيحمل على قرب النوم، ويحمل الحديث الآخر الذي فيه الغسل على ثوب الصلاة، بدليل قولها: "فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه". ولا يقال إذا حملتم الثوب على ثوب غير الصلاة، فأي فائدة في ذكر ذلك؟ لأنا نقول: فائدته جواز لباس الثوب النجس في غير حالة الصلاة، وهذه الطريقة: قد تمشي لو لم يأت روايات صحيحة بقولها: "أفركه ثم يصلي فيه"، وفي بعضها: "فيصلي فيه". فأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب، أنه يعقب الصلاة بالفرك، ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة، واحتمال غسله بعد الفرك واقع يقتضيه القياس، ولكن الأصل عدمه، فيتعارض النظر بين اتباع الأصل ومخالفة هذا القياس، أو بين اتباع القياس ومخالفة الأصل، فما ترجح منهما عمل به. * * *

87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل ثنا هناد: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب لا يمسّ ماءً". حدثنا هنّاد: نا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق نحوه. قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره. وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه: "كان يتوضأ قبل أن ينام". وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود. وقد رَوَى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري، وغير واحد، ويرون هذا غلطًا من أبي إسحاق (¬1). * الكلام عليه: أخرجه النسائي (¬2) وابن (¬3) ماجه، وسكت عنه الترمذي فلم يحكم عليه بشيء، ولعله لشبهة كلام العلماء فيه، وقد نبّه عليه بقوله: يرون هذا غلطًا من أبي إسحاق. قال يزيد (¬4) بن هارون: هذا الحديث وهم، وقال سفيان (¬5) الثوري: فذكرت ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 202 - 203). (¬2) النسائي في الكبرى (5/ 332) برقم 9052. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 192) برقم 581 باب في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء. (¬4) مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 154). (¬5) أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 192) عقب الحديث 583.

الحديث يومًا يعني حديث أبي إسحاق هذا، فقال لي إسماعيل: يا فتى فَشُدَّ هذا الحديث بشيء. وذكر الخلال عن مهنا: سألت أحمد عن حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينام جنبًا لا يمسُّ ماء"، قال: ليس صحيحًا (¬1)، قلت: لِمَ؟ قال: لأن شعبة روى عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاه" (¬2) , قلت: مِنْ قِبَلِ مَنْ جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق الحديث، ثم قال (¬3): وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث، فقال: لا يحل أن يروى هذا الحديث. قال أبو عبد الله: الحكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس عن الأسود: الجنب يأكل، يعني أنه ليس في تلك الرواية كذا عن الأسود، وأن فيها الجنب يأكل. قال الأثرم (¬4): وقد روى أبو إسحاق عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: "أنّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يجنب ثم ينام قبل أن يمسّ ماء"، فلو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده، عن الأسود كان أثبت، وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيمَ عبد (¬5) الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما روياه أبو سلمة وعروة عن عائشة رصي الله عنها. ¬

_ (¬1) عبارة أحمد هذه نقلها الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 145) وفيه قال أحمد إنه ليس بصحيح. (¬2) رواه مسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 248) برقم 305 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له. (¬3) أي مهنا وقول أحمد بن صالح ذكره الحافظ في التلخيص (1/ 140 - 141). (¬4) قول الأثرم هذا نقله الحافظ في التلخيص (1/ 141) مقتصرًا على أوله. (¬5) ورواية عبد الرحمن بن الأسود أخرجها البيهقي في سننه (1/ 202).

ثم وافق ما صحّ عن عائشة رضي الله عنها من ذلك رواية ابن عمر عن عمر، وما رُوِيَ عن عمار وأبي سعيد فتبيّن أنّ حديث أبي إسحاق إنما هو وهم. وروى هُشَيْم عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما رواه أبو إسحاق عن الأسود. ورواية عطاء، عن عائشة مما لا يحتجّ به، إلا أن يقول: سمعت، ولو قال في هذا سمعت؛ كانت تلك الأحاديث أقوى (¬1). وأورد الترمذي حديث الباب من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق ثم أتبعه بحديث وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، وكلاهما عنده عن هنّاد، عنهما. وفائدة هذه المتابعة تقوية حديث أبي بكر بن عياش لسلامة وكيع مما طعن به على أبي بكر بن عياش، وأبو (¬2) بكر وإن كان ممن له قدم راجح في العبادة والعلم وقراءة القرآن، وتروى له مناقب منها: أنّه أقام خمسين سنة لا يفرش له فراش ينام عليه (¬3). ومنها أنّه عند موته أشار إلى موضع في منزله وذكر أنّه ختم القرآن فيه ثمانية عشر ألف مرة (¬4). ومنها أن محمد بن المثنى قال: سمعت إبراهيم بن شماس قال: سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: شهدت أبي عند الموت فبكيت، فقال: يا بني، ما يبكيك؟ فما أتى أبوك فاحشة قط (¬5). ومنها: أن يزيد بن هارون ¬

_ (¬1) الإمام (3/ 90 - 91). (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 348 - 350) برقم 1565 وتهذيب الكمال (33/ 129 - 135) برقم 7252 وتهذيب التهذيب (4/ 492 - 494). (¬3) انظر السير (8/ 499) وله ترجمة حافلة في تاريخ بغداد (14/ 371) برقم 7698. (¬4) السير (8/ 504). (¬5) تاريخ بغداد (14/ 383).

قال عنه: لم يضع جنبه على الأرض منذ أربعين سنة (¬1)، فقال قال: مفضّل الغساني: سألت يحيى (¬2) بن معين عنه؛ فضعّفه. ومن رواية عباس الدُّوري عن يحيى: شريك أثبت من أبي الأحوص، وأبو الأحوص أثبت من أبي بكر بن عياش. وقال عثمان (¬3) بن زائدة: سألت سفيان الثوري عمّن آخذ العلم بالكوفة؟ فقال: عليك بزائدة وسفيان بن عيينة، قلت: فأبو بكر بن عياش؟ قال: ذاك صاحب قرآن. وروى ابن (¬4) المديني، عن يحيى القطان قال: لو كان أبو بكر بن عياش بين يديَّ ما ساكته عن شيء. وعن أحمد (¬5): كثير الخطأ جدًّا، قيل له: في كتبه؟ قال: لا، إذا حدّث من حفظه. ومع ذلك فقد وثّقه العجلي (¬6) وأبو (¬7) داود وغيرهما (¬8). ¬

_ (¬1) السير (8/ 501)، تاريخ بغداد (14/ 380). (¬2) تاريخ بغداد (14/ 378). (¬3) تاريخ بغداد (14/ 378). (¬4) المصدر السابق. (¬5) تاريخ بغداد (14/ 379). (¬6) معرفة الثقات (2/ 389) برقم 2099. (¬7) تاريخ بغداد (14/ 379) وسؤالات الآجري أبا داود (1/ 298) برقم 475. (¬8) ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 668) وقال ابن عدي في الكامل (4/ 1345): "وهو في كل رواياته عن كل من روى عنه لا بأس به، وذلك أني لم أجد له حديثًا منكرًا إذا روى عنه ثقة إلا أن يروي عنه ضعيف".

قال الترمذي (¬1): وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يتوضأ قبل أن ينام" (2). وهذا أصحّ من حديث أبي إسحاق، عن الأسود ... إلى آخره (¬2). قلت: من الناس من يحمل الوهم في ذلك على أبي (¬3) إسحاق معتمدًا على أنّ عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم النخعي روياه عن الأسود (¬4)، فخالفا أبا إسحاق، فذكرا الوضوء قبل النوم فعارضاه، وكذلك من ذكرنا معهما في هذا الباب، وستأتي أحاديثهم في الباب بعد هذا. ومن الناس من جمع بين الروايتين؛ قال الدارقطني (¬5): وقال بعض أهل العلم: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، وأنّ عائشة قالت: "ربما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قدم الغسل وربّما أخّره". كما حكى ذلك عنها غضيف بن الحارث وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما، وأن الأسود حفظ ذلك عنها، فحفظ عنه أبو إسحاق تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عنه عبد الرحمن بن الأسود والنخعي تقديم الوضوء على الغسل. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 203). (¬2) رواه الطيالسي في مسنده (198) برقم 1384. (¬3) انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 154) وكذا سنن ابن ماجه (1/ 192) عقب حديث رقم 583. وذكر الخلال عن مهنا قال: سألت أحمد عن حديث أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام جنبًا لا يمس ماء، قال: "ليس صحيحًا". قلت: لم؟ قال. "لأن شعبة روى عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. قلت: من قبل من جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق ... , الحديث". انظر الإمام (3/ 89 - 90). (¬4) انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 202). (¬5) وكلامه هذا في العلل كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 245).

ويمكن أن يقال في دفع الوهم عن أبي إسحاق أن الثقة كأبي إسحاق إذا روى اعتمدت روايته إلا بعلّة بيّنة، والأحاديث التي ذكرها على قسمين: أحدهما الأمر بالوضوء قبل النوم، والثاني: فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأما الأمر فيمكن أن يحمل على الاستحباب، ويحمل الفعل على بيان الجواز، ولا تعارض ولا دليل على الوهم. وأما الفعل فليس يدلّ على الوجوب بمجرّده، ويمكن أن يكون الأمران جميعًا وقعا، فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز (¬1). وقد اعتضدت رواية أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، برواية عبد الملك عن عطاء، عنها. وقد نقل ذلك عن عائشة من فتياها. قال أبو (¬2) بكر بن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، نا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر (¬3)، عن حذيفة، قال: عائشة قالت: نومة قبل الغسل أوعب لخروجه. وعن حذيفة أيضًا قال: ثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرّف قال: قال حذيفة: نومة بعد الجنابة أوعب للغسل (¬4). وقد روت أم سلمة رضي الله عنها: "أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يجنب ثم ينام، ثم يجنب، ثم ينام" رواه الإمام أحمد (¬5) في مسنده، وهذا مما لم يذكره الترمذي في الباب. ¬

_ (¬1) انظر الإمام (3/ 91). (¬2) المصنف (1/ 62). (¬3) في المصنف إبراهيم بن أبي معمر وهو خطأ وصوابه ما نقله المصنف، والله أعلم. (¬4) المصنف (1/ 62). (¬5) المسند (6/ 298) ولفظه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجنب ثم ينام ثم ينتبه ثم ينام".

قال أبو (¬1) عمر: ما أعلم أحدًا من أهل العلم أوجب الوضوء على الجنب إذا أراد أن ينام فرضًا إلا طائفة من أهل الظاهر، وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه، وأكثرهم يأمرون به ويستحبونه، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين. قال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، قال: وله أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ، ويأكل قبل أن يتوضأ إلا أن يكون في يده قذر فيغسلها. فال: وأما الحائض فتنام قبل أن تتوضأ. وقول الشافعي في هذا كله نحو قول مالك. وقال الليث بن سعد: لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلًا كان أو امرأة. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحبّ إليهم أن يتوضأ. قال: فإذا أراد أن يأكل مضمض وغسل يديه. وهو قول الخزرجي (¬2). وقال الأوزاعي: الحائض والجنب إذا أرادا أن يأكلا (¬3) غسلا أيديهما. وقال سعيد بن المسيب: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) الاستذكار (3/ 97). (¬2) كذا وفي الاستذكار الحسن بن حي بدل الخزرجي. (¬3) زاد في الاستذكار أو يناما. (¬4) الاستذكار (3/ 97 - 99) مع اختلاف يسير.

88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام حدثنا محمد بن المثنى: نا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أنّه سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضّأ". قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأبي سلمة. قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصحّ، وهو قول غير واحد من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام، توضأ قبل أن ينام (¬2). * الكلام عليه: أخرجه مالك (¬3) في موطئه، عن قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر. ولفظه: أنّه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ واغسل ذكرك، ثم نم". أخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) والجماعة (¬6)، وحديث عمار يأتي في كتاب ¬

_ (¬1) في الجامع زيادة والتابعين. (¬2) الجامع (1/ 206 - 207). (¬3) الموطأ (1/ 47) برقم 76 وليس فيه أن عمر رضي الله عنه شكا وإنما لفظه: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يصيبه جنابة من الليل فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ، واغسل ذكرك، ثم نم". (¬4) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 110) برقم 287 باب نوم الجنب. (¬5) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 249) برقم 25 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع. (¬6) أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 150) برقم 221 باب في الجنب ينام والنسائي في=

الصلاة إن شاء الله. وأما حديث عائشة: فروى الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام" أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). وأخرجه البخاري (¬3) من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة: أكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يرقد وهو جنب؛ قالت: نعم، ويتوضأ. وأما حديث جابر فروى ابن (¬4) خزيمة من حديث محمد بن يحيى والعباس بن أبي طالب قالا: نا إسماعيل بن أبان الورّاق، نا أبو أويس، عن شرحبيل -وهو ابن سعد أبو سعد-، عن جابر بن عبد الله قال: سئل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الجنب هل يأكل أو ينام؟ قال: "إذا توضأ وضوءه للصلاة". وأما حديث أبي سعيد فروى الطحاوي (¬5) عن ربيع الجيزي، عن ابن أبي مريم، أنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب ونافع بن يزيد نحو ذلك، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قال: قلت: يا رسول الله، أصَبْتُ أهلي وأريد النوم، قال: "توضأ وارقد". ¬

_ = سننه كتاب الطهارة (1/ 153) برقم 260 باب وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 193) برقم 585 باب من قال لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة. (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 248) برقم 305 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 153) برقم 258 باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام. (¬3) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 110) برقم 286 باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل. (¬4) في صحيحه (1/ 108) برقم 217. (¬5) في شرح معاني الآثار (1/ 127).

وحديث أم سلمة: قرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد: أخبركم يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل الصيرفي: أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه: أنا الطبراني: ثنا الحضرمي: نا أبو كريب: نا معاوية، عن سفيان، وشيبان عن جابر، عن ابن سابط، عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أردا أن يأكل وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة". وبه إلى الطبراني (¬1) قال: نا الخلال: ثنا يعقوب بن حميد: نا أنس بن عياض، عن يونس، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أم سلمة: "أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يطعم غسل يديه ثم يأكل". وأما الآثار في ذلك: قال ابن (¬2) أبي شيبة: ثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عليّ: إذا أجنب الرجل فأراد أن يطعم أو ينام توضأ وضوءه للصلاة. وابنُ عُلَيّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنّه كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب غسل وجهه ويديه ومسح برأسه. ووكيع عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ، فإنّه لا يدري لعله يصاب في منامه. وابن مهدي، عن خالد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن شداد بن ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (23/ 408) برقم 981. (¬2) المصنف (1/ 60).

أوس قال: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف الجنابة (¬1). وعن محمد بن سيرين: إذا أراد الجنب أن يأكل أو ينام فليتوضأ وضوءه للصلاة. وعن سعيد بن المسيّب: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ. وعن ابن عمر: إذا أراد الجنب أن يأكل أو يشرب أو ينام توضأ. وعن إبراهيم: إذا أراد الجنب أن يأكل أو ينام توضأ. وعن عائشة في الرجل تصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام، قالت: يتوضأ، أو يتيمم (¬2). وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب: فمنهم من حمل الوضوء للجنب عند إرادة النوم، والأكل على الوجوب، يحكى ذلك عن عبد الله بن عمر (¬3). ومنهم من فرّق بين الأكل والنوم؛ فأوجبه عند إرادة النوم ولم يوجبه عند إرادة الأكل. قال الشيخ أبو (¬4) العباس القرطبي -رحمه الله-: هو مذهب (¬5) كثير من أهل ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المصنف (1/ 60 - 61). (¬3) انظر الموطأ (1/ 48) برقم 78. قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 97): "ولم يعجب مالكًا فعل ابن عمر، وأظنه أدخله إعلامًا أن ذلك الوضوء ليس بلازم". وانظر التمهيد (17/ 43 - 44). (¬4) المفهم (1/ 565). (¬5) في المفهم وهو قول كثير بدل وهو مذهب كثير.

الظاهر، وهو رواية (¬1) عن مالك. ومنهم من (¬2) حمله على الندب، وعليه الجمهور (¬3)، قال: لحديث الترمذي (¬4) عن عائشة ينام وهو جنب ولا يمسُّ ماءً. وقد روت عنه أنّه كان يتوضأ قبل أن ينام (¬5) فكان وضوءه كغسله، فإنّه كان ربما يغتسل قبل النوم، وربما يغتسل بعده كما روت عنه، وغسل الجنب قبل النوم ليس بواجب إجماعًا، بل هو مندوب إليه، فيكون الوضوء كذلك (¬6). قلت: أما قياسه عدم وجوب الوضوء على عدم وجوب الغسل فليس بمستقيم، لقيام الفارق بينهما نقلًا ونظرًا. أما النقل: فأحاديث الوضوء قبل النوم صحيحة من فعله - عليه السلام -، وأمره، وأما الغسل فلم يأت به أمر وأكثر ما فيه: ربما اغتسل قبل النوم وربما اغتسل بعده كما سنذكره. ولذلك اختلف الناس في وجوب الوضوء، ولم يقل أحد بوجوب الغسل. وأما النظر؛ فلأنّ مشقة الغسل أكثر من مشقة الوضوء لقلة الماء في بعض الأحيان، واختلاف أمزجة الناس في استعماله غير مسخن، وتعذر تسخينه على بعض الناس؛ فلا يحسن قياس الوضوء عليه في عدم الوجوب. ¬

_ (¬1) في المفهم وهو مروي عن مالك بدل وهو رواية عن مالك. (¬2) في المفهم وروي عنه (أي عن مالك) أنه مندوب إليه وعليه الجمهور. (¬3) زاد في المفهم وهو الصحيح. (¬4) الجامع (1/ 202) برقم 118. (¬5) الجامع (1/ 203). (¬6) المفهم (1/ 565).

وروى ابن (¬1) خزيمة، عن وكيع من حديث يونس الأيلي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يطعم وهو جنب غسل يديه، ثم يطعم"، وهو حجة لمن فرّق بين الأكل والنوم. ومذهب رابع: وهو التفرقة بين الجنب والحائض: قال القاضي أبو (¬2) بكر بن العربي نقلًا عن مذهبه: إن ذلك ليس على الحائض لأن حدثها لازم بخلاف الجنب، فإن حدثه غير لازم. وإذا ذكرنا مذاهب العلماء في هذا المسألة، فلنذكر ما يصلح أن يوجه به كل مذهب: أما مذهب ابن عمر فلحديث الأسود عن عائشة: "إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة. والراجح في صيغة: (كان) في مثل هذا المحلّ اقتضاؤها زيادة على الفعل من مداومة أو تكرار، ولم يعارض حديث عائشة هذا ما يقوى قوته. وأمّا من فرّق بين الأكل والنوم كما حكيناه عن قول لمالك (¬3)، وعن بعض أهل الظاهر، فله ما خرج النسائي (¬4) من حديث عائشة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت: غسل يديه". وروى وكيع، عن هشام الدستوائي وابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 109) برقم 218. (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 150)، قلت: ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" عن ابن دقيق العيد قال: "بنى الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض، لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب" وانظر شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 391). (¬3) انظر التمهيد (17/ 34) والاستذكار (3/ 98). (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 152) برقم 256 باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل.

المسيب قال: إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض فاه (¬1). وعن مجاهد في الجنب يأكل، قال: يغسل يديه ويأكل (¬2). وعن الزهري مثله (¬3)، وإليه ذهب أحمد قال (¬4): لأن الأحاديث في الوضوء لمن أراد النوم، وبلغني أنّ شعبة ترك هذا الحكم بأخرة، فلم يحدث به فيمن أراد أن يطعم، وذلك أنّه ليس يقوله غيره، إنّما هو في النوم. وأما المذهب الثالث: وهو حمل ذلك على الندب فيهما، فيرى من ذهب إليه أن الوضوء ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاء أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب من غير أن يمسّ ماءً، وهو صحيح أيضًا من حيث الإسناد، فيحمل الفعل على الندب، والترك لبيان الجواز، وهو أحد التأويلين لحديث: "ينام وهو جنب من غير أن يمسّ ماء". فقال ابن (¬5) سريج: وتبعه البيهقي (¬6): أن المراد بقوله: "من غير أن يمسّ ماءً"؛ من غير أن يمسّ ماء للغسل، وقال غيرهما: وهو أيضًا حسن، كان - عليه السلام - يفعل ذلك للأفضلية، ويتركه في بعض الأحيان لبيان الجواز، إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه (¬7)، ولا يحسن إلغاء حديث أبي إسحاق بمجرد الظنّ؛ فالخطأ فيه ليس محققًا، وليس فيه أكثر من ترجيح اقتضاه النظر لمعارضه عليه، ولا يلزم من ذلك بطلانه، ولا يحسن رده إذا وجد له محمل. ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 61). (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر الإمام (3/ 92) والاستذكار (3/ 99). (¬5) انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 202). (¬6) المصدر السابق. (¬7) انظر الاستذكار (3/ 99).

وممّن ذهب إلى الندب في ذلك من أهل الظاهر أبو (¬1) محمد بن حزم، ولم يعتبر علّة حديث أبي إسحاق، فإنه قال: فإن قيل هذا (¬2) الحديث أخطأ فيه سفيان لأنّ زهير بن معاوية خالفه (¬3)، قلنا (¬4): أخطأ بلا شك من خطأ سفيان (¬5) بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك. انتهى كلامه. وليس علة الحديث مخالفة زهير سفيان، فسفيان كما قال: أجلّ من زهير لا سيّما في أبي إسحاق (¬6)، هذا لو كان سفيان منفردًا به عن أبي إسحاق، فكيف وقد تابعه الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد ومطرف بن طريف، وأبو الأحوص وغيرهم (¬7). وإنّما علّة هذا الخبر عندهم مخالفة إبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود أبا إسحاق، وكل واحد منهما أجلّ منه. ثم هل ذلك تعبدًا ومعلل، فمن رآه تعبدًا اقتصر به على محله، ومن اختلف نظره في تعليله، فعلل بالنشاط للاغتسال، ومنهم من علله بقصد البيت على إحدى الطهارتين (¬8)، وبنى على ذلك استحباب الوضوء للحائض كما ذكرناه، وإعادته على من أحدث بعده، فإن عللناه بالأول لم يحتج إلى ذلك، وإن عللناه بالثاني، فاستحباب الوضوء للحائض وإعادته على من أحدث بعده مطلوب. ¬

_ (¬1) المحلى (1/ 87). (¬2) زاد في المحلى إن. (¬3) زاد في المحلى فيه. (¬4) زاد في المحلى بل. (¬5) زاد في المحلى بالدعوى. (¬6) انظر تهذيب الكمال (22/ 109) وتهذيب التهذيب (3/ 285). (¬7) انظر شرح معاني الآثار (1/ 125) والتمهيد (17/ 40). (¬8) انظر شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 390 - 391).

قال بعض المالكية (¬1): ومن أحدث بعد هذا الوضوء لم ينتقض وضوءه بالحدث، ولا ينتقض إلا بمعاودة الجماع، لأنه لم يشرع لرفع حدث فينقضه الحدث، وإنما شرع عبادة فلا ينقضه إلا ما أوجبه. ومعنى قوله: شرع عبادةً، أي بعد الجماع فليس عنده معللًا برفع حدث ولا تخفيضه، وهذا لا ينبغي التعليل بطلب النشاط للاغتسال، وهذا التعليل بالنشاط راجح لأنّ الشارع قد نصّ عليه. وأمّا حديث الغسل قبل النوم أو بعده فروى مسلم (¬2) من حديث معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث: "قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام؟ أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضّأ فنام. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة". * * * ¬

_ (¬1) وأشار إلى ذلك من المتأخرين الصنعاني في حاشيته على شرح عمدة الأحكام (1/ 391) والمقصود بذلك ابن العربي المالكي كما في عارضة الأحوذي (1/ 150). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 249) برقم 307.

89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب

89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب نا إسحاق بن منصور: نا يحيى بن سعيد القطان: نا حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لقيه وهو جنب قال: فانبجست فاغتسلت ثم جئت فقال: "أين كنت؟ وأين ذهبت؟ " قلت: إنّي كنت جنبًا، قال: "إن المسلم لا ينجس". قال: وفي الباب عن حذيفة. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد رخّص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأسًا، ومعنى قوله: فانبجست، يعني: أي تنحيت عنه (¬1). * الكلام عليه: أخرجه مسلم (¬2) من حديث حميد الطويل، عن أبي رافع، عن أبي هريرة وهو عنده منقطع بين حميد وأبي رافع بينهما بكر بن عبد الله المزني (¬3)، وكذا هو عند ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 207 - 208). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 282) برقم 371 باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. (¬3) قال النووي في شرح مسلم (2/ 67 - 68): "وأما قوله عن حميد عن أبي رافع فهكذا هو في صحيح مسلم في جميع النسخ. قال القاضي عياض قال الإمام أبو عبد الله المازري هذا الإسناد منقطع إنما يرويه حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع هكذا أخرجه البخاري وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده وهذا كلام القاضي عن المازري، ثم قال النووي ولا يقدح هذا في أصل متن الحديث فإن المتن ثابت على كل حال من رواية أبي هريرة ومن رواية حذيفة والله أعلم" اهـ. قلت وانظر: المعلم للمازري (1/ 258) وكذا إكمال المعلم (2/ 226) والمصنف لابن أبي شيبة (1/ 173) في مجالسة الجنب. وممن رواه بالواسطة: =

الترمذي كما أوردناه. ورواه مسدّد، عن يحيى بن سعيد وبشر، عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع، ذكره أبو داود (¬1) من حديث بشر: حدثني حميد قال: حدثني بكر: وذكره. وذكره البخاري (¬2)، عن محمد بن المثنّى، عن يحيى بن سعيد، عن حميد قال: ثنا بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع. وذكره ابن (¬3) أبي شيبة من رواية إسماعيل بن عُلَيّة عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع. وذكره الحافظ أبو علي بن السكن من رواية عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن يحيى بن سعيد، عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع (¬4). وقيل (¬5) إنّما قصر به عن يحيى بن سعيد، زهير بن حرب أسقط منه بكرًا (¬6)، وكذا قال الجماعة بدخول بكر فيه. رواه أبو (¬7) نعيم أيضًا في مستخرجه. وقد اجتمع فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم: حميد ¬

_ = أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 156) برقم 231 باب في الجنب يصافح والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 159) برقم 269 باب مماسة الجنب ومجالسته وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 178) برقم 534 باب مصافحة الجنب. (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 156) برقم 231 باب في مصافحة الجنب وقد مضى. (¬2) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 109) برقم 283 باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس. (¬3) المصنف (1/ 173) وقد مضى. (¬4) انظر الإمام (3/ 98). (¬5) في الإمام فقيل. (¬6) المصدر السابق. (¬7) المستخرج (1/ 406) برقم 817 ووقع فيه بكير بدل بكر وهو خطأ مطبعي.

وبكر المزني وأبو رافع، واسم أبي رافع هذا نفيع (¬1). قال أبو (¬2) حاتم الرازي: ليس به بأس. وأما حديث حذيفة فعند مسلم (¬3) في "صحيحه": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل، ثم جاء فقال: كنت جنبًا، قال: "إن المسلم لا ينجس". ورواه النسائي (¬4) أيضًا من حديث جرير عن الشيباني، عن أبي بردة، عن حذيفة، ورواه ابن (¬5) ماجه بنحوه من حديث حذيفة. يقال: يَنْجُسُ (¬6) -بضم الجيم وفتحها- لغتان، وفي ماضيه لغتان: نجِس -بكسرالجيم- ونجُس -بضمّها-. وهذا (¬7) الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيًّا وميّتًا، فأمّا الحيّ فطاهر بإجماع المسلمين، حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها. قال بعض أصحابنا: هو طاهر بإجماع المسلمين. قال: ولا يجيء فيه الخلاف المعروف في (¬8) رطوبة فرج المرأة ولا الخلاف المذكور في كتب أصحابنا في نجاسة طاهر بيض الدجاج ونحوه، فإن فيه وجهين بناءً على رطوبة الفرج. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (8/ 488) برقم 2542 وتهذيب الكمال (30/ 14) برقم 6467 وتهذيب التهذيب (4/ 240). (¬2) الجرح والتعديل (8/ 489) برقم 2242. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 282) برقم 372 باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 267 باب مماسة الجنب ومجالسته. بسياق أتم. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 178) برقم 535 باب مصافحة الجنب. (¬6) انظر إكمال المعلم (2/ 226) وشرح النووي على مسلم (2/ 67). (¬7) هذا كلام النووي بالحرف الواحد في شرحه على صحيح مسلم (2/ 66). (¬8) زاد النووي نجاسة.

هذا حكم المسلم الحيّ، وأما الميت ففيه خلاف بين العلماء (¬1)، وللشافعي فيه قولان، الصحيح منهما أنه طاهر، ولهذا غُسِّل، ولقوله - عليه السلام -: "إن المؤمن لا ينجس". وذكر البخاري (¬2) في "صحيحه": عن ابن عباس تعليقًا: المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميّتًا. ووصله (¬3) الحاكم (¬4) في المستدرك، فقال: أخبرني إبراهيم بن عصمة (¬5) بن إبراهيم العدل، ثنا أبو مسلم المسيب بن زهير البغدادي، ثنا أبو بكر وعثمان: ابنا أبي شيبة قالا: نا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنجسوا موتاكم، فإن المؤمن (¬6) ليس ينجس حيًّا ولا ميتًا". قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه (¬7). هذا حكم المسلم، وأما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم ¬

_ (¬1) عند النووي للعلماء. (¬2) في صحيحه كتاب الجنائز (1/ 387) ووصله سعيد بن منصور في السنن وابن أبي شيبة في المصنف والدارقطني في السنن. انظر"تغليق التعليق" (2/ 461 - 461). (¬3) قوله ووصله الحاكم مما زاد ابن سيد الناس على كلام النووي. (¬4) المستدرك (1/ 385). (¬5) في المستدرك ابن عاصم. (¬6) في المستدرك المسلم. (¬7) وأقره الذهبي. قلت: وقال الضياء في الأحكام: إسناده عندي على شرط الصحيح. قاله الحافظ في "تغليق التعليق" (2/ 461)، قال الحافظ رحمه الله: "والذي يتبادر إلى ذهني أن الموقوف أصح" ثم ذكر من رواه موقوفًا كما في تغليق التعليق. قلت: وانظر "الضعيفة" (6304، 13/ 667)، ومختصر البخاري (1/ 368) و"فتح الباري" (3/ 127).

عندنا (¬1)، وإليه ذهب الجمهور (¬2)، وخالف في ذلك أحمد (¬3). وأما قول الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، فالمراد نجاسة الاعتقاد وللاستقذار، وليس المراد أنّ أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما. فإذا ثبت طهارة الآدمي مسلمًا كان أو كافرًا، فعرف ولعابه ودمعه (¬4)؛ كل ذلك منه طاهر سواءً المحدث والجنب والحائض والنفساء في ذلك كله، وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة، فيجوز الصلاة في ثيابهم والأكل معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه، ودلائل هذا كله من السنة والإجماع مشهورة، وفيه استحباب احترام أهل الفضل (¬5)؛ فإن جليسهم ومصاحبهم يكون على أكمل الهيئات، ومن ذلك (¬6) استحبابهم للمصلي أن يكون على أحسن حالاته وأجمل هيئاته (6)، وكذلك استحبوا لطالب العلم أن يكون في حال طلبه للعلم وحمله إياه عن أشياخه بين أيديهم في هيئة حسنة من إزالة الشعور المأمور بإزالتها، وقصّ الأظفار وإزالة الرائحة المكروهة وغير ذلك، فإن ذلك من إجلال العلم والعلماء. وفيه أن العالم إذا رأى من تابعه أمرًا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه، وبدأه بقول الصواب فيه (¬7). ¬

_ (¬1) في شرح النووي على مسلم هذا مذهبنا بدل عندنا. (¬2) عند النووي هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف. (¬3) قوله وخالف في ذلك أحمد ليست عند النووي. (¬4) وعبارة النووي: "فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلمًا كان أو كافرًا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات سواء كان محدثًا أو جنبًا أو حائضًا أو نفساء وهذا كله بإجماع المسلمين". (¬5) زاد النووي وأن يوقر جليسهم. (¬6) هذا من زيادات ابن سيد الناس على النووي. (¬7) شرح النووي على مسلم (2/ 66).

90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام

90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام ثنا ابن أبي عمر: نا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: "جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: "نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل"، قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام (¬1) ما يرى الرجل وأنزلت أن عليها الغسل. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي. قال: وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس (¬2). * الكلام عليه: أخرجه البخاري (¬3) ومسلم (¬4) والنسائي (¬5) وابن (¬6) ماجه. وأما حديث أم سليم فروى مالك (¬7) في الموطأ عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن أمَّ سُلَيْم قالت: يا رسول الله، المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، ¬

_ (¬1) بزيادة مثل كما في نسخة أحمد شاكر رحمه الله. (¬2) الجامع (1/ 209 - 210). (¬3) في صحيحه كتاب الغسل (1/ 109) برقم 282 باب إذا احتلمت المرأة. (¬4) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 313 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 123) برقم 197 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 197) برقم 600 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬7) الموطأ (1/ 51) برقم 84.

أتغتسل؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، فلتغتسل"، فقالت لها عائشة: أفٍّ لك، وهل ترى ذلك المرأة! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تربت بمينك، ومن أين يكون الشبه؟ ". ذكر أبو (¬1) عمر أنه يُختلف على مالك في وصله، وكذلك عن ابن شهاب. قال: ومن وصله عن ابن شهاب من أصحابه فإنما رواه عنه، عن عروة، عن عائشة. كذلك رواه مسافع الجهني، عن عروة، عن عائشة (¬2). وعندي أنه موصول من الطريقين وسواء قال فيه من رواه من أصحاب مالك عنه، أو من أصحاب ابن شهاب عنه، لأن قول عروة عن عائشة في أثناء الحديث: فقالت عائشة: أُفٍّ لك، وجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة عن إنكارها ذلك كله من رواية عروة عن عائشة. فالخبر كله عند عروة، عن عائشة لا سيما، ونصه عن عروة أن أم سليم بهذه الصيغة، ثم أتبع ذلك بتمامه المصرح بروايته عن عائشة. فسياق الخبر يقتضي أن عروة روى القصة عن عائشة، وهي التي ذكرت له ما كان من سؤال أم سليم، ومن جواب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إيّاها، وهذا ظاهر. وقد رواه مالك (¬3) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب. نحوًا من رواية الترمذي، وكذلك سائر من رواه عن هشام بن عروة؛ فإنما رواه عنه، عن أبيه، عن زينب. كما ذكرناه. لا عن عروة، عن عائشة، وهو الصحيح عندهم، أنّه لعروة عن زينب، عن أمّها، لا عن عائشة. قاله أبو عمر (¬4). ولست أدري ما المانع من أن يكون في ذلك حديثان: أحدهما: عن عروة عن ¬

_ (¬1) انظر التمهيد (8/ 333 فما بعدها) والاستذكار (3/ 120 - 122). (¬2) عند أبي داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 165) باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. (¬3) الموطأ (1/ 51) برقم 85. (¬4) الاستذكار (3/ 122).

عائشة، والآخر: عن عروة، عن زينب. وروى مسلم (¬1) عن أنس بن مالك، أنّ أم سليم حدّثت: أنّها سألت نبيّ الله، عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل". قالت أم سلمة: فاستحييت من ذلك، وهل يكون هذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه". وفيه من حديث مسلم (¬2) من طريق عائشة: "إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الولد أعمامه". وأما حديث عائشة رضي الله عنها فأخرجه مسلم (¬3) وأبو (¬4) داود والنسائي (¬5)، ولفظه من طريق أبي داود (¬6) عن عائشة: أنّ أم سليم الأنصاريّة وهو أم أنس بن مالك قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل، أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة: فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "فلتغتسل إذا وجدت الماء"، قالت عائشة: فأقبلت عليها، فقلت: أُفٍّ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فأقبل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه؟ ". ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 311 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 251) برقم 314 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 251) برقم 314 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 162 - 163) برقم 237 باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 121 - 122) برقم 196 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬6) في سننه كتاب الطهارة (1/ 162 - 163) برقم 237 باب في المرأة ترى ما يرى الرجل.

رواه النسائي (¬1) من حديث الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وأما حديث خولة فروينا عن الدارمي (¬2) بالسند المتقدّم قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي: أنا شعبة، عن عطاء الخراساني قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل. ورواه النسائي (¬3) وابن (¬4) ماجه، وعطاء الخراساني أخرج له مسلم في صحيحه (¬5)، ووثّقه يحيى (¬6) بن معين، وأبو (¬7) حاتم الرازي، وتكلّم فيه غيرهما (¬8). ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 121 - 122) برقم 196 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬2) في سننه (1/ 214) برقم 762 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 124) برقم 198 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 197) برقم 602 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. (¬5) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 102) برقم 1256. (¬6) التاريخ برواية الدوري (2/ 405) برقم 791 وتاريخ الدارمي (146) برقم 499. (¬7) الجرح والتعديل (6/ 335) برقم 1850. (¬8) قلت: ذكره البخاري في الضعفاء الصغير (93) برقم 278. وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 131): "رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ ولا يعلم فحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به". وعلق الإمام الذهبي في ميزانه (3/ 471) على كلام ابن حبان قائلًا: "فهذا القول من ابن حبان فيه نظر". وذكره كذلك العقيلي في الضعفاء (3/ 405 فما بعدها) وكذا ابن الجوزي في الضعفاء (2/ 178) برقم 2312.

وأما حديث أنس فروى مسلم (¬1) من حديث عكرمة بن عمار قال: قال إسحاق بن أبي طلحة: حدثني أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم -وهي جدة إسحاق- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له -وعائشة عنده-: يا رسول الله، المرأة ترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة: فضحت النساء، تربت يمينك. فقال لعائشة: "بل أنت، فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أمّ سليم إذا رأت ذلك". وروى مسلم (¬2) أيضًا من حديث أبي مالك الأشجعي، عن أنس بن مالك قال: سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه، فقال: "إذا كان منها ما يكون من الرجل، فلتغتسل". وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه أن السائلة بُسْرة. قال أبو (¬3) بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر العبدي قال: نا عبد الله بن عامر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاءت امرأة يقال لها بسرة إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إحدانا ترى أنّه (¬4) يجامعها زوجها في المنام، فقال: "إذا وَجَدْتِ بللًا فاغتسلي يا بُسرة". وقد رويناه من طريق الطبراني (¬5)، وفيه أنّ السائلة أم سلمة: أخبرنا أبو عبد ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 310 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 312 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. (¬3) المصنف (1/ 81). (¬4) في المصنف ترى أنها مع زوجها في المنام. (¬5) المعجم الكبير (23/ 257) برقم 532.

الله ابن سلمان الحلبي بقراءتي عليه: أنا ابن خليل: أنا ابن أبي زيد: أنا أبو منصور الصيرفي: أنا أبو الحسين بن ملك فاذشاه: أنا الطبراني: أنا الحسين بن إسحاق قال: نا رزق الله بن موسى: نا شبابة: نا شعبة، عن عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا سلمة: أنّ أم سلمة سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة تحتلم؟ فقال: "تجد شهوة؟ " قالت: نعم، قال: "فلتغتسل". وبه إلى الطبراني (¬1): نا الحسن بن سهل المجوز البصري: نا أبو عاصم: نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الله بن طرفة، عن أم سلمة قالت: قالت أم سليم: يا رسول الله، المرأة تحتلم؟ قال: "إذا رأت الماء الأصفر فلتغتسل". في حديث عائشة قولها: أفٍّ لك. أفّ تجرّ وترفع وتنصب بتنوين وبغير تنوين. وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأُفْ بضم الهمزة وإسكان الفاء، وأُفِّى بضم الهمزة، وبالياء، وأُفَّه بالهاء. وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار (¬2). قالوا: والأَفّ وسخ الأذن، والتّف وسخ الأظفار (¬3)، وقوله - عليه السلام -: "تربت يداك"، و"تربت يمينك"، فيه قولان (¬4): • أحدهما أن يكون أراد استغنت يداك أو يمينك، كأنه يعرض لها بالجهل ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (23/ 297) برقم 659. (¬2) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 224 - 225). (¬3) انظر شرح صحيح مسلم (3/ 225) وهو بالحرف الواحد في التمهيد (8/ 339) والاستذكار (3/ 127). (¬4) وقريب منه ما في المنتقى للباجي (1/ 105)، وانظر شرح صحيح مسلم (3/ 225) وكذا في التمهيد (8/ 340).

كما أنكرت ما لا ينبغي أن تنكره، فخاطبها بضد المعنى تأنيبًا (¬1) كما قيل في قوله عزَّ وجلَّ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، وكما تقول فيمن كفّ عن السؤال فيما جهله: أمَّا أنت فاستغنيت أن تسأل عن مثل هذا، أي لو أنصفت نفسك ونصحت لها لسألت. وقال غيره: هو كما يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله ما أشعره، وأخزاه الله لقد أجاد، ومنه الحديث: "ويل أمه مسعِّر حرب" (¬2). قال أبو (¬3) عمر: وهذا كله عندي فرار من الدعاء على عائشة صريحًا (¬4)، فإن ذلك غير ممكن من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عندهم. وأنكر أكثر أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء، وقالوا: لو كانت (¬5) بمعنى الاستغناء لقال (¬6): أتربت يمينك، أي: افتقرت من العلم. انتهى. وعلى تقدير هذا القول الأخير: أي افتقرت من العلم، فيكون المراد الخبر لا الدعاء، ويكون معنى افتقرت: أي افتقرت من معرفة هذه المسألة الخاصة. والله أعلم. وقول أم سليم (¬7): إن الله لا يستحيي من الحق؛ ممهد لبسط عذرها، فيما تريد ¬

_ (¬1) في التمهيد وفي الاستذكار تنبيهًا وتأنيبًا. (¬2) في الاستذكار (3/ 127): وقال غيره هو كما يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، وأخزاه، لقد أجاد ويله مسعر حرب وقال: ويل أمه وهو يريد مدحه. (¬3) التمهيد (8/ 340). (¬4) قوله صريحًا ليس في التمهيد وهو في الاستذكار (3/ 127) تصريحًا. (¬5) في التمهيد لو كان بدل لو كانت وفي الاستذكار لو كانت كما نقل المصنف. (¬6) في التمهيد لكانت وفي الاستذكار (3/ 128) لقال. (¬7) هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد كما في شرح عمدة الأحكام (1/ 392).

أن تسأل عنه لا فيه من ذكر ما يستحيي النساء من ذكره، وهوأصل فيما يستعمله الكتاب والأدباء في ابتداء مكاتباتهم من التمهيد (¬1)، لا يأتون به بعد ذلك، والذي يحسّنه في مثل هذا أن الذي يعتذر به إن جاء (¬2) متقدّمًا على المعتذر عنه (¬3) أدركته النفس سالمًا (¬4) من العيب، وإن جاء متأخرًا أثار النفس بقبيح ما يأتي به، ثم يأتي العذر بعد ذلك فيكون رافعًا لما وقع، وعلى الأول يكون دافعًا عن الوقوع، وبينهما فرق كبير (¬5). ومعنى: لا يستحيي من الحق: أي لا يأمر بالحياء فيه (¬6)، أو لا يمنع (¬7) من ذكره، أو لا يبيح البقاء على الجهل به، وأصل الحياء الامتناع أو ما يقاربه من معنى الانقباض، فكأن المستحيي يمتنع من فعل أو ذكر ما يستحيي منه، فصار الامتناع من لوازم الحياء، فيطلق الحياء على الامتناع إطلاق اسم الملزوم على اللازم (¬8). وفي الحديث دليل على وجوب الغسل على المرأة بإنزالها الماء، ويكون الدليل على وجوبه على الرجل بقوله: "إنما الماء من الماء"، ويحتمل أن تكون أم سليم لم تسمع قوله - عليه السلام -: "إنما الماء من الماء"، وسألت عن حال المرأة لمسيس حاجتها إلى ذلك، ويحتمل أن تكون سمعته ولكنها سألت عن حال المرأة لقيام مانع فيها ¬

_ (¬1) عند ابن دقيق العيد من التمهيدات. (¬2) عند ابن دقيق العيد إذا كان متقدمًا. (¬3) عند ابن دقيق العيد منه بدل عنه. (¬4) عند ابن دقيق العيد صافية بدل سالما. (¬5) شرح عمدة الأحكام (1/ 392 - 393) بتصرف يسير. (¬6) زاد ابن دقيق ولا يبيحه. (¬7) عند ابن دقيق العيد أو لا يمتنع. (¬8) قال الصنعاني في حاشيته على شرح عمدة الأحكام (1/ 395): قوله: "إطلاقًا لاسم الملزوم على اللازم" فهو مجاز مرسل قرينته عقلية.

يوهم خروجه (¬1) عن ذلك العموم وهو (¬2) ندرة بروز (¬3) الماء منها. وفيه أنّ إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل كإنزاله في حالة اليقظة، وفي قوله - عليه السلام -: "إذا رأت الماء"، ما يردّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها، ويمكن من يقول: إن ماء المرأة لا يبرز، أن يحمل الرؤية هنا على العلم؛ أي إذا علمت نزول الماء وعرفته بالشهوة التي تجدها، وجب عليها الغسل، ولا يوقف الحكم حينئذ على البروز الممتنع عند كثير من الناس (¬4). وقد أجمع (¬5) العلماء (¬6) على وجوب الغسل على (¬7) المرأة بخروج المنيّ (¬8) وإيلاج الحشفة في الفرج (¬9)، وكذلك الحيضة والنفاس (¬10). واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دمًا أصلًا، والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل، ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء. والمراد عندهم بخروج المني أن يخرج إلى الظاهر، أمّا ما لم يخرج فلا يجب الغسل، وذلك بأن يرى النائم بأنه يجامع وأنّه قد أنزل، ثم يستيقظ فلا يرى شيئًا فلا غسل عليه (¬11). ¬

_ (¬1) عند ابن دقيق العيد خروجها وهو المناسب للسياق. (¬2) عند ابن دقيق العيد وهي. (¬3) عند ابن دقيق العيد نزول بدل بروز. (¬4) انتهى كلام ابن دقيق العيد بشيء من التصرف (1/ 397). (¬5) هذا ابتداء كلام النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 220). (¬6) عند النووي المسلمون بدل العلماء. (¬7) عند النووي على الرجل والمرأة. (¬8) عند النووي أو بدل الواو. (¬9) وعند النووي أو إيلاج الذكر في الفرج. (¬10) عند النووي وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس. (¬11) زاد النووي بإجماع المسلمين.

وكذلك (¬1) لو اضطرب بدنه كمبادئ (¬2) خروج المني ولم يخرج، وكذا لو نزل إلى أصل الذكر، ثم لم يخرج فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر، وهو في صلاة فأمسك بيده على ذكره فوق حائل، فلم يخرج المني حتى سلم من صلاته صحّت صلاته، فإنّه ما زال متطهّرًا حتى خرج. والمرأة كالرجل في كل ذلك، إلا أنها إذا كانت ثيّبًا فنزل المني إلى فرجها، ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء، وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة، وجب عليها الغسل بوصول المنيّ إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وإن كانت بكرًا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها، لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل. والله أعلم (¬3). وقوله - عليه السلام -: "فمن أين يكون الشبه؟ "، فيه لغتان: كسر الشين، وسكون الباء، وفتحهما معًا (¬4). وقد اختلفت العبارات عن هذا المعنى في حديث أم سلمة وحديث عائشة وحديث ثوبان، وما وقع في الأحاديث من وصف الماءين ماء الرجل بالغلظ والبياض، وماء المرأة بالرقة والصفرة، هو الغالب مع سلامة المزاج وصحة القوى، وقد يتخلف هذا العرض أو في نادر من الصور كما سبق. وقوله: "فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشبه" أي: فمن أجل علو وسبق أحدهما يكون الشبه، ويحتمل أن يقال: إن من زائدة على مذهب من يزيدها في الواجب من الكوفيين، ومنه قوله تعالى: {يغفر لكم من ذنوبكم}؛ فتقديره: ¬

_ (¬1) عند النووي وكذا. (¬2) عند النووي لمبادى. (¬3) شرح صحيح مسلم (3/ 220). (¬4) انظر إكمال المعلم (2/ 150)، وشرح النووي (3/ 222).

أيهما سبق، ويحتمل أن تكون (أو) في قوله سبق أو علا للشك من أحد الرواة، ويحتمل أن تكون للتنويع؛ أي: أي نوع كان منهما كان منه الشبه. ونحو قول الشاعر: فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما ... صدر ورماح أشرعت أو سلاسل يريد أن أحد النوعين لا بد منه. وسبق؛ أي بادر بالخروج، وقد جاء في رواية: سبق إلى الرحم، ويحتمل أن يكون بمعنى (غلبته) من قولهم: سابقني فلان فسبقته؛ أي غلبته، ومنه قوله تعالى: {وما نحن بمسبوقين} أي بمغلوبين، ويكون معناه يكبر (¬1). وقوله في الرواية الأخرى: "إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماؤها أشبه الرجل أعمامه"؛ يقتضي هذا أن العلو يقتضي الشبه. وقد جعل العلو في الحديث الآخر من رواية ثوبان تقتضي الذكورة (¬2)، وهو من المرأة الأنوثة، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه بالأعمام بالذكورة بعلو ماء الرجل، وكذلك يلزم إذا علا ماء المرأة اقترن الشبه للأخوال بالأنوثة، وليس الأمر كذلك في الخارج مطردًا، بل قد يكون شبه الخؤولة مع الإذكار، وشبه العمومة مع الإيناث. فلا بد من التأويل، والذي يمكن أن يقال في تأويله: أن المراد بالعلو السبق؛ أي: سبق الماء إلى الرحم، ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة والسبق، قد يستعمل في الجلبة، كما قال تعالى: {وما نحن بمسبوقين} أي: بمغلوبين، كان أحدهما مستعملًا في موضع الآخر، والسابق غالب [في ابتدائه بـ] (¬3) الخروج، قيل فيه ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: ويكون معنى بكر، ثم ذكر هامشه: ويكون بمعنى يكبر. (¬2) عند السندي: بالذكورة، ومن المرأة. (¬3) زيادة من نسخة السندي.

(علا)، ويؤيد هذا التأويل رواية من رواه: "إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنّثا" (¬1). وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على اختلاف هذه الألفاظ في هذا الحديث تقسيمًا ذكره، فقال: "إن الماء بين أربعة أحوال: الأول: أن يخرج ماء الرجل أولًا. الثاني: أن يخرج ماء المرأة أولًا. الثالث: أن يخرج ماء الرجل أولًا ويكون أكثر. الرابع: أن يخرج ماء المرأة أولًا فيكون أكثر. ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولًا، ثم يخرج ماء المرأة بعده فيكون أكثر وبالعكس. فإذا خرج ماء الرجل أولًا وكان أكثر جاء الولد ذكرًا بحكم السبق، وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة. وإن خرج ماء المرأة أولًا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق، وأشبه الولد أخواله بحكم الكثرة. وإن خرج ماء الرجل أولًا، ولكن لا خرج ماء المرأة بعده كان أكثر، كان الولد ذكرًا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة. وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل وكان أعلى من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة، وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل. قال: وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث. ¬

_ (¬1) ضرب عليه في نسخة السندي وكتب: أنث.

وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الغسل في الاحتلام إنما هو من رؤية الماء لا من رؤية الفعل. وعلى أن الولد يكون من مجموع ماء الرجل والمرأة معًا، خلافًا لمن ذهب إلى أن الولد إنما هو من ماء المرأة، وأن ماء الرجل له عاقد، كالأنفحة للبن. وقول أم سلمة: (فضحت النساء)؛ أي: قلت ما يستحيى من مثله، وما يستحيين من وصفهن به ويكتمنه، وذلك أن مثل ذلك منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال. وأم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، يقال لها: الغميصاء والرميصاء، وقد قيل في اسمها غير ما ذكرنا. كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري، خطبها مشركًا فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها، وحسن إسلامه، فولد له منها غلام كان قد أعجب به، فمات صغيرًا، فأسف عليه، ويقال إنه أبو عمير صاحب النغير، ثم ولد له منها عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه، وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه، وأخوته كانوا عشرة كلهم حمل عنهم العلم. وروت أم سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث، وكانت من عقلاء النساء. روى عنها ابنها أنس بن مالك وعبد الله بن عباس.

روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر حديثًا اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث واحد منها، وانفرد (¬1) البخاري بحديث، وانفرد مسلم بحديثين. روى سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: أتيت أبا طلحة وهو يضرب أمي، فقلت: تضرب هذه العجوز ... في حديث ذكره. وروي عن أم سليم أنها قالت: لقد دعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ما أريد زيادة. * * * ¬

_ (¬1) زاد في نسخة السندي: به!

91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل ثنا هناد ثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ربما اغتسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي، فضممته إلي، ولم أغتسل (¬1). قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين: أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس أن يستدفئ بامرأته، وينام معها قبل أن تغتسل المرأة. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. * الكلام عليه: أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شريك عن حريث به. وأخرجه الحاكم (¬2) في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم. وأما الترمذي، فقال: ليس بإسناده بأس، وما ارتفع البأس عنه ينبغي أن يدخل تحته قسما الصحيح والحسن، فأقل مرتبته أن يكون من باب الحسن. وفي إسناد هذا الحديث حريث بن أبي مطر، راويه عن الشعبي، واسم أبي مطر عمرو بن أبي عمرو الفزاري كوفي، روى عن الشعبي ومدرك بن عمارة. ¬

_ (¬1) ذكره الشيخ مضعفًا، وأحال على ابن ماجه (580)، وهناك أحال على "المشكاة" (459) و"ضعيف السنن" (44). وانظر "الضعيفة" (5657). (¬2) (1/ 154) ووافقه الذهبي، قال الحافظ في "الإتحاف" (22743): حريث ضعيف، لم يخرجه مسلم أصلًا ولا شاهدًا، نعم استشهد به البخاري، في موضع، تعليقًا.

روى عنه الثوري وشريك ويزيد بن عطاء وغيرهم. قال يحيى: حديثه لا شيء. وقال مرة: ضعيف، وكذلك قال الفلاس وأبو حاتم الرازي وأبو أحمد بن عدي. وقال النسائي وعلي بن الجنيد والأزدي: متروك. وقال عمرو بن علي: لم أسمع يحيى، ولا عبد الرحمن بن مهدي يحدثان عنه بشيء قط. وقال البخاري: فيه نظر. وهو أبو عمرو الحناط؛ بالحاء المهملة والنون. ومن كان بهذه المثابة من الجرح من غير تعديل يعارضه ففي ارتفاع البأس عنه نظر. وأما تصحيح الحاكم إياه وقوله: إنه على شرط مسلم؛ فغريب جدًّا، وقد قال البيهقي بعد تخريجه: تفرد به حريث بن أبي مطر، وفيه نظر. وروي من وجه آخر ضعيف عن علقمة عن عائشة مختصرًا. وفي الباب مما لم يذكره: عن ميمونة بنت الحارث: أنا أبو عبد الله بن الفتح الصوري سماعًا، أنا أبو مسلم الوليد بن عبد الرحيم بن الأخوة، وأبو الغنائم محمد بن أبي طالب بن شهريان قالا: أنا غانم بن خالد بن عبد الواحد التاجر أنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شهر (¬1)، أنا أبو بكر بن المقرئ ثنا محمد بن زبان ثنا زكريا يعني ¬

_ (¬1) أبو مسلم الوليد الذي في "السير" (21/ 484): هشام. غانم بن خالد ثقة مترجم في "السير" (20/ 100). =

ابن يحيى كاتب العمري ثنا المفضل يعني ابن فضالة عن عمرو بن يزيد عن مسروق: أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على خالته ميمونة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما لك يا ابن أختي شعثًا؟ فقال: قد كانت مرجلتي أم عمارة حائضًا. قالت: فما بال الحيضة من اليد؟ لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستدفئ في حجر المرأة من نسائه ثم يقعد هو في حجرها، ولقد رأيته تعطيه المرأة الخمرة وهي حائض (¬1). قول الترمذي (¬2) فيه: ليس بإسناده بأس، حكم على السند دون المتن، وظاهر هذا أنه لم يرتق عنده إلى درجة التحسين وأن يحكم على الحديث بالحسن بذلك، وإن كان الإسناد عنده قابلًا لأن يوصف الحديث المروي به بالحسن إذا استكملت فيه الشروط التي ذكرها في الحسن، لكنه لما لم يذكر في بابه شيئًا عن أحد من الصحابة، ولا نبه على شاهد له ولا متابع بقي كالحديث الفرد في باب عن متكلم فيه غير موثق، فلم يبلغ الحديث درجة الحسن، وإن كان راويه عنده غير مردود من كل وجه لأنه لم يستكمل الشروط لتفرده به. قال القاضي أبو (¬3) بكر بن العربي -رحمه الله-: هذا حديث لم يصح ولم ¬

_ = عبد الرزاق كذا رسمت شهر، وفي "السير" (18/ 149): شمة بالفتح والتخفيف. وقد قيده بعضهم شمة بالكسر كسمة، وكذا وجد بخط أبي العلاء العطار. (¬1) الحديث رواه النسائي (273) وأحمد (6/ 331) وحسنه الألباني في "الإرواء" (1/ 213) من طريق أخرى. وقوله: وفي الباب مما لم يذكره ... إلى هنا تفردت بها نسخة السندي. (¬2) انظر الجامع (1/ 211). (¬3) عارضة الأحوذي (1/ 156).

يستقم ولا يثبت (¬1) فيه شيء، ويحتمل (¬2) أن يكون من وراء حائل، قاله الشافعي، ويحتمل أن يكون دون حائل، والملامسة عندنا بغير شهوة لا تنقض الوضوء. انتهى. أما حكم الملامسة فقد سبق في باب الوضوء من القبلة، وليس الغرض الآن حكم الملامسة، ولا المقصود من إيراد هذا الحديث إلا أن المرأة وهي جنب قبل اغتسالها يباح منها ذلك للرجل، فهو في معنى حديث أبي هريرة السابق: "إن المسلم لا ينجس". وعلى ذلك الحديث محمول عندنا وعند السلف -رحمهم الله-، وقد فسر ذلك قوله (¬3) بعد، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس أن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة. وأما الوضوء بعد ذلك وقبل إرادة الصلاة ففيه خلاف بين السلف. روى وكيع عن سفيان عن بشير، عن إبراهيم التيمي أنّ عمر كان يستدفئ بامرأته بعد الغسل (4)، وروي أيضًا عن حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء يغتسل ثم يجيء وله قرقفة يستدفئ بي (¬4). وقال ابن (¬5) أبي شيبة: نا حفص ووكيع: عن مسعر، عن جبلة، عن ابن عمر قال: إني لأغتسل من الجنابة، ثم أتكوى بالمرأة قبل أن تغتسل. قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس: ذاك عيش قريش في الشتاء. ¬

_ (¬1) في العارضة فلا يثبت به شيء. (¬2) في العارضة ولا يعلم قبل قوله ويحتمل. (¬3) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 211). (¬4) المصنف لابن أبي شيبة (1/ 76). (¬5) المصنف.

حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن حجاج بن أبي عُثمان قال: ثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو كثير قال: قلت لأبي هريرة: الرجل يغتسل من الجنابة ثم يضطجع مع أهله، قال: لا بأس. حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان الأسود يجنب فيغتسل، ثم يأتي أهله فيضاجعها يستدفيء بها قبل أن تغتسل. حدثنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان علقمة يغتسل، ثم يستدفئ بالمرأة وهي جنب. حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أنّه كان يستدفئ بامرأته، ثم يقوم فيتوضأ وضوءه للصلاة. حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ أنّه كان يغتسل من الجنابة، ثم يجيء فيستدفئ بامرأته قبل أن تغتسل، ثم يصلي ولا يمسُّ ماءً. حدثنا أبو خالد الأحمر (¬1) عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: إذا اغتسل الجنب ثم أراد أن يباشر امرأته فعل إن شاء. حدثنا أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: يباشرها، وليس عليه وضوء. حدثنا وكيع عن مبارك، عن الحسن قال: لا بأس أن يستدفيء بامرأته بعد الغسل. ¬

_ (¬1) ليس في المصنف الأحمر.

حدثنا وكيع، عن مسعر، عن حماد: أنّه كان يكرهه حتى يجف (¬1) فيه طهارة عرق الجنب. وقد بوّب البيهقي (¬2) في "سننه الكبير"، على طهارة عرق الحائض والجنب، فذكر هذا الحديث، وحديث عائشة: "كنت أرجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض". رواه البخاري (¬3). وحديث القاسم، عن عائشة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "ناوليني الخمرة"، قالت: إني حائض! قال: "إن حيضتك ليست في يدك". رواه مسلم (¬4)، وما في معناهما. * * * ¬

_ (¬1) انظر المصنف (1/ 76). (¬2) السنن الكبرى (1/ 186). (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 113) برقم 295 باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله. (¬4) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 244 - 245) برقم 298 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.

92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء ثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري: ثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجْدان، عن أبي ذر: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الصعيد الطيّب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فَليمسّهُ بشرته؛ فإن ذلك خير". وقال محمود في حديثه: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم". قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين. قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر. وروى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذرّ، ولم يُسَمِّه. وهذا حديث حسن (¬1)، وهو قول عامة الفقهاء: أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمّما وصلّيا. ويروى عن ابن مسعود أنّه كان لا يرى التيمم للجنب، وإن كان لم يجد الماء، وروي عنه أنّه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء. وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق (¬2). ¬

_ (¬1) وفي نسخة أحمد شاكر زيادة صحيح أي حسن صحيح وله في ذلك بحث فانظره غير مأمور (1/ 213 - 216). (¬2) الجامع (211 - 217).

* الكلام عليه: أخرجه أبو (¬1) داود والنسائي (¬2) وابن (¬3) حبان في "صحيحه" من طريق عمرو بن بجدان، من رواية خالد الحذاء ثم أتبعها (¬4) بطريق أخرى من جهة سفيان الثوري، عن أيوب وخالد، عن أبي قلابة، عن عمرو، عن أبي ذر رادًّا على من زعم أن خالدًا تفرد به. والحاكم (¬5) في المستدرك، وقال: صحيح ولم يخرجاه، إذا لم نجد لعمرو راويًا غير أبي قلابة الجرمي (¬6). ولا يخلو هذا التبويب من مؤاخذة، فإن الذي ذكره من متن هذا الحديث ليس له تعلق بتيمم الجنب، وهو وإن كان في بعض ألفاظه وأمره بالتيمم عند الجنابة، فيلزمه ذكر هذه القطعة من الحديث لتضمن التبويب إياها، ولا يكفي في ذلك الحوالة على ما هو معلوم من تمام المتن في موضع آخر لاحتمال أن تكون تلك الزيادة بغير هذا الإسناد فلا يلزم الاحتجاج بها. وقد أتبع الترمذي هذا الحديث التصحيح في بعض النسخ والتحسين في بعضها (¬7). فأما أبو الحسن (¬8) بن القطان فيضعفه وليس عنده من قبيل الصحيح ولا الحسن، وفيما قاله من ذلك نظر. ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 332 باب الجنب يتيمم. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 187) برقم 321 باب الصلوات يتيمم واحد. (¬3) صحيح ابن حبان (4/ 135 - 136 الإحسان) برقم 1311. (¬4) أي ابن حبان في صحيحه (4/ 140) برقم 1313 وبوب له بقوله ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به خالد الحذّاء. (¬5) المستدرك (1/ 176 - 177). (¬6) وتمام كلامه: "وهذا مما شرطت فيه وثبت أنهما قد خرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين". (¬7) انظر تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على سنن الترمذي (1/ 213 - 216). (¬8) انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 327) برقم 1073.

ومأخذه أن عمرو (¬1) بن بُجدان راويه عن أبي ذر لا يعرف له حال، وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه، فيقول عنه خالد الحذاء، عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف في ذلك على خالد. وأما أيوب فإنه رواه، عن أبي قلابة، واختلف عليه، فمنهم من يقول: عنه عن أبي قلابة، عن رجل فقط، ومنهم من يقول عن عمرو بن بجدان كقول خالد (¬2). ومنهم من يقول عن أبي المهلب، ومنهم من لا يجعل بينهما أحدًا فيجعله عن أبي قلابة، عن أبي ذر. ومنهم من يقول عن أبي قلابة أن رجلًا من بني قشير قال: يا نبيّ الله. هذا كله اختلاف على أيوب (¬3)، وذلك ما ذكره الترمذي (¬4) عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، وذكرها الدارقطني وقال: ومن أصحاب أيوب من يرويه عنه أبي قلابة، عن رجاء بن عامر، قال: وأحسبه تصحيفًا، وإنما يريد عن رجل من بني عامر. قال الشيخ أبو الحسنن الدارقطني: وقد رواه مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 222) برقم 1230 وتهذيب الكمال (21/ 549) برقم 4330 وتهذيب التهذيب (3/ 258). (¬2) في نسخة السندي هامش: ولا يختلف في ذلك على خالد ... فإنه رواه عن أبي قلابة (واختلف عليه)؛ فمنهم من يقول عنه عن أبي (قلابة) فقط. ومنهم من يقول عن ... هذا ما ظهر لي لأن التصوير (أكل) بعض الكلمات، وما بين القوسين هو ما ترجح لي. (¬3) انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 327 - 328) وسنن الدارقطني (1/ 186 - 187) وكذا علله (6/ 252 - 255). (¬4) انظر الجامع (1/ 212).

أيوب وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر (¬1)، وأحسبه حمل حديث أيوب على حديث خالد (¬2)، فقال فيه: عن عمرو بن بجدان، لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة، عن رجل لم يسمه، عن أبي ذر، ورواه عبد (¬3) الرزاق، عن الثوري، عنهما، فضبطه وبين قول كل واحد منهما من صاحبه، وأتى بالصواب، وتابعه على ذلك إبراهيم بن خالد، عن الثوري، عن أيوب، وخالد (¬4) عن أبي قلابة، وبين كذلك. وطريق الترمذي من جهة خالد الحذاء راجحة على طريق النسائي من حديث أيوب لسلامتها من هذه العلل، وإن كان الاعتلال بعمرو بن بجدان مشتركًا بينهما، فإن الاعتلال بعمرو قد يجاب عنه بما يقتضي الترجيح الذي أشرنا إليه، والاعتراض على أبي الحسن القطان، فيما زعم من تضعيفه حديث أبي ذر وانحطاطه عن درجة الحسن، وذلك أن عمرًا لم ينقل فيه طعنًا من أحد، وإنما رماه بالجهالة، وأنه لم يرو عنه غير أبي قلابة وتصحيح الترمذي حديثه توثيق له؛ إذ من المعلوم أنه لا فرق بين أن يقول فيه ثقة أو عن حديث العمدة عليه فيه أنه صحيح، فكلاهما توثيق. وقد فعل ذلك كما فعله الترمذي وابن حبان (¬5)، والحاكم (¬6) مع قوله عن الشيخين: ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو راويًا غير أبي قلابة، فهذا أيضًا من الحاكم -مع اعتذاره عن الشيخين بتفرد أبي قلابة بالرواية عنه- توثيق له، ولولا قيام المقتضى عنده لتصحيح حديثه من التوثيق لما أقدم على تصحيح حديثه مع اعترافه بما ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 187) برقم 321 باب الصلوات بتيمم واحد. (¬2) وعند الدارقطني في العلل (6/ 253) بعد قوله خالد لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة عن رجل لم يسمه عن أبي ذر وليس عنده فقال فيه عن عمرو بن بجدان. (¬3) المصنف (1/ 238) برقم 913. (¬4) في العلل (6/ 253) عن أيوب وخالد بين قول كل واحد على الصواب وليس عنده عن أبي قلابة. (¬5) الصحيح لابن حبان (4/ 135 - 136 الإحسان) برقم 1311. (¬6) المستدرك (1/ 176 - 177).

يشبه الجهالة من التفرد المذكور، ولو كان الخلاف على أيوب مترددًا عند بعض أصحابه عن رجل أو عمرو بن بجدان عند آخر منهم لأمكن حمل رواية من رواه عن رجل على أنه عمرو بن بجدان، ولقبل التفسير به كما قاله الحافظ المنذري رحمه الله، قال: الرجل من بني عامر هو عامر بن بجدان، سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة، وسماه الثوري عن أيوب. انتهى. وقد ذكرنا تعليل الدارقطني رواية سفيان عن أيوب وأنه ليس كذلك، ولو لم يكن من الخلف إلا ذلك لكان يسيرًا، ولكنهم اختلفوا اختلافًا كثيرًا كما بيّناه، وهذا اضطراب في طريق أيوب سلمت منه طريق خالد الحذاء، وطريق خالد صحيحة بتصحيح الترمذي وابن حبان إياها، وتوثيق العجلي وابن حبان عمرو بن بجدان. وطريق أيوب لا يقدح فيها ولا يعللها. والله أعلم. وأما حديث أبي هريرة فقال البزار (¬1): نا مقدم بن محمد المقدمي قال: نا عمي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم قال: نا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصعيد وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسّه بشرته، فإن ذلك خير". وثّق البزار مقدّمًا شيخه (¬2)، وعمه (¬3) أخرج له البخاري محتجًا به. ولفظ هذا الحديث وحديث أبي ذر واحد وهو راجح عليه لسلامته مما علل به حديث أبي ذر. وعند أحمد (¬4) في "المسند" من طريق أبي هريرة أيضًا عن عبد الرزاق، ثنا ¬

_ (¬1) المسند (1/ 157 كشف) برقم 310. (¬2) حيث قال عنه ومقدّم ثقة معروف النسب. (¬3) انظر رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 618) برقم 982. (¬4) المسند (2/ 278 و 352) من طريق عبد الله بن الوليد عن سفيان عن المثنى بن الصباح به.

المثنى بن الصباح، أخبرني عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر فيكون فينا النفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال: "عليك بالتراب". قال أحمد (¬1) والرازي (¬2): المثنى بن الصباح لا يساوي شيئًا. وقال النسائي (¬3): متروك. وأما حديث عبد الله بن عمرو: فروى الإمام أحمد (¬4) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله؟ قال: "نعم". رواه الإمام أحمد من طريق حجاج بن أرطاة. وأما حديث عمران بن الحصين: فروى البخاري (¬5) من حديث عن أبي رجاء قال: نا عمران بن الحصين الخزاعي: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا معتزلًا لي يصلّ في القوم، فقال: "يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم؟ "، فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك". رواه عن عبدان عن عبد الله عن عوف. ¬

_ (¬1) العلل رواية عبد الله (2/ 298) برقم 2324 وعبارته: مثنى بن الصباح لا يسوى حديثه شيئًا مضطرب الحديث. (¬2) الجرح والتعديل (8/ 324) برقم 1494 وفيه: لين الحديث يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد وهو ضعيف. (¬3) الضعفاء والمتروكون (239) برقم 576. (¬4) المسند (2/ 225). (¬5) في صحيحه كتاب التيمم (1/ 131) برقم 348.

وفي الباب مما لم يذكره حديث عمار بن ياسر وهو عنده مذكور في صفة التيمم مختصرًا، لم يذكر منه موضع تيمم الجنب (¬1). روى شعبة عن الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أنّ رجلًا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً، فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك"، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به. قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، مثل حديث ذرٍّ قال: حدثني سلمة، عن ذر في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم قال: فقال عمر: نوليك ما توليت. أخرجوه كلهم مطوّلًا ومختصرًا (¬2)، وهذا لفظ مسلم (¬3)، وسيأتي عند الترمذي (¬4) في بابه مختصرًا. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 268 - 269). (¬2) رواه البخاري في صحيحه كتاب التيمم (1/ 127) برقم 338 باب المتيمم هل ينفخ فيهما مطولًا وبرقم 339 باب التيمم للوجه والكفين مختصرًا وانظره برقم (340، 341، 342، 343، 345، 346، 347). ومسلم في صحيحه كتاب الحيض باب التيمم (1/ 280) برقم 112 مطولًا وبرقم 113 مختصرًا. وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 228 - 229) برقم 322 مطولًا باب التيمم وبرقم 323 مختصرًا وكذا 324 و 326 و 327 و 328، والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 181 - 182) برقم 311 باب التيمم في الحضر مطولًا وبرقم 315 كذلك مطولًا وكذا برقم 317 وبرقم 316 مختصرًا وبرقم 318 مطولًا. وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 118) برقم 569 مطولًا. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 280) برقم 112 باب التيمم. (¬4) الجامع (1/ 268 - 269) برقم 144.

وفيه حديث عمرو بن العاص: روى أبو (¬1) داود من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت وصليت بأصحابي (¬2)، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ "، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}، فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا. ورواه أيضًا (¬3) عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمرو بن العاص كان على سرية ... فذكر الحديث نحوه (¬4). قال: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم. قال أبو داود: هذه القصة عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال فيه: فتيمم (¬5). وأخرج الحاكم (¬6) رواية يزيد هذه بهذا الإسناد، وقال: على شرطهما. قال: ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 3348. (¬2) زاد أبو داود الصبح. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 335. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 335 باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟ (¬5) المصدر السابق. (¬6) المستدرك (1/ 177 - 178).

والذي عندي أنهما عللاه بحديث جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد لم يذكر أبا قيس (¬1). وقال: حديث جرير لا يعلل حديث عمرو -يعني ابن الحارث- الذي وصله بذكر أبي قيس؛ فإن أهل مصر أعرف بحديثهم من أهل البصرة. وفيه أيضًا عن ابن عباس: روى أبو داود (¬2) من جهة الأوزاعي: أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح: أنه سمع عبد الله بن عباس قال: أصاب رجلًا جرح في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم احتلم فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قتلوه، قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال". وهذا منقطع فيما بين الأوزاعي وعطاء (¬3). ذكر ابن (¬4) أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة، عن حديث عقيل (¬5) والوليد بن مسلم وغيرهما، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أصابته جراحة فأجنب فأمر بالاغتسال فاغتسل، فكزّ، فمات .... ثم قال (¬6) بعد كلام: وروى هذا الحديث ابن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس: وأفسد الحديث (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) كذا نقل المصنف عن الحاكم وليس عند الحاكم ذكر "لم يذكر أبا قيس" فالظاهر أنه تعبير من المصنف عما ساقه الحاكم أو فهم منه وكذا فعل شيخه ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 117) ولعله ينقل عنه، والله أعلم. (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 240) برقم 337 باب في المجروح يتيمم. (¬3) انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 37) برقم 77 وكذا الإمام لابن دقيق العيد (3/ 117). (¬4) العلل (1/ 37). (¬5) في العلل عن حديث رواه هقل. (¬6) بل قال هو وأبو زرعة. (¬7) العلل (1/ 37) برقم 77.

وقول ابن أبي حاتم: أفسد الحديث، يعني بدخول إسماعيل بن مسلم فيه، بين الأوزاعي وعطاء، لأن هذه الزيادة، وهي تعود بنقص، مبينة نقص الطريق الأول بسقوط إسماعيل منها (¬1)، وإسماعيل (¬2) بن مسلم هذا هو المكي المخزومي أبو ربيعة يروي عن الحسن وعمرو بن دينار وابن سيرين والزهري. ضعفه ابن المبارك (¬3)، وقال سفيان (¬4): كان يخطئ في الحديث، وقال أحمد (¬5): منكر الحديث، وقال يحيى (¬6): لم يزل مختلطًا، وليس بشيء، وقال علي (¬7): ضعيف الحديث، لا يكتب حديثه، أجمع أصحابنا على ترك حديثه، وقال النسائي (¬8) وعلي (¬9) ابن الجنيد: متروك الحديث. ذكره ابن (¬10) الجوزي وقال: إسماعيل بن مسلم خمسة؛ هذا أحدهم، ¬

_ (¬1) وانظر الإمام (3/ 649). (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل برقم 669 وتهذيب الكمال (3/ 198 - 204) برقم 483 وتهذيب التهذيب (1/ 167 - 168). (¬3) التاريخ الكبير (1/ 372) برقم 1178 وعبارته فيه تركه ابن المبارك وربما روى عنه وانظر التاريخ الصغير (2/ 78). (¬4) انظر الكامل لابن عدي (1/ 282) وتمام عبارته في الكامل: "جعل يحدث فيخطئ، أسأله عن الحديث من حديث عمرو بن دينار فلا يدري إن كان علمه أيضًا لمّا سمع منه الحديث كما رأيت فما كان يدري شيئًا". (¬5) الجرح والتعديل (2/ 198). (¬6) المصدر السابق ويحيى هو ابن سعيد القطان وليس فيه ليس بشيء وقوله ليس بشيء إنما هي من قول يحيى بن معين كما في التاريخ برواية عباس الدوري (2/ 37). (¬7) ميزان الاعتدال (1/ 249) والضعفاء لابن الجوزي (1/ 121) والشجرة للسعدي (255) برقم 266. (¬8) الضعفاء والمتروكون (151) برقم 36. (¬9) انظر الضعفاء لابن الجوزي (1/ 121). (¬10) الضعفاء والمتروكون (1/ 121).

والثاني: إسماعيل بن مسلم أبو محمد العبدي البصري، سمع أبا المتوكل والحسن، والثالث: مولى بني مخزوم، يروي عن سعيد بن جبير. الرابع: ابن أبي الفُديك، واسم أبي الفُديك دينار مولى بني الدُئل. والخامس: إسماعيل بن مسلم بن يسار مولى رفاعة الزرقي، روى عن محمد بن كعب. لم نعلم في أحد منهم طعنًا إلا في الأول. انتهى. وفي تعريف ابن الجوزي الأول بالمخزومي نظر، وكأنه ليس كذلك، وقد ذكر في الأربعة بعده إسماعيل بن مسلم مولى بني مخزوم، وقد فرّق بينهما غيره، وكنّاه أبا ربيعة (¬1)، وكنيته عند البخاري ومسلم أبو إسحاق، وعدّهم خمسة غير مطعون عليهم إلا الأول. وذكر الدارقطني (¬2) إسماعيل بن مسلم السكوني شامي متروك يضع الحديث، فهذا سادس. وقد ذكر سابع: وإسماعيل بن مسلم المكي، ذكره ابن (3) عدي، وقال: هو بصري، كان أبوه يتجر ويتكرر إلى مكة فنسب إليها، حكاه عن البخاري (¬3)، وقال: تركه ابن المبارك، وربما روى عنه، وتركه يحيى وابن مهدي، وقال السعدي (¬4): هو واه جدًّا، وقال عمرو (¬5) بن عليّ: كان ضعيفًا في الحديث؛ يهم فيه، وكان صدوقًا يكثر الغلط، يحدث عنه من لا ينظر في الرجال (¬6)، وقال (¬7): أحاديثه غير محفوظة إلا أنه ¬

_ (¬1) قلت ممن كناه أبا ربيعة الخطيب في المتفق والمفترق (1/ 378) برقم 160 وابن حبان في المجروحين (1/ 120). (¬2) الضعفاء والمتروكون (739) برقم 85. (¬3) الكامل (1/ 283). (¬4) الشجرة في أحوال الرجال (255) برقم 266. (¬5) الكامل لابن عدي (1/ 283). (¬6) الكامل لابن عدي (1/ 283). (¬7) أي ابن عدي وانظر الكامل (1/ 285).

ممن يكتب حديثه، وقد روى له الترمذي وابن ماجه (¬1). وروى ابن (¬2) الجارود وغيره (¬3) من حديث جرير عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - رفعه في قوله عزّ وجلّ [وإنْ كُنْتُم مَرْضى أوْ على سَفَر ...}، قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم. عطاء (¬4) بن السائب من المختلطين بآخرة، وجرير (¬5) عندهم ممن روى عنه بعد الاختلاط، وغيره من أصحاب عطاء يروونه عن موقوفًا (¬6)، وهو الصواب عند الرازيين (¬7) فيما حكاه عنهما عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقد روي من وجه آخر موقوفًا عن ابن عباس: رواه أبو (¬8) بكر بن أبي شيبة في "مصنّفه" قال: نا وكيع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (3/ 198) برقم 483. (¬2) المنتقى (1/ 133) برقم 129. (¬3) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 138) برقم 272 وقال: هذا خبر لم يرفعه غير عطاء بن السائب. والدارقطني في سننه (1/ 177) برقم 9 من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه وعطاء كان اختلط وجرير ممن روى عنه بعد الاختلاط ولم يتفرد به جرير بل تابعه علي بن عاصم عن عطاء ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 25) وصوب أبوه الموقوف. (¬4) انظر الاعتباط (241) برقم 71. (¬5) انظر الكامل (5/ 362). (¬6) قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 224): "ورواه إبراهيم بن طهمان وغيره أيضًا عن عطاء موقوفًا". قلت: وممن رواه كذلك موقوفًا علي بن عاصم كما سبق وصوب أبو حاتم الموقوف. (¬7) انظر العلل (1/ 25) برقم 40. (¬8) المصنف (1/ 157).

عباس: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ ...}؛ قال: هو المسافر. وذكر ابن أبي شيبة في هذا الباب (¬1) عن حذيفة، قال: نا ابن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء" يعني: الأرض. وعن عليّ: {ولا جُنُبًا إلا عابِري سبيلٍ ...} قال: المار الذي لا يجد الماء يتيمم ويصلي، رواه عن علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله وزر (¬2)، عن عليّ. وعن وكيع، عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن الحسن بن مسلم: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ ...}؛ إلا أن تكونوا مسافرين فتيمموا (¬3). وأما الرواية عن ابن مسعود بخلاف ذلك مما أشار إليها صاحب الكتاب (¬4)، وأشار إلى رجوعه عنها. فروى ابن (¬5) أبي شيبة: ثنا محمد بن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: إذا كنت في سفر فأجنبت فلا تصلِّ حتى تحد الماء، وإذا أحدثت فتيمم ثم صلِّ. وأما رجوعه عنها فقال: نا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن الضحاك ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المصنف (1/ 157). (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر الجامع (1/ 216). (¬5) المصنف (1/ 157).

قال: رجع عبد الله عن قوله في التيمم (¬1). وقد روي عن عمر في ذلك أيضًا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر قال: لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرًا (¬2). وعن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن زبيد قال: أجنبت فلم أجد الماء؛ فسألت أبا عطية فقال: لا تصلّ. وسألت سعيد بن جبير فقال: تيمم وصلِّ (¬3). وعن أبي معاوية عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا كيف يصنع بالصلاة؟ قال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: {فإن لم تجِدوا ماءً فتيمَّموا صعيدًا طَيِّبًا ...}؛ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا الأمر لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا بالصعيد (¬4). وروى مالك (¬5)، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: أنّ رجلًا سأل سعيد بن المسيب، عن الرجل يتيمم، ثم يدرك الماء، فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل. قال أبو (¬6) عمر: أجمع علماء الأمصار بالمشرق والمغرب فيما علمت أن التيمم ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصنف (1/ 157 - 158). (¬5) الموطأ (1/ 56) برقم 92. (¬6) الاستذكار (3/ 146 - 150).

بالصعيد عند عدم الماء وطهور كل مسلم مريض أو مسافر (¬1) سواءً كان جنبًا أو على غير وضوء لا يختلفون في ذلك، وقد كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يقولان: إن الجنب لا يطهر إلا بالماء (¬2)، وأنّه لا يستبيح بالتيمم صلاة أبدًا لقول (¬3) الله تعالى: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فاطَّهَّروا ...}، وقوله عزّ وجل: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ حتى تغتسلوا ...}، وخفيت عليهما السنة في ذلك، ولم يصل إليهما من ذلك إلا قول عمار، وكان عمر حاضرًا معه فأنسي قصة عمار، وارتاب في ذلك لحضوره (¬4) معه ونسيانه لذلك، فلم يقنع بقوله، فذهب هو وابن مسعود إلى أن الجنب لم يدخل في المعنى المراد بقوله عز وجلّ: {وإنْ كُنْتُم مَرْضى أو على سَفَرٍ أو جاءَ أحدٌ مِنْكُم مِنَ الغائطِ أو لامَسْتُم النِّساءَ فلمْ تجِدوا ماءً فتيَمَّموا صعيدًا طيِّبًا ...}. وكانا يذهبان إلى أنّ الملامسة ما دون الجماع. ولم يتعلق أحد من فقهاء الأمصار، من قال: إن الملامسة الجماع، ومن قال: إنها ما دون الجماع من دواعي الجماع (¬5) بقول عمر وابن مسعود في ذلك. وقد غلط بعض الناس في هذا (¬6) على ابن مسعود فزعم أنّه كان يرى أن الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء لم يغتسل ولا وضوء عليه (¬7)، وهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين، ولا روي عن أحد من السلف، ولا الخلف فيما علمت إلا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ولا يصح عنه (¬8). والمحفوظ عن ابن مسعود ما وصفنا عنه. ¬

_ (¬1) بزيادة الواو أي وسواء كما في الاستذكار. (¬2) في الاستذكار لا يطهره إلا الماء. (¬3) في الاستذكار بقوله تعالى. (¬4) في الاستذكار بحضوره. (¬5) ليست في الاستذكار ولا معنى لها في السياق. (¬6) زاد في الاستذكار المعنى عن بدل على. (¬7) زاد في الاستذكار حتى يحدث. (¬8) زاد في الاستذكار ولا يعرف وأشار محققه إلى أن لا يصح وردت في نسخة.

وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر وغيره: "التراب كافيك ما لم تجد الماء، ولو أقمت عشر سنين (¬1)، فإذا وجدته فاغتسل". وفي بعض الروايات: "فأمسّه بشرتك". دليل واضح على أن الجنب إذا وجد الماء يلزمه (¬2) استعماله، وأن تيممه ليس بطهارة كاملة، وإنما هو استباحة للصلاة، ثم هو على حاله جنبًا (¬3) عند وجود الماء (¬4). وأما قول أبي عمر إنه لم يخالف في تيمم الجنب إلا عمر وابن مسعود، فقد روي ذلك أيضًا عن بعض التابعين كما ذكرنا. وقال الحكم: سألت إبراهيم النخعي: إذا لم تجد الماء وأنت جنب؟ قال: لا أصلي (¬5). قال شعبة: وقلت: لأبي إسحاق: أقال ابن مسعود: إن لم أجد الماء شهرًا لم أصلّ -يعني الجنب-، فقال أبو إسحاق: نعم. وللأسود. واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بقوله تعالى: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فاطَّهَّروا ...}، قالوا: فلم يجعل للجنب إلا الغسل. ولما روى محمد بن عبد السلام الخشني: ثنا محمد بن بشار: نا محمد بن أبي عدي نا شعبة، عن المخارق بن عبد الله، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أجنبت فلم أصلّ؟ قال: "أحسنت"، ¬

_ (¬1) زاد في الاستذكار لا تجده. (¬2) في الاستذكار لزمه. (¬3) في الاستذكار جنب وورد في نسختين للاستذكار جنبًا وأشار محققه إلى أنه تحريف. (¬4) الاستذكار (3/ 146 - 150). (¬5) أشار إلى ذلك النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 57).

وجاءه آخر فقال: إنّي أجنبت فتيمصت فصليت، قال: "أحسنت". المخارق (¬1) بن عبد الله تابعي ثقة، وطارق (¬2) بن شهاب معروف الصحبة. ولا حجة في شيء من ذلك؛ أما الآية فإن الطهور هو ما يتطهر به، وهو ينطلق على الماء والتراب، خلق الله الماء طهورًا، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا، فلا خصوصية للماء بذلك. وأما الحديث ففيه تحسين النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل المتيمم من الجنابة، وذلك كافٍ، ولعل تحسينه - عليه السلام - فعل الآخر لتوقفه عما لم يعلم من ذلك. واختلف الناس في التيمم هل هو مبيح للصلاة أو رافع للحدث، ولهم في ذلك اعتلالات كثيرة وأقيسة شبهية وغيرهما، وممن قال أنه مبيح للصلاة مالك والشافعي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه رافع للحدث، وسيأتي في باب التيمم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وإذا كان (¬3) على بعض أعضاء المحدث نجاسة فأراد التيمم بدلًا عنها، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا يجوز. وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: يجوز أن يتيمم إذا كانت النجاسة على بدنه ولم يجز إذا كانت على ثوبه، واختلف أصحابه في وجوب إعادة هذه الصلاة. وقال ابن المنذر: كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون بمسح موضع النجاسة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 352) برقم 1624 وتهذيب الكمال (27/ 314 - 315) برقم 5823 وتهذيب التهذيب (4/ 37 - 38). (¬2) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 485) برقم 2128 وتهذيب الكمال (13/ 341 - 343) وتهذيب التهذيب (2/ 232 - 233). (¬3) هذا ابتداء كلام النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 57).

بتراب ويصلي. وأما إعادة الصلاة التي يفعلها بالتيمم فمذهبنا أنه لا يعيد إذا تيمم للمرض أو الجراحة ونحوهما، وأما إذا تيمم للعجز عن الماء فإن كان في موضع يعدم فيه الماء غالبًا كالسفر لم تجب الإعادة، وإن كان في موضع لا يعدم فيه الماء إلا نادرًا وجبت الإعادة على المذهب الصحيح (¬1)، وإذا (¬2) وجد الجنب من الماء ما لا يكفي لغسله، أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه، ففيه من الآراء: * أحدهما: وبه قال أبو حنيفة ومالك، واختاره المزني: لا يجب استعماله، بل يتيمم، كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب إعتاقه عن الكفارة بل يعدل إلى الصوم. * وأصحهما: أنه يجب استعماله ويتيمم للباقي لأنه قدر على غسل بعض أعضائه (¬3) صحيحًا والبعض جريحًا يجب غسل الصحيح، وقيل: الثاني قوله الجديد، والأول قوله القديم. وذكر الشيخ أبو علي والمسعودي أن له في الجديد قولين: أحدهما: مثل القديم، ورواية المزني في "المختصر" تدل على ما قالاه (¬4). وإذا أوصى (¬5) بمائه لأولى الناس به أو وكل رجلًا بصرف مائه إلى أولى الناس ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم للنووي (4/ 57). (¬2) هذا كلام الرافعي في فتح العزيز (1/ 223 - 224). (¬3) وعبارة الرافعي لأنه قدر على غسل بعض أعضائه فلا يسقط بالعجز عن الباقي فصار كما إذا كان بعض أعضائه جريحًا والبعض صحيحًا. (¬4) فتح العزيز (1/ 223 - 224). (¬5) فتح العزيز (1/ 245 - 251).

به، فحضر محتاجون إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة، فمن يقدم منهم فالميت ومن على بدنه نجاسة أولى من غيرهما؛ أما الميت فلمعنيين: قال الشافعي: إن أمره يفوت، فليختم بأكمل الطهارتين، والأحياء يقدرون عليه في ثاني الحال. والثاني: قال بعض الأصحاب: القصد من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله، والتراب لا يفيد ذلك، وغرض الحي استباحة الصلاة وإسقاط الفرض، وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل. وأما من على بدنه نجاسة فلأن إزالة النجاسة لا بدل لها، وللطهارة بدل وهو التيمم، ولو اجتمعا فمن المقدم منهما؟ فيه وجهان: أصحهما أن الميت أولى. قال المحاملي والصيدلاني: الوجهان مبنيان على المعنيين في الميت إن قلنا بالتعليل الأول، فالميت أولى. وإن قلنا بالتعليل الثاني فالنجس أولى؛ لأن فرضه لا يسقط بالتيمم بخلاف غسل الميت. ولا خلاف أنه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى، ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون له ثَمَّ وارث يقبل عنه، كما لو تطوع إنسان بتكفين ميّت لا حاجة إلى قابل، وفي المسألة وجه ضعيف. وإن اجتمع ميّتان والماء لا يكفي إلا لأحدهما، فإن كان الماء موجودًا قبل موتهما (¬1) فالأول أولى، وإن كانا ماتا معًا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى، فإن استويا أُقرع بينهما. ¬

_ (¬1) زاد في فتح العزيز وماتا على الترتيب.

هذا كله في الميت ومن عليه نجاسة. أما غيرهما ففي الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه: * أصحها: الحائض أولى، لأن حدثها أغلظ؛ ألا ترى أن الحيض يحرم الوطء، ويسقط إيجاب الصلاة. * والثاني: الجنب أولى، لأنه أحق بالاغتسال؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في تيمم الجنب، ولم يختلفوا في تيمم الحائض. * والثالث: هما سواء لتعارض المعنيين. وإذا حضر جنب ومحدث نظر إن كان ذلك الماء كافيًا للوضوء دون الغسل، فالمحدث أولى، وإن لم نوجب استعمال الماء الناقص، وإن أوجبناه فثلاثة أوجه: * أصحها: أن المحدث أولى أيضًا لأنه يرتفع حدثه بكماله. * والثاني: الجنب أولى لغلظ حدثه. * والثالث: يتساويان. وإذا لم يكن الماء كافيًا لواحد منهما، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله لغلظ حدثه، وإلا فهو كالمعدوم. وإن كان كافيًا لكل واحد منهما، فينظر إن فضل شيء من الوضوء ولم يفضل من الغسل، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص، لأنه لو استعمله الحدث لضاع الباقي. وإن أوجبنا استعمال الناقص فثلاثة أوجه: * أصحها: أن الجنب أولى لغلظ حدثه.

* والثاني: المحدث أولى بقدر الوضوء، والباقي للجنب مراعاة للجانبين. * والثالث: أيهما سبق أولى (¬1). وفروع هذا الباب كثيرة، وأما جنس ما يقع التيمم به فيأتي في باب التيمم إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 245 - 251).

93 - باب في المستحاضة

93 - باب في المستحاضة ثنا هناد، نا وكيع وعبدة وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي جبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي". قال أبو معاوية في حديثه: "وتوضئي لكل صلاة حشى يجيء ذلك الوقت". قال: وفي الباب عن أم سلمة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي: إنّ المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة (¬1). * الكلام عليه: أخرجوه أجمعون (¬2). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 217 - 220). (¬2) رواه البخاري في صحيحه كتاب الحيض (1/ 116) برقم 306 باب الاستحاضة ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 262) برقم 333 باب المستحاضة وغسلها وصلاتها وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 191) برقم 280 باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 217 باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 203) برقم 621 باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم.

وقد روي من حديث عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش (¬1)، ومن حديثه عن عائشة عن فاطمة (¬2). رواه كذلك ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة (¬3)، قال أبو (¬4) عمر: وهو الصواب يعني: حديث عائشة، وقال أبو (¬5) محمد: رواه عروة عنهما، وقد أدركهما معًا فعائشة خالته، وفاطمة ابنة عمه، ووقع في صحيح مسلم (¬6): بنت أبي حبيش بن عبد المطلب وليس بشيء، من روايته عن قتيبة، عن جرير. قال: وفي الباب عن أم سلمة. أما حديث أم سلمة فروينا من طريق أبي العباس الثقفي السراج (¬7) قال: نا إسحاق بن إبراهيم: أنا روح: نا مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة: أنّ امرأة استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 191 - 192) برقم 280 باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 125 - 126) برقم 201 باب ذكر الاغتسال من الحيض. (¬2) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 194 - 195) برقم 282 باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة. (¬3) رواه الدارقطني في سننه (1/ 206 - 207) برقم 3 وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 197) برقم 286 باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. (¬4) انظر التمهيد (16/ 62) و (16/ 65) و (16/ 67) و (22/ 103) و (22/ 105) والاستذكار (3/ 217). (¬5) المحلى (2/ 168). (¬6) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 262 - 263) برقم 333 عبد المطلب كذا وقع في أصول صحيح مسلم واتفق العلماء على أنه وهم والصواب فاطمة بنت أبي حبش بن المطلب بحذف لفظة عبد. انظر: إكمال المعلم (2/ 178) وأصله المعلم (1/ 252) وشرح صحيح مسلم للنووي (4/ 21). (¬7) ذكره ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 299).

الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لتنظر قدر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض قدرها من الشهر، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل وتصلي". اختلف فيه أصحاب نافع؛ فمنهم من يرويه عنه عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة كما ذكرنا (¬1). وروينا من طريق السراج (¬2) أيضًا: أنا إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي قرة موسى بن طارق: أَذكَر موسى بن عقبة عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة: أن امرأة استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فقرأت عليه الحديث، وذكر فيه: "فإذا خلّفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل وتصلي"؟ فأقرّ به وقال: نعم. ومنهم من يرويه عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن رجلًا أخبره عن أم سلمة (¬3). روينا من طريق الدارمي (¬4): أنا أحمد بن عبد الله بن يونس: نا الليث عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن رجلًا أخبره عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. قال أبو (¬5) عمر: ذكر حماد بن زيد، عن أيوب في هذا الحديث أن المرأة التي ¬

_ (¬1) أي ليس بين سليمان بن يسار وأم سلمة أحد. (¬2) انظر الإمام (3/ 299). (¬3) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 189 - 190) برقم 275 باب في المرأة تستحاض. (¬4) السنن (1/ 221) برقم 780. (¬5) التمهيد (16/ 56) وانظر سنن أبي داود (1/ 190) برقم 278.

استفتت لها أم سلمة فاطمة بنت أبي حبيش، وذكره سفيان بن عيينة، عن أيوب. وذكر أبو داود (¬1): عن الإمام أحمد أنه سمعه يقول في الحيض حديثان. والآخر في النفس منه شيء. قال أبو داود (¬2): يعني أن في الحيض ثلاثة أحاديث هي أصول هذا الباب، أحدها: حديث مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار. والآخر: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، والثالث: الذي في النفس منه شيء: حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه ابن عقيل، وهو عند الترمذي (¬3) [وسنذكره] في بابه بعد هذا إن شاء الله تعالى. ولهذه الأحاديت طرق تختلف ألفاظها اختلافًا ينبني عليه من اختلاف ¬

_ (¬1) السنن (1/ 202) وانظر الاستذكار (3/ 236). وكذا مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (35) برقم 160 وكذا التمهيد (16/ 61). قلت: لكن نقل الترمذي في سننه (1/ 226) أنه قال هو حديث حسن صحيح. وهذا يخالف ما نقله عنه أبو داود. قال العلامة أحمد شاكر: "ولعله يريد إلى أن في نفسه شيئًا من جهة الفقه والاستنباط والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى لهان كان صحيحًا ثابتًا عنده من جهة الإسناد" (1/ 226). وقال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (2/ 161 - 162): "المعروف عن الإمام أحمد أنه ضعفه ولم يأخذ به وقال ليس بشيء. وقال مرة: ليس عندي بذلك وحديث فاطمة أصح منه وأقوى إسنادًا. وقال مرة: في نفسه منه شيء، ولكن ذكر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة والأخذ به والله أعلم". قال: "ونقل حرب عن أحمد أنه قال: نذهب إليه ما أحسنه من حديث". ثم نقل اختلاف أهل العلم في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه. (¬2) ولا وجود لهذا الكلام في نسخة أبي داود التي بين أيدينا ونقله عنه ابن عبد البر في التمهيد (16/ 61). (¬3) الجامع (1/ 221 - 225) برقم 128.

العلماء في مسائل هذا الباب ما نحن ذاكروه بعون الله ومشيئته: فمن ذلك ما روينا من طريق البخاري (¬1): ثنا أحمد بن أبي رجاء: ثنا أبو أسامة: سمعت هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن عائشة: أنّ فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: "لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي. وروينا من طريق السراج (¬2): نا محمد بن الصباح: نا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا أقبلت الحيضة فلتدع الصلاة وإذا أدبرت فلتغتسل ولتصلي". ورويناه من طريق سفيان وعبدة ووكيع وأبي معاوية ويحيى بن سليم الطائفي وأبي أسامة وزهير ومعمر وجعفر بن عون ومحمد بن إسحاق وحماد بن سلمة وغيرهم عن هشام بن عروة. وروينا من طريق أبي داود (¬3): نا يوسف بن موسى نا جرير عن سهيل ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير: حدثتني بنت أبي حبيش: أنها أمرت أسماء، أو أسماء فحدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل. في هذا الخبر شيئان: الأول: أنه من رواية عروة عن فاطمة، وهو مشهور من رواية عروة عن عائشة ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 122) برقم 325 باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض وما يصدق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض. (¬2) انظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 285). (¬3) في "السنن" (281) كتاب الطهارة باب 108 في المرأة تستحاض.

عن فاطمة، كذلك رويناه من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، من رواية ابن جريج وأبي أسامة وسفيان بن عيينة، ومالك وشعبة وحماد بن زيد، وزائدة بن قدامة، وزهير وأبي حنيفة والحجاج بن أرطاة ومسلمة بن قعنب، وعبد العزيز بن أبي حازم، وأيوب السختياني ويحيى بن سعيد، كلهم عن هشام. وزعم أبو عمر أن الصواب فيه: عروة عن عائشة عن فاطمة، وأن رواية من أثبت عائشة فيه راجحة على رواية من أسقطها، وهو الذي رجحه أبو الحسن القطان. وقال أبو محمد بن حزم: إن عروة أدرك فاطمة بنت أبي حبيش، ولم يستبعد أن يسمعه من خالته عائشة ومن ابنة عمه فاطمة. كذا قال: (ابنة عمه) وإنما هي ابنة عم أبيه. هي فاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى. وهو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. فهي في (قُعْدُد) أبيه. ويشهد لما قاله أبو محمد قول عروة في هذا الخبر: حدثتني فاطمة. الثاني: قال ابن القطان: قيل: إن هذا الحديث مما أنكر على سهيل، وعد مما ساء حفظه فيه، وظهر أنه تغير عليه، وكان قد تغير، وذلك أنه أحال فيه على الأيام، وأنه قال: أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد. والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم والقَرء لا على الأيام، انتهى. والاعتراض عليه من وجهين: الأول: أن الإحالة على الأيام في حديث فاطمة ليس مما تفرد به سهيل، فقد رويناه من طريق البخاري من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن

عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فذكره وفيه: "ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها". فهذه إحالة على الأيام، وكذلك هو عند شعبة عن هشام؛ "فإذا أقبلت الحيضة فدعيها قدرها". وعند أبي حنيفة: "فدعي الصلاة أيام حيضك". الثاني: أنه لو لم يأت كذلك إلا عن سهيل وحده لما كانت العهدة فيه على سهيل، حتى يتفق أصحابه على روايته عنه كذلك، وإن اختلفوا عليه فسهيل حينئذ بريء من عهدته، والحمل فيه على من جاء به عن سهيل من بين أصحابه كذلك، لا على سهيل. وقد قرأت على محمَّد بن ساعد: أخبركم يوسف بن خليل ثنا محمَّد بن أبي زيد أنا محمود بن إسماعيل أنا أحمد بن محمَّد بن فاذشاه أنا سليمان بن أحمد نا محمود بن أحمد الواسطي نا وهب بن بقية نا خالد عن سهيل بن أبي صالح عن الزهريّ عن عروة عن الزبير عن أسماء بنت عميس؛ أنها قالت: قلت: يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله! هذا من الشيطان، لتجلس في مركن فإذا رأت صفارة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدًا، ثم توضأ فيما بين ذلك". فهذه إحالة على الدم في حديث سهيل من رواية خالد الطحان وهو ثقة حافظ، فلو كان كما حكى أبو الحسن لكان العمل فيه على جرير لا على سهيل؛ لأن من روى عن سهيل ما وافق فيه سهيل الجماعة أولى بالقبول ممن روى عنه ما لم يوافق عليه.

والاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه من عرق يقال له: العاذل، بفتح العين المهملة، وكسر الذال المعجمة. والحيض هو خروج الدم من قعر الرحم، واختار بعضهم في قوله: (وليست الحيضة) كسر الحاء من الحيضة؛ أي: الحالة المألوفة المعتادة. والحيضة، بفتح الحاء: المسندة من الحيض، يقال: حاضت وتحيضت تحيض حيضًا ومحاضًا ومحيضًا، إذا سأل الدم منها في نوبة معلومة، فإذا استمر قيل: استحيضت، فهي مستحاضة، وكأن هذه الزيادة في البنية، للزيادة في الفعل من باب مَرّ واستقرّ وأعشب الوادي، واعشوشب، إذا أكثر ذلك. وروينا من طريق مسلم (¬1): ثنا محمَّد بن رمح وقتيبة كلاهما عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أم حبيبة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدم، قالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دمًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي". ورويناه من طريق السراج (¬2): ثنا قتيبة، عن الليث. به. وروينا عنه أيضًا قال: نا الحسن بن عبد العزيز الجروي: ثنا عبد الله بن يوسف: نا بكر بن مضر: نا جعفر بن ربيعة، عن عراك، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الدم، فقال لها: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي"، قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة (¬3). ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 264) باب المستحاضة وغسلها وصلاتها. (¬2) انظر الإِمام لابن دقيق العيد (3/ 302). (¬3) وهو في صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 264) برقم (334/ 66).

وروينا من طريق مسلم (¬1): نا قتيبة ومحمد بن رمح. ومن طريق السراج (¬2): نا قتيبة: نا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: إنّي استحاض فقال: "إنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي"، فكانت تغتسل عن كل صلاة. زاد مسلم (¬3): قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي. ورويناه من طريق الأوزاعي وابن أبي كثير المهري، عن عروة وعمرة وعائشة، وفيه أنها مكثت كذلك سبع سنين. ورويناه أيضًا من حديث سفيان وإبراهيم بن سعد وعمرو بن الحارث كلهم عن الزهريّ. ومن أصحاب الزهريّ من يقول: عنه، عن عروة، ومنهم من يجمع بينهما (¬4). قال الدارقطني: وهو صحيح من رواية الزهريّ، عن عروة، وعمرة جميعًا عن عائشة. ورويناه من طريق الدارمي (¬5): نا يزيد بن هارون: أنا محمَّد بن إسحاق، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة: "أنَّ ابنة جحش استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغسل لكل صلاة". ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 263) برقم 334. (¬2) انظر الإِمام (3/ 302). (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 263) برقم 334. (¬4) انظر الإِمام (3/ 302 - 304). (¬5) السنن (1/ 219) برقم 775.

رواه أيضًا عن أحمد بن خالد، عن ابن إسحاق (¬1). وروينا من طريق الدارمي (¬2): أنا يزيد بن هارون، ووهب بن جرير، عن هشام صاحب الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة: "أنَّ أم حبيب بنت جحش كانت تهراق الدم، وأنَها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، وتصلي". كذا وقع في هذه الرواية, عن وهب: (أم حبيب) (¬3)، وكذلك كان شيخنا الإِمام الحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي -رحمه الله- يقول: وهي أخت زينب وحمنة وعبد الله وعبيد الله (¬4). وعند أبي (¬5) أحمد الأعمى: بني جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. ثم رأيت الدراقطني (¬6) حكى عن إبراهيم الحربي أن الصحيح قول من قال: أم حبيب -بغير هاء-، وأن اسمها حبيبة، وأن من قال: أم حبيبة بنت جحش، أو زينت بنت جحش، فقد وهم، وقد وقع زينب في "الموطأ" (¬7)، عن مالك. قال الدارقطني (¬8): وقول إبراهيم الحربي صحيح، وكان من أعلم الناس بهذا الشأن. وذكر أبو عمر (¬9): أن بنات جحش الثلاث استحضن زينب وأم حبيبة وحمنة. ¬

_ (¬1) السنن (1/ 222) برقم 783. (¬2) السنن (1/ 240) برقم 901. (¬3) قلت: الذي عند الدارمي أم حبيبة فليراجع. (¬4) انظر تهذيب الكمال (35/ 157) برقم 7821 وتهذيب التهذيب (4/ 670). (¬5) وانظر الثقات لابن حبان (3/ 237). (¬6) ونقله القرطبي في المفهم (1/ 592). (¬7) الموطأ (1/ 62) برقم 106. (¬8) نقله القرطبي في الفهم (1/ 592). (¬9) انظر الاستيعاب (4/ 482 - 483) و (4/ 374 - 375).

وذكر القاضي (¬1) يونس بن مغيث في كتابه: "الموعب شرح الموطأ" مثل هذا وزاد: وإن اسم كل واحدة منهن زينب ولقبت إحداهن بحمنة، وكنيت الأخرى بأم حبيبة. وكان شيخنا الدمياطي -رحمه الله- يقول: هن زينب وحمنة وأم حبيب حبيبة، وينكر ما عدا ذلك، والذي رأيته بعد ذلك عند ابن عساكر، وقبله عند الحافظ أبي محمَّد بن حزم في كتاب "الجمهرة" له: زينب وأم حبيبة حمنة ثنتان، وأم حبيبة كنية حمنة، وكذلك ألفيته في كتاب "الجمهرة" لابن الكلبي بغير زيادة. ومما يحتاج إليه في هذا الباب معرفة مدة الحيض أقلها وأكثرها، وأقل طهر يفصل بين الحيضتين كم مدته، لما ينبني على ذلك من الانتقال من الحيض إلى الاستحاضة، وهو مما اختلف العلماء فيه اختلافًا كثيرًا، فمنهم من لم يوقت لقليل مدة الحيض ولا لكثيرها توقيتًا. حكى أبو عمر (¬2) عن مالك أنه قال: لا وقت لقليل الحيض، ولا لكثيره والدفعة عندي من الدم وإن قلت تمنع من الصلاة، وأكثر الحيض عند مالك خمسة عشر يومًا، قال: إلا أن توجد (¬3) في النساء أكثر من ذلك. قال أبو عمر (¬4): فكأنه ترك قوله خمسة عشر يومًا ورده إلى غرف النساء في الأكثر. ¬

_ (¬1) وذكره أيضًا القرطبي في المفهم (1/ 592). (¬2) انظر التمهيد (16/ 71 - 72). (¬3) في التمهيد يوجد. (¬4) المصدر السابق.

وذكر ابن شاش عن مذهب مالك: أن أقل مدّته فيما يرجع إلى العبادات غير محدود فتعتبر الدفعة الواحدة وتكون حيضًا وإن لم تكن حيضة معدودة في العدد والاستبراء، وأكثر مدته محدودة بخمسة عشر يومًا على المنصوص، وأكثر الطهر لا حدّ له. وأقله محدود. لكن اختلف هل يعتبر في تحديث عدد الأيام أو استقراء العادة، تم إذا اعتبرنا الأيام ففي العدد المعتبر أربعة أقوال: فعن محمَّد بن مسلمة خمسة عشر يومًا وهو المشهور. وقال ابن حبيب: عشرة. وقال سحنون: ثمانية. وقال ابن الماجشون: خمسة. وقال أبو (¬1) عمر: قال ابن الماجشون، عن مالك: أقل الطهر خمسة أيام، وأقل الحيض خمسة أيام. وقال الأوزاعي (¬2): أقل الحيض يوم. قال (¬3): وعندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية. وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابهما: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة، فما نقص عند هؤلاء عن الثلاثة أيام فهو استحاضة، وما زاد على عشرة أيام فهو استحاضة (¬4). ¬

_ (¬1) التمهيد (16/ 663). (¬2) المصدر السابق. (¬3) أي الأوزاعي. (¬4) المصدر السابق.

وقال أبو (¬1) يوسف: تأخذ في الصلاة بالثلاثة أقل الحيض، وفي الأزواج بالعشرة (¬2)، ولا تقضي صومًا عليها إلا بعد العشرة، وتصوم العشر (¬3) من رمضان، وتقضي سبعًا (¬4)، وهذا احتياط للعبادة؛ لأن أقل الحيض عنده ثلاثة، وللعدد لأن أكثرها عشرة. قال ابن (¬5) عبد البر: وقد احتج الطحاوي لمذهب الكوفيين بحديث أم سلمة إذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة التي كانت تهراق الدم (¬6)، فقال: "لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهنّ من الشهر"، قال: فأجابها بذكر عدد الأيام والليالي من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك. قال: وأكثر ما يتناوله أيام عشرة، وأقله ثلاثة. وقال أحمد (¬7) بن المعذِّل: الذي كان عليه الجملة (¬8) من العلماء في القديم أنّ الحيض يكون خمس عشرة ليلة لا يجاوز ذلك وما جاوزه فهو استحاضة، على هذا كان قول أهل المدينة القديم وأهل الكوفة حتى رجع عنه أبو حنيفة لحديث بلغه عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك: أنه قال في المستحاضة تنتظر عشرًا لا تجاوزها؛ فقال أبو حنيفة: لم أزل أرى أن يكون أقل الطهر أكثر من أكثر الحيض، وكنت أكره خلافهم -يعني فقهاء الكوفة-، حتى سمعت هذا الحديث ¬

_ (¬1) انظر التمهيد (16/ 85). (¬2) في التمهيد العشر. (¬3) في التمهيد العشرين بدل العشر. (¬4) عند هذا ينتهي كلام أبي يوسف رحمه الله. (¬5) التمهيد (16/ 81). (¬6) في التمهيد الدماء بدل الدم. (¬7) انظر التمهيد (16/ 80). (¬8) في التمهيد الجلة بدل الجملة.

عن أنس، فأنا آخذ به. قلت: الجلد (¬1) بن أيوب ضعيف عندهم، ضعفه ابن عيينة وابن المبارك وغيرهما. وذكر أبو عمر (¬2) عن يحيى بن أكثم: أن أقل الطهر تسعة عشر، واحتج بأن الله تعالى جعل عدل كل طهر وحيضة شهرًا، والحيض في العادة أقل من الطهر، فلم يجز أن يكون الحيض خمسة عشر يومًا، ووجب أن يكون عشرة حيضًا وباقي الشهر طهرًا وهو تسعة عشر؛ لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين. وهذا الكلام وإن سلمت مقدماته من الاعتراض، فليس يقتضي تعيين العشرة للحيض ولا باقي الشهر للطهر؛ لأن الأقل قد يأتي أكثر من ذلك، والأكثر قد يأتي أقل من ذلك، وهو بتعليل ما ذكره أبو (¬3) محمَّد، عن سعيد بن جبير: أن أكثر الحيض عنده ثلاثة عشر يومًا أنسب. وقال البخاري (¬4): قال عطاء: الحيض يوم إلى خمسة (¬5) عشر. وأما مذهب الشافعي -رحمه الله تعالى-: فقال الغزالي: أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا، وأقل الطهر خمسة ¬

_ (¬1) انظر في ترجمته: الجرح والتعديل (2/ 548 - 549) برقم 2278 وقبله التاريخ الكبير للبخاري (2/ 257) برقم 2382 والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (1/ 173) برقم 682 وكذا التمهيد (16/ 81 - 82) والمحلى لابن حزم (2/ 197). وحديثه هذا عند الدارقطني (1/ 209) نحوه. (¬2) التمهيد (16/ 73). (¬3) المحلى (2/ 198). (¬4) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 122) باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض. قلت: وأثر عطاء هذا الذي ذكره البخاري معلقًا وصله الدارمي في سننه (1/ 231) برقم 842 و 845 والدارقطني في سننه (1/ 208) برقم 15. (¬5) كذا في الأصل وصوابه خمس عشرة.

عشر يومًا، وأكثره لا حدَّ له، وأغلب الحيض ست أو سبع، وأغلب الطهر بقية الشهر، ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم بالاستقراء، فلو وجدنا امرأة تحيض أقل من ذلك على الاطراد ففي اتباع ذلك خلاف لأن بحث الأولين أوفى. وقال الرافعي (¬1): نص الشافعي في "المختصر" (¬2) على أن أقل الحيض يوم وليلة، وقال فيه في العدة: وأول (¬3) ما علمناه من الحيض يوم، وذكر اختلاف طرق الأصحاب في ذلك، وأن منهم من قطع بأنه يوم وليلة، وقال: حيث قال: يوم أراد بليلته، والعرب كثيرًا ما تفعل ذلك، ومنهم من قال بأنه يوم، قال: وحيث قال: أقله يوم وليلة، إنما قال ذلك لأنه لم يجد في النساء من تحيض أقل من ذلك، فلما وجد وعرف رجع إليه. أما قوله: حيث قال: يوم أراد بليلته والعرب كثيرًا ما تفعل ذلك، ففيه نظر، لأن ذلك معروف عنهم في الأيام إذا أطلقت بصيغة الجمع أن تكون بلياليها، وأما اليوم المفرد فقد يُمنع ذلك فيه. وكمذهب الشافعي في أقل الحيض وأكثره مذهب أحمد (¬4) بن حنبل وإسحاق (¬5) بن راهويه ومحمد (¬6) بن جرير الطبري. أما أبو (¬7) محمَّد بن حزم فيذهب إلى أن أكثر الحيض سبعة عشر يومًا. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 411 المطبوع بهامش المجموع). (¬2) وانظر الحاوي الكبير (1/ 389). (¬3) كذا والصواب وأقل وهو كذلك عند الرافعي. (¬4) انظر: المغني (1/ 352) برقم 447 والإنصاف (1/ 256). (¬5) انظر: التمهيد (16/ 73). (¬6) انظر: التمهيد (16/ 86). (¬7) انظر المحلى (2/ 191).

قال (¬1): وقد روي عن عبد الرحمن بن مهدي أن الثقة أخبره أن امرأةً كانت تحيض سبعة عشر يومًا. قال (¬2): ورويناه عن أحمد بن حنبل قال: أكثر ما سمعناه (¬3) سبعة عشر يومًا. وعن نساء آل الماجشون أنهن كنّ يحضن سبعة عشر يومًا. وقال ابن نافع: أكثره ثمانية عشر يومًا. وروى الدارقطني (¬4) من حديث أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون الحيض للجارية والثيب التي قد يئست من المحيض أقل من ثلاثة أيام، ولا يكون أكثر من عشرة أيام، وإذا رأت الدم فوق عشرة أيام فهي مستحاضة، فما زاد على أيام إقرائها قضت، ودم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة، ودم المستحاضة أصفر رقيق، فإن غلبها فلتحتشِ كرسفًا، فإن غلبها فتغلبها (¬5) بأخرى، فإن غلبها في الصلاة فلا تقطع الصلاة، وإن قطر، ويأتيها زوجها وتصوم". في إسناده عبد الملك عن العلاء بن كثير، قال الدارقطني: عبد الملك مجهول، والعلاء ضعيف الحديث (¬6). وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقل الحيض ثلاثة أيام، ¬

_ (¬1) انظر المحلى (2/ 199). (¬2) أي ابن حزم كما في المصدر السابق. (¬3) في المحلى سمعنا بدل سمعناه. (¬4) "السنن" (1/ 218). (¬5) كذا في نسخة السندي، وفي نسخة ابن العجمي: فتعليها، وفي المطبوع من "السنن": فلتعليها. (¬6) الذي في "السنن": عبد الملك والعلاء ضعيفان، ومكحول لا يثبت سماعه. ثم قال بعد ذكره الإسناد من طريق أخرى عن عبد الملك ما ذكره وقال: مكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئًا.

وأكثره عشرة أيام". رواه الدارقطني (¬1) من حديث محمَّد بن أحمد بن أنس عن حماد بن منهال. قال: وحماد مجهول، ومحمد بن أحمد ضعيف. وأما أقل الطهر: فالمحكي عن أحمد (2) وإسحاق (¬2): لا تحديد في ذلك وأنكرا على من وقت في ذلك خمسة عشر يومًا، وقالا: باطل. وذكر أبو (¬3) محمَّد: أن ذلك مذهب علي بن أبي طالب وابن عباس، وقال: لا يصح عن أحد من الصحابة خلاف قولهما في ذلك. وقال سفيان الثوري (¬4): أقل ما بين الحيضتين من الطهر خمسة عشر يومًا. وذكر أبو ثور: أن ذلك لا يختلفون فيه، وحكاه عن الشافعي وأبي حنيفة (2)، وأما أكثره فلا حدّ له. قال أبو عمر (¬5): وأما اختلاف الفقهاء في أقل النفاس وأكثره فلا أعلمهم يختلفون -أعني فقهاء الحجاز والعراق- أن النفساء إذا رأت الطهر ولو بعد ساعة أنها تغتسل، واختلفوا في أكثر مدته؛ فقال مالك وعبيد الله بن الحسن والشافعي: أكثره ستون يومًا، ثم رجع مالك، فقال: يسأل النساء عن ذلك وأهل المعرفة. وذكر (¬6) الليث أن من الناس من يقول: سبعين يومًا. ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 219). (¬2) انظر: التمهيد (16/ 73). (¬3) انظر المحلى (2/ 203). (¬4) انظر: التمهيد (16/ 74). (¬5) انظر: التمهيد (16/ 74). (¬6) في التمهيد فذكر.

وقال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي: أكثره أربعون يومًا. قال (¬1): ولا يختلفون أن ما زاد عندهم على أكثر مدة الحيض وأكثر مدة النفاس فهو استحاضة (¬2). وإذ تبين ذلك فلنذكر أحوال المستحاضات وأحكامهن إذ هو الغرض المقصود من هذا الباب: قال بعض الفقهاء (¬3): والمستحاضات أربع سوى المتحيرة؛ لأن التي جاوز دمها أكثر الحيض إما أن تكون: • مبتدأة: وهي التي لم يسبق لها حيض وطهر. • أو معتادة: وهي التي سبق لها. وعلى التقديرين فإما: أن تكون مميزة أو لا تكون. فالأصناف إذًا أربعة: مبتدأة مميزة، مبتدأة غير مميزة، معتادة مميزة، معتادة غير مميزة. فأما المبتدأة المميزة: وهي التي ترى الدم على نوعين: أحدهما أقوى، أو على ثلاثة أنواع: أحدها أقوى، فترد إلى التمييز، تكون حائضًا في أيام القوي مستحاضة في أيام الضعيف عند مالك والشافعي وداود اعتبار اللون، وأخذًا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش من طريق ابن أبي عدي: أنّ دم الحيض أسود يعرف، وسيأتي بهذا اللفظ في الباب بعد هذا. وخالفهم أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- فقال: ترد إلى أكثر الحيض، وهو عنده عشرة أيام اعتبارًا بالأيام، ولم يُراعِ تلوُّن الدم أخذًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ¬

_ (¬1) أي ابن عبد البر. (¬2) انظر: التمهيد (16/ 74). (¬3) لعل المقصود به الرافعي كما في فتح العزيز (2/ 446).

فاطمة بنت أبي جُبيش: "ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلّي"، فقدر بالأيام لا بتلون الدم. وقد تقدم من طريق البخاري وبقوله - عليه السلام - لابنة جحش: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك"، وقد تقدم من طريق مسلم وتلك إحالة على الأيام. الثانية: المبتدأة غير المميزة: والذي صححه القاضي أبو بكر الأبهري عن مذهب مالك جلوسها خمسة عشر يومًا، ثم يحكم لها بالاستحاضة أبدًا ما بقيت ودمها يجري. وقال الرافعي (¬1): ينظر في حالها؛ إن لم تعرف وقت ابتداء الدم فحكمها حكم المتحيرة، وإن عرفت ففي القدر الذي تحيض فيه قولان (¬2): أصحهما: يوم ليلة؛ لأن سقوط الصلاة عنها في هذا القدر مستقر (¬3). والثاني: يرد (¬4) إلى عادات (¬5) غالب النساء وهو ست أو سبع؛ لأن الظاهر اندراجها في جملة الغالب. وذكر حديث حمنة بنت جحش وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -؛: "تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي". وإلى هذا الثاني ذهب أحمد (¬6) بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو (¬7) عبيد. ¬

_ (¬1) انظر فتح العزيز (2/ 458). (¬2) عبارة الرافعي كما في فتح العزيز: فيه قولان أصحهما أنها تحيض أقل الحيض وهو يوم وليلة، فنقل المصنف بتصرف. (¬3) في فتح العزيز مستيقن بدل مستقر وهو الصواب. (¬4) في فتح العزيز ترد بدل يرد. (¬5) في فتح العزيز غالب عادات. (¬6) انظر: المغني (1/ 407 - 408). (¬7) هذا ابتداء ما نقله الرافعي عن بعض فقهاء الشافعية كما في فتح العزيز (2/ 458).

ومنشأ الخلاف تردد الشافعي في أن حمنة هل كانت معتادة أو مبتدأة؛ إن قلنا: كانت معتادة رددنا المبتدأة إلى الأقل أخذًا باليقين، ومن قال بهذا قال: لعله عرف من عادتها أنها أحد العددين الغالبين الست أو السبع، لكن لم يعرف عينه، فلذلك قال: "تحيضي ستًّا أو سبعًا". وإن قلنا: كانت مبتدأة رددنا المبتدأة إلى الغالب، وقوله: "في علم الله": أي فيما علم الله من عادتك إن كانت معتادة، ومن غالب عادات النساء إن كانت مبتدأة. فإن فرعنا على القول الثاني: فهل الرد إلى الست أو السبع على سبيل التخيير بينهما أم لا فيه وجهان: • أحدهما: أنه على التخيير لظاهر الخبر فتتحيض إن شاءت ستًّا وإن شاءت سبعًا، ويحكى هذا عن ابن سريج وأبي إسحاق المروزي، وزعم الحناطي أنه أصح الوجهين. • والثاني: وهو الصحيح عند الجمهور، أنه ليس على التخيير، ولكن ينظر في عادات النساء أهن يحضن ستًّا أو سبعًا فتنحوهن (¬1) كيف ما بن من ذلك، ومَن النسوة المنظور إليهن؟ فيه ثلاثة أوجه: أظهرها: أن الاعتبار بنسوة عشيرتها من الأبوين جميعًا؛ لأن طبائعها (¬2) إلى طبائعهن أقرب، فإن لم يكن لها عشيرة فالاعتبار بنساء بلدها (¬3) وناحيتها, ولا تحيض بنساء العصبة ولا نساء العشيرة. ¬

_ (¬1) هذه العبارة وهي قوله: فتنحوهن كيف ما بن من ذلك ليست في فتح العزيز ولعلها زيادة توضيح من الشارح رحمه الله. (¬2) في فتح العزيز لأن طبعها. (¬3) ثم قال الرافعي والثاني أن الاعتبار بنساء العصبات خاصة والثالث يعتبر نساء بلدها وناحيتها ولا تخصص بنساء العصبة ولا نساء العشيرة.

وحكى أبو (¬1) محمَّد عن الأوزاعي: تجعل لنفسها مقدار حيض أمها وخالتها وعمتها، وتكون فيما زاد في حكم المستحاضة، فإن لم تعرف جعلت حيضتها سبعة أيام من كل شهر، وتكون في باقي الشهر مستحاضة. وقال سفيان الثوري (¬2). تجعل لنفسها قدر حيض نسائها. وقال أبو حنيفة: تحيض (¬3) عشرة أيام من كل شهر، ثم تكون باقيه مستحاضة. وقال أبو محمَّد (¬4): فإن رأت الجارية الدم أول ما تراه أسود فهو دم حيض، فإن تلوّن (¬5) وانقطع إلى سبع (¬6) عشرة ليلة فأقل فهو طهر صحيح تغتسل وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها، وإن تمادى أسود تمادت على أنها حائض إلى سبع عشرة ليلة، فإن تمادى بعد ذلك أسود فإنَّها تغتسل ثم تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، وهي طاهر أبدًا لا ترجع إلى حكم الحائض إلا أن ينقطع أو يتلون كما ذكرنا (¬7). وهذا نحو مما حكيناه عن الأبهري من مذهب مالك؛ لأن البناء هنا على أكثر الحيض عند كل منهما، وقد كان ينبغي لأبي محمَّد أن يحيّض هذه ستة أيام أو سبعة أيام أخذًا بحديث حمنة بنت جحش، غير أنه معلول عنده بما ليس بعلة في ¬

_ (¬1) انظر المحلى (2/ 210). (¬2) في المحلى زيادة وعطاء. (¬3) في المحلى تقعد بدل تحيض وعبارته فيه: "تقعد عشرة أيام من كل شهر حائضًا وباقي الشهر مستحاضة تصلي وتصوم". (¬4) المحلى (2/ 207 - 208). (¬5) في المحلى: أو بدل الواو، وكذلك هو في نسخة السندي وابن العجمي. (¬6) في المحلى: سبعة عشر يومًا، وكذلك هو في نسخة ابن العجمي. (¬7) المحلى (2/ 207 - 208).

نفس الأمر، وسيأتي الكلام عليه، وذكر ما أعلّه به أبو محمَّد، والجواب عنه في بابه. وأما احتياطه في ذلك للصلاة المأمور بها الثابتة في الذمة بيقين فمعارض بأن الحائض منتهية عن الصلاة في حال حيضها بيقين، فليس لنا أن نأمرها بإتيان منهي عنه، إلا عن يقين من انتفاء الموانع. وأما تجويزه أن تكون ضهياء (¬1) وهي التي لا تحيض فمعارض بأن تكون ممن تحيض ولون دم حيضها واستحاضتها واحدًا. الثالثة: المعتادة المميزة. قال ابن شاس: المذهب -يعني مذهب مالك- أنها تعتبر التمييز لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، ولأن العادة قد تختلف، والتمييز لا يختلف، ولأن النظر إلى اللون اجتهاد والنظر إلى العادة تقليد؛ والاجتهاد أولى من التقليد. وقال الغزالي: المعتادة المميزة إن رأت السواد مطابقًا لأيام العادة فهو المراد، وإن أخلفت فإن كانت عادتها خمسة فرأت عشرًا سوادًا ففي وجه الحكم للعادة، وفي وجه الحكم للتمييز، فتُحيّض في عشرة السواد، وفي وجه يجمع بينهما إلا أن يزيد المجموع على خمسة عشر، فتعيّن الاقتصار على العادة أو على التمييز. الرابعة: المعتادة من غير تمييز، فللمالكيين فيها ثلاثة أقوال: قول بأنها تقتصر على عادتها كما ذهب إليه الشافعي، وتثبت العادة عندهم بمرة، وهذا القول محكي عن المغيرة وأبي مصعب من أصحاب مالك. ¬

_ (¬1) قال الخليل في كتاب العين: "والضهياء من النساء التي لم تحض قط. وقد ضَهِيَتْ تَضْهَى ضَهَى". انظر العين (4/ 70) مادة ضهي.

وذكر إسماعيل (¬1) بن إسحاق القاضي قال: نا أبو مصعب قال: سمعت المغيرة بن عبد الرحمن -وكان من أعلى أصحاب مالك- يقول: قولنا في المستحاضة إذا استمر بها الدم بعد انقضاء أيام حيضتها ولا تدري هل ذلك انتقال دم حيضتها إلى أيام أكثر من ذلك أو ذلك دم استحاضة، فنأمرها أن تغتسل إذا مضت أيام حيضتها وتصلي وتصوم ولا يغشاها زوجها احتياطًا، حتى ننظر إلى ما يصير إليه حالها بعد ذلك؛ فإن كانت حيضة انتقلت من أيام إلى أكثر منها عملت فيما يستقبل على الأيام التي انتقلت إليها, ولم يضرها ما كانت احتاطت له من الصلاة والصيام، وإن كان ذلك الدم الذي استمر بها استحاضة كانت قد احتاطت للصلاة والصيام. قال أبو مصعب: وهذا قولنا وبه نفتي (¬2). فرَّق في هذا القول: بين الصلاة والصيام في حق المستحاضة وبين الجماع، وسيأتي ما للناس في ذلك من خلاف. القول الثاني: أنها تبلغ خمسة عشر يومًا، قاله مطرف. القول الثالث: القول بالاستظهار على العادة؟ لكن اختلف القائلون به، هل تتجاوز به الخمسة عشر يومًا أم لا؟ فالمشهور أنه لا تتجاوز، وفي كتاب محمَّد: أنها تستظهر على الخمسة عشر يومًا أو يومين، وقال ابن نافع في كتاب سحنون أنها تستظهر عليها بثلاثة أيام وأنكره سحنون. ¬

_ (¬1) انظر التمهيد (16/ 69). (¬2) التمهيد (16/ 69).

قال أبو عمر (¬1): وحكى عبد (¬2) الرزاق عن معمر قال: تستظهر يومًا واحدًا على عادتها (¬3)، ثم هي مستحاضة، وذكر مثله عن ابن جريج، عن عطاء وعمرو بن دينار (¬4). قال: واحتجّ بعض أصحابنا في الاستظهار بحديث رواه حرام بن عثمان عن ابني (¬5) جابر، عن جابر، عن النبي - عليه السلام -، ولا يصح، وحرام (¬6) بن عثمان ضعيف متروك. وقولنا فيما حكيناه عن الأصحاب تثبت العادة بمرّة. قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله-: ولو كانت تحيض خمسًا وتطهر خمسًا وعشرين فجاءها دور فحاضت ستًّا ثم استحيضت بعد ذلك في الشهر الآخر رددناها إلى الست؛ لأن الصحيح ثبوت العادة بمرة واحدة. وأما المتحيرة فلها ثلاثة أحوال: أما أن تكون ناسية لعدد الحيض ووقته جميعًا، أو للعدد دون الوقت أو العكس. فأمّا الأول: قال الرافعي (¬7): والنسيان المطلق قد يعرض لغفلة وعلة عارضة، ¬

_ (¬1) التمهيد (16/ 82). (¬2) انظر المصنف (1/ 300) ح 1154. (¬3) في المصنف حيضتها بدل عادتها وهو كذلك في التمهيد. (¬4) انظر المصنف (1/ 301) برقم 1156 و 1157. (¬5) في التمهيد أبي بدل ابني والصواب الثاني كما في التاريخ الكبير (3/ 101). (¬6) انظر ترجمته في التاريخ الكبير (3/ 101) والجرح والتعديل (3/ 282). (¬7) فتح العزيز (2/ 491 - 492).

وقد تكون (¬1) مجنونة صغيرة، وتستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق وهي مستحاضة، فلا تعرف كما (¬2) سبق شيئًا. وفي حكمها في هذه الحالة قولان أحدهما أنها مردودة إلى المبتدأة لأن العادة المنسية لا يمكن استفادة الحكم منها فيكون كالمعدوم (¬3). الثاني: وهو أصحّهما أنها مأمورة بالاحتياط غير مردودة إلى المبتدأة؛ إذ ما من زمانٍ مرّ (¬4) عليها إلا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع، فبحث الأخذ بالاختيار (¬5)، وقد نقل أنّ سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة (¬6). فحملها حاملون على أنها كانت ناسية فأمرها به احتياطًا. الحالة الثانية: حالة الناسية لقدر الحيض دون وقته كما لو حفظت أن ابتداء الدم كان أول شهر، فيوم وليلة من أول كل شهر حيض بيقين، وبعده يحتمل الانقطاع إلى انقضاء الخامس عشر، فتغتسل لكل صلاة، وتعده إلى آخر الشهر طهر بيقين، فتتوضأ لكل صلاة، فلو حفظت أن الدم كان ينقطع عند آخر كل شهر، فأول الشهر إلى المنتصف طهر بيقين، ثم بعده يتعارض الاحتمال، ولا يحتمل الانقطاع، لأن في آخره حيضًا بيقين، فتتوضأ وتصلي إلى انقضاء التاسع والعشرين، واليوم الأخير بليلته حيض بيقين. الحالة الثالثة: حالة الناسية لوقته دون قدره. ¬

_ (¬1) في فتح العزيز وقد تجن صغيرة. (¬2) في فتح العزيز مما بدل كما وهو الذي يقتضيه السياق. (¬3) في فتح العزيز فتكون كالمعدومة. (¬4) في فتح العزيز يمر. (¬5) كذا وصوابه الاحتياط كما في فتح العزيز. (¬6) حديث سهلة رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 207) برقم 295 باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا. وقال الحافظ ابن حجر كما في التلخيص (1/ 181) وقد قيل إن ابن إسحاق وهم فيه.

قال الغزالي: إذا كانت أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر بيقين، وجمع العشرين من أول الشهر تحتمل الحيض والطهر، نعم لا يحتمل الانقطاع في العشر الأول، فتتوضأ لكل صلاة، ويحتمل في الشر الثاني، فتغتسل لكل صلاة، ولو قالت: أضللت خمسة عشر في عشرين من أول الشهر، فالخمسة الثانية والثالثة من أول الشهر حيض بيقين لأنها تندرج تحت تقدير التقديم والتأخير. قال الرافعي: الحافظة لقدر الحيض إنما تخرج عن التحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداؤه، وهو ظاهر. قال: كما لو قالت: كان حيضي خمسة أضللته في دوري، ولا أعرف سوى ذلك، فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل زمان. وإذ قد ذكرنا أحوال المستحاضات فلنذكر ما الذي يباح لهن بالانتقال عن الحيض إلى الاستحاضة ممّا منعهن منه الحيض، وما عليهنّ من غسل أو وضوء، وما حكم المستحاضة إذا انقطع عنها دم الاستحاضة هل عليها غسل لانقطاعه أم لا، وما عن السلف في ذلك من خلاف. فأما ما يباح لهنّ فإن ابن سيرين (¬1) روى عن ابن عباس في المستحاضة قال: إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل ولتصل. ¬

_ (¬1) المصنف لابن أبي شيبة (1/ 128) وهو من في سنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 197 - 198) باب من قال إذا أدبرت الحيضة تدع الصلاة وانظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 340) وقد أخرجه من طريق أبي داود.

وقال مكحول (¬1): إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل وتصلي. وعن سعيد (¬2) بن المسيب: إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلّت، وروي عنه: تجلس أيام أقرائها. وروى يونس (¬3) عن الحسن قال: الحائض إذا مرّ بها الدم تمسك بعد حيضها يومًا أو يومين وهي مستحاضة. وقال التيمي (¬4) عن قتادة: إذا زادت على حيضها خمسة أيام فلتصل. قال التيمي (¬5): فجعلت أنقص حتى إذا بلغت يومين، فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها. وسئل ابن (¬6) سيرين فقال: النساء أعلم. قال أبو عمر (¬7): ودم الاستحاضة لا يمنع من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء واتفاق من الآثار المرفوعة، وأما وطء الزوج أو السيد للمرأة التي هذه حالها، فذكر المنع من إبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والحكم وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري، ولم يختلف فيه عن الحسن (¬8). ¬

_ (¬1) انظر سنن أبي داود (1/ 198). (¬2) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 330) وكذا سنن أبي داود (1/ 198). (¬3) سنن أبي داود (1/ 198). (¬4) سنن أبي داود (1/ 198). (¬5) المصدر السابق. (¬6) سنن أبي داود (1/ 199). (¬7) انظر التمهيد (16/ 71) والاستذكار (3/ 248). (¬8) انظر التمهيد (16/ 69 - 71) والاستذكار (3/ 247) ونقل فيه الاختلاف على الحسن فيه لا كما توهمه عبارة المصنف وانظر التمهيد (16/ 68).

وروي عن عائشة في المستحاضة أنه لا يأتيها زوجها، وبه قال ابن عليّة (¬1). وذكر عبد (¬2) الرزاق، عن الثوري، عن منصور قال: تصوم ولا يأتيها زوجها ولا تمسّ المصحف. وعن معمر، عن أيوب، قال: سئل سليمان بن يسار: أيصيب المستحاضة زوجها؟ قال: إنما سمعنا بالرخصة لها في الصلاة (¬3). قال معمر: وسألت الزهريّ: أيصيب المستحاضة زوجها؟ قال: إنما سمعنا بالصلاة. وقد تقدّم فيما حكيناه عن المغيرة وأبي مصعب: تصلي وتصوم ولا يغشاها زوجها. وأما غسل المستحاضة ووضوءها فإن أبا (¬4) عمر قال: أجمعوا على أن عليها إذا كانت ممّن تميَّز دم حيضها من دم استحاضتها أن تغتسل عند إدبار حيضها، وكذلك إذا لم تعرف ذلك، وفقدت ما أمرت به من عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر اغتسلت عند انقضاء ذلك، ثم اختلفوا فيما عليها بعد ذلك من غسل أو وضوء فذهبت طائفة إلى أنّها تغتسل لكلّ صلاة، وحكِيَ ذلك عن أم حبيبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وذكره الحافظ أبو (¬5) محمَّد عن سعيد بن المسيب. ¬

_ (¬1) انظر الاستذكار (3/ 246). (¬2) المصنف (1/ 311) برقم 1193. (¬3) المصنف (1/ 311) برقم 1191. (¬4) التمهيد (16/ 97 - 98) و (16/ 67) و (16/ 76). (¬5) المحلى (2/ 214).

وقال آخرون: يجب عليها أن تغتسل للظهر والعصر غُسلا واحدًا تصلي به الظهر في آخر وقته، والعصر في أول وقتها، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدًا، وسيأتي الأحاديث في ذلك في بابه بعد هذا وتمسك هؤلاء بحديث سهلة بنت سهيل أيضًا، وسنذكره بسنده وفيه كان يأمرنا بالغسل لكي صلاة، فلما جهدها ذلك أمر أن يجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد ... الحديث. فرأوا أن الناسخ من الحكم في ذلك الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كما سبق، فصار القول بهذا أولى من القول بإيجاب الغسل لكل صلاة. ورُويَ ذلك عن علي وابن عباس وإبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد وعطاء بن أبي رباحَ (¬1). وقال آخرون: تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت، رواه معقل (¬2) الخثعمي عن علي، قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم مرة. وقال آخرون: تغتسل من ظهر إلى ظهر، روي ذلك عن ابن عمر (¬3) وأنس (3) ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) انظر سنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 212 - 213) برقم 302 باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر. (¬3) سنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 211) باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر. قلت: وأشار محمَّد عوامة في تحقيقه للسنن إلى أن في بعض النسخ: "طهر إلى طهر" (1/ 299). ونقل أبو داود كلام الإِمام مالك حيث قال كما في السنن (1/ 212): قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب: "من ظهر إلى ظهر" إنما هو "من طُهر إلى طهر" ولكن الوهم دخل فيه فقلبها الناس فقالوا: "من ظهر إلى ظهر". وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك، وما أشبهه بما ظنه من ذلك لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر وهو وقت انقطاع دم الحيض. انظر: معالم السنن (1/ 193).

ابن مالك، وهي رواية عن عائشة، وروي أيضًا عن سعيد (¬1) بن المسيب، وهو قول سالم (1) وعطاء (1) والحسن (1). وروينا عن الدارمي (¬2) قال: وهو قول إلَّا وزاعي. وقال آخرون: لا تتوضأ إلا عند الحدث، وهو قول عكرمة ومالك، إلا أن مالكًا يستحب لها الوضوء عند كل صلاة (¬3). وقال آخرون: تدع المستحاضة الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والأ وزاعي والليث والشافعي، وعامة فقهاء الأمصار، إلا أن مالكًا يستحبّ للمستحاضة الوضوء لكل صلاة كما يوجبه على صاحب سلس البول، غير أن أبا حنيفة قال: إذا توضأت من الوقت لصلاتها لا يمكنها أن تصلي تلك الصلاة بذلك الوضوء لأن دخول وقت كل صلاة يكون بخروج التي قبلها، وخروج الوقت مبطل إلا صلاة الظهر فإنها إذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس لها أن تصلي الظهر نظرًا إلى أن الوضوء لوقت الصلاة وغيره يراه للصلاة. وقد يحتج له بقوله - عليه السلام - في حديث ابنة أبي حبيش: "توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"، فغيّا بالوقت، فكأنه يرى أن وضوءها للصلاة قبل وقتها وضوء للصلاة التي لم ينفصل وقتها بعد، ولما كان بين الصبح والظهر مسافة خرج فيها وقت الصبح، ولم يدخل وقت الظهر، كان الوضوء بعد انفصال وقت الصبح ليس لها، فسلم للظهر، فليس المعتبر على هذا دخول وقت الصلاة، وأن لا يكون وضوء للصلاة قبل وقتها، كما ذهب إليه بعضهم في مطلق ¬

_ (¬1) انظر السنن (1/ 211 - 212). (¬2) انظر السنن (1/ 227) برقم 815. (¬3) انظر التمهيد (16/ 94).

الوضوء لكل صلاة، وإنما المعتبر أن لا يكون الوضوء لصلاة في وقت غيرها، فليتأمل. هذا قول أبي (¬1) عمر عن مذهب الإِمام أبي حنيفة، وسنذكر من مذهبه ما يأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقد قال عكرمة (¬2) وأيوب وغيرهما: سواء دم الاستحاضة أو دم جرح، لا يوجب شيء من ذلك وضوءًا. وممن قال بذلك ربيعة. قال القرطبي (¬3): واختلف في المستحاضة هل عليها غسل إذا انقطع دمها، واختلف فيه قول مالك. قال (¬4): وقوله - عليه السلام -: "إنما ذلك عرق"؛ دليل على العراقيين في أن الدم السائل من الجسد لا ينقض الوضوء، فإنه قال بعد هذا: "فاغسلي عنك الدم وصلّي"؛ وهذا أصح من رواية من روى: "فتوضئي وصلي" باتفاق أهل الصحيح، وهو قول عامة الفقهاء، وقد بقي عليه أن يقول: وجه لمالك على الشافعي وغيره في عدم إيجاري الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، ولا يصلح الحديث أن يكون حجة على العراقيين ولا على الشافعي، ومن قال بقوله في الوضوء لما سنذكره. قال أبو عمر (¬5): وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكلّ صلاة وفي ¬

_ (¬1) انظر الاستذكار (3/ 226) وكذا التمهيد (16/ 70). (¬2) انظر الاستذكار (3/ 225 - 226). (¬3) المفهم (1/ 594). (¬4) أي القرطبي كما في الفهم (1/ 590 - 591). (¬5) التمهيد (16/ 99).

الجمع بين الصلاتين بغسل واحد وفي (¬1) الوضوء لكل صلاة على المستحاضة فكلها مضطرب (¬2) لا يجب بمثلها حجة. قلت: دعوى الاضطراب في هذه الأحاديث تحوجنا إلى ذكر قاعدة توضح لنا المضطرب من الحديث من غيره سوى ما تقدم، وبذلك يتبيّن هل هي مضطربة كما زعم أم لا؟ فنقول: الحديث الواحد المتحد المخرج إما أن تتفق ألفاظ رواته أو تختلف، فإن اتفقت فالمعنى واحد بيقين، فلا كلام فيه لاتحاد اللفظ والمعنى، وإن اختلفت فإما أن يتحد المعنى أو لا، فإن اتحد المعنى حملنا الأمر في ذلك على أن بعض الرواة وقف عند اللفظ، وبعضهم حدّث بالمعنى ولم يعتبر اللفظ، وكلّهم روى بالمعنى واللفظ غير ما جاءوا به، والأمر في ذلك كله واسع عند الجمهور، وإن اختلف المعنى، فإما أن يكون المخالف أتى بأمر زائد على ما أتى به غيره، أو مباين له من غير زيادة، فإن أتى بأمر زائد فلا تنافي، ثم هذه الزيادة هل تقبل الوصف بالصحة والضعف والحسن بحسب حال رواتها أو يسقط منها قسم الحسن ويكون ملحقا بالضعف، فلا يقبل إلا عن معروف الثقة فيه نظر، وليس الثاني ببعيد؛ لأن المتفرد عن الموثوق بحفظهم وثقتهم بين الرواة يحتاج إلى مزيد من الثقة عما يحتاج إليه الراوي حيث لا خلف ولا انفراد. وأقرب من هذا أن يعتبر حاله بحال من انفرد عنه من رواة هذا الخبر فيقبل حيث ساواه في العدالة والستر أو الضعف فتجري فيه على ذلك الأحوال الثلاثة، ولا فرق في هذه الزيادة اللفظية بين أن يقتضي إثبات معنىً لم يكن في الأول ¬

_ (¬1) في التمهيد والوضوء بدل وفي الوضوء وهو الأنسب لسياق الكلام، والله أعلم. (¬2) في التمهيد مضطربة لا تجب بمثلها حجة.

كاقتضائها إنشاء حكم لم يكن فيه أو إسقاط بعض ما تضمنه اللفظ أول من حيث المعنى بأن يكون مخصصة لعمومه أو مقيدة لإطلاقه أو ما أشبه ذلك، فلسنا نعتدّها إلا زيادة وإن تضمنت نقصًا للوقوف في ذلك عند اللفظ. وإن أتى الاختلاف بلفظ مباين لغيره من الرواة من غير زيادة فإما أن تستوي أحوال الرواة عند هذا الاختلاف أو تتفاوت، فإن تفاوتت فالترجيح، وله وجوه، وإن تعذر تساوي الترجيح فالحديث حينئذٍ مضطرب لا يقوم له حجة. هذا إذا تبين أو غلب على الظنّ أن الواقعة التي ورد فيها ذلك الحكم واحدة، وإن لم يظهر ذلك، ولا مانع من أن يجعلهما واقعتين تفاوتا، واختلف الجواب عن حكمهما، وكان السائل عنهما واحدًا، أو كان الخبر بحكمهما عند واحد، ثم نقل الرواة عنه أو عمّن نقل عنه الحكمين مختلفين، فأوقع ذلك في النفس أنه اختلاف في واقعة واحدة وليس كذلك، وقد نحتاج إلى النظر في مدلول الألفاظ، وما تقتضيه من الجمع والتفريق. إذا تبيّن ذلك فنقول: أما أحاديث الوضوء فإن كان كلام أبي (¬1) عمر وأبي العباس (¬2) يقتضي ردًّا، وقد اختلف مأخذهما؛ فأبو عمر عللها بالاضطراب، وأبو العباس يدعي الترجيح، ويأخذ على زعمه بالراجح، ومما حكاه أبو العباس (¬3) عن النسائي (¬4) أنه قال: ولا نعلم أحدًا قال في حديث هشام: "وتوضئي". غير حماد (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) كما في التمهيد (16/ 99). (¬2) المفهم (1/ 591 - 594). (¬3) المفهم (1/ 594). (¬4) وهو في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 217 باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة. (¬5) وتتمة عبارة النسائي في سننه (1/ 134): "وقد روى غير واحد عن هشام ولم يذكر فيه: وتوضئي".

وليس الحديث في ذلك مضطربًا ولا مختلفًا اختلافًا يحتاج معه إلى الترجيح، وإنما ذكر الوضوء فيه عند من ذكره زيادة فيه على من لم يذكره فقط، فينظر إن جاءت عن ثقة ثبت ولا تعارض. وقول أبي (¬1) العباس عن النسائي: لم يأت بهذه الزيادة عن هشام إلا حماد، صحيح عن النسائي وهو حماد بن زيد، ولو سلمنا ذلك في نفس الأمر لكان كافيًا لثقة حماد بن زيد وحفظه لا سيما في هشام بن عروة، فكيف وقد ثبتت هذه الزيادة عن هشام عند أبي معاوية الضرير وعبده ووكيع وأبي حنيفة الفقيه ويحيى بن هاشم ويحيى بن سليم الطائفي وحماد بن سلمة، وليس في هؤلاء مردود غير يحيى (¬2) بن هاشم، أما طريق أبي معاوية وعباس ووكيع فرواها الترمذي (¬3) وصححها ورواتها عنده متفق عليهم في الصحيحين. وأما رواية أبي حنيفة فذكرها أبو (¬4) عمر بطرقها ولم يسندها (¬5) فإن صحّت الطريق إليه فهي جيدة (¬6). ¬

_ (¬1) كما في المفهم (1/ 594). (¬2) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (9/ 195)، الكامل لابن عدي (7/ 251 - 253) برقم 2153 والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 204) برقم 3759 وميزان الاعتدال (6/ 86) ولسانه (6/ 361 - 363) برقم 9295 والضعفاء الكبير (4/ 432). (¬3) انظر الجامع (1/ 217) برقم 125 وقال حسن صحيح. (¬4) انظر التمهيد (22/ 103). (¬5) هذا القول فيه نظر، إذ إن الحافظ ابن عبد البر ذكرها مسندة كما في التمهيد (22/ 103) إلا أن يكون المصنف وقف على هذه الطريق في موطن غير موطننا، والله أعلم. (¬6) في السند أبو حنيفة وغيره من الرواة الذين يحتاج إلى الكشف عن حالهم انظر التمهيد (22/ 103). قلت: وطريق أبي حنيفة هذه ذكرها البيهقي في السنن الكبرى (1/ 344). وقال البيهقي: "والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير". وانظر الإِمام لابن دقيق العيد (3/ 287 - 288) فقد توسع في ذلك.

وأما طريق يحيى بن سُليم وهو ممن خرج له في الصحيحين (¬1)، فقد روينا من طريق السراج ثنا القاسم بن بشر بن معروف، ثنا يحيى بن سليم الطائفي، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المستحاضة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ذلك عرق، لتنظر قدر أقرائها، ثم لتكفّ عن الصلاة، فإذا ذهب أقراؤها فلتغتسل ولتتوضأ لكل صلاة". فلا انفراد ولا تعارض واضطراب، ثم يقال لأبي عمر: لو أخذتم بالاحتياط هنا فأوجبتم الوضوء لكل صلاة، لكان أولى من قولكم بالاستظهار على أكثر مدّة الحيض احتياطًا للعبادة لأمرين: أحدهما: أن دعوى الاحتياط هناك متجاذبة بينكم وبين من يمنع الاستظهار، بل الاحتياط هناك لإتيان الصلاة المأمور بها بيقين راجح على احتياط المحرك حتى يرتفع ما يشك فيه من الدم الخارج هل هو مانع أم لا؟ الثاني: أن الحديث الذي ثبت فيه الأمر بالوضوء من بعض الطرق، ولم يثبت من بعضها ثابت الأصل والزيادة فيه عن حماد (¬2) لو انفرد ثابتة أيضًا لاعترافكم بثقة حماد. والحديث المقتضي للاستظهار من حديث حرام بن عثمان شبه لا شيء لسقوط حرام عندهم. ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب الكمال (31/ 365 - 369) برقم 6841. (¬2) قلت: ولم يتفرد بها حماد كما زعمه النسائي في سننه (1/ 134) برقم 217 وإليه يشير صنيع الإِمام مسلم كما في صحيحه (1/ 262 - 263) برقم 333 حيث قال: وفي حديث حمّاد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره. وهذا التعليل منهما ليس بجيد لأن أبا معاوية تاج حماد بن زيد عليها كما عند الترمذي (1/ 217 و 218).

وأما أحاديث الاغتسال لكل صلاة أو صلاتين وقول أبي عمر إنها مضطربة لا تقوم بها حجة فنقول: المأمورة بذلك من المستحاضات فاطمة بنت أبي حبيش كما جاء في حديث سهيل بن أبي صالح وأم حبيبة بنت جحش كما جاء في خبر الزهريّ من طريق ابن إسحاق، وفي حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وحمنة بنت جحش كما جاء في حديث ابن عقيل، وهذه الأحاديث الثلاثة هي أصول هذا الباب كما تقدم عن أحمد، وما عداها فليس بشيء، وثبت الاغتسال الذي بعض طرقها كما ذكرناه، ولم يثبت في البعض، فمن رأى ذلك فيها اضطرابًا يقتضي الترك وردها به فمن أين يأخذ أحكام هذا الباب؟ لكنّا نقول: ليست مضطربة، ثم لنا في الجواب عن ما وقع من اختلاف هذه الألفاظ طريقان: الأول: أن نقول لعلّ الأمر بذلك الغسل حيث جاء ليس على الوجوب لثبوته في بعض الأحيان وسقوطه في بعضها, ولو كان واجبًا لثبت في كل حين، ويعضد هذا التأويل قوله - عليه السلام - في حديث حمنة: "سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك؛ فإن قويت عليهما فأنت أعلم"، وذكر الاغتسال لكل صلاتين، ثم قال عند تمامه: "وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو أعجب الأمرين إليّ"، ولا يخلو الحديث من محذوف، وهو قولها: إنها قويت، وبذلك يتوجه أن يكون قوله - عليه السلام -: "هو أعجب إلي"؛ جوابًا عن قولها: إنها قويت، ولو كان الاغتسال واجبًا لما حصل فيه تخيير ولتوجه الأمر به على الجزم، وفي كون الاغتسال هو المقدم في الذكر والأعجب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشير إلى أن الثاني من الأمرين وإن لم يذكر هو عدم ذلك الاغتسال، والاقتصار على الوضوء، والله أعلم.

الطريق الثاني: وهو الأظهر، أن يحمل الأمر في ذلك حيث جاء على الوجوب، غير أنا نقول: لعلّ أحوال هؤلاء المستحاضات اختلفت، فحيث أمرن بالاغتسال لإدبار الحيض فقط كن ذوات تمييز أو اعتياد، فانقطع اللبس بالردّ إلى ذلك. وحيث أمرن بالاغتسال لكلّ صلاة أو صلاتين كانت حلة الحيض من الاستحاضة مجهولة عندهنّ ولم تتبيّن إما لنسيان مدة الحيض أو قدره أو غير ذلك، فيكون السؤال قد وقع منهن حيث يمكن الردَ إلى التمييز أو العادة فرددن إلى ذلك، ووقع منهنّ حيث لم يمكن فأُمرن بذلك الاغتسال وروي لنا ما وقع من ذلك في أوقات مختلفة في وقت واحد بألفاظ مختلفة، ويعضد هذا التأويل من حيث النقل أن ما سقناه من خبري فاطمة وأم حبيبة من طريقي ابن إسحاق وسُهيل بن أبي صالح تضمّن الأمر بالغسل لكل صلاة أو صلاتين، ولم يتضمَّن الرد إلى عادة ولا إلى تمييزٍ، وما أوردناه من غير هذين الطريقين مما يقتضي الرد إلى تمييزٍ أو عادة، ولم نر فيه للأمر بالاغتسال للصلوات ذكرًا فتبيّن لنا بذلك اختلاف الحال، وحتى لو اجتمع لنا ذلك كله في خبر واحد ولم نر ذلك بعد لحملناه على أنه تخليط من الراوي وإدخال منه للفظ حديث في لفظ حديث آخر يشبهه لما ذكرناه من التفصيل. ويعضده من حيث المعنى أن هذا الاغتسال إنما ينبغي أن يؤمر به حيث يجهل الحال في الدم الخارج، هل هو دم حيض أو استحاضة، فمتى علمنا أنّه دم استحاضة كان حكمها بالطهارة بيقين، ولا غسل على طاهر، والله أعلم. * * *

94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة

94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة ثنا قتيبة: نا شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال في المستحاضة: "تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل، وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي". حدثنا علي بن حُجْر أنا شريك نحوه بمعناه. قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرّد به شريك عن أبي اليقظان قال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقلت: عديّ بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه، جد عدي بن ثابت ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به. وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها (¬1). * الكلام عليه: أخرجه أبو (¬2) داود وابن (¬3) ماجه، وسكت الترمذي عن هذا الحديث فلم يحكم عليه بشيء، وليس من باب الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن لضعف راويه عن عديّ بن ثابت وهو أبو اليقظان (¬4)، واسمه عثمان بن عمير بن قيس ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 220 - 221). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 208 - 209) برقم 297 باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 204) برقم 625 باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام إقرائها قبل أن يستمر بها الدم. (¬4) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (6/ 161) برقم 884 والكامل لابن عدي (5/ 166 - =

البجلي الكوفي، وهو الذي يقال له عثمان بن أبي حميد، ويقال له: عثمان بن أبي زرعة، وعثمان أبو اليقظان، وأعشى ثقيف فكلّه واحد. وقال مسلم (¬1) في "الكنى": عثمان بن عمير، ويقال له: عثمان بن قيس، روى عن أنس بن مالك، وزيد بن وهب، وأبي وائل شقيق بن سلمة، وزاذان الكندي، وأبي حرب بن أبي الأسود، وعديَ بن ثابت. روى عنه: الأعمش، وشريك بن عبد الله، وحجاج بن أرطاة، وليث بن أبي سليم، وسفيان الثوري. قال يحيى (¬2) بن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو (¬3) حاتم: ترك ابن مهدي حديثه. وسئل عنه أبو خيثمة فضعفه. وقال ابن (¬4) أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وذكر أنه مرة (¬5) روى عن شيخ، فقال له شعبة: كم سنّك؟ قال: كذا، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين. وقال أبو (¬6) أحمد الحاكم في كتابه "الكنى": ليس بالقوي عندهم، وسمعت ¬

_ = 168) والضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 211 - 212) برقم 1214 والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 171) برقم 2280 والتاريخ الكبير للبخاري (6/ 245 - 246) برقم 2295. (¬1) الكنى (123). (¬2) تاريخ الدوري (2/ 395) برقم 2252. (¬3) الجرح والتعديل (6/ 161). (¬4) الجرح والتعديل (6/ 161). (¬5) في الجرح والتعديل زيادة حضره. (¬6) انظر تهذيب التهذيب (3/ 75) والحافظ نقل عبارة أبي أحمد الحاكم وهي قوله ليس بالقوي عندهم.

أبا الحسين محمَّد بن إبراهيم بن شعيب المغازي يقول: سمعت أبا حفص -يعني عمرو بن علي- يقول: حدثت يحيى بن سعيد عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عثمان بن قيس، عن زاذان، عن علي في قوله: {إلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ}، قال: هم أطفال المسلمين فاستحسنه، ثم قال: هذا عثمان بن عمير ولم يرضه. وقال ابن (¬1) أبي حاتم: كان ضريرًا، وقال أيضًا: لم يرضه يحيى بن سعيد ولا عبد الرحمن بن مهدي. وقال النسائي (¬2): ليس بالقوي. وقال الدارقطني (¬3): ضعيف. وقال ابن (¬4) حبّان: اختلط (¬5) حتى لا يدري ما يقول (¬6)، لا يجوز الاحتجاج به (¬7). روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬8)، وقد قال أبو داود (¬9): وأما حديث عديّ بن ثابت وحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت وحديث أيوب عن العلاء ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (6/ 161). (¬2) الضعفاء والمتروكون (215) برقم 417. (¬3) الضعفاء والمتروكون (311) برقم 406 حيث ذكره في كتابه ولم أجد هذه العبارة وهي قوله ضعيف. ثم وجدتها في كتابه العلل (4/ 118) برقم 459 حيث قال فيه وعثمان هذا ضعيف الحديث. وقال فيه الدارقطني كذلك ضعيف كما في سؤالات البرقاني (49) برقم 10. (¬4) انظر المجروحين (2/ 95). (¬5) في المجروحين كان ممن اختلط. (¬6) في المجروحين حتى لا يدري ما يحدث به. (¬7) في المجروحين فلا يجوز الاحتجاج بخبره. (¬8) انظر تهذيب الكمال (19/ 472). (¬9) السنن (1/ 210).

يعني في ..... فهي كلّها ضعيفة لا تصحّ. وذكر الترمذي (¬1) في كتاب "العلل": أنّه سأل محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، ثم ذكر في اسمه نحو ما حكيناه عنه. وسمعت شيخنا الإِمام الحافظ أبا محمَّد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي -رحمه الله تعالى- عند ما قرأت عليه "صحيح مسلم"، ومر بنا حديث من رواية عدي بن ثابت هذا، فقال: هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري، وذكر أن الترمذي (¬2) سأل ابن معين عنه فقال: اسمه دينار، وهو وهم. انتهى. وعديّ (¬3) هذا من الثقات المخرج لهم في الصحيح (¬4)، وثقه أحمد (¬5) بن حنبل، وقال أبو (¬6) حاتم: صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم. روينا من طريق أبي (¬7) داود: ثنا وهب بن بقيّة: أنا خالد -هو الطحان (¬8) - عن سهيل بن أبي صالح، عن الزهريّ، عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: يا رسول الله، إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا، ¬

_ (¬1) العلل (1/ 186). (¬2) الجامع (1/ 220 - 221) وفيه وذكرتُ لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به. وليس فيه أنه سأل ابن معين، وانظر العلل (1/ 186) له. (¬3) انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (7/ 44) برقم 196 والجرح والتعديل (7/ 2) وتهذيب الكمال (19/ 522 - 524) برقم 3883. (¬4) انظر تهذيب الكمال (19/ 522 - 524). (¬5) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (2/ 491) برقم 3233 وزاد إلا أنه كان يتشيع. (¬6) الجرح والتعديل (7/ 2) برقم 5. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 207 - 208) برقم 296 باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا. (¬8) هذه زيادة توضيح من المصنف وليست هي في السنن المطبوعة.

فلم تصلِّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله! هذا من الشيطان، لتجلس في مركن، فإذا رأت الصفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا واحدًا، وتغتسل للفجر غسلًا، وتوضّأ فيما بين ذلك". قال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس قال: لما اشتدّ عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين. وفي الباب مما لم يورده حديث عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنّي امرأة استحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إنَّما ذلك عرق، وليست بالحيضة، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير". رواه الدارقطني (¬1) من حديث الأعمش، وأبو داود (¬2) من حديث وكيع عن الأعمش (¬3) عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عنها، وكذلك روته قمير امرأة مسروق عن عائشة، وقد اختلف في رفعه، وهو عند الدارقطني. وأما حديث حماد بن سلمة الذي سبقت الإشارة إليه في الباب قبل هذا فروينا من طريق الدارمي (¬4): أنا حجاج بن منهال: نا حماد بن سلمة: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إنِّي امرأة استحاض أفأترك الصلاة؟ قال: "لا، إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي". ¬

_ (¬1) السنن (1/ 212) برقم 35. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 209) برقم 298 باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر. (¬3) الأصل بياض، واستدرك من "سنن أبي داود". (¬4) السنن (1/ 220 - 221) برقم 779.

وأما حديث حمّاد بن زيد فروينا من طريق أبي عبد الرحمن النسائي (¬1): أنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر نحو ما تقدّم: "فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي وصلّي، فإنما ذلك عرق، وليست بالحيضة". قال الترمذي (¬2): وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكلّ صلاة هو أحوط ولها الفضل (¬3). وتوجيه هذا المذهب حمل الأمر بالاغتسال حيث جاء على الندب، وقد تقدّم في الباب قبل هذا، والاقتصار على ذكر الصوم والصلاة في هذا الحديث قد يتمسّك به من يمنع من وطء المستحاضة كما حكيناه عن جماعة من السلف؛ لأنّه لو أبيح كما أبيح غيره لذكر كما ذكر غيره. وأما من أباح ذلك كما ذهب إليه الجمهور فيقول: لا يلزم من عدم ذكره هنا عدم إباحته؛ لأن المراد أنّها تغتسل، ثم حكمها الطهارة، وعبر عت ذلك بأنها تصوم وتصلي كأنه قال: وبفعل ما منعها منه الحيض. وأما الوضوء فإنّها تتوضأ لكلّ فريضة ولا تصلي فريضتين بطهارة واحدة، ولا بدّ أن يكون ذلك للصلاة بعد دخول وقتها كالتيمم، ذكره الرافعي (¬4)، وحكي عن الشيخ أبي (¬5) محمَّد: أنه يجوز أن يقع طهارتها قبل الوقت بحيث ينطبق آخرها على ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الحيض (1/ 203) برقم 362 باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة. (¬2) الجامع (1/ 221). (¬3) في الجامع (1/ 221) هو أحوط لها ليس فيه ولها الفضل. (¬4) فتح العزيز (2/ 435). (¬5) فتح العزيز (2/ 435).

أول الوقت، وتصلي به الصلاة. والمذهب الأول لا بد أن يتقدمه من التلجُّم والاستثفار ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا. قال (¬1): وينبغي أن تبادر إلى الصلاة عقيب احتياطها وطهارتها، فلو أخرت بأن توضأت في أول الوقت وصلّت في آخره أو بعد خروج الوقت نظر إلى علة (¬2) هذا التأخير، فإن كان بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة أو (¬3) الاجتهاد في القبلة والأذان والإقامة وانتظار الجمعة والجماعة ونحوها فيجوز، وإلا فثلاثة أوجه: أصحّها: المنع؛ لأن الحدث متكرر عليها وهي مستغنية عن احتمال ذلك قادرة على المبادرة. والثاني: الجواز كما في التيمم، ولو أنها لو أمرت بالمبادرة لأمرت بتخفيف الصلاة والاقتصار على الأقل. الثالث: أنّ لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة، فإذا خرج فليس لها أن تصلي بتلك الطهارة، وذلك لأن جميع ذلك (¬4) الوقت في حق تلك الصلاة كالشيء الواحد، والوجوب فيه موسع (¬5). قال الحافظ أبو (¬6) محمَّد: وممن قال بإيجاب الوضوء لكل صلاة على التي يتمادى بها الدم من فرجها متصلًا بدم الحيض (¬7) عائشة وعلي وابن عباس وفقهاء ¬

_ (¬1) أي الرافعي كما في فتح العزيز. (¬2) في فتح العزيز (2/ 435) أو بعد خروج الوقت نظر إن كان التأخر للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة ... إلخ فكأن المصنف نقله بنوع تصرف. (¬3) في فتح العزيز والاجتهاد بدل أو. (¬4) قوله ذلك ليس في فتح العزيز. (¬5) فتح العزيز (2/ 435 - 436). (¬6) المحلى (1/ 252). (¬7) في المحلى المحيض بدل الحيض.

المدينة عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري، وذكره (1) أيضًا عن هشام (¬1) بن عروة. وقد تقدّم في الباب قبل هذا حكايتنا عن مالك أنه يستحبّه ولا يوجبه؛ فهو على هذا مما خالف فيه مالك فقهاء المدينة، وتقدّم أيضًا ما حكيناه عن أبي حنيفة أنَّ الوضوء عنده لوقت الصلاة، فلها أن تصلي بالوضوء الذي توضأته للصلاة فريضة وقتها وما شاءت من النوافل والصلاة المقضية ما دام وقت تلك الصلاة التي توضأت لها باقيًا. واختلف القائلون بذلك في انتقاص طهارة ذوي الأعذار، هل هو عند خروج الوقت أو دخوله أو عند أيهما وجد؟ قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: عند خروج الوقت لا غير. وقال زفر: عند دخوله لا غير. وقال أبو يوسف: عند أيّهما وجد. وثمرة الخلاف تظهر في موضعين: أحدهما: أن يوجد الخروج بغير دخول كما إذا توضؤوا قبل الزوال ثم زالت الشمس لا ينتقض عند أبي حنيفة ومحمد، هذا هو المعروف في كتبهم، وقال القدوري: عند أصحابنا يصلي به الظهر لعدم الخروج. وقال زفر: لا يجوز لوجود الدخول، ووجه قول زفر أنه لا ضرورة قبل الوقت لعدم وجود المكتوبة حتى لو صلاها لا يجوز. وأبو يوسف يقول: الضرورة مقصورة على الوقت، فلا يبقى إذا وجد خروج أو ¬

_ (¬1) انظر المحلى (1/ 253).

دخول، وهما يقولان: وقت الأداء شرعًا أقيم مقام الأداء فعلًا، فلا بدّ من تقديم وقت الطهارة على وقت الأداء حقيقة، فكذا لا بد من تقديمه شرعًا حتى يتمكن من شغل جميع الوقت بالأداء وهذه الحاجة تندفع بخروج الوقت، فيظهر حكم الجنب السابق، ولما رأى مشايخهم الخلاف على دخول الوقت وخروجه قالوا: ينتقض طهارتهم بخروج الوقت وبدخوله ليسهل الحفظ على المتعلّمين، لا أنّ للخروج والدخول تأثيرًا في انتقاضها والله أعلم. * * *

95 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

95 - باب ما جاء في المستحاضة أنّها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد حدثنا محمَّد بن بشار: نا أبو عامر العقدي: ثنا زهير بن محمَّد، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أُسْتحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله، إني أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها، قد منعتني الصيام والصلاة؟ قال: "أنعت لك الكُرْسُف، فإنّه يذهب الدم". قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فتلجّمي". قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتخذي ثوبًا". قالت: هو أكثر من ذلك، إنّما أثجّ ثجًّا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما فأنتِ أعلم، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت، فصلي أربعة (¬1) وعشرين ليلة، أو ثلاثة (¬2) وعشرين ليلة وأيامها فصومي وصلي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فإن قويت على أن تؤخرين (3) الظهر وتعجلي (¬3) العصر، ثم تغتسلين حتى (¬4) تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخرين الغرب وتعجلين العشاء، ¬

_ (¬1) كذا والصواب أربعًا وهو كذلك في الجامع (1/ 224). (¬2) كذا والصواب ثلاثًا وهو كذلك في الجامع (1/ 224). (¬3) كذا في هذه النسخة وهو كذلك في التحقيق لابن الجوزي (1/ 257) ط دار الكتب العلمية وفي (1/ 364) ط دار الوعي بحلب. وفي نسخة أحمد شاكر (1/ 225) تؤخرين وتعجلي وانظر بحث العلامة أحمد شاكر حول إهمال أن الناصبة في شرحه لسنن الترمذي (1/ 177) فهم مهم. (¬4) صوابه حين وهو ظاهر من السياق وقوله حتى وجد في بعض نسخ الجامع وهو خطأ كما نبه على ذلك الشيخ أحمد شاكر.

ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو أعجب الأمرين إليّ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ورواه عبيد (¬1) الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة، عن عمه عمران، عن أمه حمنة -إلا أنّ ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة-. وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن (¬2)، وهكذا قال أحمد (¬3) بن حنبل: هو حديث حسن صحيح. وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض، فإنّها تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمرّ بها ¬

_ (¬1) قلت ووقع في المستدرك للحاكم (1/ 172) عبد الله بالتكبير وهو خطأ ظاهر، ووقع كذلك في نسخة الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي (1/ 266) وهو خطأ. ووقع على الصواب في الخلافيات للبيهقي (3/ 327) وكذا السنن الكبرى (1/ 338 - 339) إذ رواه من طريق الحاكم. (¬2) أضاف الشيخ أحمد شاكر بعد هذا "صحيح" وهو خطأ ويرده ما نقله البيهقي عن البخاري من قوله هو حديث حسن كما في معرفة السنن (2/ 159) وكذا السنن الكبرى (1/ 339) وانظر العلل الكبير (1/ 187 - 188) وكذا الإِمام (3/ 309). (¬3) قلت وهو مخالف لا نقله أبو داود في سننه (1/ 146) عن أحمد حيث قال: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء. قال العلامة أحمد شاكر: ولعله يريد إلى أن في نفسه شيئًا من جهة الفقه والاستنباط، والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحًا ثابتًا عنده من جهة الإسناد.

الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش (¬1). وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمرّ بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يومًا، فإذا طهرت في خمسة عشر يومًا (¬2) فإنا تقضي صلاة أربع عشر يوما، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة. قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره؛ فقال بعض أهل العلم: أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا. وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقلّ الحيض يوم، وأكثره خمس عشرة، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد (¬3). * الكلام عليه: أخرجه أبو داود (¬4) وابن (¬5) ماجه وصححه الترمذي (¬6)، ونقل عن البخاري (¬7) ¬

_ (¬1) وفي نسخة الشيخ أحمد شاكر زيادة عبارة وكذلك قال أبو عبيد. (¬2) في نسخة الشيخ أحمد شاكر: فإذا ظهرت في خمسة عشر يومًا أو قبل ذلك فإنها أيام حيض فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يومًا فإنها تقضي ... إلخ (2/ 159) وكذا السنن الكبرى (1/ 339) وانظر العلل الكبير (1/ 187 - 188) وكذا الإِمام (3/ 309). (¬3) الجامع (1/ 221 - 228). (¬4) سنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 144 - 146) برقم 287 باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. (¬5) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 205 - 206) برقم 627 باب ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها. (¬6) كما في الجامع (1/ 225) حيث قال: هذا حديث حسن صحيح. (¬7) انظر الجامع (1/ 226). =

وأحمد (¬1) من التصحيح والتحسين ما ذكرناه. وقال البيهقي (¬2): تفرّد به عبد الله بن محمَّد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به. وأما ابن (¬3) منده فقال: لا يصحّ عندهم بوجه من الوجوه لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه، ذكر ذلك عنه شيخنا الإِمام الحافظ أبو (¬4) الفتح القشيري -رحمه الله تعالى- وتعقبه بالردّ عليه وإنكار هذا الإطلاق (¬5) على ابن عقيل، ولم يَعْدُ القشيري منهج الصواب. وذكر الترمذي (¬6) في كتاب "العلل": أنَّه سأل البخاري عن هذا الحديث ¬

_ = تنبيه: في نسخة أحمد شاكر زيادة صحيح فتصبح العبارة هكذا لأحسن صحيح". وهو مخالف لما نقله غير واحد عن البخاري من تحسينه للحديث فقط كما سبق التنبيه عليه. (¬1) انظر الجامع (1/ 226). قلت: وهو مخالف لما نقله أبو داود عن ال إمام أحمد كما سبق التنبيه عليه. (¬2) انظر معرفة السنن (2/ 159 - 160). (¬3) نقله ابن التركماني كما في الجوهر النقي (1/ 339) وكذا ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 184) وقبلها ابن دقيق العيد كما في الإِمام (3/ 310) وابن حجر في التلخيص (1/ 288). (¬4) الإمام (3/ 310). (¬5) قال ابن دقيق العيد في الإِمام (3/ 310): "ليس الأمر كما قال ابن منده -وإن كان بحرًا من بحور هذه الصنعة- فقد ذكر الترمذي أن الحميدي وأحمد وإسحاق كانوا يحتجون بحديث عبد الله بن محمَّد بن عقيل. قال محمَّد (يعني البخاري): "وهو مقارب الحديث" وما قاله ابن منده عجيب. أهـ. قلت: وقال الحافظ في التلخيص (1/ 288 - 289): "وتعقبه ابن دقيق العيد واستنكر منه هذا الإطلاق، لكن ظهر لي أن مراد ابن منده بذلك من خرج الصحيح وهو كذلك". وانظر بحث ابن القيم كما في تهذيب السنن (1/ 183) وما بعد فقد أطال النفس وأجاد رحمه الله. (¬6) العلل الكبير (1/ 187 - 188).

فقال: هو حديث حسن إلا أنّ إبراهيم بن محمَّد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمَّد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح. انتهى. وهذا القول عن البخاري لا أعلم له وجهًا (¬1)؛ إبراهيم بن محمَّد بن طلحة مات سنة عشر ومائة، فيما قاله أبو عبيد (¬2) القاسم بن سلام وعلي (2) بن المديني وخليفة (¬3) بن خياط، وهو تابعي (¬4) سمع أبا أسيد الساعدي وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة وعائشة رضي الله عنهم (¬5). وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك والرُّبيِّع بنت معوّذ رضي الله عنهم، فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمَّد بن طلحة لقدمه، وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم؟ وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة، ولو توقف عن القول بسماعه من ابن طلحة معلّلًا ذلك بعلّة غير القدم، أو غير معلّل له بعلة لما توجه إنكاره، وفي صحة هذا عن البخاري عندي نظر (¬6). والطريق الثاني التي ساق الترمذي (¬7) منها هذا الحديث هي أسلم طرقه من العلل، وأبعدها عن المطاعن، وليس فيها من ينظر في أمره غير ابن عقيل، وقد تقدّم ¬

_ (¬1) قلت: وقد أجاب ابن التركماني عن هذا في الجوهر النقي (1/ 339) فقال: "إن البخاري شكّ في سماع ابن عقيل من إبراهيم، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن ابن عقيل سمع من ابن عمر وجابر وأنس وغيرهم، وهم نظراء شيوخ إبراهيم، فكيف ينكر سماعه منه؟ ". (¬2) انظر تهذيب الكمال (2/ 174) وتهذيب التهذيب (1/ 81). (¬3) التاريخ (340). (¬4) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 124) برقم 385 وتهذيب الكمال (2/ 172 - 174) برقم 229 وتهذيب التهذيب (1/ 1 / 81). (¬5) انظر تهذيب الكمال (16/ 78 - 79) برقم 43 وتهذيب التهذيب (2/ 424). (¬6) وقد نقل ذلك عنه الترمذي كما في العلل الكبير (1/ 187 - 188). (¬7) انظر الجامع (1/ 225 - 226).

الكلام عليه بما فيه مغنى، وأن أحمد وإسحاق والحميدي كانوا يحتجون بحديثه وأنه متكلّم فيه من قبل حفظه. وأما أبو محمَّد (¬1) بن حزم فإنه ذكر هذا الحديث، ثم رده بأنواع من الرد ليس منها ما يستقرّ على النقد ولم يعلله بابن عقيل (¬2)، وذلك يقتضي أنّه عنده مقبول إلّا أن يكون يرى أنَّه استغنى بإعلاله بغيره مما علله به الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل (¬3)، وزعم أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل بينهما فيه النعمان بن راشد وذكره بسنده وضعّف، فإن ابن راشد هذا قال: ورواه أيضًا عن ابن عقيل شريك وزهير بن محمَّد وكلاهما ضعيف. قال: وأيضًا فعمر بن طلحة غير مخلوق، ولا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر. فأمّا ما رده به من الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل من ضعف الواسطة ¬

_ (¬1) المحلى (2/ 194 - 195). (¬2) قال ابن حزم في المحلى (2/ 194 - 195): "أما هذان الخبران فلا يصحان، أما أحدهما فإن ابن جريج لم يسمعه من عبد الله بن محمَّد بن عقيل، كذلك حدثناه همام عن عباس بن أصبغ عن ابن أيمن عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه -وذكر هذا الحديث- فقال: قال ابن جريج حدثت عن ابن عقيل ولم يسمعه. قال أحمد وقد رواه ابن جريج عن النعمان بن راشد. قال أحمد والنعمان يعرف فيه الضعف. وقد رواه أيضًا شريك وزهير بن محمَّد وكلاهما ضعيف وعن عمرو بن ثابت وهو ضعيف، وأيضًا فعمر بن طلحة غير مخلوق، لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر. وأما الآخر، فمن طريق الحارث بن أبي أسامة وقد ترك حديثه فسقط الخبر جملة". قلت: وقد رد على ابن حزم قوله هذا، فقال الحافظ الذهبي: "هذا يدل على قلة معرفة المؤلف، إذ يسقط هذا الحديث برواية الحارث له، كأنه لم يروه إلا الحارث، وقد رواه جماعة غيره، وقد صححه الترمذي وأخرجه هو وأبو داود" أهـ انظر هامش المحلى. (¬3) ولم أر من تعرض لذلك من العلماء، مع بحثي في كتب المراسيل وغيرها.

بينهما، فقد سقناه من غير طريق ابن جريج، فليتصل طريق ابن جريج أو لينقطع وليكن الواسطة بينه وبين ابن عقيل ضعيفًا إن شاء أو قويًا. فأمّا تضعيفه زهيرًا، وهو الذي سقناه من طريقه بدل ابن جريج، فقد أخرج الشيخان (¬1) لزهير محتجين به في صحيحيهما، وذكر أحمد (¬2) بن حنبل زهيرًا فقال: مستقيم الحديث، وقال أبو (¬3) حاتم: محلّه الصدق، وفي حفظه شيء (¬4)، وحديثه (¬5) بالشام أنكر من حديثه بالعراق. وقال البخاري (¬6) في "تاريخه الصغير": ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير (¬7)، وما روى عنه أهل البصرة فإنّه صحيح الحديث. وقال أحمد (¬8) بن حنبل: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهيرًا آخر فقلب اسمه. وقال عثمان (¬9) الدارمي: ثقة صدوق وله أغاليط (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب الكمال (9/ 414) برقم 2017 والجمع بين رجال الصحيحين (1/ 153). (¬2) انظر: الجرح والتعديل (3/ 590) إذ هو من مكاتبات إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني لابن أبي حاتم. (¬3) الجرح والتعديل (3/ 590). (¬4) في المصدر السابق سوء بدل شيء. (¬5) في الجرح وكان حديثه بالشام. (¬6) التاريخ الأوسط (2/ 112) وكذا التاريخ الكبير (3/ 427) والصغير (2/ 149) بنحوها. (¬7) زاد في التاريخ ليس لها أصل. (¬8) نقل ذلك عنه البخاري كما في التاريخ الأوسط (2/ 112) وكذا التاريخ الكبير (3/ 427) والتاريخ الصغير (2/ 149). (¬9) انظر تهذيب الكمال (9/ 418) وتهذيب التهذيب (1/ 640)، (¬10) وفي التهذيبين زيادة لفظة كثيرة وكذا تاريخ دمشق (19/ 119).

وقال يحيى (¬1) ثقة. وقال ابن (¬2) عدي: ولعل أهل الشام (¬3) حيث رووا عنه أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبيه (¬4) بالمستقيم، وأرجو أنه لا بأس به. انتهى. أما حديثه هنا فمن رواية العَقَدي (¬5) عنه وهو بصري (¬6)، فهذا من حديث أهل العراق وليس من حديث أهل الشام. وأما عمر بن طلحة الذي أنكره فلم نسق الحديث من طريقه وإنّما أوردناه من طريق عمران بن طلحة. وقد نبه الترمذي على أن عمر لا يقولها في هذا الإسناد إلا ابن (¬7) جريج، وان غيره يقول عمران وهو الصواب. ¬

_ (¬1) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (114) برقم 345 وفي (113) برقم 343 قال يحيى: ليس به بأس وهي بمعنى ثقة عند ابن معين كما هو معلوم. وانظر التاريخ لعباس الدوري (2/ 176). (¬2) الكامل (3/ 1078). (¬3) في الكامل الشاميين بدل أهل الشام. (¬4) في الكامل شبه المستقيم. (¬5) وهو أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، ثقة من التاسعة انظر: التقريب (625). (¬6) انظر: تهذيب الكمال (18/ 364) برقم 3545، وتهذيب التهذيب (2/ 619). (¬7) قلت: ورواية ابن جريج هذه رواها عبد الرزاق في المصنف (1/ 306) ومن طريقه ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 203 - 204) برقم 622 وابن المنذر في الأوسط (2/ 222) برقم 180 والطبراني في الكبير (24/ 217 - 218) برقم 551. تنبيه: وقع في مصنف عبد الرزاق (1/ 306) في الأصل عمر وأشار محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي إلى أنه أخطأ، أي وقع في الأصل كذلك وهذا فيه نظر، إذ رواية ابن جريج كذلك كما أشار إليه الترمذي، فكان عليه أن يبين أن الوهم وقع فيه من ابن جريج لا كما توهمه عبارته إذ قد يفهم منها أن الخطأ وقع من النساخ، والله أعلم. =

وأما رواية شريك فهي عند ابن (¬1) ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون عنه، وشريك (¬2) مخرج له في الصحاح، وعمران بن طلحة وأخوه محمَّد (¬3) بن طلحة السجاد (¬4) المقتول مع أبيه يوم الجمل (¬5) أمهما حمنة بنت جحش المذكورة في هذا الخبر. وأما كلام أبي داود عن أحمد أن في هذا الباب حديثين وثالثًا في النفس منه شيء، ثم فسر أبو داود الثالث بأنه حديث حمنة هذا، فالجواب عنه أنَّ الترمذي قد ¬

_ = على أنه أشار الدارقطني في العلل إلى أن ابن جريج رواه على العبادة موافقًا في ذلك سائر من رواه، فقال: "اختلف عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل في هذا الحديث، فرواه أبو أيوب الإفريقي عن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل عن جابر، قال: ووهم فيه، وخالفه عبيد الله بن عمر وابن جريج وعمرو بن ثابت وزهير بن محمَّد وإبراهيم بن أبي يحيى، فرووه عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش". (¬1) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 205) برقم 627 باب ما جاء في البكر إذا ابتدئت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها. (¬2) انظر: تهذيب الكمال (12/ 462) برقم 2736 وتهذيب التهذيب (2/ 164). (¬3) انظر: طبقات ابن سعد (5/ 52)، نسب قريش لمصعب (281)، طبقات خليفة (233)، الجرح والتعديل (7/ 291) برقم 1577. (¬4) قلت: لقب بالسجّاد لعبادته وتألهه كما قال الذهبي. انظر: السير (4/ 368). (¬5) في نسب قريش لمصعب (281): "وكان طلحة أمره يوم الجمل أن يتقدم باللواء، فتقدم ونثل درعه بين رجليه، وقام عليها، فجعل كما حمل عليه رجل قال: نشدتك بـ "حم" فينصرف الرجل عنه، حتى شد عليه رجل من أسد بن خزيمة يقال له جرير، فنشده محمد بـ "حم" فلم يثنه ذلك. ففي ذلك يقول الأسدي: وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم ضممت إليه بالسنان قميصه ... فخرَّ صريعًا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعًا ... عليًّا ومن لا يتبع الحق يظلم فذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل المتقدم فمرّ به علي رضي الله عنه في القتلى فقال: "السجاد ورب الكعبة، هذا الذي قتله بِرُ أبيه".

صححه، ونقل عن أحمد تصحيحه نصًّا، والذي ذكره أبو داود لم يعيّن فيه الحديث عن أحمد، وإنّما هو شيء وقع له ففسر به كلام أحمد ولن يستويا في رتبة أبدًا، وقد يكون ذلك كلّه، فيكون أحمد أولًا كان في نفسه منه شيء ففهمه أبو داود ونقله عنه، ثم زال ما في نفسه منه وظهرت له صحبة فنقل ذلك عنه البخاري والترمذي ومن نقله فاندفعت الشبه المذكورة عن هذا الخبر، ولم يبق فيه إلا ابن عقيل، [... ، تصحيح ما تفرد به، وقد تقدم قول البيهقي: إنه تفرد به] (¬1) فهو صحيح عند من يحتجّ به. وقوله: أنعت لك الكرسف: أي القطن (¬2). وقوله: فتلجّمي: قال بعض (¬3) الفقهاء: تشدّ على وسطها خرقة كالتكة، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأس، وتجعل أحدهما قدّامها والآخر من ورائها وتشدها بتلك الخرقة. قال الجوهري (¬4): اللجام فارسي معرّب، واللجام (¬5) ما تشده الحائض. قال القاضي أبو (¬6) بكر بن العربي: قال الخليل (¬7): اللجام معروف، فإن أخذناه ¬

_ (¬1) زيادة من نسخة السندي. (¬2) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 167): "الكرسف وهو القطن وله ستة أسماء: - الأول: القطن. - الثاني: الكرسف. - الثالث: البرس. - الرابع: العطب. - الخامس: العلوط. - السادس: الخرفع. (¬3) ولعله يقصد النووي، فهذه عبارته كما في شرح مسلم (4/ 242 - 243). (¬4) الصحاح (5/ 2027) لجم. (¬5) في الصحاح زيادة أيضًا أي واللجام أيضًا. (¬6) عارضة الأحوذي (1/ 167 - 168). (¬7) انظر العين (6/ 138 - 139).

من هذا كان معناه: افعلي فعلًا يمنع سيلان الدّم واسترساله كما يمنع اللجام من استرسال الدابة، وأعجب من هذا أن شيخنا أبا بكر محمد بن طرخان التركي قال: أنا ............... قال: واللجمة فيما يقال: فوهة النهر، وفيه نظر، فإن صحّ هذا فهو مأخوذ منه ويكون معناه شدي اللجمة وهي الفوهة التي ينهر منها الدّم، وهو بديع غريب. وأمَّا الاستثفار فقال الهروي (¬1): هو أن تسدّ فرجها بخرقة عريضة توثق طرفها في جعب تشده في وسطها بعد أن تحتشي كرسفًا، فيمنع ذلك الدّم. قال: ويحتمل أن يكون ذلك مأخوذًا من ثفَّر الدابة: أي تشد الخرقة كما يشد الثفر تحت الذنب، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الثفر وهو القرح (¬2)، وإن كان أصله للسباع، فقد يستعار، يقال: استثفر الكلب إذا أدخل ذنبه بين رجليه، واستثفر الرجل إذا أدخل ذيله بين رجليه من خلفه. وقولها: "إنّما أثجُّ": الثج: السيلان (¬3)، ومنه قوله تعالى: {ثَجَّاجًا} أي سيالًا، وكذلك هو في الحديث الآخر: "العج والثج"، وكذلك استعمل في الحلب في الإناء، فحلب فيه ثجّا، واستعمل مجازًا في الكلام يقول الحسن (¬4) في ابن عباس أنَّه كان مِثجًّا -بكسر الميم- وهو من أبنية المبالغة: أي كان يصبّ الكلام صبًّا. وقوله: "ركضة من الشَّيطان": أصل الركض (¬5): الضرب بالرجل والإصابة ¬

_ (¬1) الغريبين (1/ 283 - 284) وانظر العارضة لابن العربي (1/ 168). (¬2) الفرج. (¬3) انظر: الصحاح (1/ 302) ثجج، وغريب الحديث للهروي (3/ 251). (¬4) نقله عن ابن العربي في العارضة (1/ 168) وهي في مصنف عبد الرَّزاق (4/ 377). (¬5) انظر: الصحاح (3/ 1079 - 1080) ركض وغريب الحديث للهروي (5/ 251) وكذا العارضة لابن العربي (1/ 169).

بها، وكأنه أراد الإضرار بالمرأة والأذى، بمعنى أن الشَّيطان وجد بذلك سبيلًا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتَّى أنساها بذلك عادتها، فصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته. وهذا التلجم والاستثفار واجب إلَّا في موضعين: أحدهما: أن تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدّم فلا يلزمها لما فيه من الضرر. والثاني: أن تكون صائمة فتترك الاحتشاء بالقطن في النهار وتقتصر على الشدّ. ويجب تقديم الشدّ والتلجم على الوضوء، وتتوضأ عقيب ذلك من غير إمهال، كما قلنا في المبادرة إلى الصَّلاة عقيب ذلك الوضوء فيما سبق من الباب قبل هذا، فإن شدَّت وتلجَّمت وأخرت الوضوء وتطاول الزمان ففي صحَّة وضوئها وجهان: الأصح: أنَّه لا يصح، وإذا استوثقت بالشد على ما وصفنا ثم خرج منها دم من غير تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها، ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها، ولتعذر الاحتراز عن ذلك. وأمَّا إذا خرج الدَّم لتقصيرها في الشد أو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد فزاد خروج الدّم بسببه، فإنَّه يبطل طهرها، فإن كان ذلك في أثناء الصَّلاة بطلت، وإن كان بعد فريضة لم تستبح النافلة لتقصيرها. وأمَّا تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة فينظر فيه إن زالت العصابة عن موضعها زوالًا له تأثير، أو ظهر الدَّم على جوانب العصابة وجب التجديد، وإن لم تنزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدَّم، ففيه وجهان لأصحابنا: أصحَّهما: وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء، ولا تصلي بطهارة واحدة

أكثر من فريضة واحدة مؤداة كانت أو مقضيَّة، وما شاءت من النوافل قبل الفريضة وبعدها. ولنا وجه أنها لا تستبيح النافلة أصلًا لعدم ضرورتها إليها، والصَّواب الأول. وحكي مثل مذهبنا عن عروة بن الزُّبير وسفيان الثوري وأحمد وأبي ثور. وقال أبو حنيفة: طهارتها مقدَّرة بالوقت فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض الفائتة. وقال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء، فإذا تطهَّرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض إلى أن تحدث بغير الاستحاضة. وكيفيَّة نيَّة المستحاضة أن تنوي استباحة الصَّلاة في وضوئها ولا تقتصر على نيَّة رفع الحدث، ولنا وجه أنَّه يجزئها الاقتصار على نيَّة رفع الحدث، ووجه ثالث: أنَّه يجب عليها الجمع بين نيَّة استباحة الصَّلاة ورفع الحدث، والصحيح الأول، فإذا توضأت المستحاضة استباحت الصَّلاة، وهل يقال: ارتفع حدثها؟ فيه أوجه لأصحابنا: الأصح: أنَّه لا يرتفع شيء من حدثها بل تستبيح الصَّلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث كالمتيمم، فإنَّه محدث عندنا. والثاني: يرتفع حدثها السابق والمقارن للطهارة دون المستقبل. والثالث: يرتفع الماضي وحده. وممن قال: إن المستحاضة تجمع بين الصلاتين بغسل واحد كما تضمَّنه حديث الباب عبد الله بن عباس من رواية عبد (¬1) الرَّزاق، عن معمر، عن أيوب ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 305 - 306) بنوع تصرَّف.

السختياني، عن سعيد بن جبير أنَّه كان عند ابن عباس فأتاه كتاب امرأة، قال سعيد: فدفعه ابن عباس إليّ فقرأته فإذا فيه: إنِّي امرأة مستحاضة أصابني بلاء وضرّ، فإني أدع الصَّلاة الزمان الطَّويل، وإن ابن أبي طالب سئل عن ذلك فأفتاني أن أغتسل عند كل صلاة، فقال ابن عباس: اللَّهم لا أجد لها إلَّا ما قال علي غير أنَّها تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، والمغرب والعشاء بغسل واحد، وتغتسل للفجر غسلًا واحدًا. فقيل لابن عباس: إن الكوفة أرض باردة، وإنَّه يشقُّ عليها، قال: لو شاء الله لابتلاها بأشد من ذلك. ورواه (¬1) أيضًا سفيان الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن سعيد بن جبير، عنه. وروى ابن (¬2) جريج عن عطاء قال: تنتظر المستحاضة أيَّام أقرائها، ثم تغتسل غسلًا واحدًا للظهر والعصر، وتؤخر الظهر قليلًا وتعجل العصر قليلًا، وكذلك المغرب والعشاء، وتغتسل للصبح غسلًا. ومن طريق (¬3) سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النَّخعيّ، مثل قول عطاء سواءً بسواء. وقد حمل بعض العلماء الأمر بهذا الغسل على الاستحباب. قال القاضي أبو بكر (¬4) بن العربي -رحمه الله تعالى-: والحديث في ذلك ¬

_ (¬1) أي عبد الرَّزاق كما في المصنف (1/ 308). (¬2) المصنف (1/ 304 - 305). (¬3) المصنف (1/ 305). (¬4) عارضة الأحوذي (1/ 171).

صحيح، فينبغي أن يكون مستحبًّا، وذلك أولى من قول ابن المسيب [من رأيه، ويعني ابن العربي بقول ابن المسيب]: تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر. وقد اختلف في تقييده، فمنهم من رواه بالطاء المهملة، ومنهم من رواه بالظاء المعجمة، واستبعد الخطابي (¬1) أن يكون بالمهملة، وقال: وأي معنى له، وإنَّما علق على الغسل الطهر بالتمييز أو للعادة. قال القاضي (¬2) أبو بكر بن العربي: والذي أستبعده الخطابي صحيح يريد استبعاده صحيح؛ لأنَّه إذا أسقط لأجل المشقة عنها الاغتسال لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرَّة في كل يوم عند الظهر في دفء النهار، وذلك للتنظيف. * * * ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 153) بهامش السنن. (¬2) العارضة (1/ 171).

96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة حدَّثنا قتيبة: نا اللَّيث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنِّي أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصَّلاة؟ قال: "لا، إنَّما ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي"، فكانت تغتسل لكل صلاة. قال قتيبة: قال اللَّيث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنها شيء فعلته هي. قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزُّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة. ورَوَى إلَّا وزاعي، عن الزُّهريّ، عن عروة وعمرة، عن عائشة (¬1). * الكلام عليه: سكت عنه التِّرمذيُّ، وهو صحيحٌ، رواه البُخاريّ (¬2) ومسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنَّسائيُّ (¬5) وابن (¬6) ماجه وغيرهم. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 229 - 230). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 122) برقم 325 باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 162) برقم 333 باب المستحاضة وغسلها وصلاتها. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 288 باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة. (¬5) في سننه كتاب الحيض (1/ 199) برقم 350 باب ذكر الاستحاضة وإقبال الدّم وإدباره. (¬6) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 203) برقم 621 باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيَّام إقرائها قبل أن يستمر بها الدّم.

بنت جحش ختنة رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي". وفيه عند أبي (¬1) داود قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِرْكن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتَّى تعلو حمرة الدَّم الماء. وفي رواية (¬2) قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة. رواه أبو (¬3) داود من حديث محمد بن إسحاق، عن الزُّهريّ، عن عروة، عن عائشة: أن أم حبيبة استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها بالغسل لكل صلاة. في إسناده محمد بن إسحاق. قال أبو داود (¬4): ورواه أبو الوليد الطَّيالسيُّ ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير، عن الزُّهريّ، عن عروة، عن عائشة: استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغتسلي لكل صلاة"، وساق الحديث. قال (¬5): ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: "توضئي لكل صلاة"، وهذا وهم من عبد الصمد، والقول قول أبي الوليد. وفي "صحيح (¬6) مسلم" قال: اللَّيث بن سعد، ولم يذكر ابن شهاب: أنَّ ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 288 باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة. (¬2) وهي عند أبي داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 147) برقم 289. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 148) برقم 292. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 148). (¬5) أي أبو داود كما في المصدر السابق. (¬6) الصَّحيح كتاب الحيض (1/ 263) برقم 334 باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي، كما هو عند التِّرمذيّ. قال البيهقي (¬1): والصحيح رواية الجمهور عن الزُّهريّ، وليس فيها الأمر بالغسل إلَّا مرَّة واحدة، ثم كانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها. ورويناه (¬2) من طريق الأوزاعي عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهريّ، عن عروة وعمرة، عن عائشة. ورويناه من طريق سفيان وإبراهيم بن سعد وعمرو بن الحارث كلهم عن الزُّهريّ، ومن أصحاب الزُّهريّ من يقول فيه عنه، عن عروة عن عائشة، ومنهم من يقول عنه عن عمرة عن عائشة، ومنهم من يجمع بينهما. قال الدارقطني: وهو صحيحٌ من رواية الزُّهريّ عن عروة وعمرة جميعًا. وروينا من طريق الدَّارميّ (¬3): أنا يزيد بن هارون، ووهب بن جرير، عن هشام صاحب الدستوائي، عن يَحْيَى بن أبي كثير، عن أبي سلمة: أن أم حبيبة -وقال وهب: أم حبيب بنت جحش- كانت تهراق الدَّم، وأنها سألت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬4) فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، وتصلي. كذا وقع في هذه الرّواية عن وهب: أم حبيب (¬5)، وكذلك كان شيخنا الإمام الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي -رحمه الله تعالى- يقول: زينب ¬

_ (¬1) السنن (1/ 350). (¬2) انظر السنن الكبرى (1/ 349). (¬3) السنن (1/ 240) برقم 901. (¬4) في السنن ذاك. (¬5) قال الحافظ ابن عبد البر: أم حبيبة ويقال أم حبيب وأكثرهم يسقطون الهاء. الاستيعاب (4/ 1928).

وحمنة وأم حبيب وعبد الله وعبيد الله وأبو أحمد الأعمى بنو جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرَّة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وينكر ما عدا ذلك، ثم رأيت الدارقطني (¬1) حكى عن الحربي (¬2) ذلك أنّ الصواب قول من قال: أم حبيب -بغير هاء- واسمها حبيبة. قال الدارقطني (¬3): وقول إبراهيم صحيح، وكان من أعلم النَّاس بهذا الباب. وذكر أبو (¬4) عمر أن بنات جحش الثلاث استحضن زينب وأم حبيبة وحمنة. وذكر القاضي (¬5) يونس بن مغيث في كتابه: "الموعب في شرح الموطأ". مثل هذا، وزاد أن اسم كل واحدة منهن زينب (¬6)، كنيت إحداهن أم حبيبة، ولقبت الأخرى حمنة (¬7). ¬

_ (¬1) نقله القرطبي في المفهم (1/ 562) ولعلّه في العلل. (¬2) وسبقه إلى ذلك الواقدي. انظر فتح الباري (1/ 427) وكذا ابن سعد كما في الإصابة (8/ 79) برقم 11026. (¬3) انظر المفهم (1/ 592). (¬4) انظر الاستيعاب (4/ 1813)، (4/ 1928)، الاستذكار (3/ 227 - 228)، التمهيد. (¬5) نقله القرطبي في المفهم (1/ 562) والقاضي عياض في إكمال المعلم والنووي في شرح مسلم (4/ 23) والسيوطي في تنوير الحوالك (1/ 63) والزرقاني في شرح الموطأ (1/ 111) والإصابة (7/ 670). (¬6) قلت: وهو المقصود بقول الحافظ ابن حجر: وتعسف بعض المالكية فزعم أن اسم كل من بنات جحش زينب. انظر فتح الباري (1/ 427). (¬7) قال صاحب المطالع أيضًا بن قرقول لا يلتفت لقول من قال إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأنَّ أهل المعرفة بالإنساب لا يثبتونه، وإنَّما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم. قلت: وقد ذكر الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري أن الإمام مالكًا لم ينفرد بهذا بل تابعه على ذلك يَحْيَى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطَّيالسيّ في مسنده انظر تنوير الحوالك (1/ 63). =

والذي رأيته عند ابن عساكر وقبله عند الحافظ أبي محمد بن (¬1) حزم في كتاب "الجمهرة"، وقبلهما في "جمهرة" ابن (¬2) الكلبي: زينب وحمنة وتكنى أم حبيبة ثنتان لا غير، وما قاله الحربي هو عند الزُّبير (¬3) في كتابه في النسب، وحسبك به. والمستحاضات (¬4) على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن خمسًا: الأولى: حمنة بنت جحش، وقد تقدم ذكرها وحديثها. الثَّانية: أختها أم حبيبة، ويقال أم حبيب، وتقدم ما فيها من الخلاف، وهل هي حمنة أو غيرها؟ ومن فرق بينهما يقول: كانت حمنة تحت طلحة بن عبيد الله أخيرًا وهي أم ولديه عمران ومحمد، وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف. الثالثة: فاطمة بنت أبي حبيش، وقد تقدم ذكرها. الرابعة: سهلة بنت سهيل بن عمرو العامرية كانت تحت أبي حذيفة بن عتبة ¬

_ = فائدة: قال الحافظ في التلخيص (1/ 163): "ومن الغرائب ما حكاه السهيلي عن شيخه محمد بن نجاح أن أم حبيبة كان اسمها أيضًا زينب وأن زينب زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم غلب عليها الاسم وأن أم حبيبة غلبت عليها الكنية وأراد بذلك تصويب ما وقع في الموطأ أن زينب بنت جحش كانت عند عبد الرحمن بن عوف. (¬1) الجمهرة (1/ 191). (¬2) الجمهرة لابن الكلبي (186). (¬3) جمهرة نسب قريش (2/ 517). (¬4) ونقل ذلك الحافظ مغلطاي قرأه بخطه الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في الفتح (1/ 547).

ابن ربيعة، ثم خلف عليها بعده عبد الرحمن بن عوف، ذكر حديثها أبو داود (¬1). وروينا من طريق الدَّارميِّ (¬2): أنا هاشم بن القاسم: نا شعبة قال: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن المستحاضة، فأخبرني عن أبيه، عن عائشة: أنّ امرأة استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها (¬3)؛ قال: لا أحدثك عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، قال: فأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلًا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلًا، وتغتسل للصبح غسلًا. قال الدَّارميُّ (¬4): أنا أحمد بن خالد: نا محمد بن إسحاق، عن الزُّهريّ، عن القاسم: أنها كانت بادية بنت غيلان الثقفية، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة. قال: إنَّما هي سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت وأن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - كان أمرها بالغسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمر أن تجمع بين الظهر والعصر في غسل واحد، والمغرب والعشاء في غسل واحد، وتغتسل للصبح. والخامسة: سودة (¬5) بنت زمعة زوج رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، رواه العلاء (¬6) بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر: أن سودة استحيضت ... ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 150) برقم 295 باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا. (¬2) السنن (1/ 220) برقم 777. (¬3) في السنن فأمرت قال: قلت لعبد الرحمن: النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أمرها؟ (¬4) السنن (1/ 222) برقم 784. (¬5) حديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة حيث ذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولًا. (¬6) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 140) برقم 281 باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصَّلاة عدة الأيَّام التي كانت تحيض ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 335) وابن خزيمة موصولًا ذكر ذلك البيهقي.

وقد صحّ (¬1) أن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - اعتكف واعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدَّم ... الحديث. فمن الجنائز أن تكون هي سودة (¬2) (¬3). وقد روى مالك (¬4) في "الموطأ": أنَّ زينب بنت جحش استحيضت. وقد تقدم فيما حكيناه عن أبي عمر أن بنات جحش الثلاث استحضن، وكذلك عن يونس بن مغيث القاضي، وكأنه تعويل على حديث مالك الذي أشرنا إليه. وفي حديث مالك من الوهم المحقق: أن زينب زوج رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - التي ذكر أنها كانت تستحاض كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، ولم تكن هذه تحت ابن عوف قط، وإنَّما التي كانت تحت عبد الرحمن أختها، وأمَّا زينب فكانت قبل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحت زيد بن حارثة، ثم انتقلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أكرم الوجوه، هذا ما لا شكَّ فيه (¬5). فإن ثبت أن سودة وزينب استحيضتا معًا فهي سادسة. ¬

_ (¬1) ثبت ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه البُخاريّ في صحيحه كتاب الحيض (1/ 116) برقم (309 - 310 - 311) باب الاعتكاف للمستحاضة وفي كتاب الاعتكاف (2/ 68) برقم 2037 باب اعتكاف المستحاضة. (¬2) ذكر ذلك الحافظ مغلطاي كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 411). (¬3) قلت: لكن يبعد هذا الاحتمال ما وقع في رواية سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة. فأفاد بذلك معرفة عينها. أفاده الحافظ ابن حجر رحمه الله. انظر فتح الباري (4/ 281). (¬4) الموطأ (1/ 62) برقم 106. (¬5) وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن عبد البر حيث جزم بأنه خطأ؛ لأنَّه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف إنَّما هي أم حبيبة أختها انظر التمهيد وفتح الباري (1/ 411).

وثم أيضًا سابعة، وهي أسماء (¬1) بنت مرشد الحارثية (¬2) التي وقع ذكرها في حديث الاستظهار، وقد عُددن أكثر من ذلك (¬3). روى حرام بن عثمان، عن ابن جابر، عن أبيه: أن ابنة مرشد الأنصارية: أتت النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - فقالت: تنكرت حيضتي، قال: "كيف؟ " قالت: تأخذني فإذا تطهرت منها عاودتني، قال: "إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثًا"، هذه رواية أبي بكر بن عياش، عن حرام وهي عند البيهقي (¬4). وأخرجه أبو بكر بن الجهم (¬5) الفقيه المالكي (¬6) في كتابه (¬7) من حديث عبد (¬8) ¬

_ (¬1) انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 330). (¬2) ووقع عنده الأنصارية ولعلّه خطأ. قلت وقد ذكر خبرها الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1785) برقم 3231 وابن حجر في الإصابة (4/ 233) برقم 56 ووقع عندهما مرثد، وذكر ابن سعد في الطبقات أسماء بنت مرشدة (8/ 335) من بني حارثة. وفي أسد الغابة (6/ 16) أسماء بنت مرشدة وانظر معرفة الصّحابة لأبي نعيم (6/ 3261) وتجريد أسماء الصّحابة للذهبي (2/ 245). (¬3) قلت: ووقع كذلك في الإمام لابن دقيق العيد (3/ 313) وعنه ينقل المصنف فينبغي أن يراجع. (¬4) السنن الكبرى (1/ 330) وقال حرام بن عثمان ضعيف لا تقوم بمثله الحجة. (¬5) ذكر ذلك البيهقي في السنن الكبرى (1/ 330) والحافظ ابن حجر في الإصابة (4/ 233). (¬6) كذا وقع فيه أبو بكر بن الجهم الفقيه المالكي ولا أدري أهو خطأ من الناسخ أم من الطابع. والمقصود: هو شيخ المالكية وقاضيها ببغداد أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق البصري المالكي، قاضي بغداد وصاحب التَّصانيف، ولد سنة 199 هـ وتوفي في شهر ذي الحجة سنة 282 هـ. انظر: السير (13/ 339 - 342) برقم 157. (¬7) المقصود به أحكام القرآن، وذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/ 233). (¬8) وهو الدراوردي كما في الإصابة (4/ 233).

العزيز بن محمد عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر (¬1) بن عبد الله، عن أبيهما قال جاءت أسماء بنت مرشد الحارثية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جالس عنده، فقالت: يا رسول الله، قد حدثت لي حيضة أنكرتها، أمكث بعد الطهر ثلاثًا، ثم يراجعني فيحرّم عليَّ الصَّلاة. قال: "إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثًا ثم تطهري اليوم الرابع وصلّي، إلَّا أن تري دفعة من دم قانٍ" (¬2). رواه عن إسماعيل بن إسحاق، عن إبراهيم بن حمزة (¬3)، عن عبد العزيز بن محمد. قال أبو (¬4) بكر: -هو ابن إسحاق-: الخبر واهٍ. وقال البيهقي (¬5): حرام بن عثمان ضعيف لا تقوم بمثله الحجة. وقال أبو عمر (¬6) في "التمهيد": احتج بعض أصحابنا في الاستظهار بحديث رواه حرام بن عثمان، عن ابني (¬7) جابر، فذكره، وهو حديث لا يصح، وحرام بن عثمان ضعيف متروك. وروى الساجي (¬8) عن الشَّافعي قال: حرام بن عثمان حديثه حرام كما يسمّى حرامًا. وقد اختلف السلف في اغتسال المستحاضة لكلِّ صلاة، فذهب بعضهم إلى ¬

_ (¬1) في الإصابة (4/ 233): ومحمد ابني جابر وأبي عتيق بن عبد الله. (¬2) أي البيهقي كما في السنن الكبرى (1/ 330) ووقع عنده أبو بكر بن إسحاق الفقيه. (¬3) في السنن الكبرى (1/ 331) إبراهيم بن إسحاق بدل ابن حمزة. (¬4) نقل ذلك البيهقي في السنن الكبرى (1/ 330) (¬5) السنن الكبرى (1/ 330). (¬6) التمهيد (16/ 82). (¬7) ووقع في المطبوع أبي بدل ابني وهو خطأ قطعًا. (¬8) ذكر ذلك ابن عدي في الكامل (2/ 850) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 282) برقم 1261.

أنَّه منسوخ بما وقع في حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنَّه عليه السَّلام أمرها بالاغتسال لكل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر في غسل، وبين المغرب والعشاء في غسل ... الحديث. وذهب آخرون إلى أنَّه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، يحكى ذلك عن أم حبيبة وعلي وابن عباس وابن عمرو ابن الزُّبير وسعيد بن المسيب. وذهب أحمد بن حنبل -رحمه الله- إلى استحبابه. وقد تقدّم هذا، وكثير من أحكام المستحاضة في الأبواب قبل هذا. * * *

97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصَّلاة ثنا قتيبة: نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن معاذة: أن امرأة سألت عائشة قالت: أتقضي إحدانا صلاتها أيَّام محيضها؟ قالت: أحروريّة أنت؟! قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصَّلاة، وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصَّلاة (¬1). * الكلام عليه: أخرجه البُخاريّ (¬2) من حديث قتادة عن معاذة، ومسلم (¬3) من رواية أبي قلابة ويزيد الرشك عن معاذة، وأبو داود (¬4) من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن أبي (¬5) قلابة به. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 234 - 235). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 120) برقم 321 باب لا تقضي الحائض الصَّلاة. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 265) برقم 335 باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصَّلاة. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 263 باب في الحائض لا تقضي الصَّلاة. (¬5) قوله عن أبي قلابة به ليس في سنن أبي داود، وإنَّما الذي عنده عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها. وقبله عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة. وانظر تحفة الأشراف (12/ 434 - 435) برقم 17964 والحديث رواه النَّسائيّ في سننه كتاب الحيض (1/ 209 - 210) برقم 380 باب سقوط الصَّلاة عن الحائض وفي كتاب الصيام (4/ 504 - 505) برقم 2317 باب وضع الصيام عن الحائض. وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 207) برقم 631 باب الحائض لا تقضي الصلاة.

والقضاء: الأداء، هو فعل المأمور به. وقولها: أحرورية (¬1) -بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى- وهي نسبة إلى حروراء، وهي قرية بقرب الكوفة على ميلين منها، كان أول اجتماع الخوارج بها. قال الهروي (¬2): تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها، فمعنى (¬3) قول عائشة: أن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصَّلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو خلاف إجماع المسلمين، وأجمع (¬4) المسلمون على أنَّ الحائض والنفساء لا يجب (¬5) عليها الصَّلاة ولا الصوم في الحال، وأجمعوا على أنَّه لا يجب عليها (¬6) قضاء الصوم؛ والفرق بينهما أن الصَّلاة كثيرة متكررة فيشقّ قضاؤها بخلاف الصَّوم، فإنَّه يجب في السنة مرَّة واحدة، وربما كان الحيض يومًا أو يومين. قال أصحابنا: كل صلاة فاتت (¬7) في زمن الحيض لا تقضي إلَّا ركعتي الطواف. قال الجمهور (¬8) وأصحابنا وغيرهم: وليست الحائض مخاطبة بالصيام في زمن الحيض، وإنَّما يجب عليها القضاء من جديد (¬9). وذكر بعض أصحابنا وجهًا أنها مخاطبة بالصيام في حال الحيض وتؤمر ¬

_ (¬1) انظر شرح النووي على مسلم (3/ 250) وقبله السمعاني في الأنساب (2/ 207). (¬2) الغريبين (2/ 422). (¬3) هذا بعينه كلام النووي في شرح مسلم (3/ 250) (¬4) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 249 - 250). (¬5) في شرح مسلم لا تجب عليهما. (¬6) في شرح مسلم عليهما بدل عليها. (¬7) في شرح مسلم تفوت بدل فاتت. (¬8) في شرح مسلم من أصحابنا وهو المناسب للسياق. (¬9) في شرح مسلم وإنَّما يجب عليها القضاء بأمر جديد، وهو الصواب.

بتأخيره، كما يخاطب المحدث بالصلاة، وإن كانت لا تصح منه في زمن الحدث، وهذا الوجه ليس بشيء؛ فكيف يكون الصيام واجبًا عليها، ومحرمًا عليها بسبب لا قدرة لها على إزالته بخلاف الحدث فإنَّه قادر على إزالة الحدث (¬1). وقولها: "فلا نؤمر بقضاء": تعني من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بحيضهن وتركهن الصَّلاة في زمنه. ولو كان القضاء واجبًا لأمر به (¬2)، وقد اكتفت (¬3) في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به، فيحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون أخذت إسقاط القضاء بسقوط الأداء دليلًا على سقوط القضاء، إلَّا أن يوجد معارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم. الثَّاني: وهو الأقرب أن يكون السبب في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرره، ولو وجب قضاء الصَّلاة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 249 - 250). (¬2) وبنحوه كلام النووي في شرح مسلم (3/ 250 - 251). (¬3) هذه بداية النقل عن ابن دقيق العيد كما في إحكام الأحكام (1/ 163). (¬4) هذه العبارة غير مفهومة وعبارة ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام محكمة إذ يقول رحمه الله: فإن الحيض يتكرر فلو وجب قضاء الصَّلاة فيه لوجب بيانه وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب لا سيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به.

98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن ثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة قالا: ثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". قال: وفي الباب عن عليّ (¬1). قال أبو عيسى: حديث ابن عمر لا نعرفه إلَّا من حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض ... "، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم مثل: سفيان وابن المبارك والشّافعيّ وأحمد وإسحاق قالوا: لا تقرأ الجنب والحائض من القرآن شيئًا إلَّا طرف آية والحرف، ونحو ذلك. ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به. وقال: إنَّما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام. وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية، ولبقية أحاديث مناكير ينفرد بها عن الثقات. قال أبو عيسى: حدثني أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) قلت: حديث علي رضي الله عنه، سيورده المصنف في باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا. (¬2) الجامع (1/ 236 - 237).

* الكلام عليه: أخرجه ابن (¬1) ماجه عن هشام بن عمار، عن إسماعيل بن عياش. كما أخرجه التِّرمذيُّ عن علي بن حجر والحسن بن عرفة. وقد وقع لنا حديث الحسن بن عرفة عاليًا (¬2): أنا الشَّيخ المسند أبو العز عبد (¬3) العزيز بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقل قراءةً عليه وأنا أسمع عودًا على بدء، وأخوه المصدر (¬4) محب الدين أبو الفرج عبد اللطيف إجازةً، قال الأول: أنبأنا، وقال الثَّاني: أنا أبو الفرج (¬5) عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن كليب ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 196) برقم 596 باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة. (¬2) وكذا لشيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 70) حيث ساقه بسنده. (¬3) عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي عز الدين أبو العز وأبو محمد مسند الوقت. روى عنه ابن سيد النَّاس صحيح البُخاريّ بقراءة والده أبي عمرو. انظر عيون الأثر (2/ 342). وروى عنه القطيعيات حضورًا في الرابعة وجزء ابن نجيد قراءة عليه وهو يسمع. انظر: عيون الأثر (1/ 81) (2/ 223). انظر: العيون (1/ 79). وروى عنه جزء الحسن بن عرفة سماعًا كما في أجوبته على أسئلة الحافظ ابن أرمبك (85). وشرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي كما في الأجوبة (102) وصحيح مسلم. انظر العيون (2/ 342) وانظر ترجمة عد العزيز بن عبد المنعم في تاريخ الإسلام وفيات 686 هـ والنجوم الزاهرة (7/ 373) والشذرات (5/ 396). (¬4) عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل أبو الفرج الحنبلي روى عنه أبو الفتح الطبقات لابن سعد إجازة عن ابن كازة كما في العيون (2/ 346) وأجازه سنة مولده وأجلسه في حجره وكناه أبا الفتح كما روى عنه جزء الحسن بن عرفة. انظر الأجوبة (85). وانظر ترجمة عبد اللطيف في العبر (5/ 298) والنجوم الزاهرة (7/ 244) والشذرات (5/ 336). (¬5) الشَّيخ الجليل مسند العصر أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن خضر =

الحراني قراءة عليه، وأنا أسمع ببغداد قال: أنا أبو القاسم (¬1) علي بن أحمد بن محمد بن سليمان قال: أنا أبو الحسن (¬2) محمد بن محمد بن مخلد: أنا إسماعيل (¬3) بن محمد الصفار نا الحسن (¬4) بن عرفة به .. (¬5). ¬

_ = ابن كليب الحرَّاني ثم البغدادي الحنبلي. ولد في صفر سنة 500 هـ. وتوفي في السابع والعشرين من ربيع الأول سنة 596 هـ. انظر: السير (21/ 258 - 260) برقم 134. (¬1) الشَّيخ الصدوق المسند أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرَّزَّاز البغدادي راوي جزء ابن عرفة ولد في سنة 413 هـ. وتوفي في سادس شعبان سنة 510 هـ. انظر: السير (19/ 257 - 258) برقم 159. (¬2) الشَّيخ الأمين أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي الواسطيِّ البزاز. توفي سنة 468 هـ. انظر السير (18/ 411 - 412) برقم 207. (¬3) الإمام النحوي الأديب مسند العراق أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار ولد سنة 247 هـ. وسمع من الحسن بن عرفة أربعة وتسعين حديثًا توفي ببغداد في رابع عشر المحرم سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة. انظر: السير (15/ 440 - 441) برقم 250. (¬4) والحديث في جزئه المسمى بجزء الحسن بن عرفة العبدي (ص 76 - 77) برقم 60. وممن أخرجه عن ابن عرفة الذهبي في السير (6/ 118) بسنده في ترجمة موسى بن عقبة وكذا في (8/ 285) في ترجمة ابن عياش وهو كذلك في منتقى ابن عرفة للذهبي بروايته عن ابن تيمية له رقم 3. (¬5) الإمام المحدث الثقة مسند وقته الحسن بن عرفة أبو علي العبدي البغدادي المؤدَّب ولد سنة 150 هـ حدث عنه التِّرمذيُّ وابن ماجه وغيرهما وتوفي في سنة 257 هـ. انظر: الجرح والتعديل (3/ 31 - 32)، تاريخ بغداد (7/ 394 - 396)، السير (11/ 547 - 551) برقم 163.

ورواه الحافظ أبو (¬1) بكر البزار عن الحسن بن عرفة أيضًا، وقال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن موسى بن عقبة إلَّا إسماعيل بن عياش، ولا نعلم يروى عن ابن عمر من وجه إلَّا من هذا الوجه، ولا يروى عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - في الحائض إلَّا من هذا الوجه. انتهى. وهذا نحو ما ذكره التِّرمذيُّ (¬2) في أنَّه لا يعرفه إلَّا من حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وسكت عنه فلم يحكم عليه بشيء، لكنَّه أشار إلى تضعيفه بتفرد ابن عياش عن موسى بن عقبة وهو حجازي، وقوله عمّن قال عنه: إن حديثه عن الشاميين مقبول، وأن له عن الحجازيين مناكير، وقد اختلف في حفظه؛ فوثقه قوم مطلقًا (¬3)، وضعفه آخرون كذلك، وفصل (¬4) قوم بين مروياته فقبلوا منها ما ¬

_ (¬1) وكذا عزاه إليه ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 70) ولعلّه المصنف ينقل عنه، فإنَّه بالحرف كما هو واضح، ولم أقف عليه في الزوائد ولا في المجمع، والله أعلم، وأشار إلى كلام البزار هذا أبو الطَّيِّب محمد شمس الحق العظيم آبادي في التعليق المغني (1/ 118) وقبله الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 240) وكذا الحافظ مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (3/ 756) وتعقب الحافظ مغلطاي البزار بقوله كما في شرح سنن ابن ماجه (3/ 757): وأمَّا قول البزار ولا يروى عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم في الحائض إلَّا من هذا الوجه ففيه نظر لما أسلفنا من حديث عائشة قبل والله أعلم. (¬2) كما في الجامع (1/ 236). (¬3) انظر: تهذيب الكمال (3/ 163 - 181)، وتهذيب التهذيب (1/ 162 - 164). (¬4) قلت: وهو الذي يقتضيه التحقيق العلمي، وهو مذهب فضلاء أهل العلم. قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون (130): فإنَّه من رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين وهي مقبولة. وقال في (ص 196): وإسماعيل بن عياش وإن كان فيه مقال لكن الجمهور على أن روايته عن الشاميين قوية. وهذا منها. وممن صرح بذلك يَحْيَى بن معين والبخاري ودحيم. وقال يعقوب الفسوي: تكلم فيه قوم وهو ثقة أعلم النَّاس بحديث الشام. وعلى هذا التَّفريق جرى كبار أئمة الحديث كأحمد والبخاري وابن معين ويعقوب بن شيبة وابن عدي وغيرهم وهم عمدة الحافظ ابن حجر حيث قال في تقريبه (142) صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم. وكذا الذهبي في المغني (1/ 85) حيث قال: =

كان عن الشاميين خاصة، وتوقفوا فيما رواه عن غيرهم، فقال البُخاريّ (¬1): إذا حدّث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر، وحسَّن رد روايته عن الشاميين، وقال: هو فيهم أحسن حالًا ممَّا روى عن المدنيين وغيرهم، وقال (¬2) مرَّة: عنده عن غير الشاميين مناكير. وروى أبو جعفر محمد بن عثمان (¬3) بن أبي شيبة، عن يَحْيَى بن معين إنّه ثقة فيما روى عن الشاميين، وما روى عن غيرهم فخلط فيها. وروى عنه أيضًا أنَّه قال: فأمَّا روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم. وقال عبد (¬4) الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: ما كان أحد أعلم بحديث الشام من إسماعيل لو ثبت عليه، ولكنه خلط في حديثه عن أهل العراق. وثنا عنه عبد الرحمن، ثم ضرب على حديثه. قال: وسمعته يقول: هو عندي ضعيف. وحدث عنه ابن مهدي قديمًا ثم تركه. ¬

_ = عالم أهل حمص صدوق في حديث أهل الشام، مضطرب جدًّا في حديث أهل الحجاز. قال أحمد: "ما روى عن الشاميين صحيح، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيح. أما العلامة أحمد محمد شاكر فمال إلى توثيقه مطلقًا مجانبًا في ذلك مذهب المحققين، والله أعلم. انظر: الجامع (1/ 237 - 238) الحاشية. (¬1) انظر تاريخ بغداد (6/ 224). (¬2) علل التِّرمذيِّ الكبير (1/ 190) بنحوها وكذا الجامع (1/ 237). (¬3) تاريخ الخطيب (6/ 226). (¬4) المصدر السابق.

وقال ابن (¬1) المديني: كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام، فأمَّا ما روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف. وقال يعقوب (¬2) بن شيبة: ثقة عند يَحْيَى بن معين وأصحابنا فيما روى عن الشاميين خاصّة، وفي روايته عن أهل العراق وأهل المدينة اضطراب كثير، وكان عالمًا بناحيته. وقال الفلاس (¬3): إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح، فإذا حدث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح فليس بشيء. وقال فيه أبو (¬4) إسحاق الفَزَاريّ: ذلك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه. وقال ابن (¬5) عدي: هو ممن يكتب حديثه ويحتج به في الشاميين خاصة. فتلخّص من هذا تضعيف الحديث عنده لما ذكرناه؛ ولكن ليس هو كذلك، لأنَّ إسماعيل بن عياش لم ينفرد به عن موسى بن عقبة، فقد رواه عن موسى المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي (¬6) وهو متَّفقٌ ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) تاريخ بغداد (6/ 227). (¬3) تاريخ بغداد (6/ 227). (¬4) تاريخ بغداد (6/ 227) قال أبو صالح الفراء قلت لأبي إسحاق الفَزَاريُّ: إنِّي أريد مكّة وأريد أن أمر بحمص وثمّ رجل يقال له إسماعيل بن عيَّاش فأسمع منه؟ قال: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه. (¬5) الكامل (1/ 296). (¬6) وروايته عند الدارقطني في السنن (1/ 117) برقم 5 ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (2/ 26) برقم 319.

عليه (¬1)، ورواه عنه القعنبي (¬2) ورواه عن القعنبي ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (28/ 387 - 390) وتهذيب التهذيب (4/ 136) والجمع بين رجال الصحيحين (2/ 500) برقم 1948. قلت: وأخطأ ابن الجوزي في التحقيق (1/ 418 مع التنقيح) حيث أعل الحديث بالمغيرة بن عبد الرحمن فقال عنه: "ضعيف مجروح" قال ابن عبد الهادي متعقبًا له: "وقول المؤلف -أي: ابن الجوزي- أنَّه "ضعيف مجروح" وهم، فإنَّه ثقة من رجال الصحيحين وهو الحزامي لا المخزومي، وإن كانا يرويان عن موسى بن عقبة فيما قيل". وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 240) وإن كان ابن الجوزي ضعفه بمغيرة بن عبد الرحمن فلم يهب في ذلك، فإن مغيرة ثقة. (¬2) كذا قال المصنف ها هنا وهو وهم منه، لعله تبع في ذلك ابن عساكر في الأطراف حيث جزم أن عبد الله بن مسلمة هذا هو القعنبي، وبناء على جزم ابن عساكر هذا صحح ابن سيد النَّاس هذا الحديث. قال الحافظ المزي في تحفة الأشراف (6/ 240) برقم 8474: "قال أبو القاسم أي ابن عساكر: قد رواه عبد الله بن حماد الآملي عن القعنبي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة". وتعقبه ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 421) فقال: وقوله عن القعنبي وهم، فإن عبد الله بن حماد إنما رواه عن عبد الملك بن مسلمة المصري، وهو ضعيف كما تقدم. وتعقب ابن عساكر أيضًا ابن حجر، فقال في النكت الظراف (6/ 239): قول ابن عساكر أنَّه القعنبي خطأ فاحش، وإنَّما رواه عبد الله بن حماد عن عبد الملك بن مسلمة المصري كذا هو عند الدارقطني في سننه وابن عدي وغيرهما. وقال في التلخيص الحبير (1/ 240): وكأن ابن سيد النَّاس تبع ابن عساكر في قوله في الأطراف إن عبد الملك بن مسلمة هذا هو القعنبي وليس كذلك بل هو آخر. بخلاف ما ذكره في الدراية (1/ 85) حيث قال في هذا الحديث من هذه الطَّريق: ظاهره الصحة. وأطلق ضعف الحديث من جميع طرقه في الفتح (1/ 409) وتعقب المناوي كذلك ابن سيد الناس حيث قال في فيض القدير (6/ 454): وأخطأ ابن سيد الناس حيث قال صح طريق المغيرة. والحديث ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم: 1 - الإمام أحمد، قال ابنه عبد الله في العلل (2) (3/ 381) برقم 5675: سألت أبي عن حديث حدثناه الفضل بن زياد ... وسرده. قال: فقال أبي: هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنَّه وهم من إسماعيل بن عياش. =

عبد (¬1) الله بن حمَّاد الآملي (¬2)، ذكره أبو القاسم بن عساكر (¬3)، وعبد الله بن ¬

_ = 2 - ونقله الخلال عن عبد الله كما في الإمام لابن دقيق العيد (3/ 71). 3 - التِّرمذيُّ حيث قال عقبة كما في الجامع (1/ 236): لا نعرفه إلَّا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة ونقل قول البُخاريّ وأحمد. 4 - أبو حاتم الرازي، قال ولده في العلل (1/ 49) برقم 116: سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش ... به فقال أبي: هذا خطأ إنَّما هو عن ابن عمر قوله. 5 - الذهبي قال في السير (6/ 118): هذا حديث لين الإسناد من قبل إسماعيل إذ روايته عن الحجازيين مضعفة. 6 - ابن عدي في الكامل (1/ 294) حيث قال: وهذا الحديث بهذا الإسناد لا يرويه غير ابن عياش. زاد الزيلعي عنه كما في نصب الراية (1/ 195): وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما وصوب أبو حاتم وقفه على ابن عمر. وهذه الزيادة ليست في المطبوع من الكامل. 7 - ابن الملقن كما في تحفة المحتاج (1/ 195) برقم 102 حيث قال: وفي رواية للترمذي ضعيفة. 8 - الزيلعي في نصب الراية (1/ 195) حيث نقل أقوال المضعفين وسكت عنها. 9 - الحافظ ابن حجر حيث ضعفه في التلخيص الحبير (1/ 240) وقال في فتح الباري (1/ 409): وأمَّا حديث ابن عمر مرفوعًا: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن" فضعيف من جميع طرقه. 10 - النووي قال في المجموع (2/ 155): هو حديث ضعيف ضعفه البُخاريّ والبيهقيّ وغيرهما والضعف فيه بين. وقال في (2/ 158): ضعيف. وقال في خلاصة الأحكام (1/ 208) وحديث ابن عمر رفعه: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن" ضعفه البُخاريّ والترمذي والبيهقيّ. 11 - العلامة الألباني رحمه الله كما في الإرواء. (¬1) عبد الله بن حماد بن أيوب أبو عبد الرحمن الآملي ثقة تلميذ البُخاريّ ووراقه. انظر التقريب (501). (¬2) وقع في تاريخ بغداد (9/ 444) الأيلي بدل الآملي وهو خطأ. (¬3) وروايته هذه عند الدارقطني في السنن (1/ 117) برقم 5 ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (2/ 26) برقم 319.

حماد هو ابن أيوب بن موسى أبو عبد الرحمن قدم بغداد وحدث بها عن عبد (¬1) الغفار بن داود الحراني وأبي (¬2) الحماد محمد (¬3) بن عثمان. روى عنه القاضي المحاملي (¬4) والهيثم (¬5) بن كليب الشاشي وخلق يطول ذكرهم. وثَّقه ابن (¬6) حبان، توفي في ربيع الآخر سنة تسع وستين ومائتين (¬7) وقيل سنة ثلاث وسبعين ومائتين (¬8) ومائة. روي له البُخاريّ (¬9). ¬

_ (¬1) عبد الغفار بن داود بن مهران أبو صالح الحرَّاني نزيل مصر ثقة فقيه من العاشرة. انظر: التقريب (617). (¬2) في تاريخ بغداد (9/ 444) أبي الجماهر بدل أبي الحماد، والمصنف ينقل عن تاريخ بغداد. (¬3) محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر وأبو عبد الرحمن الكفرسوسي ثقة من العاشرة. انظر: التقريب (877). (¬4) القاضي الإمام أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي المحاملي مصنف السنن. مولده سنة 235 هـ. وتوفي في سنة 330 هـ. انظر: السير (15/ 258 - 263). (¬5) الإمام الحافظ أبو سعيد الهيثم بن كليب بن سريج الشاشي صاحب المسند الكبير. توفي بسمرقند سنة 335 هـ. انظر: السير (15/ 359 - 360) برقم 183. (¬6) الثقات (8/ 369) ووقع فيه الأعلى بدل الآملي وهو خطأ. وعبارة المزي في تهذيب الكمال (14/ 431) ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وهي أدق من قول المصنف وثقه ابن حبان. (¬7) وهو قول أبي عبد الله الغنجار صاحب تاريخ بخارى. انظر: تهذيب الكمال (14/ 431). (¬8) انظر: تهذيب الكمال (14/ 431). (¬9) جزم أبو إسحاق الحبال والحاكم وأبو نصر الكلاباذي بأن الذي روى عنه البُخاريّ هو ابن حماد هذا. =

وهذا الحديث عند الدارقطني (¬1) عن محمد بن حمدويه المروزي عن عبد الله بن حماد، ومحمد بن حمدويه هذا ذكره الخطيب أبو بكر في "تاريخه" (¬2) قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب: أنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا حفص ضيغم الزَّاهد يقول: توفي أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل ليلة الثلاثاء ثالث عشر من صفر (¬3) سنة سبع وعشرين وثلاثماثة الخطيب (¬4) توثيقه، فالحديث إذًا صحيح الإسناد. وهو عند الدارقطني (¬5) أيضًا من طريق أبي معشر عن موسى بن عقبة، لكن ليست كهذه، فإن أبا معشر (¬6) مضعَّف، وفي الطَّريق إليه مجهول. قال الدارقطني (¬7): ثنا محمد بن مخلد عن محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر. وذكر ابن (¬8) أبي حاتم سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقرأ الجنب ¬

_ = وقال الذهبي في السير (12/ 611) وعنه البخاري فيما قيل والذي عندي أن عبد الله هذا هو ابن الخوارزمي فإن البُخاريّ نزل عنده بخوارزم ونظر في كتبه وعلق عنه أشياء. (¬1) في السنن (1/ 117) برقم. (¬2) تاريخ بغداد (5/ 232) برقم 2717. (¬3) وفي تاريخ بغداد رجب بدل صفر. (¬4) هذه العبارة غير واضحة وكأن فيها أن الخطيب وثق ابن حمدويه وليس كذلك فالتوثيق منقول عن الدارقطني كما في التاريخ. (¬5) السنن (1/ 118) برقم 6. (¬6) وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني أبو معشر ضعيف من السادسة. انظر: التقريب (998). (¬7) السنن (1/ 118) برقم 6. (¬8) العلل (1/ 49) برقم 116.

ولا الحائض شيئًا من القرآن". فقال أبي: هذا خطأ؛ إنَّما هو عن ابن عمر قوله (¬1): وفي كتاب "الكامل" (¬2) عن عبد الله وذكر هذا الحديث، قال: أبي هذا باطل أنكر على إسماعيل، يعني أنَّه وهم من إسماعيل بن عياش. ورواه أبو أحمد (¬3) بن عدي من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن العلاء الزبيدي الحمصي المعروف بابن زبريق عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله -يعني العمري- وموسى بن عقبة، وقال: هذا الحديث بهذا الإسناد لا يرويه غير ابن عياش وعامة من رواه عن ابن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، وزاد في هذا الإسناد عن ابن عياش، إبراهيم بن العلاء. وسعيد بن يعقوب الطالقاني فقالا: عبيد الله وموسى بن عقبة. وليس لهذا الحديث أصل، وحديث عبيد الله. انتهى. ورواية سعيد بن يعقوب الطالقاني هذه عند البيهقي (¬4). وأمَّا حديث علي فذكره التِّرمذيُّ (¬5) وصححه (¬6)، وسيأتي في بابه بعد هذا إن ¬

_ (¬1) قلت: روى البيهقي في السنن الكبرى (1/ 90 - 91) من طريق قتيبة بن سعيد ثنا اللَّيث عن نافع عن ابن عمر أنَّه قال: لا يسجد الرجل إلَّا وهو طاهر، ولا يقرأ إلَّا وهو طاهر، ولا يصلِّي على الجنازة إلَّا وهو طاهر. (¬2) كذا ولعل العبارة غير صحيحة إذ النص ليس في الكامل وإنَّما هو في العلل للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (3/ 381) برقم 5675 وهو كذلك في كتاب الخلال كما في الإمام لابن دقيق العيد (3/ 71). (¬3) الكامل (1/ 294). (¬4) هي عند الدارقطني في سننه (1/ 117) برقم 3 والبيهقيّ في الخلافيات (2/ 23) برقم 318. (¬5) الجامع (1/ 236) حيث قال: وفي الباب عن علي. (¬6) الجامع (1/ 274) باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

شاء الله تعالى. وفي الباب ممَّا لم يذكره حديث عبد الله بن رواحة: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ أحد منا القرآن وهو جنب". روه يعقوب (¬1) بن سفيان الحافظ من جهة زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام (¬2)، عن عكرمة قال: قال عبد الله بن رواحة: ... فذكره. أخرجه البيهقي (¬3) في الخلافيات عنه. وعكرمة عن ابن رواحة منقطع (¬4). رواه الدارقطني (¬5) أتم منه بقصة، قال: كان ابن رواحة مضطجعًا إلى جنب امرأته، فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها، ففزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت فخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت، فأخذت الشفرة، ثم خرجت ففزع، ثم قام فلقيها (¬6) تحمل الشفرة. قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك ¬

_ (¬1) المعرفة والتاريخ (1/ 259). (¬2) وقع في التاريخ ليعقوب وهران بدل وهرام وهو خطأ. (¬3) الخلافيات (2/ 30) برقم 321 من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي والحديث في سنن الدارقطني (1/ 120) برقم 11 و 12. (¬4) انظر تهذيب الكمال (14/ 507) وقال أبو زرعة العراقي في تحفة التحصيل (358) برقم 710 وهو واضح الإرسال أضف إلى الانقطاع ضعف زمعة، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة كأحمد ويحيى وأبي حاتم وأبي زرعة والبخاري. انظر أقوالهم في تهذيب الكمال (9/ 386) وفي روايته عن سلمة بن وهرام على وجه الخصوص ضعف. قال عبد الله بن أحمد في العلل (2/ 527) برقم 3479 سألته عن سلمة بن وهرام فقال: روى عن زمعة أحاديث مناكير أخشى أن يكون حديثه حديثًا ضعيفًا. وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 399) وقال: يعتبر حديثه من غير رواية زمعة بن صالح عنه. (¬5) في سننه (1/ 120) برقم 13. (¬6) في السنن: فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم، لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة قال وأين ... إلخ.

على الجارية. فقال: ما رأيتني، وقال: قد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب، قالت: فاقرأ (¬1). فقال: أتانا رسول الله يتلو كتابه ... ما لاح مشهور من الفجر ساطع أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا ما استقرّت (¬2) بالمشركين المضاجع فقالت: آمنت بالله، وكذبت النظر (¬3). ثم غدًا على رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - فأخبره فضحك حتَّى بدت (¬4) نواجذه - صلى الله عليه وسلم -. وهو أيضًا منقطع (¬5). ورواه الدارقطني (¬6) من حديث الهيثم بن خلف (¬7) بن عمار الموصلي، عن عمار بن رزيق، عن زمعة، عن سلمة بن وهرام عن عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل عبد الله بن رواحة ... فذكر نحوه، وقال: "إن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - نهى أن يقرأ أحدنا وهو جنب"، وهذا متصل (¬8). قال البيهقي (¬9): وروي عن إسماعيل بن عياش، عن زمعة. كذلك موصولًا، ¬

_ (¬1) في السنن قالت فاقرأ فقال ... إلخ. (¬2) في السنن إذا استثقلت. (¬3) في السنن البصر. (¬4) في السنن حتَّى رأيت نواجذه بدل بدت نواجذه. (¬5) إذ عكرمة عن ابن رواحة منقطع كما سبق بيانه. (¬6) السنن (1/ 121) برقم 14. (¬7) في السنن نا ابن عمار الموصلي ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (2/ 32) برقم 123. (¬8) الخلافيات وهو ضعيف، وقد أسهب ابن عبد الهادي في بيان ضعفه في تنقيح التحقيق (1/ 426) فانظره. (¬9) (2/ 38) برقم 324.

وليس بالقوي (¬1). وهو عند الواقدي (¬2) عن عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة، عن ثعلبة بن أبي الكنود، عن عبد الله بن مالك الغافقي (¬3). وفيه عن عبد الله بن مالك الغافقي قال: سمعت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت، ولا أصلي ولا أقرأ حتَّى أغتسل" (¬4). قال: سمعته يقول ذلك عمر بن الخطاب، وفيه عن جابر وأبي موسى، وسيأتي عند ذكر حديث علي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. قال البيهقي (¬5): تابعه عبد الله بن لهيعة، ومتابعة ابن لهيعة هذه التي أشار إليها البيهقي هي عند الطّبرانيّ (¬6) في "معجمه الكبير"، عن المقدام بن داود، عن أسد بن موسى، عن ابن لهيعة ... فذكره غير أنَّه لم يذكر القراءة. وكذلك رويناه من طريق ابن (¬7) قانع، من حديث ابن وهب: نا ابن لهيعة ¬

_ (¬1) قاله ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 76). (¬2) وليس هو في المغازي. (¬3) ويقال مالك بن عبد الله الغافقي كما قال ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 376)، وفرق بينهما الطّبرانيّ كما في المعجم الكبير (19/ 295) وابن قانع في معجم الصّحابة (2/ 87) برقم 527. (¬4) إسناده ضعيف، فيه الواقدي وهو متروك. (¬5) الخلافيات (2/ 20) برقم 316 قال: تابعه ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان. وهذه الطَّريق عنده في السنن الكبرى (1/ 89) والحديث عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 88) والدارقطني في السنن (1/ 119) برقم 9 والطبراني في الكبير (19/ 295) برقم 656 في مسند مالك بن عبد الله الغافقي والبغوي والطبري وابن منده كما في الإصابة (2/ 364) برقم 4931. (¬6) في المعجم الكبير (القسم المفقود)، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 611) برقم 1493 هذه الرّواية التي أوردها المصنف وقال: "رواه الطّبرانيّ في الكبير" وأشار إليها ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 75) ولعل المصنف ينقل عنه. (¬7) معجم الصحابة (2/ 87) برقم 527.

بسنده عن عبد الله بن مالك الغافقي: أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعمر بن الخطاب: "إذا توضأت وأنت جنب أكلت وشربت، ولا تصلي"، ولم يذكر القراءة أيضًا. وروى البيهقي (¬1) من حديث الأعمش، عن شقيق، عن عبيدة، قال: كان عمر - رضي الله عنه - يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. قال (¬2): وهذا إسناد صحيح، وعبيدة -بفتح العين- وروي أيضًا من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: أن عمر كان يكره أن يقرأ الجنب. قال شعبة: وجدت في صحيفتي: والحائض (¬3)؛ إبراهيم عن عمر منقطع (¬4)، ولم ينبه عليه البيهقي (¬5). وروى (¬6) من حديث عاصم بن عامر البجلي، عن أبي داود الطهوي، عن عبد الأعلي بن عامر الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن قال: سئل علي - رضي الله عنه - عن الجنب يقرأ؟ قال: لا، ولا حرف. وروى الدارقطني (¬7) من حديث عامر بن السمط: ثنا أبو الغريف الهمداني قال: كُنَّا مع علي - رضيِ الله عنه (¬8) -: فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدري ¬

_ (¬1) الخلافيات (2/ 38) برقم 125 والمعرفة (1/ 189) برقم 115 وصححه. (¬2) أي البيهقي كما في الخلافيات (2/ 39). (¬3) الخلافيات (2/ 39) والسنن الكبرى (1/ 89). (¬4) قاله ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 76). (¬5) بل نبه على ذلك في السنن الكبرى حيث قال: وهذا مرسل (1/ 89). (¬6) أي البيهقي كما في الخلافيات (2/ 39 - 40) برقم 327. (¬7) السنن (1/ 118) برقم 6. (¬8) في السنن في الرحبة.

أبولًا أحدث أم غائطًا، ثم جاء فدعا بكوز من ماء فغسل كفَّيه (¬1) ثم قرأ صدرًا من القرآن، ثم قال: اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة، فإن أصابته جنابة فلا ولا حرفًا واحدًا. أبو الغريف (¬2) بالغين المعجمة. وروى الدارقطني (¬3) من حديث أبي الشعثاء، عن جابر قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب ولا النفساء القرآن. وروى بقية عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزُّهريّ، عن عبد (¬4) الله بن عبد الرحمن بن مكمَّل: أنَّه سمع ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: لا بأس بأن يقرأ الرجل الآية ونحوها. أخرجه البيهقي (¬5)، وعنه في رواية. الآية والآيتين (¬6). ¬

_ (¬1) في السنن ثم قبضهما إليه والمصنف ينقل عن ابن دقيق العيد كما في الإمام (2/ 76). (¬2) كذا قال ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 76). وأبو الغريف اسمه عبيد الله بن خليفة صدوق رمي بالتشيع كما في التقريب (637) برقم 4314. (¬3) السنن (1/ 121) برقم 15. في السنن وقع هكذا أبو الشعثاء علي بن الحسن الواسطيِّ ثنا سليمان أبو خالد عن يَحْيَى عن ابن الزُّبير عن جابر. ووقع عند الدارقطني ابن الزُّبير وهو تصحيف والصَّواب عن أبي الزُّبير كما هو معروف. وانظر إتحاف المهرة (3/ 532) برقم 3676. والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (2/ 77) والدارقطني ضعف الحديث فقال: يَحْيَى هو ابن أبي أنيسة ضعيف. ورواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 97) برقم 621 عن جابر قوله بسند صحيح. (¬4) لعل صوابه عبد الرحمن بن عبد الله بن مكمل له ترجمة في التاريخ الكبير (5/ 301) برقم 984 ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ووقع كذلك عند البيهقي على الصواب في الخلافيات (2/ 43) برقم 331 أي بعد الأثر السابق. (¬5) في الخلافيات (2/ 43) برقم 330. وإسناده ضعيف لأجل بقية. (¬6) وهو عند البيهقي في الخلافيات (2/ 43) برقم 331.

وقد اختلف النَّاس في ذلك. قال الرافعي (¬1): كل ما يحرم بالحدث الأصغر يحرم بالجنابة، بطريق الأولى لأنها أغلظ، ويزداد (¬2) شيئًا من القرآن قاصدًا به القرآن سواء كان آية أو بعض آية خلافًا لمالك، حيث جوّز قراءة الآيات اليسيرة (¬3)، وبه قال أحمد في أصحِّ الروايتين. قال (¬4): ولا يستثنى عندنا شيء من الصور إلَّا إذا لم يجد الجنب ماءً ولا ترابًا، وصلى على حسب الحال، ففي جواز قراءة الفاتحة له قولان: أحدهما: يجوز، والترخيص في الصَّلاة تجويز (¬5) في قراءة الفاتحة إذ لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب، فعلى هذا الوجه تستثنى هذه الصورة. والثاني: وهو الأظهر، أنَّه لا يجوز قراءتها كقراءة غيرها ويأتي بالذكر والتسبيح بدلًا كالعاجز عن القراءة حقيقيةً. والأول (¬6): عند النواوي هو الأولى. أما إذا قرأ شيئًا منه لا على قصد القراءة (¬7) فيجوز كما إذا قال: "بسم الله" على قصد التبرك والابتداء، و"الحمد لله" في خاتمة الأمر، أو قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كُنَّا له مقرنين". على قصد إقامة سنة الركوب لأنَّه (¬8) لم يقصد ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 133 - 134). (¬2) في فتح العزيز ويزداد تحريم شيئين أحدهما قراءة القرآن فيحرم على الجنب أن يقرأ شيئًا من القرآن إلخ. (¬3) زاد في فتح العزيز للجنب. (¬4) أي الرافعي كما في فتح العزيز (2/ 142 - 148). (¬5) في فتح العزيز ترخيص بدل تجويز. (¬6) قوله والأول عند النووي هذه من المصنف وليست عند الرافعي وما أشار إليه من اختيار النووي هو في المجموع (2/ 163) حيث قال وهو الصَّحيح. (¬7) في فتح العزيز لا على قصد القرآن. (¬8) زاد في فتح العزيز إذا لم يكن يقصد القرآن لم يكن فيه إحلال وهكذا تستقيم العبارة.

القرآن لأنَّ فيه إخلال بالتعظيم، ولو جرى على لسانه ولم يقصد هذا ولا ذلك فلا يحرم أيضًا. وكما تحرم القراءة على الجنب تحرم على الحائض للحديث السابق، ولأن حدثها أغلظ فيكون الحكم بالتحريم أولى، وعن مالك: أنها يجوز لها قراءة القرآن، وقد رواه أبو ثور عن أبي عبد الله، فمن الأصحاب من قال: أراد به مالكًا، ونفى أن يكون الجواز قولًا للشافعي، ومنهم من قال: أراد الشَّافعي، وهو قول له في القديم. قال الشَّيخ أبو محمد: وجدت أبا ثور جمع بينهما في بعض المواضع؛ فقال: قال أبو عبد الله ومالك، فثبت نقل قوله الجواز، وتوجيهه خوف النسيان، وقد تكون معلمة، فلو منعناها عن القراءة، والحيض يعرض في كل شهر غالبًا لانقطعت عن حرفتها بخلاف الجنابة، فإنَّه يمكن إزالتها في الحال. وهذا القول يجري في النِّفاس أيضًا. الثَّاني: المكث في المسجد وهو حرام على الجنب؛ لما روي أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب". ولا يحرم العبور؛ قال الله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ}، والمعنى الفارق بين المكث والعبور أن العبور في المسجد لا قربة فيه، وفي المكث قربة الاعتكاف، فمنع منه الجنب. ثم قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم، ولم يتمكن من الخروج لإغلاق الباب أو للخوف من العسس أو غيره على النَّفس والمال، فليتيمم في هذه الحالة تطهيرًا وتخفيفًا للحدث بقدر الإمكان، هذا إذا وجد توابًا غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه (¬1). ¬

_ (¬1) زاد في فتح العزيز لكن لو تيمم به صح.

والعبور وإن لم يكن حرامًا فهو مكروه إلَّا لغرض كما لو كان المسجد طريقًا إلى مقصده، أو كان أقصر الطريقين إليه، لا فرق في الجواز بين أن يكون له سبيل آخر إلى مقصده أو لا يكون. وفي وجه إنَّما يجوز إذا لم يكن له طريق سواه، وليس له أن يتردد في أكناف المسجد؛ فإن التردد في غير جهة الخروج كالمكث (1). وقال مالك: لا يمرا فيه أصلًا. وقال سفيان: لا يمرا فيه، فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرّا فيه. وعن أحمد: يجوز للجنب المكث إذا توضأ. وعند المزني في الرّواية المشهورة عنده: يجوز له المكث مطلقًا (¬1)، وإلى ذلك ذهب داود (¬2) الظاهري وأبو (¬3) محمد بن حزم وغيرهما، جوزا أيضًا للجنب قراءة القرآن، وحكى أبو (¬4) محمد ذلك عن بعض الصّحابة. قال (¬5): واختلفوا في الجنب والحائض فقالت: طائفة: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن. وهو قول روي عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وعن غيرهما أيضًا، وروي عن الحسن البصري وقتادة والنخعي وغيرهم. وقالت طائفة: أما الحائض فتقرأ ما شاءت من القرآن، وأمَّا الجنب فيقرأ الآيتين ونحوهما. وهو قول مالك. وقال بعضهم: لا يتم الآية. وهو قول أبي حنيفة. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 133 - 148). (¬2) انظر المجموع (2/ 158) وكذا المحلى (2/ 187). (¬3) المحلى (2/ 184). (¬4) انظر المحلى (1/ 77 - 84). (¬5) أي ابن حزم كما في المحلى (1/ 78).

وذهب آخرون إلى جواز القراءة مطلقًا. ذكره ابن وضاح عن موسى بن معاوية، ثنا ابن وهب: عن يونس بن يزيد، عن ربيعة قال: لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن (1). وعن موسى بن معاوية، نا يوسف بن خالد السمتي: نا إدريس: عن حماد قال: سألت سعيد بن المسيب الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: وكيف لا يقرؤه وهو في جوفه (1)! وبه إلى يوسف السمتي عن نصر الباهلي قال: كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جب (¬1). وروى محمد بن عبد السَّلام الخشني: ثنا محمد بن بشار: ثنا غندر: نا شعبة، عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم يرَ به بأسًا وقال: أليس في جوفه القرآن (¬2)؟ وأمَّا مكث الجنب والحائض في المسجد سيأتي في باب الحائض تناول الشيء من المسجد إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) انظر المحلى (1/ 79). (¬2) المحلى (1/ 80).

99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض

99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض ثنا بندار: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حضت يأمرني أن أتّزر ثم يباشرني. قال: وفي الباب عن أم سلمة وميمونة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، هو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وبه يقول الشَّافعي وأحمد وإسحاق (¬1). * الكلام عليه: أخرجوه أجمعون (¬2)، وحديث أم سلمة قالت: بينا أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعة في الخميلة حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: "أنَفسْت؟ "، فقلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة. أخرجاه في الصحيحين (¬3). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 239). (¬2) أخرجه البُخاريّ في صحيحه كتاب الحيض (1/ 114) برقم 300 باب مباشرة الحائض وفي كتاب الاعتكاف (2/ 66) برقم 2030 باب غسل المعتكف ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 242) برقم 293 وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 268 باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع والنَّسائيُّ في سننه كتاب الحيض (1/ 207) برقم 372 وفي (1/ 166) برقم 285 باب مباشرة الحائض وفي الكبرى كتاب عشرة النساء (5/ 350) برقم 9119 باب مضاجعة الحائض ومباشرتها وفي (5/ 352) برقم 9128 باب الرخصة في أن تحدث المرأة بما يكون بينها وبين زوجها وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 208) برقم 636 باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا. (¬3) أخرجه البُخاريّ في صحيحه كتاب الحيض (1/ 113، 114) برقم 298 باب من سمّى النِّفاس حيضًا وفي (1/ 121) برقم 323 باب من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر وفي (2/ 38) برقم 1929 باب القبلة للصائم ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 243) برقم 296 باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد.

وأخرجاه (¬1) أيضًا عن ميمونة زوج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائض. اللفظ للبخاري. ولمسلم (¬2) في الباب ممَّا لم يذكره عن أنس بن مالك: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ...} إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "اصنعوا كل شيء إلَّا النّكاح". وفيه عن عكرمة عن بعض أزواج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا. رواه أبو (¬3) داود. وفيه أيضًا عن عمير مولى عمر قال: جاء نفر من أهل العراق إلى عمر، فقال لهم عمر: أبإذن جئتم؟ قالوا: نعم، قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نسأل عن ثلاث، قال: وما هنّ؟ قالوا: صلاة الرجل في بيته تطوّعًا، ما هي؟ وما يصلح للرجل من امرأته وهي حائض؟ وعن الغسل من الجنابة، فقال عمر: أسحرة أنتم؟ قالوا: لا يا أمير المؤمنين، ما نحن سحرة. قال: لقد سألتموني عن ثلاثة أشياء ما سألني عنهن أحد منذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهن قبلكم، أما صلاة الرجل في بيته نور (¬4)؛ نوّر بيتك ما استطعت، وأمَّا الحائض فما فوق الإزار وليس له ما تحته. وأمَّا الغسل من الجنابة فتفرغ بيمينك على يسارك، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل ¬

_ (¬1) البُخاريّ في صحيحه كتاب الحيض (1/ 114) برقم 303 باب مباشرة الحائض ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 243) برقم 294 باب مباشرة الحائض فوق الإزار. (¬2) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 246) برقم 302 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 136) برقم 272 باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. (¬4) في نسخة السندي ما يدل على وجود كلام.

فرجك وما أصابك ثم توضأ وضوءك للصلاة ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرَّة، ثم تغسل سائر جسدك. رواه أبو (¬1) يعلى الموصلي في "مسنده"، والبيهقيّ (¬2) في "سننه". وفيه أيضًا ما روى أبو داود (¬3) في "السنن" عن عبد الله بن سعد الأنصاري: أنَّه سأل رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "ما فوق الإزار". وفيه عن معاذ بن جبل: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: "ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل". رواه أبو داود (¬4) عن هشام بن عبد الملك اليزني، عن بقية، عن سعد بن عبد الله الأغطش، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن معاذ. وفيه عن ابن عباس: قال أبو (¬5) محمد: ¬

_ (¬1) ولم أقف عليه في مسنده وممن رواه كذلك أحمد بن عبيد الصفار في مسنده كما ذكر ذلك ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 244) قلت وممن عزاه إلى أبي يعلى الحافظ مغلطاي كما في شرح سنن ابن ماجه (3/ 885) وقال الحافظ الهيثمي في القصد العلي (1/ 100) برقم 174 حدَّثنا أبو خيثمة حدَّثنا عبد الله عن مالك بن مغول عن عاصم بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: سألت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: "ما فوق الإزار". وذكره في مجمع الزوائد (1/ 281) وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصَّحيح. (¬2) السنن الكبرى (1/ 312). والحديث أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 437، 438) برقم 1375 باب ما جاء في التطوع في البيت والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 37) والبيهقيّ في السنن الكبرى (1/ 312) من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر بن الخطاب عن عمر بن الخطاب عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وعمير مولى عمر بن الخطاب لم يرو عنه سوى عاصم بن عمرو وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/ 98) برقم 4293: وثق وقال الحافظ في التقريب (754) مقبول. (¬3) في سننه كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 212 باب في المذي. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1 /). (¬5) يعني ابن حزم كما في المحلى (2/ 178 - 179 و 181).

روينا من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن كريب، عن ابن عباس أنَّه سئل عن ما يحل من المرأة وهي حائض لزوجها؟ قال: سمعنا -والله أعلم- إن كان قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كذلك: "يحل له ما فوق الإزار". وفيه عن أم حبيبة: روى محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن خديج (¬1)، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أم حبيبة زوج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: سألتها كيف كنت تصنعين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحيض؟ قالت: كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزارًا إلى أنصاف فخذيها ثم تضطجع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". والاتزار (¬2): أن تشد إزارًا تستر سرتها. (¬3) وما تحتها إلى الركبة، والمباشرة (¬4) فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس وغير ذلك حلال باتفاق. نقل الشَّيخ أبو حامد الإسفراييني وجماعة الإجماع على هذا، وأمَّا ما حكي عن عبيدة السلماني، وغيره من أنَّه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة (¬5) في مباشرة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فوق الإزار وإذنه في ذلك (¬6)، ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذي يستمتع به شيء من الدَّم أو لا يكون. هذا هو الصواب -إن شاء الله تعالى- ¬

_ (¬1) وقع في المطبوع من سنن ابن ماجه (1/ 209) برقم 638 خديج بالمعجمة وهو خطأ وصوابه حديج وانظر ترجمته في تهذيب الكمال (28/ 163، 167) برقم 6046. (¬2) نقل المصنف هذا التفسير عن النووي كما في شرح مسلم (3/ 194). (¬3) شرح مسلم (3/ 194). (¬4) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 195). (¬5) زاد النووي كما في شرح مسلم المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما (3/ 195). (¬6) زاد النووي بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.

الذي قطع به جمهور الأصحاب وغيرهم من العلماء، وحكى المحاملي وجهًا لبعض الأصحاب أنَّه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة إذا كان عليه شيء من دم الحيض. قال النووي -رحمه الله-: وهذا الوجه باطل لا شك فيه. وأمَّا المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحّها: عند الجمهور (¬1) وأشهرها في المذهب أنَّه حرام. والثاني: أنها ليست بحرام، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل (¬2). الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته وأمَّا لشدة ورعه جاز، وإلا فلا، وهذا الوجه حسن، قاله أبو الفياض (¬3) البصري من منتحلي مذهب الشَّافعي -رحمه الله-، وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقًا مالك وأبو حنيفة، وقبلهما (¬4) سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة. وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود (¬5) واحتجوا بحديث أنس الذي ذكرناه: "اصنعوا كل شيء إلَّا النكاح". ¬

_ (¬1) عند النووي عند جماهيرهم (3/ 195). (¬2) قال النووي وهو المختار (3/ 195). (¬3) عند النووي أبو العباس البصري من أصحابنا (3/ 195). (¬4) قال النووي وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس (3/ 195). (¬5) قال النووي وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلًا (3/ 196).

قالوا: وأمَّا اقتصار النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب (¬1)، والفرق بين الدلالة القولية والفعلية ظاهر فلا خفاء برجحان هذا المذهب. وتحريم الوطء والمباشرة حيث هي محرمة يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل أو تتيمم إن عدمت الماء بشرطه عند مالك والشّافعيّ وأحمد وجمهور السلف. وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدَّم لأكثر الحيض حل وطؤها في الحال. وحجة الجمهور قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ...}، وقوله: "يَطْهُرْنَ" معناه حتَّى يحصل لهنَّ الطهر الذي هو عدم المحيض، وقوله: "فَإِذَا تَطَهَّرْن" هو صفة فعلهن. وأمَّا ما ذهب إليه أبو حنيفة فقال: أبو محمد علي بن أحمد الفارسي: لم في عن أحد من الصّحابة - رضي الله عنهم - في هذه المسألة شيء، ولا نعلمه أيضًا عن أحد من التّابعين إلَّا عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والزهري وربيعة، وروينا من طريق الدَّارميِّ عن عطاء الترخيص فيه للشبق. وأمَّا الدبر فحرام في كل وقت. * * * ¬

_ (¬1) شرط النووي على مسلم (3/ 194، 196).

100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها حدَّثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن مؤاكلة الحائض؟ فقال: "واكلها". قال: وفي الباب عن عائشة وأنس. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسًا. واختلفوا في فضل وضوئها، فرخص في ذلك بعضهم، وكره بعضهم فضل طهورها (¬1). * الكلام عليه: أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 240، 241). (¬2) في سننه كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 212 باب في المذي. (¬3) الجامع (1/ 240) برقم 133. ولم يذكر المصنف ابن ماجه وقد أخرجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 213) برقم 651 باب في مؤاكلة الحائض وأشار المزي في تحفة الأشراف (4/ 351) برقم 5326 إلى وجود الحديث عند ابن ماجه. وقال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف: سقط هذا من الرّواية المشهورة وثبت في النسخ يعني من ق والله أعلم. قلت: والحديث ليس في النسخة التي اعتمدها الحافظ مغلطاي في شرحه لسنن ابن ماجه (3/ 905) لكنَّه أشار إلى حديث عبد الله بن سعد وقال رواه ابن ماجه في موضع آخر. فقال المحقق وهو كمال عويضة مشيرًا إلى الحديث عند ابن ماجه نسخة محمد فؤاد عبد الباقي برقم 651 وهو في الباب نفسه وهذا من مصائب المخرفين بل المحققين التجاريين إذ الباب في نسخة محمد =

وحرام (¬1) هذا ينسب إلى معاوية، وينسب أيضًا حرام بن حكيم بن خالد بن سعد بن حكم الأنصاري، وسبب ذلك الاختلاف على معاوية بن صالح في حديثه فيقول عنه ابن وهب ويكرر سهل حرام بن حكيم، ويروي عنه ابن مهدي بن معاوية كما ذكرناه. وقد جعل هذا له ترجمتين ابن (¬2) أبي حاتم وتبع في هذا التَّفريق البُخاريّ (¬3) فإنَّه جعله كذلك، وتبعهما الدَّارميُّ. ونبه على صواب ذلك الخطيب (¬4)، رأيته بخطه. روى عن أبي هريرة وعمه عبد الله بن سعد وأبي ذر الغفاري وأنس بن مالك وأبي مسلم الخولاني ونافع بن محمود بن ربيعة. ¬

_ = فؤاد عبد الباقي هو باب في مؤاكلة الحائض وهو نفسه الباب الذي شرحه الحافظ مغلطاي وتحته حديث عائشة رضي الله عنها كنت أتعرق العظم وأنا حائض ... إلخ. وهو كذلك في نسخة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي (1/ 117) برقم 638 باب ما جاء في سؤر الحائض حيث أورد تحته حديث عائشة ولا وجود لحديث عبد الله بن سعد. وذكر الحديث الحافظ مغلطاي مرَّة ثانية في شرح سن ابن ماجه (3/ 885) وقال أصله عند ابن ماجه وكذا في (3/ 514) حيث قال: وروى العلاء بن الحارث عند ابن ماجه بهذا السند قصة مؤاكلة الحائض في موضعين. قلت: ومن هذه المواضع ما جاء في سنن ابن ماجه كتاب إقامة الصَّلاة والسنة فيها (1/ 439) برقم 1378 وهذا السند هو الذي ذكره الحافظ مغلطاي فاللهم لك الحمد. (¬1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 517، 520) برقم 1153 وتهذبب التهذيب (1/ 368، 369). (¬2) الجرح والتعديل (3/ 282) حيث جعلهما ترجمتين برقم 1259 و 1260. (¬3) التاريخ الكبير (3/ 101) برقم 351 و (3/ 102) برقم 353. (¬4) موضع أوهام الجمع (1/ 108).

قال أحمد (¬1) بن عبد الله العجلي: مصري ثقة. كذا قال، وهو دمشقي (¬2). روي له أبو داود والترمذي والنَّسائيُّ وابن ماجه (¬3)، وذكره ابن حبان (¬4) في "الثقات" (¬5). والعلاء بن الحارث أخرج له مسلم (¬6)، وإلى العلاء عن حرام عن عمه ترجع طرق هذا الحديث، وهو حديث طويل، هذه قطعة منه. روى منه أبو داود (¬7): سألت رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: "ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذاك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة". وفي لفظ له (¬8): أنَّه سأل رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "لك ما فوق الإزار"، وذكر مؤاكلة الحائض وساق الحديث. وأخرج التِّرمذيُّ (¬9) هذه القطعة هنا وأخرج طرفًا منه في الشَّمائل (¬10). ¬

_ (¬1) معرفة الثقات (1/ 290) برقم 279. (¬2) وتعقبه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 307). (¬3) انظر تهذيب الكمال (5/ 517 - 520) والبخاري في جزء القراءة سوى مسلم. (¬4) الثقات (4/ 185) ثم ذكر بعد ذلك ترجمة حرام بن معاوية وهو مذهب من فرق بينهما كابن أبي حاتم وابن ماكولا والدارقطني. (¬5) وضعفه ابن حزم في المحلى، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 209) وتعقبه ابن القطان كما في بيان الوهم والإيهام (3/ 310، 312). (¬6) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 63) برقم 1159. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 211 باب في المذي. (¬8) سنن أبي داود كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 212 باب في المذي. (¬9) الجامع (1/ 240) برقم 133. (¬10) الشَّمائل برقم 297.

وأخرجه ابن (¬1) ماجه مختصرًا في موضعين من كتابه. فأما أبو داود (¬2) فرواه عن إبراهيم بن موسى، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد به. وعن هارون (¬3) بن محمد بن بكار، عن مروان بن محمد الطاطري، عن الهيثم بن حميد، عن العلاء به. وحديث الهيثم فيه زيادة: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ وذكر مؤاكلة الحائض. وروى التِّرمذيُّ (¬4) هذه القطعة منه هنا بهذا السند، وروى منه في الشَّمائل (¬5): عن عباس خاصّة، عن ابن مهدي به. قصة الصَّلاة: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيّما أفضل الصَّلاة في بيتي، أو الصَّلاة في المسجد؟ سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. وروى ابن (¬6) ماجه بعضه عن أبي بشر بكر بن خلف، عن ابن مهدي، وقصة الصَّلاة منه في الصَّلاة (¬7) عن بكر بن خلف، به. فالغرابة التي أشار إليها التِّرمذيُّ هي ما ذكرناه من جهة العلاء فمن فوقه، وبها صار الحديث حسنًا؛ إذ رواته كلهم ثقات، كما ذكرنا من حال العلاء وحرام ¬

_ (¬1) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 213) برقم 651 باب في مؤاكلة الحائض. والموضع الثَّاني في كتاب إقامة الصَّلاة والسنة فيها (1/ 439) برقم 1378 باب ما جاء في التطوع في البيت. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 211. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 212. (¬4) الجامع (1/ 240) برقم 133. (¬5) الشَّمائل برقم 297. (¬6) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 213) برقم 651. (¬7) السنن كتاب إقامة الصَّلاة والسنة فيها (1/ 439) برقم 1378.

ومن عداهما في الإسناد لا يُسْأل عنه، وإن كان معاوية (¬1) بن صالح قد مُسّ بجرح يسير، لكن من وثقه أكثر ممن جرحه، ولم يتبين فيه جرح، وقد أخرج له مسلم (¬2) في "صحيحه" محتجًا به. وقد ذكر شيخنا الإمام الحافظ أبو (¬3) الفتح القشيري -رحمه الله تعالى- منه من طريق أبي داود عن الهيثم بن حميد، ثنا العلاء عن حرام، عن عمه: أنَّه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "لك ما فوق الإزار". قال (¬4): وذكر مؤاكلة الحائض أيضًا، وساق الحديث، ثم قال (¬5): وذكر أبو القاسم البغوي (¬6) في "معجمه" عبد الله بن سعيد، وأخرج له حديثًا من رواية العلاء بن الحارث، فذكر: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاة في بيتي والصلاة في المسجد ... الحديث. قال: ولا أعلم روي عنه غير هذا الحديث (¬7). قال القشيري (¬8): وهذا الحديث الذي ذكرناه يعني: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ مستدرك على ما قال، ثم قال: وعند التِّرمذيِّ (¬9) مؤاكلة الحائض، وذكره. وعند ابن قانع (¬10) في معجمه: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمّا يوجب الغسل؟ ¬

_ (¬1) وممن جرحه يَحْيَى بن سعيد القطان، انظر تهذيب الكمال (28/ 186، 194) برقم 6058 وتهذيب التهذيب (4/ 108، 109) وميزان الاعتدال (4/ 135) برقم 8624. (¬2) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 229) برقم 1564. (¬3) الإمام (3/ 241). (¬4) أي أبو داود كما في سننه (1/ 108) برقم 212. (¬5) أي ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 241). (¬6) معجم الصّحابة (4/ 16) برقم 1558. (¬7) عبارة البغوي كما في المعجم ولا أعلم روي غير هذا الحديث. (¬8) الإمام (3/ 241، 242). (¬9) الجامع (1/ 240) برقم 133. (¬10) معجم الصّحابة (2/ 93، 94) برقم 539.

قال: "إذا استبطنتها فتوضأ واغتسل"، يشير إلى أنها أحاديث متعددة وكلها مستدرك على البغوي، وليس كذلك؛ وإنَّما كله حديث واحد يتضمن أجوبة متعددة، فذكر البغوي طرفًا منه مشيرًا إليه كما هو المعروف من عوايدهم في ذلك. قال (¬1): وفي الباب عن عائشة. وهو حديث عائشة قالت: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - فيضع فاه على فيّ" وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيِّ". أخرجه مسلم (¬2)، فاقتضى هذا الحديث مؤاكلة الحائض وهو صحيحٌ بتصحيح مسلم إياه، فاعتضد به حديث الباب وارتقى به في مراتب التحسين إلى مرتبة لم تكن له لولاه. وقد تقدمت الإشارة إلى أن كلام الصَّحيح والحسن والضعيف تتفاوت رتبه في ذلك. وكذلك حديث أنس الذي أشار إليه وهو عند مسلم (¬3) أيضًا: "أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ...} إلى آخر الآية. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعوا كل شيءٍ إلَّا النكاح" (¬4). وهذا ممَّا أجمع (¬5) النَّاس عليه، وقد تقدم في الباب قبل هذا الخلاف فيما يباح ¬

_ (¬1) أي التِّرمذيُّ كما في الجامع (1/ 240). (¬2) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 245، 246) برقم 300 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. (¬3) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 246) برقم 302. (¬4) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 246) برقم 302. (¬5) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 195) و (3/ 197، 198) وفيه عبارة النووي حرفيًّا.

للرجل من امرأته وهي حائض. قال العلماء: لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة، وقد قدّمنا ما في ذلك. قالو: ولا يكره وضع يدها في شيء من المائعات، ولا يكره طبخها ولا عجنها، ولا غير ذلك من الصنائع، وسؤرها وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه، وقد نقل الإمام أبو (¬1) جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه في مذاهب العلماء إجماع المسلمين على هذا كله. وأما قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ. . .} الآية: فالمراد: اعتزلوا وطئهن (¬2). ¬

_ (¬1) اختلاف الفقهاء (125) بنحوه. ولعله يقصد تهذيب الآثار. (¬2) شرح صحيح مسلم (3/ 197، 198).

101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد

101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد ثنا قتيبة: ثنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ناوليني الخمرة من المسجد"، قالت: قلت إني حائض. قال: "إن حيضتك ليست في يدك". قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن، وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك. قال: لا بأس أن تتناول الحائض شيئًا من المسجد (¬1). * الكلام عليه: ثابت (¬2) بن عبيد: أنصاري معدود من أفراد مسلم (¬3)، وثقه أحمد (¬4) ويحيى (¬5). وعبيدة (¬6) بن حميد الضبي (¬7) احتج به البخاري (¬8) ومات بعد التسعين ومائة. ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 241، 242) برقم 134. (¬2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 362، 363) برقم 822 وتهذيب التهذيب (1/ 265). قلت: وفرق أبو حاتم بينه وبين ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت كما في الجرح والتعديل (2/ 454) برقم 1831، 1832. (¬3) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 110) برقم 199. (¬4) العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (3/ 95) برقم 4349. (¬5) الجرح والتعديل (2/ 454). (¬6) انظر ترجمته: في تهذيب الكمال (19/ 257، 262) برقم 3752. (¬7) التيمي وقيل الليثي وقيل الضبي كما في تهذيب الكمال (9/ 257). (¬8) رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 505) برقم 779.

وقد حسّن الترمذي (¬1) هذا الحديث وهو صحيح بتصحيح مسلم إيّاه، وإخراجه في كتابه (¬2)؛ فقد رواه عن أبي بكر وأبي كريب ويحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم، عن عائشة. قال: وثنا أبو كريب، عن ابن أبي زائدة، عن حجاج وابن أبي غنية كليهما، عن ثابت بن عبيد (¬3). ورواه أبو داود (¬4) عن مسدد، عن أبي معاوية. والنسائي (¬5) عن قتيبة، وإسحاق عن إبراهيم، عن جرير. وأبي معاوية، عن الأعمش، به. فأما رواية النسائي عن قتيبة، عن جرير وأبي معاوية، أو عن أحدهما، ورواية الترمذي عن قتيبة، عن عبيدة بن حميد، فلا مانع أن يكون ذلك كله عند قتيبة وحدث به تارة عن عبيدة وتارة عن غيره. وأما الشيخ أبو الحسن الدارقطني فإنه ذكر على الأعمش اختلافًا في هذا الحديث، وصوّب رواية من رواه عنه، عن ثابت، عن القاسم، عن عائشة، كما ذكرناه في غير موضع من كلامه. وليس هذا الاختلاف الذي ذكره الدارقطني مانعًا من القول بصحته بعد أن بيّن وجه الصواب. ¬

_ (¬1) انظر الجامع (1/ 242). (¬2) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 244) برقم 298 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. (¬3) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 245) برقم 298. (¬4) في سننه كتاب الطهارة (1/ 131) برقم 261. (¬5) في سننه كتاب الطهارة (1/ 160) برقم 271 باب استخدام الحائض.

فإن قيل: تفرد ثابت به، وهو وإن كان ثقة فليس في مرتبة الحفظ والإتقان الذي يقبل معه تفرده، قد يكون فيمكن أن يجاب عنه بأن من جملة الطرق التي هي عند الدارقطني، وإن كان صوّب حديث ثابت. أخرجه من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن السائب، عن محمد بن أبي بكر، عن عائشة. وزعم الدارقطني أن محمد بن فضيل وهم فيه على قلة وهمه، ومنها عبد الوارث بن سعيد، وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن ليت بن أبي سليم، عن القاسم، عن عائشة، وخالفهما جرير فرواه عن ليث، عن ثابت، عن القاسم، فأدخل ثابتًا. ومنها أبو عمر الحوضي عن شعبة، عن سليمان الشيباني، عن القاسم، عن عائشة. فحصل من هذا الاختلاف رواية لسليمان الشيباني وليث بن أبي سليم، والرواية التي من طريق محمد بن أبي بكر، عن عائشة. وهذه متابعات لطريق ثابت بن عبيد، وهي وإن لم تثبت يُحصّل تقوية الحديث في الاصطلاح. وأما حديث ابن عمر. وأما حديث أبي هريرة فعند مسلم (¬1) عنه قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فقال: "يا عائشة، ناوليني الثوب! " قالت: إني حائض، فقال: "إن حيضتك ليست في يدك". فناولته. ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 245) برقم 299 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.

الحيضة: قيدها الخطابي (¬1) بكسر الحاء: يعني الحالة والهيئة، وأما المحدثون فيفتحون الحاء، وهو خطأ (¬2). وصوّب القاضي عياض (¬3) الفتح، وزعم أن كسر الحاء هو الخطأ، لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح لا غير. وقال الخطابي (¬4): الخمرة: هي السجادة التي يسجد عليها المصلي (4)، وهي عند بعضهم قدر ما يضع عليه المصلي وجهه فقط، وقد يكون عند بعضهم أكبر من ذلك (¬5). وروى أبو داود (¬6) في سننه من حديث ابن عباس قال: "جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم"، ففي هذا إطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، وسميت خُمْرة من التخمير وهو التغطية ومنه خمار المرأة، والخَمرة لأنها تغطي العقل (¬7). وقولها: من المسجد: قال القاضي (¬8) عياض -رحمه الله- معناه أن النبي ¬

_ (¬1) معالم السنن (1/ 171). (¬2) وقال النووي في شرح مسلم (3/ 201) إن الفتح هو الصحيح. ومن أنكر على الخطابي قوله القاضي عياض كما سيأتي. (¬3) مشارق الأنوار (1/ 217). قلت: وعلى ترجيح الفتح يكون المقصود الحيض لأنه إنما نفى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أعني الدم الذي هو الحيض المستقذر، فأما حكم الحيض وحاله فهو لازم لجملتها وأبعاضها والله أعلم. (¬4) معالم السنن (1/ 171). (¬5) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 200). (¬6) في سننه كتاب الأدب (5/ 256) برقم 5247 باب في إطفاء النار بالليل. (¬7) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 200). (¬8) إكمال المعلم (2/ 131).

- صلى الله عليه وسلم - قال لها ذلك من المسجد وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه - عليه السلام - كان في المسجد معتكفًا، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض. قد اختلف في هذا المجرور الذي هو من المسجد بماذا يتعلّق؟ فعلّقته طائفة بقوله: "ناوليني"، واستدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة، وأنها لا تمتنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها، وعلقته طائفة أخرى بقولها: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد: "ناوليني الخمرة"، على التقديم والتأخير، وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنها لا تدخل المسجد لا مقيمة ولا عابرة لقوله - عليه السلام -: "لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جنب"، وسيأتي الكلام عليه، قالوا: ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة، والجنب لا يمكث فيه، وإنما اختلفوا في عبوره فيه، والمشهور من مذاهب العلماء منعه فالحائض أولى بالمنع، ويحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا مسجد بيته الذي كان يتنقّل فيه فيسقط الاحتجاج به في هذا الباب جملة، ويكون من باب طهارة ما لم تمسّه النجاسة من أعضاء الحائض كما سبق قال القاضي (¬1) عياض فيه: إن جسد الحائض طاهر ما لم يصب نجاسة، وكذلك ريقها وإن ما تلتمسه من ذلك لا يتنجس، وأنها لا تمتنع (¬2) من المسجد إلا مخافة ما يكون منها، وإليه ذهب زيد بن ثابت وحكاه الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد. وأهل الظاهر يجيزون للجنب دخوله إلا أن أحمد يستحب له الوضوء لدخوله. ومنع سفيان وأصحاب الرأي دخول المسجد جملة، وهو مشهور قول مالك، ¬

_ (¬1) إكمال المعلم (2/ 129). (¬2) في الإكمال لا تمنع بدل تمتنع.

وذهب بعض المتأخرين إلى جواز ذلك للحائض إذا استثفرت (¬1) بثوب. قال: كما جاء في المستحاضة في الصلوات (¬2). قال: وليس هذا عندي صواب (¬3)، لأنها متى استثفرت بثوب وخرج منها في الذي استثفرت به شيء، وإن أمن من تنجيسه المسجد فإنها نجاسة في الثوب ينزه المسجد عن كونها فيه. والمستحاضة في الطواف معذورة من وجهين: من الاستحاضة التي لزمتها، ومن تمام عقد العبادة التي دخلت فيها فلم يكن لها بد من ذلك، والحائض فلا ضرورة لها لدخول المسجد (¬4). وقال أبو محمد (¬5) بن حزم: وجائز للحائض وللنفساء أن تمر (¬6) وجاز أن يدخلا المسجد وكذلك الجنب، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك، وذكر حديث أبي داود (¬7) من طريق أفلت به خليفة عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإن لا أحل المسجد لحائض ولا جنب". رواه البخاري (¬8) في "تاريخه الكبير" وفيه زيادة. ¬

_ (¬1) وقع في الإكمال استقرت وما عند المصنف هو الصواب وهو الذي يدل عليه السياق. (¬2) في الإكمال في الطواف وهو الصواب ولا معنى للصلاة هنا إذا الحائض ممنوعة منها. (¬3) في الإكمال بصواب. (¬4) إكمال المعلم (2/ 129، 130). (¬5) المحلى (2/ 184). (¬6) في المحلى أن يتزوجا وأن يدخلا. (¬7) في سننه كتاب الطهارة (1/ 116 - 117) برقم 232 باب في الجنب يدخل المسجد. (¬8) التاريخ الكبير (2/ 67) والزيادة إلا محمد وآل محمد.

وذكر (¬1) بعده حديث عائشة رضي الله عنها: "سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر". ثم قال (¬2): وهذا أصح، روى هذا الحديث عن جسرة أفلت بن خليفة، وروى عنها قدامة بن عبد الله العامري الهذلي الكوفي في ترديد النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن تعذبهم فإنهم عبادك". وهو عند النسائي (¬3). وقال البزار (¬4): ولا نعلم حدث عنها غير قدامة. وقد تبين أن أفلت حدّث عنها. وقال الخطابي (¬5): ضعفوا هذا الحديث، أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج به. وقال أبو (¬6) محمد -بعد أن ذكر حديث أفلت المذكور وحديث أم سلمة في معناه من طريق جسرة أيضًا-: هذا كله باطل، أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة (6). وليس ذلك من نظرهما (¬7) بسديد في رد أخبار أفلت هذا، ولا في رد خبر جسرة، فأما جسرة فقال البخاري (¬8): عندها عجائب. انتهى. ¬

_ (¬1) أي البخاري في التاريخ الكبير (1/ 408). (¬2) التاريخ الكبير (2/ 68). (¬3) في سننه كتاب الافتتاح (2/ 519) برقم 1009 باب ترديد الآية. (¬4) كشف الأستار (3/ 343). (¬5) معالم السنن (1/ 159). (¬6) المحلى (2/ 186). (¬7) وممن ضعفه كذلك البغوي في شرح السنة (2/ 46) ونقل تضعيفه عن أحمد والحديث أخرجه خزيمة في صحيحه (2/ 284) برقم 1327. (¬8) التاريخ الكبير (2/ 67).

ودجاجة -بكسر الدال- لا كواحدة الدجاج، فتلك بالفتح. أما جسرة: فقال أحمد (¬1) بن عبد الله العجلي: جسرة بنت دجاجة تابعية ثقة، وذكرها أبو حاتم (¬2) بن حبان في كتاب "الثقات" له. وقال: روى عنها أفلت بن خليفة، وقدامة بن عبد الله العامري. وأما أفلت فوثّقه ابن (¬3) حبان أيضًا، وقال أبو (¬4) حاتم: هو شيخ، وقال أحمد (¬5) بن حنبل: لا بأس به (¬6). انتهى. يكنى أفلت أبا (¬7) حيان. روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. قال: قال ابن (¬8) القطان: وقول البخاري في جسرة عندها عجائب؛ لا يكفي في ردّ أخبارها. وحسن ابن (¬9) القطان حديث جسرة عن عائشة الذي ذكرناه. ولعمري إن التحسين لأقل مرابته لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج، فلا حجة لأبي محمد رحمه الله في رده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح ما رواه في ذلك، لأن هذا الحديث ¬

_ (¬1) معرفة الثقات (2/ 450) برقم 2326. (¬2) الثقات (4/ 121). (¬3) الثقات (6/ 88). (¬4) الجرح والتعديل (2/ 346) برقم 1316. (¬5) العلل ومعرفة الرجال (3/ 136) برقم 4592. (¬6) وعبارة أحمد ما أرى به بأس. (¬7) انظر تهذيب الكمال (3/ 320، 321) برقم 546 وتهذيب التهذيب (1/ 185). (¬8) بيان الوهم والإيهام (5/ 331) وعبارته فيه: لا يكفي لمن يسقط ما روت. (¬9) بيان الوهم والإيهام (5/ 332) وعبارته: ولم أقل إن هذا الحديث المذكور صحيح وإنما أقول إنه حسن.

كافٍ في الردّ عليه، وفي الحديث (¬1): أن مسّ المرأة زوجها بغير لذة لا يضر في الاعتكاف، وثبت في الصحيح (¬2) عن عائشة رضي الله عنها قولها: "إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد وأنا في حجرتي فأرجله، وكان لا يدخل البجت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا"، وفي بعض طرقه (¬3): "فأغسله وأنا حائض". وفيه أن من حلف لا يدخل دارًا أو مسجدًا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخل كل بدنه. ¬

_ (¬1) هذا كلام القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 131) بتصرف باب الحاجة. (¬2) لفظ مسلم في صحيحه كتاب الحيض (3/ 199 بشرح النووي) برقم 683 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه وهو في البخاري كتاب الاعتكاف (2/ 66) برقم 2029 باب لا يدخل البيت إلا لحاجة. (¬3) عند مسلم في صحيحه كتاب الحيض (3/ 199 بشرح النووي) برقم 685 وهو عند البخاري في كتاب الاعتكاف (2/ 61) برقم 2030 باب غسل المعتكف.

102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض ثنا بندار: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد قالوا: نا حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد". قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة، عن أبي هريرة، وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضًا فليتصدق بصدقة دينار" (¬1)؛ فلو كان إتيان الحائض كفرًا لم يؤمر فيه بالكفارة. وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه طريف بن مجالد (¬2). * الكلام عليه: رواه ابن (¬3) ماجه من هذا الوجه وفيه: ". . . أو كاهنًا فصدقه بما يقول. . .". قال الترمذي (¬4) في "العلل ": سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، وضعف هذا الحديث جدًّا. ¬

_ (¬1) قال العلّامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على السنن (1/ 243 بنصف دينار وهو خطأ وكذلك في م ولكن كتب في حاشيتها بدينار وعليه علامة التصحيح وهو الصواب الموافق لسائر الأصول ويؤيده أن السندي في حاشيته على ابن ماجه (1/ 114) نقل كلام الترمذي بلفظ "بدينار". (¬2) الجامع (1/ 242، 243) برقم 135. (¬3) في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 209) برقم 639 باب النهي عن إتيان الحائض. (¬4) علل الترمذي الكبير (1/ 192).

وذكر الحافظ أبو (¬1) عبد الله محمد بن عبد الواحد قال: ورُويَ عن البخاري (¬2) أنه قال: حكيم الأثرم بصري عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة: "من أتى كاهنًا. . ." لا يتابع في حديثه، ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة. انتهى. ففيه ثلاث علل: التفرد الذي أشار إليه وهو عن غير ثقة، وهذا موجب للضعف. الثانية: ضعف راويه. الثالثة: الانقطاع بين أبي تميمة وأبي هريرة. وعلّة رابعة: وهي نكارة متنه لمخالفته ما ثبت من الكفارة في ذلك، وقد أشار إليها الترمذي (¬3) -رحمه الله-. فأمّا التفرّد والشذوذ فمد تقدم في غير موضع أنه مع الثقة، تقتضي التحسين ومع التستر تقتضي التضعيف، فكيف مع الضعف. وأما ضعف راويه فإن البزار قال: حكيم الأثرم البصري روى عن أبي تميمة والحسن، حدث عنه حماد بن سلمة بحديث منكر. وقال ابن (¬4) المديني: لا أدري من هو؟ ¬

_ (¬1) ويقصد بذلك المقدسي صاحب المختارة وعزاه إليه الشيخ الألباني رحمه الله كما في آداب الزفاف (31). (¬2) التاريخ الكبير (3/ 16 - 17) برقم 67. (¬3) الجامع (1/ 243). (¬4) انظر الجرح والتعديل (3/ 208) برقم 909 وفيه عبارة حكيم الأثرم من هو؟ قال أعيانا هذا. وانظر تهذيب الكمال (7/ 207).

وقال محمد (¬1) بن يحيى: قلت لعلي بن المديني: حكيم الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا. وقد تقدم قول البخاري لا يتابع على حديثه وما فيه من الانقطاع عن البخاري والنكارة التي أشار إليها الترمذي. وأبو تميمة (¬2) الهجيمي طريف بن مجالد البصري كان من بني رشد (¬3) فباعه عمه من رجل من هجيم (¬4) فلم يرجع إلى قومه. روى عن: عبد الله بن عمر وأبي موسى وأبي هريرة (¬5) وجندب بن عبد الله وعمرو البكالي وأبي (¬6). . . . النهدي. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي وسليمان التيمي وبكر بن عبد الله المزني وقتادة وسعيد الجريري وخالد الحذاء وعقبة بن الأصم وحكيم الأثرم وثابت بن عمارة آخرون. ¬

_ (¬1) وهو الذهلي، انظر الجرح والتعديل (3/ 208) برقم 909. وهاهنا وقفة لا بد منها وهو أن ابن أبي شيبة نقل عن ابن المديني توثيقه لهذا الرجل فقال كما في سؤالاته: "وسألت عليًّا عن حكيم الأثرم؟ فقال: كان حكيم عندنا ثقة". السؤالات (49) برقم 50. ولا تعارض بين القولين فيما يظهر إذ يمكن سحب الجهالة في معرفة الأب أو البلد ويؤكد ما ذكرته أن الحافظ مغلطاي نقل من ثقات ابن خلفون قوله: "قال إسماعيل بن إسحاق القاضي عن علي بن المديني: حكيم الأثرم لا أدري ابن من هو، وهو ثقة". والله أعلم. (¬2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 380 - 382) برقم 2962 وتهذيب التهذيب (1/ 237). (¬3) كذا وصوابه سلّي انظر: الأنساب للسمعاني (3/ 288). (¬4) في تهذيب الكمال بُلْهَجَيْم. (¬5) قال البخاري لا نعرف له سماعًا من أبي هريرة وقد مضى في ص (732). (¬6) تكملته وأبي جري الهجيمي وأبي عثمان النهدي. انظر تهذيب الكمال (13/ 381).

قال يحيى (¬1): هو ثقة. وقال ابن (¬2) سعد: هو ثقة إن شاء الله. توفي سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك، قاله الواقدي (¬3). وذكر الكلاباذي طريفًا هذا، وقال: كان قد باعه عمه فأغلظت له مولاته، فقال: ويحك، إني رجل من العرب، فلما جاء زوجها قالت: ألا ترى إلى ما يقول طريف؛ فسأله فأخبره، فقال: خذ هذه الناقة فاركبها، وخذ هذه النفقة والْحَقْ بقومك، قال: لا والله، لا ألحق بقوم باعوني أبدًا. فكان ولاءه لبني الهجيم حتى مات (¬4). خُرّج له في الصحيح (¬5). وأما إتيان المرأة وهي حائض: فمحرم باتفاق العلماء (¬6)، ونصّ الشافعي (¬7) ¬

_ (¬1) انظر الجرح والتعديل (4/ 492) برقم 2164. (¬2) الطبقات الكبرى (7/ 152). (¬3) طبقات ابن سعد (7/ 152). (¬4) رجال صحيح البخاري (1/ 378). ونقل المزي في تهذيب الكمال (13/ 381 - 382) هذا الكلام معزوًا إلى أبي نصر الكلاباذي، والحق أنه من كلام الفلاس كما ذكر ذلك أبو نصر في كتابه. (¬5) تهذيب الكمال (13/ 380) برقم 2962. وممن وثقه من الأئمة الحافظ الدارقطني كما في سؤالات البرقاني (ص 38) برقم 242، وكما ابن عبد البر كما في الاستغناء (1/ 485) برقم 491 وذكره في جملة الصحابة أبو أحمد العسكري وابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم وغيرهم. انظر: إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (7/ 60) برقم 2581. (¬6) الأوسط لابن المنذر (2/ 208)، المجموع للنووي (2/ 359). (¬7) نقله المحاملي عن الشافعي وعبارته: من فعل ذلك فقد أتى كبيرة انظر المجموع للنووي (2/ 359). وممن عده من الكبائر ابن النحاس كما في تنبيه الغافلين (ص 170). وكذا ابن نجيم كما في شرح رسالة الصغانر والكبائر (ص 53).

على أنه من الكبائر، وقد تقدم ما يباح منها سوى الوطء. وأما إتيان المرأة في دبرها: فنقل عن بعض السلف إباحته منهم نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم (¬1)، واختلفت الرواية عن ابن عمر (¬2) - رضي الله عنه -. والذي استقر عليه بعد ذلك عند الفقهاء الأربعة وغيرهم فيه التحريم. روينا من طريق الدارمي (¬3): أنا الحكم بن المبارك، عن سلمة (¬4)، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال: لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيما أنزلت؟ وفيم كانت؟ فقلت: يا ابن عباس، أرأيت قول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ. . .} قال من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ. وروينا عن عكرمة (¬5): {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. . .}، قال: إنما هو الفرج. وروينا عن ابن عباس (¬6): {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. . .}، قال: ائتها من بين يديها ومن خلفها بعد أن يكون في المأتي. وروينا عن عوف، عن الحسن (¬7)، قال: كيف شئت -يعني إتيانها في الفرج-. ¬

_ (¬1) تفسير الطبري (4/ 404 - 407)، الدر المنثور (1/ 476). (¬2) انظر إتحاف النبلاء لعبد الله البخاري، ففيه فصل مهم (64 - 68). (¬3) السنن (1/ 273) برقم 1120. (¬4) في السنن محمد بن سلمة. (¬5) السنن للدارمي (1/ 273) برقم 1124. (¬6) السنن (1/ 274) برقم 1126. (¬7) السنن (1/ 274) برقم 1131.

وعن إبراهيم (¬1): {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ. . .} قال: في الفرج. وعن ابن عباس (¬2): أنه كان يكره إتيان المرأة في دبرها ويعيبه عيبًا شديدًا. وروينا عن الدارمي (¬3): أنا أبو نعيم: أنا أبو هلال، عن أبي عبد الله الشقري، عن أبي القعقاع الجرمي قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن، آتي امرأتي من حيث شئت؟ قال: نعم، قال: ومن أين شئت؟ قال: نعم، قال: وكيف شئت؟ قال: نعم، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن هذا يريد السوءة (¬4)، قال: لا، محاش النساء عليكم حرام. سئل عبد الله: تقول به؟ قال: نعم. قال الدارمي (¬5): أنا عبيد الله بن موسى، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى امرأته في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، وقد روينا قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يستحي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أعجازهنّ أو أدبارهنّ" من طريق علي بن طلق، وخزيمة بن ثابت (¬6). وروينا إنكار ذلك وكراهيته عن ابن عمر وعن أبان بن صالح، عن طاوس وسعيد، عن مجاهد وعطاء وغيرهم (¬7)، وسيأتي لهذا مزيد بيان في كتاب النكاح إن ¬

_ (¬1) السنن (1/ 275) برقم 1134. (¬2) السنن (1/ 276) برقم 1138. (¬3) السنن (1/ 276) برقم 1137. (¬4) في السنن السوء. (¬5) السنن (1/ 276) برقم 1140. (¬6) سنن الدارمي (1/ 276 - 277) برقم 1141 و 1144. (¬7) سنن الدارمي (1/ 277) برقم 1146.

شاء الله تعالى. قال الخطابي (¬1): الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في العرب كهنة يدّعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيًا من الجن وتابعةً تلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدّعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه، وكان منهم من يسمى عرّافًا، وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة، وتتهم المرأة بالريبة فيعرف من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور، ومنهم من كان يسمى المنجم كاهنًا. فالحديث قد يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور، ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهنًا، وربّما دعوه أيضًا عرّافًا. قال أبو ذؤيب: يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... ونبيشة والكهان يكذب قيلها وقال آخر: جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني فهذا غير داخل في النهي وإنما هو مغالطة في الأسماء، وقد أثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطب وأباح العلاج والتداوي .. انتهى. وروى أبو (¬2) داود هذا الحديث عن موسى بن إسماعيل وعن مسدّد كلاهما ¬

_ (¬1) معالم السنن (4/ 229) ونقله عنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (3/ 299). (¬2) السنن (4/ 145) برقم 3904.

عن حماد، وقال فيه: قال موسى في حديثه: "فصدّقه بما يقول أو أتى امرأةً". قال مسدد: "امرأته حائضًا، أو أتى امرأةً". قال مسدد: "امرأته في دبرها" "فقد برئ مما أنزل الله على محمد". وحمل مطلق الإتيان على الإتيان بقيد التصديق فيه حسن، إذا المحذور العظيم من ذلك إنما هو تصديق الكاهن لا إتيانه مطلقًا، وأما مطلق الإتيان فإن الكراهية فيه معلومة. وأما هذا التوعّد بالكفر أو بالبراءة مما أنزل على محمد فبعيد. وأما التقييد في حديث مسدد بقوله: "أتى امرأته في الحيض وفي الدبر، أو أتي امرأة" كما في حديث غيره، فلا يختلف الحكم في ذلك بإطلاق ولا تقييد، وإتيان المرأة والوطوءة بملك اليمين في ذلك سواء، كله محرم. وقوله: "فقد كفر بما أنزل على محمد" عائد على من أتى شيئًا من الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث، فأما إتيان الكاهن فذلك واضح بقيد التصديق كما سبق، وأما إتيان الحائض أو الدبر فيحتاج إلى التأويل، إذ هو معصية وارتكاب محرّم لا ينتهي إلى الكفر، فقد يقبل التأويل لن فعل ذلك مستحلًا كما قيل في نظائره.

103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك

103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك ثنا علي بن حجر: أنا شريك، عن خُصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال: "يتصدّق بدينار أو بنصف دينار" (¬1). حدثنا الحسين بن حريث: أنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار". قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض روي عن ابن عباس، رفعه بعضهم وبعضهم موقوف (¬2). وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه. وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) الذي في السنن بنصف دينار. (¬2) في السنن قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا. (¬3) وفي نسخة الشيخ أحمد شاكر زيادة وهو قول عامة علماء الأمصار بعد قوله وإبراهيم النّخعي. (¬4) السنن (1/ 244 - 254) برقم 136.

* الكلام عليه: ورواه الإمام أحمد (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3) وابن (¬4) ماجه فيه خصيف وهو ابن عبد الرحمن الجزري (¬5). قال عبد (¬6) الله بن أحمد عن أبيه: ليس هو بقوي في الحديث. وقال يحيى (¬7) بن سعيد: كنا تلك الأيام نجتنب حديث خصيف، وما كتبت عن خصيف بالكوفة شيئًا، وإنما كتبت عنه بأخرة، وكان يحيى يضعف خصيفًا، وعن أحمد ضعيف الحديث (¬8). وقال النسائي (¬9): ليس بالقوي. ¬

_ (¬1) المسند (1/ 230) و (1/ 237) و (1/ 286). (¬2) السنن (1/ 132) برقم 264. (¬3) السنن (1/ 205 - 206) برقم 368 و (1/ 168) برقم 288 وفي الكبرى (1/ 127) برقم 282. (¬4) السنن (1/ 210) برقم 640. (¬5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 257 - 261) برقم 1693 وتهذيب التهذيب (1/ 544 - 543). (¬6) العلل ومعرفة الرجال (2/ 484) برقم 3187. وقال في موضع آخر (3/ 118) برقم 4499: "ليس بذاك". وقال في (3/ 214) برقم 4926: "وخصيف شديد الاضطراب في المسند". ونقل أبو طالب عن الإمام أنه ضعيف الحديث كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 403) برقم 1848. ونقل حنبل عنه قوله: ليس بحجة ولا قوي في الحديث، كما في تهذيب الكمال (8/ 258). (¬7) الجرح والتعديل (3/ 403) برقم 1848. (¬8) المصدر السابق. (¬9) الضعفاء والمتروكون (173) برقم 177.

وذكر إسحاق (¬1) بن منصور، عن يحيى بن معين أنه قال: خصيف صالح. وقال أبو حاتم (¬2): صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه. وفيل أبو زرعة (¬3): ثقة. وقال عثمان (¬4) بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: فعبد الكريم أحبُّ إليك أم خصيف؛ قال: عبد الكريم أحبّ إليّ، وخصيف ليس به بأس. وعن ابن (¬5) معين أنه قال فيه: ثقة. وقال النسائي (¬6): صالح. وقال ابن (¬7) سعد: كان ثقة. وقال ابن (¬8) عدي: إذا أخذت عنه ثقة، فلا بأس بحديثه. والطريق الثانية من رواية عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس. ورواه أبو داود (¬9) أيضًا إلا أنه من رواية أبي داود موقوف من قول ابن عباس، وقد نبه الترمذي (¬10) على الاختلاف في رفعه ووقفه، وعبد الكريم راويه عن مقسم، ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (3/ 403) برقم 1848. (¬2) الجرح والنعديل (3/ 404). (¬3) المرجع السابق. (¬4) تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (106) برقم 310 و (145) برقم 492 وكذا رواية الدقاق (83) برقم 251. (¬5) سير أعلام النبلاء (6/ 145) وتهذيب الكمال (8/ 259) وميزان الاعتدال (1/ 654). (¬6) سير أعلام النبلاء (6/ 145) وتهذيب الكمال (8/ 259) وتهذيب التهذيب (1/ 543). (¬7) الطبقات الكبرى (7/ 482). (¬8) الكامل (3/ 942) وزاد بعد حديثه وبرواياته. (¬9) السنن (1/ 133) برقم 265. (¬10) الجامع (1/ 245).

قد اختلف فيه (¬1)، فعن الوقشي (¬2): هو ابن مالك أبو سعيد الجزري، ولو ثبت ذلك لتوجه تصحيحه لثقة عبد الكريم الجزري، لكن في طبقته عبد الكريم بن أبي المخارق (¬3)، أبو أمية متكلّم فيه (¬4)، وقد سبق ذكرهما في هذا الكتاب بما يغني عن الإعادة ها هنا، وكلاهما يروي عن مقسم (¬5)، وقد رواه روح بن عبادة، عن ابن أبي عروبة، فقال: عن عبد الكريم أبي أمية (¬6). وكذا رواه ابن (¬7) جريج عن عبد الكريم أبي أمية العبدي، فهذه علته. وأيضًا فقد رواه هشام الدستوائي عن عبد الكريم فوقفه، أخرجه البيهقي (¬8)، ¬

_ (¬1) وجزم العلّامة أحمد محمد شاكر بأنه عبد الكريم بن مالك الجزري. انظر الجامع الكبير (1/ 247). (¬2) قال ابن دقيق العيد كما في الإمام: (3/ 252): "فبلغني عن الوقشي أنه قال: "عبد الكريم هذا هو ابن مالك أبو سعيد الجزري". والوقَّشي هو على ما يظهر أبو الوليد هام بن أحمد بن خالد الأندلسي الطليطلي. ووقّش: قرية على بريد من طليطلة. مولده سنة ثمان وأربع مئة. له تنبيهات وردود على كتاب أبي نصر الكلاباذي وعلى مؤتلف الدارقطني وعلى الكنى لمسلم. توفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة في جمادى الآخرة. انظر: السير (19/ 134 - 136) برقم 71. (¬3) وقع التصريح بذلك عند البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316) والبغوي في شرح السنة (2/ 127). (¬4) قال ابن عدي: "والضعف بين على كل ما يرويه". انظر: الكامل (5/ 1978). (¬5) انظر تهذيب الكمال (18/ 254) برقم 3504. قلت: ولم يذكر أهل التراجم ابن أبي المخارق فيمن يروي عن مقسم. (¬6) عند البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316). (¬7) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 316). (¬8) السنن الكبرى (1/ 317).

وقال عقيبه: وهذا أشبه بالصواب، وعبد الكريم أبو أميّة غير محتج به (¬1). وروى سعيد بن أبي عروبة هذا الحديث عن عبد الكريم، واختلف عليه فيه فقيل عنه عن عبد الكريم عن عكرمة، عن ابن عباس (¬2). ورواه البيهقي (¬3) من طريق يعقوب بن عطاء، عن مقسم، عن ابن عباس، وقال: يعقوب (¬4) بن عطاء لا يحتج به. وقد ذكر ابن (¬5) عدي يعقوب فقال: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه. وقد ضعف هذا الحديث قوم منهم الإمام الشافعي -رحمه الله- فإنه قال في "أحكام (¬6) القرآن": في من أتى امرأة حائضًا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل ليستغفر الله تعالى ولا يعود حتى تطهر، وتحلّ لها الصلاة، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، لكنه لا يثبت مثله. وقال البيهقي (¬7): أنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار، وعبد الحميد وعبد الكريم أبي أمية، وفيهم نظر. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) هذا مستفاد من كلامه ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 253). وانظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 317). (¬3) السنن الكبرى (1/ 318). (¬4) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (9/ 211) برقم 882، ميزان الاعتدال (4/ 453) برقم 9821. (¬5) الكامل (7/ 2602). (¬6) الأم (5/ 172) والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 319) وكذا الصغرى (1/ 124). (¬7) السنن الكبرى (1/ 318).

وقال أبو محمد (¬1) الظاهري: أما حديث مقسم، فمقسم ليس بالقوي فسقط الاحتجاج به. وقد رواه شعبة عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في الرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال: "يتصدّق بدينار أو نصف دينار". أخرجه أبو داود (¬2) وأخرجه النسائي (¬3) وابن (¬4) ماجه، وصححه الحاكم (¬5) وأخرجه في مستدركه. وعبد الحميد (¬6) هذا هو ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب كان عاملًا لعمر بن عبد العزيز على الكوفة، وقد أخرج له الشيخان (¬7) في مواضع. وذكر الخلّال عن الميموني (¬8) أنه قال: قيل لأبي عبد الله: عبد الحميد بن ¬

_ (¬1) المحلى (2/ 189). (¬2) السنن (7/ 132) برقم 264 وقال عقبه: هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة. (¬3) الكبرى (1/ 127) برقم 282 وكذا المجتبى (1/ 168) برقم 288) وكذا الإغراب (155) برقم 86. (¬4) السنن (1/ 210) برقم 640. (¬5) المستدرك (1/ 171 - 172) ووافقه الذهبي. قلت: وصحح الحديث ابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القطان وابن حجر وأحمد محمد شاكر والعلامة الألباني رحمهم الله. انظر: الإلمام (1/ 115) برقم 153 والإمام (3/ 249 - 264) والجوهر النقي (1/ 314) وبيان الوهم والإيهام (5/ 271 - 280) برقم 2468 والتلخيص الحبير (1/ 293) برقم 228 وإرواء الغليل (217 - 218) برقم 197. (¬6) انظر تهذيب الكمال (16/ 449 - 452) برقم 3724 وتهذيب التهذيب (2/ 478). (¬7) الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 318) برقم 1207 ورجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 482) برقم 735. (¬8) انظر الإمام (3/ 257).

عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب؟ قال: ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، والناس قدمًا قد حملوا عنه، وليس به بأس وكل من في الإسناد قبله من رجال الصحيحين، ومقسم (¬1) هو ابن بجرة -بفتح الباء ثاني الحروف، والجيم والراء المهملة- أخرج له البخاري (¬2)، ومن هذا الوجه صحح الحديث من صححه. وذكر الخلّال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة (¬3). وممن ذكر صحة هذا الحديث أيضًا أبو (¬4) الحسن بن القطان. وأما الاختلاف في رفعه ووقفه فإن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي، رفعوه عن شعبة (¬5)، وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر (¬6) والنضر بن شميل (¬7) وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف (¬8)، ولم يرفعه عنه عبد الرحمن ولا بهز (¬9). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 461 - 463) برقم 6166 وتهذيب التهذيب (4/ 147 - 148). (¬2) رجال صحيح البخاري (2/ 733) برقم 1221. (¬3) نقل هذا النص برمته عن شيخه ابن دقيق العيد (3/ 257 - 258). وانظر التلخيص الحبير (1/ 293). (¬4) بيان الوهم والإيهام (5/ 271 - 280). (¬5) قلت: ومن جهة المذكورين: أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 210) برقم 640. (¬6) ومن جهتهما أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 114 - 116) برقم 108 و 109. (¬7) ومن جهته أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 314). (¬8) ومن جهته أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 315). (¬9) نص على ذلك الإمام أحمد في مسنده (1/ 230) حيث قال رحمه الله: "ولم يرفعه عبد الرحمن ولا بهز".

وذكر ابن (¬1) أبي حاتم أنه سأل أباه عن الحديث فقال: اختلفت الرواة فيه، فمنهم من يرويه عن مقسم عن ابن عباس موقوفًا، ومنهم من يروي عن مقسم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. واما حديث (¬2) شعبة فإن يحيى بن سعيد أسنده، وحكي أن شعبة قال: أسنده الحكم لي مرة ووقفه مرة، وقال أبي: لم يسمع الحكم من مقسم هذا الحديث. وذكر البيهقي (¬3) أن شعبة رجع عن رفعه من رواية ابن مهدي عنه أنه رواه موقوفًا، فقيل له: إنك كنت ترفعه، فقال: إني كنت مجنونًا فصححت. انتهى. وأما الاختلاف على شعبة في رفعه ووقفه (¬4): فإن من رفعه أجلّ وأكثر وأحفظ ممّن وقفه؛ فيحيى بن سعيد أحفظ أهل عصره، ومحمد بن جعفر أوثق الناس في شعبة (¬5). وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة، فقد أخبرنا عن المرفوع والموقوف أن كلًّا عنده. وأما قول أبي حاتم: لم يسمع الحكم من مقسم فكذا هو عند شعبة عن ¬

_ (¬1) علل الحديث (1/ 50 - 51) برقم 121. (¬2) في العلل من حديث. (¬3) السنن الكبرى (1/ 315). (¬4) قلت: رفعه يحيى بن سعيد القطان ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي ووهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل. ولم يرفعه عبد الرحمن بن مهدي وكذا بهز. (¬5) قلت: جالسه نحوًا من عشرين سنة. وقال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم. بل ذكر عبد الرحمن بن مهدي أن محمد بن جعفر أثبت منه في شعبة. انظر: تهذيب الكمال (25/ 8).

الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم. ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه. قال أبو بكر (¬1) بن الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة، ويرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه، فيحفظ الحديث عنه من (¬2) الوجهين جميعًا، فقد كان سفيان بن عيينة (¬3) فعل هذا كثيرًا في حديثه فيرويه تارة مسندًا مرفوعًا ويقفه مرة أخرى قصدًا واعتمادًا، وإنما لم يكن هذا مؤثرًا في الحديث ضعفًا مع ما بينّاه لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أولى لأنه أزيد كما ذكرنا في الحديث الذي يروى موصولًا ومقطوعًا، وكما قلنا (¬4) في الحديث الذي ينفرد راويه بزيادة لفظ توجب حكمًا لا يذكره غيره أن ذلك مقبول والعمل به لازم، والله أعلم. انتهى. فمن الجائز أن يكون ابن عباس رواه ورأه فحمله وأفتى به وكلاهما عند شعبة فحدث به على الوجهين، ويعضد هذا أنه قال عن الحكم رواه لي مرة مسندًا ومرة موقوفًا، وحَمْلُ هذا على أن يكون روى ذلك كله عن علم وثبت أولى من حمله على أن يكون وهم في أحدهما. وقد رواه سعيد بن عامر عن شعبة فقال فيه: عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس قوله، ثم قال شعبة: أما حفظي فمرفوع وقال فلان وفلان: إنه كان لا يرفعه، فقال له بعض القوم: يا أبا بسطام، حدِّثْنا بحفظك، ¬

_ (¬1) الكفاية (417). (¬2) في الكفاية على بدل من. (¬3) في الكفاية يفعل. (¬4) انظر الكفاية (424 - 425).

ودعنا من فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أني حدثت به أو سئلت أو أني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه. رويناه من طريق الدارمي (¬1)، عن سعيد. فهذا غاية التثبت، وهبك أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس فكان ماذا؟ وإذا جاز أن يكون الخبران المرفوع والموقوف عند شعبة فحين أكثر عليه في المرفوع اكتفى بالتحديث بالموقوف فليس في ذلك ما يقدح في المرفوع. وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شكَّ في رفعه في ثاني حال فوقفه. فإن كان هذا وهو بعيد فلا تباله أيضًا، بل لو نسي الحديث بعد أن حدث به وحفظه عنه ثقة لم يضره (¬2)، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه فقد كان عمرو بن قيس الملاني يرفعه عن الحكم وهو ثقة (¬3) روينا حديثه بذلك عن طريق النسائي (¬4) عن الحسن الزعفراني عن محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عنه. ورفعه أيضًا عن عبد الحميد قتادة روينا حديثه من طريق النسائي (¬5) عن ¬

_ (¬1) السنن (1/ 270) مع اختلاف يسير ونحوه عند ابن الجارود في المنتقى (1/ 116) برقم 109. (¬2) قال ابن الصلاح: ومن روى حديثًا ثم نسيه لم يمن ذلك مسقطًا للحديث وجاز العمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين. ثم قال: والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن المروي عند بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته. علوم الحديث (105 - 106)، الكفاية (221)، التقييد والإيضاح (130 - 132). (¬3) وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان والنسائي وغيرهم. انظر: تهذيب الكمال (22/ 201 - 202) برقم 4436. (¬4) في السنن الكبرى (5/ 346 - 347) برقم 9100. (¬5) السنن الكبرى (5/ 347) برقم 9104.

خشيش بن أصرم، عن روح وعبد الله بن بكر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة (¬1). وأما الزادون لهذا الحديث باضطراب متنه في الجملة لا بالنسبة إلى راوٍ معين فقد قال أبو الحسن (¬2) بن القطان: هذا عندي خطأ من الاعتلال. والصواب أن ينظر (¬3) إلى رواية كل راوٍ بحسبه، ويعلم ما خرج عنه فيها، فإن صح من طريق قبل ولا يضره أن يروى من طرق أخر ضعيفة فيما إذا ذكر الراوي فيه بدينار وروي: بنصف دينار، وروي باعتبار صفات الدم، وروي دون اعتبارها، وروي باعتبار أول الحيض وآخره، وروي دون ذلك، وروي بخمسي دينار، وروي بعتق نسمة؛ قامت من هنا (¬4) في الذهن صورة سواء وهو عند التبين والتحقيق لا يضره، ثم أخذ في تصحيح حديث عبد الحميد، عن مقسم فقال: كما تقدم وهو صحيح من حيث الإسناد كما بيناه. وأما المتن فقد قال أبو داود (¬5): هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، ويحتمل في لفظة (أو) أن تكون شكًّا من الراوي، وأحسن منه أن تكون للتنويع، فيكون في معنى حديث عبد الكريم، عن مقسم في مبدأ الدم كما جاء أو في حمرته بدينار، وبعد ذلك في ثاني حاله بنصف دينار، ويتفق بذلك كثير من ألفاظ هذا الحديث. وأما ما روي فيه من (خمسي دينار) أو من (عتق نسمة) فما منها شيء يعتمد عليه ولا يطعن به على حديث مقسم قاله ابن القطان (¬6). ¬

_ (¬1) انظر الإمام (3/ 265 - 266) وبيان الوهم والإيهام (5/ 278 - 280). (¬2) بيان الوهم والإيهام (5/ 276) مع اختلاف يسير. (¬3) عند ابن القطان تنظر بدل ينظر. (¬4) عند ابن القطان من هذا بدل من هنا. (¬5) السنن (1/ 133) برقم 264. (¬6) بيان الوهم والإيهام (5/ 279 - 280).

وقد اختلف العلماء في الذي يأتي امرأته وهي حائض: فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة، يستغفر الله ولا شيء عليه ولا يعود، وبه قال داود، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد (¬1)، ورويناه أيضًا عن عامر الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير وإبراهيم والقاسم بن محمد وابن أبي مليكة وابن سيرين (¬2). وروينا عن الدارمي (¬3)، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن رجلًا أتى أبا بكر فقال: رأيت في المنام كأني أبول دمًا. قال: تأتي امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم. قال: اتق الله، ولا تعد. وروي عن محمد (¬4) بن الحسن: أنه قال: يتصدق بنصف دينار، وروينا عن عطاء نحوه (¬5). وقال أحمد (¬6) بن حنبل: يتصدق بدينار أو بنصف دينار، وقال: ما أحسن حديث عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار". وقد تقدم. وقال قتادة (¬7): إن كان واجدًا فدينار، وإن لم يجد فنصف دينار. وقال الطبري (¬8): استحب له أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، فإن لم يفعل ¬

_ (¬1) هذه عبارة ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 186 - 187) والتمهيد (3/ 175). (¬2) انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 329 - 330) وسنن الدارمي (1/ 269). (¬3) السنن (1/ 269) برقم 1102. (¬4) (3/ 187) برقم 3334. (¬5) سنن الدارمي (1/ 272) برقم 1114 و 1117. (¬6) الاستذكار (3/ 187) والتمهيد (3/ 175 - 176). (¬7) السنن الكبرى للبيهقي (1/ 315) وكذا المحلى لابن حزم (2/ 187) و (10/ 79). (¬8) التمهيد (3/ 176) وكذا الاستذكار (3/ 187) وزاد فيه بعد قوله وهو قول الشافعي ببغداد: رجع عنه بمصر.

فلا شيء عليه، وهو قول الشافعي ببغداد. وقال الأوزاعي (¬1): يتصدق بدينار. وقال الحسن (¬2) البصري: يعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا. وروينا عن الدارمي (¬3): أنا مسلم بن إبراهيم، ثنا يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن يقول في الذي يفطر يومًا من رمضان قال: عليه عتق رقبة أو بدنة أو عشرون صاعًا لأربعين مسكينًا، وفي الذي يغشى امرأته وهي حائض مثل ذلك. قال أبو عمر (¬4): وقالت فرقة من أهل الحديث: إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاع الدم فنصف دينار. وحكى أبوعمر (¬5) عن الأوزاعي: يتصدق بخمسي دينار، ورواه عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمره أن يتصدق بخمسي دينار كذا عند أبي عمر. وقد روينا من طريق الدارمي (¬6)، أنا محمد بن يوسف، عن الأوزاعي، عن ¬

_ (¬1) لم أقف عليه. (¬2) انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 328) برقم 1267. (¬3) السنن (1/ 270) برقم 1104. (¬4) التمهيد (3/ 176) والاستذكار (3/ 188). (¬5) التمهيد (3/ 177) والاستذكار (3/ 188) وهو في سنن أبي داود (1/ 134) وقال عنه إنه معضل. وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316): هو منقطع بين عبد الحميد وعمر. انظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 263). ووقع في الاستذكار (3/ 188) عن عبد الحميد عن عبد الرحمن وهو خطأ. (¬6) السنن (1/ 271) برقم 1110.

يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب؛ قال: كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تكره الجماع، فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض، فوقع عليها فإذا هي صادقة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يتصدق بخمس دينار. وهذا منقطع بين عبد الحميد وعمر. وعن ابن عباس (¬1): إذا أصابها في الدم فدينار، وإن أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. وأما مذهب الشافعي؛ فقال الرافعي (¬2) رحمهما الله: ومهما جامع في الحيض (¬3) وهو عالم بالتحريم ففيه قولان: الجديد أنه لا غرم عليه لكنه يستغفر ويتوب مما فعل (¬4)، لكنا نستحب له أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم، وبنصف دينار إن جامع في إدباره لورود الخبر بذلك (¬5)، والقديم: أنه يلزمه غرامة كفارة لما فعل ثم فيها قولان: أحدهما يلزمه تحرير رقبة بكل حال لمذهب عمر رضي الله عنه وأشهرهما أنه إن وطئ في إقبال الدم فعليه أن يتصدق بدينار، وإن كان في إدباره فعليه أن يتصدق بنصف دينار (¬6)، ثم الدينار الواجب أو المستحب مثقال الإسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين، ويجوز أن يصرف إلى واحد، وعلى قول الوجوب إنما يجب ذلك على الزوج دون الزوجة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 265 باب في إتيان الحائض. (¬2) فتح العزيز (2/ 422 - 424) بتصرف يسير. (¬3) عند الرافعي بعد الحيض عمدًا. (¬4) عند الرافعي بعد قوله مما فعل لأنه وطء محرم لا لحرمة عبادة فلا يجب به كفارة كوطء الجارلة المجوسية وكالإتيان في موضع المكروه لكنا نستحب إلخ. (¬5) ثم قال بعده وهذا القول هو المذكور في الكتاب. (¬6) وعنده لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى امرأة حائضًا فليتصدق بدينار ومن أتاها وقد أدبر الدم فليتصدق بنصف دينار".

وما المراد بإقبال الدم وإدباره؟ فيه وجهان: أحدهما: وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني أنه ما لم ينقطع الدم فهو مدبر (¬1)، وإدباره أن ينقطع ولم تغتسل بعد (¬2)، وأشهرهما أن إقباله أوله وشدته، وإدباره ضعفه وقربه من الانقطاع (¬3). وقد اختلف (¬4) العلماء أيضًا في وطء الحائض بعد الطهر وقبل الغسل وقد تقدم في باب ما جاء في مباشرة الحائض شيء منه. قال مالك (4) وأكثر أهل المدينة: إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل، وبه قال الشافعي الطبري محمد بن مسلمة (¬5)، ورويناه عن مجاهد وعطاء وميمون بن مهران وإبراهيم والحسن (¬6). وروينا (¬7) عن عقبة بن عامر: والله إني لا أجامع امرأتي في اليوم التي تطهر فيه حتى يمر يوم. وروينا (¬8) عن محمد بن يوسف: سئل سفيان الثوري: أيجامع الرجل امرأته إذا انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل، فقال: لا. فقيل: أرأيت إن تركت الغسل يومين أو أيامًا؟ قال: تستتاب. ¬

_ (¬1) عند الرافعي مقبل بدل مدبر. (¬2) وعنده بدل عليه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئها في إقبال الدم فدينار وإن وطئها في إدبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار". (¬3) انتهى كلام الرافعي. (¬4) وهذه عبارة ابن عبد البر كما في الاستذكار (3/ 188) والتمهيد (3/ 178). (¬5) انتهى ما عند ابن عبد البر. (¬6) انظرها عند الدارمي في السنن (1/ 266 - 267) برقم 1077 و 1083 و 1084. (¬7) السنن للدارمي (1/ 267) برقم 1086. (¬8) السنن للدارمي (1/ 266) برقم 1079.

وقال (¬1) أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز لها أن يطأها قبل الغسل، وإن كان قبل ذلك لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وحكى ابن (¬2) شاس عن أبي (¬3) بكر قال: لا يحرم الوطء بعد انقطاع الدم، ولكن يكره للخلاف فيه. وفي جواز وطئها عندهم إذا تيممت قولان حكاهما الشيخ أبو الطاهر ثم بناهما على الخلاف في كون التيمم يرفع الحدث أم لا. وأما أصحابنا فقال الرافعي (¬4): ولو لم تجد ماءًا ولا ترابًا لم يجز وطؤها على أصح الوجهين بخلاف الصلاة فإنها تأتي بها. ¬

_ (¬1) رجع إلى كلام ابن عبد البر كما في التمهيد (3/ 178) وكذا الاستذكار (3/ 188) والمنقول هنا عن التمهيد مع اختلاف يسير. (¬2) عقد الجواهر الثمينة (1/ 93). (¬3) عند ابن شاس ابن بكير بدل أبي بكر. (¬4) فتح العزيز (2/ 422).

104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب ثنا ابن أبي عمر، نا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء ابنة أبي بكر: أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة، فقال رسول الله: "حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه". قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن. قال أبو عيسى: حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح. وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله. بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه، أعاد الصلاة. وقال بعضهم: إذا كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان الثوري وابن مبارك، ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال الشافعي: يجب عليه الغسل وإن كان أقل من الدرهم وشدد في ذلك (¬1). * الكلام عليه: أخرجوه أجمعون (¬2)، وحديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 254 - 256) برقم 138. (¬2) البخاري في صحيحه كتاب الحيض باب غسل دم المحيض (1/ 116) برقم 307. ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 240) برقم 291 باب نجاسة الدم وكيفية غسله. وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (9/ 182 - 183) برقم 360 و 361 و 362 باب المرأة تغسل =

فقالت: يا رسول الله! ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه. قال: "فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه"، قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره". رواه الإمام أحمد (¬1) وقد رواه الطبراني (¬2) من حديث خولة بنت حكيم الأنصارية وهي غير خولة بنت حكيم السلمية. قرأت على أبي (¬3) عبد الله محمد بن علي بن ساعد أخبركم الحافظ أبو (¬4) الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قراءة عليه وأنتم تسمعون بحلب فأقر به؛ قال: أنا الشيخان أبو جعفر (¬5) محمد بن إسماعيل الطرسوسي وأبو ¬

_ = ثوبها الذي تلبسه في حيضها والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 170 - 171) برقم 292 وفي كتاب الحيض (1/ 214) برقم 392. وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 206) برقم 629 باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب. (¬1) المسند (14/ 372) برقم 7867 و (14/ 503 - 504) برقم 8939. (¬2) المعجم الكبير (24/ 241) برقم 615 وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف، وسيأتي. (¬3) شيخ المصنف، سمع بحلب من يوسف بن خليل المعجم الكبير للطبراني. قال الحافظ ابن حجر: "وحدث، سمع منه ابن سيد الناس وغيره" انظر الدرر لابن حجر (4/ 182) برقم 4044. وروى من طريقه كما في الأجوبة (2/ 140). (¬4) شيخ المحدثين، نزيل حلب وشيخها. ولد في سنة خمس وخمسين وخمس مئة. صحب الحافظ عبد الغني وتخرج به مدة. توفي رحمه الله في عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وست مئة. انظر السير (23/ 151 - 154) برقم 104. (¬5) الشيخ، مسند أصبهان. ولد سنة اثنتين وخمس مئة في شهر صفر. سمع من أبي علي الحداد ومحمد بن عبد الواحد الدقاق وأبي نهشل عبد الصمد العنبري. =

عبد (¬1) الله محمد بن أبي زيد بن محمد الكراني سماعًا؛ قالا: أنا محمود (¬2) بن إسماعيل الصيرفى، أنا أبو (¬3) الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا الطبراني (¬4)، ثنا الحسين بن إسحاق؛ قال: نا عثمان بن أبي شيبة؛ قال: ثنا علي بن ثابت الجذري، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن خولة بنت ¬

_ = حدث عنه يوسف بن خليل وأبو موسى عبد الله بن عبد الغني وغيرهما. توفي رحمه الله في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وخمس مئة. انظر السير (21/ 245) برقم 126. (¬1) مسند أصبهان محمد بن أبي زيد بن حَمْد بن أبي نصر الكرّاني الأصبهاني الخبّاز. ولد سنة سبع وتسعين وأربع مئة. سمع الحدّاد ومحمودًا الأشقر وغيرهما. حدث عنه بدل التبريزي وأبي خليل وغيرهما. وتوفي في ثالث شوال سنة سبع وخمس مائة وقد عاش مئة عام. وكرّان محلة كبيرة بأصبهان وكان منها جماعة من المحدثين. انظر: السير (21/ 363) برقم 190 والأنساب للسمعاني (5/ 45). (¬2) الشيخ أبو منصور محمود بن إسماعيل الأشقر الصيرفي، راوي كتاب العجم الكبير للطبراني عن ابن فاذشاه. ولد في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربع مئة. سمع من ابن فاذشاه ومحمد بن عبد الله بن شاذان الأعرج وغيرهما. حدث عنه محمد بن إسماعيل الطرسوسي ومحمد بن أبي زيد الكرّاني وغيرهما. توفي رحمه الله في ذي القعدة سنة أربع عشرة وخمس مئة. انظر: السير (19/ 429 - 430) برقم 250. (¬3) هو أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه الأصبهاني، راوي المعجم الكبير للطبراني. سمع من الطبراني وغيره. حدث عنه محمود بن إسماعيل الأشقر وأبو علي الحداد وخلق. توفي في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة. انظر: السير (17/ 515 - 516) برقم 339. (¬4) المعجم الكبير (24/ 241) برقم 615.

حكيم؛ قالت: قلت: يا رسول الله! إني أحيض وليس لي إلا ثوب واحد. قال: "اغسليه وصلي فيه". قلت: يا رسول الله! إنه يبقى فيه أثر الدم. قال: "لا يضرك". الوازع بن نافع؛ قال أحمد (¬1) ويحيى (¬2): ليس بثقة، وقال البخاري (¬3): منكر الحديث، وقال النسائي (¬4): متروك. وأما حديث أم قيس بنت محصن فروى سفيان، قال: حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار؛ قال: سمعت أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيضة يصيب الثوب، فقال: "حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر". رواه الإمام أحمد (¬5)، وأخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7) وابن ماجه (¬8). ¬

_ (¬1) نقل هذه العبارة الذهبي في الميزان (4/ 327) برقم 9320 وكذا ابن الجوزي في الضعفاء (3/ 181) برقم 3627. وفاتت أصحاب موسوعة أقوال الإمام أحمد في رجال الحديث فلتستدرك، ولهم من هذا شيء كثير. (¬2) تاريخ الدوري (2/ 627) برقم 5336. وفي رواية الدقاق ليس بشيء وكذا ابن محرز. انظر: رواية الدقاق (103) برقم 325 ورواية ابن محرز (1/ 56) برقم 54. (¬3) الضعفاء الصغير (122) برقم 388 والتاريخ الكبير (8/ 183) برقم 2638 والتاريخ الأوسط (2/ 109). (¬4) الضعفاء (243) برقم 601. (¬5) المسند (44/ 549) برقم 26998. (¬6) السنن كتاب الطهارة (1/ 183) برقم 363 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. (¬7) السنن كتاب الطهارة (1/ 170) برقم 291 باب دم الحيض يصيب الثوب و (1/ 214) برقم 393. (¬8) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 206) برقم 628 باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب.

قال أبو (¬1) الحسن بن القطان في كلام له: وهذا في غاية الصحة، فإن أبا المقدام ثابت بن هرمز الحداد والد عمرو بن أبي المقدام وثقه أحمد ويحيى (¬2) والنسائي ولا أعلم أحدًا ضعفه (¬3)، وعدي بن دينار هو مولى أم قيس المذكورة، قال فيه النسائي: ثقة، ولا أعلم لهذا الإسناد علة. والحت -بالتاء المثناة من فوق- الحك والقشر، وفي الحديث أنه قال لسعد: "احتتهم يا سعد"، أي: ارددهم مأخوذ من حت الشيء وهو حكه وقشره (¬4)، والقرص (¬5) أن يغمزه بأطراف الأصابع كما يقال: قرصت فلانًا، لأنه أبلغ في إذهاب الدم عن الثوب. وقوله في حديث أم قيس: "بضلع"، مكسور الضاد المعجمة مفتوح اللام، قاله بعض أهل العلم؛ ولعله تصحيف (¬6)، لأنه لا معنى يقتضي تخصيص الضلع وأما الحجر فيحتمل أن يذكر استعماله في الحك. ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 281). (¬2) عند ابن القطان بن معين بدل يحيى. (¬3) زاد الحافظ في التهذيب (1/ 269) غير الدارقطني، وليست هي في المطبوع من كتاب ابن القطان. وابن سيد الناس ينقل هذا عن شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 436 - 437). (¬4) هذا النقل عن ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 434) وهو ينقل عن أبي عبيد كما في الغريبين (2/ 15). (¬5) قوله والقرص هذا كلام الفارسي في مجمعه وعنه نقله ابن دقيق كما في الإمام (3/ 434). وحديث: "احتتهم يا سعد". أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (41) برقم 181 وهو ضعيف، فيه رجل مبهم مع إرسال محمد بن المنكدر له. (¬6) قاله ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 435).

وفي الباب مما لم يذكره: عند أحمد (¬1) وأبي داود (¬2): عن امرأة من بني غفار؛ قالت: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقيبة رحله، وفيه: فأناخ ونزل عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بي ورأى الدم؛ قال: "ما لك لعلك نفست" قلت: نعم، قال: "فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناءً من ماء واطرحي فيه ملحًا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك"، قالت: فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر رضخ لنا من الفيء، قالت: وكانت لا تطهر إلا جعلت في طهورها ملحًا وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت. وفيه عن معاذة قالت: سألت عائشة عن الحائض يصيب ثوبها الدم؛ قالت: تغسله، إن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث حيض جميعًا لا أغسل لي ثوبًا، أخرجه أبو داود (¬3). وعن مجاهد قال: قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابها شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته، لفظ أبي داود (¬4) وأخرجه البخاري (¬5). وقال يحيى (¬6) بن سعيد القطان وغير (¬7) واحد من الحفاظ: لم يسمع مجاهد ¬

_ (¬1) المسند (45/ 108 - 109) برقم 27936. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 158 - 159) برقم 313 باب الاغتسال من الحيض. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 181 - 182) برقم 357 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 182) برقم 358 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. (¬5) الصحيح كتاب الحيض (1/ 117) برقم 312 باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. (¬6) المراسيل لابن أبي حاتم (161) برقم 361 وتاريخ الدوري (2/ 550) برقم 411 وسؤالات ابن الجنيد (225) برقم 48. (¬7) منهم شعبة ويحيى بن معين وأبو حاتم. =

من عائشة. وروى أبو داود (¬1) من طريق بكار بن يحيى قال: حدثتني جدتي؛ قالت: ¬

_ = انظر المراسيل (161 - 162). وقال علي بن المديني: لا أنكر أن يكون مجاهد لقي جماعة من الصحابة، وقد سمع من عائشة. انظر التهذيب (4/ 26)، وقد وجد قول ابن المديني هذا بهامش نسخة جامع التحصيل للعلائي. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 548): "فأما الانقطاع، فقال أبو حاتم لم يسمع مجاهد من عائشة، وهذا مردود، فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته علي بن المديني، فهو مقدم على من نفاه". قلت: والإسناد المشار إليه عند البخاري في كتاب الحيض باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه (1/ 548) الفتح برقم 312. أما تصريح مجاهد بالسماع من عائشة رضي الله عنها فهو عند البخاري في صحيحه كتاب العمرة (1/ 537 - 538) برقم 1775 وفي كتاب المغازي (3/ 144) برقم 4253 و 4254 ومسلم في صحيحه كتاب الحج (2/ 917) برقم 220 كليهما عن منصور عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، والناس يصلون الضحى في المسجد، فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة. فقال له عروة: يا أبا عبد الرحمن! كم اعتمر رسول الله صلى ائه عليه وسلم؟ فقال: أربع عمر. إحداهن في رجب. فكرهنا أن نكذبه ونردّ عليه. وسمعنا استنان عائشة في الحجرة، فقال عروة: ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن؟. . ." الحديث. قال أبو الحسين رشيد الدين في غرر الفوائد المجموعة (538): "وفي ظاهر لفظ هذا الحديث ما يدل على سماع مجاهد من عائشة، ولهذا أخرجه البخاري، ولو لم يكن عنده كذلك لما أخرجه، لأنه يشترط اللقاء وسماع الراوي ممن روى عنه مرة واحدًا فصاعدًا، والله أعلم. وقد أخرج النسائي في سننه من رواية موسى الجهني عن مجاهد قال: أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا. قلت: وهذا أيضًا يدل على سماعه منها والله عزَّ وجلَّ أعلم". انتهى. وممن أثبت سماع مجاهد من عائشة رضي الله عنها الإمام أحمد، نقل ذلك الخلال عن الميموني. ونفى البرديجي دخوله عليها. (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 182) برقم 359 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها.

دخلت على أم سلمة فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض، فقالت أم سلمة: قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك أن نصلي فيه، وأما الممتشطة فقد كانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها. وروى أبو داود (¬1) أيضًا من حديث سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان يكون لإحدانا درع فيه تحيض وفيها تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها. رواه عن النفيلي عن سفيان، ورواه الدارمي (¬2) في مسنده عن محمد بن يوسف عن سفيان، وكلهم ثقات. وروى الدارمي (¬3) في مسنده عن سهل بن حماد، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة رضي الله عنها: إن إحداكن تسبقها القطرة من الدم، فإذا أصابت إحداكن ذلك فلتقصعه بريقها. أبو بكر (¬4) الهذلي مستضعف، وقيل فيه: متروك. ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 183) برقم 364 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. (¬2) السنن (1/ 254 - 255) برقم 1009. (¬3) السنن (1/ 255) برقم 1010. (¬4) ويعرف بصاحب الحسن، وهو بكنيته أشهر، وهو واه. انظر: الكامل لابن عدي (3/ 1167 - 1172)، التاريخ الكبير للبخاري (4/ 198) برقم 2478 وتهذيب التهذيب (4/ 498) وذكر فيه أكثر أقوال الأئمة كعادته، ولخصها في التقريب (1210) برقم 8059 بقوله أخباري متروك الحديث.

وروي الدارمي (¬1) عن أبي النعمان، ثنا ثابت بن زيد (¬2)، ثنا عاصم، عن معاذة العدوية، عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران. الحيضة (¬3)؛ بفتح الحاء أي الحيض وقد تقدم معنى تحته وتقرصه، وقد روي بفتح التاء وضم الراء، وروي أيضًا على التكثير بضم التاء وتشديد الراء وكسرها. وهذا (¬4) الحديث أصل في غسل النجاسات من الثياب وعليه اعتمد العلماء في ذلك إلا أنهم اختلفوا في وجوب غسل النجاسات كالدماء والعذرات والأبوال ونحوها من الثياب والأبدان فقال منهم قائلون: غسلها فرض واجب ولا تجزئ صلاة من صلى بثوب نجس عالمًا كان بذلك أو ساهيًا عنه، واحتجوا بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬5) حملًا على ما هو معروف من الثياب، وإن كان قد يكنى عن القلب وطهارته وطهارة الجنب وطهارة الثوب كذلك فهذه استعارة. وقد روي عن ابن عباس (¬6) وابن سيرين (¬7) في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ قالوا: اغسلها بالماء ونقها من الدرن ومن القذر. واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسلها (¬8) من الثياب والأرض والبدن في ¬

_ (¬1) السنن (1/ 255) برقم 1011. (¬2) كذا بالأصل المخطوط، وصوابه يزيد وهو ثابت بن يزيد الأحول أبو زيد البصري، وأبو نعمان الراوي عنه وهو محمد بن الفضل السدوسي المعروف بعارم. (¬3) انظر الإمام لابن دقيق العيد (1/ 121) والتمهيد لابن عبد البر (22/ 229) فإنه مستفاد منهما. (¬4) هذا بداية كلام ابن عبد البر كما في التمهيد (22/ 232، 236) بتصرف يسير. (¬5) المدثر: 4. (¬6) انظر تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3382) برقم 19029 والدر المنثور (6/ 451). (¬7) انظر تفسير ابن جرير (29/ 146) ونفسير ابن كثير (8/ 263). (¬8) أي غسل النجاسات كما في التمهيد (22/ 232).

أحاديث منها حديث أسماء هذا وهو الأصل فيما يتعلق بالثياب، وحديث الصب على بول الأعرابي وهو الأصل في تطهير الأرض، ومنها الصب والنضح على الثوب الذي بال عليه الصبي، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثر عذاب القبر في البول"؛ قال ذلك في الذي كان لا يتنزه عنه ولا يستتر من بوله، والآثار في ذلك كثيرة جدًّا. قالوا (¬1): ولما أجمعوا على أن الكثير من النجاسة واجب غسله من الثوب والبدن، وجب أن يكون القليل منها في حكم الكثير كالحدث قياسًا ونظرًا، لإجماعهم على أن قليل الحدث مثل كثيره في نقض الطهارة وإيجاب الوضوء. وممن ذهب إلى إيجاب غسل النجاسات وإزالتها من الثوب والأرض والبدن فرضًا الشافعي وأحمد وأبو ثور، وإليه مال أبو الفرج المالكي. وقال آخرون: هو سنة، وذكروا عن سعيد بن جبير أنه قال لمن خالف في ذلك: اقرأ عليّ آية تأمر بغسل الثياب. قالوا: وأما قوله عزَّ وجلَّ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، فهذه كناية عن الكفر وتطهير القلب لله، ألا ترى أنه عطف على ذلك قوله: "والرجز فاهجر"؛ يعني: الأوثان فكيف يأمره بتطهير الثياب قبل ترك عبادة الأوثان! قالوا: والعرب تقول: فلان نقي الثوب وطاهر الجيب، إذا كان مسلمًا عفيفًا؛ يكنون بذلك عن سلامته ولا يريدون بذلك غسل ثوبه من النجاسات. قالوا: ودليل ذلك أن هذه السورة نزلت قبل نزول الشرائع من وضوء وصلاة وغير ذلك، وإنما أريد به الطهارة من أوثان الجاهلية وشركها ومن الأعمال الخبيثة. وروى جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي رزين في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، قال: عملك أصلحه، قال: كان الرجل إذا كان حسن العمل قيل: فلان طاهر الثياب. ¬

_ (¬1) وعند ابن عبد البر في التمهيد (22/ 233): وقال بعض من يرى غسل النجاسة فرضًا.

وروى ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ قال: في كلام العرب أنقها. وروى وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ قال من الإثم. وعن عكرمة قال: لا تلبسها على معصية. وذكر معمر، عن قتادة في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال: كلمة تقولها العرب؛ طهر ثيابك، أي: من الذنب. وذكر حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد: "وثيابك فطهر"؛ قال: لست بساحر ولا كاهن فأعرض عما قالوا. وقال ابن جريج: أخبرني عطاء عن ابن عباس أنه سمعه يقول في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ قال: من الإثم، يقول: هي من كلام العرب. وذكر أبو أسامة عن الأجلح؛ قال: سمعت عكرمة سئل عن قول الله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ قال: أمر أن لا يلبس ثوبه على غدرة، أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي: إني (¬1) بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع (¬2) قال أبو (¬3) عمر: وأما حكاية أقوال الفقهاء في هذا: فجملة مذهب مالك وأصحابه إلا أبا الفرج أن إزالة النجاسة من الثياب والأبدان واجب بالسنة وجوب ¬

_ (¬1) صوابه وإني. (¬2) والكلام كله مستفاد من التمهيد (22/ 232 - 236) وكذا الاستذكار (3/ 204 فما بعدها) والآثار المذكورة رواها ابن عبد البر بأسانيده. (¬3) التمهيد (22/ 238).

سنة وليس بفرض، قالوا: ومن صلى بثوب نجس أعاد في الوقت، فإن خرج الوقت فلا شيء عليه. وقال مالك في يسير الدم: لا تعاد منه الصلاة في وقت ولا بعده، وتعاد من يسير البول والغائط، ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث بن سعد. ومن الحجة (¬1) لمن جعل غسل النجاسة سنة ما روينا من طريق أبي (¬2) داود، نا موسى بن إسماعيل، نا حماد بن سلمة (¬3)، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الصلاة ونعلاه في رجليه ثم خلعهما فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال لهم: "لم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: لما رأيناك خلعت خلعنا، قال: "إنما خلعت نعلي لأن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا". ففي هذا الحديث ما يدل على أن غسل القذر ليس بواجب، ولا كونه في الثوب بمفسد للصلاة، لأنه لم يذكر إعادة. وقال الشافعي: قليل الدم والبول والعذرة وكئير ذلك كله سواء، تعاد منه الصلاة أبدًا إلا ما كان نحو دم البراغيث وما يتعافاه الناس؛ فإنها تفسد (¬4) الثوب ولا تعاد منه الصلاة. ونحو قول الشافعي في هذا قال أبو ثور وأحمد بن حنبل، إلا أنهما لا يوجبان غسل الدم حتى يتفاحش، وهو قول الطبري، إلا أن الطبري قال: إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة، ولم يَحُدَّ أولئك شيئًا، وكلهم يرى غسل النجاسات فرضًا. ¬

_ (¬1) هذا كلام ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 208 - 209) وكذا التمهيد (22/ 238). (¬2) السنن كتاب الصلاة (1/ 426 - 427) برقم 650 باب الصلاة في النعل. (¬3) ووقع في السنن ابن زيد، كذا في طبعة الدعّاس والعون، وفي نسخة عوامة مهملًا وكذا عن العيني، وأشار في الشرح إلى أنه ابن سلمة وهو الصواب، إذ الذي يروي عن أبي نعامة إنما هو حماد بن سلمة، وابن زيد فليس من الرواة عنه. (¬4) في التمهيد لا يفسد الثوب وهو المناسب للسياق.

وقول الطبري في هذا كقول أبي حنيفة وأبي يوسف في مراعاة قدر الدرهم من النجاسة. وقال محمد بن الحسن: إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دون جازت الصلاة. وقال مالك في الدم اليسير: إن رآه في ثوبه وهو في الصلاة مضى فيها، وفي الكثير ينزعه ويستأنف الصلاة، وإن رآه بعد فراغه أعاد ما دام في الوقت. وقال في البول والرجيع والمني والودي (¬1) وخرء الطائر التي تأكل الجيف: إن ذكره وهو في الصلاة في ثوبه قطعها واستقبلها، وإن صلى أعاد في الوقت، فإذا ذهب الوقت لم يعد. قال ابن القاسم: والقيء عند مالك ليس بنجس، إلا أن يكون القيء قد تغير في جوفه، فإن كان كذلك فهو نجس. وقال الشافعي في الدم والقيح: إذا كان قليلًا كدم البراغيث وما يتعافاه الناس لم يعد، ويعيد في الكثير من ذلك. قال: وأما البول والعذرة والخمر فإنه يعيد في القليل والكثير من ذلك، والإعادة عنده واجبة لا يسقطها خروج الوقت. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في الدم والعذرة والبول ونحوه: إن صلى وفي ثوبه من ذلك مقدار الدرهم جازت صلاته. وكذلك قال أبو حنيفة في الروث (2). وقال أبو يوسف ومحمد: حتى يكون كثيرًا فاحشًا (¬2). ¬

_ (¬1) في التمهيد المذي بدل الودي وكذا في الاستذكار. (¬2) وهذا مستفاد من الاستذكار (2/ 223) دون التمهيد.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في بول ما يؤكل لحمه حتى يكون كثيرًا فاحشًا، وذهب محمد بن الحسن إلى أن بول ما يؤكل لحمه طاهر كقول مالك. وفي دم السمك والذباب والقراد قولان لمالك ووجهان في مذهب الشافعي. وقال (¬1) أبو حنيفة: دم السمك كثر أو قل لا ينجس الثوب ولا الجسد ولا الماء، ودم البراغيث والبق لا ينجس، وأما سائر الدماء فإن قليلها وكثيرها يفسد الماء، وأما في الثوب والجسد فإن كان في أحدهما منه مقدار الدرهم البغلي فأقل فلا ينجس ويصلى به، وما كان أكبر من قدر الدرهم البغلي فإنه ينجس وتبطل به الصلاة، فإن كان في الجسد فلا يزال إلا بالماء، وإذا كان في الثوب فإنه يزال. وقال الشافعي: بول كل ما يؤكل لحمه نجس. وقال زفر في البول قليله وكثيره يفسد الصلاة، وفي الدم حتى يكون أكثر من قدر الدرهم. وقال الحسن بن حي في الدم في الثوب: يعيد إذا كان مقدار الدرهم، وقال في البول والغائط: يفسد الصلاة في القليل والكثير إن كان في الثوب. وقال الثوري يغسل الثوب من الروث والدم، ولم يعرف قدر الدرهم. وقال الأوزاعي في البول في الثوب: إذا لم يجد الماء تيمم وصلى ولا إعادة عليه إن وجد الماء. وروي عن الأوزاعي أنه قال: إن وجد الماء في الوقت أعاد، وقال في القيء يصيب الثوب ولا يعلم به حتى يصلي مضت صلاته؛ قال: وإنما جاءت الإعادة ¬

_ (¬1) وهذا انتقال من المصنف رحمه الله من التمهيد إلى المحلى لابن حزم دون أدنى إشارة فواعجباه!! انظر المحلى (1/ 105).

في الرجيع. قال: وكذلك في دم الحيض لا يعيد. وقال في البول: يعيد في الوقت، فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه. وقال الليث في البول والروث والدم وبول الدابة والحيض والمني يعيد فات الوقت أو لم يفت. وقال في يسير الدم: لا يعيد في الوقت ولا بعده. قال: وسمعت الناس لا يرون في يسير الدم يصلى به وهو في الثوب بأسًا، ويرون أن تعاد الصلاة في الوقت من الدم الكثير. قال: والقيح مثل الدم. قال (¬1): وهذا أصح عن الليث مما قدمنا عنه. قال أبو عمر (¬2): والذي أقول به أن الاحتياط للصلاة واجب، وليس المرء على يقين من أدائها إلا في ثوب طاهر وبدن طاهر من النجاسة وموضع طاهر على حدودها، فلينظر المؤمن لنفسه ويجتهد. وأما الفتوى بالإعادة لمن صلى (¬3) وجاء مستفتيًا فلا، إذا كان ساهيًا ناسيًا، لأن إيجاب الإعادة فرضًا يحتاج إلى دليل لا ينازع فيه، وليس هو موجودًا في هذه المسألة. وقد روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وسالم وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في الذي يصلي بالثوب النجس وهو لا يعلم ثم علم بعد الصلاة أنه لا إعادة عليه، وبهذا قال إسحاق واحتج. بحديث أبي سعيد -يعني المذكور من طريق أبي داود. ¬

_ (¬1) والقائل ابن عبد البر كما في التمهيد (22/ 241) وكذا الاستذكار (3/ 214). (¬2) التمهيد (22/ 241). (¬3) في التمهيد لمن صلى وحده.

قال (¬1): ففي هذا الحديث ما يدل على جواز صلاة من صلى وفي ثوبه نجاسة إذا كان ساهيًا عنها غير عالم (¬2)، وعلى ما ذهب إليه هؤلاء من التابعين وغيرهم. قال: وقد احتج بعض أصحابنا بحديث ابن مسعود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي فلم يقطع لذلك صلاته، كان ذلك دليلًا على أن النجاسة ليس بفرض غسلها. ولو سلم له ظاهر هذا الحديث بأن يكون السلا من جزور غير مذكاة لما كان غسل النجاسة سنة ولا فرضًا، وقد أجمعوا أن من شروط (¬3) الصلاة طهارة الثياب والماء والبدن والموضع فدل على نسخ هذا الخبر، وفي (¬4) الحديث هذا نظر. وقد روى عن ابن مسعود في ذلك نحو حديث أبي سعيد الخدري. وذكر من طريق ابن (¬5) أبي شيبة من حديث علقمة، عن ابن مسعود؛ قال: خلع النبي - صلى الله عليه وسلم - نعليه وهو يصلي، فخلع من خلفه، فقال: "ما حملكم على خلع نعالكم؟ " نحو حديث أبي سعيد، وفي آخره: ". . . فلا تخلعوا نعالكم". وأما من قال بالإعادة: فروى حماد بن زيد، عن هشام بن حسان والأشعث الحمراني أن الحسن كان يقول: إذا رأى في ثوبه دمًا بعد ما صلى أنه يعيد ما كان في الوقت، وإن كان في ¬

_ (¬1) أي ابن عبد البر كما في التمهيد (22/ 242). (¬2) في التمهيد غير عالم بها على ما ذهب إليه هؤلاء من التابعين وغيرهم. (¬3) في التمهيد شرط. (¬4) قوله وفي الحديث هذا نظر ليس في التمهيد فلعلها جملة اعتراضية من ابن سيد الناس. (¬5) ولم أقف عليه في المصنف ولا في المسند، وهو عند الطبراني في معجمه الكبير (10/ 83) برقم 9972 وكذا الأوسط (5/ 183) برقم 5017. وقال الهيثمي في المجمع (2/ 56): "رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير، قال البزار لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة، انتهى، وأبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف".

جلده أعاد وإن ذهب الوقت. وقاله أبو قلابة وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور والطبري؛ لأن الإعادة إذا وجبت لم يسقطها خروج الوقت، ولا فرق في القياس بين البدن والثوب (¬1)، والبدن والثوب موضع الصلاة كله سواء عند أصحابنا في وجوب اجتناب النجاسة. وفيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد، بل يكفي الإنقاء، ولأن العدد لو كان واجبًا لوجب بيانه، لأنه - صلى الله عليه وسلم - في معرض التعليم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، خلافًا لن قال باشتراط الثلاث، على أن الثلاث عندنا مستحبة وليست بواجبة (¬2). وقال أبو حنيفة (¬3): سائر النجاسات في حكم الولوغ تغسل ثلاثًا، فألحق نجاسة الولوغ بغيرها في التثليث، وألحق أحمد (¬4) -رحمه الله- غير نجاسة الولوغ بنجاسة الولوغ في التسبيع في رواية، وقال الخرقي (¬5): وكل إناء حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبعًا إحداهن بالتراب. قال القاضي (¬6): الظاهر من قول أحمد ما اختاره الخرقي وهو وجوب العدد في ¬

_ (¬1) انتهى النقل عن ابن عبد البر كما في التمهيد (22/ 243). (¬2) انظر فتح العزيز للرافعي (1/ 244). (¬3) فتح العزيز (1/ 236) وهو ينقل عنه بالمعنى، وغالب هذا الكلام عن الرافعي. وانظر الهداية للمرغيناني (1/ 248). (¬4) فتح العزيز (1/ 236). وانظر المغني (1/ 73). (¬5) انظر مختصر الخرقي (1/ 191) مع المقنع لابن البنا. (¬6) انظر المغني (1/ 76). والمقصود بالقاضي أبو يعلى، وهو في كتابه الروايتين والوجهين (1/ 64 قسم المسائل الفقهية).

جميع النجاسات وإيجاب السبع والتثريب قياسًا على الولوغ. وفيه أن بقاء الأثر من النجاسة لتعذره بعد زوال عينها لا يضر، لقوله عليه السلام لخولة: "لا يضرك أثره" كما سبق، وقد اختلف في شيء من ذلك كما سنذكره. ولنقدم بين ذلك مقدمة وهي (¬1): أن الشيء النجس ينقسم إلى نجس العين وغيره، أما نجس العين فلا يطهر بحال إلا الخمر بالتخليل (¬2) وجلد الميتة (¬3) بالدباغ والعلقة في المضغة والدم من (¬4) حشو البيضة إذا نجسناها فاستحالت حيوانًا. وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حكمية وإلى عينية؛ أما الحكمية: فهي التي لا تحس مع تيقن وجودها كالبول إذا جف على المحل ولم توجد له رائحة ولا أثر، فيكفي إجراء الماء على موردها إذليس ثم ما يزال، ولا يجب في الإجراء عدد (¬5) عندنا خلافًا لمن اشترطه كما تقدم. وأما العينية: فلا يكفي فيها إجراء الماء بل لا بد من محاولة إزالة أوصافها الثلاثة اللون، والطعم والرائحة وما وجد منها، فإن بقي طعم لم يطهر سواء بقي مع غيره من الصفات أو وحده، لأن الطعم سهل الإزالة، ويظهر تصويره فيما إذا دميت لثته أو تنجس فوه بنجاسة أخرى فغسله فهو غير طاهر ما دام يجد طعمه فيه (¬6)، وإن ¬

_ (¬1) وهذا كلام الرافعي، نقله عنه كما في فتح العزيز (1/ 235 - 241) مع تصرف يسير. (¬2) في فتح العزيز بالتخلل. (¬3) في فتح العزيز وجلد الميتة يطهر بالدباغ. (¬4) في فتح العزيز والدم الَّذي هو حشو البيض. (¬5) قوله عندنا ليست في المطبوع. (¬6) عند الرافعي في فيه.

لم يبق الطعم نظر إن بقي اللون وحده وكان سهل الإزالة فلا يطهر، وإن كان عسر الإزالة كدم الحيض يصيب الثوب وربما لا يزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص فيطهر لما ذكرناه من حديث خولة وغيره، ولا رويناه في حديث عائشة من طريق الدارمي: "فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران". وكأن المراد -والله أعلم- أن ذلك الأثر لا يضر وأنها إن كرهت لون الدم فلها أن تغيره بالصفرة المشار إليها في الخبر (¬1)، وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر، فهل يطهر المحل؟ فيه قولان -وقيل وجهان والأول أصح-: أحدهما: لا؛ لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء العين، فصار كالطعم، وهذا هو القياس في اللون، لولا الأخبار التي ذكرناها (¬2). الثاني: وهو الأصح يطهر، لأنا إنما احتملنا بقاء اللون للمشقة (¬3) في إزالته، وهذا المعنى موجود في الرائحة. ويروى (¬4) في اللون أيضًا وجه أنَّه لا يطهر المحل ما دام باقيا، وإن بقي اللون والرائحة معًا فلا يطهر المحل لقوة دلالتهما على بقاء العين، وفي وجه ضعيف (¬5). وفيه أن العصر لا يشترط لما قدمناه. ¬

_ (¬1) من قوله وكان المراد إلى قوله بالصفرة المشار إليها في الخبر ليس من كلام الرافعي، وإنما هو زيادة شرح وتوضيح من المصنف رحمه الله. (¬2) وعند الرافعي لكن منعنا عنه الأخبار. (¬3) وعند الرافعي لمكان الثقة. (¬4) وعند الرافعي وروي بدل ويروي. (¬5) وعند الرافعي وفيه وجه ضعيف.

وقد اختلف (¬1) الأصحاب في حصول الطهارة بدونه على وجهين بنوهما على أن الغسالة هل هي طاهرة أو (¬2) نجسة؟ إن قلنا: إنها طاهرة، فلا حاجة إلى العصر وهو الأصح، وإلا فالغسالة فيه قبل العصر فلا يطهر، وعلى هذا فهل يكتفي بالجفاف؛ فيه وجهان: أصحهما: نعم، لأن زوال الغسالة بالجفاف أبلغ منه بالعصر. والثاني: لا؛ لأنا بالعصر نتوهم انتقال أجزاء النجاسة في صحبة الماء، وعند الجفاف لا يزول إلا بلل الماء وتبقى أجزاء النجاسة (¬3). وفي حديث الباب أن الكثير واليسير من الدم سواء في النجاسة يجب اجتنابه في الصلاة إلا ما استثناه الإجماع وقد تقدم. وفيه أن الماء متعين لإزالة النجاسة. وقد اختلف العلماء في إزالة النجس ورفع الحديث بغير الماء من المائعات على ثلاثة مذاهب. فحكي عن ابن أبي (¬4) ليلى والأصم (4) أنَّه طاهر مطهر يجوز استعماله في الحديث والنجس. وقال أبو حنيفة: يجوز استعماله في إزالة النجس دون الحديث. والذي ذهب إليه الجمهور أنَّه لا يزيل خبثًا ولا يرفع حدثًا. فأما ابن أبي ليلى والأصم فاستدلا بأنه مائع طاهر يوجب أن يكون ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 244). (¬2) في فتح أم بدل أو وهو الصواب. (¬3) فتح العزيز (1/ 244). (¬4) انظر المجموع للنووي (1/ 84).

مطهرًا كالماء. وأما أبو حنيفة فاستدل على إزالة النجاسة به وبكل ماخ طاهر بما روي عن أم سلمة (¬1) أنها قالت: يا رسول الله إني امرأة أطيل ذيلي وأجره في المكان القذر، فقال - عليه السلام -: "يطهره ما بعده"، ومعلوم أن ليس بعده إلا التراب، فدل على أن لغير الماء مدخلًا في تطهير النجاسة. ولما ذكرناه أن عائشة رضي الله عنها أصاب ثوبها دم فبلته بريقها وقصعته فدل على أن الريق مزيل للنجاسة. وقالوا: ذكر الماء في قوله: "حتيه ثم اغسليه بالماء" تقييد باللقب لا يدل على نفي الحكم عما عداه. وذكروا عدة من الأقيسة الشبهية لا حاجة بنا لذكرها وتكلف عنها لضعف ذلك كله. فأما حديث أم سلمة وقوله فيه: "يطهره ما بعده"؛ فالجواب عنه: أن ذلك إشارة إلى غير النجاسة أو إلى نجاسة يابسة بدلالة أن النجاسة الرطبة لا تطهر بالدلك اتفاقًا. وأما حديث عائشة فمحمول على أحد أمرين: إما أنها فعلت ذلك لتلين النجاسة بريقها ثم تغسلها بدليل أن الريق لا يزيل النجاسة. وإما محمول على نجاسة يسيرة يعفى عن مثلها، وهو الأظهر بدليل أن فيه: "ثم ترى فيه قطرة من دم"، وكذلك لفظ حديث أم سلمة في معناه أيضًا: "إن إحداهن تسبقها القطرة من الدم" فالدم في كلا الحديثين موصوف بأنه قطرة، وهذا ¬

_ (¬1) سبق الكلام عليه عند باب ما جاء في الوضوء من المَوْطَن.

مقدار يسير، والقائلون بالفرق بين اليسير منه والكثير لم يحدوا في ذلك حدًّا وإنما أحالوا على العرف، وأما من حدّ بقدر الدرهم البغلي قياسًا على محل النجو ففي غاية الضعف إذ هو قياس على رخصة، والقياس على الرخص لا يجوز عند الأكثرين وسيزيد هذا بيانًا إذا انتهى هذا الفصل إن شاء الله تعالى. وحجة من رأى تعين الماء لإزالة النجاسة حديث الباب، وقد تضمن تعين الماء للإزالة، ولا يقع الامتثال بغير المعين مع ما فيه من الرقة واللطافة التي قد لا يساويه فيها غيره، وهي مسألة من مسائل الخلاف المشهورة يقف عليها من أرادها في موضعها. وأما قوله (¬1): "ولتنضحه"، فيحتمل أن يكون المراد به ها هنا الغسل كما سبق بيانه، ويحتمل أن يراد به الرش لما يشك فيه ولا يرى، فيقطع بذلك الوسوسة، إذ الأصل في الثوب الطهارة حتَّى تتيقن النجاسة، فإذا استوقنت وجب الغسل والتطهير. وأما الرش فلا يزيل نجاسة في النظر، وقد جاء عن عمر (¬2) حين أجنب في ثوبه: "اغسل ما رأيت وانضح ما لم أر". وعن أبي هريرة (¬3) وغيره (¬4) مثل ذلك. ¬

_ (¬1) التمهيد لابن عبد البر (22/ 244). (¬2) رواه مالك في الموطأ (1/ 95) برقم 125 وعبد الرزاق في المصنف (1/ 369 - 370) برقم 1445 وابن المنذر في الأوسط (2/ 157) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 52) وذكره ابن عبد البر في التمهيد (22/ 244). (¬3) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/ 369) برقم 1441 والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 406) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 52) وذكره ابن عبد البر في التمهيد (22/ 244). (¬4) منهم ابن عمر رضي الله عنهما وطاوس والحسن البصري. انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 369) برقم 1442 و 1443 و 1444 والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 406) وأشار إليهم ابن عبد البر في التمهيد (22/ 244).

وروى الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: إذا حاضت المرأة في الثوب ثم طهرت فلتتبع ما أصاب ثوبها من الدم فلتغسله وتنضح باقيه ثم تصلي فيه. (¬1) ومن حجة من فرق بين القليل من الدم والكثير ما ذكر نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقتل القمل في الصلاة، أو قتل القمل في الصلاة. قال نعيم: هذا أول حديث سمعته من ابن المبارك، ومعلوم أن في قتل القمل نيل يسير من الدم (¬2). وروى أبو بكر (¬3) الأثرم قال: ثنا عقبة بن مكرم؛ قال: ثنا يونس بن بكير؛ قال: أنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري؛ قال: أدركت فقهاءنا يقولون: ما أذهب الحك من الدم فلا يضر، وما أذهب الفتل مما يخرج من الأنف فلا يضر. قال (¬4): وثنا أبو بكر (¬5) بن أبي شيبة؛ قال: ثنا شريك، عن عمران بن مسلم، عن مجاهد، عن أبي هريرة: أنَّه لم يكن بالقطرة ولا القطرتين من الدم في الصلاة بأسًا. قال (¬6): وقيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل إلى أي شيء تذهب في الدم؟ ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (22/ 244) وعنه ينقل المصنف. (¬2) التمهيد (22/ 230). (¬3) التمهيد (22/ 231). (¬4) التمهيد (22/ 231). (¬5) وهو في المصنف (1/ 137 - 138). (¬6) والقائل أبو بكر الأثرم كما في التمهيد (22/ 231).

فقال: إذا كان فاحشًا، قيل له: في الثوب؟ فقال: في الثوب، وإذا خرج من الجرح، قيل له: السائل أو القاطر؟ فقال: إذا فحش، أذهب إلى الفاحش على حديث ابن عباس. قال: وقال أبو عبد الله: عدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلموا فيه؛ أبو هريرة كان يدخل أصابعه في أنفه، وابن عمر عصر بثرة، وابن أبي أوفى تنخم دمًا، وجابر أدخل أصابعه في أنفه، وابن عباس قال: إذا كان فاحشًا. قال (¬1): أنا معاوية بن عمرو، عن سفيان، عن عطاء بن السائب أنَّه رأى عبد الله بن أبي أوفى يتنخم دمًا غليظًا وهو يصلي. قال: وثنا موسى بن إسماعيل؛ قال: نا حماد، قال: أنا حميد، عن بكر بن عبد الله المزني أن ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج منها شيء من دم وقيح فمسحه بيده ولم يتوضأ وصلى. قال أبو بكر: وسمعت أبا عبد الله يقول: البول والغائط غير الدم؛ كثير (¬2) البول والعذرة تعاد منهما الصلاة، ويغسل قليلهما وكثيرهما. قال: والدم إذا فحش تعاد منه الصلاة في الوقت وغيره كما تعاد من قليل البول والعذرة (¬3). قال ابن أبي (¬4) شيبة: ثنا هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنَّه أدخل أصابعه في أنفه فخرج دم فمسحه فصلى ولم يتوضأ. ثم ذكر بأسانيده عن أبي هريرة أنَّه لم يكن يرى بالقطرة والقطرتين من الدم في الصلاة بأسًا. ¬

_ (¬1) أي أبو بكر الأثرم كما في المرجع السابق. (¬2) في التمهيد لأن البول والغائط تعاد منهما الصلاة. (¬3) التمهيد (22/ 231 - 232). (¬4) المصنف (1/ 137).

وعن أبي قلابة أنَّه كان لا يرى بأسًا بالشقاق يخرج منه الدم (¬1). وعن مكحول (¬2) أنَّه كان لا يرى بأسًا بالدم إذا خرج من أنف الرجل إن استطاع أن يفتله بأصبعه إلا أن يسيل أو يقطر. وعن أبي الزبير، عن جابر أنَّه أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم فمسحه بالأرض أو بالتراب ثم صلى (¬3). وعن أبي (¬4) خلدة؛ قال: رأيت أبا السوار العدوي عصر بثرة ثم صلى ولم يتوضأ وقال (¬5): نا أبو خالد الأحمر عن سيف؛ قال: كان بمجاهد قرحة تمصل فكان لا يتوضأ منها وتصيب ثوبه فلا يغسله (¬6). قال أبو (¬7) عمر: وفي هذا الحديث دليل على أن قليل الماء يطهر النجاسة إذا غلب عليها واستهلكها ومعلوم أن دم الحيض هنالك قد طهره من الماء ما هو دون القلتين. انتهى. وهذا معنى كلامه وهو يشير إلى أنَّه لورود الماء على النجاسة قوة ليست كما إذا وردت النجاسة على الماء. قال أبو (¬8) الحسن الماوردي بعد كلام: فعلى هذا لو أن ثوبًا نجسًا طرح في إناء ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 138). (¬2) المصنف (1/ 138). (¬3) المصنف (1/ 138). (¬4) المرجع السابق. (¬5) أي ابن أبي شيبة. (¬6) المصنف (1/ 139). (¬7) التمهيد (22/ 245) بتصرف يسير. (¬8) الحاوي الكبير (1/ 303).

ثم صب عليه من الماء ما أزال أثر النجاسة منه كان الثوب وما احتمله من الماء وما فضل عنه في الإناء طاهران (¬1)، ولو (¬2) عصر الثوب في الإناء كان الماء المنفصل قبل العصر وبعده طاهرًا مستعملًا، ولو ابتدأ بصب الماء في الإناء ثم ألقى الثوب (¬3) فيه صار الثوب والماء والإناء نجسًا كله، لأنها نجاسة وردت على ماء، وفي الأول ماء ورد على نجاسة، فلو ربط الثوب على رأس الإناء ثم أراق الماء عليه فوقع على الثوب، ثم نزل في الإناء طهر الماء والثوب إذا لم يبق للنجاسة أثر. انتهى. أما (¬4) إذا أدخل المحل النجس في الإناء فغسل فيه فإما أن يتغير الماء أو لا. فإن تغير لم يطهر الماء إجماعًا، وإن لم يتغير الماء فاختلف العلماء في طهارته، فمنهم من قال: لا يطهر لأن النجاسة وردت على الماء؛ ذكر عن أبي علي الصيدلاني، وقال غيره: يطهر؛ لأنها نجاسة كوثرت بالماء فأزالها حكمًا وعينًا، وبه قال ابن (¬5) سريج، هذا إذا كان الماء يسيرًا، فإن كان كثيرًا طهر المحل إجماعًا. قاله القاضي (¬6) أبو بكر بن العربي، وقال في فوائد هذا الحديث: قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: لا يطهر الثوب حتَّى يعصر، ولا الإناء حتَّى تستقصى إزالة الرطوبة عنه. وقال علماؤنا: يطهر، وهو الأصح؛ لأنه نجاسة كأثرها بالماء فحكم بطهارتها، ¬

_ (¬1) في الحاوي طاهرًا كله. (¬2) في الحاوي فلو بدل بدل ولو. (¬3) في الحاوي زيادة النجس. (¬4) قال ابن المنذر في كتابه الإجماع (330) برقم 17: "وأجمعوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت الماء طعمًا، أو لونًا، أو ريحًا، أنَّه نجس ما دام كذلك". وانظر الأوسط (1/ 260). وما نقله عن أبي بكر بن العربي كما سيأتي. (¬5) ووقع في العارضة ابن شريح وهو خطأ. (¬6) عارضة الأحوذي (1/ 180).

ولأن المنفصل من الماء عن المحل جزء من المتصل، والمنفصل طاهر فالمتصل مثله، فأي فرق بين أن يتصل كله أو بعضه؟ قال بعض أشياخنا (¬1): إنما تنبني هذه المسألة على طهارة الغسالة، وأبو حنيفة يرى أن الغسالة نجسة انفصلت متغيرة أو غير متغيرة، والمحل طاهر، ولابد عنده من العصر، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في العارضة بعض أشياخي المتأخرين، ولعله يقصد أبا حامد الغزالي.

105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء

105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء ثنا نصر بن علي الجهضمي، نا شجاع بن الوليد أبو بدر، عن علي بن عبد الأعلى، عن أبي سهل، عن مُسَّة الأزدية، عن أم سلمة؛ قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أربعين يومًا، فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكَلَف". قال أبو عيسى: هذا حديث (¬1) لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسّه، عن أم سلمة، واسم أبي سهل كثير بن زياد. قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل. وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. ويروى عن الحسن البصري أنَّه قال: تدع الصلاة خمسين يومًا إذا لم تر الطهر (¬2). ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يومًا (¬3). ¬

_ (¬1) في نسخة الشيخ أحمد محمد شاكر هذا حديث غريب، وكذا عند المباركفوري كما في تحفة الأحوذي (1/ 429). (¬2) ومعظم ما نقله المصنف مستفاد من كتاب الإمام لابن دقيق العيد (3/ 340) فما بعدها. (¬3) الجامع (1/ 256 - 259) برقم 139.

* الكلام عليه: أخرجه أبو (¬1) داود وابن ماجة (¬2). ورواه الإمام أحمد (¬3) أيضًا بهذا اللفظ، وفي رواية للإمام أحمد (¬4) وأبي داود (¬5): "كانت النفساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا أو أربعين ليلة. وعند أبي داود (¬6) عن الأزدية وهي مُسّة قالت: حججت فدخلت على أم سلمة، فقلت: يا أم المؤمنين! إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض، فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء النفاس. وروى الدارقطني (¬7) عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سألته: كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: "تجلس أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك"؛ رواه من طريق عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن أبيه. ومحمد (¬8) بن عبيد الله بن ميسرة العرزمي قال غير (¬9) واحد: متروك الحديث؛ تركه ابن المبارك ويحيى القطان ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 311 باب ما جاء في وقت النفساء. (¬2) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 213) برقم 648. (¬3) المسند (44/ 186) برقم 26561 و (44/ 207) برقم 26584 و (44/ 250) برقم 26638. (¬4) المسند (44/ 213) برقم 26592 و (44/ 250) برقم 26638. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 312. (¬6) السنن كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 312. (¬7) السنن (1/ 223) برقم 80. (¬8) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (8/ 1 - 2) برقم 5، وتهذيب الكمال (26/ 41 - 44) برقم 5434 وتهذيب التهذيب (3/ 637 - 638). (¬9) منهم الفلاس وعلي بن الجنيد والأزدي والحاكم. انظر تهذيب التهذيب (3/ 638).

وابن مهدي (¬1) وابن معين، وروى عنه شعبة وسفيان (¬2) ومُسّة (¬3) -بضم الميم- تكنى أم بُسّة -بضم الباء ثاني الحروف-. سكت (¬4) الترمذي عن هذا الحديث فلم يحكم عليه بشيء. وقد أخرج الحاكم (¬5) في المستدرك هذا الحديث من الطريق التي فيها ذكر سمرة بن جندب التي ذكرناها من جهة أبي (¬6) داود وهي من حديث يونس بن نافع، عن كثير بن زياد؛ قال: حدثتني الأزدية. رواه أبو (¬7) داود، عن الحسن بن يحيى، عن محمد بن حاتم، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس. قال الحاكم (¬8) بعد إخراجه في مستدركه: صحيح الإسناد (¬9)، ولا أعرف في معناه غير هذا. انتهى. والحكم بصحة إسناده لا يلزم منه الحكم بصحته ولا سيما وقد قال: إنه لا يعرف في الباب غيره، فلا يحسن إيراده فيما يستدرك على صاحبي الصحيح حتَّى يستكمل ما شرطاه. ¬

_ (¬1) انظر تهذيب التهذيب (3/ 638). (¬2) أي الثوري. (¬3) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/ 305 - 307) برقم 7930 وتهذيب التهذيب (4/ 688). (¬4) وفي بعض النسخ حكم عليه بالغرابة كما تقدم. (¬5) المستدرك (1/ 175). (¬6) سبق الحديث. (¬7) السنن كتاب الطهارة (1/ 158) برقم 312. (¬8) المستدرك (1/ 175) ووافقه الذهبي. (¬9) زاد في المستدرك ولم يخرجاه.

وقال البيهقي (¬1): أبو سهل كثير بن زياد البرساني ليس له ذكر في الكتابين الصحيحين، وأورده أبو حاتم في كتاب المجروحين (¬2) واستحب مجانبة ما انفرد به، وقد وثقه البخاري (¬3). وأما ابن (¬4) القطان فإنه قال ت وعلة الخبر المذكور مُسَّة المذكورة وهي تكنى أم بُسّة ولا تعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث، قاله الترمذي (¬5) في علله، فخبرها هذا ضعيف الإسناد ومنكر المتن؛ فإن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما منهن من كانت نفساء أيام كونها معه إلا خديجة، وزوجيّتها كانت قبل الهجرة؛ فإذًا لا معنى لقولها: قد كانت المرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقعد في النفاس، إلا أن تريد بنسائه غير أزواجه من بناته وقراباته وسريته مارية، وكذا قال أبو (¬6) محمد بن حزم في مسَّة إنها مجهولة. وأما قول ابن القطان: ولا تعرف عينها، فإنما ذلك عنده لانفراد أبي سهل بالرواية عنها الَّذي حكاه الترمذي عن البخاري، وقد روى عنها الحكم بن عتيبة: وهو الحديث الَّذي ذكرناه عن الدارقطني (¬7) من طريق العرزمي، وقد روى عنها زيد بن علي بن الحسين، وهو عند البيهقي (¬8) عن الحاكم بسنده. ¬

_ (¬1) الخلافيات (3/ 407). (¬2) المجروحون (2/ 229) برقم 894، وأورده في ثقاته (7/ 353). (¬3) كما نقل ذلك عنه الترمذي في جامعه (1/ 257) وكذا العلل الكبير (1/ 194). (¬4) بيان الوهم والإيهام (3/ 329 - 330). (¬5) والذي في العلل الكبير تعبير البخاري بأنه لا يعرف لمسة غير هذا الحديث. (¬6) المحلى (2/ 204). (¬7) السنن (1/ 223). (¬8) الخلافيات (3/ 407) و (3/ 408) وهو عند الدارقطني في الأفراد (5/ 408 أطراف) برقم 5856 وقال: غريب من حديث زيد بن علي بن الحسين عن مسة، تفرد به يونس بن أرقم عن العرزمي عنه.

وروى (¬1) أيضًا محمد بن كناسة، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي الحسن (¬2)، عن مسة، فهذا أبو سهل وابن عتيبة وزيد وأبو الحسن، لكن كلها من طريق العرزمي، وقد تقدم الكلام عليه. وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن أنس وأبي هريرة وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وعائشة. أما حديث أنس فرواه الدارقطني (¬3) من حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن سلام بن سلم، عن حميد، عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وقت للنفساء أربعون يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك". وهو عند ابن (¬4) ماجة. قال الدارقطني (¬5): لم يروه عن حميد غير سلام الطويل وهو ضعيف. انتهى. سلّام (¬6) -مشدد اللام-. وقد رواه سفيان، عن زيد العمي، عن أبي أياس، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره البيهقي (¬7) وضعف زيد العمي. وحديث أبي الدرداء وأبي هريرة؛ قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تنتظر النفساء ¬

_ (¬1) أي البيهقي كما في الخلافيات (3/ 408 - 409) برقم 1053. (¬2) وأبو الحسن هذا هو علي بن عبد الأعلى. (¬3) السنن (1/ 220) برقم 66 وضعفه بقوله لم يروه عن حميد غير سلام هذا، وهو سلام الطويل وهو ضعيف الحديث كما سيأتي. (¬4) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 213) برقم 649 باب النفساء كم تجلس. (¬5) السنن (1/ 220) برقم 66. (¬6) وهذا النقل بحروفه عن شيخه ابن دقيق العيد كما في كتابه الإمام (3/ 345). (¬7) السنن الكبرى (1/ 343) والخلافيات (3/ 433) برقم 1071.

أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين يومًا ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة". ذكره أبو (¬1) أحمد بن عدي من حديث العلاء بن كثير، عن مكحول عنهما. والعلاء؛ قال ابن (¬2) المديني: ضعيف الحديث جدًّا، وضعفه النسائي (¬3)، وقال يحيى (¬4): ليس بشيء. وقال أبو (¬5) بكر الفقيه: خبر مكحول عن أبي هريرة وأبي الدرداء مرسل. وحديث عثمان بن أبي العاص: روى الدارقطني (¬6) عن أحمد بن محمد بن ¬

_ (¬1) الكامل (5/ 1861). (¬2) الكامل (5/ 1861). (¬3) الضعفاء والمتروكون (217) برقم 434. (¬4) الكامل (5/ 1861) وفيه ليس حديثه بشيء، وهو من الرواة الذين فات الأخ نظر محمد الفريابي أن يذكره في فهرسته الحاوي لمرويات يحيى بن معين. (¬5) ذكره البيهقي في الخلافيات (3/ 435) برقم 1073 وأبو بكر هذا هو الشيخ أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري الشافعي المعروف بالصِّبغي. مترجم في السير (15/ 483 فما بعدها) برقم 274. (¬6) السنن (1/ 220) برقم 70 ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 176) وقال هذه سنة عزيزة فإن سلم هذا الإسناد من أبي بلال فإنه مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص. قلت: كذا جزم الحاكم، وحكاه المزي غير جازم فقال: وقيل لم يسمع منه كما في التهذيب (6/ 98)، ووافق الذهبي الحاكم على دعوى الانقطاع. ورواية الحسن عن عثمان بن أبي العاص عند أبي داود في سننه كتاب الخراج (3/ 278) برقم 3026 والترمذي (1/ 409) برقم 209 وابن ماجه (1/ 236) برقم 714. وأبو بلال هذا يقال اسمه مرداس بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وقيل اسمه محمد وقيل عبد الله. ضعفه الدارقطني كما سيأتي، وقال ابن حبان: يغرب ويتفرد وقال ابن القطان: لا يعرف البتة. قال الحافظ ابن حجر: وهم في ذلك، فإنه معروف. انظر ميزان الاعتدال (4/ 507) برقم 1004، لسان الميزان (6/ 674 - 675) برقم 8358 و (7/ 600 - 601) برقم 9735.

سعيد، أنا أبو شيبة، ثنا أبو بلال، نا أبو شهاب، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص؛ قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنفساء في نفاسهن أربعين يومًا. وحديث عائشة: قال الدارقطني (¬1): نا أحمد، ثنا أبو شيبة، نا أبو بلال، نا حبان، عن عطاء، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله. قال الدارقطني (¬2): أبو بلال الأشعري هذا ضعيف، وعطاء (¬3) هو ابن عجلان متروك الحديث. وقد اختلف (¬4) في رفع حديث عثمان بن أبي العاص ووقفه. وحديث عبد الله بن عمرو: روى الدارقطني (¬5) من حديث عمرو بن الحصين، نا محمد بن عبد الله بن علاثة، عن عبدة بن أبي لبابة، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تنتظر النفساء أربعين ليلة، فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة". ¬

_ (¬1) السنن (1/ 220) برقم 71. (¬2) المرجع السابق. (¬3) ضعفه ابن معين والبخاري والفلاس وغيرهم. انظر الجرح والتعديل (6/ 335) وميزان الاعتدال (3/ 75) برقم 5644 ومن اسمه عطاء للطبراني (32) برقم 22. (¬4) نبه على ذلك الحافظ الدارقطني كما في السنن (1/ 220). (¬5) السنن (1/ 220) برقم 72.

قال الدارقطني (¬1): عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان. وحديث معاذ بن جبل: عند الدارقطني (¬2) أيضًا من طريق عبد السلام بن محمد الحمصي لقبه سليم، ثنا بقية بن الوليد، نا علي (¬3) بن علي، عن الأسود، عن عبادة بن نسى، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل". قال سليم: فلقيت علي بن علي فحدثني عن الأسود، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال الدارقطني (¬5): الأسود هو ابن ثعلبة، شامي (¬6). وأما الآثار: فروى الدارقطني (¬7) من حديث إسرائيل، عن جابر عن عبد الله بن يسار، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، قال: تجلس النفساء أربعين يومًا. ¬

_ (¬1) السنن (1/ 221) برقم 72. (¬2) السنن (1/ 221) برقم 75. (¬3) ووقع في سنن الدارقطني علي بن الأسود وصوابه علي بن علي عن الأسود. وقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 342) من طريق الدارقطني على الصواب ويؤكد ذلك قوله قال سليم وهو لقب عبد السلام الحمصي - فلقيت علي بن علي فحدثني عن الأسود. (¬4) زاد في السنن مثله. (¬5) السنن (1/ 221). (¬6) قال الذهبي قال ابن المديني: لا يعرف. انظر: الميزان (1/ 256) برقم 980. وذكره ابن حبان في الثقات (4/ 33) على عادته في توثيق المجاهيل. (¬7) السنن (1/ 221) برقم 74.

جابر الجعفي: لا يحتج به (¬1). ومن حديث عمرو (¬2) بن يعلى الثقفي، عن عرفجة السلمي، عن علي؛ قال: لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي (¬3). وعن أنس (¬4): تجلس النفساء أربعين يوما. في إسناده جابر الجعفي عند الدارقطني. وقد رواه البيهقي (¬5) من غير طريقه، وروى البيهقي (¬6) بطريق جيد عن ابن عباس نحو ذلك. وروى الدارقطني (¬7) نحوه أيضًا عن عائذ بن عمرو؛ وقال: كان ممن بايع تحت الشجرة، وفي إسناده الجلد بن أيوب وهو ضعيف. وروى البيهقي (¬8) من حديث حماد بن زيد، عن ليث، عن عطاء والشعبي كانا يقولان: إذا طال بها الدم تربصت ما بينها وبين شهرين (¬9) ثم تغتسل وتصلي. وروى أيضًا من حديث سفيان عن الليث، عن الشعبي، قال: تجلس النفساء ¬

_ (¬1) قاله اليهقي في الخلافيات (3/ 437). (¬2) كذا قال، وهو كذلك في الإمام لابن دقيق العيد (3/ 352) وعنه ينقل المصنف، وصوابه عمر وهو عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، ضعيف الحديث. انظر التهذيب (3/ 237). (¬3) السنن (1/ 223) برقم 81. (¬4) السنن (1/ 221) برقم 74. (¬5) الخلافيات (3/ 433 - 434) برقم 1072 وفيه إسماعيل بن عمرو بن نجيح وهو ضعيف. (¬6) السنن الكبرى (1/ 341) وكذا الخلافيات (3/ 438) برقم 1075. (¬7) السنن (1/ 221) برقم 73. (¬8) السنن الكبرى (1/ 342). (¬9) ووقع في بعض نسخ السنن الكبرى ستين بدل شهرين.

ستين يومًا (¬1). وروي أيضًا من حديث حماد، عن أشعث، عن الحسن (¬2): إذا رأت النفساء أقامت خمسين ليلة. قال (¬3): وكذلك رواه يونس بن عبيد (¬4). وقال البخاري (¬5) في تاريخه: سالم (¬6) مولى بن سليم أن مولاته أم يوسف، ولدت بمكة فلم تر دمًا، فلقيت عائشة رضي الله عنها فقالت: أنت امرأة طهرك الله فلما نفرت رأته. قال البخاري: قاله لنا موسى بن إسماعيل. وقال الأوزاعي (¬7): عندنا امرأة تنفس ستين يومًا. وحكى الطحاوي عن الليث عن بعضهم سبعين يومًا. والنفساء اسم الوالدة، يقال: نُفِست -بضم النون وكسر الفاء وبفتح النون وكسر الفاء- فإذا حاضت قيل بفتح النون وكسر الفاء لا غير. والورس: نبات يزرع باليمن، ولا يكون بغير اليمن، نباته مثل السمسم، فإذا ¬

_ (¬1) السنن الكبرى (1/ 342). (¬2) وفي السنن الكبرى إذا رأت النفساء أقامت خمسين ليلة والصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد وهو كذلك ساقط من الإمام (3/ 355). (¬3) أي البيهقي. (¬4) أي عن الحسن. (¬5) التاريخ الكبير (4/ 194) برقم 2463. (¬6) كذا وقع في الأصل تبعًا لشيخه ابن دتيق العيد في الإمام (3/ 355) وصوابه سهم، وابن دقيق العيد نقل هذا الكلام عن البيهقي كما في السنن الكبرى (1/ 343). (¬7) هذا النقل عن ابن العربي المالكي كما في عارضة الأحوذي (1/ 228)، وانظر الاستذكار (3/ 249).

جف ينتقض (¬1) من خرائطه الورس، وهو أحمر يزرع سنة فيقيم في الأرض عشر سنين ينبت ويثمر، وأجوده حديثه. يقال: أورس فهو وارس ومورس (¬2). وفي الحديث (¬3): "أتى بملحفة ورسية"، نسبة إلى الورس لأنها صبغت به، ويقال: وريسة ومورسة. والكلف تغير يكون في الوجه، ومنه كلفة البذرة. وأكثر النفاس عند أصحابنا (¬4) ستون يومًا، وأغلبه أربعون يومًا وأقله لحظة. وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: أكثره أربعون يومًا، ورووا عن مالك فيه روايتين، إحداهما مثل مذهبنا، والأخرى أنَّه لا حد له، ويرجع إلى أهل الخبرة من النساء. وعن ربيعة: أدركت الناس يقولون: أكثر ما تنفس المرأة ستون يومًا. فما جاء في هذا الحديث محمول على الغالب، وأما ما ذكره الترمذي (¬5) عن ¬

_ (¬1) عند ابن العربي فإذا جف ثقفت خرائطه فينتقض منه الورس. (¬2) عارضة الأحوذي (1/ 185). (¬3) من حديث قيس بن سعد قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعنا له غسلًا فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه، ثم أتيناه بحمار ليركب فقال: "صاحب الحمار أحق بصدر حماره". فقلنا: يا رسول الله! فالحمار لك. أخرجه أحمد في مسنده (39/ 262 - 263) برقم 23844 وابن ماجة في سننه (1/ 158) برقم 466 وأبو يعلى في مسنده (3/ 25) برقم 1435 وهو ضعيف. فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف سيئ الحفظ وكذا محمد بن شرحبيل. (¬4) فتح العزيز للرافعي (2/ 573 - 574) وعنه ينقل المصنف رحمه الله بتصرف يسير. (¬5) الجامع (1/ 258).

الشافعي فقد حكاه الرافعي (¬1) عن الترمذي قولًا للشافعي. وأما أول النفاس فلا حد له، ويثبت حكم النفاس لما وجدته قل أو كثر، والمعنى فيه الرجوع إلى الوجود. وروي عن أبي حنيفة في أول النقاس ثلاث روايات: إحداها مثل مذهبنا وهي الأظهر، والثانية: أحد عشر يومًا، والثالثة: خمسة وعشرون يومًا. وقال المزني: أقله أربعة أيام، لأن النفاس (¬2) مثل أكثر الحيض أربع مرات، فليكن أوله (¬3) مع أوله كذلك، ولا فرق في حكم النفاس بين أن يكون الولد حيًّا أو ميتًا، كامل الخلقة أو ناقصها، ولو ألقت علقة أو مضغة. وقالت القوابل: إنه مبتدأ (¬4) خلق الآدمي، فالدم الَّذي تجده نفاس، ذكره صاحب "التتمة". وقال القاضي أبو (¬5) بكر بن العربي: وقد يستحيل فتلد دون دم، فقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون دم، فسميت ذات الجفوف، فلا جرم لا حد لأقله على هذا، وقال الثوري: أقله ثلاثة أيام كأقل الحيض، وأقل الحيض عنده دفعة من دم ولو ولدت ولم تر دمًا ولا بللًا ففي وجوب الغسل عليها وجهان: أحدهما لا يجب؛ لظاهر قوله - عليه السلام -: "الماء من الماء"، فإنه ينفي وجوب الغسل بغير إنزال. وأظهرهما الوجوب؛ لأنه لا يخلو عن بلل وإن قل غالبًا فيقام الولد مقامه كالتوأم يقام مقام الخروج غالبًا، ولأنه يجب الغسل بخروج المني الَّذي يخلق الولد ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 574). (¬2) وعند الرافعي لأن أكثر النفاس مثل أكثر الحيض. (¬3) وعند الرافعي فليكن أقله مع أقله كذلك. (¬4) عند الرافعي ابتداء بدل مبتدأ. (¬5) عارضة الأحوذي (1/ 185 - 186) بتصرف.

منه، فبخروج الولد أولى. ويجري الوجهان في إلقاء العلقة والمضغة. وقال مالك في العتبية: لا يأتي الغسل إلا بخير (¬1). وأما (¬2) ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوار الحيض فهل هو حيض أم لا؟ قال في القديم: لا، بل (¬3) دم فساد. ذهب (¬4) أبو حنيفة وأحمد لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا توطأ حامل حتَّى تضع ولا حائل حتَّى تحيض" (¬5)؛ جعل الحيض دليلا على براءة الرحم، فلو قلنا الحامل تحيض لبطلت دلالته، ولأن فم الرحم ينسد بالحمل، فيمتنع خروج دم الحيض، فإن الحيض يخرج من أقصى الرحم. وقال في الجديد: هو حيض، وبه قال مالك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دم الحيض أسود يعرف" (¬6)، فأطلق ولم يفصل بين الحائل والحامل، ولأنه دم في أيام العادة بصفة الحيض وعلى قدره فجاز أن يكون حيضًا كدم الحامل والمرضع. ولا فرق على القولين بين (¬7) ما تراه قبل حركة الحمل وما تراه بعده. ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 186). (¬2) هذا ابتداء كلام الرافعي في فتح العزيز (2/ 576 - 577). (¬3) وعند الرافعي بل هو دم فساد. (¬4) عند الرافعي وبه قال أبو حنيفة وأحمد. (¬5) رواه أحمد في مسنده (17/ 326) برقم 11228 و (18/ 140) برقم 11569 وأبو داود في سننه كتاب النِّكاح (2/ 424) برقم 2217 باب في وطء السبايا وهو صحيح. انظر إرواء الغليل (1/ 200 - 201) برقم 187 و (7/ 214) برقم 2138. (¬6) تقدم الحديث. (¬7) بين سقطت من فتح العزيز المطبوع.

ومنهم من قال: القولان فيما بعد حركة الحمل. أما من وقت العلوق إلى الحركة فهو كحال الحبال. فإن قلنا: إنه ليس بحيض، فهو حدث دائم كسلس البول. وإن قلنا: إنه حيض حرم فيه الصلاة والصوم (¬1)، ويثبت جميع أحكام الحيض، إلا أنَّه لا يحرم فيه الطلاق ولا تنقضي به العدة؛ قال الله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2). وأما الدم الَّذي تراه المرأة بين التوأمين، فهل هو دم نفاس أو لا؟ فيه وجهان مختلف في الصحيح منهما (¬3). فالذي صححه الغزالي (¬4) وقبله إمام الحرمين وجماعة أنَّه دم نفاس، والذي صححه الشيخ أبو حامد والعراقيون أنَّه ليس بدم نفاس. فإن قلنا: إنه ليس بنفاس، فقال الأكثرون: إنه ينبني على دم الحامل وان جعلناه حيضًا فهو أولى، وإلا ففيه قولان، والفرق أنها إذا وضعت أحد (¬5) التوأمين كان استرخاء الدم قريبًا بخلاف ما قبل الولادة، فإن فم الرحم منسد حينئذٍ، وقيل إنه كدم الحامل، ويحكى عن مالك أنَّه نفاس، وفي كلام بعض الأصحاب ما يقتضي كونه دم فساد. فإن قلنا: إنه نفاس فما بعد الثاني معه نفاس واحد أو نفاسان؟ فيه وجهان: أظهرهما نفاسان لانفصال كل واحدة من الولادتين عن الأخرى، ¬

_ (¬1) زاد الرافعي والوطء. (¬2) فتح العزيز (2/ 576 - 577). (¬3) فتح العزيز (2/ 582 - 584). (¬4) الوسيط (1/ 480). (¬5) عند الرافعي إحدى.

وعلى هذا لا يبالي بمجاوزة الدم الستين من الولادة الأولى. والثاني: أنهما نفاس واحد لأنهما في حكم الولد الواحد؛ ألا ترى أن العدة لا تنقضي بوضع أحدهما، فعلى هذا إذا زاد الدم على ستين من الولادة الأولى فهي مستحاضة (¬1). * * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 582 - 584).

106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد ثنا بندار محمد بن بشار، نا أبو أحمد، نا سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه في غسل واحد. قال: وفي الباب عن أبي رافع. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري: أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ. وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة، عن أبي الخطاب، عن أنس. وأبو عروة هو معمر بن راشد، وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة (¬1). * الكلام عليه: أخرجه النسائي (¬2) وابن (¬3) ماجة من حديث قتادة عن أنس، وأخرج مسلم (¬4) من حديث هشام بن زيد، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد. وأخرج البخاري (¬5) من حديث قتادة عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 259 - 260) برقم 140. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 264 باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل، وفي الكبرى (1/ 173) برقم 256 باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل. (¬3) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 194) برقم 588 باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلًا واحدًا. (¬4) الصحيح كتاب الحيض (1/ 249) برقم 309 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع. (¬5) الجامع الصحيح كتاب الغسل (1/ 105) برقم 268 باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد.

نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؛ قال: كنا نتحدث أنَّه أعطي قوة ثلاثين. هشام الدستوائي يقول: عن قتادة: إحدى عشرة. وسعيد بن أبي عروبة يقول عنه تسع نسوة (¬1). وحديث أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؛ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر". رواه الإمام أحمد (¬2) وأبو داود (¬3) وابن ماجة (¬4) والنسائي (¬5). قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: لفظ أبي داود. قلت: والله أعلم ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا مرة ¬

_ (¬1) ورواية سعيد عند البخاري في كتاب الغسل (1/ 109 - 111) برقم 284. وقال ابن خزيمة: تفرد بذلك (أي بذكر إحدى عشرة) معاذ بن هشام عن أبيه. وجمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين. انظر: صحيح ابن حبان (4/ 10 - 11) برقم 1209. قلت: وحديث أنس له عنه طرق، ذكر منها المصنف طريق قتادة وطريق هشام بن زيد، وفيه عن حميد الطويل وكذا الزهري وثابت. انظرها في تعليق بشار على جامع الترمذي (1/ 182 - 184). (¬2) المسند (39/ 288) برقم 23862 و (45/ 166) برقم 27187. انظر فتح الباري لابن رجب (1/ 299 - 302) فهو مهم. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 111) برقم 219 باب الوضوء لمن أراد أن يعود، ولفظه هو الَّذي ساقه المصنف. وقال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 194) برقم 590 باب فيمن يغتسل عند كل واحدة غسلًا. (¬5) السنن الكبرى (8/ 207 - 208) برقم 8986 باب طواف الرجل على نسائه والاغتسال عند كل واحدة.

وذاك أخرى، انتهى (¬1). قال أبو (¬2) داود: حديث أنس أصح من هذا يريد الحديث الَّذي تقدم في الباب قبله. قال بعض (¬3) أهل العلم: وأما طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء. وقد اختلف العلماء في وطء النبي - صلى الله عليه وسلم - النسوة التسع أو الإحدى عشر كما جاء في وقت واحد كيف كان؟ وسئل مالك (¬4) عن رجل له نسوة جوار (¬5): أله أن يطأهن جميعًا قبل أن يغتسل؟ قال: لا بأس أن يصيب الرجل جاريته (¬6) قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فإنا نكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى قبل أن يغتسل، فأما أن يصيب الرجل الجارية ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس بذلك. ¬

_ (¬1) وقال النووي: هو محمول على أنَّه فعل الأمرين في وقتين مختلفين، نقله الحافظ في التلخيص (1/ 217) وهو في شرحه على صحيح مسلم (3/ 218) حيث قال: "وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت والله أعلم". هذا على فرض ثبوت الحديث أعني حديث أبي رافع، وفيه ضعف، عبد الرحمن بن أبي رافع مقبول كما في التقريب (577) برقم 3882 وعمته سلمى كذلك فهما قد تفردا بهذا الحديث ولا متابع لها، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث كما في صحيح أبي داود (1/ 43) وآداب الزفاف (107 - 108) والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 126 - 127) برقم 1570. (¬2) السنن (1/ 111). (¬3) قاله النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 218). (¬4) الموطأ (1/ 98) برقم 132. (¬5) في الموطأ نسوة وجواري. (¬6) في الموطأ جاريتيه.

قال ابن عبد البر: وجه ذلك أن الجواري لا قسمة لهن عليه، فله أن يطأ جميعهن إن قدر في اليوم والليلة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه طاف على نسائه في غسل واحد وهذا معناه في حين قدومه من سفر ونحوه، في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم، فجمعهن يومئذ، ثم دار بالقسم عليهن بعد، والله أعلم؛ لأنهن كن حرائر وسنته - صلى الله عليه وسلم - فيهن العدل في القسم بينهن، وألا يمس الواحدة في يوم الأخرى، وهذا قول جماعة الفقهاء، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء، وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة، وسيأتي في الباب بعد هذا. وقال القاضي أبو (¬1) بكر بن العربي -رحمه الله تعالى-: كان الله سبحانه قد خص نبيه - صلى الله عليه وسلم - في النِّكاح بأشياء لم يعطها غيره، منها تسع زوجات في ملك، ثم أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق تكون مقتطعة له من زمانه يدخل فيها على جميع أزواجه فيطؤهن أو بعضهن، ثم يدخل عند التي يكون الدور لها، ففي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره، فلذلك قال في الحديث (¬2): في الساعة الواحدة من ليل أو نهار، وقد روي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ؛ ذكره الطحاوي (¬3): ثنا إبراهيم بن مرزوق، نا معاذ بن فضالة، نا يحيى بن أيوب، عن أبي حنيفة، وموسى بن عقبة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد عن عائشة فذكره. ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي (1/ 188) بتصرف يسير. (¬2) عند البخاري في صحيحه كتاب الغسل (1/ 105) برقم 268 وقد سبق. (¬3) شرح معاني الآثار (1/ 127).

ولا يطأ الرجل زوجته الواحدة في نوبة أخرى إلا إن أذنت له فيجوز حينئذٍ الجمع. وفيه ما أعطيه - عليه السلام - من القوة على كثرة الجماع (¬1) وذلك محمود عند العرب؛ إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمادح به سيرة ماضية (¬2)، وإنما في الشرع سنة مأثورة؛ وقد قال ابن (¬3) عباس: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء، مشيرُا إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد قال عليه السلام: "تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم" (¬4)، ونهى عن التبتل (¬5) مع ما فيه من قمع الشهوة وغض البصر اللذين نبه عليهما - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من كان ذا طولٍ فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" (¬6)، حتَّى لم يره العلماء مما يقدح في ¬

_ (¬1) نقله عنه المناوي كما في فيض القدير (5/ 54). (¬2) وهذا النقل عن القاضي عياض كما في كتابه الشفا (1/ 87). (¬3) رواه البخاري في صحيحه (3/ 355) برقم 569 باب كثرة النساء. (¬4) رواه أبو داود في سننه كتاب النِّكَاح (2/ 374) برقم 2050 والنسائي في سننه كتاب النكاح (6/ 374) برقم 3227 وفي الكبرى (5/ 160 - 161) برقم 5323 بلفظ: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم". وانظر: "التلخيص الحبير" (3/ 1117 - 1118) برقم 1434. (¬5) وفيه حديث سعد بن أبي وقاص: "ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا" وكذا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب. والحديثان عند البخاري في كتاب النِّكَاح (3/ 356 - 357) باب ما يكره من التبتل والخصاء برقم 5073 و 5075. (¬6) رواه النسائي في سننه كتاب الصيام (4/ 481) برقم 2242 وفي كتاب النكاح (5/ 364 - 365) برقم 3206 باب الحث على النِّكَاح وفي الكبرى (3/ 140) برقم 2563 وأحمد في المسند (1/ 470 - 471) برقم 411 من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، والصواب أنَّه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهم في ذلك أبو معشر زياد بن كليب التميمي. =

الزهد (¬1)، وقال سهل بن عبد الله التستري: قد حببن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف نزهد فيهن! ... ونحوه لابن عيينة. وقد كان زهاد الصحابة كثيري الزوجات والسراري كثيري النِّكَاح، وحكي في ذلك عن علي وابن عمر وغيرهم غير شيء (¬2). قال القاضي (¬3) عياض -رحمه الله-: فإن قلت (¬4): كيف يكون النِّكَاح وكثرته من الفضائل وهذا يحيى بن زكريا قد أثنى الله عليه أنَّه كان في حصر (¬5)، فكيف يثني الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة؛ وهذا عيسى تبتل من النساء، ولو كان كما قررته لنكح! فاعلم أن ثناء الله على يحيى بأنه حصور ليس كما قال بعضهم إنه كان هيوبًا (¬6) أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء وإنما معناه أنَّه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها، كأنه حصر عنها، وقيل: مانعًا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، فقد بأن لك من هذا أن عدم القدرة على النِّكَاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها؛ إما بمجاهدة كعيسى - عليه السلام -، أو بكفاية من الله كيحيى - عليه السلام -، فضيلة زائدة لكونها شاغلة (¬7) في كثير من الأوقات حاضةً إلى ¬

_ = وعلى الصواب رواه أحمد في المسند (6/ 71 - 72) برقم 3592 والبزار في مسنده (4/ 299) برقم 1476 و (4/ 308) برقم 1489 و (4/ 319) برقم 1504. وصوب حديثَ عبدِ الله بن مسعود ابنُ أبي حاتم في العلل (1/ 421 - 422) برقم 1269 والدارقطني في العلل (3/ 46 - 47) برقم 278 وله في ذلك كلام نفيس كعادته و (5/ 132 - 133) برقم 770. (¬1) وانظر في ذلك ما قاله العلامة ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (2/ 554 - 555). (¬2) الشفا للقاضي عياض (1/ 87 - 88). (¬3) الشفا (1/ 88 - 91). (¬4) عند القاضي عياض فإن قيل. (¬5) عند القاضي عياض كان حصورًا. (¬6) عند السندي: هيونًا. (¬7) عند القاضي مشغله بدل شاغلة.

الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكّها وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه درجة عليا وهي درجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - الَّذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره؛ فقال: "حبب إلي من دنياكم ... " (¬1) فدل أن حبه لما ذكر من النساء والطيب اللَّذَيْن هما من أمر دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه بل لأخرته، للفوائد التي ذكرناها في التزويج وللقاء الملائكة في طيب، ولأنه مما يحض على الجماع ويعين عليه ويحرك أسبابه، وكان حبه لهاتين الخصلتين لأجل غيره وقمع شهوته، وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جبروت مولاه ومناجاته، ولذلك ميز بين الحبين وفصل بين الحالين، فقال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، فقد ساوى يحيى وعيسى في كفاية فتنتهن وزاد فضيلة بالقيام بهن. وكان - صلى الله عليه وسلم - ممن أقدر على القوة في هذا وأعطي الكثير منه ولهذا أبيح له من عدد الحرائر ما لم يبح لغيره، وقد روينا عن أنس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة (¬2). قال أنس: "وكنا نتحدث أنَّه أعطي قوة ثلاثين رجل". خرجه النسائي (¬3) وروي نحوه عن أبي رافع (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في سننه كتاب عشرة النساء (7/ 72) برقم 3949 و 3950 باب حب النساء وفي الكبرى كتاب عشرة النساء (8/ 149) برقم 8836 و 8837 باب حب النساء وأحمد في المسند (3/ 285)، وقال الحافظ في التلخيص (3/ 1118) وإسناده حسن. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) خرجه النسائي في السنن الكبرى (8/ 207) برقم 8984. (¬4) وقد سبق.

وعن طاوس أعطي - عليه السلام - قوة أربعين في الجماع، ومثله عن صفوان بن سليم. وقد قال سليمان - عليه السلام -: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، وإنه فعل ذلك. وقال ابن عباس: كان في ظهر سليمان ماء مئة رجل، وكانت له ثلاث مئة امرأة وثلاث مئة سرية. وحكى النقاش (¬1): سبع مئة وثلاث مئة سرية. وقد كان لداود على زهده وأكله من عمل يده تسعة وتسعون امرأة، وتمت بزوج أوريا مئة. * * * ¬

_ (¬1) زاد القاضي وغيره.

107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ حدثنا هناد، نا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءًا". قال: وفي الباب عن ابن (¬1) عمر. قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم. قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود. وأبو المتوكل اسمه علي بن داود، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان (¬2). * الكلام عليه: أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5) وابن ماجة (¬6). ¬

_ (¬1) وقع في نسخة أحمد شاكر رحمه الله عمر، وكذا هو في أكثر النسخ كما أشار إلى ذلك أحمد شاكر رحمه الله وبشار عواد، لكن القول بأنه عمر لعله أقرب إلى الصواب وذلك لأمرين: - أن الترمذي رحمه الله ذكره بعد أنَّه قول عمر بن الخطاب. - أنَّه ذكر حديث عمر بن الخطاب في كتابه العلل كما سيأتي في كلام ابن سيد الناس، والله تعالى أعلم. (¬2) الجامع (1/ 261 - 262) برقم 141. (¬3) الصحيح كتاب الحيض (1/ 249) برقم 308 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 111) برقم 220 باب الوضوء لمن أراد أن يعود. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 156) برقم 262 باب في الجنب إذا أراد أن يعود، وفي الكبرى (8/ 208) برقم 8989. (¬6) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 193) برقم 587.

وأما في المعاودة بغير وضوء فروى الإمام أحمد (¬1) في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان (¬2) له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء". وقال الترمذي (¬3) في كتاب العلل: ثنا عبد الله بن الصباح الهاشمي البصري، نا معتمر بن سليمان؛ قال: سمعت أبي عن عاصم، عن أبي المستهل، عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أتى أحدكم أهله وأراد أن يعود فليغسل فرجه"، سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو خطأ، ولا أدري من هو أبو (¬4) المستهل، وإنما روى عاصم عن أبي عثمان، عن سلمان بن ربيعة، عن عمر قوله، وهو الصحيح، وروى عاصم، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البيهقي (¬5): وروينا عن عمر بن الخطاب أنَّه أمر بالوضوء. وذكر أبو (¬6) بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن علية، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان بن ربيعة قال لي عمر: يا سلمان! إذا أتيت أهلك ثم أردت أن تعود كيف تصنع؟ قلت: كيف أصنع؟ قال: توضأ بينهما وضوءًا. ¬

_ (¬1) المسند (41/ 293) برقم 24778 و (41/ 275) برقم 24755 وفي الطريق الأولى شريك وهو سيئ الحفظ، وفي الطريق الثانية، أنكر الحفاظ على أبي إسحاق السبيعي جملة "ولا يمس ماء". (¬2) في المسند كانت له حاجة. (¬3) العلل الكبير (1/ 196 - 197). (¬4) ذكره ابن حبان في ثقاته (5/ 571) فقال: "أبو المستهل يروي عن عمر بن الخطاب، روى عنه عاصم الأحول: "إذا جامع أحدكم ... " وساق الحديث. وانظر علل ابن أبي حاتم (1/ 34) برقم 67 وعلل الدارقطني (2/ 240) برقم 242. (¬5) السنن الكبرى (1/ 204). (¬6) المصنف (1/ 79 - 80) ووتع في المصنف عن أبي عثمان بن سلمان بن ربيعة وهو خطأ وصوابه أبو عثمان عن سلمان بن ربيعة وأبو عثمان هو النهدي يروي عن سلمان بن ربيعة.

حدثنا عبدة بن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا أتى أهله ثم أراد أن يعود غسل وجهه وذراعيه. حدثنا وكيع عن مسعر، عن محارب؛ قال: سمعت ابن عمر يقول: إذا أردت أن تعود توضأ. حدثنا عن الحسن: كان لا يرى بأسًا أن يجامع الرجل امرأته ثم يعود قبل أن يتوضأ. قال: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأسًا، قال: إنما قيل ذلك لأنه أحرى أن يعود (¬1). وعن وكيع، عن عمر (¬2) بن الوليد الشني؛ قال: سمعت عكرمة يقول: إذا أراد أن يعود توضأ. وعن وكيع، عن عريف بن درهم، عن إبراهيم؛ قال: يتوضأ. (¬3) وعن ابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء؛ قال: إذا أراد أن يعود توضأ (3). وتقدم الكلام على معنى هذا الوضوء وما المراد منه، وما ينوي الناس فيه من خلاف في باب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام. وقال القاضي (¬4) أبو بكر بن العربي في الكلام على هذا الحديث: ولست أعلم من قال من أصحاب الشافعي، قال في كتاب "الإيضاح" له (¬5) وقد رام بعضهم أنَّه ¬

_ (¬1) المصنف (1/ 80). (¬2) كذا وقع في الأصل، وعند ابن أبي شيبة في المصنف الشعبي بدل عمر بن الوليد الشني. (¬3) المصنف (1/ 80). (¬4) عارضة الأحوذي (1/ 189) وعبارته فيه: ولست أعلم أحدًا قال به، إلا إن أبا علي من أصحاب الشافعي قال في كتاب الإيضاح به. (¬5) في العارضة به.

منسوخ أمر به إذ كان الجنب لا يذكر الله، ذهب إليه الطحاوي (¬1) وليس لم يكن (¬2)، وقد روي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ. ذكره الطحاوي (¬3)، وقد ذكرناه من طريقه في الباب قبل هذا في هذا الباب. وقال أحمد: إن توضأ فهو أعجب إلي، وإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس، وكذلك إسحاق إلا أنَّه قال: لا بد من غسل الفرج إن أراد أن يعود. وقال أصحابنا (¬4): يستحب الوضوء لا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها، فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره، وقد نصوا على أنَّه يكره الأكل والنوم والشرب والجماع قبل الوضوء، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك والجمهور، وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك (¬5) فمذهب داود الظاهري، والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل. * * * ¬

_ (¬1) شرح معاني الآثار (1/ 128). (¬2) في العارضة وليس بصحيح فإن ذلك لم يكن ولا رُوي. (¬3) شرح معاني الآثار (1/ 129) وعنده ينتهي النقل عن ابن العربي المالكي. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 217 - 218) فهو ينقل عنه. (¬5) عند النووي وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه وهو مذهب داود الظاهري.

108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء حدثنا هناد، ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم؛ قال (¬1): أقيصت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدمه، وكان إمام قومه، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء". قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد وغير واحد من الحفاظ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم. وروى وهيب وغيره عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل، عن عبد الله بن الأرقم. وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق؛ قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئًا من الغائط والبول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئًا من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله. وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة (¬2). ¬

_ (¬1) القائل هو عروة بن الزبير، إذ هو الحاكي، لا عبد الله بن الأرقم المحكي عنه، يزيد ذلك وضوحًا رواية الموطأ (1/ 200) برقم 514 عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه ... إلخ. (¬2) الجامع (1/ 262 - 264) برقم 142.

* الكلام عليه: أخرجه النسائي (¬1) وابن ماجة (¬2). وقيل إن عبد الله بن أرقم روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا واحدًا وليس له في هذه الكتب سوى هذا الحديث (¬3). وذكر الترمذي (¬4) رواية وهيب بزيادة رجل بين عروة وعبد الله بن الأرقم، وقال (¬5): هذا أشبه عندي، وفي هذا الكلام مع تصحيحه هذا الحديث نظر. ¬

_ (¬1) السنن كتاب الإمامة (2/ 445) برقم 851 باب العذر في ترك الجماعة وفي الكبرى (1/ 448) برقم 927. (¬2) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 202) برقم 616 باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي. ورواه كذلك أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 55 - 56) برقم 88 باب أيصلي الرجل وهو حاقن. (¬3) قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (14/ 302). "روى له الأربعة حديثًا واحدًا، ويقال ليس له مسند غيره" والعبارة التي ذكرها المصنف هي للبزار، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 302). (¬4) علل الترمذي الكبير (1/ 200) وكذا الجامع (1/ 263). (¬5) قائل ذلك فيما يظهر هو البخاري لا الترمذي؛ وانظر التاريخ الكبير (5/ 32 - 33) برقم 56، والتاريخ الأوسط (1/ 161) برقم 225 و 226، ومما يؤكد ما ذكرت كون الترمذي حكم على الحديث بأنه حسن صحيح، والله أعلم. وحكى كذلك أبو داود هذا الاختلاف في سننه (1/ 56) فقال وسيأتي: "روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث عن هئام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم، والأكثر الذين رووه عن هام قالوا كما قال زهير". وقال الحافظ أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1582 - 1583) برقم 1562: "رواه أيوب السختياني وسفيان الثوري وشعبة ومحمد بن بشر وعبدة ومعمر وابن عيينة ومحمد بن إسحاق وابن جريج والحمادان وهمام وزهير وزائدة ومرجى بن رجاء وأبو معاوية وحفص وابن نمير وابن مسهر ووكيع وأبو أسامة وأبو ضمرة مثله (بدون واسطة). =

وأخرجه ابن (¬1) حبان في صحيحه من حديث مالك عن هشام، عن أبيه، أن عبد الله بن الأرقم وقال: قال أبو داود في سننه: روى حديث عبد الله بن الأرقم وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة، عن هشام، عن أبيه، عن رجل حدثه، عن عبد الله بن الأرقم، وأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير عن هشام، عن أبيه، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله. وقال أبو (¬2) عمر: اختلف فيه عن هشام؛ فرواه مالك كما ترى -يعني بغير ذكر واسطة بين عروة وعبد الله- وتابعه زهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث ومحمد بن إسحاق وشجاع بن الوليد وحماد بن زيد ووكيع وأبو معاوية والمفضل بن فضالة ومحمد بن كناسة هم (¬3) رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم كما رواه مالك. ورواه وهيب بن خالد وأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل حدثه عن عبد الله بن الأرقم كما ذكرناه. قال: ورواه أيوب بن موسى عن هشام عن أبيه أنَّه سمعه من عبد الله بن الأرقم، ذكره عبد الرزاق وقال: أنا ابن جريج عن أيوب بن موسى، عن هشام بن عروة، عن عروة؛ قال: خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة، ثم قال: صلوا، وذهب لحاجته، فلما رجع قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ = ورواه وهيب وابن جريج وشعيب بن إسحاق فقالوا عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن أرقم". وذكر الحافظ مغلطاي أن الواسطة هو محمد بن عبد الله بن كناسة. انظر إكمال تهذيب الكمال (7/ 238). (¬1) صحيح ابن حبان (5/ 427 الإحسان) برقم 2079 وليس فيه ما ذكره المصنف من النقل عن أبي داود، وأخشى أن يكون اختلط على المصنف النقل عن البيهقي كما في سننه الكبرى (3/ 72) فهو قائل العبارة، والله أعلم. (¬2) التمهيد (22/ 203 - 204). (¬3) في التمهيد كلهم.

"إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط ... " فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه في هذا الحديث متصلة، وابن جريج وأيوب بن موسى ثقتان حافظان (¬1). وأما حديث عائشة فعند أبي (¬2) داود من طريق عبد الله بن محمد أخي القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: كنا عند عائشة فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي، فقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يصلي بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان". وحديث عائشة هذا عند مسلم (¬3) وحديث أبي هريرة عند أبي (¬4) داود أيضًا من رواية أبي حي المؤذن عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقِن حتَّى يتخفف ... " الحديث. وحديث ثوبان عند الترمذي (¬5) وحسنه، وسيأتي. وذكر حديث يزيد بن شريح، عن أبي أمامة، وحديث يزيد بن شريح، عن أبي هريرة في ذلك، وقال: وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادًا وأشهر (¬6). ¬

_ (¬1) التمهيد (22/ 203 - 204). (¬2) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 56) برقم 89 باب أيصلي الرجل وهو حاقن. (¬3) الصحيح كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 393) برقم 560 باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الَّذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 57) برقم 91 باب أيصلي الرجل وهو حاقن. (¬5) الجامع (2/ 189 - 190) برقم 357 باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء. وهو كذلك عند أبي داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 56) برقم 90. (¬6) الجامع (2/ 190).

واختلف العلماء فيمن صلى وهو حقِن (¬1): فقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن: تكره صلاته وهي جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئًا من فرضها. وقال ابن القاسم عن مالك: إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإني أحب أن يعيد في الوقت وبعده. وقال الثوري: إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلًا وانصرف. وقال الطحاوي: لا يختلفون أنَّه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم يستحب له الإعادة، كذلك إذا شغله البول (¬2). قال أبو (¬3) عمر: قد أجمعوا أنَّه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئًا أن صلاته مجزئة عنه، فكذلك إذا صلى حاقنًا فأكمل صلاته، وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها فإذا أقامها على حدودها فقد خرج من المعنى الخوف عليه وأجزته لذلك صلاته، وذكر حديثي أبي هريرة وثوبان اللذين ذكرناهما، وقال: مثل هذا لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث، ولو صح كان معناه إذا كان حاقنًا جدًّا لم يتهيأ له إكمال صلاته على وجهها. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنَّه قال: من استطاع منكم فلا يصلي وهو ¬

_ (¬1) قال الإمام أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 191): اتفقت الأمة على أن المصلي ينبغي أن يدخل في الصلاة حاضر القلب خاشع الجسد، ولا يتم له حضور القلب إلا بحذف العوائق، قطع العلائق وتكلف الفكر والذكر". (¬2) التمهيد (22/ 205). (¬3) التمهيد (22/ 205 - 207).

مؤجج (¬1) من خلاء أو بول. وروي عنه أنَّه قال: لا يدافعن أحدكم الخبث في الصلاة. وروى ابن المبارك عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لأن أصلي وهو في ناحية ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه. وجاءت فيه رخصة عن إبراهيم النخعي وطاوس اليماني. قال أبو (¬2) عمر: الَّذي نقول فيه (¬3) أنَّه لا ينبغي لأحد أن يفعله، فإن فعله وسلمت له صلاته أجزأت عنه صلاته وبئس ما صنع. وقد اختلف العلماء في تعليل هذه الكراهة: فمنهم من علله بالشغل المؤدي إلى شرود القلب وإسقاط الخشوع، وقال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: العلة فيه انتقال الحديث، وعنده أن انتقال الحديث يوجب الوضوء، وانتقال المني يوجب الغسل وإن لم يظهرا. وتعلق أحمد بأن الشهوة حصلت بانتقال المني وإن لم ينزل (¬4) فكان كالتقاء الختانين، وبأن انتقال الحديث سبب لخروجه فلا يكون أقل من مس الذكر (¬5)، فإن كان محتاجًا بدأ بالعشاء للحديث. وإن لم يكن محتاجًا بدأ بالصلاة للمعنى الَّذي ذكرناه، هذا في صلاة الجماعة، أما إن كان وحده بدأ بأكله على كل حال (.....) إلا أن يرغب في الفضل فيبدأ بالصلاة، إلا أن يكون محتاجًا (...). ويلحق بمدافعة الأخبثين ¬

_ (¬1) في التمهيد موجع. (¬2) التمهيد (22/ 207). (¬3) في التمهيد به بدل فيه. (¬4) في عارضة الأحوذي يظهر بدل ينزل وعنه ينقل المصنف. (¬5) عارضة الأحوذي (1/ 191).

والصلاة بحضرة الطعام عند أصحابنا (¬1) ما في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع، وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم، إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، فإن (¬2) ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وحكى أبو سعيد (¬3) المتولي وجهًا لبعض الأصحاب أنَّه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وإن خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور، لكن يستحب إعادتها ولا يجب. ونقل (¬4) عن أهل الظاهر أنها باطلة. وفي قوله: "ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء" ما كان - عليه السلام - من مجانبة الفحش والبعد عن دناءة القول، وكذلك كانت العرب تكنوا عن موضع الحاجة بالخلاء والغائط والمذهب والمخرج (¬5) والكنيف والحش والمرحاض والمرفق للفرار عن التصريح بما يستقبح من ذكر ذلك بخاص اسمه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) شرح النووي على صحيح مسلم وعنه ينقل المصنف (5/ 46). (¬2) عند النووي فإذا ضاق. (¬3) عند النووي أبو سعد وهو الصواب، وكذلك تحرف في طبقات الإسنوي وابن هداية الله وكشف الظنون إلى سعيد، شيخ الشافعية عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري المتولي. توفي ببغداد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. انظر السير (18/ 585 - 586) برقم 306. (¬4) أي القاضي عياض كما في شرح صحيح مسلم (5/ 46)، وانظر إكمال العلم (2/ 494). (¬5) عند السندي: الخروج. (¬6) التمهيد (22/ 207 - 208).

109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ (¬1) ثنا أبو رجاء قتيبة، نا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف؛ قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطهره ما بعده". قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نتوضأ من الموطئ. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا وطئ الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطبًا فيغسل ما أصابه. قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف، عن أم سلمة، وهو وهم (¬2) وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهذا الصحيح (¬3). * الكلام عليه: أخرجه أبو داود (¬4) وابن (¬5) ماجة، وهو عند مالك (¬6) في موطئه. ¬

_ (¬1) انظر ما كتبه العلامة أحمد محمد شاكر عن ضبط هذه الكلمة في تعليقه على سنن الترمذي (1/ 264 - 266) فإنه نفيس. (¬2) ولي نسخة أحمد شاكر وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له هود. (¬3) (1/ 264 - 268). (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 190) برقم 383 باب في الأذى يصيب الذيل من طريق مالك. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 177) برقم 531 باب الأرض يطهر بعضها بعضًا من طريق مالك كذلك. (¬6) الموطأ (1/ 24) كتاب الطهارة برقم 16.

وروى أبو داود (¬1) من حديث زهير عن عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن امرأة من بني عبد الأشهل؛ قالت: قلت: يا رسول الله! إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: "أليس بعدها طريق أطيب منها؟ "، قالت: قلت: بلى، قال: "فهذه بهذه". وأخرجه ابن (¬2) ماجة. قال الخطابي (¬3): في إسناد الحديثين معًا مقال؛ لأن الأول عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهي مجهولة لا يعرف حالها في الثقة والعدالة، والحديث الآخر عن امرأة من بني عبد الأشهل، والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث. قال الحافظ المنذري (¬4): وأما ما قاله في الحديث الثاني ففيه نظر؛ فإن جهالة ابنة (¬5) الصحابي غير مؤثرة (¬6). انتهى. وذكر ابن (¬7) القطان أن عبد الله بن عيسى الَّذي روى الحديث الثاني لا يعرف، ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 190) برقم 384. (¬2) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 177) برقم 533. (¬3) معالم السنن (1/ 119). (¬4) مختصر السنن (1/ 227). (¬5) في المختصر اسم بدل ابنة وهو الصواب. (¬6) زاد المنذري في صحة الحديث. (¬7) بيان الوهم والإيهام (4/ 132 - 133) برقم 1575 قلت: إذا لم يكن ابن أبي ليلى فمن هو؟ وابن أبي ليلى هذا هو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي أبي ليلى، روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعطية العوفي والشعبي. روى عنه أبو فروة مسلم بن سالم الجهني وسفيان الثوري. كذا ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 126) برقم 583 وذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال (15/ 413) من شيوخه موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي، ومن تلامذته زهير بن معاوية، فهذا مما يدل على وهم ابن القطان. وانظر تهذيب التهذيب (2/ 400 - 401).

وليس بابن أبي ليلى. وأما حديث عبد الله بن مسعود فقد ذكره أبو (¬1) عمر مشيرًا إليه كما ذكره الترمذي (¬2) ولم يسنده. قلت: حديث عبد الله بن مسعود قد رواه أبو داود (¬3) في سننه. وفي معنى حديث الباب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور"، وفي رواية: "إذا وطن الأذى بخفيه فطهورهما التراب". رواه الإمام أحمد (¬4) وأبو داود (¬5). وعن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذىً فليمسحه وليصل فيهما". رواه أحمد (¬6) وأبو (¬7) داود. وحديث أبي هريرة؛ أخرجه الحاكم (¬8) في مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم، فإن محمد بن كثير وقد (¬9) حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان. انتهى. ¬

_ (¬1) التمهيد (13/ 107). (¬2) الجامع (1/ 267). (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 105) برقم 204 باب في الرجل يطأ الأذى برجله. (¬4) ورواه من طريقه أبو داود في سننه (1/ 191) برقم 385 ولم أقف عليه في المسند. (¬5) السنن كتاب الطهارة (1/ 191) برقم 385 و 386 باب في الأذى يصيب النعل. (¬6) المسند (17/ 242 - 243) برقم 11153 و (18/ 379) برقم 11877. (¬7) السنن كتاب الصلاة (1/ 302) برقم 650 باب الصلاة في النعل. (¬8) المستدرك (1/ 166) ولفظه: "إذا وطئ أحدكم بنعليه في الأذى فإن التراب لهما طهور". (¬9) وعبارة الحاكم فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق وقد حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي. ووهما في ذلك، فإن محمد بن كثير لم يخرج له مسلم شيئًا، وقد خالفه من هو أوثق منه كأبي المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد كلهم قالوا عن الأوزاعي قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد حدث عن أبيه عن أبي هريرة، ورواية هؤلاء أقوى من رواية محمد بن كثير، وقد ضعف في الأوزاعي خاصة، كما سيذكر ذلك المصنف عن ابن القطان.

محمد بن كثير الصنعاني روى هذا الحديث عن الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. وكذلك ذكر عن ابن (¬1) خزيمة، أخرجه إياه في صحيحه من طريق محمد بن كثير. وأما أبو الحسن (¬2) بن القطان فضعف هذا الحديث بمحمد بن كثير، وقال: الصنعاني الأصل المصيصي الدار أبو يوسف يروي عن الأوزاعي وغيره وهو ضعيف، وأضعف ما هو في الأوزاعي. قال عبد الله بن أحمد: ذكر أبي محمد بن كثير فضعفه جدًّا وضعف حديثه عن معمر جدًّا، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: لم يكن عندي بثقة، وقال عبد الله عن أبيه: منكر الحديث. وقال يونس بن حبيب: ذكرت لابن المديني محمد بن كثير المصيصي وأنه حدث عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس: رأى النبي أبا بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنهَ، فقال علي: كنت أشتهي أن أرى هذا الشيخ، فالآن لا أحب أن أراه. قال ابن القطان: فعلى هذا لا ينبغي أن نظن بهذا الحديث أنَّه صحيح من هذا الوجه (¬3). وقال أبو (¬4) عمر: هو حديث لا يثبت اختلف في إسناده على الأوزاعي، وعلى ¬

_ (¬1) صحيح ابن خزيمة (1/ 148) برقم 292. (¬2) بيان الوهم والإيهام (5/ 126 - 129) برقم 2374. (¬3) عند ابن القطان من هذا لطريق فاعلم ذلك. (¬4) التمهيد (13/ 107).

سعيد بن أبي سعيد اختلافًا يسقط الاحتجاج به. انتهى. والعجب من ابن القطان (¬1) في رده هذا الحديث بمحمد بن كثير وقوله فيه ما قال، وقد رد على أبي (¬2) محمد عبد الحق في باب (¬3) ذكر أحاديث ضعفها من الطرق التي أوردها منها وهي ضعيفة منها صحيحة وحسنة من طرق أخر (¬4)، فذكر من ذلك حديث عائشة: "إنما النساء شقائق الرجال"، وقال (¬5): قد روي فيما مر حديث أنس بإسناد صحيح، وذكر عن البزار: نا عمر بن الخطاب، نا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن إسحاق، عن أنس: "جاءت أم سليم ... " وذكر الحديث. ومحمد بن كثير عن الأوزاعي في الموضعين واحد. وأما البيهقي (¬6) فإنه أعل رواية ابن كثير برواية الوليد بن مزيد البيروتي عن الأوزاعي قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد قال. وكذلك رواه عبد القدوس بن الحجاج وعمر بن عبد الواحد وهما أعلم بالأوزاعي، وليس هذا من الاعتلال بكبير أمر؛ فأكثر ما فيه عن محمد بن كثير تسمية مسكوت عن اسمه عند غيره، ولذلك ما قال الحاكم (¬7) عند تصحيحه إياه: وقد حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان يريد حفظ من غير طريق محمد بن كثير وإلا لم يكن له معنى. ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام (5/ 125 - 129) برقم 2374 وقد سبق. (¬2) وأورده عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 239 - 240) والأحكام الكبرى (1/ 402 - 403). (¬3) بيان الوهم والإيهام (5/ 270 - 271) برقم 2467 وهذا يبين أن ابن القطان اختلف فعله في محمد بن كثير كما قال ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 462) وعنه ينقل المصنف. (¬4) في بيان الوهم أخرى بدل أخر. (¬5) القائل هو عبد الحق والحديث عنده في الأحكام الكبرى (1/ 498). (¬6) السنن الكبرى (2/ 430)، وانظر معه الجوهر النقي. (¬7) المستدرك (1/ 166) وقد سبق.

110 - باب ما جاء في التيمم

110 - باب ما جاء في التيمم وأما ما وقع في حديث أبي (¬1) داود الذي ذكرناه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح إلى أنصاف ذراعيه؛ فلم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم. وأما اختلافهم في استيعاب الوجه والكفين فقال بعضهم: يجزئ المسح وإن لم يصب إلا بعض اليدين، وإليه ذهب أبو أيوب (¬2) سليمان بن داود الهاشمي وغيره وهو مذهب أهل الظاهر (2)، واستدل بعض القائلين بذلك بقوله تعالى: {وامسحوا بوجوهكم وأيديكم}، على أنه يجزئ مسح البعض في ذلك، ورأى أن الباء في هذه الآية كالباء في قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}، وأنها للتبعيض، وهذا غير صحيح؛ فإن الباء هنا لا تدل على شيء من ذلك؛ وقد قال تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق}، ولو طاف أحد ببعض البيت لم يجز بإجماع. وقال الشافعي (¬3): وإن ترك من وجهه أو من ذراعيه شيئًا لم يصل الغبار إليه وإن قلّ لم يجزئه. وقال أبو حنيفة: إن ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه وكان معفوًا عنه، وإن ترك قدر الدرهم فصاعدًا لم يجزه، وبنى ذلك على أصله في أن قدر الدرهم حد للعفو (¬4) عنه في النجاسة فصار أصلًا للعفو (¬5) في التيمم، ثم استدل بأن الغسل إذا أبدل ¬

_ (¬1) السنن كتاب الطهارة (1/ 165) برقم 323 باب التيمم، وهو حديث ضعيف، انظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 135 - 139) والتلخيص الحبير (1/ 236) برقم 206 ونصب الراية (1/ 151 - 153). (¬2) انظر المحلى (2/ 146) و (2/ 157). (¬3) الحاوي الكبير للماوردي (1/ 248) ولم يشر المصنف إلى ذلك كعادته. (¬4) في الحاوي للمعفو عنه في النجاسة. (¬5) زاد الماوردي للمعفو عنه في التيمم.

بالمسح جاز أن لا يشترط فيه الاستيعاب كالمسح على الخفين، أما القياس هنا على المسح على الخفين فلا يستقيم لوجهين: الأول: أنه ينتقض بالمسح على اللصوق والجبائر إذ هو بدل من الغسل ويلزم فيه الاستيعاب فيه. الثاني: أن البدل في الخفين بدل رخصة يجوز مع القدرة على الغسل فجاز فيه الاقتصار على البعض ترفيهًا، والتيمم بدل ضرورة فلا يجوز مع القدرة على الماء فوجب الاستيعاب فيه تغليظًا (¬1). وأما اختلافهم فيما يستباح بالتيمم من الصلوات: فقال الشافعي (¬2): لا يجمع بالتيمم بين صلاتي فرض، ويجدد لكل فريضة طلبًا للماء، وتيممًا بعد الطلب الأول، وهذا (¬3) كما قال لا يجوز أن يصلي فرضين بتيمم واحد. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من فرض ونفل ما لم يحدث كالوضوء. وقال أبو ثور: يجوز أن يجمع بين الفوائت ولا يجوز أن يجمع بين المؤقتات. ودليلنا (¬4) قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ....} إلى قوله: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا}، فكان الطاهر موجبًا أن يتوضأ لكل صلاة، ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (1/ 248). (¬2) الحاوي الكبير (1/ 257 - 258). (¬3) وهذا كلام الماوردي فانتبه. (¬4) والقائل الماوردي كما سبق لا كما يوهمه صنيع المصنف أنه من كلامه، وكثيرًا ما يذكر كلامًا لغيره دون عزو، فتنبه.

فإن لم يجد الماء تيمم لها، فلما جاز (¬1) الجمع بين الصلوات بالوضوء الواحد بدليله بقي حكم التيمم على موجب الظاهر. وقد تقدم كثير مما يصلح للاستدلال في هذه المسألة لكل من الفريقين في مسألة أن التيمم هل هو رافع للحدث أو مبيح للصلاة فأغنى ذلك عن الإعادة ها هنا. وقد اختلفوا أيضًا في ترتيبه: فقال الأعمش (¬2): يقدم في التيمم اليدان قبل الوجه. وقال الشافعي: يقدم الوجه على الكفين ولا بد. وأباح أبو حنيفة تقديم كل واحد منهما على الآخر. واختلفوا في إمامة المتيمم للمتوضئين والماسح للغاسلين (¬3): فأجازه الشافعي وأبو حنيفة وسفيان وأحمد وأبو يوسف وزفر وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان. وروي المنع من (¬4) ذلك عن علي بن أبي طالب قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين، ولا المقيد المطلقين. وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله. ¬

_ (¬1) عند الماوردي فلما جاء النص بالوضوء بجواز الجمع بين الصلوات نفى حكم التيمم على موجب الظاهر. (¬2) المحلى (2/ 161) وعنه ينقل المصنف. (¬3) وسينقل عن ابن حزم في المحلى (2/ 143) دون أن يصرح. (¬4) في المحلى في بدل من.

وبه قال (¬1) يحيى بن سعيد الأنصاري. وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي: لا يؤمهم. وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم، فإن فعل أجزأ. وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميرًا. ومسائل التيمم كثيرة وإن كانت الأحاديث في ذلك في جامع الترمذي قليلة، فمن أراد الوقوف عليها فعليه بكتب الفقه الموضوعة لذلك. * * * ¬

_ (¬1) في المحلى يقول بدل قال.

111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا

111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا ثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، ثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد، قالا: ثنا الأعمش وابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي؛ قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا". قال أبو عيسى: حديث علي حديث حسن صحيح. وبه قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (¬1). * الكلام (¬2) عليه: أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4) وابن (¬5) ماجه مختصرًا. وأخرجه الحافظ أبو (¬6) بكر بن خزيمة في صحيحه من حديث شعبة عن عمرو بن مرة وقال (¬7): سمعت أحمد بن المقدام العجلي يقول: ثنا سعد بن الربيع، عن ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 273 - 274) برقم 146. (¬2) معظم التخريج مستفاد من كتاب الإمام لابن دقيق العيد (3/ 67، فما بعدها). (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 114 - 115) برقم 229 باب في الجنب يقرأ القرآن. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 157 - 158) برقم 265 و 266 باب حجب الجنب من قراءة القرآن وفي الكبرى (1/ 174) برقم 257 و 258 باب حجب الجنب من قراءة القرآن. (¬5) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 195) برقم 594 باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة. (¬6) صحيح ابن خزيمة (1/ 104) برقم 208. (¬7) والقائل هو ابن خزيمة.

شعبة بهذا الحديث. قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي. وأخرجه الحاكم (¬1) في المستدرك وقال: لم يحتجا بعبد الله بن سلمة ومدار الحديث عليه. وذكر أبو (¬2) بكر البزار: أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة. وحكى البخاري (¬3) عن عمرو بن مرة: كان عبد الله -يعني ابن سلمة- يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه. ورواه ابن الجارود (¬4) من طريق يحيى بن سعيد، عن شعبة وفي آخره: قال يحيى: وكان شعبة يقول: في هذا الحديث تعرف (¬5) وتنكر -يعني عبد الله بن سلمة- كان كبر حيث أدركه عمرو. قال الحافظ المنذري (¬6): وذكر الشافعي هذا الحديث وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه. ¬

_ (¬1) المستدرك (1/ 152) وقال هذا حديث صحيح الإسناد والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة فمدار الحديث عليه وعبد الله بن سلمة غير مطعون فيه. وأخرجه في موضع آخر (4/ 107) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الذهبي في الموطنين. (¬2) المسند (2/ 287). (¬3) التاريخ الكبير (5/ 99) برقم 285 والتاريخ الأوسط (1/ 343). (¬4) المنتقى (1/ 94 - 98) برقم 94. (¬5) وفي المنتقى نعرف وننكر، والمصنف ينقل بواسطة شيخه ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 68) وكذلك وقع عنده. (¬6) مختصر سنن أبي داود (1/ 156).

قال البيهقي (¬1): وإنما توقف الشافعي في ثبوت الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة. انتهى. وسَلِمة (¬2) بكسر اللام. وقال أحمد (¬3): لم يرو هذا الحديث أحد عن عمرو عن شعبة، وذكر ابن (¬4) عدي أنه رواه عن عمرو الأعمش وشعبة ومسعر وابن أبي ليلى ويحيى بن سعيد ورقية (¬5) أو بقية لست أدري أيهما هو. وفي الباب حديث نافع عن ابن عمر: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن" من طريق إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة عنه. وقد تقدم عند الترمذي (¬6) وذكر هناك ما في معناه من الأحاديث. وفي الباب مما لم يذكره ما روى الدارقطني (¬7) من حديث أبي موسى؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي، إني أرضى لك ما أرضى لنفسي، وأكره لك ما أكره ¬

_ (¬1) انظر معرفة السنن والآثار (1/ 323) برقم 777. (¬2) الإمام لابن دقيق العيد (3/ 69). (¬3) الكامل لابن عدي (4/ 1487). (¬4) الكامل (4/ 1487). (¬5) بل هو رقبة بن مصقلة، كما عند ابن عدي في الكامل، وتصحف على صاحب الكمال فقال بقية وتعقبه المزي كما في بعض حواشي نسخ تهذيب الكمال فقال: ذكر في الأصل فيمن رواه عن عمرو بن مرة أيضًا بقية وهو وهم إنما رواه بقية عن شعبة به، تهذيب الكمال (15/ 53). وهذا خطأ فيما يظهر، إنما الراوي عن عمرو بن مرة رقبة كما ذكرنا وذكره الحافظ المزي نفسه في تهذيبه (9/ 219)، ولا وجود لرواية بقية عن شعبة، والله أعلم. (¬6) الجامع (1/ 236) برقم 131 وقد سبق. (¬7) السنن (1/ 118) برقم 7.

لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنب". وفيه المشهور الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز للجنب قراءة القرآن، وقد اختلف العلماء في ذلك، وفي اليسير منه الآية والآيتين، وفي الفرق بين الحائض والجنب، ومن كان تعليم القرآن شغله من النساء وغيرهم اختلافًا ذكرناه فيما سبق من هذا الكتاب. وذهب قوم من السلف إلى جواز القراءة للجنب، وقد نقلنا ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيرهم، وإليه ذهب أهل الظاهر. وزعم أبو (¬1) محمد بن حزم أن الأحاديث الرادة على من ذهب مذهبه في ذلك لا تصح، ولست أدري ما المانع من صحة هذا الحديث من طريق عبد الله بن سلمة عن علي، فقد صححه الترمذي (¬2) وابن (¬3) خزيمة، وأخرجه الحاكم (¬4) في المستدرك وقال: صحيح الإسناد وصححه البغوي (¬5)، وكل من ذكر في إسناده متفق عليه إلا عبد الله بن سلمة، فقد ذكرنا فيه قول من قال (¬6): تعرف وتنكر، وليس في هذا كبير جرح، وقد قال العجلي (¬7): ثقة. وقال ابن (¬8) عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ¬

_ (¬1) المحلى (1/ 78). (¬2) الجامع (1/ 274) برقم 146. (¬3) صحيح ابن خزيمة (1/ 104) برقم 208. (¬4) المستدرك (1/ 152) و (4/ 107). (¬5) شرح السنة (2/ 41) برقم 273. (¬6) قاله عمرو بن مرة، حكى ذلك البخاري وقد سبق. (¬7) معرفة الثقات (2/ 32) وفيه كوفي تابعي من ثقات الكوفيين ووثقه يعقوب بن شيبة كذلك. (¬8) الكامل (4/ 1487).

الحاكم (¬1): غير مطعون فيه. وذكره ابن حبان (¬2) في الثقات وقال: كان يخطئ. وقال شعبة (¬3): ليس بحديث أجود من ذا يعني هذا الحديث والله لأخرجنه من عنقي وألقينه في أعناقكم. وقال ابن (¬4) عيينة: لا يروى أحسن منه عن عمرو بن مرة. وله أحاديث تعضده وتشهد له منها حديث ابن (¬5) عمر: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن". وحديث ابن رواحة، وحديث عبد الله بن مالك الغافقي وقد تقدمت في باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن. وتشبث أبو (¬6) محمد في رد حديث علي هذا أيضًا بأن قال: ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجنب القرآن وإنما هو فعل منه - عليه السلام - لا يلزم، ولا بين - عليه السلام - أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة، وقد يتفق له - عليه السلام - أن ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة، وهذا أيضًا ليس بشيء لأن الأحكام مستنبطة من أفعاله - عليه السلام - ومن أقواله وفهم الصحابة رضي الله عنهم الذي فهموا عنه - عليه السلام - أن الجنابة هي سبب الإمساك عن القراءة أولى أن يصار إليه من فهم من بعدهم، وإنما كان يقرب مثل هذا أن يرد نص صريح صحيح بأن يقرأ القرآن، فنعم هناك يحتاج إلى التأويل وإلى ترجيح الدلالة القولية على الفعلية، وليس بشيء من ذلك هنا. ¬

_ (¬1) المستدرك (1/ 152). (¬2) الثقات (5/ 12). (¬3) الكامل (4/ 1487). (¬4) المرجع السابق. (¬5) وقد سبق. (¬6) المحلى (1/ 78).

وكذلك أجاز الظاهري (¬1) للجنب والحائض والنفساء دخول المسجد ورد الأحاديث الواردة في المنع من ذلك، وقد تقدم الكلام معه في ذلك في باب الحائض تناول الشيء من المسجد (¬2). وقد اختلف العلماء في حمل المحدث للمصحف ومسه على مذاهب: فأجازه قوم، ومنعه آخرون، وفرق قوم بين حمله بحائل فرأوه جائزًا أو دون حائل فرأوه ممنوعًا. أما من أجازه: فعن داود بن علي: يجوز حمله بغير طهارة، وبه قال حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة. قال أبو (2) محمد بن حزم: وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض، ثم قال (¬3): وأما مس المصحف فإن الأخبار (¬4) التي احتج بها من لم يجز مس المصحف للجنب فإنه لا يصح منها شيء لأنها إما مرسلة وإما [صحيفة] لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف. واحتج من نحا إلى الجواز بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل وفيه: {ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ...} الآية. وتعلق أنه موجه إلى النصارى وأنهم يمسونه، وأما قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون}، فالمراد بهم الملائكة. كذلك رواه بسند صحيح عن سلمان الفارسي، وعن سعيد بن جبير، وسيأتي له مزيد بيان. وروى (¬5) من طريق محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا محمد بن ¬

_ (¬1) المحلى (1/ 78 - 79). (¬2) المحلى (1/ 77). (¬3) المحلى (1/ 81). (¬4) في المحلى فإن الآثار. (¬5) أي ابن حزم كما في المحلى (1/ 84).

بشار، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، نا منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس: أنه كان إذا أراد أن يتخذ مصحفًا أمر نصرانيًّا فنسخه له. وأما من منعه مطلقًا كما ذهب إليه الشافعي وجماعة فيحتجون بما روى مالك (¬1) في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر وهو أبو محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر"؛ هذا مرسل. وأخرج أبو (¬2) عمر في التمهيد من حديث معتمر عن حماد (¬3) المروزي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه قال: في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "ألا تمس القرآن إلا على طهور". وروى البيهقي (¬4) في بعض تصانيفه عن أبي بكر بن الحارث، عن أبي محمد بن حيان، عن محمد بن سهل، عن أبي مسعود، عن عبد الرزاق (¬5)، عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب في عهده: "ولا يمس القرآن إلا طاهر". قال (¬6): كذا في كتابي عن جده ولم يذكرها غيره عن عبد الرزاق. ورواه البيهقي (¬7) وأبو عمر (¬8) من حديث الحكم بن ¬

_ (¬1) الموطأ (1/ 199). (¬2) التمهيد (17/ 396 - 397) وهو عنده من طريق محمد بن إسماعيل الترمذي وليس معتمرًا, وهذا النقل موجود عند شيخه ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 4156) وصوب بهامش المخطوط. (¬3) صوابه نعيم بن حماد. (¬4) الخلافيات (1/ 498 - 500) برقم 295 وصرح ابن دقيق العيد باسم الكتاب كما في الإمام (2/ 416). (¬5) وهو عنده في المصنف (1/ 341 - 342). (¬6) أي البيهقي. (¬7) الخلافيات (1/ 501 - 502) برقم 297. (¬8) التمهيد (17/ 397).

موسى، عن يحيى بن حمزة، ثنا سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده فذكره، كلهم ثقات إلا سليمان (¬1) بن داود. وقال أبو (¬2) عمر: كتاب عمرو بن حزم مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد. لأنه أشبه التواتر في صحته لتلقي الناس له بالقبول، في كلام ذكره. وروى الدارقطني (¬3) من حديث سعيد بن محمد بن ثواب المصري، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري (¬4)؛ قال: سمعت سالمًا يحدث عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمس القرآن إلا طاهر". أخرجه عن حسين بن إسماعيل عنه. وروى (¬5) أيضًا من حديث إسماعيل بن إبراهيم المنقري قال: سمعت أبي، نا سويد أبو حاتم، ثنا مطر الوراق، عن حسان بن بلال، عن حكيم بن حزام: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لا تمس القرآن إلا وأنت على طهور" (¬6). رواه عن محمد بن مخلد عن ¬

_ (¬1) قال كثير من الأئمة: ليس سليمان بن داود إنما هو سليمان بن أرقم، غلط الحكم بن موسى في اسم والده. انظر الخلافيات (1/ 503 فما بعدها) حاشية الأخ مشهور ففيه تحقيق جيد. (¬2) التمهيد (17/ 396). (¬3) السنن (1/ 121) برقم 3 وكذا البيهقي من طريقه في الخلافيات (1/ 508 - 509) برقم 298 وفي الكبرى (1/ 88). (¬4) كذا وقع للمصنف تبعًا لشيخه ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 419) وصوابه سليمان بن موسى قال سمعت سالمًا. (¬5) أي الدارقطني في السنن (1/ 122) برقم 6 ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (1/ 513) برقم 303. (¬6) كذا وقع عند المصنف تبعًا لشيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (2/ 240) وصوابه طهر كما عند الدارقطني والبيهقي.

جعفر بن أبي عثمان، عن إسماعيل. وروى علي (¬1) بن عبد العزيز، نا إسماعيل (¬2) بن إسحاق، نا مسعدة المصري، عن خصيب بن جحدر، عن النضر بن شفي، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمس القرآن إلا طاهر". حديث ثوبان هذا ضعيف الإسناد (¬3). وروى مالك (¬4) في الموطأ عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن مصعب بن سعد أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال: لعلك مسست ذكرك؟ فقلت: نعم، قال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت. وروى جماعة عن الأعمش منهم وكيع، واللفظ له قال: الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد؛ قال: كنا مع سليمان (¬5) فخرج فقضى حاجته ثم جاء، فقلت: يا أبا عبد الله لو توضأت لعلنا أن نسألك عن آيات؛ قال: إني لست أمسه، إنما (¬6) يمسه إلا المطهرون، فقرأ علينا ما شئنا. أخرجه الدارقطني (¬7) من جهة ¬

_ (¬1) أبو الحسن البغوي المتوفى سنة ست وثمانين ومئتين، وقيل سنة سبع. انظر السير للذهبي (13/ 348 - 349) برقم 164. (¬2) كذا في الأصل تبعًا لشيخه في الإمام (2/ 421) وصوابه إسحاق بن إسماعيل كما في بيان الوهم والإيهام لابن القطان (3/ 465) برقم 1227. (¬3) نص على ذلك عبد الحق الإشبيلي. انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 465) بل هو إسناد في غاية الضعف كما قال ابن القطان. (¬4) الموطأ (1/ 42) برقم 59. (¬5) كذا في الأصل المخطوط تبعًا لشيخه ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 423) وصوابه سلمان كما عند الدارقطني. (¬6) عند الدارقطني كما سيأتي إنما لا يمسه إلا المطهرون. (¬7) السنن (1/ 124) برقم 9 وقال كلهم ثقات.

وكيع. قال الحاكم (¬1): صحيح على شرط الشيخين. وذكر ابن (¬2) إسحاق في قصة إسلام عمر رضي الله عنه أن أخته قالت له: إنك جنب (¬3)، ولا يمسه إلا المطهرون. وأما التفرقة بين الحدثين؛ فإن ابن الفرس ذكر في كتاب أحكام القرآن له قال: وجوز داود والحكم مسه هنا، ورخص بعضهم في مسه بالحدث الأصغر دون الأكبر. وأما التفرقة بين حمله ومسه فإن أبا (¬4) حنيفة لم يجز مسه لهما، وأجاز حمله لهما في غلاف أو بعلاقة. وقال مالك (4): لا يحمل الجنب ولا غير المتوضئ المصحف إلا بعلاقة ولا على وسادة فإن كان في خرج أو تابوت فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير الطاهر. قال ابن الفرس من المالكية: وكذلك اختلف في الحائض هل تمس المصحف أم لا؟ فعندنا لا تمسه لظاهر الآية وأما المعلم والصبيان فيجوز لهم مس المصحف وإن كانوا محدثين للمشقة الداخلة عليهم في ذلك، فهم مخصوصون من عموم الآية. وأما قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون}، فقد اختلف في الكتاب ما هو؟ ¬

_ (¬1) المستدرك (2/ 477). (¬2) السيرة (ص 162). (¬3) كذا في الأصل تبعًا للإمام (2/ 424) وصوابه نجس كما في سيرة ابن إسحاق، وهو معضل ذكر ذلك ابن دقيق العيد عقب القصة. (¬4) انظر المحلى (1/ 84).

فقيل: الكتاب الذي في السماء، قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل: التوراة والإنجيل، قاله عكرمة. فالمراد بالآية على هذا الكتب المنزلة، وقيل: هي مصاحف المسلمين، واختلف في المطهرين فمن قال في الكتاب إنه الذي في السماء، قال: هم الملائكة. قال قتادة: فأما ما عندكم فقد يمسه المشرك النجس والمنافق. وقال الطبري (¬1): المطهرون الملائكة والأنبياء ومن لا ذنب له، وليس في الآية على هذا القول حكم مس المصحف لسائر بني آدم. ومن قال: إنها مصاحف المسلمين؛ قال: إن قوله: "لا يمسه ... " إخبار معناه النهي: لا يمسه إلا طاهر، وهو أظهر الأقوال. قال أصحابنا (¬2): وإذا (¬3) ثبت أن الطهارة مستحقة في حمل المصحف فلا يجوز للجنب والمحدث والنفساء والحائض حمله، فأما الذي على بدنه نجاسة فلا يجوز أن يحمله ولا (¬4) يمسه بالعضو النجس من بدنه، فأما بأعضائه التي لا نجاسة عليها، فوجهان (¬5): أحدهما: لا يجوز لأنه ممنوع من الصلاة كالمحدث. والثاني: وهو قول أبي إسحاق بجواز (6) الفرق (¬6) بين الحدث والنجاسة؛ لأن الحدث يتعدى إلى سائر ¬

_ (¬1) جامع البيان (27/ 205 - 206) وعبارته فيه: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعم بخبره المطهرين ولم يخص بعضًا دون بعض، فالملائكة من المطهرين والرسل والأنبياء من المطهرين، وكل من كان مطهرًا من الذنوب فهو ممن استثنى وعني بقوله {إلا المطهرون} أهـ. (¬2) قاله الماوردي كما في الحاوي الكبير (1/ 145). (¬3) في الحاوي فإذا. (¬4) في الحاوي أو. (¬5) في الحاوي ففيه وجهان. (¬6) في الحاوي يجوز والفرق بين المحدث والنجاسة أن الحدث.

الأعضاء والنجاسة لا تتعدى إلى غير ما هي عليه من أعضاء. وكذلك عندنا لا يجوز لمن ذكرنا مسه ولا مس ما لا كتابة فيه من جلده وورقه. وأجاز أبو حنيفة للمحدث ذلك دون الجنب أن يمس من المصحف ما لا كتابة فيه من جلد وورق وأن يحمله (¬1) استدلالًا بأن الحرمة إنما تختص بالكتابة المتلوة دون الجلد والورق. وقال من خالفه: الجلد والورق الذي لا كتابة فيه من جملة المصحف بدليل أن من حلف لا يمس مصحفًا حنث بمس جلده وبياضه كما يحنث بمس كتابته (¬2). ولله در القائل: من عاشر الأشراف صار مشرفًا ... ومعاشر الأنذال غير مشرف أو ما ترى الجلد الحقير مقبلًا ... بالشغر لما صار جار المصحف * * * ¬

_ (¬1) في الحاوي بعلاقته. (¬2) الحاوي الكبير (1/ 145).

112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض

112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض ثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن؛ قالا: نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال: دخل أعرابي المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس، فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لقد تحجرت واسعًا". فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أهريقوا عليه سجلًا من ماء، أو دلوًا من ماء"، ثم قال: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين". قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا. وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق. وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة (¬1). * الكلام عليه: أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) وأخرجه ابن (¬4) ماجه من حديث أبي سلمة بن ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 275 - 277) برقم 147. (¬2) السنن كتاب الطهارة (1/ 188 - 189) برقم 380 باب الأرض يصيبها البول. (¬3) السنن كتاب الطهارة (1/ 51 - 52) برقم 56 باب ترك التوقيت في الماء، وفي المياه (1/ 191 - 192) برقم 329 باب التوقيت في الماء وفي الكبرى (1/ 92) برقم 54. (¬4) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 176) برقم 529 باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل.

عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري (¬1) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) من حديث أنس بن مالك بنحوه، وفي رواية أبي (¬4) داود: "سجلًا من ماء أو ذنوبًا". وروى ابن (¬5) صاعد في حديث أنس عن عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس أن أعرابيًّا بال في المسجد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبًا من ماء". قال الدارقطني (¬6) فيما حكاه بعض الحفاظ (¬7) عنه: وهم عبد الجبار على ابن عيينة لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه (¬8) عن يحيى بن سعيد فلم يذكر أحد منهم الحفر، وإنما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار، عن طاوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "احفروا مكانه" (¬9)، فاختلط على عبد الجبار المتنان، وعبد الجبار هذا قال أبو (¬10) حاتم: مكي صالح. وأما حديث (¬11) ابن مسعود فمن رواية أبي بكر بن عياش، عن سمعان بن ¬

_ (¬1) صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 91) برقم 220 باب صب الماء على البول في المسجد. (¬2) الصحيح كتاب الوضوء (1/ 90) برقم 219 باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي حتى فرغ من بوله. (¬3) الصحيح كتاب الطهارة (1/ 236) برقم 284 باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا فصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 189). (¬5) هذا النقل عن ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 271) و (3/ 454). (¬6) نقله المصنف عن شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 271 - 272) و (3/ 455) وابن دقيق العيد ينقل عن ابن الجوزي كما في التحقيق (1/ 78) والعلل المتناهية (1/ 333 - 334). (¬7) ولعل المقصود بذلك ابن الجوزي كما سبق. (¬8) صوابه رووه عنه عن يحيى بن سعيد كما في المراجع السابقة. (¬9) مصنف عبد الرزاق (1/ 424) برقم 1659. (¬10) الجرح والتعديل (6/ 32) برقم 172. (¬11) ذكره ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 271) وهو عند الدارقطني في السنن (1/ 131 - 132) برقم 2.

مالك الأزدي، عن أبي وائل، عن عبد الله؛ قال: بال أعرابي في المسجد، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فصب عليه دلوًا من ماء، ثم أمر به فحفر مكانه. قال أبو زرعة (¬1): الحديث منكر، وسمعان ليس بالقوي. وأما حديث واثلة بن الأسقع فقرأت على أبي عبد الله محمد (¬2) بن علي بن ساعد أخبركم ابن (¬3) خليل، أنا أبو عبد الله محمد (¬4) بن أبي زيد الكراني وأبو جعفر ¬

_ (¬1) علل الحديث (1/ 24) برقم 36 وعبارته فيه: "هذا حديث ليس بقوي". والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 271). (¬2) أبو عبد الله محمد بن علي بن ساعد شمس الدين، المحروسي الخالدي، الرقي المشهدي. سمع بحلب من يوسف بن خليل المعجم الكبير للطبراني، ورواه عنه ابن سيد الناس، قرأه عليه عن ابن خليل، وورد ذكره في الأجوبة لابن سيد الناس (2/ 140). قال الحافظ ابن حجر: سمع منه ابن سيد الناس وغيره. انظر: الدرر (4/ 182) برقم 4044. (¬3) أبو الحجاج شمس الدين يوسف بن خليل بن قراجا، شيخ المحدثين وراوية الإسلام، نزيل حلب وشيخها. ولد منة خمس وخمسين وخمس مئة. تفرد بأجزاء كمعجم الطبراني عن يحيى الثقفي. توفي رحمه الله في عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وست مئة. انظر السير (23/ 151) برقم 104. (¬4) مسند أصبهان أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن حمد الكرّاني الأصبهاني الخبّاز. ولد سنة سبع وتسعين وأربع مئة. سمع الحدّاد ومحمودًا الأشقر وغيرهما. حدث عنه ابن خليل وابن ظفر وغيرهما. توفي في ثالث شوال سنة سبع وخمسمائة. وكرّان: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة وفتحها وبعد الألف نون: محلة بأصبهان. انظر: السير (21/ 363 - 364) برقم 190.

محمد (¬1) بن إسماعيل الطرسوسي؛ قالا: نا أبو منصور محمود (¬2) بن إسماعيل بن محمد، أنا أبو الحسين أحمد (¬3)؛ قال: نا سليمان بن أحمد الطبراني (¬4)، نا ابن إسحاق، نا أبو الربيع، نا علي بن غراب ثنا عبيد الله بن أبي حميد، قال: ثنا أبو المليح عن واثلة بن الأسقع قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل أعرابي فقال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقالوا له: ويحك أو ويلك لقد حصرت ¬

_ (¬1) مسند أصبهان أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي الفتح الطرسوسي ثم الأصبهاني الحنبلي الفقيه. ولد سنة اثنين وخمس مئة. سمع من الحداد ومحمود الأشقر وغيرهما. حدث عنه ابن خليل وطائفة. توفي في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وخمسمائة. انظر السير (21/ 245 - 246) برقم 126. وطرسوس من بلاد الثغر بالشام، كان يضرب بيدها المثل. انظر الأنساب (4/ 60) للسمعاني. (¬2) أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي الأشقر، راوي كتاب المعجم الكبير للطبراني. ولد في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربع مئة. سمع من ابن فاذشاه وابن شاذان الأعرج وغيرهما. حدث عنه الطرسوسي والكراني والصيدلاني وغيرهم. توفي في ذي القعدة سنة أربع عشرة وخمسمائة. السير (19/ 428 - 430) برقم 250. (¬3) أبو الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه الأصبهاني، راوي المعجم الكبير للطبراني. سمع من الطبراني وغيره. حدث عنه محمود الأشقر والحداد وأبو القاسم الغسال وغيرهم توفي في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. السير (17/ 515 - 516) برقم 339. (¬4) المعجم الكبير (22/ 77 - 78) برقم 192.

واسعًا. ثم تنحى الأعرابي فبال قائمًا فوثبوا عليه (¬1)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه حتى يفرغ من مباله"، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسجل من ماء فصبه على مباله. رواه ابن (¬2) ماجه عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الله، عن عبيد الهذلي، قال محمد بن يحيى: هو عندنا ابن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي عن واثلة به. ابن (¬3) أبي حميد روى له أبو داود وضعفه ابن ماجه. وفيه عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: صلى أعرابي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه القصة، وقال -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماءً". رواه أبو داود (¬4)، وقال: هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. السَّجل (¬5): بفتح السين المهملة وبالجيم الساكنة: الدلو الكبيرة إذا كان فيها ماء قل أو كثر. قال الجوهري (¬6): وهو مذكر، ولا يقال: سجل، إذا لم يكن فيه ماء. والذنوب (¬7): بفتح الذال المعجمة: الدلو إذا كانت ملأى. ¬

_ (¬1) عند الطبراني إليه بدل عليه. (¬2) السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 176) برقم 530 باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. (¬3) ابن أبي حميد هو عبيد الله بن حميد الهذلي، أبو الخطاب البصري، واسم أبي حميد غالب, روى له ابن ماجه فقط، وهو متروك. انظر: تهذيب الكمال (19/ 29 - 31) برقم 3629 وتهذيب التهذيب (3/ 8) وإكمال تهذيب الكمال (9/ 14 - 15) برقم 3434 والمجرد في أسماء رجال سنن ابن ماجه للذهبي (256) برقم 209. (¬4) السنن كتاب الطهارة (1/ 189) برقم 381 باب الأرض يصيبها البول. (¬5) الإمام لابن دقيق العيد (3/ 454). (¬6) الصحاح (5/ 1725) بتصرف في النص مع اختصار، وهو فعل شيخه ابن دقيق كما في الإمام (3/ 454). (¬7) الإمام (3/ 454).

وقوله: "لقد تحجرت واسعًا"؛ من الحجر وهو المنع، ومعناه اعتقدت المنع فيما لا منع فيه من رحمة الله تعالى. وفي بعض ألفاظه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تزرموه بوله": أي لا تقطعوا عليه بوله، والإزرام: القطع. فيه (¬1) أن الاحتراز عن النجاسة وتجنبها أمر مقرر (¬2) في نفوس جملة الشرع، وفيه المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه أمر زائد على الإنكار (¬3) وهو المبادرة إلى ذلك، والغلظة فيه، واستعمال القوة، مستفاد ذلك من قوله: فأسرع الناس إليه أي إلى الإنكار عليه، وفيه مبادرة الصحابة إلى الإنكار بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير مراجعة له، وليس ذلك من باب التقدم بين يدي الله ورسوله لما تقرر (¬4) عندهم في الشرع من مقتضى الإنكار، فأمر الشارع (¬5) متقدم على ما وقع منهم في ذلك، وإن لم يكن عندهم في هذه الواقعة الخاصة إذن، فيدل على أنه لا يشترط الإذن الخاص ويكتفى بالعام. وقد اختلف في التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص، هل هو سائغ أو لا؟ فالمحكي عن ابن سريج أنه لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص وعن الصيرفي في جوازه، واختيار بعض المتأخرين المنع، وزعم أنه لا يكاد يختلف فيه، ¬

_ (¬1) هذا كلام ابن دقيق العيد مع تصرف يسير نقله عنه المصنف من كتاب الإمام في شرح الإلمام (ل / 62 - 63). (¬2) وعند ابن دقيق العيد متقرر بدل مقرر. (¬3) عند ابن دقيق العيد فيه أمر زائد على أصل الأمر بالمعروف وهو استعمال القوة والغلظة. (¬4) عند ابن دقيق العيد وذلك أنه قد تقرر عندهم من الشروع ما أوجب الإنكار. (¬5) وعند ابن دقيق العيد الشرع بدل الشارع.

والذي كان شيخنا الإمام أبو الفتح (¬1) محمد بن علي بن وهب القاري رحمه الله تعالى يقول: إنه إن أريد بذلك أنه لا بد للمجتهد من نظره فيما تأخر من النصوص أو ما تيسر له مراجعته مما يشعر فيه باحتمال التخصيص فذلك صحيح، وإن أريد به التوقف حتى يقع على ما لعله لم يبلغه من النصوص ولا يشعر به مع قرب المراجعة فلا يصح. قال: والدليل عليه أن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث في الأمصار والبلاد عما لعله أن يكون تخصيصًا. فمن ذلك حديثنا الذي نحن فيه؛ وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لا استقرت عندهم القاعدة الكلية وثبت الحكم العام في وجوب تنزيه المسجد عن النجاسة، وكانت هذه القصة (¬2) المعينة مخصوصة من ذلك الحكم كما تبين من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونهيه وزجره (¬3)، وجرى (¬4) الصحابة على الحكم بالأمر العام من غير مراجعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع احتمال التخصيص فدل ذلك على ما ذكرناه. وفيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (¬5)، فإن البول في المسجد مفسدة، وقطعه على البائل مفسدة أعظم منها فاحتملنا أيسر المفسدتين بدفع أعظمهما وتنزيه المسجد عن البول مصلحة وترك البائل على ما هو عليه إلى أن ينقضي بوله مصلحة أعظم منها فحصلنا أعظم المصلحتين بترك أيسرهما. ¬

_ (¬1) يقصد بذلك ابن دقيق العيد، وكلامه هذا والذي قبله في الإمام (ل / 62). (¬2) عند ابن دقيق العيد الواقعة بدل القصة. (¬3) عند ابن دقيق العيد ونهيه عن زجره، وهو الصواب. (¬4) عند ابن دقيق العيد وقد جرى. (¬5) عند ابن دقيق العيد أخفهما بدل أيسرهما.

وبزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس عن منع الأعرابي وقوله - عليه السلام -: "لا تزرموه بوله"، علمنا حصول الرجحان من الطرفين بارتكاب أخف المفسدتين وتحصيل أعظم المصلحتين. ونهيه - عليه السلام - إياهم عن الأعرابي حين أسرعوا إليه يحتمل ثلاثة معان: الأول: مراعاة حق البائل لما قد يلحقه من الضرر من قطع البول عليه بعد تهيؤه لخروجه ودفعه. الثاني: مراعاة حق المسجد في صونه من النجاسة خوفًا من انتشار البول عند قطعه عليه وانتقاله من موضع إلى موضع في الطريق، وذلك متوقع. الثالث: مراعاة التيسير على الجاهل والتألف للقلوب. ويشهد للأول قوله - عليه السلام -: "لا تزرموه بوله"، وللثاني: ما هو معلوم من تنزيه المساجد عن النجاسات وللثالث قوله - عليه السلام -: "فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين". وقد يكون كل منها جزء علة، فيكون الحكم معللًا بمجموع ذلك. وفيه الرفق بالجاهل، واللطف في تعليمه. وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع (¬1)، وقد كان المانع من تنظيف المسجد وتطهيره من البول اشتغال الأعرابي بما هو عليه من البول، فلما زال المانع بفراغ الأعرابي، قال - عليه السلام -: "أهريقوا عليه سجلًا من ماء أو دلوًا من ماء"، إعمالًا للمقتضى عند زوال المانع. وفيه اعتبار الأداء باللفظ، وإن كان الجمهور على عدم اشتراطه، وأن المعنى ¬

_ (¬1) عند ابن دقيق العيد عند زوال المانع من إزالتها.

كافٍ لقوله: "سجلًا من ماء أو دلوًا من ماء"، وتحمل "أو" ها هنا على الشك، إذ لا معنى فيه للتنويم ولا للتخيير ولا للعطف، فلو كان الراوي يرى جواز الرواية بالمعنى اقتصر على أحدهما إذ هو المقول أو الأخر الذي في معناه. فما تحرج وتردد في التفرقة بين الدلو أو السجل، وهما بمعنىً علمنا أن ذلك التحري طلبًا لموافقة اللفظ، قاله شيخنا القشيري (¬1). ولا يخلو من اعتراض فإنه إنما يتم له ذلك لو اتحد المعنى في السجل والدلو لغةً لكنه غير متحد، فالسجل الدلو الضخمة المملوءة، ولا يقال لها فارغة سجل لكن دلو، ذكره ابن سيده. ففي السجل زيادة الضخامة والملء عن ما في لفظ الدلو، فلو جاء بها صغيرة غير مملوءة لصدق عليها الدلو، ولا يصدق السجل حتى توجد الضخامة والملء والله أعلم. وقد وقع في بعض ألفاظ الحديث: "أهريقوا عليه"، وفي بعضها: "صبوا عليه"، فيجوز أن يكون أحدهما تعبيرًا عن أمره - عليه السلام - لا حكاية للفظه، وهو حجة على المختار في علم الأصول، لأن علمه باللغة وأوضاع الكلام مع عدالته (¬2) مقتضٍ لمطابقة ما حكاه للواقع، وأما احتمال كونه اعتقد ما ليس بأمر أمرًا فبعيد. وفيه تعيين الماء بإزالة النجاسة، وقد تقدم الكلام فيه في حديث أسماء بنت أبي بكر: "ثم اقرصيه بالماء"، في باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب، وهناك ذكرنا أن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: فمنهم من ذهب إلى أن غير الماء من المائعات الطاهرة مستعمل في رفع الحدث وإزالة النجس كالماء. ¬

_ (¬1) الإمام (ل / 63). (¬2) عند ابن دقيق العيد مع ديانته بدل عدالته.

ومنهم من رأى تعين الماء لذلك، وهم الجمهور. ومن من فرق بين الحدث والخبث، وهو مذهب أبي حنيفة في استعمال المائعات الطاهرة في إزالة النجس دون رفع الحدث. لنا أنه - عليه السلام - عين الماء للإزالة، ولا يقع الإمساك بغير المعين لأن الذي يأتي بغيره لم يأت بما أمر به فيبقى في العهدة، وقد تقدم الكلام في ذلك. وقد اختلف العلماء في الأرض تصيبها النجاسة كيف تطهيرها؟ قال الرافعي (¬1): إذا أصاب الأرض بول فصب عليها من الماء ما يغمره ويستهلك فيه النجاسة طهرت بعد نضوب الماء، وقبله فيه وجهان: إن قلنا إن الغسالة طاهرة والعصر لا يجب فنعم، وإن قلنا إنها نجسة والعصر واجب فلا، وعلى هذا فلا يتوقف الحكم بالطهارة على الجفاف، بل يكفي أن يغاض الماء كالثوب المعصور لا يشترط فيه الجفاف والنضوب كالعصر، وفيه وجه أن يكون الماء المصبوب سبعة أضعاف البول، ووجه آخر يجب أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان، وعلى هذا أبدًا. ثم الخمر وسائر النجاسات كالبول تطهر الأرض عنها بالمكاثرة بالماء. وقال أبو حنيفة: لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب. كذا حكاه أصحابنا عن مذهب أبي حنيفة من غير تفصيل، وتمسكوا بالحديث في الرد عليهم. والذي ذكره أبو جعفر الطحاوي (¬2) في "مختصره"، قال: ومن بال على ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 246). (¬2) الإمام (ل / 64).

الأرض فطهارة ذلك المكان إذا صب عليه الماء نزل إلى ما هو أسفل من الأرض صب الماء عليه حتى يغسل وجه الأرض وينخفض إلى ما تحتها، وإن كان حجرًا فحتى يغسلها غسلًا يطهرها، وإن كانت غير ذلك من الأرض الصلبة فأن يحفر مكان البول منها حتى تعود طاهرة منه. وهذا التفصيل الذي ذكره يتأتى لهم معه الجواب عن الحديث إما بما قيل إنها كانت رملًا نزل فيه الماء، أو بأنه يحتمل ذلك إن لم يكن نقل، وإن لم تبطله المشاهدة في الأرض المذكورة أعني أرض المسجد. وعلى كل حال فكان القياس يقتضي ما أطلق من القول عن أبي حنيفة لأن ذلك غسالة نجاسة، فهو ماء قليل حلته نجاسة فتنجس على مذهب من يقول ذلك، إلا أن النص يدل على التطهير مع بقاء البلل فلا اعتبار بالقياس إن لم يصح النقل (¬1) بنقل التراب، وقد ورد الأمر بالحفر في مرسل طاوس ومرفوع ابن مسعود، والاعتراض على الأول بالإرسال وعلى الثاني بضعف سمعان بن مالك راويه، وقول أبي زرعة إن الحديث منكر، وقد تقدم. وقد اختلف العلماء في الماء المستعمل في إزالة النجاسة إذا كان قليلًا غير متغير على مذاهب ثلاثة قد قدمنا حكايتها في أحدها أنه طاهر طهور وفي الحديث دليل عليه (¬2). وفي الحديث دليل على طهارة غسالة النجاسة الواقعة على الأرض، ووجهه أمران: أحدهما: ما تقدم من أمر البلة الباقية على الأرض، فإنها غسالة النجاسة، ¬

_ (¬1) عند ابن دقيق العيد إن لم يصح نقل بالنقل أعني بنقل التراب. (¬2) الإمام (ل / 64).

فإذا لم يثبت أن التراب نقل، وثبت تيقننا أن المقصود التطهير وجب الحكم بطهارة تلك البلة. وثانيهما: أن الماء المصبوب لا بد أن يتدافع عند وقوعه على الأرض، ويصل إلى محل لم يصبه البول مما يجاوره، فلولا أن الغسالة طاهرة لكان الصب ناشرًا للنجاسة، وذلك خلاف مقصود التطهير، وقد كان يمكن أن يستدل على طهارة مطلق الغسالة سواءً كانت على الأرض أو غيرها بناءً على أنه لا فارق، وأن غير الأرض في معنى الأرض التي هي محل النص، لكن الحنابلة فرقوا بين الأرض وغيرها، فالمنفصل غير متغير من الغسلة التي طهرت الأرض بها طاهر، وذكر بعضهم أنه رواية واحدة، وإن كان غير الأرض فوجهان. وقد ذكرنا مأخذ الجمهور، وإلحاق ما هو في معنى الأرض به، ولعل سبب التفرقة عند من يراها اتباع القياس في تنجس الغسالة بحلول النجاسة بها مع قلتها، ويخرج الأرض بالنص، فتبقى فيما عداه على القياس. وذكر بعض (¬1) الحنابلة أنه إنما يحكم بطهارة المنفصل من الأرض إذا كانت قد نشفت أعيان البول، فإن كانت الأعيان قائمة وجرى الماء عليها طهرها، وفي المنفصل روايتان كالمنفصل عن غير الأرض، وكونه نجسًا أصح في كلامه، وقال غيره منهم: والأولى الحكم بطهارته لأن النبي - عليه السلام - أمر بغسل بول الأعرابي عقيب بوله، ولم يشترط النشوفة. وقد اختلف (¬2) أصحابنا في طهارة الأرض قبل نضوب الماء عنها في مثل هذه الصورة، ويمكن أن يستدل على عدم اشتراط النضب (¬3) بالحديث، وطريقه أن يحصل ¬

_ (¬1) الإمام (ل / 64). (¬2) الإمام (ل / 65). (¬3) عند ابن دقيق العيد نضوب بدل نضب.

امتثال الأمر بصب ماء الذنوب على الأرض لحصول مسمى ما تعلق به الأمر وفعل المأمور به يقتضي الإجزاء، وهذا ضعيف؛ لأن فعل المأمور به يقتضي الإجزاء بالنسبة إلى ما تعلق به الأمر، والذي تعلق به الأمر الصب، وهذا الفعل يقتضي الإجزاء في الأمر بالصب لا في تطهير الأرض، إلا أن يدعي (¬1) مدعٍ أن الأمر وإن كان بالصب إلا أنه لمقصود التطهير فيحصل التطهير على هذا التقدير، أعني على تقدير اعتبار معنى التطهير في هذا الأمر، والذين اشترطوا النضوب بنوه على نجاسة الغسالة واشتراط العصر، وأن عصر كل شيء على حسبه. وبهذه الطريق أيضًا يوجد عدم اشتراط الجفاف، وفيه من البحث ما تقدم، وقد توجه منه أن العصر في الثوب المغسول من النجاسة لا يجب، وطريقه أن يقال: لو وجب العصر في الثوب لتوقفت طهارة الأرض على النضوب، ولا تتوقف لما ذكرناه فلا يجب العصر، بيان الملازمة أن النضوب في الأرض قائم مقام العصر في الثوب كما ذكرنا لأن عصر كل شيء على حسبه، فلو وجب النضوب الذي هو في الأرض بمنزلة العصر في الثوب لوجب العصر في الثوب (¬2). وقد اختلف الناس في الأرض إذا أصابتها النجاسة هل تطهر بالجفاف وشروق الشمس عليها أو لا تطهر إلا بالماء؟ والأول: محكي عن أبي قلابة وأصحاب الرأي أنه إذا أشرقت عليها الشمس حتى ذهب أثر النجاسة تطهر، وقد يستدل به من قال: لا تطهر إلا بالماء ووجهه أن الأمر بصب الماء على الأرض والمقصود به التطهير فلا يحصل الامتثال إلا به، والاعتراض عليه أن ذكر الماء لوجوب المبادرة إلى تطهير المسجد وتركه إلى ¬

_ (¬1) وفي الإمام إلا أن يقال بدل أن يدعي مدع. (¬2) الإمام (ل / 65).

الجفاف تأخير لهذا الواجب، وإذا تردد الحال بين الأمرين لا يكون دليلًا على أحدهما بعينه (¬1). وفيه (¬2) صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والنجاسات، ففي حديث أنس الذي قدمنا أن البخاري ومسلم أخرجا قول أنس: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن"، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإذا كان كذلك لنذكر (¬3) طرفًا مما يباح في المسجد، ومما ينبغي أن يصان عنه: وقد أجمع الناس على جواز الجلوس في المسجد للمحدث، فإن كان جلوسه لعبادة من اعتكاف أو قراءة علم أو سماع موعظة أو انتظار صلاة أو نحو ذلك كان مستحبًا، وإن لم يكن لشيء من ذلك كان مباحًا، وقال بعض أصحابنا: إنه مكروه، وهو ضعيف. وكذلك النوم في المسجد جائز، نص عليه الشافعي في الأم. قال ابن المنذر (¬4): رخص في النوم في المسجد ابن المسيب والحسن وعطاء والشافعي، وقال ابن عباس: لا تتخذوه مرقدًا، وروي عنه أنه قال: إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس. وقال الأوزاعي: يكره النوم في المسجد. وقال مالك: لا بأس بذلك للغرباء، ولا أرى ذلك للحاضر. وقال أحمد: إن كان مسافرًا أو شبهه فلا بأس، وإن اتخذه مقيلًا ومبيتًا فلا. وهو قول إسحاق. ¬

_ (¬1) الإمام (ل / 66). (¬2) هذا كلام النووي كما في شرحه على صحيح مسلم (3/ 191). (¬3) والذاكر لهذه المسائل النووي رحمه الله واستفادها منه المصنف دون عزو!! (¬4) زاد النووي في الإشراف ووقع في شرح صحيح مسلم الأشراف وهو خطأ مطبعي.

وحجة من أجازه نوم علي بن أبي طالب وابن عمر وأهل الصفة والمرأة صاحبة الوشاح والعرنيين (¬1) وثمامة بن أثال وصفوان بن أمية وغيرهم، وهي أخبار صحاح مشهورة. واختلف في جواز دخول الكافر المسجد فمنعه قوم، وأباحه آخرون مطلقًا، وأباحه آخرون بشرط الإذن له في ذلك. وأما الوضوء في المسجد، فقال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلا أن يتوضأ في مكان يبله أو يتأذى الناس به، فإنه مكروه. وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال: هذا منقول عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والنخعي وابن القاسم صاحب مالك، وذكر عن ابن سيرين ومالك وسحنون أنهم كرهوه تنزيهًا للمسجد. وقال جماعة من أصحابنا: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذي لا يميزون المسجد لغير حاجة مقصودة، لأنه لا يؤمن تنجيسهم المسجد، ولا يحرم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على بعير، وقد يقال إن ذلك لبيان الجواز، أو ليظهر - عليه السلام - مرتفعًا على البعير لضرورة تعليم المناسك والاقتداء به في الحج. وأما من على بدنه نجاسة فإن خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول، وإن (¬2) أمن ذلك جاز. وأما من افتصد في المسجد فإن كان في غير إناء فحرام وإن قطر دمه في إناء فمكروه. ¬

_ (¬1) ووقع عند مسلم الغريبين وهو خطأ مطبعي. (¬2) عند النووي فإن بدل وإن.

وإن بال في المسجد في إناء فوجهان: أصحهما أنه حرام، والثاني أنه مكروه. ويجوز الاستلقاء في المسجد وهز الرجل وتشبيك الأصابع للأحاديث الثابتة في ذلك. ويستحب استحبابًا متأكدًا كنس المسجد وتنظيفه للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك، والله أعلم. آخر كتاب الوضوء * * *

2 - كتاب الصلاة

2 - كتاب الصلاة 1 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة ثنا هناد، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم؛ قال: أخبرني ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمّني جبريل عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى الغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين". قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس. أخبرني أحمد بن محمد بن موسى، أنا عبد الله بن المبارك، أنا حسين بن علي بن حسين، أخبرني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "أمني جبريل ... "، فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه: لوقت العصر بالأمس". قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن.

وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد (¬2) وأبو داود (¬3)، وفي إسناده ثلاثة مختلف في أحوالهم مذكورون في الضعفاء (¬4). فأولهم عبد الرحمن بن أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان، كان ابن (¬5) مهدي لا يحدث عنه، وقال أحمد (¬6) مضطرب الحديث، وقال النسائي (¬7): ضعيف، وقال يحيى (¬8) بن معين وأبو حاتم (¬9) الرازي: لا يحتج به، وقال العقيلي (¬10): ضعيف، ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 278 - 283) برقم 149. (¬2) المسند (1/ 333) و (1/ 354) مختصرًا. (¬3) السنن كتاب الصلاة (1/ 198 - 201) برقم 393 باب ما جاء في المواقيت. (¬4) استفاده من الإمام (4/ 32). (¬5) الضعفاء للعقيلي (2/ 750) برقم 940 والكامل لابن عدي (4/ 1585) والجرح والتعديل (5/ 252) برقم 1201. (¬6) الجرح والتعديل (5/ 252) برقم 1201. وقال في رواية الميموني ضعف الحديث، وقال مرة ابن أبي الزناد كذا وكذا. انظر موسوعة أقوال الإمام أحمد (2/ 323 - 324). (¬7) الضعفاء (207) برقم 367. (¬8) تاريخ الدوري (2/ 347) وفي تاريخ الدارمي قال ضعيف (152) برقم 529. (¬9) الجرح والتعديل (5/ 252) برقم 1201 وعبارته يكتب حديثه ولا يحتج به. (¬10) الضعفاء (2/ 570 - 751) برقم 940 وليس فيه ما ذكره المصنف من قوله ضعيف، وقد ضعفه ابن المديني فلعل الناسخ وهم.

وقال (¬1) ... : لا يصح ما حدث ببغداد، قال ابن (¬2) عدي: وبعض ما يرويه لا يتابع عليه، قيل (¬3): مات ببغداد سنة أربع وسبعين ومئة وهو ابن أربع وسبعين سنة، روى له مسلم (¬4) في المقدمة عن أبيه. وقد وثقه مالك (¬5) واستشهد البخاري (¬6) بحديثه عن موسى بن عقبة في باب التطوع بعد المكتوبة، وفي حديث (¬7): "لا تتمنوا لقاء العدو". وأما شيخه فعبد (¬8) الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال أحمد (9): متروك الحديث، وقال ابن (¬9) نمير: لا أقدم على ترك حديثه، وقال فيه ¬

_ (¬1) قائل هذا هو علي بن المديني، لا العقيلي كما يوهمه سياق الكلام انظر تهذيب الكمال (17/ 99). (¬2) الكامل (4/ 1587) وتتمة عبارته وهو ممن يكتب حديثه. (¬3) قائل ذلك هو ابن سعد كما في الطبقات (7/ 324). (¬4) انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 45 - 46)، حيث روى عن أبيه قوله: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث. يقال: ليس من أهله". وذكر النووي أن لأبي الزناد ثلاثة بنين يروون عنه وهم عبد الرحمن وقاسم وأبو القاسم. (¬5) والتوثيق عن مالك فيه نظر، وإنما المذكور عنه أنه موسى بن سلمة حين قدم المدينة لسماع العلم، فقال لمالك: "إني قدمت لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد". تاريخ بغداد (10/ 228). وتكلم فيه مالك بسبب روايته كتاب السبعة عن أبيه وقال: أين كنا نحن من هذا؟ تاريخ بغداد (10/ 230). (¬6) الجامع الصحيح (1/ 363) برقم 1172. (¬7) أما حديث "لا تمنوا لقاء العدو" عند البخاري فمن طريق مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، ليس فيه ابن أبي الزناد. (¬8) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (5/ 224) برقم 1057، وتهذيب الكمال (17/ 37 - 39) برقم 3787. (¬9) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (2/ 92) برقم 1862 وميزان الاعتدال (2/ 554) برقم 4840.

ابن (¬1) معين: صالح، وقال أبو حاتم (¬2): شيخ، وقال ابن (¬3) سعد: ثقة، وقال ابن (¬4) حبان: كان من أهل العلم. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬5). وأما حكيم (¬6) بن حكيم فروى عن نافع بن جبير، وأبي أمامة بن سهل. روى عنه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وسهيل بن أبي صالح. قال ابن (¬7) سعد: كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه، وأخوه عثمان بن حكيم كان ثقة (¬8). قال القاضي أبو (¬9) بكر بن العربي: فأما حديث بن عباس فاجتنبه قدماء (¬10) الناس وما حقه أن يجتنب، فإن طريقه صحيحة، وليس ترك الجعفي والقشيري له دليلًا على عدم صحته؛ لأنهما لم يخرجا كل صحيح ... ثم قال: وقد روى ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (5/ 224) برقم 1057، وقال الدارمي عنه ليس به بأس. تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (164) برقم 586. (¬2) الجرح والتعديل (5/ 224) برقم 1057. (¬3) الطبقات (7/ 483) برقم 1968 وعبارته: "وكان ثقة وله أحاديث". (¬4) الثقات (7/ 69 - 70). (¬5) انظر تهذيب الكمال (17/ 37 - 39) وعبارته تفيد أنه من رواة النسائي كذلك حيث قال روى له البخاري في الأدب والباقون سوى مسلم وكذا عبارة الذهبي في الكاشف (2/ 142) برقم 3209. (¬6) انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (3/ 202) برقم 877 وتهذيب الكمال (7/ 193 - 194) برقم 1455. (¬7) الطبقات (7/ 501) برقم 2016. (¬8) وثقه أحمد وأبو داود والنسائي وأبو حاتم. انظر تهذيب الكمال (19/ 355 - 357). (¬9) عارضة الأحوذي (1/ 204 - 205). (¬10) في العارضة قديمًا بدل قدماء ولعله الصواب.

البخاري هذا الحديث كما أنا أبو الحسين (¬1) بن المبارك بن عبد الجبار بباب (¬2) المراتب ليلة الثلاثاء (¬3) ثاني ذي الحجة سنة تسعين وأربع مئة بقراءتي عليه قال: أنا القاضي أبو الطيب طاهر (¬4) بن عبد الله الطبري، أنا الدارقطني (¬5)، أنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي، والحسين بن إسماعيل قالا: نا البخاري، ثنا أيوب بن سليمان، نا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن الحارث ومحمد بن عمرو، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس فذكره، قال (¬6): ورواة حديث ابن عباس هذا كلهم ثقات مشاهير. وقد تبع القاضي أبو بكر الحافظ أبا عمر في شيء من هذا الكلام، فإن أبا عمر قال (¬7): تكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم معروف النسب مشهورون في العلم، وقد خرجه أبو داود وغيره. ¬

_ (¬1) وفي العارضة أبو الحسن وهو خطأ والصواب أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن الطيوري. كان عنده نحو ألف جزء بخط الدارقطني. انظر السير (19/ 213) برقم 132. (¬2) باب المراتب هو أحد أبواب دار الخلافة ببغداد كان من أجل أبوابها وأشرفها وكان حاجبه عظيم القدر ونافذ الأمر. معجم البلدان (1/ 312). (¬3) وفي العارضة ليلة الثلاث في ذي الحجة. (¬4) القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي فقيه بغداد. ولد سنة ثمان وأربعين وثلاث، مئة بأمل استوطن بغداد ودرس وأفتى وأفاد، وكان ورعًا عاقلًا عارفًا بالأصول والفروع. توفي في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة. انظر السير (17/ 668 - 671) برقم 459. (¬5) السنن (1/ 258) برقم 7. (¬6) القائل ابن العربي كما في العارضة (1/ 205). (¬7) التمهيد (8/ 28) وانظر تعقب ابن دقيق العيد له في الإمام (4/ 33 - 34).

فأما قول القاضي: إن طريقه صحيحة فقد ذكرنا أن في إسناده ثلاثة يروي بعضهم عن بعض ليس منهم من خرج له في الصحيح، وهم: ابن أبي الزناد، وابن أبي ربيعة وحكيم بن حكيم روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) مع ما ذكرنا من الكلام فيهم. وأما قوله (¬2): وليس ترك الجعفي والقشيري له دليلًا على عدم صحته، فلم يسبق بهذا الكلام دعوى من أحد فيكون رادًّا عليه. وأما قوله (¬3): وقد روى البخاري هذا الحديث، ثم رواه عن البخاري من غير طريق جامعه الصحيح، فكلام لا معنى له؛ لأن رواية البخاري التي تقوم بها الحجة إنما هي حيث يلتزم التصحيح، وأما ما رواه خارج الصحيح فهو كرواية غيره. وأما قول أبي (¬4) عمر: إن الكلام في إسناده لا وجه له: فالوجه له ما ذكرناه من الكلام في رواته، على أن أبا (¬5) عمر أخرجه من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش فسلمت طريقه من التضعيف بابن أبي الزناد، ومن حديث سفيان أيضًا أخرجه أبو داود (¬6) وابن (¬7) خزيمة. قال أبو عمر (¬8): وذكره (¬9) عبد الرزاق عن الثوري وابن أبي سبرة، عن ¬

_ (¬1) انظر تهذيب الكمال (7/ 193 - 194) حيث قال رحمه الله: "روى له الأربعة"، ففات المصنف أن يذكر النسائي. (¬2) قائل ذلك أبو بكر بن العربي وقد سبق في (319). (¬3) والقائل كذلك ابن العربي المالكي كما في (320). (¬4) سبق في (320). (¬5) التمهيد (8/ 27). (¬6) السنن كتاب الصلاة (1/ 198 - 201) برقم 393 باب ما جاء في المواقيت. (¬7) صحيح ابن خزيمة (1/ 168) برقم 325. (¬8) التمهيد (8/ 28). (¬9) في التمهيد وذكر بدل وذكره.

عبد الرحمن بن الحارث بإسناده مثل رواية وكيع وأبي نعيم يعني عن الثوري. وذكره عبد الرزاق أيضًا عن نافع (¬1) بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه. وكأن (¬2) أبا عمر اكتفى بالشهرة في حمل العلم مع عدم الجرحة الثابتة المفسرة وهو مقتضى رأيه فيمن عرف بحمل العلم (¬3)، وذكر أيضًا ما يقتضي تأكيد الرواية بمتابعة ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن الحارث، وكذلك أيضًا متابعة العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه وهذه متابعة حسنة (¬4)، وأقل مراتب هذا الحديث على ذلك أن يكون حسنًا. وأما حديث أبي هريرة فعند الترمذي (¬5) في الباب بعد هذا مذكور معلل بما سيأتي. وأما حديث بريدة فقد أخرجه أيضًا وصححه (¬6) وسيأتي. ¬

_ (¬1) في التمهيد عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس مثله، وهو كذلك في الإمام لابن دقيق العيد (4/ 33) وعنه ينقل المصنف دون أدنى إشارة. (¬2) هذا الكلام قاله شيخه ابن دقيق العيد كما في الإمام (4/ 33 - 34) كما سبقت الإشارة إليه في (816). (¬3) وذلك إشارة إلى رأي ابن عبد البر الذي ذكره في مقدمة كتابه الرائع التمهيد (1/ 28) حيث قال: "وكل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول في أمره أبدًا على العدالة، حتى تتبين جرحته في حاله، أو في كثرة غلطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله". (¬4) عند هذا الحد ينتهي كلام شيخه ابن دقيق العيد. (¬5) الجامع (1/ 283 - 284) برقم 151 ونقل فيه عن البخاري قوله حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل. (¬6) الجامع (1/ 286 - 287) برقم 152 وقال حديث حسن غريب صحيح.

وأما حديث جابر فقد ذكره في الباب (¬1)، وحكى عن البخاري (¬2) قوله: أنه أصح شيء في هذا الباب، ولم يجزم هو من قبل نفسه فيه بتصحيح ولا تحسين، وذكر في الباب بعده حديث بريدة بن الحصيب وصححه (¬3). وأما حديث جابر فقد روى النسائي (¬4) من حديث برد عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فصلى الظهر حين زالت الشمس ... الحديث في الوقتين، وآخره: "ثم قال: ما بين هاتين الصلاتين وقت". ورواه أبو بكر البزار (¬5) في مسنده، من جهة عمرو بن بشر عن برد، ومن طريق صالح بن كيسان، عن عمرو بن دينار وعطاء، عن جابر. وقد أعل ابن القطان (¬6) هذا ¬

_ (¬1) الجامع (1/ 218) برقم 150 وقال حديث حسن صحيح غريب كذا في نسخة الشيخ أحمد محمد شاكر، وأشار إلى أنها زيادة من نسخة الشيخ محمد عابد السندي والتي كان يرمز لها بـ "ع" بل هي النسخة العمدة عنده في تصحيح الكتاب كما في مقدمة تحقيقه للجامع (1/ 13)، وهذه الزيادة لم يذكرها المزي في التحفة ولا البغوي في شرح السنة كعادته بل له اعتناء كبير بذكر مصطلحات الترمذي، فاكتفى بالإشارة إلى حديث جابر كما في شرح السنة (2/ 183). ولا نبه على ذلك الحافظان العراقي وابن حجر، وصنيع ابن سيد الناس يؤكد ذلك حيث قال كما سيأتي: "ولم يجزم هو من قبل نفسه فيه بتصحيح ولا تحسين". (¬2) الجامع (1/ 282) وعبارته فيه: "أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم". (¬3) وقد سبق في (817). (¬4) السنن كتاب المواقيت (1/ 277) برقم 512. (¬5) نقله عن شيخه ابن دقيق كما في الإمام (4/ 35) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 304) ولم يعزه للبزار. (¬6) بيان الوهم والإيهام (2/ 466 - 467) برقم 465 وانظر الإمام (4/ 818).

الحديث بما ليس في العرف علة، وذلك أنه قال: يجب أن يكون مرسلًا إذ لم يذكر جابر من حدثه بذلك وهو لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء لما علم أنه أنصاري إنما صحب بالمدينة. وأما (¬1) ابن عباس وأبو هريرة اللذان رويا قصة إمامة جبريل لا يلزم (¬2) في حديثهما من الإرسال ما يلزم في رواية جابر لأنهما قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك وقصه عليهم. انتهى. وحاصل ما يدعي أنه مرسل صحابي وذلك مقبول (¬3)، حكمه حكم المسند عند الجمهور، والجهالة بعين من أرسل عنه غير ضارة إذ من البعيد أن يرسل الصحابي عن تابعي، والله أعلم (3). وزعم ابن (¬4) العربي أن الترمذي صحح حديث جابر، وليس كذلك؛ بل نقل عن البخاري أنه قال: إنه أصح شيء في الباب، يوهم من وجهين: الأول: زعمه أن هذا تصحيح. الثاني: كونه تصحيح البخاري. فأما الترمذي فروى كلام البخاري ولم يقل من قبل نفسه شيئًا، وأما كلام البخاري فلا يقتضي التصحيح. ¬

_ (¬1) وعند ابن القطان وابن عباس وأبو هريرة بغير وأما. (¬2) عند ابن القطان فليس يلزم. (¬3) لم يخالف في ذلك إلا أبو الحسن الإسفراييني، وانظر الإمام (4/ 38). (¬4) عارضة الأحوذي (1/ 205). ويمكن أن يقال وقع لابن العربي التصحيح في النسخة التي وقف عليها من سنن الترمذي وهو الذي يفهم من قوله: "وأما حديث جابر فقد رواه أبو عيسى وصححه"، والله أعلم.

وأما حديث أبي موسى فروى مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3) من حديث الوقتين بدر بن عثمان، ثنا أبو بكر بن أبي موسى، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أتاه سائل فسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئًا، فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرّت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان قريبًا من ثلث الليل، قال: ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت ما بين هذين". وفي رواية أبي (¬4) داود من حديث عبد الله بن داود، عن بدر: وأقام الظهر إلى وقت العصر الذي كان قبله وصلى العصر وقد اصفرت الشمس -أو قال: أمسى- وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء إلى ثلث الليل. وأخرجه أبو عوانة (¬5) في "صحيحه" من جهة أبي داود الحفري، وأبي نعيم، وعبيد الله بن موسى، عن بدر، وذكر الترمذي (¬6) في كتاب "العلل" له عن البخاري أنه قال: حديث أبي موسى حسن، وحديث الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن ابن ¬

_ (¬1) في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 429) برقم 614. (¬2) السنن كتاب الصلاة (1/ 279 - 280) برقم 395 باب ما جاء في المواقيت. (¬3) السنن كتاب المواقيت (1/ 282) برقم 522 باب آخر وقت المغرب. (¬4) السنن كتاب الصلاة (1/ 280) برقم 395. (¬5) صحيح أبي عوانة (1/ 375) وهو مستفاد من كتاب الإمام (4/ 21). (¬6) علل الترمذي (63) برقم 85 و 86.

بريدة، عن أبيه هو حديث حسن. وأما حديث أبي مسعود (¬1) فقد اختلف على ابن شهاب فيه، بذكر الوقت والوقتين والأول عنه أشهر، فأما رواية الوقتين فذكر أبو عمر (¬2) أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز، عن أبي مسعود: أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة فدخل عليه أبو مسعود فقال له: ألم تعلم أن جبريل نزل على ... وصلى وصلى وصلى وصلى، ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى ثم صلى، ثم قال: هكذا أمرت. وأما رواية الوقت الواحد فروى مالك (¬3) في الموطأ عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة، أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: بهذا أمرت. فقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: اعلم ما تحدّث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت الصلاة، فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود ¬

_ (¬1) انظر الإمام (4/ 5 - 16)، ففيه تنبيهات مهمة حول الحديث، وقد استفاد منه ابن سيد الناس كثيرًا، بل معظم الأحاديث التي في الباب مستفادة من هذا الكتاب، بل لو قلت إن شيخ المصنف في الصناعة الحديثية هو العلامة ابن دقيق العيد لما أخطأت. (¬2) التمهيد (8/ 12 - 13) حيث قال رحمه الله: "وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة عند عمر بن عبد العزيز مع عروة بن الزبير في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب معمر والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وابن جريج". وانظر التمهيد (8/ 15). (¬3) الموطأ (1/ 33 - 34) برقم 1 و 2.

الأنصاري يحدث عن أبيه. قال عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر. أخرجاه في الصحيحين (¬1) من حديث مالك، وبَشير (¬2) -بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة- رواه جماعة عن مالك عن ابن شهاب فبينوا اتصاله: ففي روابة عبد الرزاق (¬3)، عن معمر، عن الزهري قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخر صلاة العصر مرة فقال له عروة: حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا -يعني العصر- فقال له أبو مسعود: أما والله يا مغيرة لقد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى الناس معه، ثم (¬4) صلى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى الناس معه ... حتى عدّ خمس صلوات ... الحديث. قال عبد الرزاق (¬5): وأنا ابن جريج قال: حدثني ابن شهاب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل عروة بن الزبير، فقال عروة بن الزبير: تمسّى المغيرة بن شعبة بصلاة ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه كتاب مواقيت الصلاة (2/ 182 - 187) برقم 521، 522، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 425 - 426) برقم 610 و 611. (¬2) كذا ضبطه شيخه في الإمام (4/ 5) والحديث المشار إليه استفاده كذلك من شيخه. (¬3) المصنف (1/ 540 - 541) برقم 2044، ومن طريقه ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 13 - 14) ذكرها ابن دقيق العيد في الإمام (4/ 9) وعنه أخذها المصنف، وفيها إشارة إلى اتصال الرواية فيما بين الزهري وعروة بمشاهدة الزهري للقصة وفيه رد على الكرماني حيث زعم أنه تعليق من البخاري بقوله قال عروة وليس الأمر كذلك. انظر فتح الباري (2/ 187). (¬4) وكذا وقع تبعًا لإمام وصوابه ثم نزل فصلى، فصلى ... إلخ. (¬5) المصنف (1/ 540 - 541) برقم 2045 وعنه ابن عبد البر وعنه ابن دقيق العيد كما في الإمام (4/ 9).

العصر وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري ... الحديث. وكذلك رواه (¬1) الليث عن محمد بن رمح عنه عن الزهري. وكذلك ذكر (¬2) عن رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري. وأما اتصال الرواية فيما بين عروة وبشير فعند مسلم (¬3) من رواية الليث عن ابن شهاب ولفظه: إن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة (¬4) شيئًا، فقال له عروة: أما إن جبريل - عليه السلام - قد نزل فصلى أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عمر: اعلم ما تقول (¬5)، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: نزل جبريل - عليه السلام - فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه، ويحسب بأصابعه خمس صلوات (¬6). وأما حديث أبي (¬7) سعيد الخدري رضي الله عنه: فقرأت على المشايخ: ¬

_ (¬1) وفي الإمام (4/ 10) وكذلك رواية الليث من جهة محمد بن رمح عن الليث عن الزهري. وانظر التمهيد (2/ 12 - 13)، ورواية الليث عند مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 425) برقم 610 باب أوقات الصلوات الخمس. (¬2) أي الحافظ ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 18 - 19) وهو ينقل عن شيخه في الإمام (4/ 10)، ورواية شعيب بن أبي حمزة ذكرها ابن عبد البر ولم يسندها، وهي موصولة عند البخاري في صحيحه كتاب المغازي (8/ 51 - 52) برقم 4007. (¬3) في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 425) برقم 610 باب أوقات الصلوات الخمس. (¬4) كذا عند المصنف تبعًا لشيخه في الإمام (4/ 10) وفي صحيح مسلم أخر العصر بدل أخر الصلاة. (¬5) وفي صحيح مسلم بزيادة يا عروة. (¬6) الإمام (4/ 10 - 11). (¬7) انظر الإمام (4/ 41 - 42).

الشريف الإمام أبي (¬1) الحسن علي بن أحمد بن أبي العباس الغرافي، والعدل أبو الماضي عطية (¬2) بن ماجد بن عطية بن منصور بن حديدة الثغري، والفقيه أبي الحسين يحيى (¬3) بن أحمد بن عبد العزيز الصواف، والوجيه أبي محمد عبد الله (¬4) بن خير بن حميد بن خلف القرشي بثغر الإسكندرية. ح. وقرأت على الإمام المقرئ الصدر زين الدين أبي عبد الله محمد (¬5) بن الحسين بن عبد الله الغوي المتصدر بجامع مصر العتيق بالجامع، قلت: لكل منهم: أخبركم ¬

_ (¬1) التاج الغرافي، علي بن أحمد بن عبد المحسن تاج الدين أبو الحسن الحسيني الشافعي الإسكندري. قال عنه ابن سيد الناس: "كان ذا معرفة وإتقان، وتقدم بين الأقران، له أسانيد علية، ونظر في العلوم وأهلية". انظر: الدرر الكامنة (3/ 85) برقم 2661، الأجوبة لابن سيد الناس (2/ 207). (¬2) أبو الماضي ابن حديدة، عطية بن ماجد بن عطية بن منصور الثغري. روى من طريقه ابن سيد الناس الخلعيات عن ابن عماد انظر الأجوبة (2/ 236)، درة الحجال لابن القاضي (3/ 179) برقم 1155 وتحرف فيها إلى عطية بن أبي المجد بن أبي المعالي بن ساجد، وهو خطأ والصواب ما ذكرنا. (¬3) أبو الحسين بن الصواف، يحيى بن أحمد بن عبد العزيز، شرف الدين الجذامي المالكي الإسكندراني. قرأ عليه ابن سيد الناس بالثغر الخلعيات عن ابن عماد. انظر: الأجوبة (2 /)، الدرر الكامنة (5/ 188). (¬4) أبو محمد القرشي، عبد الله بن خير بن حميد بن خلف، وجيه الدين الإسكندري. سمع الأجزاء الخلعيات على محمد بن عماد الحراني قرأ عليه ابن سيد الناس الخلعيات بسماعه من ابن عماد الحراني. انظر: الأجوبة (2/ 236)، درة الحجال (3/ 40) برقم 940. (¬5) أبو عبد الله الغوي، محمد بن الحسين بن عبد الله بن حسون، زين الدين القرشي الفهري المصري. سمع الخلعيات من محمد بن عباد. انظر: الدرر الكامنة (4/ 47) برقم 3661.

أبو عبد الله محمد (¬1) بن عماد بن محمد بن الحسين بن أبي يعلى الحلبي، فأقرّ به. قال: أنا أبو محمد عبد الله (¬2) بن رفاعة بن غدير السعدي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا القاضي أبو الحسن علي (¬3) بن الحسن بن الحسين الخلعي سماعًا؛ قال: أنا أبو عبد الله شعيب بن عبد الله بن المنهال، ثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي، قال: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج بن عبد الرحمن القطان، قال: نا عمرو بن خالد، قال: ثنا عبد الله بن لهيعة عن بكر بن عبد الملك بن سعد الساعدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمّني جبريل - عليه السلام - في صلاة -يعني الظهر- حين زاغت الشمس، وصلى العصر حين كان الظل قامةً، وصلى المغرب حين غابت الشمس، وصلى العشاء حين غاب الشفق، وصلى الفجر حين ¬

_ (¬1) الشيخ المسند أبو عبد الله محمد بن عماد بن محمد بن أبي يعلى الجزري الحرّاني. ولد بحران يوم النحر سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة. سمع بمصر من أبي محمد بن رفاعة الخلعيات العشرين. توفي بعاشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وست مئة. انظر السير (22/ 379 - 381) برقم 242. (¬2) الشيخ الفرضي، مسند وقته، أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السِّعدي المصري الشافعي. مولده في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربع مئة. ولازم القاضي أبا الحسن الخلعي، وكان خاتمة من سمع منه توفي في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مئة. انظر: السير (20/ 435 - 438) برقم 284. (¬3) القاضي أبو الحسن الخلعي، صاحب الفوائد العشرين التي خرجها له أبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي في عشرين جزءًا، وسمّاها الخلعيات. مولده بمصر في أول سنة خمس وأربع مئة. كان مسند مصر بعد الحبّال. توفي بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وتسعين وأربع مئة. انظر: السير (19/ 74 - 79) برقم 42.

طلع الفجر، ثم أمّني جبريل في اليوم الثاني فصلى الظهر وفيء كل شيء مثله، وصلى العصر والفيء قامتين، وصلى المغرب حين غاب الشفق، وصلى العشاء إلى ثلث الليل الأول، وصلى الصبح حين كادت الشمس تطلع، ثم قال: الوقت فيما بين هذين". كذا وقع بكير بن عبد الملك، والصواب بكير وهو ابن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك (¬1)، في إسناده ابن (¬2) لهيعة، وقد تقدم. وأما حديث ابن (¬3) حزم فإني لم أجده إلا مرسلًا (¬4) عمن دون عمرو بن حزم من بنيه، كذلك ذكره أبو عمر (¬5) عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه: أن جبريل نزل فصلى ... فذكر مثل حديث أبي مسعود في الوقتين مثل لفظ تقدمه عند أبي (¬6) عمر ذكر فيه الوقتين ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب. قال (¬7): وكذلك رواه الثوري، عن عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد جميعًا عن أبي بكر بن حزم مثله سواء: أن جبريل صلى الصلوات الخمس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين في يومين لوقتين. ¬

_ (¬1) انظر الإمام (4/ 42). (¬2) لكن الراوي عن ابن لهيعة في مسند أحمد (17/ 350) إسحاق بن عيسى الطباع، وهو ممن روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه كما قاله الإمام أحمد، فيكون حديثه محتجًا به، والله أعلم. (¬3) انظر الإمام (4/ 42 - 43). (¬4) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (1/ 240 - 241 برقم 111 والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 365) وابن عبد البر في التمهيد (8/ 32). (¬5) التمهيد (8/ 25). (¬6) التمهيد (8/ 16 - 17) و (8/ 25). (¬7) القائل هو ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 25).

ومراسيل مثل هؤلاء عند ذلك (¬1) حجة. وقد رواه البيهقي (¬2) من طريق البخاري بسنده إلى صالح بن كيسان؛ قال: سمعت أبا بكر بن حزم بلغه أن أبا مسعود؛ قال: نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة فأمره فصلى ... فذكر حديث الوقتين ثم قال: قال صالح بن كيسان: كان عطاء بن أبي رباح (¬3). وحديث البراء بن عازب: ذكر ابن أبي خيثمة في من روى من ولد البراء بن عازب؛ قال: يزيد وعبيد والربيع ولوط بنو البراء بن عازب، وذكر أحاديثهم ثم قال: ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى؛ قال: نا إسماعيل بن إبراهيم بن خباب قاضي نيسابور عن ابن أبي ليلى، عن أم حفص ابنة عبيد بن عازب، عن عمها البراء بن عازب؛ قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فصلى الصلاة لوقتين، عجل من هذه وأخر من هذه، ثم قال: "يا بلال! صلِّ بينهما". قال: ونا ابن الأصبهاني، نا أبو معاوية، عن ابن أبي ليلى، عن حفصة ابنة عازب، عن البراء بن عازب؛ قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة، فقدم وأخر، وقال: "ما بين هذين وقت". وأما حديث أنس (¬4) بن مالك فروى النسائي (¬5) من حديث شعبة عن أبي ¬

_ (¬1) في التمهيد عند مالك بدل ذلك. (¬2) السنن الكبرى (1/ 365). (¬3) وتمام العبارة عند البيهقي يحدث عن جابر بن عبد الله في وقت الصلاة نحو ما كان أبو مسعود يحدث قال صالح وكان عمرو بن دينار وأبو الزبير المكي يحدثان مثل ذلك عن جابر بن عبد الله السلمي. (¬4) انظر الإمام (4/ 39 - 40) برقم 296. (¬5) السنن كتاب المواقيت (1/ 295) برقم 551. =

صدقة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غربت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشفق، قال على أثره: ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر. ورواه أبو أحمد (¬1) الحاكم في الكنى من حديث يزيد بن هارون، أنا شعبة فذكره وفيه: والفجر من حين يطلع الفجر إلى أن ينفسح البصر. رواه عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن زهير عن عبد الله بن هاشم، عن يزيد، أبو صدقة (¬2) توبة مولى أنس بن مالك. ¬

_ = وأخرجه النسائي كذلك في كتابه الإغراب (273) برقم 201. لطيفة: لهذا الكتاب أعني الإغراب من حديث شعبة بن الحجاج وسفيان بن سعد الثوري مما أغرب بعضهم على بعض قصة عجيبة وقعت لي، وهو أن الإمام ابن دقيق العيد ذكر في كتابه الإلمام (1/ 115) برقم 153 حديث ابن عباس مرفوعًا فيمن يأتي امرأته وهي حائض. فقال الإمام لفظ رواية النسائي في (الأعراب) هكذا قرأها المحقق حسين إسماعيل الجمل وقال معلقًا في الحاشية برقم (3). سقط من (ظ)، (م) والمثبت من الأصل، (هـ)، (ل) (د) ثم بقي سؤال وهو هل للنسائي كتاب اسمه الأعراب إن صح النقل. قلت: صح النقل أيها المحقق وأخطأ الفهم وعمي البصر، وحملت نفسك ما لا يطيق حمله الجمل يا إسماعيل الجمل، ولا صلة للحافظ النسائي بالبداوة والأعراب، إذ تلك الصلة كانت للأصمعي مع البدو الأعراب حين أراد التوسع في معرفة لغات العرب، أما النسائي فكتابه موسوم بالإغراب، وقد أحسن النسائي صنعًا في تسميته حتى أغرب على أخينا المحقق، فجاءنا بتحقيق الأعراب. والحديث فيه (155) برقم 86. (¬1) انظر الإمام (4/ 40) وهو في كتاب الأسامي والكنى (1 / ل 245 / أ) كما أشار إلى ذلك الأخ سعد حميد. (¬2) قاله الحاكم في كتابه الأسامي والكنى كما ذكر ذلك الحافظ ابن دقيق العيد. وأبو صدقة، روى عنه جماعة، ووثقه النسائي كما في تهذيب الكمال للمزي (12/ 59). وقال الذهبي في الميزان (1/ 361) برقم 1349: ثقة روى عنه شعبة. وحاول مغلطاي في إكماله (3/ 62) أن يغمز في هذا التوثيق فقال: =

وفي الباب مما لم يذكره الترمذي حديث عبد الله (¬1) بن عمرو: روى قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، ثم إذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل. رواه عن قتادة جماعة (¬2) منهم هشام، وهذا لفظه عند مسلم (¬3). ورواه البيهقي (¬4) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله طرق كثيرة. وفيه حديث أبي برزة الأسلمي مخرج في الصحيحين (¬5) من حديث سيَّار بن سلامة؛ قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية -ونسيت ما قال في المغرب- وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي ¬

_ وقال بعض المصنفين من المتأخرين قلت هو ثقة ويقصد بذلك الحافظ الذهبي. ومع هذا التوثيق قال الحافظ في التقريب (183) برقم 817 مقبول. وتعقبه مؤلفا تحرير التقريب (1/ 193) برقم 809: "لو قال صدوق لكان أقرب إلى الصواب، فهذا رجل روى عنه جمع من الثقات شعبة وأبو نعيم الفضل بن دكين ووكيع بن الجراح وغيرهم، ووثقه الذهبي في الميزان". (¬1) انظر الإمام (4/ 22 - 26). (¬2) انظر الإمام (4/ 22 - 26) (824). (¬3) في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 4026) برقم 612. (¬4) السنن الكبرى (1/ 369). (¬5) البخاري في صحيحه كتاب الأذان (2/ 499) برقم 771 باب القراءة في الفجر ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 447) برقم 647.

تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المائة. وفيه عند الحاكم (¬1) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، عن عمه مجمع بن جارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مواقيت الصلاة فقدم ثم أخر، وقال: بينهما وقت. رواه في مستدركه عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، ثنا الحسن بن علي بن يحيى البرني، ثنا أبو يعلى محمد بن الصلت، نا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وعبيد الله هذا هو ابن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير العذري، وذكر أبو عمر (¬2) حديث ابن عباس المتقدم من طريق الثوري، عن ابن (¬3) أبي ربيعة المخزومي بسنده، وفي آخره: هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك، ثم قال (¬4): لا يوجد هذا اللفظ: ووقت الأنبياء قبلك، إلا في هذا الإسناد (¬5). وكانت إمامة جبريل - عليه السلام - بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، وأول صلاة أديت كذلك الظهر على المشهور، وقيل الصبح (¬6). ذكر ابن (¬7) أبي خيثمة: ثنا هدبة بن خالد، عن همام، عن قتادة، قال: فحدثنا الحسن أنه ذكر له: أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة، ¬

_ (¬1) المستدرك (1/ 193)، وهو كذلك عند الدارقطني في السنن (1/ 260 - 261) برقم 16. (¬2) التمهيد (8/ 26 - 27). (¬3) هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وقد مر الحديث. (¬4) أي ابن عبد البر. (¬5) التمهيد (8/ 26 - 27). (¬6) انظر التمهيد (8/ 40). (¬7) في التمهيد (8/ 40 - 41) وقال -وهو من طريقة ابن عبد البر-: وإن كان مرسلًا فإنه حديث حسن مهذب.

ففزع الناس، فاجتمعوا إلى نبيهم فصلى بهم محمد الظهر أربع ركعات، يؤم جبريل محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد - صلى الله عليه وسلم - بجبريل - عليه السلام -، ويقتدي الناس بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا يسمعهم فيهن قراءة، ثم سلم جبريل على محمد، وسلم محمد على الناس، فلما سقطت الشمس نودي أن: الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم العصر أربع ركعات لا يسمعهم فيهن قراءة وهن أخف، يؤم جبريل محمدًا ويؤم محمد صلى الله عليهما الناس، يقتدي محمد بجبريل عليهما السلام، ويقتدي الناس بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم سلم جبريل على محمد عليهما السلام، وسلم محمد - صلى الله عليه وسلم - على الناس، فلما غابت الشمس نودي أن الصلاة جامعة ففزع الناس، واجتمعوا إلى نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ثلاث ركعات، أسمعهم القراءة في الركعتين وسبح في الثالثة -يعني بها أنه قام ولم يظهر القراءة- يؤم جبريل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ويؤم محمد - صلى الله عليه وسلم - الناس يقتدي محمد بجبريل عليهما السلام، ويقتدي الناس بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم سلم جبريل على محمد عليهما السلام، وسلم محمد - صلى الله عليه وسلم - على الناس، فلما بدت النجوم نودي أن الصلاة جامعة ففزع الناس إلى نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم أربع ركعات أسمعهم القراءة في الركعتين، وسبح في الأخريين يؤم جبريل محمدًا عليهما السلام ويؤم محمد الناس يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم سلم جبريل على محمد عليهما السلام، وسلم محمد - صلى الله عليه وسلم - على الناس، ثم رقدوا لا يدرون أيزادون أم لا؟ حتى إذا طلع الفجر نودوا أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فصلى بهم ركعتين أسمعهم فيها القراءة، يؤم جبريل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ويؤم محمد - صلى الله عليه وسلم - الناس، يقتدي محمد بجبريل عليهما السلام ويقتدي الناس بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم سلم جبريل - صلى الله عليه وسلم - على محمد وسلم محمد - صلى الله عليه وسلم - على الناس (¬1). ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 40 - 41).

قال (¬1): وثنا أحمد بن محمد بن أيوب، ثنا إبراهيم، عن ابن إسحاق، عن عتبة بن مسلم، عن نافع بن جبير، وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس؛ قال: لما فرضت الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل فصلى به الصبح حين يطلع الفجر ... ثم ذكر الحديث. قال أبو عمر (¬2): وذكره عبد الرزاق، عن ابن جريج؛ قال: قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه إلا جبريل نزل - صلى الله عليه وسلم - حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة. فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي بالناس، وطوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين، وذكر نحو ما تقدم، وفيه: وطول الأوليين -يعني من المغرب- وقصر في الثالثة، وفي العشاء: فما ذهب ثلث الليل صلى وفيه: فطول وجهر وقصر في الثانيتين وفي صلاة الصبح بعد ذلك فجهر وطول ورفع صوته ... الحديث. ففي هذا المرسل والذي قبله أن (صلاة) جبريل - عليه السلام - بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مرة مرة، وما سبق في الروايات المرفوعة من أنها كانت مرتين مرتين أولى إذ هي زيادات من ثقات يجب قبولها والعمل بها. وفيهما النداء للصلاة: بالصلاة جامعة، وذلك قبل الأذان. وإنما كان الأذان بعد الهجرة بعام أو أزيد بقليل على ما سيأتي. وفيها أن صلاة السفر مقصورة من صلاة الحضر، وسيأتي الخلاف في ذلك. وفيها الجهر والإسرار في موضعهما من الصلاة وسيأتي. وفيها: أن إطالة الأوليين من الظهر والعصر على الأخريين منهما. ¬

_ (¬1) والقائل ابن أبي خيثمة ومن طريقه رواه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 41 - 42). (¬2) التمهيد (8/ 42 - 43).

وفيها: أن الظهر أطول من العصر. وفيها: أن أول صلاة أديت الظهر، كما في مرسل الحسن، أو الصبح كما في مرسل نافع من طريق ابن أبي خيثمة، وأن ذلك صبيحة ليلة الإسراء كما في خبر عبد الرزاق. وكان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام، وقيل كأن الإسراء بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: كان قبل الهجرة بسنة ونصف، وقد ذكرت ذلك مستوعبًا في كتابي المسمى: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، فمن أراده فليقف عليه هناك. واختلف في الصلاة كيف كانت أول ما فرضت؟ هل كانت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر، أو كانت أربعًا ثم قصرت في السفر أو غير ذلك؟ على ما سنذكره في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وأما الصلاة قبل الإسراء وفرض الصلاة فذكر الحربي (¬1): أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها، ويشهد لهذا القول قوله: {وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار}. وقال أبو عمر (¬2): قال جماعة من أهل العلم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد لركعات معلومات، ولا لوقت محصور، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقوم أدنى من ثلثي الليل أو (3) نصفه أو (¬3) ثلثه وقامه معه المسلمون نحوًا من حول حتى ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 34) بمعناه. (¬2) التمهيد (8/ 35 - 37). (¬3) وفي التمهيد وبدل أو.

شق عليهم ذلك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ التوبة عنهم (¬1) والتخفيف في ذلك ونسخه وحطه (¬2) فضلًا منه ورحمة فلم يبق في الصلاة فريضة إلا الخمس. ذكر وكيع عن مسعر، عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: لما أنزلت: {يا أيها المزمل} كانوا يقومون نحوًا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل (¬3) آخرها، وكان بين آخرها وأولها حول. وعن عائشة مثله بمعناه، وقالت: فجعل قيام الليل تطوعًا بعد فريضة. وعن الحسن مثله قال: نزلت الرخصة بعد حول (¬4). وأما صلاته - عليه السلام - إلى الكعبة فإن ابن جريج ذكر في تفسيره رواه عنه حجاج وغيره (¬5). وذكره سنيد عن حجاج عن ابن جريج؛ قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس، فصلت الأنصار إلى بيت المقدس قبل قدومه - عليه السلام - بثلاث حجج، وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه ستة عشر شهرًا، ثم وجهه الله إلى الكعبة البيت الحرام هكذا قال ابن جريج، وهو أمر قد اختلف فيه (¬6)، وسنذكره في أبواب استقبال القبلة إن شاء الله تعالى. وقد وقع في حديث الموطأ (¬7) أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا، ومعناه (¬8) ¬

_ (¬1) في التمهيد عليهم بدل عنهم. (¬2) في التمهيد وحطه بقوله: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر منه من القرآن} فنسخ آخر السورة أولها. (¬3) في التمهيد نزلت. (¬4) التمهيد (8/ 35 - 37). (¬5) التمهيد (8/ 53). (¬6) التمهيد (8/ 53). (¬7) الموطأ (1/ 33) برقم 1. (¬8) والنقل عن ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 56).

والله أعلم أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب المرغوب فيه، ولم يؤخرها حتى غربت الشمس. وفي قوله: يومًا، ما يشعر بندور ذلك، وأنه لم يكن عادةً له، ولو كان ذلك يكثر منه لما قال: يومًا، وقد كانت ملوك بني أمية تؤخر الصلاة (¬1). قال ابن (¬2) عبد البر: كان ذلك شأنهم قديمًا من زمن عثمان، وقد كان الوليد بن عقبة بن أبي معيط يؤخرها في زمان عثمان، وكان ابن مسعود ينكر ذلك عليه، ومن أجله حدث ابن مسعود بالحديث (¬3)، وهو قوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ " قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: "صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة" (¬4). ذكره أبو (¬5) داود وغيره من حديث عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود. ذكر (¬6) عبد الرزاق عن معمر، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن القاسم بن عبد الملك؛ قال: أخر الوليد بن عقبة الصلاة يومًا، فأمر ابن مسعود المؤذن فثوب بالصلاة، ثم تقدم بالصلاة فصلى الناس، فأرسل إليه الوليد: ما صنعت؟ أجاءك من أمير المؤمنين حدث أم ابتدعت؟ فقال ابن مسعود: كل ذلك لم يكن، ولكن أبى الله ورسوله أن ننتظرك لصلاتنا وأنت في حاجتك. وذكر معمر أيضًا عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن القاسم بن ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 56) بتصرف يسير. (¬2) التمهيد (8/ 56). (¬3) زاد في التمهيد في ذلك. (¬4) وليس الحديث موجودًا في المطبوع من كتاب التمهيد. (¬5) السنن كتاب الصلاة (1/ 215 - 216) برقم 432 باب إذا أخر الصلاة عن الوقت. (¬6) قاله ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 57 - 58).

عبد الرحمن، عن ابن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: كيف بك يا أبا عبد الرحمن إذا كان عليك أمراء يطفئون السنة ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها؟ قال: فكيف تأمرني يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسألني ابن أم عبد كيف يفعل! لا طاعة لمخلوق في معصية الله". فإن ظن ظانٌّ أن في هذا الخبر (¬1) أنهم كانوا يؤخرونها حتى يخرج الوقت كله، ولهذا استحقوا اسم العصيان لله، قيل له: يحتمل أن يكون قوله خرج على جملة طاعة الله وعصيانه في سائر الأمور، وعلى أنه لا يؤمن على من كان شأنه تأخيرها أبدًا أن يفوته الوقت (¬2). روى معمر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: إنكم في زمان قليل خطباؤه، كثير علماؤه يطيلون الصلاة ويقصرون الخطبة، وإنه سيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة حتى يقال: هذا شرق الموتى، قلت (¬3): وما شرق الموتى؟ قال: إذا اصفرت الشمس جدًّا فمن أدرك (¬4) فليصل الصلاة لوقتها، وإن (¬5) احتبس فليصل معهم وليجعل صلاته وحده الفريضة، وصلاته معهم تطوعًا. ومما يدل على ذلك أن الفقهاء في ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ويأمرون بذلك. ذكر ابن جريج عن عطاء قال: أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، قال: ¬

_ (¬1) زاد في التمهيد دليلًا على. (¬2) التمهيد (8/ 57 - 58). (¬3) وفي المطبوع من التمهيد قال له. (¬4) زاد في المطبوع ذلك. (¬5) في التمهيد فإن بدل وإن.

فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس وهو يخطب. قال: أضع يدي على ركبتي وأومئ برأسي. وعن الثوري، عن محمد بن إسماعيل، قال: رأيت سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح -وأخر الوليد بن عبد الملك الصلاة- فرأيتهما يومئان إيماءً وهما قاعدان. وعن الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وأبي عبيدة أنهما كانا يصليان الظهر إذا حانت الظهر ويصليان العصر إذا حانت العصر، صليا العصر في المسجد مكانهما، وكان ابن زياد يؤخر الظهر والعصر. وعن إسرائيل عن عامر بن شقيق، عن شقيق؛ قال: كان يأمرنا أن نصلي الجمعة في بيوتنا ثم نأتي المسجد، وذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة (¬1). وذكر سنيد ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح أبي الضحى؛ قال: رأيت مسروقًا وأبا عبيدة بن عبد الله مع بعض الأمراء وأخر الوقت فأومأ في وقت الصلاة ثم جلسا حتى صليا معه تلك الصلاة، قال: رأيتهما فعلا ذلك مرارًا. قال (¬2): ثنا أبو معاوية عن محمد بن إسماعيل؛ قال: رأيت سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح -وأخر الوليد بن عبد الملك الصلاة عن وقتها- فرأيتهما يومئان في وقت الصلاة، ثم جلسا حتى صليا معه. وروى محمد بن الصباح الدولابي؛ قال: ثنا جرير عن أبي فروة عروة بن الحارث الهمداني عن أبي إياس؛ قال: تذاكرنا الجمعة، واجتمع قراء الكوفة أن يدعوا الصلاة مع الحجاج لأنه كان يؤخرها حتى تكاد تغيب الشمس فتذاكروا ذلك وهموا أن يجمعوا عليه، فقال شاب منهم: ما أرى ما تفعلون شيئًا، ما للحجاج ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 59 - 61) بتصرف يسير. (¬2) والقائل سنيد كما في التمهيد (8/ 61).

تصلون، إنما تصلون لله عزَّ وجلَّ فاجتمع رأيهم على أن يصلوا معه (¬1). قال أبو (¬2) عمر: إنما صلّى من صلّى إيماءً وقاعدًا لخوف خروج الوقت وللخوف على نفسه من القتل والضرب، والله أعلم، ومن كان شأنه التأخير لم يؤمن عليه فوات الوقت وخروجه عصمنا الله تعالى. وروينا من طريق الطبراني (¬3)، نا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني عاصم بن عبيد الله بن عاصم، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ستكون أمراء من بعدي يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها فصلوا معهم، فإن صلوها لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم، وإن أخروها عن وقتها فصلوها معهم فلكم وعليهم". وبه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن نكث العهد فمات ناكثًا للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له" (¬4). وقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد الحلبي أخبركم ابن كامل قراءة عليه وأنتم تسمعون فأقر به قال: أنا الشيخان أبو عبد الله بن أبي زيد وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي؛ قالا: أنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا أبو القاسم الطبراني (¬5)، ثنا أبو مسلم الكشي والعباس بن الفضل الأسقاطي (¬6) وأبو خليفة الفضل بن الحباب ومحمد بن يعقوب ¬

_ (¬1) التمهيد (8/ 61 - 62). (¬2) التمهيد (8/ 62). (¬3) انظر مجمع الزوائد (1/ 324). وعاصم بن عبيد الله ضعيف. (¬4) انظر مجمع الزوائد (1/ 324). (¬5) المعجم الكبير (18/ 375) برقم 959. (¬6) كذا وقع في الأصل المخطوط بالقاف وهو خطأ وصوابه الأسفاطي، وفي اللباب (1/ 54): "قلت فاته (أي السمعاني) الأسفاطي بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الفاء وبعد الألف الساكنة =

ابن سورة البغدادي؛ قالوا: ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا أبو هشام (¬1) عمار بن عمارة صاحب الزعفراني حدثني صالح بن عبيد، عن قبيصة بن وقاص؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم فصلوا معهم ما صلوا بكم القبلة". وقد روي فيه أيضًا عن عبادة بن الصامت وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم (¬2). وأحاديث الباب دالة أن أوقات الصلاة من فرائضها وأنها لا تجزئ قبل وقتها (¬3). قال أبو (¬4) عمر: وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا ما روي (¬5) عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التابعين، وقد أجمع العلماء على خلافه فلم أر لذكره وجهًا لأنه لا يصح عنهم، وقد صح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار إجماعًا (¬6) صحيحًا (¬7). ¬

_ = طاء مهملة، هذه النسبة إلى بيع الأسفاط وعملها". ولم يترجم له الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله في بلغة القاصي مع أنه على شرطه كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه (ص 5). (¬1) كذا وقع في الأصل أبو هشام عمارة بن عمار! والصواب ما أثبتناه، ففي المطبوع من معجم الطبراني الكبير أبو هاشم وهو الصواب، وعلى الجادة عند أبي داود في سننه كتاب الصلاة (1/ 217) برقم 434 باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. وعمارة بن عامر خطأ صحح من التقريب. (¬2) انظر مجمع الزوائد (1/ 324 - 325). (¬3) قاله ابن عبد البر كما في التمهيد (8/ 69 - 70). (¬4) التمهيد (8/ 70). (¬5) في المطبوع من التمهيد إلا شيئًا روي عن أبي موسى الأشعري. (¬6) في المطبوع من التمهيد فصار اتفاقًا صحيحًا. (¬7) انتهى النقل عن ابن عبد البر في التمهيد.

والوقت أول فرائض الصلاة لأنه لا يلزم الوضوء لها إلا بعد دخول وقتها، والمتوضئ قبل الوقت متبرع مبادر إلى فضل ومتأهب لفرض، ومن الدليل على أن الأوقات من فرائض الصلاة مع ما ذكرناه من الأحاديث والإجماع قول الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا}. قال مالك رحمه الله: أوقات الصلوات في كتاب الله تعالى قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}؛ يعني: الظهر والعصر، {إلى غسق الليل}؛ يعني: المغرب والعشاء، و"قرآن الفجر"؛ يعني: صلاة الفجر. وقد قال ذلك قبله جملة من العلماء بتأويل القرآن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم. وقوله: "حتى كان الفيء مثل الشراك": أما الظل والفيء فقال ابن قتيبة: يتوهم الناس أن الظل والفيء بمعنى، وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره، ومعنى الظل الستر، ومنه قولهم: أنا في ظلك، وظل الليل سواده لأنه يستر كل شيء، وظل الشيء ما يستر به من الشخوص من مسقطها وأما الفيء فلا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال فيء، وإنما قيل لما بعد الزوال فيء لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع، والفيء الرجوع (¬1). وقال ابن سيده: الفيء ما كان شمسًا فنسخه الظل، والجمع أفياء وفيوء، وفاء الفيء فيئًا تحول، وتفيأ فيه تظلل، وتفيأت الشجرة وفاءت كثر فيؤها، والمفيؤة: موضع الفيء جاءت على الأصل وحكى الفارسي عن ثعلب المفيئة فيها، والمفيوء المعتوه لزمه هذا الاسم من طول لزومه الظل، وفيأت المرأة شعرها الريح مرة هنا ومرة هنا. تفيء الزرع والشجر تحركهما. ¬

_ (¬1) "أدب الكاتب".

وفي الحديث: "مثل المؤمن كخامة الزرع تفيئها الريح مرة هنا ومرة هنا". وقال نافع بن لقيط الفقعسي (¬1): فلئن بليت فقد عمرت كأنني ... غصن تفيئه الرياح رطيب ثم قال: والفيء: الغنيمة، والفيء: القطعة من الطين. والشراك: سير النعل، والجمع شرك، وأشرك النعل وشركها جعل لها شراكًا. فقوله: حتى (¬2) كان الفيء مثل الشراك عبارة عن قصر الظل ذلك الوقت. قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: أجمعت الأمة على أن للصلاة وقتين: وقت سعة وسلامة، ووقت ضيق ومعذرة، فأما وقت الضيق والمعذرة فيأتي إن شاء الله تعالى، وأما وقت السلامة والسعة فهو المبين في هذه الأحاديث. انتهى. والاعتراض عليه من وجوه: الأول: دعواه الإجماع على أن للصلوات وقتين تخرج عنه صلاة المغرب، ففيها من الخلاف بين العلماء في الوقت والوقتين ما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. الثاني: قوله: إن المذكور في هذه الأحاديث هو وقت السلامة والسعة ممنوع، بل أن المذكور في هذه الأحاديث أول وقت كل صلاة وآخره، وذلك هو المعبر عنه بالوقتين زيادة على ما في الأحاديث التي لم يذكر فيها إلا الوقت الواحد، فإن أراد بوقت السعة والسلامة أول الوقت وما كان متصلًا به، وبوقت الضيق والمعذرة ما تأخر ¬

_ (¬1) عزاه له في "التذكرة الحمدونية"، وابن أبي عون المنجم في "التشبيهات"، وابن داود الأصفهاني في "الزهرة". والبيت من "الكامل". وسماه الزجاجي في "أخباره وأماليه" عن الأخفش عن ثعلب: نويفع بن نفيع. (¬2) عند السندي: حين.

عن ذلك إلى آخر الوقت، فدعوى الإجماع في ذلك لولا الغرب ممكن على خلاف في التفصيل يتعلق ببعض الأول وبعض ... يأتي في موضعه، وإن أراد بوقت الضيق والمعذرة ما يلزم الكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق والحائض إذا طهرت من الصلوات عند من يرى الاشتراك بين وقتي الظهر والعصر ووقتي المغرب والعشاء أو من لا يراه وكذلك حكم المدرك من الوقت ما يؤدي فيه بعض الصلاة. فالخلاف في تلك المسائل مشهور لا يحسن معه دعوى إجماع الأمة بوجه. الثالث: نقله الإجماع في تسويته في الصلوات الخمس بين كونها كلها ذات وقتين ليس على إطلاقه، بل ما فيها ما لا وقت له إلا واحدًا عند بعضهم كما أشرنا إليه في المغرب، وما فيها ما له أكثر من وقتين كما نذكره في العصر. قد تضمنت هذه الأحاديث في أوقات الصلاة وقتين [وقتين] للصلوات زيادة على ما في الأحاديث التي لم يذكر فيها إلا الوقت الواحد فأحد الوقتين أول الوقت وما قاربه (¬1) متصلًا به، والثاني: ما تأخر عن ذلك إلى آخر الوقت إلا المغرب فقد اختلف فيها، هل وقتها واحد أو هي ذات وقتين أيضًا؟ ومن هذه الأحاديث أخذ من لم يجعل لها إلا وقتًا واحدًا كما سيأتي. وهذا التقسيم كله وفي وقت السعة والرفاهية لا في مطلق الوقت [لما دل عليه الحديث من امتداد وقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى، وما في معناه، مما يأتي في الأبواب بعد هذا إلا الصبح، فلا بد من الجمع بينهما، وأن تكون الثانية ناسخة لانحصار الوقت فيما جاء في إمامة جبريل، وإذا تردد الأمر بينهما فالجمع أولى من النسخ ... (¬2) فطريقه أن يحمل ما في حديث جبريل كله على وقت ¬

_ (¬1) عن السندي: قارنه. (¬2) كلمات غير واضحة، ولعلها وإن قرر ذلك.

الاختيار أوله وآخره، وما في غيره من الزيادة على ذلك على وقت الجواز] (¬1) فقد قال العلماء، وهذه عبارة الشافعي رحمه الله تعالى من بينهم: والوقت وقتان؛ وقت مقام ورفاهية، ووقت عذر وضرورة، فقسم أوقات الصلاة قسمين: قسم جعله للمقيمين والمرفهين، وقسم جعله للمعذورين والمضطرين. قال الماوردي: فاختلف أصحابنا في المقيمين المرفهين، هل هم صنف واحد؟ وفي المعذورين المضطرين أيضًا، هل هم صنف واحد؟ فكان أبو علي بن خيران يذهب إلى أن أول وقت هو أول وقت للمقيمين الذين لا يترفهون، ووقت الرفاهية هو آخر الوقت للمقيمين المرفهين بتأخر الصلاة إلى آخر الوقت، وأن المعذورين هم المسافرون والممطورون في تأخير الصلوات للجمع، وأن المضطرين هم ما ذكره الشافعي من الجنون إذا أفاق والحائض إذا طهرت، والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، فجعل كل واحد من القسمين منوّعًا نوعين. وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وجمهور أصحابنا أن المقيمين المرفهين صنف واحد، والمعذورين المضطرين صنف واحد، وهم الذين يلزمهم فرض الصلاة في آخر الوقت كالحائض إذا طهرت، والمجنون إذا أفاق والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، ولم يرد بالمعذور المسافر والممطور لأن وقت الجمع وقت لصلاتي الجمع. [ثم وقت الاختيار المشار إليه ينقسم إلى قسمين (¬2) ........... ، منه كما يأتي في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل، على ما في ذلك من الخلاف بين العلماء، وإذا ثبت أن أول الوقت أفضل ففيه أن الإتيان بالمفضول مع القدرة على الأفضل احتمالًا لترك الفضل في أول الوقت بصلاته في اليوم الثاني في آخره لما ¬

_ (¬1) زيادة من نسخة السندي. (¬2) بياض قدر سطرين أو أقل.

دعت إليه مصلحة التعليم وبيان الجواز]. ووقع في حديث أبي مسعود الذي أوردناه من طريق مالك قول جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين صلى به: "بهذا أمرت". وروينا بفتح التاء من "أمرت" وبضمها، وكلا الوجهين ظاهر، فعلى رواية الضم، نقول: هل كان جبريل عليه السلام مأمورًا بتلك الصلوات التي صلاها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعليم فعلًا وتعليمًا، أو كان مأمورًا بالتعليم فقط؟ فإن قلنا: إنه كان مأمورًا بهما أو بالتعليم فقط، فهل كان مأمورًا بالتعليم فعلًا وقولًا أو جمعًا بينهما لما يتضمنه لفظة "هذا" من مجموع ما وقع من الفعل والتعليم، لا يصح أن يقال: كان مأمورًا بالتبليغ فعلًا أو قولًا وفعلًا، فعلى كلا التقديرين تكون تلك الصلاة عليه فريضة أو يكون مخيرًا بين التبليغ بالفعل أو القول فتكون الصلاة في حقه نفلًا، فينبني عليه جواز اقتداء المفترض بالمتنفل. وقد اختلف الناس في ذلك فعندنا يجوز للمفترض أن يقتدي بالمتنفل وبالعكس خلافًا لأبي حنيفة ومالك، وذكر ابن شاس في شؤون القدوة ... لا ينزل جنس صلاة الإمام عن جنس صلاة المأموم كمتنفل يؤم مفترضًا، وبه قال أحمد في أصح الروايتين عنه، وليس هذا موضع كلام في هذه المسألة، والترجيح بين هذه المسالك. وفيه جواز الصلاة للتعليم، كما سبق في الوضوء (¬1). عن شعبة، عن داود البصري، وقد قيل إنه ابن أبي هند وقد أعله أبو محمد عبد الحق وقبله أبو عمر بن عبد البر بما لا يجدي. ¬

_ (¬1) يوجد هنا سقط في المادة وهو يحتوي بسياقه على: 2 - باب ما جاء في التغليس بالفجر 3 - باب ما جاء في الإسفار بالفجر

وأما حديث أبي برزة فمخرج في الصحيحين من حديث سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية -ونسيت ما قال في المغرب- وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المئة". وحديث بلال رواه البزار ومحمد بن هارون الروياني من طريق أيوب بن سيار عن ابن المنكدر، عن جابر، عن أبي بكر، عن بلال؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسفروا بالصبح فإنه أعظم للأجر". ذكر الخلال عن مهنا قال: سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث فقالا: لا يصح. قال أحمد: أيوب ليس بثقة. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال نصر عن يحيى: هو كذاب. والإسفار: التبيين، والسفر مأخوذ من سفر إذا تبين وانكشف، ومن ذلك قول العرب: أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت عنه، والمراد به هنا إذا انكشف واتضح لئلا يظل المصلي في شك من دخول الوقت. واختلف الفقهاء في الأفضل من وقت صلاة الصبح، فذهب الكوفيون: أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين إلى أن الإسفار بها أفضل من التغليس في الأزمنة كلها الشتاء والصيف، واحتجوا بحديث رافع بن خديج الذي ذكرناه وما في معناه، وذكروا عن علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما كانا يسفران بالصبح جدًّا.

وإلى الإسفار ذهب طاوس وإبراهيم وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز، وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: صلى بنا معاوية بغلس، فقال أبو الدرداء: أسفروا بهذه الصلاة فإن أفقه لكم. وكان مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي يذهبون إلى أن التغليس بها أفضل، وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وداود بن علي وأبي جعفر الطبري، وهو المروي عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة. ومن حجة من قال بالتغليس حديث عائشة في الباب قبل هذا. وذكروا عن أبي بكر وعمر أنهما كانا يغلسان، وأنه لما قتل عمر أسفر بها عثمان، وحديث جابر الذي ذكرته آنفًا أنه - عليه السلام - كان يصلي الصبح بغلس. وعن قتادة عن أنس قال: تسحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلى، قلت لأنس: كم كان بين فراغهما من سجودهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية. رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري. وعند البخاري أيضًا عن سهل بن سعد قال: كنت أتسحر في أهلي ثم يكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر. رواه أبو داود بإسناد حسن، وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد. وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح مرة

بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر. رواه أبو داود بإسناد حسن، وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد. وعن مغيث بن سمي؛ قال: صليت مع ابن الزبير صلاة الفجر فصلى بغلس، فلما سلم قلت لابن عمر: ما هذه الصلاة؟ وهو إلى جانبي، فقال: هذه صلاتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما قتل عمر أسفر بها عثمان. ذكر الترمذي في العلل أن البخاري قال: هذا حديث حسن. وعن جابر أنه - عليه السلام - كان يصليها بغلس. مخرج في الصحيحين. وروى الطبراني عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة: كن نساء يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح، فينصرفن متلفعات في مروطهن ما يعرفن من الغلس. وعنده من حديث ... بن خالد، قال: حدثنا ضرغامة بن كليبة بن حرملة، حدثني أبي عن جدي، قال: انطلقت في وفد الحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا صلاة الصبح، فلما سلم جعلت أنظر إلى وجه الذي إلى جنبي فما أكاد أعرفه من الغلس. الحديث. وأخرجه الطحاوي. وأخرج البغوي قطعة منه ليس فيه ذكر التغليس بالصبح. وقد أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الإسفار بأجوبة منها ما تقدم أن الإسفار التبين والتحقق فليس المراد إلا تبين الفجر وتحقق طلوعه، وذلك ... ، أولى ............ يتضح الفجر، فلا يشك أنه طلع الفجر. وقيل يحتمل أن

يكون الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار في الإسفار، وذكر الخطابي أنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبًا للثواب، فقيل لهم: صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنها أعظم لأجركم. فإن قيل: لو صلوا قبل لم يكن فيها أجر، فالجواب أنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر". وقال أبو جعفر الطحاوي: إنما تتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح مغلسًا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرًا. وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كن وهن لا يعرفن من الغلس، ولو قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسور الطوال ما انصرف الناس إلا وهم تجد أسفروا ودخلوا في الإسفار جدًّا، ألا ترى إلى أبي بكر رضي الله عنه حين قرأ البقرة في ركعتي صلاة الصبح، فقيل له: كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. رواه ابن عيينة وغيره عن ابن شهاب عن أنس: أنه صلى خلف أبي بكر ... فذكره. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج؛ قال: قلت لعطاء: أيّ حين أحب إليك أن أصلى الصبح إمامًا وخلوًا؟ قال: حين ينفجر الفجر الآخر، ثم تطول في القراءة والركوع والسجود حتى ينصرف منها وقد ينبلج النهار وتتام الناس. قال: ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان يصليها حين ينفجر الفجر الآخر وكان يقرأ في إحدى الركعتين سورة يوسف. وروى الطحاوي من حديث وهب بن جرير عن شعبة، عن عبد الله بن ميسرة، عن زيد بن وهب؛ قال: صلى بنا عمر صلاة الصبح فقرأ ببني إسرائيل والكهف حتى جعلت أنظر إلى جدار المسجد هل طلعت الشمس.

4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر

4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر ثنا الحسن بن علي الحلواني، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري؛ قال: أخبرني أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر حين زالت الشمس. قال: وهذا حديث صحيح. حدثنا هناد بن السري، نا وكيع، عن سفيان، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما رأيت أحدًا كان أشد تعجيلًا للظهر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من أبي بكر ولا من عمر. قال: وفي الباب عن جابر وخباب وأبي برزة وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجابر بن سمرة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن، وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم. قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روي عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الناس وله ما يغنيه". قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة، ولم ير يحيى بحديثه بأسًا. قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل الظهر. * الكلام عليه: حديث أنس رواه البخاري ومسلم والنسائي، وفي لفظ لمسلم: "كنا نصلي

الظهر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن تمس جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه". وأما حديث عائشة فانفرد به الترمذي من بين أصحاب الكتب الستة، ورأيته في مسند بقي بن مخلد: نا الحماني، ثنا وكيع فذكره. حكيم بن جبير ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما. وأما حديث جابر بن عبد الله؛ قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة ... الحديث مخرج في الصحيحين. وحديثه أيضًا قال: كنت أصلي الظهر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآخذ قبضة من الحصا لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وأبو العباس السراج في مسنده والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وحديث خباب: روى أبو الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب؛ قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا. لفظ مسلم وهو متفق عليه. وفي رواية محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرمضاء في صلاة الهجير فما أشكانا. ورواية زهير عن أبي إسحاق قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه حر الرمضاء. قال زهير: قلت: لأبي إسحاق: في الظهر؟ قال: نعم. قلت: أفي تعجيلها؟ قال: نعم. لفظ رواية مسلم، وأخرجه النسائي من حديث زهير أيضًا. قال ابن القطان: وذكر -يعني عبد الحق- من طريق مسلم حديث خباب:

"شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء فلم يشكنا". قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أفي الظهر؟ قال: نعم. قلت أفي تعجيلها؟ قال: نعم. قال ابن القطان: كذا أورده. وقد اختلف في معناه، فقيل لم يعذرنا، وقيل لم يحوجنا إلى الشكوى في المستقبل، فرويت فيه زيادة مبينة للأول: قال أبو بكر بن المنذر: ثنا عبد الله بن أحمد، نا خلاد بن يحيى، نا يونس بن أبي إسحاق، نا سعيد بن وهب؛ قال: أخبرني خباب بن الأرت؛ قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرمضاء فما أشكانا، وقال: "إذا زالت الشمس فصلوا". قال ابن القطان: ويونس بن أبي إسحاق شارك أباه في أشياخه منهم: العيزار بن حريث وناجية بن كعب وغيرهما فلا بعد في قوله: نا سعيد بن وهب، ثم قال بعد كلام: فلعل يونس حفظ عن سعيد بن وهب من الزيادة المذكورة ما لم يحفظ أبوه أبو إسحاق، ويونس ثقة حافظ وخلاد بن يحيى: ثقة، أحد أشياخ البخاري. وأما حديث أبي برزة: وكان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس. فقد تقدم في الباب قبل هذا مخرجًا من الصحيحين. وأما حديث ابن مسعود فعند ابن ماجه من حديث معاوية بن هشام، عن سفيان، عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: "شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء فلم يشكنا". زيد بن جبير؛ قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وأما حديث زيد بن ثابت: فرواه شعبة عن عمرو بن حكيم عن الزبرقان، عن

عروة، عن زيد بن ثابت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الظهر بالهاجرة. وأما حديث جابر بن سمرة فرواه مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر إذا دحضت الشمس. وفي الباب مما لم يذكره هنا حديث أم سلمة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تعجيلًا للظهر، وقد ذكره في باب ما جاء في تأخير العصر. وفيه عن ابن أبي أوفى قال: سافرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة سفرة فكان يصلي الظهر ولو وضعت جبنًا في الرمضاء لأنضجه ... الحديث. قال ابن أبي حاتم في "العلل" (¬1): سألت أبي عن حديث حدثنا به عبد الرزاق بن عمر الدمشقي، عن محمد بن عيسى بن سميع، عن معاوية بن سلمة البصري الكوفي، عن طرفة عن عبد الله بن أبي أوفى، فقال أبي: أحسب أن هذا الحديث من حديث ابن جحادة ومعاوية بن سلمة لم يدرك طرفة، فأرى: أن معاوية روى عن محمد بن جحادة [وقد ترك من الإسناد محمد بن جحادة]، قلت: ما حال معاوية بن سلمة؟ قال: أرى حديثه مستقيمًا. قوله في هذه الأحاديث: دحضت الشمس: أي زالت وزلقت، والدحض الزلق، ودحضت -بفتح الدال والحاء المهملتين، وبعدها ضاد معجمة-، وكذلك قوله في بعضها: زاغت الشمس: أي مالت عن وسط السماء، وكل شيء مال وانحرف عن الاعتدال فقد زاغ؛ قال الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}. وأجمع علماء المسلمين أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ¬

_ (¬1) "العلل" (448)، والزيادة منه.

ووسط الفلك إذا استوقن ذلك في الأرض بالتفقد والتأمل، وذلك ابتداء زيادة الظل بعد تناهي نقصانه في الشتاء والصيف، وإن كان الظل مخالفًا في الصيف له في الشتاء، فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره، فقد دخل وقت الظهر، هذا ما لم يختلف فيه، وهو تفسير قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}؛ ودلوكها ميلها عند أكثر أهل العلم، ومنهم من قال: دلوكها غروبها، واللغة محتملة للقولين، والأول أكثر، ويذكر عن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي برزة وعائشة والحسن البصري، وكذا نقل أبو بكر محمد بن حسن الزبيدي وأبو الحسين بن فارس أنه الزوال. وممن ذهب إلى أنه الغروب أبو حنيفة، وهو قول مروي عن علي وابن مسعود وغيرهما، وهو اختيار ابن قتيبة في تفسير الدلوك، وقد نقل الأزهري والجوهري وغيرهما القولين، وقال بعض أهل العلم: دلوكها من زوالها إلى غروبها. والمراد بالزوال ما يظهر لنا لا الزوال في نفس الأمر، فإن ذلك متقدم على ما يظهر، وما قبل الظهور معدود من وقت الاستواء، فلو شرع في تكبيرة الإحرام بالظهر قبل ظهور الزوال ثم ظهر عقيبها أو في أثنائها لم تصح الظهر، وكذا الصبح إذا علم وقوع التكبيرة بعد الطلوع في نفس الأمر، لكن في وقت لا يتصور أن يتبين الفجر فيه للناظر لم يصح الصبح، ذكر معناه إمام الحرمين. وأما آخر وقت الظهر فمختلف فيه على ما سنذكره في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. وللظهر ثلاثة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت عذر، فوقت الفضيلة أوله، ووقت الاختيار ما بعد وقت الفضيلة إلى آخر الوقت على ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا، ووقت العذر وقت القصر في حق من يجمع بسفر أو مطر.

وقال القاضي حسين: لها أربعة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت جواز، ووقت عذر، فوقت الفضيلة إذا صار ظل الشيء مثل ربعه، والاختيار إذا صار مثل نصفه، والجواز إذا صار ظله مثله وهو آخر الوقت، والعذر وقت القصر لمن جمع بسفر أو مطر. انتهى. وقوله: "إذا صار": هي في المواضع الثلاثة غايات، يريد أن وقت الفضيلة يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثل ربعه، وكذلك ما بعده. وقول أنس رضي الله عنه: فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، فيه دليل لمن أجاز السجود على طرف ثوبه المتصل به، وبه قال أبو حنيفة والجمهور ولم يجوزه الشافعي، وتأول هذا الحديث وما أشبهه على ثوب منفصل عنه. والرمضاء: شدة الحر، والرمضاء: الرمل الحار. وقوله: "شكونا إليه الرمضاء فلم يشكنا"، يريد أنهم شكوا إليه حر الشمس وما يصيب أقدامهم منه في صلاة الظهر. ومعنى "لم يشكنا": لم يجبهم إلى ذلك، يقال: اشتكيت فلانًا إذا ألجأته إلى الشكوى، وأشكيته إذا نزعت عنه الشكوى. قال: تشكي المحب وتشكو وهي ظالمة ... كالقوس تصمى الرمايا وهي مرنان قال القاضي: في هذه الأحاديث مع ما ذكره مسلم بعدها من قوله: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته في الأرض بسط ثوبه دليل على صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أول وقتها. فإما أن يكون حديث الإبراد نسخه أو يكون على الرخصة، وقد قال ثعلب في

تأويل قوله: "فلم يشكنا"؛ أي: لم يحوجنا إلى الشكوى ورخص لنا في الإبراد. انتهى. فعلى هذا تكون الأحاديث كلها متواردة على معنى واحد، وقد قيل في صلاته - عليه السلام - الظهر إذا دحضت الشمس أن ذلك كان منه - صلى الله عليه وسلم - في زمن البرد كما رواه أنس أنه إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عجّل. قال القرطبي: وقول أنس: "كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر" ليس فيه دليل على أنه - عليه السلام - كان لا يبرد، بل قد توجد سورة الحر وشدته بعد الإبراد، إلا أنه أخف مما قبله. وفي قوله: "صلى الظهر حين زالت الشمس"؛ دليل على أنه من حينئذٍ يجب الظهر ويستحب فعلها. قال صاحب البيان: إذا زالت الشمس وجبت الظهر، ويستحب فعلها حينئذٍ ولا ينتظر بها مصير الفيء مثل الشراك. وحكى الساجي عن الشافعي: أنه يستحب ذلك ولا يجب وليس بشيء، ومن الناس من قال: لا يجوز أن يصلي حتى يصير الفيء مثل الشراك لحديث جبريل - عليه السلام -. وحكى القاضي أبو الطيب هذا في تعليقه عن بعض الناس؛ قال: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء، وخلاف ما اتفق عليه الفقهاء، وخلاف الأحاديث. انتهى. وهذا الاختلاف في التقييد بالشراك أو بالزوال تابع لاختلاف ألفاظ الأحاديث في ذلك فوقع التقييد بالزوال أو ما في معناه في حديث أبي موسى وابن العاص وأبي هريرة وأبي برزة وأنس وأبي مسعود عند البخاري وأبي سعيد الخدري وغيرهم.

ووقع التقييد بالشراك في حديث جابر وابن عباس إلا أن في بعض ألفاظ حديث ابن عباس: "حين زالت الشمس فكان الفيء بقدر الشراك"، فمن حمل التقدير بالشراك. على التحديد قال به وحمله على أنه مفسر لما يظهر من مقدار الزوال، ومن حمله على التقريب استغنى عن ذلك كما ذهب إليه الجمهور. * * *

5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر ثنا قتيبة، نا الليث عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". قال: وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمر والمغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه، وأبي موسى وابن عباس وأنس، وروي عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا ولا يصح. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. قال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجدًا ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر. قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع. وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي. قال أبو ذر: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأذن بلال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال أبرد ثم أبرد"، فإن كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك وقت معنى لاجتماعهم في السفر، فكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد. حدثنا محمود بن غيلان، نا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، عن مهاجر أبي الحسن، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر ومعه بلال

فأراد أن يقيم فقال: "أبرد"، ثم أراد أن يقيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبرد في الظهر". قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شدة الحر من فيح جهنم، فأبردوا عن الصلاة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث أبي ذر أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. وحديث أبي هريرة، أخرجوه أجمعون. وأما حديث أبي سعيد فعند البخاري من حديث حفص، وعند ابن ماجه من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة (¬1)؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم". وأما حديث ابن عمر فرواه البخاري من حديث سليمان بن بلال قال صالح بن كيسان: ثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره، عن أبي هريرة، ونافع مولى عبد الله عن ابن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". وقد أفرد بن ماجه حديث ابن عمر فرواه عن عبد الرحمن بن عمر، عن عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبردوا بالظهر". وأما حديث المغيرة بن شعبة: فروى شريك عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة؛ قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا: "أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". ¬

_ (¬1) كذا وصوابه: أبي سعيد. انظر البخاري (538) وابن ماجه (679)!!

أخرجه ابن ماجه في سننه (¬1) عن تميم بن المنتصر الواسطي عن إسحاق بن يوسف عن شريك. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه إسحاق الأزرق، عن شريك فذكره، فقال: رواه أبو عوانة عن طارق، عن قيس؛ قال: سمعت عمر بن الخطاب قوله: أبردوا بالصلاة. قال أبي: أخاف أن يكون هذا الحديث يدفع ذاك الحديث، قلت: فأيهما أثبت؟ قال: كأنه هذا، يعني حديث عمر. قال في موضع آخر: لو كان عند قيس، عن المغيرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج أو [لم] (¬2) يفتقر إلى أن يحدث عن عمر الموقوف. انتهى. قلت: هذه قرينة ضعيفة في الرد إذ من الجائز أن يكون عند قيس في ذلك المرفوع والموقوف معًا، أو تذكر المرفوع بعد رواية الموقوف فحدث به كما كان حدث بالموقوف من قبل. وقد ذكر الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل حديث المغيرة بن شعبة فقال: أسانيد جياد، ثم قال: خباب يقول: شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يشكنا، والمغيرة كما ترى روى القضيتين جميعًا. قال: وفي غير رواية الميموني: "وكان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإبراد". ¬

_ (¬1) رقم (680)، كتاب الصلاة، باب (4) الإبراد بالظهر في شدة الحر. وصححه الألباني هناك، وأحال على "الروض" (1049). لكنه في "الضعيفة" (949) رجح أنه بهذا السياق ضعيف، ولعل صوابه أن الفعلي حديث، والقولي حديث آخر غير مترابطتين. (¬2) كذا في نسخة السندي، وهي غير واضحة، أو ضرب عليها. وفي "العلل" (376): يحتج أن يفتقر. وانظر "العلل" (378).

وأما حديث القاسم بن صفوان عن أبيه، فروى مروان بن معاوية عن بشير بن سلمان، عن القاسم بن صفوان الزهري عن أبيه؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة -يعني صلاة الظهر- فإن الحر من فيح جهنم"، أخرجه البغوي في معجمه، وقال: صفوان بن مخرمة أخو المسور بن مخرمة الزهري، روى عن أبيه، ولأبيه صحبة، روى عنه الشعبي. وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: لا يعرف القاسم بن صفوان إلا من حديث رواه بشير بن سلمان عنه، فهذا يقتضي تفرد بشير بالرواية عنه، وما قاله البغوي يقتضي أن الشعبي أيضًا روى عنه. وقال العجلي: بشير بن إسماعيل هو والد الحكم، روى عن جماعة، روى عنه جماعة. قال عبد الغني: كذا قال ابن إسماعيل والمعروف ابن سلمان، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقد روى ابن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده عن محمد بن عبد الله الأسدي عن بشير غير منسوب. وأما حديث أبي موسى: فروى حفص بن غياث، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى يرفعه؛ قال: "أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من فيح جهنم". وأخرجه السراج في مسنده من جهة حفص، وقال: وعن أبي زرعة عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمتن سواء. وأما حديث ابن عباس ........... (¬1). وأما حديث أنس: فروى البخاري من حديث أبي خالد، وهو خالد بن دينار؛ قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد ¬

_ (¬1) ترك له المصنف بياضًا حوالي ثلاثة أسطر.

الحر أبرد بالصلاة، وإذا اشتد البرد بكّر بالصلاة -يعني الجمعة-. رواه من حديث حرمي بن عمارة، عن أبي خلدة، وقال: قال أبي بكر: أنا أبو خلدة، وقال بالصلاة، ولم يذكر الجمعة. وقال بشير بن ثابت، ثنا أبو خلدة، قال: صلى بنا أمير الجمعة ثم قال لأنس: كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر؟ وأما الرواية عن عمر قوله فجاءت من طريق يحيى القطان عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن صلِّ الظهر إذا زالت الشمس وأبرد. وأما رواية عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة وابن مسعود وعمرو بن عبسة رضي الله عنهم. أما حديث عائشة: فروى ابن خزيمة في صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبردوا بالظهر في الحر". رواه عن القاسم بن محمد، عن عباد بن عباد المهلبي، عن عبد الله يعني ابن داود عنه. وأما حديث ابن مسعود: فروى عبيدة بن حميد، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن كثير بن مدرك، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: كانت قدر صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام. رواه أبو داود والنسائي، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأما حديث عمرو بن عبسة فعند الطبراني من حديث محمد بن شعيب بن

شابور، نا يزيد بن أبي مريم، عن الوليد بن هشام المعيطي، عن عبادة بن أبي أوفى النميري، عن عمرو بن عبسة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". رواه من حديث سليمان بن سلمة الخبايري عنه. قوله: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة"؛ أبردوا: أي أخروها عن ذلك الوقت وادخلوا بها في وقت البرد، وهو الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر، وتوجد فيه برودة ما. يقال: أبرد الرجل: أي صار في برد النهار. و"عن" في قوله: "عن الصلاة"؛ بمعنى الباء، كما قد روي في بعض طرقه: أبردوا بالصلاة، و"عن" تأتي بمعنى الباء، كما يقال: رميت عن القوس؛ أي: به، وكذلك تأتي الباء بمعنى (عن) كما قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له من ودّهنّ نصيب أي: عن النساء، وكما قيل في قوله تعالى: {فاسأل به خبيرًا} أي: عنه وقيل: بأن (عن) هنا زائدة؛ أي: أبردوا بالصلاة، يقال: أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار. و"فيح جهنم": شدة حرها وشدة غليانها، يقال: فاحت القدر تفيح؛ أي: هاجت وغلت. وفي حديث أبي سعيد من طريق الأعمش: "من فوح جهنم" بالواو. قال أحمد: لا أعلم أحدًا رواه بالواو إلا الأعمش. والنفس: التنفيس، قإذا تنفست في الصيف قوي لهبها حر الشمس فزادها وتضاعف، وإذا تنفست في البرد دفع حرها شدة البرد إلى الأرض وهو الزمهرير الذي ذكر.

واختلف في معنى هذا الحديث؛ فمن العلماء من حمله على ظاهره، وقال هو لسان مقال محقق، وشكوى محققة، وتنفس محقق، إذ هو إخبار من الصادق بأمر جائز فلا يحتاج إلى تأويله، ومنهم من قال: بل خرج هذا مخرج التشبيه والتقريب، أي كأنه نار جهنم في الحر وتكون هذه الشكوى وهذه المقالة لسان حال كما قال: شكا إلي جملي طول السرى ... صبرًا جميل فكلانا مبتلى والأول أولى لأنه حمل اللفظ على حقيقته ولا إحالة في شيء في ذلك. وقوله: "حتى رأينا فيء التلول"، قد تقدم تفسير الفيء، والتلول: جمع تل، وهي الروابي في ظلها لا يظهر إلا بعد تمكن الفيء واستطالته جدًّا يملآن الأشياء التي يظهر ظلها سريعًا في أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها. وفي الحديث دليل على أن النار قد خلقت وأنها موجودة لما قالته المعتزلة وبعض أهل البدع أنها تخلق في القيامة. وقد تقدم في الباب قبل هذا أول وقت الظهر، والكلام على آخر وقت الظهر سيأتي في هذا الباب الذي نحن فيه. وأما آخر وقت الظهر فهو إذا صار ظل الشيء مثله غير الظل الذي يكون له عند الزوال. وإذا خرج هذا دخل وقت العصر متصلًا به، ولا اشتراك بينهما، هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد وأحمد. وقال عطاء وطاوس: إذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر وما بعده وقت للظهر والعصر على الاشتراك حتى تغرب الشمس. وقال إسحاق بن راهويه وأبو ثور والمزني وابن جرير: إذا صار ظله مثله فقدر أربع ركعات بعده وقت للظهر والعصر، ثم يتمحص الوقت للعصر.

وقال مالك: إذا صار ظله مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر بالاشتراك، وبه قال ابن المبارك، ويستحب مالك لمساجد الجماعات أن يؤخروا العصر بعد هذا قليلًا، فإذا زاد على الليل زيادة بينة خرج وقت الظهر، وعن مالك رواية أن وقت الظهر يمتد إلى غروب الشمس. وقال أشهب: بل الاشتراك في القامة الأولى فيكون ما قبلها بقدر ما يوقع فيه أحد الصلاتين مشتركًا بينهما، واختار هذا القول أبو إسحاق التونسي وحكاه القاضي أبو بكر رواية عن مالك. وقال ابن حبيب بالتعاقب ونفى الاشتراك، ورأى أن آخر وقت الظهر إذا كان الظل بعد الفراغ منها تمام القامة؛ يعني: المثل، وأول وقت العصر تمام القامة. قال الشيخ أبو محمد: هذا خلاف قول مالك رحمه الله. وقال أبو حنيفة: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه. قال أبو عمر: فخالف الآثار والناس بقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر، وخالفه أصحابه في ذلك. قال: وذكر الطحاوي رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه قال: آخر وقت الظهر حين يصير ظل كل شيء مثله، وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، فترك بين الظهر والعصر وقتًا منفردًا لا يصلح لأحدهما، وهذا لم يتابع عليه أيضًا. واحتج لمن قال بالاشتراك بحديث ابن عباس المذكور قالوا: فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في الأول. وبحديث ابن عباس: "جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة من غير خوف ولا سفر". رواه البخاري ومسلم: "من غير خوف ولا مطر"، فدل على اشتراكهما.

واحتج من لم ير الاشتراك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي تقدم، وفيه: "ثم صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر"، رواه مسلم من طرق، وفي بعضها: "ووقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر". وبحديث أبي موسى الذي تقدم ذكره من طريق مسلم أيضًا وفيه في صلاة الظهر في اليوم الثاني ثم أخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس وفي آخره: "الوقت ما بين هذين"، وهذا نص في أن آخر وقت الظهر لا يزيد على ذلك فاقتضى نفي الاشتراك. وبحديث أبي قتادة أنه - عليه السلام - قال: "ألا أنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى". وأجابوا عن احتجاج القائلين بالاشتراك بقوله: "فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في الأول بأن المراد بدأ بالعصر في اليوم الأول حين صار الظل مثله، وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار الظل مثله فلم يحصل اشتراك، ولو حمل على الاشتراك لم يحصل تحديد آخر وقت الظهر ولفات بيانه وقد قال في آخر الحديث: الوقت بين هذين. قال الشيخ أبو حامد: ولأن حقيقة الكلام أن يكون فرغ من الصلاتين حين صار ظل الشيء مثله، فمنعنا الإجماع من إرادة ذلك في العصر فتأولناه على أنه ابتدأ حين العصر وبقي وقت الظهر على حقيقته، ونظير هذا التأويل قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن}، وقال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن}، المراد بالبلوغ الأول مقاربته وبالتالي حقيقة انقضاء الأجل، ويقال: بلغ المسافر البلد إذا انتهى إليه وإن لم يدخله، وبلغه إذا دخله. وأجابوا عن الجمع بالمدينة بأنه محمول على أنه صلى الظهر في آخر وقتها،

والعصر في أول وقتها، فصار صورته صورة جمع وليست بجمع. وأما من قال: لعله جمع لعذر إما مطر أو مرض فضعيف؛ لأن السفر ممتنع، إذ الجمع بالمدينة والمطر والخوف كذلك منصوص على بقية الحديث، وأما المرض فقوة الكلام تنفيه لما يفهم من نفي المطر والخوف والسفر أن ما هو في معناها من المرض عند من يقول به منتفٍ أيضًا لأن مراد الراوي أن الجمع كان لغير عذر، وما ذكره من الأعذار فعلى سبيل المثال نفيه يدل على نفيها، وكما تأولناه من تأخير الظهر وتقديم العصر تأوله أبو الشعثاء وعمرو بن دينار صاحبا ابن عباس راويه، وهما أسعد بفهمه عن ابن عباس ممن بعدهم. وأما الإبراد بالصلاة ففيه مسائل. الأولى: قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب قوم من أهل العلم إلى أن حديث الإبراد ناسخ لما جاء بخلافه من صلاة الظهر بالهاجرة وما في معناه، وقال بعضهم: ليس بناسخ وإنما هو رخصة لمن لم يرد الأخذ بالأفضل. الثانية: شروطه: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهي ثلاثة: الأول: أن يصلي في مسجد جماعة، الثاني: أن يكون في شدة الحر، الثالث: أن يكون المسجد منتابًا من موضع بعيد. وطردوه في جماعة هم في موضع لا يأتيهم إليه أحد، وفيمن يمكنه المشي إلى المسجد في ظل، وفيمن صلى في بيته منفردًا. والأصح المنصوص أنهم كلهم لا يبردون بل يشترط الشروط الأربعة. وقال الأثرم: قلت لأحمد: أي الأوقات أحب إليك في الصلوات كلها؟ قال: أولها، إلا في صلاتين، في العشاء الآخرة، والظهر في شدة الحر.

قال: وأما في الشتاء فيعجل بها. فهذا (¬1) لم يشترط إلا شدة الحر كما حكاه الترمذي. وعن ابن المبارك وإسحاق (وذكره)، واستدل عليه بحديث أبي ذر، وإذا لم يثبت نص بهذه الشروط فأكثر ما فيها أنها تخصيص للنص بالمعنى. وقد ذكر أبو عمر عن الشافعي أنه روى عنه: أن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإبراد كان بالمدينة لشدة حر الحجاز، ولأنهم لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده يومئذ، وكان ينتاب من بعد فيتأذون لشدة الحر؛ فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة، فهذا نظر إلى المعنى الذي نبه عليه في الشروط التي اشترطها، ولم يقف عند عموم قوله - عليه السلام -: "إذا اشتد الحر فأبردوا"، ولو سلم له هذا المعنى لكان حسنًا، لكن لقائل أن يقول: لعل المعنى المقتضي للإبراد هو ما يجدونه من حر الرمضاء في جباههم حين السجود، فكان مقتضى الإبراد ذلك، أو يكون كل منهما جزء علة، فلا يستقل الأول بالتعليل، لا سيما وقد وجدنا في الحديث الذي اتفقا على إخراجه (¬2) من حديث بكر المزني عن أنس قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر. ورواه أبو عوانة، فقال: فسجدنا، بدل: فجلسنا. وفي حديث جابر: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الأخرى، فإذا سجدت وضعته لجبهتي. أخرجه أبو العباس السراج في "مسنده". وكذلك قول أنس في الحديث الصحيح عنه أيضًا: فإذا لم يستطع أحدنا أن ¬

_ (¬1) كذا، ولعلها: فهنا. (¬2) البخاري (542) ومسلم (620) وعندهما: ذكر السجود.

يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. فهذا وما أشبهه هو المنقول عنهم، فناسب أن يكون هو العلة، ولم نجد عنهم أنهم شكوا مشقة المسافة، ولا بعد الطريق فيقال به. وإذا لم يصلح ذلك للتعليل كان ما رواه البويطي أولى. ولو علل بفتح جهنم في ذلك الوقت كما جاء منصوصًا عليه في الخبر، منسوقًا بفاء التعليل: "فأبردوا؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم"، ومثله حديث عمرو بن عبسة في الساعات المنهي عن الصلاة فيها، وفيه: "فإذا اعتدل النهار قصر ... (¬1) عن الصلاة فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" لكان أولى من كل ما سبق إذ هي العلة المنصوص عليها من صاحب الشرع. فإن قيل: كان يلزم التأخير في شدة البرد أيضًا، إذ هو من تنفس جهنم؟ فالجواب: إن شدة البرد في زمن الشتاء ليست وقت الظهر بل وقتها أقل الأوقات بردًا، وإنما مظنة البرد السحر، ثم هو يقوى مع الإسفار حتى ترتفع الشمس، ويخرج الوقت ولا ينتهي الأمر بالإبراد إلى هذا الحد. وأما أصحاب مالك فاشترطوا الجماعة، واختلفوا في المنفرد؛ هل يبرد أو لا؟ وهذا أيضًا تخصيص بالمعنى، عند من لا يرى للمنفرد أن يبرد، إذ من المعلوم أن العادة حينئذ عندهم ... صلاتهم ... إقامتها في الجماعة، إلا لضرورة ... ، والائتمام بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لمن تعذر عليه ذلك. الثالثة: هل يختص الإبراد بالظهر أو لا؟ قال القاضي عياض: ولم يقل أحد بالإبراد في غير صلاة الظهر إلا أشهب، ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة.

فقال به في العصر، وقال: تؤخر ربع القامة، وأحمد بن حنبل رأى تأخير العشاء الآخرة في الصيف بالليل كما تؤخر الظهر، وعكس ابن حبيب رأى تأخيرها في الشتاء لطول الليل وتعجيلها في الصيف لقصره. الرابعة: صلاة الجمعة هل لها مدخل في الإبراد أم لا؟ وفيها وجهان للشافعية؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في "المهذب": أحدهما: أنها كالظهر لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتد البرد بكر بها، وإذا اشتد الحر أبرد بها. والثاني: تقديمها أفضل بكل حال، لأن الناس لا يتأخرون عنها لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلم يكن للتأخير وجه. انتهى. والقول بالإبراد في الجمعة يقبل التعليل بالنص والمعنى بخلاف العصر، أما النص فحديث أنس المذكور وهو عند البخاري ولم يأت نص في الإبراد بالعصر. وأما المعنى فلوجهين: الأول: أن الجمعة نابت عن الظهر وقامت مقامها فناسب أن تعطى حكمها. الثاني: أن العلة الموجبة للإبراد في الظهر وهي شدة الحر موجودة في وقتها لا في وقت العصر لا سيما عند من لا يرى التبكير إلى الجمعة من المندوب إليه. الخامسة: في الوقت الذي ينتهي إليه الإبراد وحقيقته عندهم أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة بحيث لا يؤخر عن النصف الأول من الوقت، هكذا قال بعض أصحابنا.

وقال القاضي عياض: وقد تقدم قول جمهور العلماء بالإبراد في الظهر وهو زائد على ربع القامة إلى وسط الوقت، وهذا نحو من الأول. وقال أشهب: لا ينتهي بالإبراد إلى آخر الوقت. وقال ابن عبد الحكم: ينتهي بالإبراد إليه، والأول أولى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخره إلى أن كان للتلول والجدران فيء يستظل به وذلك في وسط الوقت. * * *

6 - باب ما جاء في تعجيل العصر

6 - باب ما جاء في تعجيل العصر ثنا قتيبة، ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر والشمس في حجرتها، لم يظهر الفيء من حجرتها. قال: وفي الباب عن أنس وأبي أروى وجابر ورافع بن خديج. قال: ويروى عن رافع أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأخير العصر ولا يصح. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس وغير واحد من التابعين التعجيل بصلاة العصر، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. حدثنا علي بن حجر، نا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فقال: قوموا فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث عائشة أخرجوه جميعًا. وحديث أنس بن مالك أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وأخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قال:

كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة. وروى عبد الله بن المبارك، عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف؛ قال: سمعت أبا أمامة بن سهل يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت: يا عم! ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كنا نصلي معه. أخرجه مسلم من هذا الوجه، وأخرجه النسائي، وعند مسلم أيضًا من طريق عمرو بن الحارث إلى أنس بن مالك قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! إنا نريد أن ننحر جزورًا لنا ونحب أن تحضرها، قال: "نعم"، فانطلق وانطلقنا فوجدنا الجزور لم ينحر، فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل مغيب الشمس. وروى محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: سمعته يقول: ما كان أحدًا أشد تعجيلًا لصلاة العصر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارًا من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبو لبابة بن عبد المنذر، أخو بني عمرو بن عوف وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة دار أبي لبابة بقباء ودار أبي عبس في بني حارثة ثم إن كانا ليصليان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتيان قومهما وما صلوهما لتبكير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها. وعند النسائي من حديث منصور عن ربعي بن حراش، عن أبي الأبيض، عن أنس بن مالك؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة. ومحلقة: بالحاء المهملة والقاف؛ مرتفعة. وأما حديث أبي أروى فروى البغوي في معجمه: نا أبو خيثمة، ثنا أحمد بن

إسحاق، نا وهيب، ثنا أبو واقد، ثنا أبو أروى؛ قال: كنت أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر بالمدينة ثم آتي الشجر -يعني ذا الحليفة- قبل أن تغيب الشمس. قال البغوي: حدثني أحمد بن زهير؛ قال: سئل يحيى بن معين عن حديث أبي أروى فكتب فوق أبي واقد ضعيف. وقال يحيى: واسم أبي واقد: صالح بن محمد بن زائدة. وأما حديث جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا -أو قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس. فعند البخاري ومسلم. وأما حديث رافع بن خديج فعندهما أيضًا قال: كنا نصلي العصر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ننحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم تطبخ فنأكل لحمًا نضيجًا قبل مغيب الشمس. وروى مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري أن صل العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِّ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين. قوله: صلى العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها. قوله: لم يظهر الفيء أي لم يعلو السطح، وقيل: معنى يظهر يزول عنها فمن الظهور يستعمل فيهما: فمن الأول قوله تعالى: {ومعارج عليها يظهرون}، ومن الحديث: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"؛ أي: عالين عليه، ومنه قوله النابغة:

بلغنا السماء مجدنا وحدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا أي: علوًا، ومن الزوال قول الشاعر: وعيّرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وكله راجع إلى معنى واحد، والحجرة: الدار وكل ما حجر وأحيط به بالبناء فهو حجرة. ومعناه التبكير بالعصر في أول وقتها، وهو حين يصير ظل كل شيء مثله، وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مسافة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون العصر بعد في أواخر العرصة لم يرتفع الفيء في الجدار الشرقي. وقد روي الحديث بألفاظ كثيرة يرجع كلها إلى هذا المعنى. وحديث العلاء بن عبد الرحمن قد وقع في صحيح مسلم ولفظه: أنه دخل على أنس بن مالك في داره حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد، فما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: فصلوا العصر. فقمنا فصلينا، وذكر نحو ما تقدم. وهذا أيضًا صريح في فضل التبكير بصلاة العصر في أول وقتها كما ذكرناه، وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله، قبل أن تبلغه السنة في تقديمها، فلما بلغته صار إلى التقديم، ويحتمل أنه أخرها لعذر عرض له، والظاهر الأول، وهذا في زمن نيابته لا في خلافته، لأن أنسًا توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بسنتين. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: تلك صلاة المنافق، صريح في ذم تأخير صلاة العصر لغير عذر،

لقوله: يجلس يرقب الشمس. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بين قرني شيطان"؛ اختلف فيه: هل هو على حقيقته وظاهره، والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون لها حينئذٍ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنه وقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه، وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس. وقال الخطابي: هو تمثيل، ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا"؛ تصريح بذم من صلى مسرعًا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار، والمراد بالنقر: سرعة الحركات كنقر الطائر. قال الشاعر: لا أذوق النوم إلا غرارًا ... مثل حسو الطير ماء الثماد وفي حديث مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة، لم يختلف الرواة عن مالك أنه قال فيه: إلى قباء، ولم يتابعه على ذلك أحد من أصحاب ابن شهاب، وسائر أصحاب ابن شهاب يقولون فيه: ثم يذهب الذاهب إلى العوالي، وهو الصواب عند أهل الحديث، والمعنى في ذلك متقارب، والعوالي مختلفة المسافة فأقربها إلى المدينة ميلان وثلاثة، وأبعدها ثمانية، وأما قبا فيمد ويقصر، ويصرف ولا يصرف، ويذكر ويؤنث، والأفصح فيه الصرف والتذكير والمد، وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة.

قوله: "والشمس مرتفعة حية". قال الخطابي: حياتها صفاء لونها قبل أن تصفر أو تتغير، وهو مثل قوله: بيضاء نقية. وقال هو أيضًا وغيره: حياتها وجود حرّها، وكذلك قوله: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر"، منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة، وكانت صلاة بني عمرو بن عوف في وسط الوقت، ولولا هذا لم يكن فيه حجة، ولعل تأخير بني عمرو بن عوف لكونهم كانوا أهل أعمال في حرثهم وزرعهم، فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها، ثم اجتمعوا لها فتباح صلاتهم بسبب ذلك الوقت. وقول أنس: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! إنا نريد أن ننحر جزورًا. بنو سلمة بكسر اللام. فيه إجابة الدعوة، وأن الدعوة إلى الطعام مستحبة في كل وقت سواء أول النهار وآخره. وفي هذه الأحاديث كلها دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أو وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد أدنى زيادة، والمراد بتلك الزيادة هو ما كان عليه بعد الزوال مما أظهره لأعين الناس خلافًا لأبي حنيفة. وهذه الأحاديث حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس في بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك. وفيها استحباب تعجيل الصلاة في أول وقتها وفيها سعة الوقت، فإن الذاهب من المدينة إلى قباء يجدهم يصلون مع بعد المسافة كما ذكرنا، ولا خلاف في أوائل

أوقات الصلوات على ما تقرر عن جماعة المسلمين إلا في أول وقت العصر والعشاء الآخرة، فأبو حنيفة يقول: إن أول وقتها بعد القامتين بعد طرح ظل الزوال، وخالفه الناس وأصحابه. وكذلك خالف في أول وقت العشاء الآخرة مع اتفاقهم أنها بعد مغيب الشفق، لكن اختلفوا في الشفق فجمهورهم على أنه الحمرة، وأبو حنيفة والمزني يقولان: هو البياض. وإنما الاختلاف في آخر الأوقات. وأما قولهم في أول وقت العصر: وزاد أدنى زيادة يعني على المثل، فكذا نص عليه الشافعي في مختصر المزني وكثير من أصحابه بعده. وقال صاحب الذخائر: اختلف أصحابنا في هذه الزيادة على ثلاثة أوجه: أحدها: أنها لبيان انتهاء الظل إلى المثل، وإلا فالوقت قد دخل قبل حصول الزيادة بمجرد حصول الميل، فعلى هذا تكون الزيادة وقت العصر. والثاني: أنها من وقت الظهر، وإنما يدخل العصر عقيبها، قال: وهذا ظاهر كلام الشافعي والعراقيين وعليه كثير من الأصحاب. والثالث: أنها ليست وقت الظهر ولا من وقت العصر؛ بل هي فاصل بين الوقتين. قال النووي: وهذا الثالث ليس بشيء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقت الظهر ما لم يحضر العصر" فدل على أنه لا فاصل بينهما، والأصح أنها من وقت العصر، وبه قطع القاضي حسين وآخرون. ونقل الشافعي الاتفاق عليه. اهـ. * * *

7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر ثنا علي بن حجر، أنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة؛ أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تعجيلًا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه. قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة نحوه. * الكلام عليه: انفرد أبو عيسى بإخراجه، وقد رواه ابن جريج عن ابن أبي مليكة كرواية أيوب، ورجاله رجال الصحيح. ورواه الإمام أحمد في مسنده. ورويناه من طريق الطبراني في المعجم الكبير عن عبيد بن غنام، نا أبو بكر بن أبي شيبة، ح. قال: ونا الحسين بن إسحاق التستري، نا عثمان بن أبي شيبة؛ قالا: نا إسماعيل بن علية، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة فذكره. وقد سكت الترمذي عنه فلم يحكم عليه بتصحيح ولا تحسين، وهو كما ترى رجاله رجال الصحيح، والاختلاف على ابن علية برواية ابن حجر له عنه غير أيوب، ورواية ابني أبي شيبة إياه عن ابن جريج ليس بضار، إذ الكل ثقات، ولا يمتنع أن يكون ابن علية رواه عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا. وفي الباب مما لم يذكره عن رافع بن خديج: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرهم بتأخير العصر. رواه الدارقطني، وقال: لا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة،

والصحيح عن رافع وعن غير واحد من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التعجيل بصلاة العصر. قال الأثرم بعد الإشارة إلى أحاديث التعجيل والتأخير: فهذه الأحاديث إنما وجهها إن كانت محفوظة أن يكون ذلك على غير تعمد، ولكن للعذر والأمر يكون. وأما آخر وقت العصر فهو غروب الشمس، هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور الأصحاب. وقال أبو سعيد الإصطخري: آخره إذا صار ظل الشيء مثليه؛ فإن أخّر عن ذلك أثم، وكانت قضاءً. قال الشيخ أبو حامد: هذا الذي قاله الإصطخري لم يخرجه على قواعد الشافعي لأن الشافعي في القديم والجديد أن وقتها يمتد حتى تغرب الشمس، وإنما هو اختيار لنفسه، وهو خلاف نص الشافعي والأصحاب واستدل بحديث إمامة جبريل. ودليل الجمهور حديث أبي قتادة السابق وحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وحديث أبي موسى: أنه - عليه السلام - أخَر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرّت الشمس. وكلها صحيحة ومتأخرة، فالأخذ بها أولى، وأيضًا فليس حديث إمامة جبريل في الثبوت والصحة كهذه عندهم، وإن شملها اسم الصحيح على رأي، على أنه إن حملنا أحاديث إمامة جبريل في الوقتين على أنه كله وقت للاختيار، وهذه الأحاديث على بيان وقت الجواز لم يقع تعارض. وألزم إمام الحرمين وغيره الإصطخري أن الحائض وغيرها من أهل الأعذار إذا

زال عذرهم قبل غروب الشمس بركعة لزمهم العصر بلا خلاف، فإن كان الوقت قد خرج لم تلزمهم، هذا معنى ما ذكروه. قال إمام الحرمين: وهذا إلزام حسن. وقد ذكر عن الغزالي أنه قال في درسه: إن الإصطخري يحمل حديث من أدرك ركعة من العصر على أصحاب الأعذار. فرع: قال القاضي حسين وغيره: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت جواز بلا كراهة، ووقت جواز مع الكراهة، ووقت عذر. فالفضيلة؛ من أول الوقت إلى مصير ظل الشخص مثله ونصف مثله، ووقت الاختيار إلى أن يصير مثليه، ووقت الجواز بلا كراهة إلى اصفرار الشمس، ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار حتى تغرب، والعذر وقت الظهر لمن جمع بسفر أو مطر. فرع: وقد ذكرنا أن مذهبنا أن وقت الاختيار للعصر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: يمتد إلى اصفرار الشمس، وقال ابن القاسم عن مالك آخر وقت العصر اصفرار الشمس، وقال ابن وهب، عن مالك: الظهر والعصر آخر وقتهما غروب الشمس. وهذا كله لأهل الضرورات كالحائض والمغمى عليه ومن يلزمه في الوقت خاصة كالصبي يحتلم والكافر يسلم، فهؤلاء لا تلزمهم صلاة خرج وقتها، وهذا على مذهبه في القول باشتراك وقت الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وسيأتي الكلام عليه في باب من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك إن شاء الله تعالى. وقال أبو يوسف ومحمد: وقت العصر إذا كان ظل كل شيء قامته فيزيد على القامة إلى أن تتغير الشمس.

وقال أبو ثور: أول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله بعد الزوال، وزاد على الظل زيادة تتبين إلى أن تصفر الشمس، وهو قول أحمد بن حنبل: آخر وقت العصر ما لم تصفر الشمس، وحجة من قال هذا القول حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - عليه السلام - قال: وقت العصر ما لم تصفر الشمس. وقال إسحاق بن راهويه: آخر وقت العصر أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب. وهو قول داود لكل الناس معذور وغير معذور، صاحب ضرورة وصاحب رفاهية، إلا أن الأفضل عنده وعند إسحاق أول الوقت. وقال الأوزاعي: إن ركع ركعةً قبل غروبها وركعة بعده فقد أدرك صلاة العصر في وقتها، وحجته حديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك". * * *

8 - باب ما جاء في وقت المغرب

8 - باب ما جاء في وقت المغرب ثنا قتيبة، نا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب. قال: وفي الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب وحديث العباس قد روي موقوفًا عنه وهو أصح. قال أبو عيسى: حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح، وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها حتى قال بعض أهل العلم: ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد، وذهبوا إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث صلى به جبريل، وهو قول ابن المبارك والشافعي. * الكلام عليه: حديث سلمة رواه البخاري ومسلم وحديث جابر: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم نأتي بني سلمة ونحن نبصر مواقع النبل. رواه الإمام أحمد. وحديث زيد بن خالد أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من حديث صالح مولى التوأمة عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم ننصرف حتى نأتي السوق وإنه ليري مواقع نبله. وعن أحمد بن داود المكي عن علي بن قتيبة ثنا ابن أبي ذئب عنه. وحديث أنس قال: كنا نصلي المغرب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نرمي فيري أحدنا موضع نبله. رواه الإمام أحمد وأبو داود.

وحديث رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله. رواه البخاري ومسلم. وحديث أبي أيوب: روى مرثد بن عبد الله اليزني قال: قدم علينا أبو أيوب غازيًا وعقبة بن عامر يومئذ على مصر فأخّر المغرب، فقام إليه أبو أيوب فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة؟ قال: شُغلنا. قال: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم". رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك. وحديث أم حبيبة .......... وحديث العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم". رواه ابن ماجه من حديث عباد بن العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب وأخرجه الحاكم وابن خزيمة في صحيحه فرواه عن محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن موسى، عن عباد بن العوام، وقال عقيبه: سمعت محمد بن يحيى يقول: اضطرب الناس في هذا الحديث ببغداد، فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عباد بن العوام فأخرج إلينا أصل أبيه فإذا الحديث فيه. وأخرجه أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن موسى، عن عباد بن العوام بسنده قال: ثناه إبراهيم بن عبد الله بن الحسين، ثنا العوام بن عبد الله بن العوام، عن أبيه فذكر نحو ما تقدم، ثم قال: لا نعلمه روي -يعني عن العباس- إلا من هذا الوجه ولا نعلمه رواه إلا عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن، ورواه غير واحد عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن العباس مرسلًا، وإلى هذا أشار الترمذي بقوله: وحديث العباس قد روي عنه موقوفًا وهو أصح، ومراد البزار بالمرسل

هنا الموقوف لأنه متصل الإسناد إلى العباس كما سبق، وإنما هو موقوف عليه، والمتقدمون لا يشاححون في هذه الإطلاقات. وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث: قال أبو عبد الله: هذا حديث منكر، وإبراهيم بن موسى من أهل ..................... وفي الباب مما لم يذكره عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه؛ قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث ثنا به أحمد بن عثمان الأودي، ثنا بكر بن عبد الرحمن، ثنا عيسى بن المختار، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن مسلم يعني الزهري، عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المغرب ثم يرجع الناس إلى أهلهم وهم يبصرون مواقع النبل حيث رمي بها. قال أبي: هذا "خطأ، إنما يروى عن الزهري عن ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل به. وفيه عن رجل من أسلم روى أبو بشر قال: سمعت حسان بن بلال عن رجل من أسلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنهم كانوا يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم يرجعون إلى أهليهم يرمون [و] يبصرون مواقع نبلهم. أخرجه النسائي (¬1) ثم البغوي في معجمه. وفيه عن السائب بن يزيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم". رواه الإمام أحمد. المغرب: مفعل، من غَرَبَ وهو عبارة عن زمن الغروب، وقولهم: صلاة المغرب إضافة إلى الزمان، ثم يحذف فيقال: المغرب. وفي صحيح البخاري: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، إنهما المغرب وهم يسمونها العشاء". ¬

_ (¬1) "السنن" (520)، وقال الألباني: صحيح الإسناد، وهو متفق عليه من حديث رافع بن خديج.

وقوله: توارت حتى استترت: هو تفاعلت من الوراء، وقوله: حتى توارت بالحجاب: ولم يجر للشمس ذكر إحالة على فهم السامع وما تعطيه قوة الكلام كما قال تعالى: {حتى توارت بالحجاب} أيضًا وإن لم يجر للشمس ذكر. وقال تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة}؛ ولم يتقدم للأرض ذكر، وكذلك قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}؛ ولم يتقدم للقرآن ذكر. قال الخطابي: قد قيل: إن الصحابة لما جمعوا القرآن وضعوا سورة القدر عقيب سورة العلق ليدلوا بذلك على أن المراد بالكناية في قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} الإشارة إلى قوله: {اقرأ}. وأما لفظ الترمذي: "إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب" فجملتان إحداهما تفسر الأخرى. وقوله: كنا نصلي المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله: معناه أنه يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرى أحدنا النبل يرميه عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء. وفيه أن المغرب تعجل عقيب غروب الشمس، وهذا مجمع عليه. وأما الأحاديث السابقة في تأخير المغرب إلى سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير، فإنها كانت جواب السائل عن جميع الوقت، وهذه الأحاديث إخبار عن عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر. وقد اختلف السلف فيها بحسب ذلك، هل هي ذات وقت أو وقتين كما نذكره. وأما أول وقتها فبغروب الشمس وبكامل غروبها، وهذا مجمع عليه، والاعتبار بسقوط قرصها بكماله، وهذا ظاهر في الصحراء، قال الشيخ أبو حامد والأصحاب:

ولا يضر بعد تكامل الغروب بقاء شعاعها، بل يدخل وقتها مع بقائه. وأما في العمران وقلل الجبال فالاعتبار بأن لا يرى شيء من شعاعها على الجدران وقلل الجبال، ويقبل الظلام من المشرق. وأما آخر وقت المغرب فقد نص الشافعي في كتبه المشهورة قديمها وجديدها أنه ليس له إلا وقت واحد وهو أول وقت، ونقل أبو ثور عن الشافعي أن لها وقتين، الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق. قال الماوردي: وأنكر هذا القول جمهور الأصحاب لأن الزعفراني وهو أثبت أصحاب القديم حكى عن الشافعي أن للمغرب وقتًا واحدًا، ثم اختلف المصنفون من الأصحاب في المسألة على طريقين: أحدهما هذا، والثاني يمتد إلى مغيب الشفق، وله أن يبدأ بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان. قال الشيخ محيي الدين: وهو الصحيح، لأن أبا ثور ثقة إمام، ونقل الثقة مقبول، فعلى هذا الطريق اختلف في أصح القولين، فصحح جمهور الأصحاب القول الجديد وهو أنه ليس لها إلا وقت واحد، وصحح جماعة القديم أن لها وقتين، ممن صححه ابن خزيمة والخطابي والبيهقي وجماعة، والأحاديث الصحيحة تشهد له، ففي حديث ابن العاص وأبي موسى وابن بريدة: "ووقت المغرب ما لم يغب الشفق" هذا أو معناه، وكلها عند مسلم، ومن تمسك بقول الشافعي رضي الله عنه: إذا صح الحديث فهو مذهبي، صحح هذا القول من مذهبه بالأخذ بهذه الأحاديث أولى من حديث إمامة جبريل لوجوه: الأول: أنها أصح منه. الثاني: أنها متأخرة عنه، وقد تقدم ذلك. الثالث: يمكن أن يقال: الواقع في حديث جبريل وقت الاختيار لا وقت

الجواز، كذا وقع في العصر والعشاء والصبح، فليكن كذلك في المغرب. فقد تحصّل من هذا أن للمغرب وقتين يمتد ثانيهما إلى مغيب الشفق، ويجوز ابتداؤها في كل جزء منه فعلى هذا له ثلاثة أوقات: وقت فضيلة واختيار، وهو أول الوقت. والثاني: وقت جواز وهو ما لم يغب الشفق. والثالث: وقت عذر، وهو وقت العشاء في حق من يجمع لسفر أو مطر. وعلى هذا قال القاضي حسين والبغوي: يكون النصف الأول مما بين أول الوقت ومغيب الشفق وقت اختيار، والنصف الثاني: وقت جواز. وأنكر الشيخ محيي الدين ما حكاه عن القاضي والبغوي، وقال: وهذا ليس بشيء، ويكفي في رده حديث جبريل - عليه السلام -. قال: وقد نقل أبو عيسى الترمذي عن العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب. انتهى. ولا أرى هذا الإنكار يتوجه إلا إن أنكر القول بالوقتين، وليس ذلك مذهبه. وقد سبق الجواب عن إمامة جبريل. وأما ما حكاه عن الترمذي فإن احتمل كلامه ما حمله وفيه نظر فالمراد التأخير الذي لم تأت به الأحاديث، والله أعلم. وأما إذا قلنا أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، فهو إذا غربت الشمس ومضى قدر طهارة وستر العورة وأذان وإقامة وخمس ركعات. وقيل يعتبر ثلاثة ركعات للفرض فقط. وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه وجهًا: أنه لا يتقدر بالصلاة بل بالعرف، فمتى أخر عن المتعارف في العادة خرج الوقت. وهذا قوي، لكن المشهور اعتبار خمس ركعات منها ركعتان للسنة، وما يمكن تقديمه على الغروب كالطهارة والستر لا يجب تقديمه، لكن يستحب، وفيه وجه أنه يجب تقديم ما يمكن تقديمه،

وهو الوضوء والستر دون التيمم والأذان والإقامة ووضوء المستحاضة ومن في معناها. قال القفال: تعتبر هذه الأمور متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لكن يعتبر في حق كل إنسان فعل نفسه لأنهم يختلفون في ذلك. وقال جماعة من الخراسانيين: ويحتمل مع ذلك لقم يكسر بها الجوع، كذا قالوا. والصواب أنه لا ينحصر (¬1) الجواز في لقم؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قدم العَشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم". فإن أخر الدخول فيها عن هذا القدر المذكور أثم، وصارت قضاءً. وإن لم يؤخر بل دخل فيها في هذا الوقت فهل له أن يمدها ويستديمها؟ فيه ثلاثة أوجه مشهورة: أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز استدامتها القدر الذي يتمادى إليه فضيلة أول الوقت في سائر الصلوات. والثالث: وهو الصحيح، يجوز استدامتها إلى مغيب الشفق، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالأعراف، وفي رواية النسائي: فرقها في الركعتين، وهذا يمنع تأويل من قال: قرأ ببعضها. وممن قال بأن للمغرب وقتين: أبو حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر. وممن قال بوقت واحد: الأوزاعي ونقل عن أبي يوسف ومحمد وجماعة، عن مالك ثلاث روايات، الصحيح منها وهو المشهورة في كتبه وكتب أصحابنا: أنه ليس لها إلا وقت واحد، والثانية: وقتان إلى مغيب الشفق، والثالثة: يبقى إلى طلوع الفجر، ونقله ابن المنذر عن طاوس وعطاء. ويكره تسمية المغرب عشاءً؛ لحديث البخاري الذي تقدم ذكره. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: يخص.

9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشير، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير؛ قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة. قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة، عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة. حدثنا أبو بكر محمد بن أبان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه. * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وهو عند أحمد من طريق يزيد بن هارون التي أشار إليها الترمذي. قال القاضي أبو بكر بن العربي: وحديث النعمان بن بشير صحيح وإن لم يخرجه الإمامان، فإن أبا داود أخرجه عن مسدد، ونقل عن أبي حاتم الرازي توثيق حبيب بن سالم، وعن يحيى بن معين توثيق بشير بن ثابت. قال: ولا كلام فيمن دونهما. وإن كان هشيم قد أسقط منه بشير بن ثابت فقد أثبته أبو عوانة وغيره، وخطأ من أخطأ في الحديث لا يخرجه عن الصحة. والعِشاء بكسر العين: أول ظلام الليل وذلك إلى العتمة. والعَشاء بفتح العين: طعام ذلك الوقت.

والعشاءان: المغرب والعشاء. وأول وقت العشاء مغيب الشفق عندهم، ولكنهم اختلفوا في تفسيره، فذهب الأكثرون إلى أنه الشفق الأحمر، وذهب آخرون إلى أنه البياض. وقال أحمد بن حنبل: أما في الحضر فأحب إلي أن لا يصلي حتى يذهب البياض، وأما في السفر فيجزئ أن يصلي إذا ذهبت الحمرة. وإذ قد اختلفوا في تفسير الشفق فلنقدم بين يدي مسائل هذا الباب الكلام في الشفق المراد هنا ما هو؟ قال أبو محمد اليزيدي: والشفق شفقان، فأحدهما البياض والآخر الحمرة، فوقت المغرب عند ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ومالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وداود وغيرهم يخرج ويدخل وقت العشاء الآخرة بمغيب الحمرة وهو المروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس ومكحول أن الشفق هو الحمرة، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، إلا أن أحمد يستحب التفرقة بين الحضر والسفر كما ذكرنا ليكون المقيم على يقين من وقت الحمرة، فقد تواريها الجدران يعني وليس كذلك المسافر. وقال أبو حنيفة وعبد الله بن المبارك والمزني وأبو ثور: لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة إلا بمغيب البياض. قال أبو محمد: قد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّ خروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر، والشفق يقع في اللغة على الحمرة وعلى البياض، فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقًا فقد خرج وقت المغرب ودخل وقت العتمة، ولم يقل كل ما يسمى شفقًا، وأيضًا فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدّ وقت

العتمة بأن أوله إذا غاب الشفق وآخره ثلث الليل الأول، وروي أيضًا نصف الليل، وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب ودوران الشمس أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول، وهو الذي ... (¬1) - عليه السلام - خروج أكثر الوقت به فصح يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينًا أن الوقت إنما دخل بالشفق الذي هو الحمرة للفرق بين أول الوقت وآخره، وفي حديث عبد الله بن عمر: وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ونور الشفق ثورانه وقوته وهذه صفة الأحمر لا الأبيض. وقد رواه ابن خزيمة (¬2) فقال إلى أن تذهب حمرة الشفق رواه من حديث محمد بن يزيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو إلا أنه قال: لو صحت هذه اللفظة (لكان في هذا الخبر) بيان أن الشفق الحمرة لكن تفرد بها محمد بن يزيد. واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال: إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين بإجماع أننا قد صلينا عند الوقت، وإن صلينا قبل ذلك فلم نصل بيقين إجماع في الوقت، وهذا ينتقض بما لا يحصى من المسائل في الصلاة وغيرها كالبينة في الوضوء وقراءة القرآن والطمأنينة، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج وغير ذلك. وذكروا حديث النعمان بن بشير حديث الباب هذا أنه - عليه السلام - كان يصلي العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة، وهذا أعظم حجة لنا لأن الشفق الأبيض يبقى بعد هذا مدة طويلة كما سنذكره. وروى هارون بن سفيان المستملي حدثني عتيق بن يعقوب، حدثني مالك، ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة. (¬2) "الصحيح" (354). وأصل الحديث عند مسلم (612) وابن حبان (1471)، وابن خزيمة (326، 355) وانظر "صحيح السنن" (425).

عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة" ذكره الدارقطني في الغرائب فقال: قرأت في أصل أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر بخط يده ثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي، نا هارون بن سفيان المستملي ثم قال: هذا حديث غريب وكل رواته ثقات، وأما حديث الباب فلا يصلح للاحتجاج به على شيء من هذين القولين ذلك أن القمر يغيب في الثالثة في كل زمان ومكان بعد ذهاب ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على ثنتي عشرة ساعة، والشفق الذي هو الحمرة يغيب قبل سقوط القمر في الليلة الثالثة قل ذلك بحين كبير، والشفق الذي هو البياض يغيب بعد سقوط القمر ليلة ثالثة فساعة .... تلك الليلة. وأما صلاته - عليه السلام - في ذلك الوقت فواقعة في الوقت المختار بعد تمكنه لما فيه من استحباب تأخير العشاء عن أول الوقت ومراعاة مصلحة المصلين عمومًا في عدم التأخير إلى ثلث الليل، ... فكل صلاة في أول الوقت دائمًا ولا في آخره دائمًا، وقد علم أول الوقت وآخره من غير هذا الحديث. والمختار في (كان) إذا اتصلت بالمضارع اقتضاؤها الدوام والاستمرار. وأما الصفرة التي بعد الحمرة وقبل البياض فاختلف كلام الأصحاب فيها؛ فقال الغزالي في البسيط: الشفق الحمرة دون الصفرة والبياض. وقال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: يدخل وقت العشاء بزوال الحمرة والصفرة، وقد استدل لهما بما نقله صاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي فهذا لفظه وهو محتمل لما قاله إمام الحرمين، لأن الحمرة برق يستحيل لونًا آخر بحيث تعد بقية اللون الحمرة وفي حكم جزء منها، ولكن نص الشافعي في مختصر المزني: الشفق الحمرة، وهذا ظاهر في أنه يدخل الوقت بمغيب الحمرة وإن بقيت الصفرة، وهو المذهب.

10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة

10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة ثنا هناد، نا عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه". قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد وزيد بن خالد وابن عمر. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهذا الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين رأوا تأخير صلاة العشاء الآخرة، وبه يقول أحمد وإسحاق. * الكلام عليه: أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه. وحديث جابر بن سمرة رواه مسلم من حديث أبي الأحوص، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله يؤخر صلاة العشاء الآخرة. وروي أيضًا من جهة أبي عوانة عن سماك، عن جابر بن سمرة؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات نحوًا من صلاتكم وكان يؤخر العتمة بعد صلاكم شيئًا، وكان يخف في الصلاة. وفي رواية: "يخفف". وحديث جابر بن عبد الله: إذا رآهم اجتمعوا عجّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر. وحديث أبي برزة: "وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة" تقدما.

وحديث ابن عباس قال: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب فقال: الصلاة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأني أنظر إليه يقطر رأسه ماءً واضعًا يده على رأسه فقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا". رواه البخاري ومسلم. وحديث جابر بن عبد الله أيضًا سوى ما تقدم. قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو معاوية الضرير، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن جابر رضي الله عنه؛ قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة وأصحابه ينتظرونه لصلاة العشاء فقال: "نام الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنكم في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وكبر الكبير لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل"، فقال أبو زرعة: هذا حديث وهم فيه أبو معاوية، والذي عندي الصحيح ما رواه وهيب وخالد الواسطي، عن داود على أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أبي سعيد: روى عبد الوارث بن سعيد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل فخرج يصلي بهم، ثم قال: "إن الناس قد صلوا وناموا وأنتم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا الضعيف والسقيم أحببت أن أؤخر هذه الصلاة إلى شطر الليل". أخرجه ابن ماجه. ولحديث أبي سعيد وجه آخر: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي وذكر حديثًا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران، عن سعيد المقبري، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل". قال أبي: إنما هو عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. محمد بن

عبد الرحمن بن مهران المزني؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه: محله الصدق ... وحديث ابن عمر: روى منصور، عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا أدري أي شيء شغله في أهله أو غير ذلك، وقال حين خرج: "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى". لفظ مسلم. وفي الباب مما لم يذكره عن أنس بن مالك؛ قال: أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء إلي نصف الليل ثم صلى، ثم قال: "صلى الناس وناموا، وإنكم في صلاة ما انتظرتموها". أخرجه البخاري ومسلم. وفيه عن عائشة قالت: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء والصبيان. فخرج فقال: "ما ينتظرها من أهل الإسلام أحد غيركم"، ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة. قال: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول. رواه البخاري وهذا لفظه، وزاد مسلم: وذلك قبل أن يفشو الإسلام في الناس، وفي لفظ له: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال: "إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي"، ولم يذكر مسلم قال: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول. وروى النسائي الحديث وعنده بعد قوله بالمدينة: ثم قال: "صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل". وفيه عن معاذ بن جبل: روى أبو داود من حديث حريز عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول: قد صلى،

فإنا لكذلك حتى خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا له كما قالوا؛ فقال: "أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم". حريز -بالحاء المهملة وبالزاي- بن عثمان بن حيي. وفيه عن أبي بكرة: روي الخلال عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، ثنا روح وأبو داود، قالا: نا حماد بن سلمة، قال أبو داود: حدثنيه ثنا علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع ليال العشاء -قال أبو داود: ثمان ليال- إلى ثلث الليل، فقال أبو بكر: يا رسول الله! لو أنك عجلت لكان أمثل لقيامنا من الليل، فعجل بعد ذلك. قال أبي: وثنا عبد الصمد؛ قال: قال سبع ليال. وقال عفان: تسع ليال. قال الدارقطني: اختلف في سماع الحسن من عمران، فقال مبارك بن فضالة عن الحسن أنه سمع عمران، وقال يحيى القطان: لم يسمعه، لأنه يدخل بينهما ابن عمران البرحي وسمع من أنس وأبي بكرة وعثمان بن عفان، ولم يسمع من علي رضي الله عنهم. وفيه عن علي بن أبي طالب: روى ابن إسحاق حدثني عبد الرحمن بن بشار، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل، فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول يهبط الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فلم يزل هنالك حتى يطلع الفجر فيقول: ألا سائل فيعطى، ألا داع يجاب، ألا مستشفع فيشفع، ألا تائب يستغفر فيغفر له". أخرجه البزار عن سليمان بن سيف الحراني عن سعيد بن بزيع. قال: وهذا الحديث قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه، ولا نعلم روي عن علي إلا من هذا الوجه.

وقد تقدم في باب السواك عند الكلام على قوله - عليه السلام -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" كثير من فوائد هذا الحديث. وفي حديث ابن عباس: حين رقد الناس واستيقظوا ..... الحديث. فيه أن نوم الجالس الممكن مقعدته لا ينقض الوضوء، وقد تقدم في الوضوء من النوم من هذه المسائل ما فيه مغنى. قال العلماء: والتأخير المذكور في هذه الأحاديث تأخير لم يخرج عن وقت الاختيار وهو النصف أو الثلث كما يأتي، وقوله - عليه السلام - لهم حين خرج عليهم: "إنه للوقت لولا أن أشق عليكم"، وإعلامه إياهم أنهم في صلاة ما انتظروا الصلاة. فيه ما كان عليه من الرفق بالمؤمنين حيث أعلمهم أنه الوقت وبشرهم بحكم منتظر الصلاة مشيرًا إلى الاعتذار من تأخره عنهم وإلى الرفق بهم في التقديم عن ذلك الوقت خشية المشقة عليهم بالداومة عليه، ... يستحب لإمام القوم وكبيرهم إذا تأخر عليهم أو وقع منه ما يظن أنه يشق عليهم من الإتيان بما يشرح به صدورهم ويسر نفوسهم من السلامن (¬1) عن المصلحة التي خفيت عنهم على سبيل التعليم والبشرى، فالاعتذار كرم أخلاق يشهد بها قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}. وتقدم في الباب قبل هذا الكلام في الشفق ما هو؛ وفي أول وقت العشاء، والذي بقي علينا أن نتكلم فيه هنا آخر وقت العشاء المختار، وفيه قولان مشهوران: أحدهما: وهو المشهور في الجديد أنه يمتد إلى ثلث الليل. والثاني: وهو نص الشافعي في القديم، والإملاء من الجديد يمتد إلى نصف الليل. أما الأول فلما روي أن جبريل - عليه السلام - صلى في المرة الآخرة العشاء حين ¬

_ (¬1) الكلمة غير واضحة.

ذهب ثلث الليل. وأما الثاني فلحديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل". لفظ مسلم، وقد تقدم. واختلف المصنفون في أصح القولين، فقال القاضي أبو الطيب: صحح أبو إسحاق المروزي كونه نصف الليل، وصحح أصحابنا ثلث الليل، وممن صحح ثلث الليل البغوي والرافعي وغيرهما، وممن صحح كونه نصف الليل الشيخ أبو حامد والمحاملي وسليم في "رؤوس المسائل" وغيرهم، هذه طريقة جمهور الأصحاب في وقت الاختيار أن فيه قولين كما ذكرنا. وانفرد صاحب "الحاوي" فقال: فيه طريقان: أحدهما: فيه قولان كما سبق وهذه طريقة الجمهور، والثانية: هي طريقة ابن سريج ليست على قولين، بل الأحاديث واردة بالأمرين والنصان للشافعي محمولان على حال الابتداء والانتهاء، فالمراد بالثلث أنه آخر وقت الابتداء، والمراد بالنصف أنه آخر وقت الانتهاء. وهذا الطريق غريب، والمختار ثلث الليل، فإذا ذهب وقت الاختيار بقي وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني، هذا هو المذهب نص عليه الشافعي. وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا ذهب وقت الاختيار فاتت العشاء ويأثم بتركها وتصير قضاءً. وهذا الذي قاله أحد احتمالين حكاهما القفال في "شرح التلخيص" عن أبي بكر الفارسي. وقال الشافعي في باب استقبال القبلة: إذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة. فمن الأصحاب من وافق الإصطخري لظاهر هذا النص وتأوله الجمهور. وقال القاضي أبو الطيب: قال أصحابنا: أراد الشافعي أن وقت الاختيار فات دون وقت الجواز، لأن الشافعي قال في هذا الكتاب: إن المعذورين إذا زالت أعذارهم قبل الفجر بتكبيرة لزمتهم الغرب والعشاء، فلو لم يكن وقتًا لهم لما لزمتهم.

وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه في الرد على الإصطخري: إذا كمل الصبي والكافر والمجنون والحائض قبل الفجرين بركعة لزمتهم العشاء بلا خلاف، ووافق عليه الإصطخري، فلو لم يكن ذلك وقتًا لهم لم يلزمهم. قلت: قول الإصطخري هنا مما خالف فيه جمهور الأصحاب كقوله في وقت العصر، لكن الفرق بينهما أنه هناك خالف حديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها". متفق عليه. وقوله هنا أقرب إلى الصواب و (مَن) من ألفاظ العموم تشمل أصحاب الأعذار وغيرهم، على أن ذلك وقت جواز مع الكراهة ليس وقت أصحاب الأعذار كما سبق عنهم. والمشهور من مذهب مالك في آخر وقت العشاء ثلث الليل في السفر والحضر لغير أصحاب الضرورات، ويستحب لأهل مساجد الجماعات أن لا يعجلوا بها في أول وقتها إذا كان ذلك غير مضر بالناس، وتأخيرها قليلًا أفضل عنده. وقد روي عنه أن أوائل الأوقات أحب إليه في كل الصلوات إلا الظهر في شدة الحر فإنه يبرد بها. وأما رواية ابن وهب عن مالك قال: وقتها من حين يغيب الشفق إلى أن يطلع الفجر، فإن ذلك لمن له الاشتراك من أهل الضرورات. وقال الثوري والحسن بن حي: أول وقت العشاء مغيب الشفق إلى ثلث الليل النصف بعده آخره. وقال أبو حنيفة: وأصحابه: المستحب في وقتها إلى ثلث الليل ويكره تأخيرها إلى بعد نصف الليل، ولا تفوت إلا بطلوع الفجر. وقال أبو ثور: وقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل.

وقال داود: من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر. فرع: للعشاء أربعة أوقات: فضيلة واختيار وجواز وعذر. فالفضيلة أول الوقت والاختيار بعده إلى ثلث الليل في الأصح وفي قول نصفه. والجواز إلى طلوع الفجر الثاني. والعذر وقت المغرب إن جمع بسفر أو مطر. انتهى. أما وقت الجواز ما بين نصف الليل أو ثلثه إلى طلوع الفجر، فقول لم تأت به سنة صحيحة ولا سقيمة ولا روي عن أحد من السلف إلا عن ابن عباس أنه قال: وقت العتمة إلى صلاة الفجر. وعن أبي هريرة: الإفراط في العتمة إلى صلاة الفجر. فإن نزع من ذهب هذا المذهب بهذين الأثرين فإنهم لم يوفوا العمل بهما لأنه فيما روي عن ابن عباس: ووقت الظهر إلى وقت العصر، ووقت المغرب إلى وقت العشاء، ولم يقولوا به. ومما نصر به داود الظاهري مذهبه في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاةً حتى يدخل وقت أخرى". ويرده الإجماع على أن صلاة الصبح لا يمتد وقتها إلى صلاة الظهر. قال الشافعي رحمه الله: وأستحب أن لا تسمى العتمة. وأطلق بعض الأصحاب هنا الكراهة. وحجته ما روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل". وأجاب من قال بذلك عن حديث مالك عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير

لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا" بوجهين: الأول: أن هذا وما أشبهه ورد لبيان الجواز. الثاني: خوف الاشتراك في تسميتها والمغرب كل منهما بالعشاء، فيحتاج إلى أن يميزها بالآخرة، وقد لا يتهيأ ذلك أو يشذ عن بعض السامعين فاحتمل ذلك لهذا المعنى، وخوطبوا بما هو معلوم عندهم. وقد اختلف العلماء هل الأفضل في صلاة العشاء التقديم أو التأخير؛ على مذهبين مشهورين. للسلف وقولين لمالك والشافعي فأحاديث الباب حجة من فضل التأخير، ومن فضل التقديم زعم أنه العادة الغالبة وأن التأخير إنما كان لبيان الجواز أو لعذر. قال الخطابي: إنما استحب تأخيرها لتطول مدة انتظارها فإن منتظر الصلاة في صلاة. * * *

11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها حدثنا أحمد بن منيع؛ قال أحمد وثنا عباد بن عباد وإسماعيل بن علية جميعًا، عن عوف، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. قال: وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس. قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص في ذلك بعضهم. وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان. * الكلام عليه: حديث أبي برزة هذا قطعة من حديث تقدم ذكره في باب الإسفار بالفجر، وهناك حصل الكلام عليه. وأما حديث عائشة: فروى ابن حبان من حديث هشام بن عروة، عن أبيه؛ قال: سمعته عائشة وأنا أتكلم بعد العشاء الآخرة، فقالت: يا عري، ألا تريح كاتبك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ينام قبلها ولا يتحدث بعدها. أخرجه عن الحسن بن سفيان، عن حميد بن مسعدة، عن جعفر بن سليمان عنه. وحديث ابن مسعود: قال: حد (¬1) لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمر بعد العشاء. رواه ابن ماجه. وعن جبير عن رجل من قومه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وصوابها: جدب لنا.

سمر بعد الصلاة -يعني العشاء الآخرة- إلا لأحد رجلين: مصل أو مسافر". رواه الإمام أحمد. وذكر الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي -رحمه الله- في كتابه في "الأحكام" حديثًا بسنده أظنه من "فوائد سمويه" إسماعيل بن عبد الله؛ قال: نا عبد الله بن الزبير، نا ابن وهب، عن معاوية، عن أبي عبد الله الأنصاري، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا سمر إلا لثلاثة: مصل أو مسافر أو عروس". وحديث أنس (¬1): ............. وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عباس: روى القاضي أبو الطاهر الذهلي في الثالث والعشرين من "فوائده" من حديث مجاهد عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النوم قبلها والحديث بعدها. رواه عن محمد بن عبدوس، عن حجاج بن يوسف وإبراهيم بن سعد، عن أبي أحمد الزبيري. وكراهة النوم قبلها لئلا يذهب بصاحبه ويستغرق النوم فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب، ويترخص في ذلك الناس فيناموا عن إقامة جماعتها. وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه منهم ابن عمر وعمر وابن عباس، وإليه ذهب مالك، ورخص فيه بعضهم منهم علي وأبو موسى، وهو مذهب الكوفيين، وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها، وروي عن ابن عمر مثله، وإليه ذهب الطحاوي. وقال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه الله-: إن ذلك جائز إن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه لحديث عبد الله بن عمر ¬

_ (¬1) بياض في الأصول.

الصحيح: شغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها ليلة حتى رقدنا في المسجد واستيقظنا. انتهى. وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار الصلاة من النوم المنهي عنه وإنما هو من السِّنة التي هي مبادئ النوم كما قال (¬1): وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في جفنه سنة وليس بنائم وقال القاضي عياض في الكلام على حديث ابن عمر هذا: قوله: "رقدتم، استيقظ"؛ معناه -والله أعلم-: نوم الجالس المحتبي وخطرات السنات لا نوم الاستغراق بدليل أنه لم يرو أنهم توضؤوا، وقد احتج بهذا الحديث ومثله من لم ير النوم حدثًا في نفسه يوجب وضوءًا، وكذلك قال غيره في الكلام على هذا الحديث. وأما الحديث بعدها فيأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) هو لعدي بن الرقاع العاملي، من بحد الكامل.

12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء ثنا أحمد بن منيع، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما. وقد روي هذا الحديث الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جعفى يقال له: قيس أو ابن قيس، عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... هذا الحديث في قصة طويلة. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة. قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سمر إلا لمصل أو مسافر". * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد والنسائي وحسنه الترمذي ورجاله رجال الصحيح، وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي نبه عليه بين علقمة وعمر بدخول الجعفي من الوجه الذي أشار إليه، فهو لأن يوصف بالانقطاع أقرب منه لأن يوصف بالحسن إلا أن يكون الجعفي الذي بين علقمة وعمر فيه من شرط الحسن عنده. وأما حديث عبد الله بن عمرو كذا هو في الأصل، وفي صحيحي البخاري

ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى من هو على الأرض أحد"، فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد"؛ يريد بذلك أنها تحرم ذلك القرن. رواه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن سالم وأبي بكر بن أبي خيثمة، عن عبد الله بن عمر، ورواه مسلم عن الدارمي عن أبي اليمان. وأما حديث أوس بن حذيفة؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا بعد العشاء يحدثنا، وكان أكثر حديثه تشكيه من قريش. ذكر ابن قانع معناه. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث أبي برزة وعبد الله بن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن السمر والحديث بعد العشاء، وحديث أوس بن حذيفة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا ....... فقال: حديث أبي برزة أصح من حديث أوس بن حذيفة. وفيه عن ابن عباس وهو مما لم يذكره الترمذي: روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال: رقدت في بيت ميمونة، ولفظ البخاري: بت فتحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ثم رقد .... الحديث. دلت أحاديث الباب قبل هذا على كراهة الحديث بعد العشاء، ولكن ليست الألف واللام فيها للعموم والاستغراق بدليل أحاديث هذا الباب فلا بد من التنبيه على ما يكره من الحديث على مقتضى الباب الأول وما لا يستثنى منه مما لا يكره على مقتضى الباب الثاني فنقول: المراد بالحديث الذي يكره بعدها ما كان مباحًا في غير ذلك الوقت وأما المكروه في غيره فهو هنا أشد كراهة، فينبغي تقسيم الحديث بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:

مكروه، ومباح، ومندوب إليه. فالمباح هنا هو القسم الثالث الذي هو المندوب إليه، وإذا كان ذلك فالحرام منه كالغيبة وما أشبه ذلك من باب أولى بالمنع. وكراهة الحديث بعدها لمعنيين: الأول: ما قد يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة والإتيان بها في وقت الأفضلية والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك. الثاني: وإن أمن من ذلك فالحديث والسهر بالليل يوجب الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات ومصالح الدين والدنيا، وقد جعل الله الليل سكنًا كما قال تعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ...}، وكما قال تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهارلتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضل ...}؛ لتسكنوا فيه: يعني الليل، ولتبتغوا من فضله: يعني النهار. فأعاد الأول للأول، والثاني للثاني، ويأتي في الكلام هذا وعكسه كقوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم}، ثم قال بعد الفراغ من هذا القسم: {وأما الذي ابيضت وجوههم}. فالكلام إن دعت إليه ضرورة أو اقتضته مصلحة فهو مشروع كما دلت عليه الأحاديث السابقة من المصالح العامة كسهره - عليه السلام - مع أبي بكر وحديثه معه في الأمر من أمر المسلمين، وكما روى البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر صلاة العشاء الآخرة إلى شطر الليل ثم خرج فصلى ثم قال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يبقى على ظهر ممن هو اليوم على ظهرها أحد". وفي الحديث الصحيح أن أبا بكر صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم تعشى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف بعدما مضى من الليل ما شاء الله، فقالت له امرأته: ما

حبسك عن أضيافك؟ فجرى بينه وبين أهله من المراجعة ما جاء في الحديث، رواه البخاري في كتاب الصلاة والاستدلال بهذا الحديث والحديث الذي قبله على هذا المراد أولى من الاستدلال بحديث عمر لأن هذا الحديث والذي قبله اقتضى أن ذلك كان بعد صلاة العشاء محققًا، وأما حديث عمر فليس فيه أكثر من أنه كان يسمر مع أبي بكر، وكذلك حديث أوس بعد العشاء الحوالة فيه على محذوف مقدر، فإما أن يكون بعد صلاة العشاء فيتم له المراد، وإما أن يكون بعد وقت العشاء، ولكن في هذا كله بعد، والحمل فيه على المعتاد أظهر. وقوله: وروي عن النبي في أنه قال: "لا سمر إلا لمصلٍّ أو مسافر"، تقدم تخريجه في الباب قبل هذا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فكراهة النوم قبل العشاء من باب المحافظة على صلاة العشاء كما سبق، وكراهة الحديث بعدها من باب المحافظة على صلاة الصبح والخشية من نقص يرد على مؤديها من تأخير أو ما أشبه ذلك، والذي صير المباح في هذا الباب مكروهًا المخاطرة وركوب الغرر لغير معنى ولا أجر يرتجي، وذلك أن السهر في قراءة القرآن أو سماع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أو السلف الصالحين أو مع الضيف المشروع إكرامه بمحادثته ... : إن الحديث جانب من القرى أو ما أشبه ذلك سهر، وحديث يترتب عليه أجر فارتكاب الغرر لأجله قريب، والسهر في غير ذلك من المباح وقوع في مخاطرة لا يترتب عليها شيء فناسب أن يكون مكروهًا ليس المغرِّر محمودًا وإن سلما. [وأحسن من هذا كله قول من قال في كراهة الحديث بعد العشاء، والصلوات كفارات لما بينهن من الصغائر فاستحسن لمن ختم عمله بما كفر خطايا يومه أن لا ينشئ بعد ذلك حديثًا يمكن أن يوقعه في محذور، ومكفرات يومه من الصلوات قد انقضت ولتكون الصلاة خاتمة لعمل يومه] (¬1). ¬

_ (¬1) من نسخة السندي.

13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل ثنا أبو عمار الحسين بن حريث، ثنا الفضل بن موسى، عن عبد الله بن عمر العمري، عن القاسم بن غنام، عن عمته أم فروة وكانت ممن بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لأول وقتها". حدثنا قتيبة، نا عبد الله بن وهب، عن سعيد بن عبد الله الجهني، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤًا". حدثنا أحمد بن منيع، نا يعقوب بن الوليد المديني، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، الوقت الآخر عفو الله". وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود. قال أبو عيسى: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث. حدثنا قتيبة، نا مروان بن معاوية الفزاري، عن أبي يعفور، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني: أن رجلًا قال لابن مسعود: أي العمل أفضل؛ قال: سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الصلاة على مواقيتها"، قلت: وماذا يا رسول الله؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: وماذا يا رسول الله؛ قال: "والجهاد في سبيل الله". قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح.

وقد روى المسعودي وشعبة والشيباني وغير واحد عن الوليد هذا الحديث. حدثنا قتيبة، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة قال: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةً لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل. قال الشافعي: والوقت الأول من الصلاة أفضل، ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختاروا إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون في أول الوقت. قال: ثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي. * الكلام عليه: حديث أم فروة سكت عن تصحيحه وتحسينه، ثم حكى كلام يحيى بن سعيد في العمري إشارةً إلى تضعيف الحديث، ومن عادته تحسين حديث العمري، وقد تقدم الكلام على عبد الله العمري وأنه كان عالمًا صالحًا، وإنما طالت إقامته في حبس المنصور لخروجه عليه فتغير حفظه قليلًا رحمه الله، وهناك ذكرت ما حسن من حديثه وما صحح وما سكت عنه، وليس العمري في هذا الخبر علة الرد؛ وإنما هو جزء علة، والجزء الثاني الانقطاع بين القاسم بن غنام وأم فروة، فقد روي ذلك من غير وجه: أحدها: عن الإمام أحمد فقد رواه من طريق القاسم بن غنام عن أهل بيته عن جدته أم فروة. وكذلك عند أبي داود عن القاسم، عن بعض أمهاته عن أم فروة.

ورواه الدارقطني كرواية الترمذي ثم قال: وقال وكيع عن العمري عن القاسم بن غنام، عن بعض أمهاته، عن أم فروة وأسنده من طريق وكيع كذلك ثم قال: وقال الليث عن عبد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، عن جدته أم أبيه الدنيا عن جدته أم فروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما الاضطراب الذي أشار إليه فهو ما ذكرناه أنه قد روي من طريق عبيد الله العمري مصغرًا كما روي من طريق عبد الله المكبر والاختلاف عليه في ثبوت الواسطة بين القاسم وأم فروة كالاختلاف على أخيه، فعند الدارقطني من طريق معتمر بن سليمان، عن عبيد الله العمري، عن القاسم بن غنام عن جدته أم فروة، رواه عن ابن صاعد، عن محمد بن يحيى بن ميمون المكي عن معتمر، وعنده من طريق محمد بن بشر العبدي، عن عبيد الله أيضًا عن القاسم، عن بعض أهله عن أم فروة. وكذا هو عند الطبراني من طريق قزعة بن سويد، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم عن بعض أمهاته، عن أم فروة؛ قال: ولم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا قزعة. وقد ذكرنا عن الدارقطني رواية معتمر بن سليمان ومحمد بن بشر عن العمري كرواية قزعة، وإن اختلفت الألفاظ في الطرق فليس ذلك مراد الطبراني، وإنما أشار إلى النفي المطلق. ورواه أيضًا الضحاك بن عثمان، عن القاسم بن غنام، عن امرأة من المبايعات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقد صار في هذا الحديث علل ثلاث: الأولى: العمري، وهو أقربها. والثانية: الانقطاع، فإن من أثبت حجة على من نفى، والقضاء لمن أتى بالزيادة عن من لم يأت بها، هذا هو المعروف. الثالثة: الاضطراب الذي أشار إليه. وفيما تقدم ذكري إياه تقسيم الاضطراب

إلى قادح وغيره، وأن هذا من قسم القادح، وهو ما إذا كان الانتقال فيه من ثقة إلى ضعيف، فإن عبيد الله متفق عليه، وعبد الله مختلف فيه، فلو كان الانتقال فيه من عبيد الله إلى مثله لم يكن الاضطراب ضارًّا. وأم فروة هذه هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه، ومن قال فيها أنها أم فروة الأنصارية فقد وهم، وترجح قول من قال في العمري أنه عبد الله. قال: وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود. وقد أخرج عن الأربعة في الباب. أما حديث علي فرواه الإمام أحمد، [وذكر ابن ماجه (¬1) منه حديث الجنازة، وفي إسناده سعيد بن عبد الله الجهني، قال أبو حاتم الرازي: مجهول، وقال أبو حاتم بن حبان: ثقة. سكت عنه الترمذي، ويمكن أن يكون حسنًا] (¬2). وأما حديث ابن عمر فرواه الدارقطني من طريق عبد الله العمري ولفظه: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لميقاتها الأول". ورواه من طريق عبيد الله أخيه ولفظه: "خير الأعمال الصلاة في أول وقتها". الأول: من طريق الحسن بن علي بن شبيب، عن عبد الله بن عمر بن أبان، عن أبي يحيى التيمي، عن أبي عقيل عبد الله المكبر، والثاني من طريق علي بن معبد، عن يعقوب بن الوليد، عن عبيد الله المصغر، في إسناده يعقوب بن الوليد. وقال أحمد: كان من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، كان يكذب، والحديث الذي ¬

_ (¬1) "السنن" (1486) وضعفه الألباني. (¬2) من نسخة السندي.

رواه موضوع، وهو متروك الحديث. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه فقال: ليس بشيء وترك حديثه ولم يقرأ علينا. اهـ. وذكر الحاكم حديث ابن عمر: "خير الأعمال الصلاة في أول وقتها"؛ من طريق يعقوب بن الوليد هذا، وقال يعقوب: ليس من هذا الكتاب، إلا أن له شاهدًا عن عبيد الله ثم ساق من طريق محمد بن حميد الحمصي عن عبيد الله العمري. .............. (¬1) ذي مخبر الحبشي وكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخبر، قال: فتوضأ يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءًا لم يلتّ منه التراب، ثم أمر بلالًا فأذن ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فركع ركعتين غير عجل، ثم قال لبلال: أقم الصلاة، ثم صلى وهو غير عجل. رواهما أبو داود. [وأحكام هذا الحديث تأتي في الباب بعده إن شاء الله]. * * * ¬

_ (¬1) في هامش السندي: لعل هنا سقط قدر كراس وذلك شرح: 14 - باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر 15 - باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام 16 - باب ما جاء في النوم عن الصلاة

17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة ثنا قتيبة وبشر بن معاذ، قالا: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها". وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح. ويروى عن علي بن أبي طالب؛ قال في الرجل ينسى الصلاة؛ قال: يصليها متى ذكرها في وقت أو في غير وقت. وهو قول أحمد وإسحاق. ويروى عن أبي بكرة: أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس، وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا. وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب. * الكلام عليه: حديث أنس أخرجوه أجمعون. وحديث سمرة من رواية حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب عنه. وذكر البزار من حديث جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي يصلي فيه أن يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة. وحديث أبي قتادة: قد ورد بألفاظ أكثرها يخص النوم وحديثه الذي أورده الترمذي في الباب قبل هذا يشمل النوم والنسيان فأغنى ذلك عن ذكر شيء من

طرقه في هذا الباب. وفيه مما لم يذكره عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرَس، وقال لبلال: "اكلأ لنا الليل"، قال: فغلبت بلال عيناه وهو يستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أولهم استيقاظًا، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا بلال! " فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي. فاقتادوا رواحلهم شيئًا، ثم توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بلالًا فأقام لهم الصلاة، وصلى لهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: لامن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عزَّ وجلَّ قال: {أقم الصلاة للذكري}، قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه. وفي لفظ لهذا الخبر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة"؛ قال: فأمر بلالًا وأقام وصلى. وقع في حديث ابن مسعود أن الصلاة المنسية كانت عند قفولهم من الحديبية. وعند الباقين عند قفولهم من خيبر. وقال الأصيلي: خيبر غلط، وإنما هو من حنين، ولم يعتر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة حين قفل من حنين إلى مكة. وقال أبو عمر بن عبد البر وأبو الوليد الباجي: قول ابن شهاب من خيبر أصح، وهو قول أهل السنن. وأما من رواه من طريق ابن مسعود وقال فيه: زمن الحديبية فهو أقرب إلى الجمع بين الأخبار لأن زمن الحديبية وخيبر قريب بعضه من بعض، وهذا كله إن كان الواقع من ذلك مرة واحدة كما ذكر الأصيلي وأبو عمر، وإن كان أكثر من ذلك فلا تنافي بين الأحاديث.

قال القاضي عياض: أما حديث أبي قتادة فلا مرية أنه غير حديث أبي هريرة، وكذلك حديث عمران بن حصين. وما قاله الأصيلي وأبو عمر عندي أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه فهو لا ينسى مثل هذا ولا تنام عينه، وإنما هذا من باب أنسى لأسُنّ، وذلك يحصل بالمرة الواحدة، ودعوى القاضي التباين بين حديثي أبي قتادة وعمران بن حصين يرده أنه من تمام خبر أبي قتادة من طريق ابن رباح عنه قال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإني أحد الركب في تلك الليلة. قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته. كذلك رواه مسلم وغيره. وإذا ترجح من حيث النقل بكثرة الرواة، وما ذكره أهل المغازي أن هذه الواقعة كانت حين قفولهم من خيبر فأبو هريرة كان معهم، فالأحاديث الثلاثة إذًا خبر واحد، وإن اختلفت الألفاظ والعبارات عما وقع فمما لا يحصى من الأحاديث كذلك. وقد قيل في حديث: "إن عيني تنامان .. " أن ذلك غالبًا وقد يقع منه النوم نادرًا كحديث الوادي، وقيل لا يحصل الاستغراق في النوم حتى يكون منه الحدث، وقد قيل بظاهره فإن النوم يوم الوادي عن طلوع الفجر من نوم العين لا من نوم القلب، فإن الفجر بالعين يدرك، وما تقدم من ذلك للتشريع أولى لقوله - عليه السلام -: "إنما أرواحنا بيد الله ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا"، وقول بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. فالمراد به كله حقيقة النوم المستغرف حتى خروج وقت الصلاة، وقد وقع ذلك صريحًا في قوله - عليه السلام -: "لو شاء الله لأيقظنا" ولكن أراد أن يكون سنة لمن بعدكم" في حديث العلاء بن خباب (¬1). ¬

_ (¬1) انظر "الضعيفة" (3088).

والكرى: النوم، والتعريس: النزول من آخر الليل، قاله الخليل. وقال أبو زيد: التعريس النزول أي وقت كان من ليل أو نهار. وفي الحديث: يعرسون في نحر الظهيرة. واكلأ: أي احفظ، قال ابن هرمة: إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بأمر ما كان يرزؤها أي: يحفظها. وفي الحديث عند البخاري أنهم طلبوا التعريس منه فقال: "أخاف أن تناموا"، فقال بلال: أنا أوقظكم. فحينئذ عرس ووكل بلالًا بحفظ الفجر، فكان من حسن فراسته وصدق ظنه أن وقع ذلك. وفيه: ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اختلف في هذا الفزع وفي سببه، فقال الأصيلي: كان لأجل عدوهم أن يكون اتبعهم فيجدهم على غرة. ورده أبو عمر، وقيل: لما فاتهم من أمر الصلاة، ولم يكن عندهم حكم من ذلك، ويدل على هذا قولهم: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا؟ وهذا بين في حقهم، وقد يكون الفزع بمعنى مبادرتهم إلى الصلاة كما قال: "فافزعوا إلى الصلاة" أي: بادروا إليها. وقد يكون فزع النبي - صلى الله عليه وسلم - إجابة الفزعين من أصحابه وإغاثتهم فيما نزل بهم، يقال: فزعت: استغثت، وفزعت: أغثت. وقول بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك؛ في معرض الاعتذار مما كان التزمه ولم يقم به، والنفس هنا هي التي تتوفى بالنوم والموت كما قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}، وهي المناداة في قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة}، وقد وقعت العبارة عنها في بعض ألفاظ الحديث

بالروح، وفيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا". فكلا العبارتين عن شيء واحد، وإن اختلفت حقيقتاهما عند قوم، وقد قيل: كل ذلك شيء واحد يعبر به عن لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلها الحياة يتأتى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة وهي القابلة للعلوم، والإنسان هو مجموع الجسد وتلك اللطيفة. وأما قول علماء الطبيعة في حقيقة الروح وماهيتها وهل هي متحيزة أو حالة في المتحيز أو لا متحيزة ولا حالة في المتحيز كما قال الغزالي؛ فأقول: لم يأت نص بشيء منها، ومن حيث النظر يدفع بعضها بعضًا، فالأولى الإضراب عنها، ولا سيما وقد قال الله تعالى: {ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا}. وقوله: فاقتادوا، فاقتادوا شيئًا، وهذا لفظ مسلم، وعند أبي داود: ارتحلوا، ومعناهما واحد. وفيه فوائد: الأولى: اختلف العلماء في قضاء الفائتة، هل هي على الفور أو لا؟ وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الباب بعد هذا. الثانية: اختلفوا في هذا الوقت بخصوصه هل تقضي فيه الفوائد أم لا؟ فمنعه العراقيون استدلالًا بهذا الحديث وحملوا تأخيره - عليه السلام - الصلاة حتى خرج من الوادي على ذلك، واستدلوا أيضًا بعموم نهيه - عليه السلام - عن الصلاة في ذلك الوقت كما سيأتي، وأجازه غيرهم، فإن ذلك العموم مخصوص بقوله عليه السلام: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك"، الحديث وما

في معناه، وقد يقال على هذا أنه يحتمل في الاستدامة ما لا يحتمل في الابتداء. والجواب عن الأول بأن ما جعلوه علة للخروج من الوادي ليس علة في نفس الأمر، بل العلة ما نص عليه الشارع من قوله: "فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" كراهة تتعلق بالمكان لا بالزمان، وليس ذلك عندهم من باب الطيرة، بل من باب الكراهة له، ويزيد ذلك وضوحًا ما في رواية زيد بن أسلم: فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي. وفي رواية ابن جريج عن عطاء أنه - عليه السلام - ركع ركعتين في معرسه، ثم سار ساعة، ثم صلى الصبح. فليس المكروه إلا إقامة فريضة الصبح فيه وهو بهذه المثابة، وإلا فالزمان الذي تحل فيه النافلة أحرى أن تحل فيه الفريضة. الثالثة: اختلف المعللون بأن الوادي به شيطان، فقال بعضهم: من نام عن الصلاة في سفره ثم انتبه بعد خروج الوقت لزمه الزوال عن ذلك الموضع، وان كان واديًا خرج عنه، لقوله - عليه السلام -: "اركبوا واخرجوا من هذا الوادي إن به شيطانًا"؛ قالوا: فكل موضع وقع فيه مثل ذلك فينبغي الخروج عنه وإقامة الصلاة في غيره، فإنه موضع ملعون كما روي عن علي قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما أتى أرض ثمود أمر الناس فأسرعوا، وقال: "هذا واد ملعون"، وأمر بالعجين المعجون بماء ذلك الوادي فطرح. وقال آخرون: أما ذلك الوادي وحده إن علم وعرض فيه مثل ذلك العارض فواجب الخروج منه على ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما سائر المواضع فلا، لأن الله تعالى يقول: {وأقم الصلاة لذكري}، ولقوله - عليه السلام -: "فليصلها إذا ذكرها"، ولم يخص موضعًا من موضع إلا ما جاء في ذلك الموضع خاصة. وقال آخرون: كل من انتبه من نوم أو ذكر بعد نسيان، أو ترك صلاة عامدًا ثم ثاب إلى أدائها فواجب على كل واحد منهم أن يقيم صلاته تلك في أعجل ما يمكنه

في أي موضع ذكرها فيه واديًا كان أو غيره، إذا كان الموضع طاهرًا، وسواء كان ذلك الوادي أو غيره، لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا واد به شيطان" خصوص له لا يشركه في علمه غيره، ولعل ذلك الوادي لم يحضره ذلك الشيطان إلا ذلك الوقت، وذكر إسماعيل القاضي عن محمد بن مسلمة نحوه، قال: ولا يعلم الناس من ذلك الوادي ولا من غيره ما علم من ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو عمر: الذي عليه العمل عندي، وفيه الحجة لمن اعتصم به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، ولم يخص ذلك الوادي من غيره في هذا الحديث. وقوله: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ناسخ لما خالفه. ولا يجوز عليه أن ينسخ بغيره، لأن ذلك من فضائله - صلى الله عليه وسلم -، وفضائله لا يجوز عليها النسخ، لأنها لم تزل تتزايد حتى مات، ولم يسلب منها شيئًا - صلى الله عليه وسلم -. الرابعة: الأذان والإقامة للفوائت: وقد ثبتا معًا في حديث أبي قتادة، وحديث عمران بن حصين، وقد اختلف العلماء في ذلك، قال ابن عبد البر: قال مالك والشافعي والأوزاعي: من فاتته صلاة أو صلوات حتى خرج وقتها أقام لكل صلاة إقامة ولم يؤذن. وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور: ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة، وقال أبو حنيفة: من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان وإقامة، فإن لم يفعل فصلاته تامة. وقال محمد بن الحسن: إذا فاتته صلوات فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل النبي - عليه السلام - يوم الخندق فحسن، وإن أذن وأقام لكل صلاة فحسن. قال الشيخ محيي الدين: والأصح عندنا إثبات الأذان. ومن حجة من لم ير الأذان حديث أبي سعيد الخدري وغيره في قضاء فوائت يوم الخندق.

والقول بالأذان راجح لأنه زيادة في خبر من أخبر به من الثقات يجب قبوله والرجوع إليه. الخامسة: فيه استحباب الجماعة في قضاء الفائتة، واليه ذهب أصحابنا. السادسة: قضاء الفوائت؛ فذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبيدة بن حميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن تميم بن سلمة، عن مسروق، عن ابن عباس؛ قال: ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح بعد طلوع الشمس. ورواه ابن الأصبهاني عن عبيدة قال فيه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فذكر الحديث، وفيه قال ابن عباس: فما يسرني بها الدنيا وما فيها، يعني الرخصة، وكان مسروق يقول ذلك. وإلى القول بوجوب القضاء في حق المعذور وغيره، -قلت الصلوات المقضية أو كثرت- ذهب العلماء -إلا خلافًا شاذًا لا يعرج عليه في مسألة القضاء لغير المعذور، وخلافًا آخر نحوه في الشذوذ- في أن من زاد على خمس صلوات لم يلزمه قضاؤها. فأما الأول فمذكور عن أبي محمد بن حزم. وأما الثاني فحكاه المازري، قال: ويصح أن يكون وجه هذا القول أن القضاء يسقط في الكثير للمشقة، ولا يسقط فيما لا يشق كما أن الحائض يسقط عنها، قضاء الصلاة لكثرة ذلك وتكرر الحيض، ولم يسقط الصوم إذ ليس ذلك موجودًا فيه. وأما الاحتجاج لما ذكره أبو محمد بن حزم بدليل الخطاب في قوله: "من نسي أو نام فليقض"، فاقتضى أن العامد بخلاف ذلك، فيمكن أن يقال في الجواب عنه

ليس انتفاء القضاء بدليل الخطاب بأولى من إيجابه بمفهوم الخطاب، ويكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فأولى أن يجب على العامد. وقد ذكر في الاحتجاج لمن قال بوجوب القضاء على العامد وجوه منها: التمسك بعموم قوله: "من نسي صلاة"؛ أي: من حصل منه نسيان، قالوا: والنسيان هو الترك سواء اقترن به ذهول أو لم يقترن، يدل عليه قوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم}؛ أي: تركوا معرفة الله وأمره فتركهم في العذاب. ومنها قوله: "فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"، والكفارة إنما تكون عن الذنب غالبًا، والنائم والناسي بمعنى الذاهل ليس بآثم، فيتعين العامد لأن يكون هو المراد. ومنها: "أقم الصلاة لذكري"، أي: لتذكرني على أحد التأويلات. ومنها: وهو أقوى ما سبق؛ أن القضاء يجب بالخطاب الأول، فإن خرج وقت العبادة لا يسقط وجوبها إذ هي لازمة في ذمة المكلف كالديون، وإنما يسقط العبادة فعلها أو فقد شرطها، ولم يحصل شيء من ذلك، وهو أحد القولين لأهل الأصول. السابعة: قضاء النوافل، لأنه - عليه السلام - ركع ركعتي الفجر في الوادي وركعهما أصحابه كما في أحاديث الباب قبل هذا. وقد اختلف العلماء في ذلك ففيه قولان للشافعي: أحدهما: يستحب قضاؤها؛ لعموم الأمر بقضاء الصلاة المنسية، ولفعله عليه السلام ذلك غير مرة في سنة الظهر التي قضاها بعد العصر وفي سنة الصبح. والثاني: لا يستحب. وإلى الأول ذهب أحمد وداود وهو قول أشهب وعلي بن زيد وأصحاب مالك.

وإلى الثاني ذهب الثوري والليث بن سعد، وهو المشهور من مذهب مالك؛ قالوا: لأن فعلها قبل الفائتة تزيدها فواتًا، ولأنها ليس في الذمة منها شيء فيجب قضاؤه، فإن أراد أن يقضي فليصل مستأنفًا. وعن أبي حنيفة: إن فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت، وإن فاتت وحدها فلا. ونقل بعض الأصحاب عن مذهبه أنه لا يقضي منها إلا ركعتا الفجر إذا فاتت مع الفرض. وحكى صاحب "النهاية" قولًا ثالثًا أن ما استقل منها ولم يتبع غيره كالعيدين والضحى قضى لمشابهته الفرائض، وما كان تابعًا لغيره كالرواتب لا تقضى. الثامنة: قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك"، فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يكفرها غير قضائها، ولا يجوز تركها إلى بدل آخر. والثاني: أنه لا يلزمه في نسيانه شيء ولا كفارة لها من مال ولا غيره، وإنما يلزمه أداؤها. التاسعة: الكفارة والتكفير: الستر والتغطية، قال لبيد: في ليلة كفر النجوم غمامها ... فحقيقته الشرعية في التغطية على الإثم وستره، فأما في حق العامد فهي على بابها، وأما في حق غير العامد الذي لا إثم عليه فمن باب مجاز التشبيه، ولما كان التارك عمدًا يشبه التارك سهوًا في الصورة بجامع الترك أطلق على القضاء في حقه كفارة، كما أطلق عليه في حق الأول، وإذا أطلقت الكفارة في حقهما على السواء ففيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه. العاشرة: قوله تعالى: {أقم الصلاة لذكري}؛ خرج مخرج الاحتجاج على

الاحتجاج به حتى يكون شرع من قبلنا شرعًا لنا، وفيه اختلاف، والمختار أنه كذلك ما لم يرد ناسخ. الحادية عشرة: المصدر قد يضاف إلى الفاعل وقد يضاف إلى المفعول، وعلى حسب ذلك اختلف المفسرون في معنى (لذكري)؛ فقال بعضهم: لتذكرني فيها، روي عن مجاهد، وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل: إذا ذكرتها، فمعناه لتذكيري لك إياها وهو أولى لسياق الحديث، ويعضده للذكرى، وهو قول أكثر العلماء والمفسرين. وقال النخعي: اللام للظرف أي إذا ذكرتني أي: ذكرت أمري بعدما نسيت، ومنه الحديث، وقيل: لا تذكر فيها غيري، وقيل: شكرًا لذكري، وقيل: اللام للسببية، وهو حسن، وقريب منه قول النخعي. الثانية عشرة: قوله: "افعلوا كما تفعلون كل يوم"، فيه دليل على أن صفة قضاء الفائتة مثل صفة أدائها، ولا خلاف عندنا في الصبح المقضية، وإنما اختلف أصحابنا في الجهر في الصبح المقضية بعد طلوع الشمس على وجهين: أصحهما أنه يسر بها، فيحتاج قائل هذا إلى الجواب عن هذا الحديث، وقد نحا بعضهم في الجواب عنه إلى أن ذلك لا يندرج تحت مسمى الأفعال. الثالثة عشرة: قوله: "ليس في النوم تفريط"؛ يريد أن حكم التفريط مرفوع عن النائم، لارتفاع التكليف عنه كما في الحديث الآخر: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ ... " الحديث، وإنما يجب عليه قضاء الفائتة إذا استيقظ إما بأمر جديد كما هو المختار عندهم، أو بالأمر السابق كما ذهب إليه بعضهم لتمكنه من الفعل. الرابعة عشرة: فلو أتلف النائم برجله أو بيده أو غيرهما من أعضائه شيئًا في حال نومه، فالضمان واجب عليه بالاتفاق، والفرق بينه وبين ما سبق أن غرامة

حال نومه، فالضمان واجب عليه بالاتفاق، والفرق بينه وبين ما سبق أن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو غيرهما ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه، يدل عليه قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}، فرتب سبحانه على القاتل خطأً الدية والكفار مع أنه غير آثم. الخامسة عشرة: قوله: "إنما التفريط في اليقظة"، هذا لفظ حديث أبي قتادة عند الترمذي وهو ظاهر، وعند مسلم: "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حشى يجيء وقت الأخرى". فيه دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت التي تليها، ويستثنى من ذلك الصبح لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" وأما المغرب فقد سبق الكلام في وقتها والظاهر أنه تمتد إلى العشاء. السادسة عشرة: تمسك من لم يفرق بين وقت الاختيار ووقت الجواز ووجهه أن الشارع سوى بين الوقتين في رفع حكم التفريط عن المصلي في كل منهما، وإليه ذهب داود الظاهري، ولا يلزم من استوائهما في رفع الحرج أن يثبت له استواؤهما في غير ذلك. السابعة عشرة: قوله: "فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها" وهذه اللفظة هي التي أنكرت على عبد الله بن رباح ووهمه فيها بعضهم، وقال البخاري: لا يتابع عليها. ولا ينبغي أن تنكر عليه فإن لها شاهدًا في حديث عمران بن حصين حيث ذكر الحديث وفيه: "قالوا: يا رسول الله، ألا نصليها لميقاتها من الغد، قال: لا إن

حصل الشك في معناها، فكأن المراد من قوله: "فإذا كان من الغد فليصليها عند وقتها"، أنها من الغد تعود لميقاتها الأول على حالها، فلما فهم من فهم عنه أن إعادتها في اليوم الثاني لازمة لهم استثبتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقال لهم: "إن الله ينهاكم عن الربا"؛ أي: تفوتكم صلاة فتقضوا صلاتين، وبهذه المراجعة والجواب في حديث ابن حصين تدل على صحة هذه اللفظة في خبر أبي قتادة. الثامنة عشرة: ذكر أبو محمد بن حزم حديث أبي قتادة هذا من طريق الأسود بن يزيد (¬1)، ثنا خالد بن شمير نا عبد الله بن رباح ثنا أبو قتادة ... فذكره. ثم قال: فإن قيل: فقد روي في بعض ألفاظ هذا الخبر أنه - عليه السلام - قال لهم حينئذ: "من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها"؟ قلنا: نعم، قد روي هذا اللفظ، وروي: "ليصلها من الغداة لوقتها"، وروي: "فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها إذا ذكرها من الغد للوقت" وروي: أنهم قالوا: يا رسول الله! أنقضيها لميقاتها من الغد، وأنهم قالوا: ألا نصلي كذا وكذا صلاة؟ قال: "أينهاكم (¬2) الله عن الربا ويقبله منكم". وكل هذا صحيح، ومتفق المعنى، وإنما يشكل من هذه الألفاظ: "من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها". وإذا تؤمل (¬3) فلا إشكال فيه لأن الضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب [مذكور والضمير في (معها) راجع إلي (¬4) الغداة لا إلى الصلاة؛ ¬

_ (¬1) في "المحلى" (3/ 201): الأسود بن شيبان، وهو الصواب كما عنده (3/ 18) وفي "السنن" (438) لأبي داود، بل لا يعرف لخالد راو غير الأسود بن شيبان، والحديث باللفظ المشكل: (فلتقض معها مثلها) حكم الشيخ الألباني بشذوذه، لتفرد به. خالد به. ومعارضته لما هو أصح منه، انظر "ضعيف السنن" (65). (¬2) في "المحلى": لا ينهاكم. (¬3) في نسخة السندي: توبع! (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في "المحلى"!

[أي] (¬1): فليقض مع الغداة مثل [هذه الصلاة التي يصلي بلا زيادة عليها؛ أي: فليؤد ما عليه من الصلاة مثلما فعل كل يوم؛ فتتفق الألفاظ كلها على معنى واحد، لا يجوز غير ذلك، وبالله تعالى التوفيق] (1). * * * ¬

_ (¬1) من "المحلى" سقط من الأصول، أشار إليه في نسخة السندي، قال الشيخ الألباني في "ضعيف السنن": وهذا المعنى غير متبادر من هذا اللفظ، وأرى أن حمله عليه تكلف واضح. والله أعلم.

18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ ثنا هناد، نا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء (¬1). قال: وفي الباب عن أبي سعيد وجابر. قال أبو عيسى: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها وإذا لم يقم أجزأه وهو قول الشافعي. * الكلام عليه: رواه النسائي، وحديث أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًّا عزيزا}، قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام صلاة الظهر فصلاها وأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام العصر فصلاها وأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك، قال: وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فرجالًا أو ركبانًا} [البقرة:239]. رواه الإمام أحمد وهذا لفظه ¬

_ (¬1) قال الشيخ في الإرواء (1/ 257): حسن وإن عنون له بالضعف، إلا أنه حسنه عند الترمذي (179)، وصححه لغيره عند النسائي (662)، وكذا فعل في "الثمر" (1/ 109، 143).

وبهذا اللفظ والنسائي (¬1). وحديث جابر بن عبد الله: أن عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما صليتها"، قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري ومسلم (¬2). بُطحان: بضم أوله وإسكان ثانيه بالمدينة، وذكر أبو عبيد البكري وغيره أنه بفتح أوله وكسر ثانيه وأنشد: عفا بَطِحان [من قريش فيثرب ... فملقى الرحال] (¬3) من منى فالمحصب وقوله: بهُوي من الليل، قال ابن سيده: ومعنى هَوي من الليل وهُوي يعني بفتح الهاء وضمها وكسر الواو وتشديد الياء وتهواء (¬4) بكسر التاء أي: ساعة. اختلفت الروايات في الصلاة المنسية يوم الخندق، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث جابر وغيره أنها العصر، وعند غيرهما الصلوات الأربع كما تقدم، ¬

_ (¬1) أحمد: "المسند" (3/ 49، 67) وانظر (3/ 25)، والنسائي (661) والحديث ابن خزيمة (974، 996) وتابعه الشيخ الألباني، في الإرواء (1/ 257)، و"الثمر" (1/ 109). (¬2) البخاري (596) كتاب مواقيت الصلاة (9)، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت (36)، ومسلم (631) كتاب المساجد (5)، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى: هي صلاة العصر. (¬3) زيادة من "معجم ما استعجم" (258)، وفي "معجم البلدان": (1/ 447، 3/ 412): من سليمي فيثرب. وعزياه إلى ابن مقبل. (¬4) في "القاموس": التهواء: بالكسر، الطائفة من الليل. (ت هـ ا) و: ساعة (هـ وو). وقول ابن سيده عند ابن منظور في "لسان العرب".

والذي عند مالك رحمه الله في "موطئه" (¬1) أنها الظهر والعصر، فمن الناس من اعتمد على ما في الصحيح، قال القاضي أبو بكر بن العربي: والصحيح -إن شاء الله- أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة وهي العصر. ومنهم من جمع بين الأحاديث في ذلك بأن الخندق كانت وقعته أيامًا، فكان ذلك كله في أوقات مختلفة في تلك الأيام وهذا أولى من الأول؛ لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي (¬2): ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، وهذا إسناد صحيح جليل (¬3). الثانية: فيه إطلاق لفظ العشاءين على المغرب والعشاء، قال النووي (¬4): وقد أنكره بعضهم، لأن المغرب لا تسمى عشاء وهذا غلط، لأن التثنية هاهنا للتغليب كالأبوين والعمرين والقمرين ونظائرهما، انتهى. وما رأى هذا من باب التغليب، فإن أبا بكر لم يطلق عليه عمر ولا الشمس أطلق عليها القمر إلا في ذلك الموضع وكذلك ما أشبههما، وأما المغرب فقد يطلق عليها العشاء بدليل تقييدهم العتمة بالعشاء الآخرة، ففي حديث جابر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر صلاة العشاء الآخرة (¬5)، وفي حديث ابن عمر: مكثنا ننتظر رسول ¬

_ (¬1) "الموطأ" كتاب صلاة الخوف، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا. (¬2) "السنن المأثورة" (111 / ح 1) و"أحكام القرآن" (1/ 34) و"المسند" (ص 32)، "الأم" (1/ 86). (¬3) نقله عن ابن سيد الناس: الشوكاني في "النيل" وأخذه عنه الألباني في "الثمر المستطاب" (1/ 109). وكذلك نقله السيوطي في "شرح النسائي" (2/ 19). (¬4) "شرح صحيح مسلم" (5/ 130). (¬5) "صحيح مسلم" (643) كتاب المساجد (5)، باب وقت العشاء وتأخيرها (39).

الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة لصلاة العشاء الآخرة (¬1)، كلاهما عند مسلم، والثاني عند البخاري، وجابر هو ابن سمرة. وكذلك في حديث علي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل". أخرجه البزار (¬2). وعند البخاري (¬3) من حديث عبد الله المزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، فإن الأعراب تقول هي العشاء". فلفظة العشاء على هذا مسموعة فيها. والجواب عن حديث المزني على هذا كالجواب عن قوله - عليه السلام - (¬4): "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل"، مع قوله: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا" (¬5) فقالوا: التسمية بالعتمة هنا متقدم على النهي، أو لبيان الجواز وليدل على أن ذلك النهي ليس للتحريم، أو ¬

_ (¬1) صحيح مسلم (639) في الكتاب والباب السابقين، ونحوه عند البخاري (570) كتاب مواقيت الصلاة (9)، باب النوم قبل العشاء لمن غلب (24). (¬2) في "البحر الزخار" (477، 478)، أو (491) "كثف الأستار" كتاب الصلاة، باب السواك، قال الهيثمي (2/ 97): عبد الرحمن بن يسار وثقه ابن معين، وفي (10/ 154) قال: رجال أحمد وأبي يعلى ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع. وحسنه الشيخ في "الإرواء" (1/ 110)، "صحيح الترغيب" (206)، وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن حبان (1529)، وقلد بن خالد عند أحمد (4/ 114)، وصححهما الشيخ الألباني، انظر "الإرواء" (70) و"صحيح السنن" (37). (¬3) "الصحيح" (563) كتاب مواقيت الصلاة (9) باب من كره أن يقال للمغرب؛ عشاء (19). (¬4) "صحيح مسلم" (644) في الكتاب والباب السابقين، من حديث ابن عمر. (¬5) رواه البخاري (615) كتاب الأذان (10)، باب الاستهام في الأذان (9)، ومسلم (437) كتاب الصلاة (4) باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف.

خاطبهم بما علموه وما هو مشهور عندهم. الثالثة: اشتغال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ذلك اليوم، قالوا: يحتمل أن يكون نسيانًا لشغله بالعدو، ويحتمل أن يكونوا لم يمكنوه منها ولم يفرغوه لها، ويحتمل أن يكون أخّرها قصدًا لاشتغاله بالعدو. والأول عندي بعيد، لأن أبا سعيد الخدري يقول: حتى كفينا وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (¬1) [الأحزاب: 25]. الرابعة: فيؤخذ منه على هذا جواز التأخير في مثل هذه الحالة من الخوف، وقد اختلف الناس في ذلك، هل هو منسوخ بصلاة الخوف أم لا؟ فالجمهور على النسخ، وذهب مكحول وغيره من الشاميين إلى جواز تأخير صلاة الخوف إذا لم يُتمكن من أدائها في الوقت إلى وقت الأمر، والصحيح الأول لأن أبا سعيد يقول في حديثه: وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]. الخامسة: لفظة كاد وهي من أفعال المقاربة، فإذا قلنا: كاد زيد يقوم، فالمفهوم منها أنه قارب القيام ولم يقم، حتى قال فيها المعري ملغزًا: أنحوي هذا العصر أية كلمة ... جرت بلساني جرهم وثمود إذا نُفِيَت والله أعلم أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود وقد تدل على النفي إذا وردت بصيغته وهو قليل كقول ذي الرمة: إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح معناه لم يبرح ولم يكد يبرح، فنفى الفعل ومقاربته، ولذي الرمة في هذا ¬

_ (¬1) سبق أول هذا الباب، وأن ابن خزيمة صححه.

البيت خبر مذكور في كتب الأدب (¬1). وقد تقترن بها لفظة (أن) وهو قليل، قال: قد كان من طول البلى أن يمصحا (¬2) وهي في ذلك مخالفة للفظة عسى، فالأصح في عسى اقتران أن بها، قال الله تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة: 52]، وقد تخلوا عنها وهو قليل، قال (¬3): عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب السادسة: إذا ثبت في لفظة كاد أنها تستعمل كذلك فقد روي عن عمر في الصحيح في لفظة كاد اقترانها (بأن) عند مسلم ورويت فيه غير مقترنة بها كما أوردته في أول الباب: "ما كدت أصلي حتى كادت الشمس تغرب". ومعلوم أن الواقعة واحدة، فهو من باب الرواية بالمعنى، وإذا كان كذلك فهل تسع الرواية بالمعنى مثل هذا أو لا؟ والأولى هنا أن تسع، لأن المقصود الإخبار عن صلاة العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر كيف تكلم باللغة الراجحة المشهورة أو اللغة المرجوحة القليلة في الاستعمال. السابعة: وإذا ثبت من معنى كاد ما ذكرناه من المقاربة فقول عمر: ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. معناه أنه صلى العصر وما غربت الشمس، لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب. ¬

_ (¬1) انظر "الأغاني" (18/ 39) و"دلائل الإعجاز" (1/ 213). (¬2) مصح الكتاب درس أو قارب، انظر "لسان العرب" (م ص ح). والبيت لرؤبة، كما في " تاج العروس" و"لسان العرب" (3/ 382) (ك ود). (¬3) عزاه ابن جني في "اللمع" (144) لهدبة بن خشرم.

وإن كان اجتماعهم واشتغالهم كلهم بالعدو فيما يغلب على الظن، يبعد ذلك فيقربه ما سنذكره. الثامنة: قوله: "والله ما صلينا" ذكر فيه معنيان: أحدهما: أن ذلك لفرط أسفه عليها وتذكرها حينئذ. الثاني: أن ذلك كان تطييبًا لقلب عمر رضي الله عنه، فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب الغروب، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يصلها بعد ليكون لعمر به أُسوة، وأكد ذلك الخبر باليمين. التاسعة: فيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف، بل هي مستحبة إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم، وذلك كثيرة في الحديث، وكذلك القسم من الله كقوله: {وَالذَّارِيَاتِ}، {وَالطُّورِ}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وما أشبه ذلك. وكل هذا لتفخيم المقسم وتوكيده. العاشرة: وإذا كان هذا هو المقتضي لليمين، ففيه ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من كرم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي من الاقتداء به في ذلك، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. الحادية عشرة: فيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة، وخالف فيه الليث بن سعد وهذا الحديث والحديث في الباب قبل هذا يقتضيانه وقد تقدم. الثانية عشرة: الإقامة للصلاة الفائتة وقد تقدم اختلاف الناس في الإقامة والأذان لذلك في الباب قبل هذا، وحكى أبو عمر عن بعض من يقول يؤذن لها ويقام أنه أجاب عن ما في حديث ابن مسعود وأبي سعيد من الإقامة للصلوات الأربع الفائتة أن من جملتها صلاة العشاء قال: وهي مفعولة في وقتها ليست بفائتة ولابد لها من الأذان، فدل ذلك على أن قوله ثم أقام فصلى العشاء أنه إنما أراد إقامتها

بما تقام به على سنتها من الأذان والإقامة، قال: فكذلك ساير ما ذكر معها من الصلوات ورد على قائل هذا القول بأنه يحتمل أن تكون العشاء صليت في تلك الليلة بعد نصف الليل لقوله في الحديث: بعد هوي من الليل، وذلك بعد خروج وقتها المختار، فكان حكمها في ذلك حكم صلاة المغرب بعد مغيب الشفق على ما في الأحاديث من ذلك، وإذا احتمل ذلك فهي فائتة حكمها حكم غيرها مما ذكر من الصلوات معها. الثالثة عشرة: قد تمسك به من لا يرى قضاء الفوائت من السنن الرواتب مع الفرائض وقد تقدم في الباب قبل هذا. الرابعة عشرة: فيه الترتيب في قضاء الفوائت وأن من فاتته صلوات قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد وفي معناه أيضًا حديث أبي جمعة حبيب بن سباع وله صحبة قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب يوم الأحزاب فلما سلم، قال: "هل علم أحد منكم أني صليت العصر"، قالوا: لا يا رسول الله، فصلى العصر ثم صلى المغرب. أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في "مسنده" (¬1). وقد اختلف العلماء في ذلك، قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: فقال مالك وأبو حنيفة وهو معنى قول أحمد وإسحاق: إن الترتيب واجب مع الذكر ساقط مع النسيان ما لم يتكرر ويكثر، وقال الشافعي وأبو ثور: لا ترتيب فيها، ويُروى عن الحسن البصري وطاوس وشريح. قال أصحابنا: وإذا قضى صلوات استحب قضاؤهن مرتبًا، فإن خالف ذلك صحت صلاته عند الشافعي ومن وافقه سواء كانت الصلوات قليلة أو كثيرة. ¬

_ (¬1) "المسند" (4/ 106)، وضعفه الهيثمي في "المجمع" (1/ 324) والألباني في "الإرواء" (261).

الخامسة عشرة: اختلفوا إذا ذكر صلاة فائتة في وقت حاضرة ضيق (¬1)، هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة، أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فيقدم أيتهما شاء على ثلاثة أقوال، وبالأول قال مالك والليث والزهري، وبالثاني قال الحسن وابن المسيب وجماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي والشافعي وابن وهب. وبالثالث قال أشهب. هذا ما لم تكثر الصلوات فإذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة على ما حكاه القاضي عياض. السادسة عشرة: الذين أوجبوا الترتيب هنا مع القليل وأسقطوه مع الكثير، اختلفوا في حده، فعن مالك أن الخمس فدونها من اليسير، وقيل الأربع وحديث الباب فيه الترتيب حتى (¬2) أربع صلوات، ولم يختلفوا أن الست كثير. السابعة عشرة: إذا ذكر الفائتة وهو في صلاة حاضرة، قال بعض المالكية: إما أن يكون وحده أو وراء إمام، فإن كان وحده بطلت وصلى الفائتة وأعاد التي كان فيها، وإن كان وراء إمام أتم معه، ثم صلى التي نسي ثم أعاد التي صلى مع الإمام هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحق، وقال الشافعي: يكمل التي هو فيها ثم يعيد التي نسي خاصة وتمسك بما روى الدارقطني (¬3) من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها صلى التي نسي". ¬

_ (¬1) الأصل: ضيق وقت حاضرة، انظر "فتح الباري " (1/ 410)، و"تحفة الأحوذي" (1/ 452). (¬2) كلمتان أو ثلاثة لا تظهر في التصوير. وهذا ما ظهر لي، والله أعلم بالصواب. (¬3) "السنن" (1/ 421) وقال: عمر بن أبي عمر مجهول. وضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة" (2715).

وتمسك أحمد وإسحق بما روى عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام". أخرجه أبو يعلى الموصلي (¬1) عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال: نا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري فيما قرأت عليه بمرج دمشق عن أبي مسلم المؤيد بن الأخوة وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة قالا أنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أنا إبراهيم بن محمد بن علي الكسائي أنا أبو بكر بن المقري أنا أبو يعلى. قيل: تفرد به سعيد بن عبد الرحمن، وسعيد أخرج له مسلم ووثقه ابن معين وكلام ابن حبان فيه بعد ذلك ليس بكبير أمر (¬2). ورواه البيهقي (¬3) وقال: تفرد أبو براهيم الترجماني برواية هذا الحديث مرفوعًا والصحيح موقوف، أنه من قول ابن عمر موقوفًا، كذا رواه غير أبي إبراهيم عن سعيد ثم ذكره من طريق مالك وعبيد الله موقوفًا. انتهى. وقال ابن أبي حاتم: في "العلل" (¬4) الصحيح موقوف وقال ابن معين: فعل الله ¬

_ (¬1) في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (445 - العاصمة) والدارقطني، وقال: قال موسى بن هارون الحمال: وهم في رفعه، فإن كان رجع عن رفعه، فقد وفق للصواب. والموقوف كذلك رواه مالك (406) عن نافع عن ابن عمر قوله. والحديث ضعفه الشيخ في "الثمر" (1/ 11). (¬2) وكذلك رده ابن حجر في " التهذيب"، والذهبي في "الميزان". (¬3) "السنن الكبير" (2/ 221). (¬4) "العلل" (293) عن أبي زرعة، وقول ابن معين عنده، من طريق أبي زرعة: أخبرت أن يحيى ... وانظر "تاريخ بغداد" (9/ 67).

بي إن كتبته وحديث ابن عباس الذي تقدم ذكره رواه البيهقي من طريق بقية عن عمر بن أبي عمر عن مكحول عن ابن عباس. بقية مشهور الحال وعمر بن أبي عمر قال ابن عدي: لا أعلم يروي عنه غير بقية فهو مجهول (¬1). الثامنة عشرة: فيه المبادرة إلى القضاء، قال أصحابنا: ومن فاتته فريضة وجب قضاؤها، فإن فاتته بعد ذا استحب قضاؤها على الفور ويجوز التأخير على الصحيح، وحكى البغوي عن غيره وجهًا أنه لا يجوز. وإن فاتته بغير عذر وجب قضاؤها على الفور على الأصح، وقيل: لا يجب على الفور بل له التأخير وظاهر الأحاديث يقتضي الفورية في حق أصحاب الأعذار أيضًا. التاسعة عشرة: إذا قلنا بتقديم الحاضرة على الفائتة كما ذهبت إليه الشافعي، فقد يؤخذ من حديث جابر أن وقت المغرب يتسع إلى غروب الشفق، لأنه قدم العصر عليه، ولو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضًا. وقد يجاب عنه بأن هذا كان بعد خروج وقت المغرب أيضًا بزمن عند من يرى تضييق وقت المغرب، لا سيما على رواية أبي سعيد التي يقول فيها: حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل. * * * ¬

_ (¬1) "الكامل" (5/ 22)، كلامه: .. غير بقية، كما يروي عن سائر المجهولين. وافتتح ترجمته بقوله: ليس بالمعروف، حدث عنه بقية، منكر الحديث عن الثقات.

19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر حدثنا محمد بن بشار نا معاذ بن هشام ثنا أبي عن يحيى بن أبي كثير نا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق: وجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، فقال رسول الله: "والله إن صليتها". قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله وتوضأنا فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (¬1). حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الوسطى صلاة العصر" (¬2). قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. حدثنا هنّاد نا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الوسطى صلاة العصر" (¬3). قال: وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة. ¬

_ (¬1) هذا الحديث جاء في المطبوع برقم (180) في الباب الذي قبله، وسيذكر ذلك المصنف، وقد سبق تخريجه، وأنه متفق عليه، رواه البخاري (596) ومسلم (631). (¬2) رواه مسلم (628) كتاب المساجد (5) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (36). (¬3) الهداية (605)، صحيح لشواهده.

حدثنا أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه. وقال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن. وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم. وقال زيد بن ثابت وعائشة: صلاة الوسطى صلاة الظهر. وقال ابن عباس وابن عمر: صلاة الوسطى صلاة الصبح. حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى نا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته فقال: سمعته من سمرة بن جندب. قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل نا علي بن عبد الله بن المديني عن قريش بن أنس بهذا الحديث. قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح. واحتج بهذا الحديث (¬1). * الكلام عليه: أما حديث عمر فقد سبق الكلام عليه في الباب قبل هذا، وكذلك هو في بعض نسخ الترمذي داخل في الباب المذكور. وأما حديث ابن مسعود فصحيح أيضًا، رواه مسلم وغيره. وأما حديث الحسن عن سمرة، فقد أخرجه الترمذي وحسنه وفي رواية عنه ¬

_ (¬1) هذا السؤال والجواب موجود عند البخاري بالإسناد عقب حديث (5472). وسماع الحسن حديث العقيقة من سمرة لا يعني سماعه غيره من الأحاديث منه، لأنه مدلس.

عن البخاري قال: قال علي بن المديني: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه. ورواه الإمام أحمد (¬1) وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صلاة الوسطى فقال: "هي العصر". وفي لفظ له أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وسمَّاها لنا أنها (¬2) هي العصر. وقد أخرج الترمذي هذا الحديث أيضًا في التفسير (¬3) من كتابه عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع العيشي عن سعيد بن أبي عروبة به. وقال: حسن صحيح. وقد تقدم الكلام في تصحيح سماع الحسن من سمرة وهي ترجمة احتج بها البخاري في حديث العقيقة وغيره (¬4)، وإن كان شعبة لم يثبت سماعه منه فمن أثبت مقدم على من نفى. وأما حديث علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق: "شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا" فصحيح، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في غير موضع (¬5). وأما حديث عائشة فهو من (¬6) طريق أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال: فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ: {حَافِظُوا عَلَى ¬

_ (¬1) انظر "المسند" (5/ 7، 8). (¬2) في "المسند": إنما. (¬3) حديث رقم (2983) في تفسير سورة البقرة. (¬4) انظر ما سبق. (¬5) رواه البخاري (2931) ومسلم (627). (¬6) في النسخة: فمن بدل: فهو من.

الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قالت عائشة: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم (¬1). وعن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}، فقال رجل -كان جالسًا عند شقيق- له: هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم. رواه مسلم (¬2) وليس لمسلم عن شقيق في "صحيحه" إلا هذا الحديث فقط. وأما حديث حفصة فروى مالك (¬3) عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال: كنت أكتب مصحفًا لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}، قال: فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} هكذا رويناه من طريق القعنبي عن مالك. وأما حديث أبي هريرة فذكره الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله في كتابه في الصلاة الوسطى من طريق ابن أبي داود ثنا أحمد بن جناب ثنا عيسى بن يونس عن محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الوسطى صلاة العصر" وهو حديث أبي هاشم بن عتبة فقد ذكرهما الطحاوي (¬4) من طريق أبي داود أيضًا عنه ثنا أبو مسهر ثنا صدقة بن خالد حدثني ¬

_ (¬1) رواه مسلم (629). (¬2) مسلم (630). (¬3) في "الموطأ" (1139)، ورواه ابن حبان (6289)، وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" و"صحيح السنن" (438). (¬4) في "شرح معاني الآثار" (1/ 174) وقال بعد أن ذكر مجموعة من الأحاديث: فهذه آثار قد تواترت وجاءت مجيئًا صحيحًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الصلاة الوسطى هي العصر. =

خالد بن دهقان قال: أخبرني خالد سبلان عن كهيل بن حرملة النمري عن أبي هريرة أنه أقبل حتى نزل دمشق على آل أبي كلثم الدوسي فأتى المسجد فنزل في غربيه فتذاكروا الصلاة الوسطى فاختلفوا فيها فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال: أنا أعلم لكم ذلك، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان جريئًا عليه فاستأذن فدخل ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها صلاة العصر. خالد بن عبد الله بن الفرج مولى بني عنس -بالنون- شامي يعرف بسبلان لطول كان في لحيته (¬1)، وأبو كلثم الدوسي يقال فيه أبو كلثوم أيضًا. وفي أحاديث الباب مسائل: الأولى: قد اختلف السلف في الصلاة الوسطى ما هي بعد اتفاقهم على أن الصلاة الوسطى أكد الخمس. فقال الشافعي: هي الصبح نص عليه في "الأم" وغيره، وهو مذهب مالك ونقل عن عمر ومعاذ وابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس. وقالت طائفة: هي العصر وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وروي عن علي وابن مسعود وأبي هريرة وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب وسمرة بن جندب وأبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس وعائشة وحفصة وأم ¬

_ = نقله وارتضاه الشيخ الألباني في "صحيح السنن" (2/ 276). قال الهيثمي (1/ 309): رجاله موثقون. قال ابن كثير (1/ 293): غريب من هذا الوجه جدًّا. وقال البزار (391 - الكشف): لا نعلم روى أبو هاشم إلا هذا وآخر. (¬1) انظر "تاريخ دمشق" (50/ 269).

سلمة وعبيدة السلماني والنخعي والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم. وقالت طائفة: هي الظهر وهو رواية عن أبي حنيفة ونقله الواحدي عن زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة. ونقله ابن المنذر عن عبد الله بن شداد. وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب قاله الواحدي. وقال بعضهم: هي العشاء الآخرة. وقال بعضهم: هي إحدى الخمس مبهمة، ذكر عن زيد بن ثابت والربيع بن خثيم وسعيد بن المسيب وشريح. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أنها الجمعة وقيل: إنها الجمعة في يوم الجمعة وفي سائر الأيام الظهر، حكاه ابن مقسم في "تفسيره"، وعن بعضهم أن الصلاة الوسطى جميع الصلوات الخمس وقيل: الصلاة الوسطى صلاتان العشاء والصبح ذكره ابن مقسم في "تفسيره" ونسبه إلى أبي الدرداء رضي الله عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا". وقوله: "من صلى العشاء في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، ومن صلاها مع الصبح في جماعة كان له كقيام ليلة". وذهب أبو بكر الأبهري إلى أنها صلاتان: الصبح والعصر. وقيل: إنها الجماعة في جميع الصلوات، حكى عن الإمام أبي الحسن الماوردي في "النكت" ويقال: إنها صلاة الخوف ذكره شيخنا الحافظ الدمياطي رحمه الله وقال حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} واستدل على ذلك بأوجه ثلاثة من هذه الآية. قال: واختار الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السخاوي

المقرئ أنها الوتر متمسكًا بأن المعطوف غير المعطوف عليه في قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وذكر الأحاديث في فضل الوتر. وقيل إنها صلاة الضحى وذهب آخرون إلى أنها صلاة عيد الفطر حكاهما الدمياطي وقال: وذاكرت فيهما أحد شيوخي الفضلاء فقال: أظنني وقفت على قول من ذهب إلى أنها صلاة الضحى تم تردد فيه، وشواهده من السنة ما ورد في فضل صلاة الضحى مع ما تقدم من أن العطف يقتضي المغايرة فإن صح هذا القول فهو تمام سبعة عشر قولًا. الثانية: هذه الإضافة: صلاة الوسطى، قد اختلف الرواة فيها، فبعضهم يقول: عن الصلاة الوسطى وبعضهم يقول: عن صلاة الوسطى، فأما الرواية الأولى فظاهرة، وأما الثانية فمن باب قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}، فهو عند الكوفيين من باب إضافة الوصوف إلى صفته وأجازوه، ومنعه البصريون وقدَّروا في الكلام محذوفًا تقديره عن صلاة الصلاة الوسطى أي: عن فعلها. الثالثة: الوسطى يحتمل أن يراد به الفضلى ونحوه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي خيارًا، والوسط العدل، ومنه قول العرجي: كأني لم أكن فيهم وسيطا ... ولم تكن نسبتي في آل عمرو ويحتمل أن يراد به المسافة في البعد لكل واحد من الطرفين فيكون المراد التوسط في العدد أو في الزمان، وعلى ذلك انبنى الخلاف. الرابعة: فإذا قلنا المراد بالوسطى هنا الفضلى، فيكون العطف فيه من باب عطف الخاص على العام كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} إلى آخره، لأن الملائكة اسم جنس عرف بالإضافة، وكذلك من النبيين معرف بالألف واللام

فاقتضى العموم، ومثله قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاء يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف؟ قلت: الدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص فجيء بالعام ثم عطف عليه الخاص إيذانًا بفضله كقوله: {الصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فيؤخذ منه ترجيح قول من قال إنها العصر لما في ذلك من النصوص: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" وقوله - عليه السلام - أيضًا: "من ترك صلاة العصر حبط عمله" وقوله - عليه السلام - أيضًا حين صلاها بالمخمص: "إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلنا فضيعوها وتركوها فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين"، والباب في هذا واسع. الخامسة: وإن قلنا التوسط يرجع إلى العدد فإما أن نريد عدد ركعات الصلوات أو أعداد الصلوات نفسها، فإذا أردنا الأول اقتضى أنها المغرب، لأن أعداد ركعات الصلوات أكثره أربع وأقله ركعتان. فالمتوسط ثلاث وهو المغرب، وإن أردنا الثاني صلح لكل واحد من الخمس لما اقتضاه العدد الفرد وذلك لأنه ما من صلاة إلا وهي بين شفعين. السادسة: وإن أريد بالتوسط التوسط في الزمان، قال بعض المالكية: كان الأبين أنها الصبح، لأنها بين صلاتي نهار محقق وهما الظهر والعصر وبين صلاتي ليل محقق وهما المغرب والعشاء، فأما وقت الصبح فوقت متردد بين الليل والنهار. انتهى. وإنما يتم هذا على القول بأن ما بين الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار، بل هو وقت مستقل وهو ضعيف ولو اعتمد في نصرة مذهبه على دعوى أن وقتها أشق الأوقات فكانت أفضل بذلك لكان أقرب، على أنه لا يسلم من

المنازعة بوقت العصر لما فيه من الاشتغال بالبيع والشراء والأسباب وتوفر الدواعي على ذلك، فالمشقة في تركه ظاهرة، نعم إن قيل: بأن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من وقت النهار ظهر أنها العصر؛ لأن الصبح والظهر متقدمتان وهما صلاتا نهار، والمغرب والعشاء متأخرتان وهما صلاتا ليل. السابعة: وعلى القول بمراعاة الوسط في عدد الصلوات لا في عدد الركعات، يتوجه القول بصلاحيتها لكل واحدة من الخمس كما تقدم، لكنه بعيد جدًّا من وجوه أخر: أولها: أن فيه ذكر الشيء مجملًا بعد ذكره مفصلًا مبينًا وهو عكس ما عليه العادة ولم يقع لك في فصيح من الكلام ولا في غيره، فالصلوات مبين والصلاة الوسطى مجمل. وثانيها: أنه ليس في الكلام أيضًا أن يطلق لفظ الجمع ويعطف عليه أحد مفرداته ويكون المراد بذلك المفرد ذلك الجمع لما في ذلك من العي والإلباس. وثالثها: أنه لو أراد بالصلاة الوسطى الصلوات كما زعم هذا القائل لكان كأنه قال: حافظوا على الصلوات والصلوات، مريدًا بالثاني ما أراد بالأول وهو كلام خال من المعنى ولا يمكن حمله على التأكيد لمجيئه بصيغة العطف إلا إن بعض من قال ذلك، قال: المراد بالصلوات فرضها ونفلها، ثم خص الفرض بالذكر في قوله {الصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فيسلم من هذه الاعتراضات، لكنه يحتاج إلى توقيف في الأمر بالمحافظة على الصلوات النوافل. الثامنة: اختلف علماء الأصول في القراءة الشاذة، هل يثبت لها حكم السنن الثابتة من أخبار الآحاد أو لا؟ على قولين، وبالأول قال أبو حنيفة وجماعة وإلى الثاني صار الشافعي في آخرين متمسكين بأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن

والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر. التاسعة: فيما تقدم عن حفصة وعائشة رضي الله عنهما فيما أملته كل منهما على كاتب مصحفها: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر}، فعلى الأول يكون لنا حكم أخبار الآحاد فيقع التعارض بينها وبين من روى أنها العصر وعلى الثاني لا يكون لنا حكمه فلا يقع تعارض. العاشرة: على القول بالتعارض يحتاج إلى الجواب من قال إنها العصر إذ الأصل في باب العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وأجيب بأن الرواية عن حفصة على تقدير ثبوتها وهو بعيد قد ثبت في مصحفها ما يخالف ذلك فيما رويناه من طريق يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن رافع قال: كان مكتوبًا في مصحف حفصة عن عمر: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. وأما الجواب عن حديث عائشة فمن وجهين: أحدهما: أن تكون الواو زائدة في ذلك على حد زيادتها في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} وفي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} وفي قوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ}، حكي عن الخليل: يصدون والواو مقحمة زائدة، ومثله في القرآن كثير، ومنه قول امرؤ القيس: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي حقاف وعقنقل وقول الآخر: فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال

الثاني: أن لا تكون زائدة، ويكون من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد نحو قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم وقريب منه قول الآخر: أكر عليهم دعلجًا ولبانة ... إذا ما اشتكى وقع الرماح تحمحما فعطف لبانه وهو صدره على دعلج وهو اسم فرسه، ومعلوم أن الفرس لا يكر إلا ومعه صدره، لما كان الصدر يلتقي به وتقع به المصادمة. وقال مكي بن أبي طالب في "تفسيره": وليست هذه الزيادة توجب أن تكون الوسطى غير العصر، لأن سيبويه حكى: مررت بأخيك وصاحبك والصاحب هو الأخ، فكذلك الوسطى هي العصر وإن عطفت بالواو. انتهى. وتغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى في جواز العطف ومنه قول أبي داود الإيادي: تسلط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صد المقابر هام وقول عدي بن زيد العبادي: وقدمت الأديم لراهشيه ... فألفى قولها كذبًا ومَينا والرهشان عرقان في باطن الذراع. وقول عنترة: حييتَ من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم وقول الآخر: ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد

والمنون والموت واحد، وكذلك الكذب والمين، وكذلك قوله: أقوى وأقفر، وكذلك النأي والبعد، ومثله كثير. وقد روينا من طريق المحاملي ثنا عبد الله بن شبيب نا ابن أبي أويس حدثني إسماعيل بن داود عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت السائب بن يزيد تلا هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر}. الحادية عشرة؛ اختلفوا فيما إذا روى الراوي حديثًا وخالفه عمله وفتواه؛ فالذي ذهب إليه الجمهور أن الحجة فيما روى لا فيما رأى، وخالف في ذلك الكوفيون واعتدوا ذلك علة في الخبر الذي رواه وعللوه بأنه لم يعدل عن العمل بما روى إلا لاحتمال أن يكون عثر على ناسخ أو مخصص أو غير ذلك مما صرفه عن العمل به. الثانية عشرة: قد صح عن علي بن أبي طالب من طريق مسلم والبخاري وغيرهما: أن الصلاة الوسطى هي العصر. وقد روي عن مالك أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، قال مالك: وذلك رأيي فيحتاج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك إلى الجواب عن ما نقل مالك عن علي وقد أجيب عنه من وجهين: الأول: أن المنقول عن علي في ذلك من روايته صحيح متصل، والمنقول عنه من رأيه بلاغ عند مالك وهو في معنى المرسل فلا يعارضه ولا تقوم به حجة. الثاني: أنه قد روي عن علي أنه كان يرى ذلك ثم رجع عنه. ذكر ابن مهدي نا سفيان عن عاصم عن زر قال: قلت لعبيدة: سل عليًّا عن الصلاة الوسطى، فسأله فقال: كنا نُراها الفجر حتى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو

بيوتهم نارًا" كذلك روي عنه من غير وجه. الثالثة عثرة: ما ذكره مالك عن علي وابن عباس بلاغًا ورُدّ بالإرسال، قد روي عن ابن عباس مسندًا متصلًا عند النسائي من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس قال: أدلج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عرس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى. وذلك ظاهر في صلاة الصبح، ويمكن أن يجاب عنه من وجهين: الأول: أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس. ويحتمل أن يكون من قوله، وقد روى أبو نعيم الفضل ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن رزين بن عبيد العبدي قال: سمعت ابن عباس يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق للأول فلا يعارضه. رزين، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه. الثاني: يرجع إلى القاعدة المتقدمة أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: قاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدوًا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال: "اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارًا أو قبورهم نارًا" أو نحو ذلك. وذكر أبو محمد بن الفرس في كتابه في "أحكام القرآن" (¬1) أن ابن عباس قرأ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صلاة العصر} على البدل. الرابعة عشرة: تقدم حديث البراء بن عازب قال: نزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ... وصلاة العصر) فقرأناها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} الحديث يتجاذب الاستدلال ¬

_ (¬1) انظر "أحكامه" (1/ 368).

به فريقان، أحدهما: القائلون بأنها العصر، والثاني: القائلون بأنها أبهمت في الصلوات الخمس بناء على أن النسخ هنا هل توجه للفظ دون المعنى أو لهما معًا، والأول أولى لأن الأصل عدم النسخ، ونسخ اللفظ دون المعنى أقرب إلى الأصل، وليس هذا من باب نسخ الكتاب بالسنة التي هي أخبار آحاد، لأن قوله: (وصلاة العصر) في هذه الآية لم يصل إلينا قرآنًا وإنما وصل إلينا في هذا الخبر وما جرى مجراه، فهو وناسخه في رتبة واحدة. الخامسة عشرة: الحكمة في إبهامها عند من قال به (¬1) ما روي أن رجلًا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تصبها، فهي مخبوءة في جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة وليلة القدر في ليالي شهر رمضان والاسم الأعظم في جميع الأسماء، والكبائر في جملة الذنوب، لأنه أبعث على المحافظة على جميعها، إذ في إبهامها وترك تعيينها حث على الإتيان بجميعها فكان أولى من التعيين المفضي إلى إهمال ما سواها. وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: بعد ذكره خلاف الناس فيها: وكل هذا الاختلاف يشعر بأنها مما استأثر الله تعالى بعلمه عن خلقه ليحافظ على جميع الصلوات كما استأثر بالعلم بليلة القدر ليحافظ على قيام الشهر أو العشر الأواخر منه، وليس في هذه المذاهب أقوى من مذهب من ذهب إلى أنها العصر أو الصبح، فإن تردد النظر بينهما فما دلت عليه الآثار فيهما أظهر مما سواه. السادسة عشرة: ما قاله أبو الحسن ابن المقدسي من ترجيح مذهب من ذهب إلى أنها الصبح أو العصر شهد له ما روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي ¬

_ (¬1) قاله الربيع بن خيثم ومن ذكرنا معه، وفيها علامة إضراب فلا أدري هل هي من الشارح نفسه أو من غيره!!

هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون"، وقوله - عليه السلام -: "من صلى البردين دخل الجنة"، وغير ذلك. السابعة عشرة: إذا ثبت اشتراكهما في فضل الوقت وشهود الملائكة وكثرة المشقة، فيمكن ترجيح العصر في الفضل على الصبح من وجه آخر وهو الأفضلية بعدد الركعات، فالمناسب هو أن تكون الرباعية منهما أفضل لأنها أكثر ركعات وأكثر عملًا والقاعدة أن ما كثر عمله كثر ثوابه بعد استوائهما في المزايا المذكورة على غيرهما. الثامنة عشرة: اختلفوا في الوتر هل هو واجب أو سنة مؤكدة وإلى الثاني ذهب الجمهور وبالأول قال أبو حنيفة وعنه رواية أخرى أنها فرض، ويؤخد من هذا الحديث ما ذهب إليه الجمهور، لأنها لو كانت فرضًا لكانت الصلوات ستًّا ولا وسطى لست. التاسعة عشرة: قوله ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا في حديث علي فيه دليل على جواز الدعاء على الكفار بمثل هذا. الموفية عشرين: في حديث ابن مسعود: ملأ الله أو حشا الله قد يتمسك به من لا يرى الرواية بالمعنى حيث لم يقتصر على أحد اللفظين وقد يجاب عنه من وجهين: الأول: منع استوائهما في المعنى والمطلوب الاستواء لا المقارنة وهو ظاهر فإن الحشو يقتضي الملء وزيادة. الثاني: قد يكون ابن مسعود أراد بذلك تحري الأفضل لا أنه لازم له.

الحادية والعشرون: قوله: فصلاها بين العشاءين يحتمل بين وقتي العشاءين ويحتمل بين صلاتي العشاءين، فعلى الأولى لا يلزم الفورية في قضاء الفوائت، وقد ينازع في ذلك، وعلى الثاني لا يلزم الترتيب وقد تقدم في الباب قبل هذا ذكر مذاهب العلماء في ذلك. اهـ. * * *

20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ثنا أحمد بن منيع نا هشيم أنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة أنا أبو العالية عن ابن عباس قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وكان من أحبهم إليّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. قال: وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصُّنابحي وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، فأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح. قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس. وحديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" وحديث علي: "القضاة ثلاثة". * الكلام عليه: حديث عمر أخرجوه أجمعون، وحديث علي من رواية عاصم بن ضمرة عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر

والعصر. أخرجه أبو داود. وحديث ابن مسعود روى الطحاوي من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر قال: قال لي عبد الله: كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار، رواه عن سليمان بن الأشعث عن علي بن معبد عنه. وحديث أبي سعيد الخدري روى ابن شهاب قال حدثني عطاء بن يزيد الجندعي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" متفق عليه. وحديث عقبة بن عامر روى مسلم من حديث موسى بن عُلَي عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. وحديث أبي هريرة روى مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس. رواه مسلم من حديث مالك، وحديث ابن عمر روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" أخرجاه من حديث مالك. وحديث سمرة بن جندب روى الطحاوي وأبو عمر من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث عن سمرة قال: قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلوا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها فإنها تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان". لفظ الطحاوي والآخر نحوه. وحديث عبد الله بن عمرو روى الطبراني في "الأوسط" عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها". أخرجه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أحمد بن يونس عن أبي شهاب عن ابن أبي ليلى. وحديث معاذ بن عفراء رواه غندر وغيره عن شعبة وهذا لفظ غندر قال شعبة: عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ القرشي أنه طاف بالبيت مع جده معاذ بن عفراء بعد العصر وبعد الصبح فلم يصل فسأله فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بعد صلاتين: بعد الغداة حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس". وكذلك رواه ابن المبارك وحفص بن عمر عن شعبة. وحديث الصنابحي روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها فإذا أذنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها"، ونهى رسول الله صلى اله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات، هذه رواية يحيى عن مالك، وتابعه في قوله عن عبد الله الصُّنابحي جمهور الرواة منهم القعنبي وغيره، قاله أبو عمر، قال: وقال فيه مطرف عن مالك بسنده عن أبي

عبد الله الصُّنابحي وتابعه إسحاق بن عيسى الطباع وجماعة وهو الصواب واسمه عبد الرحمن بن عسيلة من كبار التابعين ولا صحبة له، قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوفي وهو في الطريق قبل لقائه إياه بأيام يسيرة. وحديث سلمة بن الأكوع ....... (¬1). وحديث زيد بن ثابت روى الطبراني من حديث ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر، رواه عن أحمد بن يحيى الحلواني نا محمد بن معاوية النيسابوري عنه. وحديث عائشة روى وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. رواه مسلم. وعنده في رواية معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة قالت: لم يدع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر، قال: وقالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك". وحديث كعب بن مرة روى الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أهل الشام عن مرة بن كعب بن مرة البهزي قال: قلت: يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ثم الصلاة مقبولة حتى يطلع الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم لا صلاة حتى تغرب الشمس". كذا وقع في هذا الإسناد مرة بن كعب بن مرة والصواب كعب بن مرة أو مرة بن كعب وهو خلاف في شخص واحد ذكره أبو عمر قال: وله أحاديث عن أهل ¬

_ (¬1) بياض في الأصول.

الكوفة مخرجة عن شرحبيل بن السمط عنه وهي بعينها عند أهل الشام مخرجة عن شرحبيل عن أبي أمامة. قلت: فلعل الرجل الذي لم يسم في هذا الإسناد هو شرحبيل. وحديث أبي أمامة روى موسى بن أعين عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصلوا عند طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها ولا تصلوا عند غروب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها ولا تصلوا وسط النهار فإن جهنم تسجر عند ذلك". وحديث عمرو بن عبسة قد أخرجه الترمذي وصححه وفيه قوله - عليه السلام -: "ثم اقصر يعني عن الصلاة حتى تطلع الشمس وكذلك في العصر حتى تغرب الشمس" نحو حديث أبي أمامة. وفي الباب أيضًا عن معاوية وابن عباس وسعد بن أبي وقاص (¬1). فيه مسائل: الأولى: أوقات الكراهة خمسة على المشهور، وقد ضم إليها سادس سنذكره. وهي على ضربين: فوقتان تعلق النهي فيهما بالفعل، وهما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ووجه تعلق النهي فيهما بالفعل أن صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما، وفي هذا يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر. وثلاثة أوقات يتعلق النهي فيها بالزمان وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند استوائها حتى تزول وعند اصفرارها حتى تغرب على خلاف يأتي في ¬

_ (¬1) كتب في هامش نسخة السندي: لم يخرج الشارح حديث معاوية وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص.

تفصيل ذلك، وهذا التقسيم عن بعض العلماء، ومنهم من عبر عن الأول من أوقات الكراهة بأنه ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح ولم يفرق بين التعلق الفعلي والزماني فينقص التقسيم. الثانية: تبويب الترمذي على المعنى الأول في الوقتين بعد الصبح وبعد العصر وحديثه المسند فيه كذلك والأحاديث التي أشار إليها بأسماء رُواتها من الصحابة، منها ما يتعلق بالمعنى الأول ومنها ما يتعلق بالثاني ومنها ما يشملهما فكان التفصيل أشبه بطريقته لما نذكره من اختلاف الناس في ذلك. الثالثة: إذا تعارض خبران فكان كل واحد منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه كنهيه - عليه السلام - عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، ونهيه من دخل المسجد أن لا يجلس حتى يركع ركعتين، فهناك يقع التنارع، فلقائل أن يقول لا تكره الصلاة عند دخول المسجد في شيء من هذين الوقتين لدلالة حديث الركعتين على جوازهما عند دخول المسجد، وهو خاص بالنسبة إلى الحديث الأول المانع من الصلاة في الوقتين، ولخصمه أن يقول: إذا دخل أحدكم المسجد عام بالنسبة إلى الأوقات فأخصه بالنهي عن الصلاة في الوقتين وقد اختار بعض المحققين الوقف هنا حتى يقع الترجيح بأمر خارج وعلى هذا انبنى الخلاف في أكثر مسائل هذا الباب. الرابعة: حمل النهي على عمومه قوم منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث وكعب بن عجرة الصحابيان رضي الله عنهما فذكر الطحاوي عن ابن أبي بكرة عن أبيه أنه قال: واعدَنَا أبو بكرة إلى أرض له فسبقنا إليها فأتيناه ولم يصل العصر فوضع رأسه فنام ثم استيقظ وقد تغيرت الشمس فقال: أصليتم العصر؟ فقلنا: لا. قال: ما كنت أنتظر غيركم فأمهل عن الصلاة حتى غابت الشمس ثم صلاها، وذكر أبو عمر مثله عنه.

وعن كعب بن عجرة في صلاتي الصبح والعصر. وفي هذا رد على من فرق بين صلاتي الصبح والعصر في ذلك على ما يأتي. الخامسة: وخصه الأكثرون ثم اختلفوا في جهة التخصيص على وجوه: الأول: التخصيص المتعلق بالأمكنة وسيأتي في الباب بعد هذا. الثاني: المتعلق بالأزمنة. الثالث: المتعلق ببعض الصلوات دون بعض في كل مكان وزمان. الرابع: القول بالتحريم في بعض الأحيان والكراهة في بعضها وهو غير الثاني كما يأتي بيانه. السادسة: ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسّان عن ابن سيرين قال: تكره الصلاة في ثلاث ساعات وتحرم في ساعتين، تكره بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار في شدة الحر وتحرم حين يطلع قرن الشمس حتى يستوي طلوعها وحين تصفر حتى يستوي غروبها. السابعة: ذهب أبو حنيفة إلى أن الوقتين الذين تعلق النهي فيهما بالفعل يكره فيهما التطوع ولا يكره فيهما الفرض ولا بأس أن يصلي فيهما على الجنازة ويقضي فوائت الفرائض ويسجد للسهو وللتلاوة ولكن لا يصلي المنذورة ولا ركعتي الطواف ولا يصلي شيئًا من التطوعات، وأما في الأوقات الثلاثة فلا تجوز صلاة ما إلا عصر اليوم عند غروب الشمس، فلو دخل في تطوع قال يقطعه ويقضيه في الوقت المأمور بعد، فلو مضى فيه أساء وأجزأه وإن صلى فيها فرضًا أو واجبًا أعاد إلا عصر يومه. الثامنة: فرق مالك بين وقت الاستواء وغيره، فمنع من الصلاة في غير وقت

الاستواء من الأوقات المذكورة ولم يمنع منها في الاستواء وحكى ابن القاسم عنه أنه لم يعرف النهي في ذلك وحديث الصُّنابحي في الكراهة وقت الاستواء عنده في "الموطأ" عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه، ومثل هذا من المراسيل عنده حجة ويشبه أن يكون عدل عنه لعمل رأى أهل المدينة عليه في يوم الجمعة، فقد روى عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر. ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال وهذا جارٍ على قاعدته في تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد إن كان اتصل العمل بذلك إلى زمنه، وإلا فكلا الأثرين خبر واحد، ولكنه لم يخص يوم الجمعة بذلك وكمذهبه في ذلك مذهب الحسن البصري وهي رواية عن طاوس وعن الأوزاعي أيضًا. التاسعة: ذهب الشافعي وأصحابنا وأبو يوسف إلى أنه لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وهي أيضًا رواية عن الأوزاعي وأهل الشام وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة. وابراهيم هو ابن أبي يحيى، وإسحاق هو ابن أبي فروة متروكان لا تقوم الحجة بخبرهما وليس اعتماد الشافعي على هذا الخبر فقط، وإن كان ابن أبي يحيى ليس عنده بالواهي، لكنه يحتج أيضًا بحديث ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك، فإنه قال: والنهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح، إلا أنه خص منه يوم الجمعة بما روي من العمل المستفيض في زمن عمر. قال: والعمل في ذلك لا يكون إلا توقيفًا وإن كان حديث ابن أبي يحيى ضعيفًا فإنه يقويه صحة العمل به، فهذا مذهب الشافعي في وقت الاستواء يوم الجمعة. وهل يستثني باقي الأوقات الخمسة

في يوم الجمعة؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم كوقت الاستواء تخصيصًا ليوم الجمعة وتفضيلًا له وأصحهما لا، لأن الرخصة قد وردت في وقت الاستواء وقد روى مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة تكره نصف النهار إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". ومن رواة هذا الخبر من يقفه على أبي قتادة ولو وُقف عليه فمثل هذا لا يقال إلا بتوقيف. قال الغزالي: وقيل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند الجمعة. العاشرة: كان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة نصف النهار في الصيف دون الشتاء وقد تقدم عن ابن سيرين مثله. انتهى ما يتعلق بالأزمنة. [الحادية عشرة: الوقت السادس الذي تقدمت الإشارة إليه هو أنه بعد طلوع الفجر هل يكره ما سوى ركعتي الفجر أو لا؟ فيه قولان للعلماء: أحدهما: نعم وبه قال أبو حنيفة. والثاني: لا وبه قال مالك، وللأصحاب فيه وجهان وسيأتي في بابه]. الثانية عشرة: خص قوم من عموم النهي قضاء الفوائت من الفرائض خاصة، منهم مالك وأحمد وإسحاق إلا أن أحمد وإسحاق يريان الجواز في صلاة الجنازة وركعتي الطواف، وقد اختلفت الرواية عن مالك في صلاة "الجنازة وتمسك هؤلاء في تخصيصهم بقوله - عليه السلام -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس" الحديث وبعموم قوله - عليه السلام -: "من نام عن صلاة أو نسيها" وهذا الثاني قد يقبل النزاع بمنع دخول النافلة بحسب ما قصد إليه بالصلاة المنسية وهو تخصيص من

غير مخصص ويرد عليه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة الظهر بعد العصر في بيت أم سلمة، ويجاب عنه من وجهين: الأول: أن مذهب الصحابي إذا كان على خلاف ظاهر العموم في حديث وسواء كان هو الراوي أو لا هل يكون ذلك تخصيصًا للعموم؟ أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين. فالمنقول عن الحنفية والحنابلة وعيسى بن أبان أنه يكون مخصصًا والجديد من قولي الشافعي على خلاف ذلك. وقد كان عمر بن الخطاب وأبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن عفراء وهم رواة تلك الأحاديث يذهبون إلى تخصيص الفريضة بذلك الحكم فقط، وأبو هريرة هو راوي حديث: "من أدرك من الصبح ركعة" فهو أعلم بما روى. الثاني: الصلاة في بيت أم سلمة لا يقوى بمعارضة "من نام عن صلاة أو نسيها" لأن تلك الصلاة فعل وهذا قول والفعل إذا عارض القول فإما أن يجهل التاريخ أو لا؟ فإن جهل كما في مسألتنا فالعمل بالقول أقوى. الثالثة عشرة: وخص الشافعي من هذا العموم قضاء الفوائت كلها من الفرائض والنوافل وتحية المسجد وما له سبب متقدم أو مقارن كسجود التلاوة وصلاة الجنازة وما أشبه ذلك. أما الفرائض فلما ذكرناه وأما النوافل فلدخولها تحت عموم الصلاة في قوله: "من نام عن صلاة أو نسيها" ولقضائه - عليه السلام - ركعتي الظهر بعد العصر ولقضاء قيس بن قهد بين يديه - عليه السلام - ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح وإقراره إياه على ذلك، وتحية المسجد لقوله - عليه السلام -: "إذا دخل أحدكم المسجد" والصلاة على الجنازة لقوله - عليه السلام -: "يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا

حضرت" الحديث أخرجه الترمذي وقد تقدم، وصلاة الخسوف والكسوف لقوله عليه السلام: "فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" وركعتي الطواف لقوله - عليه السلام -: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"، والركعتين عقيب التطهر لقوله - عليه السلام - لبلال: "ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي"، فقال: يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت عندها ولا توضأت إلا رأيت أن لله علي ركعتين. الرابعة عشرة: أجرى أصحاب الشافعي الخلاف في صلاة الاستسقاء على وجهين: أحدهما: تكره، قالوا لأن الغرض منها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير فأشبهت صلاة الاستخارة. الثاني: لا تكره، لأن الحاجة الداعية إليها موجودة في الوقت، قال الرافعي: ومن قال بهذا قد يمنع الكراهة في صلاة الاستخارة أيضًا. قلت: ينبغي على ما سبق من قواعدهم أن تكون صلاة الاستخارة أيضًا مما خص من ذلك لما يقتضيه النص والمعنى، أما النص فقوله - عليه السلام -: "إذا هم أحدكم بالحاجة فليركع" فنسق جواب الشرط بالفاء المقتضية للتعقيب، وأما المعنى فلأن سببها متقدم عليها. وكذلك أجروا الخلاف في ركعتي الإحرام على وجهين أصحهما أنها لا تلتحق (¬1) بهذه الصلوات لأن سببها وهو الإحرام متأخر عنها. الخامسة عشرة: مذهب الشافعي أن المحرّم بوصفه مضاد لوجوب أصله خلافًا لأبي حنيفة مثاله: إذا أوجب الصوم وحرم إيقاعه في يوم العيد، فيقول الشافعي: المحرم هو الصوم الواقع وألحقه بالمحرم باعتبار أصله فكان تحريمه مضادًا لوجوبه. وأبو ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: تلحق.

حنيفة يرى أن المحرم نفس الوقوع لا الواقع وهما غيران فلا تضاد إلحاقًا له بالمحرم باعتبار غيره، وأورد على الشافعي لو كان تحريم إيقاع الفعل في الوقت تحريمًا للفعل الواقع لزم أن يكون تحريم إيقاع الطلاق في زمن الحيض تحريمًا لنفس الطلاق ولو كان الطلاق نفسه محرمًا لما كان معتبرًا، وكذلك وقوع الصلاة في الأوقات والأماكن المنهي عن إيقاعها فيها. وأجيب: أما الطلاق في زمن الحيض فإنما قضى الشافعي بصحته لظهور صرف العلة عنده عن أصل الطلاق وصفته إلى أمر خارج وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة لدليل دل عليه، وأما الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عنها، فقد منع بعض أصحابنا صحتها في الأوقات دون الأماكن ويحتاج إلى الفرق. السادسة عشرة: وعلى هذه القاعدة ينبني خلافهم فيما إذا أحرم بالصلاة في وقت الكراهة، هل ينعقد إحرامه أم لا فيه وجهان: أحدهما: نعم كالصلاة في الحمام لا خلاف في انعقادها مع ورود النهي. وأظهرهما لا كما لو صام يوم العيد لا يصح. السابعة عشرة: وعلى هذين الوجهين يخرج ما لو نذر أن يصلي في أوقات الكراهة، إن قلنا تصح الصلاة فيما يصح النذر وإن قلنا لا تصح فلا يصح النذر، كما لو نذر صوم يوم العيد فإن صححنا النذر فالأولى أن يصلي في وقت آخر كمن نذر أن يضحي بشاة بسكين مغصوب فصح نذره ويذبحها بسكين غير مغصوب، وأما إذا نذر صلاة مطلقًا فله أن يفعلها في الأوقات المكروهة فإنها من الصلوات التي لها سبب متقدم كالفائتة. الثامنة عشرة: في قول ابن عباس عن عمر: وكان من أحبهم إليَّ، رد على الروافض فيما يدَّعونه من المباينة بين أهل البيت وأكابر الصحابة رضي الله عنهم.

التاسعة عشرة: في حديث ابن مسعود وقوله: كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس. هذا محمول على الاتصال عندهم خلافًا للكرخي لأن قول أتباع الرئيس كالسلطان أمرنا بكذا ينصرف إليه ولأن غرض الصحابي تعليمنا الشرع فيحمل على من صدر الشرع عنه لا على أمر الله لأنه ظاهر للكل ولا على الأمة لأنه أحدهم فلا يأمر نفسه. الموفية عشرين: حديث أبي سعيد اقتضى مد وقت الكراهة إلى طلوع الشمس وإلى غروبها وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق بل الارتفاع الذي تزول عنه صفرة الشمس أو حمرتها، وأكثر العلماء على تقييد الارتفاع بقيد رمح أو رمحين ومن أصحاب الشافعي من قال تخرج الكراهة بطلوع القرص بتمامه ولم يعتبر الارتفاع قدرًا، والأول أولى، لأن حديث عمرو بن عبسة فيه التقييد ثابت بقيد رمح أو رمحين عند الطبراني وغيره، فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد. الحادية والعشرون: وفي حديث ابن عمر: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" يحتمل وجهين: أحدهما: لا يترك أحد صلاته ذاكرًا لها إلى حين طلوع الشمس أو غروبها فيصلي، وهذا على الفرائض. الثاني: أن يكون القصد بذلك إلى التطوع فيتضمن الرد على من منع من قضاء الفريضة -في ذلك الوقت- المنسية أو التي حصل النوم عنها لأنه ليس يقال لمن نام فلم ينتبه أو نسي فلم يذكر إلى ذلك الوقت أنه تحراه وقصده والنهي إنما توجه هنا لمن تحرى ذلك. الثانية والعشرون: وفي حديث سمرة تعليل الحكم بطلوع الشمس بين قرني الشيطان، فمنهم من حمله على الحقيقة من غير تكييف لأنه لا يكيف ما لا يرى

ذكر ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صَدَّقَ أمية بن أبي الصلت في بيتين من شعره: رَجُل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد فقال النبي - عليه السلام -: "صدق". قال: والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدق". وفي خبر عكرمة أن ابن عباس قال لهم: ما أنكرتم من ذلك؟ قالوا: فما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها: اطلعي اطلعي فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني دون الله، فيأتيها ملك عن الله يأمرها بالطلوع فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها وذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان". وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: حملة العرش أحدهم على صورة إنسان والثاني على صورة ثور والثالث على صورة نسر والرابع على صورة أسد (¬1). الثاني: ومنهم من حمله على المجاز ويكون المراد أنها تطلع على أمة تعبد الشمس من دون الله فتسجد لها عند الطلوع والغروب فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - التشبه بهم، وإضافتهم إلى الشيطان كقوله في الكفار: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} وتسمية الأمة ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 9) عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن هشام.

قرنًا والأمم قرونًا كثير، {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ}، {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}. وقال - عليه السلام -: "خير القرون قرني". الثالثة والعشرون: وفي حديث عمرو بن عبسة: "فإنها تطلع على قرن الشيطان ويصلي إليها الكفار" قيل فيه أن للشيطان فيه ولشيعته تسلطًا ظاهرًا فيمكن أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشياطين. الرابعة والعشرون: وكذلك في حديث أبي أمامة، وهذا مما يقتضي ترجيح الحمل في قرن الشيطان على الحقيقة لأن العطف يقتضي المغايرة وإذا قلنا بالمجاز اقتضى شيئًا واحدًا وهو غلبة حزب الشيطان في ذلك الوقت بسجودهم للشمس وقيل الكراهة لأن الشيطان يوهم شيعته في الساجدين لله ذلك الوقت أنهم أتباعه الساجدين للشمس. وفيه: فإن جهنم تسجر ومعناه يوقد عليها وقيل: تملأ، ومنه البحر المسجور أي المملوء. * * *

21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر نا قتيبة نا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يَعُدْ لَهُمَا. وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن وقد روى غير واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بعد العصر ركعتين هذا خلاف ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما، وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس. وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات: روي عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين. ووي عنها عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس. والذي أجمع عليه أكثر أهل العلم على كراهة الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك مثل الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس بعد الطواف، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخصة في ذلك. وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضًا بعد العصر وبعد الصبح وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة.

* الكلام عليه: في إسناده عطاء بن السائب وكان من الحفاظ ثم اختلط بأخرة فمن روى عنه قبل الاختلاط كشعبة وسفيان فحديثه صحيح إلا ما استثني منه، ومن روى عنه بعد الاختلاط كجرير وخالد بن عبد الله وإسماعيل بن علية وعلي بن عاصم فليس حديثه كذلك، ويلتحق بهذا القسم الثاني من روى عنه قبل الاختلاط وبعده حتى يتبين، ذكر عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: عطاء بن السائب اختلط فمن سمع منه قديمًا فهو صحيح. وذكر أحمد ويحيى أن جرير سمع منه أخيرًا. قال أحمد: فليس بشيء وقال يحيى: وقد سمع منه أبو عوانة في الصحة والاختلاط جميعًا ولا نحتج به. وقال وهيب: لما قدم عطاء البصرة قال: كتبت عن عبيدة ثلاثين حديثًا. ولم يسمع من عبيدة شيئًا فهذا اختلاط شديد وأما حديثه عن سعيد بن جبير فقال: قال أحمد: كان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها يعني قبل الاختلاط. وقال أبو حاتم: وفي حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة لأنه قدم عليهم في آخر عمره، وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلط واضطراب رفع أشياء كان يرويها عن التابعين فرفعها إلى الصحابة. فلهذا عدل الترمذي عن تصحيح حديثه هنا لكنه قد أخرج حديثه في مواضع من كتابه وصحح منها جملة وحسن بعضها وسكت عن بعضها وسيأتي الكلام عليها في مواضعها لاختلاف الحكم باختلاف الرواة عن عطاء. والذي يورد عليه هنا حديثه عن قتيبة عن جرير عنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا: "إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يأكل من أعلى الصحفة". وحديث: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن" بهذا الإسناد بعينه، وقد صححها ولم يصحح حديث الباب وإسناد الثلاثة واحد.

وتلخيص الجواب عن ذلك أن التصحيح قد يتعلق بأمور خارجة عن المسند الذي خرج به الحديث عند من أخرجه به من متابعة ثقة أو يكون مشهور المتن معروف الأصل في الجملة كما ذكر مسلم في جواب من اعتراض عليه في تخريج حديث أسباط بن نصر وأحمد بن عيسى التستري وقطن بن نسير في الصحيح بأنه ما خرج في كتابه من حديث هؤلاء وأمثالهم إلا ما عرف صحته من خارج فكذلك هنا. أما حديث: "إذا أكل أحدكم طعامًا" فقد رواه شعبة عن عطاء، رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عنه. وما كان من رواية شعبة وسفيان عنه فهو صحيح عندهم كما تقدم. وأما حديث: "نزل الحجر الأسود من الجنة" فمن رواية حماد بن سلمة عن عطاء رواه من حديثه النسائي. وقد ألحق يحيى بن معين حديث حماد عن عطاء بحديث شعبة وسفيان عنه، فقال مرة: وجميع من روى عن عطاء روى عنه في الاختلاط إلا شعبة وسفيان وذكر مرة معهما حماد بن سلمة. والمستثنى من حديث شعبة عنه ما ذكر علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ما سمعت أحدًا من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئًا قط في حديثه القديم إلا حديثين كان شعبة يقول لسمعتهما منه بآخرة عن زاذان. قلتُ: وليس شيء من هذا عن زاذان. وأما حديث الباب في الركعتين بعد العصر فلم نجده من رواية أحد من متقدمي أصحاب عطاء بعد عن عطاء فلذلك لم يحكم بصحته، وأما التحسين في مثل هذا فهو جار على رسمه في الحسن لوجود الشواهد له من حديث عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى كما ذكر، وأما لو لم يكن له شواهد ففيه نظر على أن ابن

عدي قال في ترجمة عطاء: ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه (¬1) فيها بعض النكرة. وأما حديث عائشة فعند مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها. وروى أبو دواد عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر تعني ركعتين وينهى عنهما ويواصل وينهى عن الوصال. وحديث أم سلمة قال البخاري: وقال كريب عن أم سلمة: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر ركعتين وقال: "شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر". وروينا من طريق الطبراني (¬2): نا مصعب: قال: نا أبي، نا عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عبيدة بن نشيط عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إلى بيتها فصلى به ركعتين بعد العصر، فأرسلت عائشة إلى أم سلمة، فقالت: أرى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد الظهر ركعتين فقدم عليه وفد بني المصطلق في شأن ما صنع بهم عاملهم الوليد بن عقبة، فلم يزالوا يعتذرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء المؤذن يدعوه إلى صلاة العصر، فصلى المكتوبة ثم صلى في بيتي تلك الركعتين، ما صلاهما قبل ولا بعد، الحديث، وهو طويل، وأنا اختصرته، ولعله الذي أشار إليه الترمذي. هكذا أورده تعليقًا باللفظ الجازم عن كريب وقد أورده مسلم متصلًا. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: فالأحاديث. (¬2) في "المعجم الكبير" (23/ 959)، وإسحاق بن راهويه (1886) قال الهيثمي: فيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 187): إسناده ضعيف جدًّا.

وحديث ميمونة: روى الطبراني من حديث حنظلة السدوسي أنه سمع عبد الله بن الحارث يقول: حدثتني ميمونة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل العصر ركعتين (¬1). رواه عن محمد بن الفضل السقطي نا سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام ح قال ونا محمود بن محمد نا زكريا بن يحيى حمويه نا صالح بن عمير عن حنظلة، هكذا رأيت هذا الحديث عند الطبراني فلا أدري أهو قطعة من الحديث وفي بقيته المعنى الذي أشار إليه الترمذي أو لميمونة حديث آخر في الباب (¬2) كما ذكره والله أعلم. وحديث أبي موسى ذكر النسائي في كتاب "الأسماء والكنى" له في ترجمة أبي دراس سماعيل بن دراس من روايته عن عبد الصمد نا أبو مرداس نا أبو بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد العصر (¬3). وقوله: وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما، ظاهره أنه يريد أنه أصح ممن روى أنه صلى الركعتين بعد العصر، وأطلق، وفي هذا نظر، فقد رويناه كذلك مطلقًا في حديث عائشة وأم سلمة وهما صحيحان وأما الروايات التي أشار إليها عن عائشة في المواظبة عليها بعد ذلك فصحيحة لا مطعن فيها منها عند مسلم ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" (24/ 69). وانظر "الأوسط" (927). قارن مع الهامش التالي. (¬2) ذكره الهيثمي في "المجمع" (2/ 223) بلفظ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتته ركعتا العصر فصلاهما بعد. قال: رواه أحمد، وفيه حنظلة، ضعفه أحمد وابن معين ووثقه ابن حبان. اهـ. انظر "المسند" (6/ 333 - 334)، ومشاه الشيخ في "الإرواء" (2/ 188). (¬3) قال الهيثمي في "المجمع" (2/ 223): رواه الطبراني في "الأوسط" و" الكبير"، ورجاله رجال الصحيح غير أبي دارس، قال فيه ابن معين: لا بأس به. قلت: ونقل الذهبي عن ابن معين أنه ضعفه، ولم يعرفه أبو حاتم الرازي. فانظر "الجرح والتعديل" (9/ 368) و"الميزان": الكنى.

رواية ابن طاوس عن أبيه عنها قالت: لم يَدَعْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر. وعند البخاري من حديث عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عنها أنها قالت: ركعتان لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعهما سرًّا ولا علانية ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر ومنها عنده أيضًا من حديث شعبة عن أبي إسحق قال: رأيت الأسود ومسروقًا شهدا على عائشة قالت: ما كان النبي في يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين. وروى عبد الواحد بن أيمن قال حدثني أبي أنه سمع عائشة قالت: والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا -تعني الركعتين بعد العصر- وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب ما يخفف عنهم. وهذه معارضة لرواية ابن عباس في قوله: ثم لم يعد لهما وهي أصح منها بيقين. وإن كان يريد أن الأصح في العمل أنه لا نافلة بعد العصر خلافًا لمن ذكر في ذلك عن أبي أيوب وزيد بن خالد وتميم الداري فصحيح لكن تنزيل عبارته عليه بعيد. وأما الرواية عن عائشة عن أم سلمة فروينا من طريق الطبراني نا علي بن عبد العزيز نا حجاج بن المنهال نا حمَّاد عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة أن أم سلمة قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر فصلى ركعتين فقلت: يا رسول الله ما هاتان الركعتان؛ قال: "كنت أصليهما بعد الظهر فجاءني مال فشغلني عنهما حتى صليت العصر فصليتهما الآن". وهذه غير ما ذكر عنها في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ولا مانع من أن تكون عائشة روت عن أم سلمة الخبرين معًا ولكنه لم يذكر رواية أم سلمة في

الباب [السابق] في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وقد ذكر فيه عن جماعة كبيرة من الصحابة يبعد أن يكون عنده [فيه] شيء عن غيرهم ولا يذكره غير أنه ذكر هناك بصيغة الجزم فقال: وفي الباب عن فلان وفلان، وهاهنا لم يجزم حيث قال: ورُوي فقد يكون عنده في ذلك شيء لم يثبت عنده ثبوت ما سبق في الباب قبله. فيه مسائل: الأولى: المشهور في (إنما) اقتضاؤها الحصر وينشدون عليه قول الشاعر (¬1): أنا الفارس الحامي الذمار وإنما ... يقاتل عن أحسابهم أنا أو مثلي ولفظ حديث الباب هنا: إنما صلى الركعتين بعد العصر، لأنه أتاه مال فشغله، فيقتضي حصر السببية في ذلك. وكذا جاء عند ابن ماجه (¬2) وعن غيره أنه بعث ساعيًا، وكان يهمه أمر المهاجرين إذ ضرب الباب فخرج فصلى الظهر، ثم جاء فقسم ما جاء به، فلم يزل كذلك حتى صلى العصر، ثم دخل منزله فصلى ركعتين، ثم قال: "شغلني أمر الساعي أن أصليهما بعد الظهر، فصليتهما بعد العصر"، لفظ الطبراني. والذي ثبت في الصحيح أن أم سلمة أرسلت الجارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصليهما بعد العصر، فقالت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله إني سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري عنه قال: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال: "يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس ¬

_ (¬1) هو الفرزدق. (¬2) "السنن" (1159) واستنكره الشيخ، وخالف في ذلك البوصيري الذي حسنه في "المصباح"، وإنما استنكر زيادة ليس عند ابن ماجه، فتنبه، وقارن مع "الإرواء" (2/ 188). وانظر "المعجم الكبير" (23/ 929) للطبراني.

بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان"، وهذا غير الأول وما ذكرناه من طريق الطبراني في اشتغاله ببني المصطلق حين اعتذروا إليه من قول الوليد بن عقبة سبب ثالث. الثانية: قال بعض المتأخرين فيه قبول خبر الواحد وخبر المرأة وقد يمنع لأن صلاته - عليه السلام - كانت في بيت أم سلمة وهي تشاهده وإنما أرسلت الجارية تسأله لشغلها بمن كان عندها من نساء الأنصار. وأما جوابه - عليه السلام - فواصل إليها من غير واسطة الجارية وكذلك وقع وخاطبها - عليه السلام - بالجواب بقوله: "يا بنت أبي أمية" ولو كانت الجارية هي المخاطبة بالجواب لما كان ذلك مانعًا من سماع أم سلمة منه - عليه السلام - لاجتماعهم في مجلس واحد. الثالثة: فيه قضاء النوافل الفائتة وقد تقدم في (باب الرجل ينسى الصلاة) ما في ذلك من الخلاف بين العلماء. الرابعة: دل الحديث على جواز قضائها في وقت الكراهة وكذلك صلاة قيس بن قهد ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح وإقراره - عليه السلام - إياه على ذلك فإذا ثبت لها الجواز في وقت الكراهة فلأن يجوز في غيره من باب أولى، وقال المالكيون في النوافل: لا تقضى المرتبة معها ولا غيرها وقالوا: من ضاق عليه الوقت فصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء وقيل لا يصليهما حينئذ ثم إذا قلنا يصليهما فهل ما يفعله قضاء أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر؟ قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجاري على أصل المذهب، وذكر القضاء تَجوّز. الخامسة: اختلفت الروايات في النافلة المقضية في بيت أم سلمة هل هي الركعتان بعد الظهر المتعلقة به أو هي سنة العصر الركعتان قبله، وينبني عليه: السادسة: إن قلنا إنها سنة الظهر ففيه التنفل بعد الظهر راتبًا كما ذهب إليه

كثير من العلماء خلافًا لمالك وفي الكتاب: قلت: هل كان مالك يوقت قبل الظهر من النافلة ركعات معلومات، أو بعد الظهر أو قبل العصر، أو بعد المغرب فيما بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء؟ قال: لا وإنما يوقت في هذا أهل العراق. السابعة: وعلى رواية من قال هما الركعتان قبل العصر فيه التنفل قبل العصر وقد اختلف الناس هل للعصر سنة راتبة قبلها أو لا؟ وعند الأكثر من أصحاب الشافعي أن رواتب الصلوات من النوافل عشر سوى الوتر وهي ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء. ومنهم من زاد أربعًا قبل العصر ومنهم من زاد ركعتين قبل الظهر فجعلها أربعًا ولا خلاف في أصل الاستحباب عندنا في الكل وإنما الخلاف في أن المؤكد الراتب، ما هو وسيأتي تفصيل هذه المذاهب في صلاة التطوع إن شاء الله. الثامنة: فإن قلنا إنها سنة العصر التي قبلها فهل يكون قضاء أو أداء؟ [اختلف الناس في ذلك] والمعروف من مذهب الشافعي أن الرواتب التي تسبق الفرائض يبقى وقت جوازها ما بقي وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة. قال الغزالي: وركعتا الصبح بعد فرض الصبح أداء وليس بقضاء وقال غيره وتقديمهما يعني على الصبح مستحب لا مستحق. التاسعة: وإن قلنا إنهما بعد الظهر اختلف أصحابنا القائلون بقضاء النوافل ونقلوا فيه قولين أصحهما -وهو اختيار المزني-: تقضى أبدًا، والثاني أنها لا تقضى أبدًا، وعلى هذا إلى متى تقضى؟ أما السق الرواتب ففيها قولان: أنه لا يقضى الوتر بعد صلاة الصبح ولا ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر. قال إمام الحرمين: وعلى هذا النسق سائر التوابع لأنه إذا استفتح فريضة أخرى انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة.

وحُكي على هذا القول وجه آخر أن الاعتبار بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس فإذا زالت فلا، والقول الثاني نقله المسعودي عن القديم أن ما كان من صلاة النهار يقضى ما لم تغرب الشمس وما كان من صلاة الليل يقضى ما لم يطلع الفجر، وفي الحديث دليل لما اختاره المزني ولما حكاه المسعودي عن القديم من قولي الشافعي. العاشرة: في جوابه - عليه السلام - وقد سئل عن هاتين الركعتين بأنهما الركعتان بعد الظهر أو قبل العصر ما يدل على أنَّه لا سنة بعد العصر كما ذهب إليه الجمهور، وقد كان قوم من الصحابة رضي الله عنهم يصلونها وممن بعدهم أيضًا وقد سأل طاوس ابن عباس عنهما فنهاه ابن عباس فقال طاوس: لا أدعهما، فقال ابن عباس: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولم يأخذوا ذلك والله أعلم إلا من مواظبته - عليه السلام - عليهما، فالسنية لا تثبت بالمرة الواحدة. الحادية عشرة: من فاتته سنة راتبة فقضاها في وقت النهي فهل له أن يدوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت أولًا؟ فيه وجهان حكاهما المتولي وغيره: أحدهما: القول به كما فعل - عليه السلام -. والثاني: وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك وأن ذلك من خصائصه عليه السلام، وقد تقدم ما يدل على ذلك قول عائشة: وكان إذا صلى صلاة أثبتها، وقولها أيضًا: إنه - عليه السلام - كان يصليهما وينهى عنهما. وللأول منع اختصاصه - عليه السلام - بهما لأن الأصل عدم الخصوصية وسيأتي لهذا مزيد بيان. الثانية عشرة: قال جماعة من السلف إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد

العصر إنما هو إعلام منه - عليه السلام - بأنهما لا يُتطوع بعدهما ولم يُقصد الوقت بالنهي كما قُصِدَ وقت الطلوع ووقت الغروب وذكروا ما روى عاصم بن ضمرة عن علي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر. وقد تقدم. الثالثة عشرة: وحمل آخرون النهي عن الصلاة في هذين الوقتين على إنه إنما أريد به النهي عن تأخير الفرائض لغير عذر حتَّى تقع مقارنة الطلوع والغروب، روى وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أوهم عمر إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة أن يتحرى بها طلوع الشمس وغروبها. وممن قال لا بأس بالتطوع بعد الصبح وبعد العصر ما لم تقارن حالة طلوع الشمس وغروبها عائشة وابن عمر وابن مسعود وزيد بن خالد وتميم الداري وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وابن جريج. ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أنَّه سمع ابن عمر يقول: أما أنا فلا أنهى أحدًا يصلي من ليل أو نهار أي ساعة شاء غير أن لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها. ومن حجة هؤلاء حديث علي عن النبي - عليه السلام - أنَّه قال: "لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا تكون الشمس بيضاء نقية" رواه النسائي وأبو داود ولفظه: نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة. الرابعة عشرة (¬1): الخامسة عشرة: وفرق قوم بين الصبح والعصر فجوزوا صلاة التطوع بعد العصر ومنعوا من ذلك بعد الصبح، قالوا قد صح حديث عائشة: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ركعتين بعد العصر في بيتي قط. وأما التطوع بعد الصبح فلا لأن الآثار غير ثابتة في ¬

_ (¬1) الرابعة عشرة، لا وجود لمسألة تحتها، في نسخة السندي، وترك بياض، أما في النسخة الأخرى فجعلت: الخامسة عشرة، ولم تذكر الرابعة عشرة.

ذلك والصلاة بر والأصل أن لا يمنع من عمل البر إلا بدليل لا معارض له وهو قول داود بن علي. السادسة عشرة: عند مسلم قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليهما، وفي بعض ألفاظه: أصرف الناس عنهما وقد يكون ذلك كله واقعًا وليس تغييرًا (¬1) من الرواة إذ من الجائز أن يضرب عليهما في وقت ويصرف في وقت بحسب اختلاف الأوقات في تفاوت الكراهة كما سبق فليست الكراهة حالة مقارنة الطلوع والغروب كالكراهة فيما قبل ذينك الوقتين من بعد الصبح وبعد العصر عند من يفرق بينهما أو لعله يضرب من بلغه النهي ويصرف من لم يبلغه وفي ضرب عمر على هاتين الركعتين فوائد أولاها وهي: السابعة عشرة: ما يجب على الإمام من الاحتياط لرعيته ومنعهم من المحدثات والبدع وارتكاب ما نهى الشارع عنه. الثامنة عشرة: جواز التعزير في ارتكاب البدع، والبدعة عندهم ما أحدث شعارًا في الدين، وعمر رضي الله عنه يعلم أنَّه ليس للعصر سنة بعدها، فكان يخشى أن يستمر الناس على هاتين الركعتين فتستقر سنة ولا أصل لها. التاسعة عشرة: سد الذرائع وهي قاعدة أكثر الفقهاء من استعمالها واشتهر بها أصحاب مالك رحمهم الله وقد روى يحيى بن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن أبي الأسود عن عروة أخبرني تميم الداري أو أخبرت أن تميمًا الداري ركع ركعتين بعد العصر من بعد نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأتاه فضربه بالدرة فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته فجلس عمر حتَّى فرغ تميم، فقال: يا عمر لم ضربتني؟ قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: فإني صليتهما ¬

_ (¬1) ولعلها تقرأ: تعبيرًا، والمثبت أقوى.

مع من هو خير منك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عمر: إنه ليس بي إياكم هذا الرهط ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتَّى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيها كما تصلون بين الظهر والعصر ثم يقولون قد رأينا فلانًا يصلون بعد العصر، وكذلك أنكر عمر على زيد بن خالد هذه الصلاة وضربه عليه بالدرة فقال زيد: يا أمير المؤمنين اضرب أو لا تضرب فوالله لا أدعهما بعد أن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما. فقال له عمر: يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلمًا إلى الصلاة حتَّى الليل لم أضرب فيهما. فقال المعتذرون عن هذا النهي: إنما خرج هذا النهي على سبيل قطع الذريعة لأنه لو أبيحت النافلة بعد الصبح وبعد العصر لم يؤمن التمادي فيها إلى طلوع الشمس وغروبها. الموفية عشرين: فيما تقدمت حكايته عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: إن رواتب الفرائض من النوافل إن كانت وحدها لم تقض وإن كانت مع الصلاة التي هي راتبة لها قضيت وفي الحديث رد على هذا لأن فريضة الظهر قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: صلاها وإنما قضى النافلة بعد العصر مجردة عن الفريضة التي هي من رواتبها. الحادية والعشرون: قول ابن عباس: أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، يريد فشغله قسمته وتفرقته على مستحقيه وذوي الحاجة إليه وإلا لم يكن المال ليشغله - صلى الله عليه وسلم - على غير هذا الوجه وقد رويناه مبينًا من طريق ابن ماجة أنَّه بعث ساعيًا وكان يهمه أمر المهاجرين إذ ضرب الباب فخرج فصلى الظهر ثم جاء فقسم ما جاء به فلم يزل كذلك حتَّى صلى العصر ... الحديث. الثانية والعشرون: فيه تقديم أرجح المصلحتين على أخفهما ولما كانت صلاة النافلة من المصالح الدينية والاشتغال بتعليم النفر من عبد القيس شرائع الإسلام أو قسمة المال في فقراء المهاجرين ليسدّ خلتهم، أو جلوسه - عليه السلام - مع بني

المصطلق ليستبين عذرهم؛ مصلحة أهم من الأول لتعدي منفعتها واختصاصه عليه السلام بما فيها من التبيلغ والمصالح المنوطة به قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه مبادرة إلى تحصيل أعظم المصلحتين وإن أدى تأخير الصلاة التي كانت قرة عينه فيها وكان بالمؤمنين رحيمًا. الثالثة والعشرون: قول عائشة رضي الله عنها عن هاتين الركعتين: ما تركهما في بيتها قط تعني من الوقت الَّذي شغل عنهما فيه عند الظهر فقضاهما بعد العصر لا أنَّه لم يزل يصليهما قبل ذلك. الرابعة والعشرون: في صلاته - عليه السلام - إياهما في بيته عند عائشة أو أم سلمة ما كان - عليه السلام - من الرأفة بأمته فإنه إنما فعل ذلك خشية أن يتكرر منه فعلها في المسجد فيفعلها الناس فيشق عليهم، كما فعل في قيام رمضان، وفي هذا ما يشعر بعدم الخصوصية فإنها لو كانت من خصائصه لأداها في المسجد وغيره وكان يعلم خصائصه فلا يلزم ....... (¬1) غيره منها ما يلزمه. الخامسة والعشرون: في حديث أم سلمة أنها أرسلت الجارية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فقالت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري، قالت: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت ... الحديث، فيه أن العمل اليسير في الصلاة كهذه الإشارة لا يبطلها. السادسة والعشرون: في قولها عن نفسها: (تقول أم سلمة)، ولم تقل: تقول هند، وعدلت عن اسمها إلى كنيتها في مخاطبة من هو أكبر منها دليل على أنَّه لا ينكر مثله لا سيما في حق من لا يعرف إلا بالكنية أو من اشتهر بها وهي هند بنت ¬

_ (¬1) كلمة أو كلمتين غير واضحتين.

أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أم سلمة وهو ابن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عمر بن مخزوم. ومعنى قولها أسمعك [.... قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} أي قد رأينا. والذي حسن هذا هنا تساوي الجملتين في المضارع: (أسمعك، أراك)؛ فإن الرؤية فيه من أسماء المضارع فلو كانت سمعتك وأراك لا ..... اختلاف الحكم ..... لاختلاف الرؤية] (¬1). السابعة والعشرون: قال: [بعض العلماء] (¬2) إلا ما استثني من ذلك مثل الصلاة بمكة وذكر ركعتي الطواف وقد اختلف الناس فيهما في وقت الكراهة، فالمروي عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير والحسن والحسين وعطاء وطاوس ومجاهد والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير أنهم كانوا يطوفون بعد العصر وبعضهم بعد الصبح أيضًا ويصلون بإثر فراغهم من طوافهم ركعتين في ذلك الوقت وبه قال الشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود. وقال مالك: من طاف بالبيت بعد العصر أخّر ركعتي الطواف حتَّى تغرب الشمس وكذلك من طاف بعد الصبح لم يركعهما حتَّى تطلع الشمس، وقال أبو حنيفة: يركعهما إلا عند طلوع الشمس وغروبها واستوائها، وقال بعض أصحاب مالك: يركعهما بعد الصبح ولا يركعهما بعد العصر. قال أبو عمر: وهذا لا وجه له في النظر ولا يصح به أثر. الثامنة والعشرون: من أصحاب الشافعي من قال مكة كسائر البلاد في أوقات الكراهة والاستثناء لركعتي الطواف فإن للطائف أن يطوف متى شاء ومتى ¬

_ (¬1) من نسخة السندي فقط، ومكان النقط بياض في المخطوط. (¬2) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

طاف صلى ركعتي الطواف لأنها صلاة لها سبب ومنهم من قال وهو الأصح عندهم أن مكة تخالف سائر البلاد لشرف البقعة وزيادة فضيلة الصلاة فلا تمنع فيها الصلاة بحال ثم ليس المراد من مكة نفس البلد بل جميع الحرم للاستواء في الفضيلة، وفي وجه: يختص بالاستثناء المسجد الحرام وما عداه كسائر البلاد والمشهور الصحيح الأول، ولهم في ذلك حديث جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت فصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"، وصححه الترمذي وسيأتي، وأخرجه الحاكم في "مستدركه". وحديث مجاهد عن أبي ذر: أنَّه قام فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا صلاة بعد العصر حتَّى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتَّى تطلع الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة" رواه الشافعي عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد. عبد الله بن المؤمل وحميد مولى عفراء ضعيفان ومجاهد لم يسمع من أبي ذر. التاسعة والعشرون: في الجمع بين ما وقع الاختلاف فيه من ألفاظ هذا الحديث، وهو في موضعين: الأول: السبب الَّذي حصل به الشغل عن الصلاة المقضية وهو ثلاثة، كما سبق، ليس في كل خبر إلا سبب منها. الثاني: الصلاة المقضية؛ هل هي سنة الظهر بعدها أو سنة الظهر قبلها. فأما الأول فلا مانع من اجتماع الأسباب الثلاثة، وأن يكون - عليه السلام - أخبر كل سائل عن سبب.

الثاني: قال القاضي عياض: ينبغي أن يحمل على سنة الظهر، وسنة العصر تسميتها إنها قبل العصر. قال: وليس بشيء لأنه ينعكس ملخصه أن تقول: ينبغي أن يحمل على سنة العصر، فسنة العصر تصح تسميتها أنها بعد الظهر. الموفية ثلاثين: يؤخذ من استحباب أداء النوافل الرواتب في المساجد، وهو مما اختلف الناس فيه، وسيأتي عدو له - عليه السلام - عن صلاة هاتين الركعتين في المسجد كان لعلة، وحيث تنتفي العلة ينتفي المعلول. * * *

22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب

22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب ثنا هناد نا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء". وفي الباب عن عبد الله بن الزبير. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح. وقد اختلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة قبل الغرب، فلم ير بعضهم الصلاة قبل المغرب. وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال أحمد وإسحق: إن صلاهما فحسن وهذا عندهما على الاستحباب. * الكلام عليه: حديث ابن مغفل هكذا رواه الثقات الأثبات عن ابن بريدة عنه. وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة وعند بعضهم: "بين كل أذانين صلاة" قالها ثلاثًا وقال في الثالثة: "لمن شاء" وفي رواية في الرابعة. وقد رواه حيان بن عبيد الله عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين كل أذانين صلاة إلا المغرب". وحيان هذا هو ابن عبيد الله بن زهير أبو زهير العبدي ذكر حديثه هذا أبو بكر البزار وقال حيان بن عبيد الله: هذا رجل من أهل البصرة مشهور ليس به بأس. وقال فيه أبو حاتم: صدوق. وأما من رماه بالجهالة فلعله اشتبه عليه بحيان بن عبيد الله المروزي وقد ذكرهما ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وقال في المروزي: مجهول، وقد روى البخاري وأبو داود من حديث ابن مغفل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا قبل

المغرب ركعتين" ثم قال: "صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة". وأما حديث ابن الزبير فروينا عن الطبراني قال أنا الحسين بن إسحق التستري نا علي بن نمر نا سويد بن عبد العزيز نا ثابت بن عجلان عن سُليم أبي عامر عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتين". وفي الباب أيضًا عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت لأنس: أرآاكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. فلم يأمرنا ولم ينهنا. أخرجه مسلم وأبو داود. قال مرثد بن عبد الله اليزني: أتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم؟ يركع ركعتين قبل صلاة المغرب! فقال عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فما يمنعك الآن منه؟ قال: الشغل (¬1). وفيه أيضًا عن ابن عمر من طريق طاوس عنه أنَّه سئل عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما، وكان يرخص في الركعتين (بعد) العصر، رواه أبو داود (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1184) في أبواب التهجد (19) باب الصلاة قبل المغرب. (¬2) رواه أبو داود (1284) كتاب الصلاة (2) باب الصلاة قبل المغرب، (301) وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف السنن" (237/ 2). قلت: وفي "تحفة الأحوذي" (1/ 467): قال الزيلعي: سكت عنه أبو داود ثم المنذري في "مختصره"، فهو صحيح عندهما. قال النووي في "الخلاصة": إسناده حسن، قال: وأجاب العلماء بأنه نفي، فتقدم رواية المثبت، ... ، وأيده المباركفوري. والشيخ الألباني جعل المخالفة سببًا آخر للضعف.

فيه مسائل: الأولى: المراد بالأذانين الأذان والإقامة فهو من باب التغليب، كالعمرين والقمرين، قال: أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع (¬1) يريد الشمس والقمر فغلب محل التذكير إذ القمر مذكر والشمس مؤنثة وكذلك التغليب في الأذان والإقامة طلبًا للخفة إذ المذكر أخف من المؤنث. الثانية: قد يؤخذ منه أن الأمر للوجوب لتعليقه إياه بالمشيئة وبقائه بعد التعليق على الندب والاستحباب والمختار عند الأكثرين أن صيغة أفعل للترجيح المانع من النقيض وقال أبو هاشم: هي للندب، وقال المرتضى: هي مشتركة للوجوب والندب وقال غيره: هي إما للوجوب أو للندب أو لهما فخفي علينا فتوقفنا هذه طريقة الغزالي لكن معناها هاهنا أمر زائد على مطلق الأمر وهو تكراره في قوله: "صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين". في لفظ البخاري. وفي قوله في حديث مسلم: "بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة" حتَّى قال في الثالثة أو في الرابعة: "لمن شاء". والمختار عند الأكثرين أن مثل هذا من التكرار يفيد شيئًا آخر لأن إيجاب الثاني لتناول الأول تحصيل الحاصل وهو محال والمنقول عن أبي الحسين البصري في مثل هذا التوقف. الثالثة: في استحباب الركعتين قبل صلاة الغرب وفي هذه المسألة وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب وأصحهما عند بعض المتأخرين يستحب وإن لم يكونا من الرواتب، وللسلف في المسألة مذهبان فاستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ¬

_ (¬1) هذا الشعر للفرزدق، فانظر قصته فيه في "تاريخ ابن عساكر" (17/ 173)، "غريب الحديث" لابن قتيبة (3/ 1085).

وممن بعدهم أحمد وإسحاق ولم يستحبهما الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومن الفقهاء مالك وأبو حنيفة وقال النخعي: هما بدعة ولعله لم يبلغه الحديث في ذلك وظاهر هذه الأحاديث أن فعل هذه الصلاة قبل المغرب كان أمرًا أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليه وأنهم عملوا بذلك وتضافروا عليه حتَّى كانوا يبتدرون السواري لذلك وهذا يدل على الجواز وعدم الكراهية بل على الاستحباب. الرابعة: من لم ير الاستحباب في ذلك يستدل بالاستثناء في حديث ابن بريدة عن أبيه وفيه: "إلا المغرب" وهذا الاستثناء وإن خالف فيه حيان بن عبيد الله البصري الثقات الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة وحاله لا تحتمل مثل هذا التفرد فإنه قد عضده عمل الخلفاء الأربعة عليه ومن ذكرنا من السلف فقوي بذلك. الخامسة: قال الشيخ محيي الدين رحمه الله: وزعم بعضهم يعني بعض من أنكر هاتين الركعتين في جواب هذه الأحاديث أنها منسوخة ثم قال: وأما من زعم النسخ فهو مجازفة لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك انتهى. وليس دعوى النسخ فيها ببعيد لثبوت أصلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة قولًا وفعلًا ثم عارض تلك الأحاديث حديث ابن بريدة عن أبيه وفيه: إلا المغرب. وما روى طاوس عن ابن عمر أنَّه سئل عن الركعتين قبل المغرب، فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما ... ، الحديث رواه أبو داود. ولما كان التاريخ عندنا مجهولًا ونظرنا فيما استمر عليه عمل الخلفاء الراشدين بعده فإذا هو ترك العمل عملنا أن آخر الأمرين ترك العمل. وقد نقلت فيما سلف في هذا الكتاب عن بعض السلف إذا تعارضت الأحاديث ولم يعلم الناسخ فيها من المنسوخ فانظر ما عمل به أبو بكر وعمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الناسخ وهذا ظاهر ولم يبق أكثر من

الترجيح لأحاديث الباب على ما يعارضها من حيث الإسناد وهو قريب مع ثبوت المعارض وتقويته باستمرار العمل عليه وقد زوي عن عمر أنَّه كان يضرب الناس عليهما. السادسة: فيه التفرقة بين المستحب والسنة لأنه - عليه السلام - لا يأمر بما دون المستحب على سبيل الترغيب فيه وقد أمر بهاتين الركعتين وتحرج بقوله: لمن شاء أن تتخذ سنة فاقتضى الفرق بين المستحب والسنة، وكلاهما من قسم المندوب وهو ما فعله راجح شرعًا وتركه جائز فالسنة تناول ما علم بأمره - عليه السلام - أو إدامة فعله عند بعضهم والمستحب لا يتوقف على إدامة الفعل بل يثبت بالمرة الواحدة. السابعة: زعم بعض من قال بالكراهة في هاتين الركعتين أن ذلك لما فيه من تأخير المغرب وصاحب هذا القول لا ...... بطائل من وجوه النظر لأن زمن الركعتين يسير وقد فعلهما الصحابة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره وما كان - عليه السلام - ليأمرهم بما فيه تأخير المغرب المرة بعد المرة إلا أن يضم هذا القائل إلى قوله: أن الكراهة لما يخشى من استمرار الناس عليهما من الانبساط في إطالة زمنهما الإطالة التي على طول المدى قد يخشى معها من التأخير فيجعله من باب سد الذرائع فيتوجه حينئذ حمل الكراهة على قاعدة معروفة. الثامنة: فيه أن ما فعل بين يدي النبي - عليه السلام - مما لم يسبق منه نهي عنه ولا عرف تحريمه فسكت عن فاعله وأقره عليه أن ذلك السكوت والإقرار يدل على جواز ذلك الفعل ورفع الحرج عن فاعله، فإن المختار بن فلفل سأل أنس بن مالك لما أخبره عن الركعتين أرآكم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. فلم يأمرنا ولم ينهنا ذكره أنس على سبيل الحجة للجواز ورضي به المختار. التاسعة: ذكر الترمذي حديث: "بين كل أذانين صلاة" وليس على عمومه

عند أكثرهم بدليل العشاء الآخرة فإنه ليس بين الأذان لها وإقامتها صلاة أعلى أن النووي قد ذكر في "شرح المهذب" استحباب التنفل بين الأذان للعشاء الآخرة والإقامة مستدلًا بهذا الحديث] (¬1) وكذلك حديث ابن الزبير وعدل عن حديث البخاري: "صلوا قبل المغرب ركعتين صلوا قبل المغرب ركعتين" من طريق ابن مغفل وهو أصرح في الدلالة وأسلم من التعليل ويمكن أن يقال كلا اللفظين عنده وعند البخاري في حديث عبد الله بن مغفل، فكله حديث واحد اختلفت ألفاظه فلا حرج عليه في أي اللفظين ذكر لتقويته بالآخر واعتضاده به إذا كان الخبر واحدًا وفيه ضعف على أن حديث ابن مغفل عند الترمذي من طريق كهمس عن ابن بريدة وقد رواه عن ابن بريدة سعيد الجريري ورواه من طريقه مسلم وغيره وطريق كهمس أولى لأن سعيدًا الجريري من الختلطين، فسلمت طريق الترمذي من الإعلال به. العاشرة: قال المهلب بن أبي صفرة: وصلاتها كان في أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهي عنه بمغيب الشمس ثم التزم المبادرة بالمغرب لئلا يتباطأ الناس عن وقت الفضيلة للمغرب انتهى. أما قوله: ليتبين خروج الوقت المنهي عنه، فإنهم إنما كانوا يصلونها بعد الأذان وقبل الإقامة بدليل: بين كل أذانين صلاة، وبالأذان إن (¬2) علم خروج الوقت المكروه للصلاة بدخول وقت الغرب. وأما قوله: لئلا يتباطأ الناس، ففيه الإشارة لما سبق من سد الذريعة وفيه المثابرة على التعجيل بالمغرب والإشارة إلى ضيق وقتها وقد تقدم ذلك في بابه. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين استدركته من الحاشية، وليس في نسخة السندي. (¬2) السندي فقط.

23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري نا معن نا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وفي الباب عن عائشة. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق. ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها. * الكلام عليه: أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث مالك. وحديث عائشة رواه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" والسجدة إنما هي الركعة. فيه مسائل: الأولى: ظاهر هذا الحديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"،

أن مدرك الركعة مدرك للصلاة فلا يصح بدليل قوله - عليه السلام -: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وبفعل (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث فاتته ركعة من صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى الركعة التي سبقه بها. وقد روى أبو بكر البزار حديث: "من أدرك ركعة من الصلاة"، فقال فيه: "فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنَّه يقضي ما فاته"، فلا خلاف في ذلك فتعين تأويل شيئين كما يأتي. الثانية: قيل: معناه فقد أدرك الوقت أي إن أتم ما بقي عليه بعد طلوع الشمس أو غروبها فقد أدرك من وقتها ما قام له مقام من أدركها كلها في الوقت وقد روى الحديث محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر"، وقال مثله في الصبح، ورواه إسماعيل بن عياش عن زيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس وصلى الأخرى بعد طلوع الشمس فقد أدرك" وقال مثله في العصر. الثالثة: اختلف السلف في القدر الزائد على ما سبق في المواقيت من امتداد وقت هاتين الصلاتين إلى الطلوع والغروب، فقال قوم منهم أبو حنيفة: هو زيادة بيان على البيان السابق في حديث المواقيت والوقت يمتد مطلقًا لسائر الناس على ما في هذا الحديث. وفرق الأكثرون بين وقت أرباب الرفاهية ووقت أرباب الأعذار فحملوا ما تقدم على الوقت في حق أرباب الرفاهية مختارة وجائزة وحملوا ما في هذه الأحاديث على الوقت لأرباب الأعذار الذين يأتي ذكرهم. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: ولفعل.

الرابعة: وقيل معناه فقد أدرك فضل الجماعة وقد روى أبو علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفرض (¬1) " ورواه أبو أحمد بن عدي وقال: "فقد أدرك فضل الجماعة". وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عزَّ وجلَّ مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. الخامسة: إذا قلنا إنه أدرك فضل الجماعة، فهل يكون ذلك الفضل مضاعفًا كما يكون لمن حضرها من أولها أو يكون غير مضاعف؟ اختلف فيه على قولين وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف، وإلى عدم التضعيف ذهبت طائفة أخرى حكاه القرطبي في "المفهم" قال: وإلى هذا يشير قول أبي هريرة: ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير. السادسة: وقيل معناه أدرك حكم الصلاة أي يلزمه من أحكام الصلاة ما يلزم الإمام من الفساد والسهو وغير ذلك. السابعة: اختلف العلماء فيمن أدرك أقل من ركعة، وفيه مسائل أولاها، وهي: الثامنة: إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة وذلك في الصبي يبلغ والمجنون والمغمى عليه يفيقان والحائض والنفساء تطهران والكافر يسلم، فمن أدرك من هؤلاء ركعة قبل خروج وقت الصلاة لزمته تلك الصلاة ¬

_ (¬1) في الأصل: الفضل.

هذا مذهب الشافعي وإن أدرك دون ركعة كتكبيرة ففيه قولان للشافعي: أحدهما لا تلزمه ويُروى (¬1) عن مالك عملا بمفهوم هذا الحديث وأصحهما عند الأصحاب تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه إدراك جزءٍ من الوقت فاستوى قليله وكثيرة ولأنه لا يشترط قدر الصلاة بكمالها بالاتفاق فينبغي أن لا يفرق بين تكبيرة وركعة وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج على الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة إدراكه ركعة ونحوها، وأما التكبيرة فلا يكاد يحس بها. التاسعة: وهل يشترط مع التكبيرة أو الركعة إمكان الطهارة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما لا يشترط. العاشرة: إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوقت كان مدركًا لأدائها وتكون كلها أداء هذا هو الصحيح. وقال بعض الأصحاب: تكون كلها قضاء وقال بعضهم: ما وقع في الوقت أداء وما وقع بعده قضاء وكلاهما مخالف لظاهر الحديث إن حمل على الوقت. الحادية عشرة: وينبني على هذا الخلاف المسافر إذا نوى القصر وصلى ركعة في الوقت وباقيها بعده، فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها قضاء وبعضها أداء وجب إتمامها أربعًا إن قلنا أن فائتة السفر إذا قضاها في السفر (¬2) يجب إتمامها. الثانية عشرة: فإن كان ما أدركه في الوقت دون ركعة فقال بعض الأصحاب: هو كالركعة وقال الجمهور تكون كلها قضاء وهو مقتضى الحديث مع اتفاقهم على أنَّه لا تجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت وإن قلنا بالأداء. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: وروي. (¬2) في هامش نسخة السندي: الظاهر الإقامة. والله أعلم.

الثالثة عشرة: إذا أدرك المسبوق مع الإمام ركعة كان مدركًا لفضيلة الجماعة بلا خلاف وإن لم يدرك ركعة بل أدركه قبل السلام ففيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: لا يكون مدركًا للجماعة لمفهوم قوله - عليه السلام -: "من أدرك ركعة". والثاني: وهو الصحيح وبه قال جمهور الأصحاب يكون مدركًا لفضيلة الجماعة ويجاب عن مفهوم الحديث بما سبق من أن الركعة تقييد بالغالب، قال أبو عمر: ظاهر الحديث أن مدرك ركعة من صلاة الإمام مدرك للفضل، والوقت في الحكم كله إن شاء الله وإن من لم يدرك الركعة بتمامها فلم يدرك حكم الصلاة، وأما الفضل فإن الله يتفضل على من يشاء بما شاء وإذا كان الَّذي ينام عن صلاته [بالليل] يكتب له أجر صلاته والذي ينوي الجهاد ويحبسه العذر يكتب له أجر المجاهد والمريض يكتب له أجر ما كان يعمله صحيحًا ومنتظر الصلاة في صلاة فأي مدخل للنظر هاهنا وقد وردت آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أن الله يعطيه مثل أجر من صلاها وحضرها. وعن أبي هريرة وهو راوي الحديث: إذا انتهى إلى القوم وهم قعود فقد دخل في التضعيف وإذا انتهى إلى القوم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف. وقال عطاء بن أبي رباح: كان يقال: إذا خرج من بيته وهو ينويهم فقد دخل في التضعيف وعن أبي وائل وشريك: من أدرك في التشهد فقد [أدرك] فضلها، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك. الرابعة عشرة: الركعة المقيد (¬1) بها في هذه المسائل تختلف فأما الركعة التي ¬

_ (¬1) في الأصل: المقدر.

يدركون بها الوقت فهي بقدر ما يكبر فيه للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويرفع ويسجد سجدتين يجلس بينهما ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة وعلى مذهب من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة يكفيه قدر تكبيرة الإحرام والوقوف لها، قال الرافعي: والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وأما الركعة التي يدرك بها فضيلة الجماعة وحكمها فأن يكبر لإحرامه قائمًا ثم يركع ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه هذا مذهب الجمهور وروي عن أبي هريرة أنَّه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائمًا قبل أن يركعها معه وروي معناه عن أشهب وروي عن جماعة من السلف أنَّه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام كالناعس اعتد بالركعة وقيل تجزيه وإن رفع الإمام ما لم يرفع الناس وقيل تجزئه وإن أحرم قبل سجود الإمام حكى هذه الأقوال القاضي عياض رحمه الله. الخامسة عشرة: قوله من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ظاهره أن الصبح وقت ضرورة كالعصر وهو أحد القولين عند مالك وقيل ليس للصبح وقت ضرورة بخلاف العصر وقد تقدم ذلك في أوقات الصلوات. السادسة عشرة: الحديث يقتضي التسوية بين حكم الصبح والعصر في إدراك الوقت بإدراك ركعة في كل من الصلاتين فيه وإتمام كل منهما بعد الطلوع والغروب وهو مذهب الجمهور. وخالف أبو حنيفة فجعل المدرك يتم في العصر ولا يتم في الصبح لأنه دخل عليه وقت تمنع فيه الصلاة فتفسد عليه عنده الصبح ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: تحول من الوادي الَّذي حصل فيه النوم عن الصبح ورأى أن ذلك ليقظتهم عند طلوع الشمس والصحيح في حديث الوادي أن التحول إنما كان لأن فيه شيطانًا بذلك علله النبي

- صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "تحولوا عن هذا الوادي فإن به شيطانًا" وأيضًا فقد ركع وركع المسلمون فيه الفجر وما كان لتجوز فيه النافلة ولا تجوز فيه الفريضة، وأقوى (¬1) من هذا في الدلالة قول راوي الخبر: فما أيقظهم إلا حر الشمس ومعلوم أن الشمس لا يكون لها حر إلا بعد ارتفاعها. وأما قولهم: إن صلاة الصبح تفسد عليه بذلك، ويستقبلها بعد طلوع الشمس وارتفاعها بدعوى من ادعى منهم النسخ لهذه الأحاديث بحديث النهي عن الصلوات في الأوقات المكروهة فليست هذه الدعوى بالأولى من عكسها، إذ لا دليل على شيء من .... (¬2) إقرار بالخصوص في أحاديث النهي، وإنما يصار إلى النسخ إذا تعذر الجمع. وإذا حملنا أحاديث النهي على ما لا سبب له كما سبق أمكن الجمع بينهما بتخصيص بعضها بعضًا، والتخصيص أولى من النسخ، ولو طردوا ما زعموا من النسخ لما فرقوا بين الصبح والعصر، والحديث سوّى بينهما، وقد وجدنا في الصبح بخصوصها نصًّا صريحًا، وهو ما رويناه من طريق ..... روح بن عبادة نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وطلعت الشمس فليصل إليها أخرى"، ويحتاج من رد هذا النص أن يأتي بمثله. السابعة عشرة: في حديث عائشة: (من أدرك من العصر سجدة) ووقع ¬

_ (¬1) قال محمد عابد: وأقوى من هذا في الدلالة ... هذا لا تتم إلا بتقرير أن الواقعة واحدة، والأمر ليس كذلك، وأما الشارح فقد قرر فيما سبق اتحاد القصة، وقد تتبعت الأحاديث فوجدت فيها أقوالًا متغايرة لا يتأتى فيها الجمع الَّذي أشار إليه الشارح فيما سبق، فتنبه. (¬2) بياض في نسخة السندي أخذها من الأصل، حيث لم يستطع قراءته مقداره سطر أو نحوه. وكذلك نحن لم نقدر.

تفسيره في الأصل والسجدة إنما هي الركعة فبين أنَّه قد يعبر بكل منهما عن الآخر فاحتج به الحنفي والشافعي في أحد قوليه في أن مدرك تكبيرة الإحرام مدركًا كما سبق وأن تعبيره مرة بالسجدة ومرة بالركعة عبارة عن بعض الصلاة وإدراك شيء منها وأنه لم يرد بالسجدة الركعة على ظاهره ولا أراد بالركعة الحدّ أنَّه لا تجزيء ما هو أقل منها لذكره السجدة. الثامنة عشرة: اختلف العلماء فيما لزم أصحاب الأعذار من أدرك منهم ركعة قبل الغروب أو قبل الطلوع فقال الشافعي في أصح قوليه: إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس بركعة أعادت الظهر والعصر وكذلك إن طهرت قبل الفجر بركعة أعادت المغرب والعشاء. والثاني: كقول مالك إن كان بقي عليها من النهار مقدار ما تصلي فيه خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن لم يكن بقي عليها من النهار قدر ما تصلي فيه خمس ركعات صلت العصر وإذا طهرت قبل الفجر فكان ما بقي عليها من الليل قدر ما تصلي أربع ركعات ثلاثًا للمغرب وركعة من العشاء صلت المغرب والعشاء. ذكره ابن القاسم وابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك وما ذكرته عن الشافعي حكاه عنه أبو عمر، [وحكى عنه قولًا ثالثًا، قاله في المغمى عليه إذا أفاق، وقد بقي عليه من النهار مقدار تكبيرة الإحرام أعاد الظهر والعصر،] (¬1) وحجتهم في ذلك حديث الباب وجمعه - عليه السلام - بين الصلاتين في أسفاره وبعرفة والمزدلفة في وقت إحداهما صلاتي الليل وصلاتي النهار جعل الوقت لهما مما وقتًا واحدًا. روى البغوي عن سريج بن يونس عن عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جده عبد الرحمن عن مولى لعبد ¬

_ (¬1) زيادة من نسخة السندي.

الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: "إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعًا وإذا طهرت قبل القجر صلت المغرب والعشاء جميعًا" أخرجه البيهقي من هذا الوجه، ورواه الخلال عن عبد الله بن أحمد عن شريح، قال أحمد بن حنبل: محمد بن عثمان هذا ثقة. وفي إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف لعله يعني أنَّه مجهول قال وكان ابن عيينة يهم فيه فيقول سعيد بن عبد الرحمن وإنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قيل لأحمد: رواه حاتم والدراوردي فأيهما أحب إليك؟ قال: حاتم وحمل على الدراوردي وقال: كان يحدث أحاديث مناكير. وروى زائدة ثنا يزيد بن أبي زياد عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا طهرت المرأة في وقت صلاة العصر فلتبدأ بالظهر فلتصلها ثم لتصل العصر وإذا طهرت في وقت العشاء الآخرة فلتبدأ ولتصل المغرب والعشاء، أخرجه البيهقي في سننه عن الحاكم عن أبي بكر ابن إسحاق الفقيه عن محمد بن أحمد بن النضر عن معاوية بن عمرو عن زائدة. ورواه الحاكم من حديث ليث بن أبي سليم عن طاووس وعطاء عن ابن عباس، وقال عن ليث عن طاوس وعطاء من قولهما أيضًا. قال البيهقي: ورويناه عن جماعة سواهما وعن الفقهاء السبعة من أهل المدينة ولذلك شرط في مذهبنا وهو أن تمتد السلامة عن الموانع قدر إمكان فعل الطهارة وتلك الصلاة أما لو عاد مانع قبل ذلك فلا، مثاله إذا بلغ الصبي في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه أو طهرت حائض ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت وقال أبو حنيفة وأصحابه وحماد بن أبي سليمان وهو قول ابن علية: من طهر من الحيّض أو بلغ من الصبيان أو أسلم من الكفار لم يكن عليه أن يصلي شيئًا مما فات وقته وإنما يقضي ما أدرك وقته بمقدار ركعة فما زاد إلا أنهم لا يقولون باشتراك الأوقات لا في صلاتي النهار ولا في صلاتي النهار. وقال زفر: لا يجب على واحد منهم قضاء صلاة إلا بأن

يدركوا من وقتها مقدار الصلاة بكمالها كما لا يجب عليهم من الصيام إلا ما أدركوا وقته بكماله وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك وقال أحمد في الحائض: تطهر والكافر يسلم والغلام يحتلم مثل ذلك أيضًا. التاسعة عشرة: تلخيص مذهب الشافعي في ذلك؛ قال الرافعي: وإذا جمعت بين الأقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر التي تلزم به كل صلاة من إدراك آخر وقتها أربعة أقوال أصحها قدر تكبيرة، وثانيها: هذا مع زمان طهارة، وثالثها: قدر ركعة، ورابعها: هذا مع زمان طهارة. وفيما يلزم الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الأربعة وخامسها: قدر أربع ركعات وتكبيرة، وسادسها: هذا مع زمان طهارة، وسابعها: قدر خمسة ركعات، وثامنها: هذا مع زيادة طهارة. وفيما تلزم به العشاء مع المغرب مع هذه الثمانية أربعة أخرى إحداها: ثلاث ركعات وتكبيرة، والثاني: هذا مع زمان الطهارة، والثالث: أربع ركعات، والرابع: هذا مع زمان الطهارة. الموفية عشرين: فإذا صلى الصبي وظيفة الوقت ثم بلغ وقد بقي شيء من الوقت إما بالسن أو بالاحتلام فيستحب له أن يعيد بخلاف من ذكرناه من أصحاب الأعذار، فإن الصلاة تصح منه، ولا تصح منهم. وخزج ابن سريج أنَّه تجب الإعادة لأن ما أداه في حال الصغر واقع في حال النقصان فلا تجزئ عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت والمفعول مع النقصان كغير المفعول وهذا مذهب أبي حنيفة والمزني ورواه القاضي الروياني عن مالك قال وعن أحمد روايتان ولا فرق عند ابن سريج بين أن يكون الباقي من الوقت حين بلغ قليلًا أو كثيرًا، وعن الإصطخري أنَّه إن بلغ والباقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة لزمت الإعادة والإ فلا وإن بلغ في أثناء

الصلاة وإنما يكون ذلك بالسن فقد قال الشافعي: أحببت أن يتم ويعيد ولا يتبين لي أن عليه الإعادة ومعناه عند الجمهور من أصحابه أن الإتمام واجب والإعادة مستحبة وقال ابن سريج الإتمام مستحب والإعادة واجبة، والإصطخري جرى على التفصيل الَّذي سبق. الحادية والعشرون: وهذا فيما إذا وجد العذر أول الوقت وخلا عنه آخره أما إذا خلا عنه أول الوقت وطرأ بعد ذلك ما يمكن أن يطرأ منه كالحيض وغيره فإنه ينظر في الماضي من الوقت إن كان قدر ما يسع لتلك الصلاة لزمها القضاء وعن مالك لا يلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت وإليه ذهب ابن علية وبه قال أبو حنيفة وخرج ابن سريج مثل ذلك على أصل الشافعي في المسافر أثناء الوقت يجوز له القصر وإن مضى من الوقت ما يسع للصلاة الثانية وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ووجه الأول أن الصلاة تجب بأول الوقت وليست السعة في الوقت تسقط ما وجب بأوله ولم يجعلوا أول الوقت هنا كآخره فيلزمها بإدراك ركعة منه الصلاة كلها أو الصلاتان لأن البناء في آخر الوقت يتهيأ على الركعة ولا يتهيأ البناء في أول الوقت لأن تقديم شيء من الصلاة قبل دخول الوقت لا تجوز ثم المعتبر على ظاهر المذهب أخف ما يمكن من الصلاة. الثانية والعشرون: ولو كان مسافرًا فطرأ عليه إغماء بعدما ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه القضاء لأنه لو قصر لأمكنه أداؤها ولا يعتبر هنا إمكان الطهارة من الوقت لأنه يمكنه تقديم الطهارة على الوقت إلا طهارة لا يجوز تقديمها كالتيمم والمستحاضة. الثالثة والعشرون: [قال الحسن بن حي والليث والشافعي: إذا خرج المسافر بعد دخول الوقت بمقدار ما كان يصلي تلك الصلاة أثم لأن الصلاة تجب عندهم بأول

الوقت وجوبًا موسعًا وليست السعة بمسقطة ما وجب، قالوا: وان قدم المسافر قبل خروج الوقت أتم، وأصل الشافعي في القصر أنَّه رخصة فمن شاء قصر ومن شاء أتم، وقال أبو حنيفة والأوزاعي و ........ (¬1): إذا خرج من مصره قبل خروج الوقت صلى ركعتين وإن قدم كذلك أتم، وعن مالك مثله إلا أنَّه زاد: إذا بقي عليه من النهار مقدار ركعة صلى العصر أو ثلاث صلى الظهر والعصر مقصورتين]. الرابعة والعشرون: قال أصحابنا: والإغماء كالجنون يستوي قليله وكثيره في إسقاط القضاء إذا استغرق وقت العذر والضرورة وهو قول ابن شهاب والحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والشافعي وأبي ثور وهو مذهب عبد الله بن عمر فقد أغمي عليه فلم يقض شيئًا فات وقته، وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أغمي عليه خمس صلوات فأقل ثم أفاق أنَّه يقضيها، ومن أغمي عليه أكثر من ذلك ثم أفاق: لا يقضي شيئًا، وهو مذهب الثوري، إلا أنَّه قال: أحب إلي أن يقضي. وقال الحسن بن حي: إذا أغمي عليه خمس صلوات فما دون، قضى ذلك إذا أفاق، فإذا أغمي عليه أيامًا قضى خمس صلوات فقط، ينظر حين يفيق فيقضي ما عليه، وقول زفر في المغمى عليه كقوله في الحائض لا يجب القضاء إلا بأن يدرك من وقت الصلاة مقدار الصلاة كلها وقد تقدم. وقال أحمد بن حنبل: في المغمى عليه يقضي الصلوات كلها التي كانت في إغمائه وهو قول عبيد الله بن الحسن لا فرق عندهم بين النائم والمغمى عليه وهو قول عطاء بن أبي رباح وروي ذلك عن عمار بن ياسر وعمران بن الحصين وروى ابن رستم عن محمد بن الحسن أن النائم إذا نام أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه والمشهور عن محمد في كتبه غير ذلك. ¬

_ (¬1) بياض.

الخامسة والعشرون: ولا يلحق بالجنون والإغماء زوال العقل بسبب محرم كشرب مسكر أو دواء مزيل للعقل بل يجب عليه القضاء لأنه غير معذورو هذا في حالة العمد من غير حاجة أما إذا لم يعلم أن الدواء مزيل للعقل وأن المشروب مسكر فلا قضاء عليه كما في الإغماء ولو عرف أن ...... (¬1) مسكر لكن ظن أن ذلك القدر لقلته لا يسكر فليس ذلك بعذر ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء عليه وإن فعله عبثًا قضى. * * * ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في النسختين، لكن لعلها -على بُعْد-: جرمه. وأوضح منه معنى: كثيره.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ التِّرمِذِيّ «النَّفْحُ الشَّذيّ شَرْحُ جَامِعُ التِّرمِذيّ» [4]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَمِيع حُقُوق الملكية الأدبية مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يسمح مُطلقًا بطبع أَو نشر أَو تَصْوِير أَو إِعَادَة تنضيد الْكتاب كَامِلا أَو مجزأ. ويحظر تخزينه أَو برمجته أَو نسخه أَو تسجيله فِي نطاق استعادة المعلومات فِي أَي نظام كَانَ ميكانيكي أَو الكتروني أَو غَيره يُمكن من استرجاع الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ. وَلَا يسمح بترجمة الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر. حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر دَار الصميعي الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م دَار الصميعي للنشر والتوزيع هَاتِف: 4262945 - 4251459، فاكس: 4245341 المركز الرئيس، الرياض - شَارِع السويدي الْعَام ص. ب: 4967، الرَّمْز البريدي: 11412 المملكة الْعَرَبيَّة السعودية فرع القصيم: عنيزة - أَمَام جَامع الشَّيْخ (بن عثيمين) يرحمه الله هَاتِف: 3624428، تلفاكس: 3621728

24 - باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر

24 - باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر ثنا هناد نا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. وفي الباب عن أبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روي عنه من غير وجه رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي. وقد روي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا. حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حنش بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره. والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في سفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.

* الكلام عليه: حديث ابن عباس مخرج في الصحيحين ولفظه لسلم ورواه أبو داود وقال: في غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى أن ذلك في مطر. وفي رواية عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال سعيد بن جبير: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. وفي رواية عن معاذ بن جبل مثله سواء وقال: إنه في غزوة تبوك، وقال مثل كلام ابن عباس، وفي رواية عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخّر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال: وأنا أظن ذلك. وفي رواية عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتَّى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، فجاءه رجل من بني تميم فجعل لا يفتُر ولا ينثني: الصلاة الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة، لا أم لك؟! رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبو هريرة فسألته فصدق مقالته، هذه الروايات عند مسلم. وفي هذا الحديث مسائل: الأولى: قوله: أراد أن لا يحرج أمته، وقد اختلف في تقييده فروي: يُحرج بالياء المضمومة من آخر الحروف مبني لما لم يسم فاعله. وأمته منصوب على أنَّه مفعوله، وروي تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة وضم أمتُه على أنها فاعلة ومعناه إنما فعل ذلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد إلى التخفيف

عنهم كما يأتي بيانه. الثانية: قال بعض العلماء في قوله أن لا يحرج أمته: المراد بالحرج هنا الإثم لا المشقة، لأن لنا التأخير إلى آخر الوقت وإيقاع الصلاة في آخر الوقت لا مشقة فيه، وإنما المعنى في ذلك الصنيع الَّذي صنع من التأخير لئلا يقع المكلف في المحظور لأنه لو كلف إيقاع الصلاة في آخر جزء من وقت الصلاة الأولى وابتداء الثانية في أول جزء من وقتها لم يقدر على تحديد ذلك إلا بتقريب وربما أخذ جزءًا من الأولى في جزء من وقت الثانية فكان يخرج بعض الأولى عن وقتها وهو محظور. انتهى. وكأنه يشير إلى أن هذا إذا وقع محررًا انتفى معه الإثم كما أوقعه النبي عليه السلام فكان ذلك في المرة الواحدة لبيان الجواز، ولم يتكرر خوفًا من الإثم. ويحتمل عندي أن يكون من الضيق ومعناه أنَّه - عليه السلام - لو لم يبين الجواز بهذه المرة لفات أمته العلم بأن لها مثل ذلك تضيقت على أنفسها فيما وسع عليها فيه، هذا إن أولنا الجمع بذلك وسيأتي. والثالثة: قال الترمذي في آخر "جامعه": ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قاتل شارب الخمر في المرة الرابعة. فأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به وقد اختلفوا فيه كما نبينه إن شاء الله تعالى. وأما حديث قتل شارب الخمر في الرابعة فقد قال به ابن حزم وحكى فيه شيئًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص. الرابعة: قال بظاهر هذا الحديث في جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر

للحاجة لمن لا يتخذه عادةً قوم منهم ابن سيرين وأشهب واختاره ابن المنذر، حيث لم يعلله ابن عباس بمرض ولا غيره وتأوله آخرون. الخامسة: الذين تأولوه اختلفوا فقال بعضهم: لعذر المطر وقد تقدم عن مالك ويرده رواية من روى: من غير خوف ولا مطر. ومنهم من تأوله على أنَّه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها، وهذا يرده الجمع بين المغرب والعشاء ومثله لا يتأتى فيه وهو حديث واحد. ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها وإقامة الثانية في أول وقتها واستحسنه أبو العباس القرطبي ورجحه وقال الشيخ محيى الدين رحمه الله: وهذا ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الَّذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. قال: ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين واختاره الخطابي والمتولي والروياني وهو المختار في تأويله. انتهى. وعندي أن ما اختاره القرطبي من التأويل أولى لأمور: أولها: أن أبا الشعثاء راويه عن ابن عباس قد أوله بذلك. الثاني: أن في ألفاظ الحديث نفي الأعذار المبيحة للجمع من الخوف والسفر والمطر، فلو حكى خلفها عذر المرض، لما عدل ابن عباس عنه إلى قوله: (أراد أن لا يحرج أمته)، ولما غفل أبو هريرة عن الرد على ابن عباس به، وإخراج الصلاة عن وقتها لغير عذر لا تجوز باتفاق.

الثالثة: أن حديث عبد الله بن شقيق وقد استعمله النووي في رد ما اختاره القرطبي وترجيح ما ذهب هو إليه وهو بالعكس أولى لأنه ليس فيه أكثر من أن ابن عباس خطبهم يومًا بعد العصر حتَّى غربت الشمس وبدت النجوم وذكر الحديث فليس في هذا مرض وإنما فيه أنَّه لم يصل المغرب حتَّى غربت الشمس وبدت النجوم، ثم من المعلوم أنَّه قضى عند ذاك الخطبة وصلى بالناس الصلاتين فأي بعد في أن يكون أتى بالأولى في آخر الوقت والثانية في أوله؟ وأمر الصلاة أهم من الخطبة فكيف جاز أن يشغلهم المرض عن الصلاة ولم يشغلهم محن سماع الخطبة. ويعضد هذا ما سبق من حمل الحرج على التضييق. السادسة: فيه الجمع بين الصلاتين في السفر حسبما تضمنته رواية من روى فيه عن ابن عباس: وكان في سفرة سافرها في غزوة تبوك، وكذلك عن معاذ بن جبل وسيأتي في بابه. هذا إن جوزنا أن يكون الحديث واحدًا اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس ولكن هذا بعيد لأن في حديث الباب: بالمدينة، وفي حديث أبي داود: من غير خوف ولا سفر، فلا مانع من كون الحديثين عند ابن عباس حديث الجمع بالمدينة، وحديث الجمع بتبوك. السابعة: ومما يقوي هذا رواية من روي فيه ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا وهي لا تكون كذلك إلا وهي تامة ولو كانت سفرية لكانت مع الجمع مقصورة. الثامنة: المراد من الجمع في هذا الباب إنما هو إخراج إحدى الصلاتي المشركتين في الوقت عند من قال بالاشتراك، ومن لم يقل به عن وقت جوازها وإيقاعها في وقت الأخرى مضمومة إليها وهو إنما يكون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ولا مدخل للصبح في ذلك بالإجماع. التاسعة: ثم الجمع متفق عليه ومختلف فيه، فالأول هو الجمع بعرفة

ومزدلفة، والمختلف فيه ما عدا ذلك، فأما في السفر فإليه ذهب جماعة السلف وفقهاء المحدثين والشافعي وهو مشهور مذهب مالك ومنع أبو حنيفة من الجمع للمسافر وكرهه الحسن وابن سيرين وروي عن مالك كراهيته وروي عنه أنَّه كرهه للرجال دون النساء وتأول أبو حنيفة أحاديث الجمع على تأخير الأولى إلى آخر الوقت وتقديم الثانية أوله وهو جائز باتفاق لكن ترد عليه الأحاديث التي تضمنت تقديم الثانية إلى وقت الأولى وستأتي. العاشرة: الجمع بعذر (¬1) المطر وهو جائز عندنا في وقت الأولى ولا تجوز في وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى وقت الثانية وشرط وجوده عند الإحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية ويجوز ذلك لمن يمشي إلى الجماعة في غير كنَّ بحيث يلحقه بلل المطر، والأصح أنَّه لا يجوز لغيره، وقد تقدم عن الترمذي حكاية القول بالجمع في المطر عن أحمد وإسحق وإليه ذهب أيضًا أبو ثور والطبري وغيرهما ومنع منه أبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر والليث بن سعد. الثانية عشرة (¬2): القائلون بجواز الجمع لعذر المطر اختلفوا في الجمع بين الظهر والعصر، فقال به الشافعي وطائفة وذهب مالك وآخرون إلى أنَّه يختص المغرب والعشاء. الثالثة عشرة: وأما الجمع لعذر المرض فالمشهور من ذهب إليه الشافعي أنَّه لا يجوز، وجوزه أحمد وقال مالك: إذا خاف الإغماء على عقله فله تقديم الثانية في ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: لعذر. (¬2) وحق هذه المسألة من حيث الترتيب أن تكون الحادية عشرة، فلا أدري هل وقع هذا سهوًا من المؤلف -رحمه الله - أو أن المسألة الحادية عشرة سقطت من أصل المخطوط والله أعلم. قلت: وهذا ما ذكره الشيخ محمد عابد السندي في هامش نسخته. حيث قال: ولم يذكر الحادية عشرة. اهـ.

وقت الأولى وقال النووي: هو قوي في الدليل نظرًا إلى حمل حديث ابن عباس على ذلك وقد تقدم ضعف ذلك الحمل. الرابعة عشرة: الحديث الأول اقتضى وقوع الجمع بين الصلاتين والثاني اقتضى أن الجمع باب من أبواب الكبائر ويمكن أن يقال الجمع المباح في الحديث الأول، بمعنى التقديم والتأخير كما سبق وفي الثاني الإتيان بالصلاتين في وقت الثانية. الوجه الثاني: أنْ يقال الثاني ناسخ للأول إن علم التاريخ. الثالث: أن يقال وقوع الكبيرة في الثاني مشروط بنفي الأعذار مطلقًا والحديث الأول إنما فيه نفي أعذار مذكورة فيمكن إن يخلفها ما يشبهها ولأجل ذلك تطرق التأويل والاحتمال هذا على مذهب الجمهور في منع ذلك الجمع. الخامسة عشرة: من قال بجواز الجمع للحاجة لمن لا يتخذه عادة يحتاج إلى الجواب عن الحديث الثاني، إما بضعف سنده أو بحمله إياه على من يتخذه عادة. وقوله - عليه السلام -: "من جمع" يعم من يعتاد ذلك ومن لا يعتاد والحديث وإن كان ضعيفًا من حيث الإسناد فإنه قوي من حيث الاستعمال ولا يمكن أن يقال المراد بالحاجة العذر الشرعي لأنه لا مدخل للعادة في ذلك. السادسة عشرة: يؤخذ منه قضاء الفوائت المتروكة عمدًا لغير عذر لأن قوله (من جمع بين الصلاتين) يحتمل معنيين إما بتأخير الأولى عن وقتها أو بتركها في الذمة حيث لم يقع فعلها كذلك مسقطًا لفرضها كما زعمه بعضهم وكل من التأخير والترك كبيرة. لكن الحمل على التأخير هنا أولى؛ لأنه سماها صلاة في قوله: "من جمع بين الصلاتين" وتسميتها صلاة مع التأخير حقيقة ومع الترك مجاز وسمّاها مجموعة مع التي تليها في قوله: "من جمع" والجمع حقيقة هو الإتيان بهما لا

بأحدهما وترك الأخرى. [السابعة] عشرة: الألف واللام في قوله: "من جمع بين الصلاتين" للعموم لا للعهد، لأنا إن حملناها على العهد وقد تقدم أن الجمع يختص بعض الصلوات توجه المنع إلى تلك المعهودة دون غيرها ولا قائل به، بل أي صلاة كانت صبحًا أو غيرها متى أخرها المكلف على أي حالة كان لغير عذر حتَّى يأتي بها مجموعة مع صلاة أخرى أتى وقتها فقد أتى الكبيرة لأن الجمع الَّذي يختص بعض الصلوات إنما هو الجمع المشروع. [الثامنة] عشرة: ويلحق بذلك ما إذا صلى صلاة فرط فيها في غير وقت صلاة أخرى كما لو صلى الصبح بعدما طلعت الشمس أو العشاء في الثلت الآخر من الليل عند من يقول بانقضاء وقتها قبل ذلك، لما تقدم من أن العلة إنما هي التأخير لغير عذر. * * *

25 - باب ما جاء في بدء الأذان

أبواب الأذان 25 - باب ما جاء في بدء الأذان ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي نا أبي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بالرؤيا، فقال: "إن هذه لرؤيا حق. فقم مع بلال فإنه أندى أو أمد صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك". قال: فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يجر إزاره وهو يقول: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الَّذي قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلله الحمد فذلك أثبت". قال: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن ابن عمر. حدثنا أبو بكر بن أبي النضر ثنا حخاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أنا نافع عن ابن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يومًا في ذلك. فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود. قال: فقال عمر: ألا تبعثوا رجلًا ينادي بالصلاة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال قم فناد بالصلاة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح، وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول وذكر فيه قصة الأذان مثنى

مثنى والإقامة مرة. وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه ولا نعرف له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان. وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني له أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عم عباد بن تميم. * الكلام عليه: حديث عبد الله بن زيد أخرجه أبو داود كاملًا مطولًا وأخرجه الإمام أحمد وزاد فيه أحمد: فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلى الصلاة. قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله نائم. قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر. وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم. وقول الترمذي: وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق يعني حديث عبد الله بن زيد وطريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق المطولة التي أشار إليها عند أبي داود. وقد أخرجه ابن ماجة من حديث سلمة عن ابن إسحاق وفيه: ثنا محمد بن إبراهيم، وفيه بعد قول عمر: يا رسول الله والله لقد رأيت مثل الَّذي رأى. قال أبو عبيد وأخبرني أبو بكر الحكمي (¬1) أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك: ¬

_ (¬1) كذا عند ابن ماجة (706) كتاب الأذان والسنة فيها (3) باب بدء الأذان (1). وفي الأصل: الحكيم، وفي نسخة السندي: الحكم. والحديث حسنه الشيخ الألباني، وأحال على "الإرواء" (246) و"المشكاة" (650) و"الثمر المستطاب".

أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام ... حمدًا على الأذان كثيرًا إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لدي بشيرًا في ليال والى بهن بمنى ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرًا وذكر البيهقي عن ابن خزيمة أنَّه قال؛ وخبر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه ثابت صحيح من جهة النقل ومحمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق. وقد روينا حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر: أن بلالًا كان يقول أول ما أذن: أشهد أن لا إله إلَّا الله حي على الصلاة. فقال عمر: قل في إثرها: أشهد أن محمد رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل كما أمرك عمر". أخبرنيه الحافظ أبو محمد عبد الحق بن خلف الدمياطي قال أنا أبو محمد عبد الله بن الحسين بن رواحة الأنصاري قال أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي قال أنا القاضي أبو رجاء بندار بن محمد بن أحمد بن جعفر الخلقاني أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن أبي علي الهمداني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: ثنا محمد بن يحيى ثنا بندار ثنا أبو بكر الحنفي عن عبد الله بن نافع فذكره. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وقد قال النسائي: عبد الله بن نافع متروك الحديث. وروينا من طريق أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم من جهة إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: الأذان نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع فرض الصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، رواه عن علي بن الحسن بن سالم الرازي كتابة ثنا مسروق عن إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عنه. وقد روي أن ابتداء الأذان كان ليلة الإسراء في خبر رويناه من طريق الحافظين أبي محمد بن حيان وأبي القاسم الطلحي واستغربه الطلحي وإسناده ضعيف. وأما حديث ابن عباس ففيه عبد العزيز بن عمران وغيره ممن لا تقوم به حجة. وأحاديث الباب تتعلق بها فوائد: الأولى: عبد الله بن زيد، اثنان من الأنصار من بني مازن، رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأحدهما ابن عبد ربه صاحب حديث الأذان والآخر ابن عاصم له أحاديث في الوضوء وصلاة الاستسقاء وغير ذلك. وقد نُسب بعض المتقدمين إلى الوهم حيث جعل حديث الأذان لابن عاصم قاله البخاري عن سفيان بن عيينة قال: ولم يصنع شيئًا. الثانية: قال الترمذي: وهو عم عباد بن تميم وكذا وقع في أحاديث ابن عاصم من طريقه عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد فأوجب ذلك لبعضهم أن نسب عبادًا فقال: ابن تميم بن زيد بن عاصم ورفعه إلى مازن، كذلك فعل الكلاباذي وغيره وليس كذلك وإنما عبد الله بن زيد أمه أم عمارة نسيبة تزوجها زيد فولدت له عبد الله وحبيبًا ثم خلف عليها غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن صحر بن غنم بن مازن بن النجار فولدت له تميمًا وأبا حنة -وقيده بعضهم بالنون وبعضهم بالباء- فهو عمه بمعنى أنَّه زوج أمه (¬1) كذلك ذكره محمد بن سعد وغيره. الثالثة: قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله وعجبًا لأبي عيسى يقول: حديث ابن عمر صحيح وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأذان لقول عمر وإنما أمر به لقول ¬

_ (¬1) لعله يقصد أخوه لأمه، أو عمه أخو أبيه لأمه.

عبد الله بن زيد. انتهى. وحديث ابن عمر هذا قد أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في "صحيحه" وغيرهم من أهل الصحة، وقال ابن منده في كلام له على هذا الحديث: هذا إسناد مجمع على صحته من حديث ابن جريج، فأي عجب في تصحيح الترمذي إياه [بعد ذلك]. وقد أخرجه الحاكم فيما خرج على كتاب مسلم من رواية محمد بن بكر عن ابن جريج، وهو عند مسلم من رواية حجاج عن ابن جريج فكيف يستدرك عليه وهو عنده؟ الرابعة: قال أهل اللغة: الأذان الإعلام، قال الله تعالى: {وَأَذَانُ مِنَ اللهِ} وقال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِنٌ بَيْنَهُمْ}، ويقال: الأذان والتأذين [والأذين]. الخامسة: قوله: (يجتمعون فيتحينون الصلوات)، قال القاضي عياض: معناه يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان. السادسة: قوله: فقال بعضهم اتخذوا ناقوسًا، قال أهل اللغة: هو الَّذي تضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس ووقع في حديث معاذ بن جبل: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال فذكر تحويل القبلة ثم قال: وكانوا صحون للصلاة ويؤذن بعضهم بعضًا حتَّى نقسوا أو كادوا ينقسوا ... الحديث. قال أهل اللغة: نقست نقسًا ضربت ضربًا بالناقوس ونقَّست بالتشديد جعلت في الدواة نِقسًا وهو ما يكتب به. السابعة: قوله وقال بعضهم اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود ووقع في بعض الألفاظ الشَبُّور وفي بعضها القُنْعُ: قال: فذكر القُنْعُ يعني: الشبّور، قال الخطابي: قوله القُنْعُ هكذا قاله ابن داسة وحدثناه ابن الأعرابي عن أبي داود مرتين فقال مرة

القُنْع بالنون الساكنة ومرة القبع بالباء مفتوحة وجاء في الحديث تفسيره أنَّه الشبور وهو البوق وقد سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لي على واحد من الوجهين فإن كانت رواية القنع صحيحة فلا أراه سمي إلا لإقناع الصوت وهو رفعه يقال أقنع الرجل صوته وأقنع رأسه أي رفعه. وأما القبع بالباء فلا أحسبه سمي قبعًا إلا أنَّه يقبع فا (¬1) صاحبه أي يستره يقال: قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه وسمعت أبا عمر (¬2) يقول: هو القثع بالثاء المثلثة يعني البوق ولم أسمع هذا الحرف من غيره (¬3). الثامنة: في اجتماعهم رضي الله عنهم وتشاورهم من غير نص دليل على طلب الحق في الدين من غير النصوص الظواهر في المعاني المستنبطة المحمولة على الأصول المنصوصة قاله ابن العربي. التاسعة: المشاورة في مثل هذا من الأمور الدينية المهمة مستحبة في حقنا بإجماع العلماء، وقال بعض متأخري الشافعية: واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مستحبة في حقه والصحيح عندهم وجوبها لقوله تعالى: {وَشَاورْهُمْ فِي الأَمْرِ}. العاشرة: [يستدل به من يجيز الاجتهاد للنبي - عليه السلام - في الشرعيات. ¬

_ (¬1) أي فمه، كما في "عون المعبود" (2/ 118). (¬2) في حاشية نسخة الشيح السندي دون تبيان القائل: قوله: وسمعت أبا عمر، لعله يعني به ابن عبد البر، فإن كان كذلك، فلعله صح له سماع منه، والله أعلم. اهـ. قلت: هو أبو عمر الزاهد. كما في "لسان العرب" (ق ب ع)، ونقله عن الخطابي منسوبًا، ابن الأثير في "النهاية" (ق ن ع). (¬3) لكن ذكره صاحب "القاموس" قال: وليس بتصحيف قبع بالوحدة، ولا قنع بالنون. وفي النون منه قال: بل ثلاث لغات.

قال القاضي عياض لكن هذه بالمصالح أشبه لأن القصد الاتفاق على شيء يكون علمًا للاجتماع لئلا يحصل الضرر في التأخر بفوات الجماعة وفي التقدم بتعطيلهم عن مصالحهم هذا معناه]. الحادية عشرة: الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي ومنه قوله تعالى: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ومن غيرهم ليست كذلك ولا يبنى عليها حكم شرعي. وكيف انبنى حكم الأذان هنا على رؤيا من رآه من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أجاب عنه بعض العلماء من وجوه ثلاثة: الأول: أنَّه يحتمل أنَّه قيل للنبي - عليه السلام -: أنفذها وحيًا فأنفذها. الثاني: أنها كانت مما يتشوق إليها ويميل إلى العمل بها، فأمر بها حتَّى ينظر أيقر عليها أم ينهى عنها. الثالث: أنَّه رأى للأذان نظمًا لا يستطيعه الشيطان ولا يدخل في جملة الوسواس والخواطر المرسلة. ثم أورد على الأول قوله - عليه السلام - لعمر: "فذلك أثبت" يعني لو استند ذلك إلى وحي من الله لاستغنى عن الاستئناس برؤيا عمر. انتهى. وأما الثاني فينبني على مسألة الاجتهاد في الأحكام للنبي - عليه السلام - وقد سبق، وذكر أبو داود في "مراسيله": أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي - عليه السلام - وقد جاء الوحي بذلك فما راعه إلا بلالًا يؤذن فقال له النبي عليه السلام: "سبقك بذلك الوحي" وهذا يعضد التأويل الأول. الثانية عشرة: وقع في حديث ابن زيد أن النبي - عليه السلام - أمر بالأذان لرؤياه وفي حديث عمر قوله: ألا تبعثوا رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال - عليه السلام -: "قم يا بلال فناد بالصلاة"، وظاهره يقتضي التعارض حتَّى حمل ذلك ابن العربي على أن رد حديث عمر وليس كما زعم وطريق الجمع بينهما أن نداء بلال لم يكن إذ أشار به

عمر على صورة الأذان الشرعي بل لعله على سبيل الإعلام بدخول الوقت وإنما استقر الأذان الشرعي بعد ذلك، ولا يعارض هذا رؤيا عمر لجواز وقوعها بعد ذلك ولا في حديثه أكثر من مطلق النداء. الثالثة عشرة ولما كان الأذان إنما ثبت عن مشورة أوقعها النبي - عليه السلام - بين أصحابه حتَّى استقر برؤيا من رآه منهم فأقره على فعل غيره وهذا أشبه بالمسنون منه بالواجب وكان مما أمر به - عليه السلام - وواظب عليه وهذا شأن الفرض، اختلف السلف في حكمه فقال عطاء ومجاهد والأوزاعي وداود: الأذان فرض ولم يقولوا على الكفاية وكذلك قالوا في الإقامة وأن الإعادة على من تركها عامدًا أو ساهيًا هذا ما حكاه أبو عمر. وقد ذكر عنهم الماوردي تفصيلًا في ذلك فحكى عن مجاهد أن الأذان والإقامة واجبان عنده معًا لا ينوب أحدهما عن الآخر فإن تركهما أو أحدهما فسدت صلاته. وقال الأوزاعي: الأذان إن كان وقت الصلاة باقيًا أعاد ولم يعد إن كان فائتًا. وقال عطاء: الإقامة واجبة دون الأذان فإن تركها لعذر أجزأه وإن كان لغير عذر قضى، وقال آخرون. الأذان فرض على الكفاية، واختلف أصحابنا في الأذان والإقامة أهما سنتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه: أصحها: أنهما سنتان، والثاني: أنهما فرضا كفاية، والثالث: أنهما مسنونان في غير الجمعة وفرض كفاية في الجمعة. قال ابن عبد البر: وجملة القول في الأذان أنَّه عند مالك وأصحابه سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. قال: وتحصيل مذهب مالك في الإقامة أنها سنة أيضًا مؤكدة إلا أنها أوكد من الأذان عنده وعند أصحابه ومن تركها فهو مسيء وصلاته مجزئة وهو قول الشافعي وسائر الفقهاء فيمن ترك الإقامة أنَّه مسيء بتركها ولا إعادة عليه.

الرابعة عشرة: فعلى هذا إذا قيل بوجوبه على الكفاية، فاتفق أهل بلد على تركه قوتلوا، وإن قيل: أنَّه سنة، هل يقاتلوا أو لا؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ لأن في تركه ذريعة إلى ترك السنن، وإبطالها. والثاني: لا، بل ...... (¬1) لأنهم لو قوتلوا لخرج عن حد المسنون إلى الواجب. الخامسة عشرة: في محل الأذان وهو يختص من الصلوات فرائضها فليس في غير المفروضة أذان ولا إقامة سواء فيه الصلاة التي تسن لها الجماعة كالعيدين، والكسوفين، والاستسقاء، والتي لا تسن كصلاة الضحى، ولكن ينادى لصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء: الصلاة جامعة وكذلك لصلاة التراويح إذا أقيمت جماعة. واختلف أصحابنا في صلاة الجنازة هل ينادى لها كذلك أو لا؟ وحكى ابن شاس عن مذهب مالك: ولا أذان في غير المفروضة كصلاة الكسوف والاستسقاء والجنائز وصلاة العيد ولا ينادى لها: الصلاة جامعة. روى أبو الأحوص عن سماك عن جابر قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة. لفظ رواية مسلم. وقد كان بنو أمية أحدثوا من الأذان والإقامة لصلاة العيدين ما نسبوا فيه إلى البدعة، ثم انقرض. وروى ابن جريج قال أخبرني عطاء عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. وسألت بعد ذلك فأخبرني قال أنا جابر بن عبد الله الأنصاري أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حتَّى يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء. وعن ابن جريج أيضًا قال أخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له أنَّه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها. قال: فلم يؤذن لها ابن ¬

_ (¬1) بياض في نسخة السندي، ولعله رحمه الله حاول قراءته عن الأصل، فلم يستطع.

الزبير يومئذ ... الحديث. وروى ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن الشمس كسفت على عهد سول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديًا بالصلاة جامعة فاجتمعوا. وروى يحيى بن أبي كثير قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن غير عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه قال: لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودي بالصلاة جامعة. الحديث. كلها عند مسلم. السادسة عشرة: ويختص أيضًا الرجال دون النساء، وفي جماعة النساء ثلاثة أقوال: أصحها، وهو المنصوص عليه في "الأم" و"المختصر": أنَّه يستحب لهن الإقامة دون الأذان. والثاني: لا أذان ولا إقامة. أما الأول: فلما يحتاج إليه الأذان من رفع الصوت وما يخشى من الافتتان من ذلك. وأما الثاني: فلأن الإقامة تبع للأذان. والثالث: استحبابهما معًا روينا عن طريق ابن حيان بالسند المتقدم قال ثنا ابن صاعد ثنا ابن عبد الرحيم البرقي ثنا عمرو بن أبي سلمة قال: سألت ابن ثوبان: هل على النساء إقامة؟ فحدثني أن أباه حدثه قال: سألت مكحولًا فقال: إذا أذن وأقمن فذلك أفضل، وإن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن. قال ابن ثوبان: فإن لم يقمن، فإن الزهري حدث عن عروة عن عائشة قالت: كنا نصلي بغير إقامة. قال ابن حيان: وثنا محمد بن عبد الله ابن رستة ثنا لوين ثنا سويد بن عبد العزيز عن ابن السِمط عن الحكم الأيلي عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على النساء أذان ولا إقامة". الحكم هو ابن عبد الله بن سعد الأيلي، قال يحيى بن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وقال البخاري: تركوه. وقال النسائي: متروك. وقال ابن المنذر: وروينا عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم. السابعة عشرة: تختص المؤداة، ففي الفائتة ثلاثة أقوال الجديد أنَّه لا يؤذن لها

لحديث أبي سعيد في صلاة الخندق ولفظه: فدعا - عليه السلام - بلالًا فأقام للظهر ثم أقام للعصر ثم أقام للمغرب ... الحديث. ولم يذكر فيه أذانًا كذا ذكر الفقهاء من الأصحاب هذا الخبر محتجين به لهذا القول وهو كذلك من طريق ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن أبي سعيد عن أبيه ... فذكره. رواه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عنه. وسيأتي بغير هذا اللفظ. الثاني: يؤذن لها وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد. ذكر أبو محمد بن حزم من طريق النسائي حديث أبي سعيد بطريقه عن عمرو بن علي إلى آخره ولفظه: شغلنا المشركون عن صلاة الظهر حتَّى غربت الشمسى يوم الخندق، قال: وذلك قبيل أن ينزل في القتال فأنزل الله بعد: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِيْنَ الْقِتَالَ}، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأذن للظهر فصلاها في وقتها ثم أذن للعصر فصلاها في وقتها ثم أذن للمغرب فصلاها في وقتها. قال أبو محمد: وهذا الخبر زائد على كل خبر ورد في هذه القصة والأخذ بالزيادة واجب. وروى البيهقي من حديث بشر بن الوليد عن أبي يوسف ثنا ابن أبي أنيسة عن زبيد الإيامي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود قال: شغل المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى الظهر وأذن وأقام فصلى العصر وأذن وأقام فصلى المغرب وذكر العشاء أيضًا. رواه عن أبي الحسين بن الفضل عن أبي عمرو السماك عن أحمد بن القاسم بن الحسين عنه. وروى البزار من طريق حماد بن سلمة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن

[مجاهد] عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى الغرب ثم أمره فأذن وأقام ثم صلى العشاء الحديث. قال البزار: لا نعلمه يروى عن جابر بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وقد اختلف عن مجاهد فرواه مؤمل من حديث عبد الكريم عن مجاهد عن أبي عبيدة عن عبد الله وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد إلا مؤمل. رواه البزار عن محمد بن معمر عن مؤمل وعبد الكريم قد ضعف. هذا في الأذان لكل فائتة فاتته إذا اجتمعت، وقد جاء في الأذان للأول منها فقط والإقامة لما بعدها واحدة واحدة حديث ابن مسعود من طريق أبي عبيدة ابنه عنه بلفظ آخر عند الإمام أحمد والنسائي والترمذي وسيأتي، وفيه الأذان والإقامة للأول والإقامة لما بعدها. وقد ثبت من حديث أبي قتادة خبر النوم في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس وفيه: "يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة"، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى رواه البخاري، ولمسلم نحوه. ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة فذكر الأذان والإقامة وقال: لم يذكر أحد الأذان في حديث الزهريّ إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر. وقد ذكر مسلم الحديث فذكر الإقامة ولم يذكر الأذان. ورواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عمرو بن أمية الضمري ولفظ أبي داود: ثم أمر بلالًا فأذن ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر ثم أمر بلالًا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح. ولفظ أحمد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالركعتين فركعهما ثم أقام الصلاة فصلى، لم يذكر الأذان. وقد رواه جبير بن مطعم وعمران بن حصين وابن مسعود فذكروا فيه الأذان

وهي عند أحمد، وحديث ابن جبير عند النسائي وحديث عمران عند أبي داود. ورواه بريد بن أبي مريم عن أبيه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث، وفيه: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤذن فأذن ثم أمره فأقام. مختصر وهو عند النسائي. ورواه أبو داود من حديث ذي مخمر وهو ابن أخي النجاشي (¬1) وكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه ذكر الأذان. الثامنة عشرة: كونه لصلاة الجماعة، وسيأتي حكم المنفرد في باب الأذان للمسافر إن شاء الله تعالى. واشترطوا في الجماعة أن تكون الجماعة الأولى على التفصيل الذي نذكره. قالوا: ومهما أقيمت الجماعة في مسجد فحضر قوم فإن لم يكن له إمام راتب لم تكره لهم إقامة الجماعة فيه كان كان ففيه وجهان أصحهما أنه يكره وبه قال أبو حنيفة، وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يسن لهم الأذان؟ حكى إمام الحرمين عن رواية صاحب "التقريب" فيه قولين: أحدهما: لا، لأن كل واحد منهم مدعو بالأذان الأول وقد أجاب بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان. الثاني: نعم، لأن الأذان الأول قد انتهى حكمه بإقامة الجماعة الأولى، ولكن الأذان الثاني لا يرفع الصوت فيه كيلا يلتبس الأمر على الناس وهذا أظهر. والأول مذهب أبي حنيفة، قال الكرخي في "مختصره": ولا يُؤذن في مسجد له إمام معروف مرتين. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي، على هامشه: ذو مخمر، بخاء معجمة وميم، ويقال: بالموحدة بدل الميم؛ ابن أخي النجاشي، قيل: اسمه يزيد. ألقاب لابن حجر. اهـ. قوله: بالموحدة بدل الميم؛ أي الثانية. وانظر "نزهة الألباب" (1231).

وروى البيهقي بإسناده إلى الحسين بن حفص عن سفيان عن يونس عن أبي عثمان قال: جاء أنس بن مالك وقد صلينا الفجر فأذن وأقام وصلى بأصحابه في المسجد وقد صلوا فيه. هذا موقوف. ثم رواه من جهة عباس الدوري ثنا الأسود بن عامر ثنا سفيان فذكره. وقال: عن أنس أنه دخل مسجد وقد جمع فيه ومعه نفر فأذن وأقام وأمّهم فيه. وهو موقوف على أنس. التاسعة عشرة: أخذ بعض المالكية من قوله - عليه السلام -: "يا بلال قم فناد بالصلاة"، مشروعية الأذان من قيام وأنه لا يجوز الأذان قاعدًا. قال: وهو مذهب العلماء كافة إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وهو ضعيف لوجهين: أحدهما: أنه استنبط ذلك من حديث عمر بعد أن قرر في الجمع بينه وبين حديث عبد الله بن زيد أن حديث عمر هذا كان قبل مشروعية الأذان وأن المراد منه الإعلام بدخول الوقت من حيث الجملة وأن الأذان المشروع هو ما في حديث عبد الله بن زيد وكان بعد ذلك. الثاني: ما تقبله لفظة (قم فناد بالصلاة) من المنازعة في المعنى الذي قصد إليه. فلمن لا يرى ذلك أن يقول ليس المراد إلا قم لتذهب إلى موضع بارز يراك الناس فيه ولتسمع من بَعُد من غير تعرض للأذان قائمًا. والمشهور من مذهب الشافعي أنه سنة فلو أذن قاعدًا لغير عذر صح لكن فاتته الفضيلة، وكذا لو أذن مضطجعًا مع قدرته على القيام صح أذانه على الأصح لأن المراد الإعلام وقد حصل. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن الؤذن قائمًا. وقد روينا عن أبي زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت رجله أصيبت في سبيل الله أنه أذن وهو قاعد.

وروينا عن أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم قال نا عبدان نا هلال بن بشر ثنا عمير بن عمران العلاف ثنا الحارث بن عتبة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة، أن لا يؤذن إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم. وروينا عن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن عبد الرحمن بن زياد عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فحضرت صلاة الصبح فقال: "أذن أخا صُداء"، وأنا على راحلتي، فأذنت. وروى البيهقي من طريق يحيى بن أبي طالب نا عبد الوهاب بن عطاء نا سعيد عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا في سفر فأذن على راحلته ثم نزل فصلوا ركعتين ثم أمره فأقام ثم صلى بهم الصبح، قال: هذا مرسل. قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم. الموفية عشرين: في قوله - عليه السلام -: "فإنه أندى صوتًا منك" استحباب كون المؤذن حسن الصوت. ومن ذلك ما رويناه من طريق الدارمي وأبي الشيخ بن حيان من حديث سعيد بن عامر ثنا همام عن عامر عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بنحو من عشرين رجلًا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان. قال ابن حيان ثنا إسحق بن جميل ثنا عمرو بن العباس نا سعيد بن عامر فذكره. ورواه الدارمي عن أبي الوليد الطيالسي وحجاج بن منهال عن همام، هذا على شرط مسلم لتفرده بعامر الأحول، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه". وقال الشافعي: وأحب أن يكون يعني المؤذن صيتًا حسن الصوت لأن الحسن

الصوت أرق لسامعيه، وقال الفقهاء من أصحابه: فلو وجد مؤذن حسن الصوت يطلب على الأذان رزقًا وغير حسن الصوت يتبرع بالأذان فأيهما يؤخذ؟ فيه وجهان أصحهما يرزق حسن الصوت وهو قول ابن سريج. قال الزبير بن بكار: كان أبو محذورة أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا، ولبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة: أما ورب الكعبة المستورة ... وماتلا محمد من سورة والنغمات من أبي محذورة ... لأفعلن فعلةً مذكورة الحادية والعشرون: وقوله: "أو أمد صوتًا منك" فيه رفع الصوت بالأذان، وينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالأذان، وأن يبالغ ما لم يجهده لأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة، فكلما كان أدعى لإسماع المأمورين بذلك كان أولى، ولقوله - عليه السلام - لأبي محذورة: "ارجع فارفع صوتك" وهذا أمر برفع الصوت ولقوله - عليه السلام -: "المؤذن يغفر له مدى صوته" أي يستكمل مغفرة الله إذا استنفذ وسعه في رفع صوته فيبلغ الغاية في المغفرة إذا بلغ الغاية في الصوت. وقيل هو تمثيل كأنه يقول لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوته ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له. وقد قال - عليه السلام -: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان" الحديث. وطرد الشيطان فعل حسن، قال أبو عمر: وفي هذا الحديث فضل عظيم للأذان، ألا ترى أن الشيطان يدبر منه ولا يدبر من تلاوة القرآن في الصلاة بدليل قوله: "فإذا قضى التثويب أقبل". وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك قال: استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم وكان معدنًا لا يزال يصاب الناس فيه من قبل الجن، فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم

عليه حتى اليوم. قال مالك: وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم. وقد رُوي عن عمر في حديث: "فإذا خشيتم شيئًا من ذلك فأذنوا بالصلاة". وروى ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال النبي - عليه السلام -: "إذا نادى المؤذن بالأذان هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء" وهي ثلاثون ميلًا من المدينة.

26 - باب ما جاء في الترجيع في الأذان

26 - باب ما جاء في الترجيع في الأذان ثنا بشر بن معاذ البصري ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أخبرني أبي وجدي جميعًا عن أبي محذورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقعده وألقى عليه الأذان حرفًا حرفًا. قال إبراهيم مثل أذاننا. قال بشر: فقلت له: أعد عليّ فوصف الأذان بالترجيع. قال أبو عيسى: حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح. وقد روي عنه من غير وجه وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي. حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى نا عفان نا همام عن عامر بن عبد الواحد الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وأبو محذورة اسمه سمرة بن مِعْيَر. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا في الأذان. وقد روى عن أبي محذورة أنه كان يفرد الإقامة. * الكلام عليه: حديث أبي محذورة من الطريق الأولى في إسناده عبد اللك بن أبي محذورة وقد ذكره ابن حبان في "ثقاته". وإبراهيم بن عبد العزيز عن أبيه وهما مستورا الحال معروفا العين وإن كان حديثهما قد لا يرتقي إلى درجة الصحيح فلذلك قال الترمذي: حديث أبي محذورة

في الأذان صحيح ولم يقل: هذا حديث صحيح، كما قال في الحديث بعده، اختيارًا منه أن لا يتقلد مثل ذلك، وليس هو كالذي بعده إسنادًا ولا متنًا، لما فيه من الإجمال في قوله: (مثل أذاننا) غير أن أذان المكيين معروف، وسأزيده بيانًا، غير أن الترجيع فيه صريح، وهو مستفاد في الذي بعده من قوله (تسع عشرة كلمة). ومن الطريق الثانية عند مسلم من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن عامر، رواه عن مالك المسمعي وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن معاذ، لكن التكبير فيه مثنى أوله. وكذلك رواه أبو داود من طريق نافع بن عمر الجمحي عن عبد الملك بن أبي محذورة عن ابن محيريز عن أبي محذورة. وقد رواه الدارقطني أيضًا كذلك من حديث إسماعيل بن عياش عن إبراهيم ابن أبي محذورة عن أبيه عن جده وهذا ومثله من حديث ابن عياش ضعيف. وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم أحد شيخي مسلم فيه بسنده فذكر التكبير أوله مربعًا. وأخرجه الحاكم في مستدركه على مسلم من جهة عبد الله بن سعيد وأبي موسى وإسحاق بن إبراهيم كلهم عن معاذ بن هشام وفي أوله تربيع التكبير، وكذلك رواه غيرهما. وقال ابن القطان: إن الصحيح عن عامر المذكور في هذا الحديث إنما هو تربيع التكبير في الأذان كذلك رواه عن عامر المذكور جماعة منهم عفان وسعيد بن عامر، وحجاج، ورواه عن هؤلاء الحسن بن علي ذكر ذلك أبو داود عنه وبذلك يصح كون الإذان تسع عشرة كلمة. وقد قيده بذلك في نفس الحديث كما قيد فيه الإقامة بسبع عشرة كلمة يزيد عليها الأذان بالترجيع في الشهادتين. قال وقد يقع في بعض روايات [كتاب] مسلم هذا الحديث مربعًا فيه التكبير

وهي التني ينبغي أن تعد فيه الصحيح وقد ساقه البيهقي في كتابه من رواية إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام عن أبيه بالتكبير مربعًا. ثم قال البيهقي: أخرجه مسلم في الصحيح وإسحاق بن إبراهيم أحد من رواه عنه مسلم. فهو إذن مربع فيه التكبير فاعلم ذلك انتهى كلامه. وعليه فيه مآخذ: الأول: قوله رواه عن عامر جماعة منهم عفان وسعيد بن عامر وحجاج ليس بمُستقيم لم يروه أحد من هؤلاء عن عامر وإنما رووه عن هشام عن عامر كذلك هو في الموضع الذي نقله منه عند أبي داود وعند غيره كما سنذكره. الثاني: أن هذا من تصرفه ترجيح بالأكثر حيث أشار إلى أن طريق مسلم من جهة هشام الدستوائي عن عامر وهذه عمن ذكره عن عامر فترجحت لذلك وليس كما ذكرو إنما طريق مسلم من جهة الدستوائي وطريق أبي داود من جهة همام كلاهما عن عامر فلا أكثرية هنا. الثالث: تناقضه في هذا التصرف فإنه يعترف بأن طرق مسلم كلها عن معاذ اقتضت تثنية التكبير أول الأذان ثم قال: وقد يقع في بعض روايات كتاب مسلم الحديث مربعًا وهي التي ينبغي أن تُعد فيه الصحيح، فأين مراعاة الترجيح بالأكثر هنا ولو اطرد ذلك الترجيح لاقتضى ترجيح التكبير فيه عن عامر وتثنيته عند مسلم. الرابع: حكايته عن البيهقي أنه خرجه من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ مربعًا ثم أتبعه البيهقي أن قال أخرجه مسلم في الصحيح ولعل هذا عن البيهقي هو الذي حمله على أن قال: وقد وقع في بعض روايات كتاب مسلم هذا الحديث مربعًا فيه التكبير وليس ذلك شيء؛ لأن البيهقي إنما يشير بذلك إلى أصل الحديث لا إلى الاتحاد في الألفاظ التي عنده وعند من عزا الحديث إلى تخريجه

جريًا على مصطلح أهل الحديث فذلك شأنهم وعليه بنوا تخاريجهم الحديثية وكتب الأطراف ويلزم الفقيه المستنبط للأحكام من ألفاظ الحديث من الاعتراض في ذلك ما لا يلزم المشير إلى أصل الحديث والتعريف بمخارجه وفي غير موضع تكرر من الحافظ أبي الحسن الاعتراض بذلك وإلزام المحدث فيه ما يلزم الفقيه وقد نبهت على ذلك غير مرة. ولنرجع الآن إلى الكلام على حديث عامر فنقول: الصحيح فيه عن عامر التربيع كما ذكر ابن القطان لكنه لم يسلك طريقًا تخرجه إلى ما أراد وقد رواه عن عامر: همام وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة. فأما حديث همّام فأخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي قراءة عليه وأنا أسمع أن أبا حفص بن طبرزد أخبره قال: أنا أبو الفتح مفلح بن أحمد أنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال قرأت على أبي عمر الهاشمي أنا أبو علي بن لؤلؤ أنا أبو داود السجستاني ثنا الحسن بن علي نا عفان وسعيد بن عامر وحجاج المعنى واحد قالوا ثنا همام نا عامر الأحول حدئني مكحول أن ابن محيريز حدئه أن أبا محذورة حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة فذكر التكبير مربعًا وذكر الترجيع. وقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن الطاهر وعلى غيره أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر البغدادي قراءة عليه وأنتم تسمعون أنا أبو الوقت قال نا أبو الوليد الطيالسي وحجاج بن منهال قالا نا همام نا عامر عن مكحول أن ابن محيريز حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسعة عشر كلمة والإقامة سبعة عشر كلمة [ورواه عن همام كرواية من ذكرنا حفص بن عمر الحوضي عند الطبراني وابن المبارك عند النسائي، ورواه عن عفان عن همام كذلك أبو بكر بن أبي شيبة في

"منده" وهو عند ابن ماجه عنه ومحمد بن يحيى الذهلي عند ابن الجارود] (¬1). وأما حديث هشام الدستوائي فقرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الحنبلي بمرج دمشق أخبركم الشيخان أبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح وأم حبيبة عائشة بنت معمر ابن الفاخر الأصبهانيان كتابة منها قالا أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قالت: أنا أبو بكر بن ريذة أنا الطبراني قال نا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ثنا إسحق بن إبراهيم بن راهويه ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله ثم تعود فتقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي علي الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله". ورواه كذلك عن معاذ بن هشام عن أبيه علي بن المديني عند أبي عوانة يعقوب وأبو موسى عند الترمذي وعبيد الله بن سعيد عند البيهقي [وعبيد الله بن عمر ذكر عند ابن منده، ورواه عن هشام الدستوائي كرواية ابنه معاذ عنه هذه أبو الوليد الطيالسي رويناه من طريق أبي الشيخ ابن حيان بالسند المتقدم. أنا الخزاعي أنا أبو الوليد الطيالسي ثنا هشام ثنا عامر الأحول عن مكحول أن ابن محيريز أخبره أن أبا محذورة أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسعة عشرة كلمة الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أرج مرات أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمد رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والإقامة مثل هذا مثنى مثنى يقول: قد قامت الصلاة. وأما حديث ابن أبي عروبة عن عامر فروينا عن الطبراني في "المعجم الكبير": نا بكر بن سهل الدمياطي نا عمرو بن هاشم البيروتي أنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة وغيره عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة. فقد رواه من أصحاب عامر ثلاثة لم يختلف عليهم فيه ومن أصحابهم عفان والطيالسي وحجاج بن منهال وحفص بن عمر الحوضي وسعيد بن عامر وابن المبارك ومعاذ بن هشام عن أبيه وعبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة فهؤلاء ثمانية لم يختلف عليهم أيضًا. ورواه من أصحاب هؤلاء الثمانية الحسن بن علي وأبو موسى محمد بن المثنى وعبد الله الدارمي وأبو بكر بي أبي شيبة ومحمد بن يحيى الذهلي وعلي بن المديني وعبيد الله بن سعيد وعمرو بن هاشم البيروتي وعبيد الله بن عمر على التفصيل الذي ذكرناه. ولم يختلف عليهم أيضًا. ورواه من هذه الطبقة إسحاق بن إبراهيم واختلف عليه كما تقدم. وروى التكبير فيه مثنى أبو غسان مالك بن عبد الواحد وتابعه على ذلك عن معاذ عبد الرحمن بن محمد بن منصور والعباس بن يزيد. قرأت على الحافظ النسّابة أبي محمد الدمياطي رحمه الله أخبركم ابن خليل أنا أبو الفتح ناصر بن محمد القطان أنا إسماعيل بن الفضل السراج أنا ابن عبد الرحيم أنا الدارقطني ثنا القاضي الحاملي ثنا العباس بن يزيدح ونا الحسين بن القاسم الكوكبي نا عبد الرحمن بن محمد بن منصور قالا نا معاذ بن هشام قال

حدثني أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - علمه هذا الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله ثم تعود فتقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين. وعبد الرحمن بن محمد بن منصور بن حبيب أبو سعيد الجاري بصري قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وتكلموا فيه سئل أبي عنه فقال: شيخ. وذكره الدارقطني فقال: ليس بالقوي وذكر ابن عدي أنه حدث بأشياء لا يتابعه عليها أحد. قال وسمعت إبراهيم بن محمد يقول: كان موسى بن هارون يرضاه وكان حسن الرأي فيه. قال وأبو محذورة اسمه سمرة بن مِغيَر هذا الذي اختاره الترمذي وقال غيره ويقال أوس بن مِعْيَر ويقال سمرة بن عمير وقيل غير ذلك، أسلم بعد الفتح مات بمكة سنة سبع وخمسين وقيل: سنة تسع وسبعين. والأذان فيه تسع عشرة كلمة بإثبات الترجيع وهو ذكر الشهادتين مرتين قبل الجهر. والترجيع سنة على المذهب الصحيح عند الأكثرين. وقد نقل البيهقي عن الشافعي أنه إذا ترك الترجيع لا يصح أذانه والمذهب الأول لثبوت الأحاديث التي لا ترجيع فيها كحديث عبد الله بن زيد، وإلى أن الأذان تسع عشرة كلمة كما ذكرنا ذهب طائفة من أهل العلم بالحجاز وغيره وقال مالك: هو سبع عشرة كلمة أسقط تكبيرتين من أوله وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: هو خمس عشرة كلمة فأسقطا الترجيع وجعلا التكبير أربعًا. وقال أحمد وإسحاق إثبات الترجيع وحذفه كلاهما سنة، وحكى الخرقي عن أحمد أنه لا يرجع، واحتج لأبي حنيفة وموافقيه في إسقاط الترجيع بحديث ابن

زيد وما في معناه، ولأصحابنا بحديث أبي محذورة قالوا وهو مرجح على حديث عبد الله بن زيد لوجوه أربعة: الأول: أنه متأخر لأن أبا محذورة كما ذكرنا من مسلمة الفتح. الثاني: أنه تضمن زيادة وهي عن ثقة فيجب قبولها. الثالثة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقنه إياه. الرابع: عمل أهل الحرمين بالترجيع. واحتج لمن سوى بين ثبوت الترجيع ونفيه بصحة الأحاديث في ذلك كله والعمل به كله في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم. فليس عمل أهل المدينة في ذلك بأولى من عمل أهل مكة وقد حجها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فمن بعدهم من أكابر الصحابة فلم يغيروا ما سمعوه من ذلك ولا بأولى من عمل أهل الكوفة وعمال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لها كأبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص ثم سكنها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى أن مات ولم يغيروا أذان أهل الكوفة ثم كانت عمال علي عليه السلام في البلاد وكل على ما هو عليه فثبت أن الكل سنة صحيحة والله أعلم.

27 - باب ما جاء في إفراد الإقامة

27 - باب ما جاء في إفراد الإقامة حدثنا قتيبة نا عبد الوهاب الثقفي ويزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وفي الباب عن ابن عمر. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح. وهو قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. * الكلام عليه: حديث أنس مخرج في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما. وحديث ابن عمر: إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. والآمر لبلال بشفع الأذان ووتر الإقامة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير شك وقد روى البيهقي فيه بالسند الصحيح عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة لا ما حكى عن بعضهم من أن الامر لبلال بذلك كان من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ من المنقول أن بلالًا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا لأبي بكر، وقيل لم يؤذن لأحد بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة بالشام لعمر ولم يتم أذانه. وفي لفظة للبخاري وغيره: أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة يعني إلا قوله قد قامت الصلاة، بيّن ذلك حديث ابن عمر الذي ذكرناه: غير أنه

يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. وقوله: (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) يشير إلى اتفاقهم على خلف قول من قال من الكوفيين: الإقامة مثنى مثنى لأن أقوالهم اتفقت على كيفية الإيتار في ذلك كما سنذكره من مذاهبهم. وقد اختلف العلماء في الإقامة، فقالت طائفة: هي أحد عشر كلمة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كما في حديث عبد الله بن زيد، وممن يُروى القول عنه بأنها أحد عشر كلمة عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري ومكحول والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر. وقال البيهقي: وممن قال بإفراد الإقامة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز. وقال البغوي: هو قول أكثر العلماء. وقال مالك: هي عشر كلمات جعل قوله: قد قامت الصلاة مرة ويرد عليه قوله في الحديث الإقامة: إلا الإقامة كما سبق. وقال أبو حنيفة والثوري وابن المبارك: الإقامة سبع عشرة كلمة مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين ولهم ما يأتي في الباب الذي يلي هذا وما سبق في حديث أبي محذورة.

28 - باب ما جاء أن الإقامة مثنى مثنى

28 - باب ما جاء أن الإقامة مثنى مثنى ثنا أبو سعيد الأشج نا عقبة بن خالد عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال: كان أذان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد رواه وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام. وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام، وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى. وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد. وقال بعض أهل العلم: الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى. وبه يقول سفيان وابن المبارك وأهل الكوفة. قال أبو عيسى: ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كان قاضي الكوفة ولم يسمع من أبيه شيئًا إلا أنه يروي عن رجل عن أبيه. * الكلام عليه: هذا حديث علله الترمذي بالخلف على عمرو بن مرة، وذكر ..... والأعمش أسنداه عن عمرو، وخالفهما شعبهْ ورجح ما قاله شعبة، وإرساله راجح لوجهين: الأول: أنه أتى في حديث شعبة من الزيادة قاض على ما لم يأتي في حديث غيره منها فوجب المصير [إليها].

الثاني: أن طريق الأعمش المخالفة عنده لطريق شعبة ولم يوصلها عن وكيع، قد أتى بها موافقة لطريق شعبة من وصلها عن وكيع وهو ابن أبي شيبة، فقال: نا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما قال شعبة. فقد اتفقا على الإرسال. وخالفهما محمد بن أبي ليلى وليس كفؤ واحدًا منهما. وقوله: (لم يسمع ابن أبي ليلى من عبد الله) إن أراد هذا الحديث فظاهر، وإن نفى السماع مطلقًا، فقد قيل في عبد الله: أنه مات يوم أحد، وقيل: مات سنة اثنين وثلاثين، وصلى عليه عثمان، فعلى الأول لا نزاع فيه. وعلى الثاني: ممكن. وقد أخرج أبو عوانة في "صحيحه" حديث الشعبي عن عبد الله بن زيد في تثنية الإقامة. وإذا صح حديث الشعبي عنه فحديث ابن أبي ليلى عنه أجدر بالتصحيح. وحديث الباب رواه أبو داود ومن حديث ابن أبي ليلى مطولًا قال: نا أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. ثم رواه من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل وفيه الإقامة مثل الأذان إلا أنه قال: زاد بعدما قال حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. قال الحافظ المنذري رحمه الله: ذكر الترمذي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل وما قالاه ظاهر جدًّا فإن ابن أبي ليلى قال: ولدت لست بقين من خلافة عمر فيكون مولده سنة سبع عشرة ومعاذ توفي سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وقد قيل إن مولده لست مضين من خلافة عمر فيكون مولده على هذا بعد موت معاذ.

قال: ولم يسمع ابن أبي ليلى أيضًا من عبد الله بن زيد. وقول ابن أبي ليلى: (ثنا أصحابنا) إن أراد الصحابة فيكون الحديث مسندًا وإلا فهو مرسل. وقد سمع من جماعة من الصحابة. انتهى. أما رده سماع ابن أبي ليلى من معاذ فظاهر. وأما رده سماع ابن أبي ليلى من عبد الله بن زيد فقد تقدم ما فيه. وقد روي ابن أبي ليلى عن عمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول ذكرهم. وقال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم من الأنصار وبعض هؤلاء متقدم الوفاة على عبد الله بن زيد على أن يحيى بن معين كان ينكر سماعه من عمر. فلا علة للخبر بشيء مما ذكره الترمذي، لأنه إما أن يكون مسندًا ومرسلًا عن الصحابة وهو في حكم المسند. وعقبة بن خالد ثقة روى له الجماعة. وأما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو وإن كان بعضهم يضعفه وبعضهم يجيز حديثه فمتابعة الأعمش إياه عن عمرو بن مرة ومتابعة شعبة مما يصحح خبرَه، وإن خالفاه في الإسناد، وأرسلا، فهي مخالفة غير قادحة. وحديث ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن عمرو [عن] ابن أبي ليلى: حدثني أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، سلمت طريقه من محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وصرح فيه بأن الوسائط من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا مانع من القول بصحته.

[وفي الباب مما لم يذكره عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه: أن بلالًا أذن بمنى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمّ مرتين مرتين وأقام مثل ذلك. رويناه عن ابن حيان أبي الشيخ بالسند المتقدم نا محمود الواسطي وعبدان نا زحمويه نا زياد بن عبد الله عن إدريس الأودي عنه، تفرد به زياد البكائي وقد علل به وهو وإن كان مس بتضعيف فقد أخرج عنه مسلم وقال وكيع: هو أشرف من أن يكذب وقال ابن عدي: ما أرى برواياته بأسًا]. وذهب قوم إلى أن الخبر عن عبد الله بن زيد في إفراد الإقامة أصح من هذا، قال ابن خزيمة: سمعت الإمام محمد بن يحيى الذهلي يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في الأذان أصح من هذا، وذكر الرواية التي فيها إفراد الإقامة ولعل ذلك هذا هو الذي اقتضى للترمذي الإمساك عن الحكم على هذا الحديث بتصحيح أو بتحسين وليس ذلك بمقتض لجواز وقوع الإقامة كما في الحديث الذي أشار إليه الذهلي تارة، وكما في أحاديث الباب أخرى. وقد قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول: من أقام مثنى مثنى لم أعنفه وليس به بأس. قيل لأبي عبد الله: حديث أبي محذورة صحيح؟ قال: أما أنا فلا أدفعه. قيل له: أفليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فأقرّ بلالًا على أذان عبد الله بن زيد؟ قال أبو عمر: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وحملوه

على الإباحة والتخيير، قالوا: كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال الله أكبر الله أكبر مرتين في أول الأذان ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال. ذكر ابن أبي شيبة قال نا ابن علية عن يونس عن الحسن قال: الإقامة مرة مرة فإذا قال قد قامت الصلاة قالها مرتين. وقال أبو إسحاق السبيعي: كان أصحاب علي وعبد الله بن مسعو يشفعون الأذان والإقامة. قال الشيخ محيي الدين: وأما الإقامة ففيها خمسة أقوال الصحيح أنها إحدى عشرة كلمة كما تقدم، وهذا هو القول الجديد ودليله حديث أنى الثاني أنها عشر كلمات يفرد قوله قد قامت الصلاة وهو قول قديم حكاه الشيخ أبو إسحاق في المهذب. الثالث: قديم أيضًا أنها تسع كلمات يفرد أيضًا التكبير في آخرها حكاه إمام الحرمين. الرابع: قديم أيضًا أنها ثمان كلمات يفرد التكبير في أولها وآخرها مع لفظة الإقامة حكاه القاضي حسين والفوراني والسرخسي .... (¬1) العدة وجهًا وحكاه البغوي قولًا وهو أنه إن رخع في الأذان ثنى جميع كلمات الإقامة فيكون سبع عشرة كلمة وإن لم يرجع أفرد الإقامة فجعلها إحدى عشرة كلمة. قال البغوي: وهذا اختيار أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا ¬

_ (¬1) كذا بياض في الأصل.

والمذهب أنها إحدى عشرة كلمة سواء رجع أم لا، ودليله حديث عبد الله بن زيد وحديث أنس. فإن قيل: فقد قال: أليس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة فهذا ظاهر أن يأتي بالتكبيرة مرة فقط وقد قلتم يأتي به مرتين؟ فالجواب أنه وتر بالنسبة إلى تكبير الأذان فإن التكبير في أول الأذان أربع كلمات ولأن السنة في تكبيرات الأذان الأربع أن يأتي بها في نفسين وفي الإقامة يأت بالتكبيرتين في نفس، فصارت وترًا بهذا الاعتبار والله أعلم.

29 - باب ما جاء في الترسل في الأذان

29 - باب ما جاء في الترسل في الأذان ثنا أحمد بن الحسن نا المعلي بن أسد نا عبد المنعم وهو صاحب السقاء نا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "يا بلال إذا أذنت فترسل في أذانك، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني" (¬1) حدثنا عبد بن حميد نا يونس بن محمد عن عبد المنعم نحوه. قال أبو عيسى: حديث جابر هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول (¬2). * الكلام عليه: في إسناده ضعيفان يروي أحدهما عن الآخر، فأولهما عبد المنعم بن نعيم هو أبو سعيد بصري ذكره ابن أبي حاتم بروايته عن يحيى هذا والصلت بن دينار والجريري وقال غيره والأعمش. روى عنه المعلى بن أسد والمقدمي، وذكر أنه سأل أباه عنه فقال: منكر الحديث. وكذلك البخاري. وقال النسائي: ليس هو ثقة. ¬

_ (¬1) قال الشيخ: ضعيف جدًّا، لكن قوله: (ولا تقوموا ...) صحيح. (¬2) وزاد في المطبوع: وعبد المنعم شيخ بصري.

وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدارقطني: ضعيف. وثانيهما يحيى بن مسلم وهو البكاء بصري يكنى أبا مسلم ويقال فيه يحيى بن أبي خليد وقيل اسم أبي خليد سليمان سمع ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري وأبا العالية روى عنه عبد العزيز بن الصمد القرشي وحماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم. لم يرتضه يحيى بن سعيد. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم: شيخ، قيل: أيما أحب إليك هو أو أبو جناب؟ قال: لا هذا ولا هذا. قيل: إذا لم يكن في الباب غيرهما. قال: لا يكتب منه شيء. وقال يحيى بن معين: ليس بذاك. وقال أحمد: ليس بثقة. وقال النسائي: متروك. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. مات سنة ثلاثين ومائة. وقال ابن أبي حاتم بعد الترجمة: يحيى بن مسلم روى عن الحسن وعطاء عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "إذا أذنت فترسل"، روى عنه عبد المنعم. سئل أبو زرعة عن يحيى بن مسلم هذا؟ فقال: لا أدري من هو، ولا أدري أهو الأول أم لا. غير أن ابن أبي حاتم ذكر ترجمة البكاء، ثم ذكر بعدها بترجمتين أو ثلاثة

ترجمة يحيى بن مسلم راوي هذا الحديث، فاقتضى ذلك من عمله أنه غير الأول. وقد ذكر ابن عدي من جهة عباس عن يحيى بن معين في هذا الحديث قال وكيع: يروي عن شيخ ضعيف يقال له يحيى بن مسلم البكاء بصري متروك الحديث. وهذا يقتضي أنه الأول، فتكون الترجمتان على هذا واحدة. والله أعلم. ورويناه من طريق أبي محمد بن حيان في كتاب "الأذان" فقال نا إبراهيم بن علي العمري ثنا معلي بن مهدي نا عبد المنعم البصري فذكره ونسب معلى إلى مهدي. ومعلى بن مهدي هذا في طبقة معلى بن أسد غير أن ابن أسد موثق وهذا مضعف. قال أبو حاتم الرازي: شيخ موصلي أدركته فلم أسمع منه يحدث أحيانًا بالحديث المنكر. وفي الباب مما لم يذكره حديث علي بن أبي طالب [- عليه السلام -] كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نرسل (¬1) الأذان ونحدف الإقامة. رواه الدارقطني من حديث سويد بن غفلة سمعت عليًّا. [في إسناده عمرو بن شمر، قال يحيى: ليس بثقة]. وروى الدارقطني أيضًا من حديث مرحوم بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال: جاءنا عمر بن الخطاب وقال: إذا أذنت فترسل وإذا ¬

_ (¬1) في مخطوط السندي: نرتل، وكذا يمكن قراءة الأصل، لكن التفسير التالي، يعارض كل ذلك.

أقمت فاحذم. عبد العزيز مولى آل معاوية بن أبي سفيان بصري ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه ابنه مرحوم بن عبد العزيز ولم يذكر غيره ولا عرف بحاله. الترسل ترك العجلة مع الإبانة. ويقال ترسل الرجل في مشيته وكلامه إذا لم يعجل فيه. وقوله: وإذا أقمت فاحدر، قال ابن سيده: حدر الشيء يحدره ويحدُر حدْرًا وخدُورًا فانحدر حظه من علو إلى سفل وقد رويناه فاحذم بالميم والذال المعجمة وكله بمعنى الإسراع. قال صاحب "المحكم": والحذم الإسراع في المشي قال: ومنه قول عمر رضي الله عنه لبعض المؤذنين: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم. والاعتصار ارتجاع العطية واعتصر من الشيء أخذ والاعتصار أن يأخذ من الإنسان مالًا يغرم أو بشيء غيره، وكأن الكناية عن الداخل لقضاء الحاجة بالمعتصر من ذلك. والمستحب أن يترسل في الأذان ويدرج الإقامة وكذا نص عليه الشافعي في "الأم" قال: وكيف ما أتى بالأذان والإقامة أجزأ غير أن الاختيار ما وصفت. وإلى هذا ذهب الأصحاب، قال الشاشي في "المعتمد": الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام الأعراب ولا بين كلام المتماوتين. قالوا ويكره تلحين الأذان وتمطيطه لأنه يخرجه عن الإفهام. ولأن السلف تجافوه وإنما أحدث بعدهم. وقد روى الدارقطني من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذن يطرب فقال رسول الله عليه - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلًا سمحًا وإلا فلا تؤذن". رواه عن علي بن محمد المصري عن مقدام بن داود عن علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عنه.

وإسحاق هذا ضعفه الدارقطني وابن عدي وقال: لم أر له من الأحاديث إلا عشرة أو أقل. ومقدار ما رأيته مناكير، وتكلم فيه ابن حبان وقد ضعف بروايته عن ابن جريج هذا الحديث. وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن عمر بن سعد بن أبي حسين المكي: أن مؤذنًا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز: أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا. وعن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: الأذان جزم. وقوله - عليه السلام -: "واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ....... (¬1). وقد روينا فيه عن سلمان وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أنا شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف سماعًا قال أنا أبو محمد بن رواحة وأبو الفضل بن المحبلي بقراءتي على الأول وإجازة في من الثاني قالا أنا أحمد بن محمد الحافظ سماعًا قال أنا القاضي أبو رجاء بُندار بن محمد بن أبي أحمد بن جعفر الخلقاني بأصبهان من أصل سماعه في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربع مائة أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي علي الهمداني أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن حيان الحافظ قال ثنا محمد بن يعقوب الأهوازي ثنا أحمد بن المقدام العجلي ثنا يوسف بن الحجاج البلدي نا المعارك بن عباد عن يحيى بن أبي الفضل عن أبي الجوزاء أحسبه عن سلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا حتى يقضي المتوضيء حاجته في مهل ويفرغ الآكل من طعامه في مهل". وبه إلى ابن حيان قال ثنا أحمد بن محمد بن شريح ثنا الحسن بن عيسى ¬

_ (¬1) بياض في الأصول.

البسطامي نا عبد الصمد بن عبد الوارث نا المعارك بن عبّاد العبدي عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ المتوضيء من وضوئه في مهل والمتعشي من عشائه". في "علل الخلال" عن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله ......... (¬1) ابن حبيب عن معارك بن عباد العبدي عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد فذكر هذا الحديث فأنكره إنكارًا شديدًا وقال: معارك لا أجيزه وعبد الله بن سعيد أبو عباد منكر الحديث متروك الحديث اهـ. [معارك قال أبو زرعة: منكر واهي الحديث وقال أبو حاتم: أحاديثه منكرة. وفيه أيضًا عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لبلال: "اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من أكله"، ......... (¬2) رواه عبد الله بن أحمد فيما زاد في "المسند" عن غير أبيه]. فيه التنبيه على مقدار الزمن الفاصل بين الأذان والإقامة بالتقريب، لأن الآكل والشارب والمعتصر مختلفة أحوالهم في ذلك بالإطالة والإسراع فيحمل على التوسط فيه، وهو يتناول المغرب وغيرها لأن الأذان اسم جنس مضاف هنا إلى المعرفة فيعم، والإقامة كذلك، وقد خرج عن ذلك صلاة المغرب في سعة الفصل، باتفاق، لاتفاقهم إما على عدم الفصل بين الأذان لها والإقامة، كما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة في أشهر قوليه، أو بقيد الفصل اليسير، كما ذهب إليه الشافعي وأحمد والأكثرون. ولا يعرف الفصل بين أذان المغرب وإقامتها كغيرها من الصلوات عن أحد من ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) بياض في الأصل.

السلف لا قولًا ولا عملًا، فهو من باب تخصيص عموم السنة بالإجماع. وقد وقع هذا الفصل مقيدًا بانتظار الجماعة فيما خرجه البيهقي من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإن رأى بأهل المسجد قلة (¬1) جلس حتى يرى منهم جماعة ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة أقام الصلاة. قال: وحدثني موسى بن عقبة أيضًا عن نافع بن جبير ومسعود بن الحكم الزرقي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مثل هذا الحديث. قال البيهقي: ورواه أبو عاصم عن ابن جريج. قلت: أبو النضر حديثه مرسل، إلا أن إسناده جيد، وهو عند أبي داود. وكذلك أيضًا في هذا الحديث المراد بالنداء النداء لما عدا المغرب لما علم من حالهم في الحضور إلى المغرب أول ما يؤذن لها. مسألة: قال العلماء: والإقامة منوطة بنظر الإمام كما أن الأذان منوط بالمؤذن وعلمه بأحوال الوقت لا يحتاج إلى مراجعة الإمام، والمعنى فيه أن الإقامة من شأنها أن يتعقبها الصلاة على الاتصال والصلاة للإمام فينبغي أن يكون عازمًا على الشروع فيها عند تمام الإقامة، فلا بد من إذنه. [وروينا عن أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم ثنا قاسم المطرز وعبد الله بن محمد بن الحسن قالا نا علي بن إشكاب ثنا يحيى بن إسحاق نا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤذن أملك ¬

_ (¬1) الأصل: قليلًا.

بالأذان والإمام أملك بالإقامة". قال ثنا محمد بن يعقوب الأهوازي نا أحمد بن المقدام نا يوسف بن الحجاج نا المعارك بن عباد عن يحيى بن أبي الفضل عن أبي الجوزاء عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤذن أحق بالأذان والإمام أحق بالإقامة". وقوله: (لا تقوموا حتى تروني) هذا صحيح من حديث ابن أبي قتادة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم. وهو هنا طرف من هذا الحديث. قال القاضي عياض: ظاهر أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته، ويعارضه حديث بلال أنه كان لا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووجه الجمع أن بلالًا كان يراقب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرى أول خروجه قبل أن يراه من هناك فيشرع في الإقامة إذ ذاك. ثم لا يقوم الناس حتى يروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم لا يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقامه حتى يعدلوا صفوفهم وبهذا الترتيب يصح الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى. انتهى. وإذا اقتضى الجمع بين الأحاديث كما ذكر أن بلالًا كان يراقب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرى أول خروجه فيشرع في الإقامة، فكيف حسنت الحوالة في الإقامة هنا على الزمان المقدر بأكل الآكل وشرب الشارب. وإنما هي محالة على أول رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحتمل أن يكون المراد بالإقامة تأهبه وتشوفه لخروجه - عليه السلام - للصلاة ليكون بمراقبته مدركًا لأول خروجه فيقيم عند ذلك، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حاديث جابر بن سمرة: كان مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمهل فلا يقيم حتى إذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج أقام الصلاة.

وهناك نذكر مذاهب السلف في وقت القيام للصلاة حين الإقامة إن شاء الله تعالى] (¬1). مسألة الاستئذان: روينا من طريق ابن حيان من حديث كامل ..... أبي المعلى عن أبي صالح عن أبي هريرة: كان بلال إذا أذن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله! الصلاة! يا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح! الصلاة يا رسول الله! ومن طريقه من حديت شريك عن سماك عن جابر بن سمرة: كان بلال يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا فرغ من أذانه استأذن عليه. ومن طريقه من حديث يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عروة عن عائشة، وفيه: حتى إذا أذن بلال بالصبح، ثم جاء فقال: السلام عليك! يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة! يا رسول الله ... الحديث. قال ابن قسيط: وكان بلال يسلم على أبي بكر وعمر كما كان يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "مهذبه": ويجوز استدعاء الأمراء إلى الصلاة. وقال القاضي أبو الطيب في "تعليقه": سلام المؤذن بعد الأذان على الأمراء، وقوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح) مكروه. وقال نصر المقدسي وصاحب "العدة": يكره أن يخرج بعد الأذان إلى باب الأمير وغيره يقول: حي على الفلاح أيها الأمير! فإن أتى بابه وقال: الصلاة أيها الأمير، فلا بأس. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر ص (82).

أما من قال بكراهة الاستئذان أو بعض الألفاظ الواردة فيه فيحتاج إلى الجواب عن هذه الأحاديث. وقد وقع في حديث عائشة (مولى ابن قسيط): كان بلال يسلم على أبي بكر وعمر كما كان يسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن أراد السلام الذي تقدمت الإشارة فليس بشيء؛ لأنّ بلالًا لم يؤذن لعمر قط، إلا بعض أذان بالشام ولم يتم حين استغرقت الصحابة العَبرْة بتذكرهم أذانه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي أذانه لأبي بكر خلاف بين أهل النقل. وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه إلى الصلاة؟ فقال: لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول. قال ابن عبد البر: هو كما قال، لم يكن في زمن الخلفاء الأربعة، وأول من فعل ذلك معاوية، وقيل: المغيرة بن شعبة، والأول أصح. وكان مالك يقول: في (حي على الصلاة حي على الفلاح) ما يكفي من الدعاء إليها. قال أبو عمر: من خشي على نفسه الشغل عن الصلاة بأمور المسلمين (جوز فعله) فلا بأس أن يقيم لذلك من يؤذنه بالصلاة ويشعره بإقامتها. مسألة: قال الرافعي: وبم تحصل فضيلة الأولية في الوقت؟ حكى الإمام فيه ثلاثة أوجه، أقربها عنده، وهو الذي ذكره صاحب "التقريب": أنها تحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة كالطهارة والأذان ودخول الوقت فإنه لا يعد حينئذ متوانيًا ولا مؤخرًا. الثاني: يبقي وقت الفضيلة إلى نصف الوقت لأن معظمه باق ما لم يمض

النصف، فيكون موقعًا للصلاة في حد الأول، وإلى هذا مال الشيخ أبو محمد واعتبر نصف وقت الاختيار. والثالث: لا تحصل الفضيلة إلا إذا قدم ما يمكن تقديمه من الأسباب لينطبق التكبير على أول دخول الوقت. وترجيح الوجه الأول من الحديث ظاهر. مسألة: اختلف الفقهاء فيما إذا تعارض عند المريد للصلاة المبادرة إلى أول الوقت أو التأخير لانتظار الجماعة، والمختار المبادرة. وفي الحديث حجة على من قال بذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج لإرادة الصلاة فإذا رأى الجماعة قليلًا انتظرهم، وأخّر حتى يكثر جمعهم. وقد وقع في حديث آخر: إذا رآهم اجتمعوا تعجّل، وإذا رآهم أبطأوا أخر. قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا تقوموا حتى تروني"، هذا ثابت في الصحيحين من حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"، زاد مسلم: "قد خرجت"، وما قبله من هذا الحديث ففيه من الاعتلال ما ذكرناه. وقد أخرجه الترمذي وصححه، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. وإذا كان كذلك فقد تضمن الحديث جعل الزمن المقدر بأكل الآكل، وما معه غاية لإقامة الصلاة، وليست الغاية إلا خروج الإمام أو أذانه، فيحتاج إلى تأويل قوله: (وإقامتك) فيمكن أن يكون المراد بالإقامة التأهب لها بمراقبته - عليه السلام - أول خروجه عند من لا يرى الاستئذان على الإمام، فيمكن أن يكون المراد الاستئذان على الإمام للإقامة، وكلاهما من مجاز الحذف.

30 - باب ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان

30 - باب ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان نا محمود بن غيلان نا عبد الرزاق أنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت بلالًا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة حمراء -أراه قال: من أدم- فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها بالبطحاء فصلى إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصر بين يديه الكلب والحمار وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه، قال سفيان: نُراه حبَرَة. قال أبو عيسى: حديث أبي جحيفة حديث حسن صحيح. وعليه العمل عند أهل العلم، يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان. وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضًا يدخل أصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي. وأبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي. * الكلام عليه: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث غير أن المذكور في هذا اللفظ من الاستدارة وإدخال الإصبعين في الأذنين ليس في الصحيح عن البخاري ولا مسلم. وإن كان تصحيحه ممكنًا كما سنذكره. وأما لفظ حديث الباب المصحح للترمذي فإنه منقطع بين سفيان وعون. وإنما رواه الثوري عن حجاج بن أرطاة عن عون والحجاج غير سالم من تضعيف.

ذكر البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن محمد بن الوليد عن سفيان حدثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه فذكر متنًا ليس فيه الاستدارة. ثم قال عقيبه: وبالإسناد نا سفيان حدثني من سمعه من عون أنه كان يدور ويضع أصبعيه في أذنيه، وتوهم البيهقي الواسطة بين سفيان وعون هنا حجاجًا وساق الحديث كذلك من رواية حجاج عن عون من غير طريق سفيان. قال: وعبد الرزاق وهم في إدراجه في الحديث يعني جملة لفظ سفيان عن حجاج عن عون على لفظ سفيان عن عون. فأما توجه أن هذا اللفظ عند سفيان عن حجاج فقد روى الطبراني نا محمد بن عبد الله الحضرمي نا عبد الأعلى بن واصل نا يحيى بن آدم عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت بلالًا أذن فاتبع فاه هاهنا وها هنا. والتفت سفيان يمينًا وشمالًا، قال يحيى: قال سفيان: كان حجاج يذكره عن عون أنه قال: فاستدار في أذانه، فلما لقينا عونًا لم يذكر فيه الاستدارة، وأما قوله: (إن عبد الرزاق وهم في إدراجه) فقد تابع عبد الرزاق عن سفيان على لفظ الاستدارة، وكذا هو عند ابن حيان عنهما. وتابع مؤمل عبد الرزاق على لفظه في الاستدارة وإدخال الأصبعين في الأذنين، رواه أبو عوانة الإسفرايني في "صحيحه" عن يوسف القاضي عن محمد بن أبي بكر عن مؤمل عن سفيان عن عون، وفيه: فجعل يتبع فاه هاهنا، وها هنا، ووضع أصبعيه في أذنيه. وقد رواه عن عون كرواية حجاج بلفظ الاستدارة وإدخال الأصبعين في الأذنين إدريس الأودي عند الطبراني عن الحسن بن العباس عن محمد بن نوح عن زياد البكائي عنه.

وكذلك رواه حماد بن سلمة وهشيم عن عون ذكره ابن حيان عن الصوفي عن علي بن الجعد عن حماد وعن أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن كامل عن حماد. وعن ابن ناجية نا الربيع بن تعلب نا هشيم جميعًا عن عون فذكره وقال: هذا لفظ حديث ابن ناجية. وأما جعل الأصبعين في الأذنين فقد جاء عن بلال وأبي محذورة أنهما كانا يجعلان أصابعهما في أذانهما قاله ابن المنذر، وقد أخرج ابن خزيمة حديث هشيم عن حجاج عن عون بذلك وقال: إن صح الخبر فإني لا أحفظ لفظه إلا عن حجاج، والإشارة بذلك والله أعلم إلى تدليس حجاج فهو مضعف به، وقد تقدم عن البيهقي قول سفيان: حدثني من سمعه من عون، وتبين طريق الطبراني أنه عند سفيان عن حجاج عن عون فهي شهادة من سفيان لحجاج بسماعه من عون ترفع شبهة تدليسه. وقوله: لا أحفظه إلا عن حجاج، قد ذكرناه من طريق حماد وهشيم والأودي وقد ذكر عن قيس بن الربيع كلهم عن عون كرواية حجاج فالشبهة التي شككت ابن خزيمة في تصحيحه مرتفعة وهو صحيح إن شاء الله. وفي الباب مما لم يذكره عن سعد القرظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يجعل إصبعيه في أذنيه وقال: "أنه أرفع لصوتك" عند ابن ماجه. فيه الاستدارة في الحيعلة في الأذان يعني جهة القبلة. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة في الأذان. وروينا من طريق ابن حيان بالسند المتقدم قال ثنا محمد بن عبد الله بن رسته نا يعقوب بن حميد بن كاسب نا عبد الرحمن بن سعد المؤذن عن عبد الله بن

محمد بن عمار وعمار وعمير ابني حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال فذكر حديثًا ثم قال: وبإسناده عن بلال: أنه كان يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وتفسير أذانه الذي كان يؤذن مستقبل القبلة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله ثم ينحرف عن يمين القبلة فيقول: أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدًا رسول الله ثم يقول خلف القبلة حي على الصلاة حي على الصلاة ثم ينحرف عن يسار القبلة فيقول حي على الفلاح حي على الفلاح ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم ذكر الإقامة منفردة، وكان بلال يؤذن بهذا الأذان لأ بي بكر وكان سعد يؤذن بهذا الأذان لعمر وعثمان. وقد ذكره أبو أحمد بن عدي من طريق عبد الرحمن بن سعد هذا بسنده كما ذكرناه أن بلالًا كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة ... الحديث. وذكر ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن عبد الرحمن المؤذن فقال: مديني ضعيف. وذكر ابن حيان أيضًا من طيق المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في حديث عبد الله بن زيد في رؤيا الأذان: رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران قام فاستقبل الصلاة فقال: الله أكبر الله أكبر حتى فرغ من الأذان ... الحديث. قالوا: ولأنه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى. قال الأصحاب: والسنة أن يلتفت في الحيعلتين يمينًا وشمالًا ولا يستدير لما تقدم.

وفي كيفية الالتفات المستحب ثلاثة أوجه. وقد اختلف العلفاء في الالتفات في الحيعلتين والاستدارة واختلف قول من استحبهما في كيفيتها. فقال طائفة: يستحب الالتفات في الحيعلتين يمينًا وشمالًا ولا يدور ولا يستدبر القبلة سواء كان على الأرض أو على منارة وإليه ذهب النخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد. وقال ابن سيرين يكره الالتفات. وقال مالك: لا يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس. وقال أبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية عنه: يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور. وأما الكيفية فقال الرافعي: وذلك أن يلوي رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة أو يزيل قدميه عن مكانهما، قال: وكيفيته أن يلتفت يمينًا فيقول حي على الصلاة مرتين ثم يلتفت شمالًا فيقول حي على الفلاح مرتين هذا هو الأصح وعليه العمل وبه قال أبو حنيفة. وعن القفّال: أنه يقسم كل حيعلة على الجهتين فيقول حي على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره وكذلك قوله حي على الفلاح. وحكى صاحب "البيان" على الوجه الأول وجهين فيما يفعل إلى تمام كل كل واحد من الحيعلتين. أحدهما: أنه يلتفت يمينًا ويقول حي على الصلاة مرة ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلتفت شمالًا ويقول حي على الصلاة مرة أخرى. وكذلك يفعل بالجهة الثانية. وإنما اختصت الحيعلتان بالالتفات دون سائر الأذان لأن سائر الأذان ذكر الله

تعالى وهما خطاب الآدمي وهذا كالسلام في الصلاة يلتفت فيه ولا يلتفت في سائر الأذكار. وإنما لم يستحب في الخطبة أن يلتفت يمينًا وشمالًا لأن ألفاظها تختلف والغرض منها الوعظ والإفهام، فلا يخص بعض الناس بشيء منها كيلا يختل الفهم بذهاب بعض الكلام عن السماع، وها هنا الغرض الإعلام بالصوت وذلك يحصل بكل حال، وفي الالتفات إسماع أهل النواحي. هل يستحب الالتفات في الإقامة؟ فيه وجهان أشهرهما نعم كما في الأذان والثاني لا، لأن المقصود منها الإعلام للحاضرين فلا حاجة إلى الالتفات إلا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه. وفيه جعل الأصبعين في الأذنين وهو من السنة وهذا متفق عليه ونقله المحاملي في "المجموع" عن عامة أهل العلم. قال أصحابنا: وفيه فائدة وهي أنه ربما لم يسمع إنسان صوت المؤذن لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدل بأصبعيه على أذانه فإن كان في إحدى يديه علة تمنعه من ذلك جعل الأخرى في صماخه. ولا يستحب وضع الأصبع في الأذن في الإقامة صرح به الروياني في "الحلية" وغيره، وقد حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم في الإقامة وقال: وهو قول الأوزاعي. وما في الحديث من ركز العنزة وغيره يأتي الكلام عليه في بابه. * * *

31 - باب ما جاء في التثويب في الفجر

31 - باب ما جاء في التثويب في الفجر ثنا أحمد بن منيع نا أبو أحمد الزبيري نا أبو إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر". قال: وفي الباب عن أبي محذورة. قال أبو عيسى: حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي. وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم، ويقال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم. وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث. وقد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، فقال بعضهم: التثويب أن يقول في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول ابن المبارك وأحمد. وقال إسحاق في التثويب غير هذا قال: هو شيء أحدثه الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح قال: وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي قد كرهه أهل العلم والذي أحدثوه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. والذي فسّر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم فهو قول صحيح ويقال له التثويب أيضًا. وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه.

وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم وروي عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدًا وقد أذن ونحن يزيد أن نصلي فيه فثوب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولما يصل فيه. قال: وإنما كره عبد الله التثويب الذي أحدثه الناس بعد. * الكلام عليه: رواه الإمام أحمد وابن ماجه [ذكره المقدسي عنهما: ولفظه عنده أمرني رسول الله أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء] (¬1) وفيه انقطاع في موضعين: ذكر أحدهما: بين أبي إسرائيل والحكم. والثاني: بين ابن أبي ليلى وبلال، فقد قال يحيى: لم يسمع منه. وهو ظاهر لأن مولده كما تقدم سنة سبع عشرة ووفاة بلال سنة عشرين أو إحدى وعشرين بالشام وكان بها مرابطًا قبل ذلك من أوائل فتوحها فهو شامي وابن أبي ليلى كوفي فكيف يسمع منه مع حداثة السن وتباعد الأقطار. ففيه ضعيفان وهما أبو إسرائيل إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي العبسي الكوفي يروي عن الحكم وطلحة بن مصرف ومولاه سعد بن حذيفة وغيرهم. وعنه وكيع وأبو أحمد الزبيري وأبو نعيم وغيرهم. اختلف قول ابن معين فيه وضعفه النسائي والداقطني وقال ابن عدي: عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات. قال مطين: مات سنة تسع وستين ومائة. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

روى له الترمذي وابن ماجه. اختلف في اسم أبيه فقيل خليفة وقيل عبد العزيز. والثاني: الحسن بن عمارة وهو واهٍ جدًّا، قال ابن يونس: مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. مع الانقطاع بين ابن أبي ليلى (¬1)، وعلى الذي ذكرناه. وقد رواه الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن الحسن الموصلي أبي مسعود الزجاج. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. تضمن التبويب التثويب في الفجر والحديث يقتضي ذلك وزيادة انفراده بذلك دون غيره. فأما الأول ففيه أحاديث، في حديث عبد الله بن زيد في ذكر الأذان فكان بلالًا مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة الفجر. رواه الإمام أحمد. وعن سعيد بن المسيب عن بلال: أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم فقال الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر ¬

_ (¬1) أي وبلال.

على ذلك رواه ابن ماجه، وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم. رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عثمان العجلي نا أبو أسامة عن ابن عون عن ابن سيرين. ورواه الدارقطني من طريق محمد بن عثمان العجلي هذا بلفظ: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم، وأخرجه البيهقي من طريق الدارقطني وقال: هو إسناد صحيح وعن نافع عن ابن عمر قال: كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم. رواه أبو العباس السراج في مسنده نا الحسن بن سلام وأبو عوف قالا نا أبو نعيم نا سفيان عن ابن عجلان عن نافع وهذا أيضًا إسناد صحيح ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم. ومن طريق ابن ماجه عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهريّ عن سالم عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشار الناس، وفيه: فأري النداء، وفيه قال الزهريّ: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة الصلاة خير من النوم فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. محمد بن خالد تكلم فيه. وقد روينا قول الزهريّ هذا عن ابن عمر من طريق ابن حيان. وروينا من حديث عائشة قالت: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائمًا فقال: الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الصبح رواه ابن حيان من حديث صالح بن أبي الأخضر عن الزهريّ عن عروة عن عائشة. ومن طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن محمد بن إبراهيم

التيمي حدثه عن نعيم النحام قال: كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة الصبح فلما سمعت قلت: لو قال: ومن قعد فلا حرج قال: فلما قال الصلاة خير من النوم قال ومن قعد فلا حرج رواه البيهقي عن أبي نصر بن قتادة عن عبد الله بن أحمد بن سعد (¬1) الحافظ عن محمد بن إبراهيم البوشنجي عن هشام بن عمار عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عنه. وحديث أبي محذورة روينا من طريق ابن حيان ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ومحمود بن أحمد الفرح ومحمد بن نصر قالوا: أنا إسماعيل بن عمرو البجلي. ورويناه من طريق النسائي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك كلاهما عن سفيان وهو الثوري واللفظ للأول. قال سمعت أبا جعفر الفراء يحدث عن أبي سلمان قال سمعت أبا محذورة يقول: كنت أؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكنت أقول في الأذان إذا بلغت حي على الفلاح الصلاة خير من النوم فدعاني النبي - صلى الله عليه وسلم - فمسح يده علي رأسي. ورواه النسائي أيضًا عن عمررو بن علي عن يحيى بن عبد الرحمن عن سفيان عن أبي جعفر عن أبي سلمان نحوه. وقال: ليس بأبي جعفر الفراء. ورويناه عن ابن حيان نا محمد بن نصر نا أبو أيوب نا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع سمع أبا محذوة يقول: أذنت بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا بلغت حي على الفلاح فقل: الصلاة خير من النوم". وروى ابن قسيط عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يجعل في أذانه في الصبح الصلاة خير من النوم. ذكره ابن حيان وذكره من طريقه بلفظ آخر. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: سعيد، والمثبت من الأصل، و"السنن الكبير" (1/ 423).

وأما المعنى الثاني وهو إفراد الفجر بالتثويب ففيه حديث الباب وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة وعن طلحة عن سويد عن بلال أنهما كانا لا يثوبان إلا في الفجر. وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة أنه أرسل إلى مؤذن له يقال له رباح: أن لا يثوب إلا في الفجر. وروي عن بعض السلف التثويب في العشاء والفجر، فروى أبو بكر عن وكيع عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يثوبون في العشاء والفجر. وعن وكيع عن أبي إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي قال: يثوب في العشاء والفجر. قال نا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يثوبون في العتمة والفجر. وكان مؤذن إبراهيم يثوب في الظهر والعصر فلا ينهاه. وأما الرواية التي أشار إليها عن ابن عمر فقد ذكر ابن أبي شيبة نا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في أذانه: الصلاة خير من النوم. لكن لفظ الترمذي في صلاة الفجر. وأما ما رواه عن مجاهد فعند أبي داود من طريق أبي يحيى القتات عنه قال: كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه عن محمد بن كثير عن سفيان عنه. واسم أبي يحيى مسلم، وقيل: زاذان، وقيل: عبد الرحمن بن دينار. وقد مس بتضعيف، وروي عن ابن معين توثيقه.

هذا لفظ أبي داود وإسناده جيد وضعف أبي يحيى قريب. وفيه تقييد الصلاة المؤذن لها بأنها الظهر أو العصر وليس ذلك عند الترمذي فقد يكون التثويب لغير الصبح هو البدعة عند ابن عمر لا تثويبًا آخر غير المعروف. فليس في ألفاظ الحديث تثويب معين وإذا لم يكن فحمله على المشهور أولى والذي يظهر من كلام الترمذي أن مراد ابن عمر عنده التثويب الذي حكاه عن إسحاق من قول المؤذن إذا استبطأ القوم بين الأذان والإقامة قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح. وقوله في آخر الخبر: إنما كره عبد الله التثويب الذي أحدثه الناس اليوم يحتمل ما أحدث الناس في لفظ التثويب مما لم يكن. ويحتمل التثويب لصلاة لم يكن يثوب لها احتمالًا على ........ (¬1) ... والصلاة خير من النوم من رواية محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده عند ابن حيان من طريق ابن محيريز عن أبي محذورة؛ ثم أمران يقول في الأذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، وهو أولى لكون الصلاة مذكورة في لفظ أبي داود فيقوى التعليل بها والتثويب غير مذكور عند واحد منهما فالتعليل به أضعف. [وأما قوله: (وفي الباب عن أبي محذورة) فإن أراد بالمعنى الأول التثويب في صلاة الفجر فقد ذكرناه. كان أراد بالمعنى الثاني أنه لا تثويب إلا في الفجر فقد وقفت على طرق شتى لحديث أبي محذورة ولم أجد ذلك، وإن أشار إلى المعنى الأول فقد كان ينبغي أن ¬

_ (¬1) كلمة لم أستطع قراءتها: تحتمل: الهوى أو السوى. وما بعده بياض قدر سطر وأكثر. وهو مذكور في حاشية الأصل لكنه غير واضح.

يذكر عن غير أبي محذورة أيضًا ممن ذكرناه والله أعلم] (¬1). وأما معنى التثويب فذكر الخطابي أنه الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وأصله أن يلوح الرجل لصاحبه بثوبه ينذره عند الأمر يرهبه من خوف أو عدو، ثم استعمل في كل إعلام تجهر به صوت وعلل أيضًا تسمية الإقامة تثويبًا بأنه إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة. وحكى ابن عبد البر أن ابن الأنباري قال: إنما سمي التثويب تثويبًا وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم لأنه دعاء ثان إلى الصلاة والأول عنده حي على الصلاة حي على الفلاح. والتثويب عند العرب العود. وقال ابن سيده: التثويب الدعاء للصلاة وغيرها وأصله أن الرجل إذا جاء مستصرخًا لوح بثوبه فكان ذلك كالدعاء وقيل التثويب تثنية الدعاء. والمشهور في كيفية التثويب الصلاة خير من النوم. والكيفية الثانية محكية عن إسحاق وغيره. وروينا من طريق أبي الشيخ ثنا محمد بن جعفر الشعيري نا الجراح بن مخلد نا محمد بن سعيد السراج نا محبوب بن محرز عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني بلالًا فإذا أذن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله الصلاة يا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله. وقد رويت في ذلك أحاديث عن أبي هريرة وجابر بن سمرة في الاستئذان ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

على الإمام من المؤذن في أذانه. والتثويب على الوجه الأول في صلاة الصبح سنة اتفق عليها أصحاب الشافعي وهو رواية في القديم ومكروه عنده في الجديد وعلل بعضهم الكراهة بأن أبا محذورة لم يحكه، وقد تقدم عن أبي محذورة صحيحًا بتصحيح ابن خزيمة وغيره. والفتيا في هذه المسألة عند أصحاب الشافعي على القديم من قوليه وممن قال قال بالتثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ولم يقل أبو حنيفة بالتثويب على هذا الوجه واختلف السلف في محله فالمشهور أن محله صلاة الصبح وذكر عن النخعي أنه سنة في الصلوات كالصبح. وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح أنه مستحب في أذان العشاء أيضًا. وقد ذكرنا عن الشعبي وغيره أنه مستحب (¬1) في العشاء والفجر. والمروي عن أبي حنيفة أنه يمكث بعد الأذان بقدر عشرين آية ثم يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح وقال إنه التثويب. قال الرافعي: المشهور في التثويب القطع بأنه ليس بركن في الأذان. وقال إمام الحرمين: فيه احتمال عندي من جهة أنه يضاهي كلمات الأذان في شرع رفع الصوت به فكان أولى بالخلاف من الترجيع وإطلاقهم مشروعية التثويب في الأذان للصبح يشمل الأذان الأول والثاني لكن ذكر صاحب "التهذيب" أنه إذا أذن مرتين وثوب في الأول لا يثوب في الثاني على أصح الوجهي. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: يستحب.

32 - باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم

32 - باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم ثنا هناد نا عبدة ويعلى عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن الحارث الصُّدائي قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله: "إن أخا صُداء قد أذن فمن أذن فهو يقيم". قال: وفي الباب عن ابن عمر. قال أبو عيسى: وحديث زياد إنما يعرف من حديث الإفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث. ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي. رأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ويقول: هو مقارب الحديث والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم. * الكلام عليه: رواه أبو داود وابن ماجه من طريق الإفريقي وتكلم فيه قوم وكان سفيان الثوري يعظمه. وقال ابن أبي داود: إنما تكلم الناس فيه لأنه روى عن مسلم بن يسار، فقيل له: أين رأيته؟ فقال: بإفريقية فقالوا: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط يعنون البصري ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له أبو عثمان الطنبذي وعنه روى. وكان الإفريقي رجلًا صالحًا وله أخبار حسان وقد ذكرته قبل هذا بأوفى من هذا.

وقال ابن يونس: هو أول مولود ولد في الإسلام بإفريقية وتوفي سنة ست وخمسين ومائة. وأما حديث ابن عمر فروينا عن أبي الشيخ ثنا إبراهيم بن علي العمري نا معلي بن مهدي نا سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يقيم من أذن". ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن سعيد بن راشد هذا فقال: ضعيف الحديث منكر الحديث. وذكر في كتاب "العلل" أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال: منكر وسعيد ضعيف الحديث منكر. وقال مرة: متروك الحديث. قال الحازمي في كتابه في "الناسخ والمنسوخ": واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز واختلفوا في الأولوية، فقال أكثرهم: لا فرق والأمر متسع وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور. وقال بعض العلماء: الأولى أن من أذن فهو يقيم. قال الشافعي: وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة. انتهى. أما حجة الشافعي ومن قال بقوله فما ذكر في الباب. وأما حجة الآخرين فروى أبو داود من حديث عبد الله بن زيد أنه حين رأى الأذان وقال له - عليه السلام -: "ألقه على بلال" فقال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده قال: "فأقم أنت". وذكر أبو الشيخ من حديث مقسم عن ابن عباس قال: كان أول من أذن في الإسلام بلال وأول من أقام عبد الله بن زيد فلما أذن بلال أراد أن يقيم فقال

عبد الله بن زيد: أنا الذي رأيتُ الرؤيا فأذن بلال ويقيم أيضًا؟ قال: "فأقم أنت" في حديث أبي داود: محمد بن عمرو وهو الواقفي الأنصاري البصري ضعفه القطان جدًّا وابن نمير ويحيى بن معين والأخذ بحديث الصُّدائي أولى لأن حديث ابن زيد كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائي بعده بلا شك. وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أذن واحد فقط فهو الذي يقيم وإذا أذن جماعة دفعة واتفقوا على من يقيم منهم فهو الذي يقيم. وإن تشاحُّوا أقرع بينهم. وإن أذنوا واحدًا بعد واحد فإن كان الأول هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب فالذي يقيم هو الأول وإن كان الذي أذن أولًا أجنبيًّا وأذن بعده الراتب فمن أولى بالإقامة؟ فيه وجهان حكاهما الخراسانيون أصحهما الراتب لأنه صاحب ولاية الأذان والإقامة وقد أذن. والثاني: الأجنبي لأن بأذانه الأول حصلت سنة الأذان أو فرضه ولو أقام في هذه الصورة غير من له ولاية الإقامة ممن أذن أو أجنبي اعتدّ بإقامته على المذهب وبه قطع الجمهور. وحكى الخراسانيون وجهًا أنه لا يعتد به تخريجًا من قول الشافعي أنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر وهذا ليس بشيء ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل به الكفاية وفيه وجه أنه لا بأس بأن يقيموا جميعًا إذا لم يؤد إلى تهويش وبهذا قطع البغوي. وإن أقام غير من أذن فهو خلاف الأولى ولا يقال مكروه وقيل إنه مكروه وبه جزم العبدري نقل مثله عن أحمد وقال مالك وأبو حنيفة: لا يكره.

33 - باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء

33 - باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء ثنا علي بن حجر نا الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤذن إلا متوضئ". حدثنا يحيى بن موسى نا عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: قال أبو هريرة: لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ. وهذا أصح من الأول. قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة لم يرفعه ابن وهب وهو أصح من حديث الوليد بن مسلم. والزهري لم يسمع من أبي هريرة. واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء، فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق. ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد. * الكلام عليه: هذا منقطع بين الزهري وأبي هريرة، فإنه لم يسمعه منه كما ذكر الترمذي وغيره. ومختلف (¬1) في رفعه ووقفه. فالوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى يرفعه. وابن وهب عن يونس يقفه. ¬

_ (¬1) زاد في نسخة السندي: فيه، أي مختلف فيه في ....

ورجح الترمذي الوقف لجلالة من وقفه [وهو يونس والأوزاعي. وذكر ابن أبي شيبة نا عمر بن هارون عن الأوزاعي عن الزهري قال: قال أبو هريرة: لا يؤذن المؤذن إلا متوضئًا]. وانحطاط درجة من رفعه وهو معاوية بن يحيى أبو روح الصدفي الدمشقي. روى عن مكحول الزهري ويونس بن ميسرة بن حلبس والقاسم بن عبد الرحمن. روي عنه الهقل بن زياد وعيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان الرازي وغيرهم. قال البخاري: أحاديثه عن الزهري مستقيمة كأنها من كتاب، وروى عن عيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير كأنها من حفظه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الحاكم أبو أحمد: يروي عنه الهقل بن زياد عن الزهري أحاديث منكرة شبيهة بالموضوعة. وقال السعدي: ذاهب الحديث. وقال أبو زُرْعة: ليس بقوي أحاديثه كلها مقلوبة ما حدث بالري، والذي حدث بالشام أحسن حالًا. وقال أبو حاتم: هو ضعيف في الحديث، في حديثه إنكار. وقال النسائي أيضًا: ضعيف.

وقال ابن خراش: ما نقل عنه الهقل صحيح ورواية إسحاق الرازي عنه مقلوبة. وقال الدارقطني: يكتب ما روى الهقل عنه ويتجنب ما سواه خاصة ما روى إسحاق بن سليمان الرازي. ومثل هذا لا يعدل بيونس الأيلي وهو من أحفظ أصحاب الزهري وألزمهم له لا سيما وقد تابعه الأوزاعي، فهو مع الانقطاع إما موقوف أو مرفوع عن ضعيف، وقد روينا حديث معاوية بن يحيى عنه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يؤذن إلا متوضئ. من طريق ابن حيان أنا ابن أبي عاصم نا هشام بن عمار نا الوليد بن مسلم عن معاوية فذكره. فهو إذن مختلف فيه على الوليد بن مسلم. فهشام بن عمار يسنده عن سعيد وعلي بن حجر يرسله عن الزهري وليس فيه على هذا إلا ما ذكر من حال معاوية بن يحيى وهو قريب الحال من حديثه إذ هو من حديثه بالشام على رأي أبي زرعة. وله شاهد من طريق ابن عباس ووائل بن حجر كما سيأتي. وفي الباب مما لم يذكره عن وائل بن حجر وابن عباس روينا عن ابن حيان قال نا علي بن سعيد العسكري نا أبو بدر نا عمير بن عمران الحنفي نا الحارث بن عتبة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا وهو طاهر (¬1). قال: ثنا الطبركي نا عبد الله بن هارون الفروي حدثني أبي عن جدي أبي علقمة عن محمد بن مالك قال: أذنت يومًا في مسجد علي بن عبد الله بن عباس ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (1/ 397) من طريق أبي الشيخ عن عبدان عن هلال بن بشر عن عمير -ونسبه العلاف- به. قال البيهقي: عبد الجبار بن وائل عن أبيه مرسل. وتابعه عند البيهقي صدقة بن عبد الله المازني عن الحارث.

الصبح قال: لا تؤذن إلا وأنت طاهر. قال أبي وحدثني يعني عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا ابن عباس إن الأذان متصل بالصلاة فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر". حديث عبد الجبار موقوف مرسل. قال يحيى بن معين: هو ثبت ولم يسمع من أبيه شيئًا، وفي رواية: ثقة. وقيل أنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر. روى له مسلم وذكره ابن حبان في الثقات وقال: توفي سنة اثنتي عشرة ومائة، القول بأنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، مذكور. وقد روينا من طريق الطبراني نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ثنا محمد بن عبيد بن حساب نا عبد الوارث نا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي فحدثني علقمة بن وائل فذكر حديثًا. وتكلم ابن عدي في عبد الله بن هارون الفروي وهو ابن موسى ابن أبي علقمة وقال له: مناكير. وأبو هارون بن موسى بن أبي علقمة، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ. وقد اختلف السلف في الأذان بغير طهارة والإقامة. فقال قوم: لا بأس أن يؤذن على غير وضوء. رواه منصور عن إبراهيم وجابر عن عبد الرحمن بن الأسود وحجاج عن عطاء. وروى أيضًا عن حماد بن أبي سليمان.

وكرهه آخرون، وقد ذكرنا عن أبي هريرة ما عنه في ذلك. وروي مثله عن عطاء ومجاهد ويذكر عن الأوزاعي وإسحاق، وفرق آخرون بين الأذان والإقامة. فعن قتادة: لا بأس أن يؤذن الرجل على غير وضوء فإذا أراد أن يقيم توضأ. وعن الحسن: لا بأس أن يؤذن غير طاهر ويقيم وهو طاهر وإليه ذهب مالك. والذي ذهب إليه الشافعي أنه يستحب أن يؤذن على طهارة فإن أذن وهو محدث أو جنب أو أقام الصلاة وهو محدث أو جنب صح أذانه وإقامته. لكنه مكروه نص على كراهته الشافعي والأصحاب واتفقوا عليها قالوا والكراهة في الجنب أشد منها في المحدث وفي الإقامة أغلظ. قال في "الأم": ولو ابتدأ بالأذان طاهرًا ثم انتقضت طهارته بنى على أذانه ولم يقطعه سواء كان حدثه جنابة أو غيرها قال: ولو قطعه وتطهر ثم رجع بنى على أذانه ولو استأنف كان أحبّ إلي. هذا نصه. وتابعه الأصحاب قالوا: وإنما استحب إتمامه ولا يقطعه لئلا يظن أنه متلاعب، وإنما يصح البناء إذا لم يطل الفصل طولًا فاحشًا وإن طال طولًا غير فاحش ففي صحة البناء طريقان حكاهما صاحب "البيان" وآخرون: أحدهما: يصح البناء قولًا واحدًا وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون. والثاني: فيه قولان. وإذا أذن وأقام وهو جنب في المسجد أثم بلبثه في المسجد وصح أذانه وإقامته، لأن المراد حصول الإعلام وقد حصل والتحريم لمعنى آخر وهو حرمة المسجد. وقال صاحب "البيان" وغيره التحريم على الجنب.

قال الماوردي وغيره: ولو أذن مكشوف العورة أثم وأجزأ. قال النووي: وكمذهبنا أن أذان الجنب والمحدث وإقامتهما صحيحان مع الكراهة. وقال به الحسن البصري وقتادة وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وداود. * * *

34 - باب ما جاء أن الإمام أحق بالإقامة

34 - باب ما جاء أن الإمام أحق بالإقامة حدثنا يحيى بن موسى ثنا عبد الرزاق أنا إسرائيل أخبرني سماك بن حرب سمع جابر بن سمرة يقول: كان مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج أقام الصلاة حين يراه. قال أبو عيسى: حديث جابر بن سمرة هو حديث حسن وحديث سماك لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وهكذا قال بعض أهل العلم: أن المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة. * الكلام عليه: أخرجه مسلم وأبو داود وهو صحيح ويكفي من ذاك تصحيح مسلم إياه. وله شاهد من حديث أبي هريرة وابن عمر. وأما من قصر عن التصحيح؛ فإن سماكًا كان يقبل التلقين، وليس من شرط الصحيح عند بعضهم، على أن الترمذي يصحح حديثه، ولكنه هنا يقول: لا يعرف حديث سماك إلا من هذا الوجه، فقد انضم إلى تليين سماك التفرد الذي أشار إليه، فلذلك لم يبلغ درجة الصحيح عنده، وكأنه جاء إلى شاهده المروي من حديث أبي هريرة وابن عمر فنسبه إلى قول بعض أهل العلم، ولم يورد ذلك منسوبًا إلى رواته من الصحابة كعادته، ولو اطلع عليه في ذلك لصححه، ولولا شاهده لكان الترمذي أسعد فيه بالصواب من مسلم. وقوله: (قال بعض أهل العلم: إن المؤذن أملك بالأذان) الفصل فقد حصل لنا مرويًّا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر أيضًا كما سنذكره.

وروينا من طريق أبي الشيخ بن حيان قال: نا قاسم المطرز وعبد الله بن محمد بن الحسن قالا: نا علي بن إشكاب نا يحيى بن إسحاق نا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة". قال: نا محمد بن يعقوب الأهوازي نا أحمد بن المقدام نا يوسف بن الحجاج نا المعارك بن عباد عن يحيى بن أبي الفضل عن أبي .... عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤذن أحق بالآذان، والإمام أحق بالإقامة". وعن علي - عليه السلام - قال: "المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة" رواه البيهقي. فيه الإقامة عند خروج الإمام ولا يصح تقدمها على وقت الصلاة ولا على إرادة الدخول فيها ولا بد من هذين الشرطين وهما دخول الوقت وإرادة الدخول في الصلاة فإن أقام قبيل الوقت بجزء لطيف بحيث دخل الوقت عقيب الإقامة ثم شرع في الصلاة عقيب ذلك لم تصح إقامته وإن كان فصل بينها وبين الصلاة لكونها وقعت قبل الوقت وقد نص في "الأم" على هذا. وإن أقام في الوقت وأخر الدخول في الصلاة بطلت إقامته إن طال الفصل لأنها تراد للدخول في الصلاة فلا يجوز الفصل. [(¬1) وظاهر حديث [ابن] سمرة هذا أن المؤذن لم يكن ليقيم الصلاة حتى يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج للصلاة وهو مخالف لظاهر حديث: "لا تقوموا حتى تروني"، فإنه يقتضي أن من شأنهم القيام قبل رؤيته وهم كانوا لا يقومون حتى ¬

_ (¬1) من هنا حتى آخر الباب مكتوب عليه ينقل. وفي باب 30 ص 56 ذكر أنه سيزيد بيانًا في هذا الحديث. فالله أعلم.

تقام الصلاة. فقيامهم قبل رؤيته يدل على أن الصلاة كانت تقام قبل رؤيته قال ......... وقوله إذا أقيمت الصلاة قلا تقوموا حتى تروني ظاهره أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته ويعارضه حديث بلال أنه كان لا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووجه الجمع أن بلالًا كان يراقب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرى أول خروجه قبل أن يراه من هناك. فيشرع في الإقامة إذ ذاك ثم لا يقوم الناس حتى يروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم لا يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقامه حتى يعدلوا صفوفهم وبهذا الترتيب يصح الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى. وقد اختلف السلف في متى يقوم الناس إلى الصلاة ومتى يكبر لها. فذهبت طائفة إلى أنه ليس لقيام الناس حد، يحكى ذلك عن مالك، قال لأن الناس تختلف أحوالهم فمنهم الثقيل والخفيف. وروى أبو عمر بإسناده عن عمرو بن مهاجر قال: رأيت عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القرظي وسالم بن عبد الله وأبا قلابة وعراك بن مالك الغفاري ومحمد بن مسلم الزهري وسليمان بن حبيب يقومون إلى الصلاة في أول بدء من الإقامة قال: وكان عمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة عدل الصفوف بيده عن يمينه ويساره، فإذا فرغ المؤذن كبر. وعن ابن عجلان عن أبي عبيد قال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يقول حين يقول المؤذن قد قامت الصلاة: قوموا قد قامت الصلاة. وعن ابن المبارك عن أبي يعلى قال: رأيت أنس بن مالك إذا قيل: قد قامت الصلاة قام فثوب.

وعن الزهري قال: ما كان المؤذن يقول قد قامت الصلاة حتى تعتدل الصفوف. وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن قد قامت الصلاة. وقال فرقد السبخي للحسن: أرأيت إذا أذن المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول المؤذن قد قامت الصلاة؟ فقال الحسن: أي ذلك شئت. وقال سعيد بن المسيب: إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام فإذا قال حي على الصلاة اعتدلت الصفوف فإذا قال لا إله لا الله كبر الإمام. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كان الإمام معهم في المسجد فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح. وقال الشافعي وداود: والبدار إلى القيام في الصلاة أولى في أخذ المؤذن في الإقامة لأنه بدار إلى فعل بر. وليس في ذلك شيء محدود عندهم. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الإمام يكبر إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة أو حين يفرغ من الإقامة؟ فقال: حديث أبي قتادة: "لا تقوموا حتى تروني". وذهب جماعة إلى أنه لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة]. * * *

35 - باب ما جاء في الأذان بالليل

35 - باب ما جاء في الأذان بالليل نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم". قال: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح. وقد اختلف أهل العلم في الأذان بالليل. فقال بعض أهل العلم: إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد، وهو قول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. قال بعض أهل العلم: إذا أذن بالليل أعاد وبه يقول سفيان الثوري. وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أن بلالًا أذن بليل فأمره النبي أن يناد إن العبد نام. قال أبو عيسى: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". قال وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع أن مؤذنًا لعمر أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذا لا يصح لأنه عن نافع عن عمر منقطع. ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث. والصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن

سالم عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذن بليل". قال أبو عيسى: فلو كان حديث حماد صحيحًا لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن بلالًا يؤذن بليل. فإنما أمرهم فيما يستقبل، فقال إن بلالًا يؤذن بليل، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل إن بلالًا يؤذن بليل. قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة [عن أيوب] (¬1) عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة. * الكلام عليه: أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما [ورواه أيضًا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند البخاري وغيره] (¬2). وحديث ابن مسعود روى سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يمنعن أحدكم أو واحدًا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم وينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا. وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدهما عن يمينه وشماله. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وأما حديث عائشة فروى ابن خزيمة من حديثها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال"، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية. (¬2) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

قال: وليس هذا الخبر يُضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين أم مكتوم فأمر في بعض الليالي بلالًا أن يؤذن أولًا بالليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن بعده بالنهار، فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل فإذا نزل صعد بلال فأذن بعده بالنهار ثم ذكر كلامًا ثم قال: فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس في كلا الوقتين أن أذان الأول منهما هو أذان بليل لا بنهار وأنه لا يمنع من أراد الصوم طعامًا ولا شرابًا وأن أذان الثاني إنما يمنع الطعام والشراب إذ هو بنهار لا بليل. وأما حديث أنيسة فروى خُبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة بنت خُبيب قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أذن ابن مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا"، فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها شيء من سحورها فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري. رواه الإمام أحمد وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه وابن حبان وقال ابن خزيمة: هذا خبر قد اختلف فيه يعني على حُبيب بن عبد الرحمن رواه شعبة عنه عن عمته أنيسة فقال: "ابن أم مكتوم أو بلالًا ينادي بليل"، وهو عند أحمد. وحديث أنس عند الطحاوي [من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا". وحديث أبي ذر عنده أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعًا وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا" معترضًا في إسناده ابن لهيعة. وحديث] (¬1) سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير" رواه مسلم. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

وذكر الترمذي حديث حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالًا أذن بليل فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي إن العبد نام. وحديث ابن أبي رواد عن نافع أن مؤذنًا لعمر، وردّهما. وقال أبو داود في حديث حماد: لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة. قال أبو عمر: تفرد به حماد بن سلمة دون أصحاب أيوب، وأصحاب أيوب يروونه عن أيوب قال: أذن بلال مرةً بليل [فذكره مقطوعًا هكذا ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب] (¬1) وقال الأثرم: وأما حديث حماد بن سلمة فإنه خطأ معروف من خطأ حماد بن سلمة وإنما أصل الحديث عن نافع عن ابن عمر أن مؤذنًا لعمر، يقال له مسروح وقال بعضهم: مسعود أذن بليل فأمره عمر أن يرجع فينادي ألا إن مسروحًا نام. وكذا قال الترمذي: لعل خبر مؤذن عمر هذا هو الذي أراد حماد بن سلمة. وقال أبو داود نحوه، غير أن الترمذي رده بالانقطاع بين نافع وعمر وليس صريحًا من رواية نافع عن عمر عنده بل لعله من رواية نافع عن مؤذن عمر عن عمر. وقد ذكره أبو عمر ورده بالانقطاع المذكور ثم قال: ولكن الدراوردي وحماد بن زيد قد رويا هذا الخبر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. انتهى. أما حديث ابن أبي رواد فإن أبا داود ذكره عن نافع عن مؤذن لعمر يقال له مسروح ثم قال: وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره. قال أبو داود: وهذا أصح من ذلك. وقد رواه الدارقطني من حديث عامر بن مدرك عن ابن أبي رواد عن نافع عن ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

ابن عمر أن بلالًا أذن قبل الفجر فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن ينادي إن العبد نام فوجد بلال وجدًا شديدًا. وقال: وهم فيه عامر بن مدرك والصواب عن شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن مؤذن عمر رضي الله عنه من قوله. فيه مسائل: الأولى: جوار الأذان بالليل لصلاة الصبح قبل دخول الوقت إذ لا أذان عند الجميع للنوافل بليل ولا غيره. وقد اختلف العلماء في جواز الأذان لصلاة الصبح قبل دخول وقتها، فقال أكثرهم بجواز ذلك وممن أجازه مالك وأصحابه والأوزاعي والشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري وهو قول أبي يوسف القاضي. وحجّتهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بلالًا ينادي بليل" وما سبق مما في معناه. وفي قوله هذا إخبار منه أن شأن بلال أن يؤذن للصبح بليل يقول فإذا جاء شهر رمضان فلا يمنعكم أذانه من سحوركم فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإن من شأنه أن يقارب الصبح بأذانه. وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن: لا يجوز الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها ومن أذن لها قبل الفجر لزمه إعادة الأذان وحجتهم ما رواه وكيع عن جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا"، ومد يده عرضًا: رواه أبو داود، وقال: شداد مولى عياض لم يدرك بلالًا. وقال غيره: وهو أيضًا مجهول. وروى من حديث الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن سويد بن غفلة

عن بلال كذا هو عند البيهقي. والحسن بن عمارة متروك. وروى البيهقي من طريق الحميدي عن سفيان نا سليمان التيمي عن أبي عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "لا تؤذن والفجر هكذا" وجمع سفيان أصابعه الثلاثة التي يأكل بها: "لا تؤذن حتى يقول الفجر هكذا" وصف سفيان بين السبابتين ثم فرق بينهما وهذا مرسل، أخرجه ورجال إسناده ثقات. قال البيهقي: وروينا عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي مسعود رضي الله عنه ما دل على أذان بلال بليل وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر تأذينه بليل وذلك أولى بالقبول لكونه موصولًا وهذا مرسل. واحتجوا أيضًا بما تقدم من حديث حماد بن سلمة عن أيوب وحديث الدراوردي عن مؤذن عمر وقد سبق تعليلهما، وبحديث حجاج عن عطاء عن أبي محذورة أنه أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر لا يؤذن حتى يطلع الفجر. ضعفه الأثرم وكأنه يريد تضعيفه بحجاج، وأيضًا فلا يمنع أذان أبي محذورة بعد طلوع الفجر أذان بلال أو غيره قبيل ذلك. وليس في التضعيف بحجاج بن أرطاة كبير أمر. ونحا بعضهم في الاحتجاج نحو آخر فزعم أن أذان بلال قبل الفجر كان خطأ وذكر في ذلك حديث أنس الذي ذكرناه من طريق الطحاوي وفيه: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا". وما روى البيهقي من جهة محمد بن بكر قال نا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك أبي محذورة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ما حملك على ذلك"؟ قال: استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر طلع فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي بالمدينة ثلاثًا إن العبد قد نام ثم أقعده إلى جنبه

حتى طلع الفجر. وما ذكره أبو القاسم البغوي في معجمه من طريق حفص بن غياث عن أشعث عن أبي هبيرة عن جده شيبان قال: تسحرت ثم أتيت المسجد فاستندت إلى حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسحر فقال: "أبو يحيى"؟ فقلت: أبو يحيى، قال: "هلم إلى الغداء"، قلت: أنا أريد الصيام قال: "وأنا أريد الصيام ولكن مؤذننا هذا في بصره سوء أو شيء وإنه أذن قبل طلوع الفجر". أخرجه عن داود بن رشيد عن حفص. أشعث هذا هو ابن سوّار. كذا رواه الطبراني من حديثه ونسبه، وهو الكوفي القاضي، كان ابن مهدي يخط على حديثه. وضعفه أحمد ويحيى والنسائي والدارقطني. وقال ابن حبان: هو فاحش الخطأ كثير الوهم. وروى عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن مسلم قلت للحسن البصري: يا أبا سعيد الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس فغضب وقال: علوج فُرّاغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم، من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه. وعن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يؤذن قبل الفجر. وعنه قال: سمع علقمة بن قيس مؤذنًا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو نام على فراشه لكان خيرًا له. وروي من طريق زبيد اليامي عن إبراهيم النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل

قالوا له: اتق الله وأعد أذانك. ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة أم المؤمنين: متى توترين؟ قالت: بين الأذان والإقامة وما كانوا يؤذنون حتى يصبحوا. وروى يحيى القطان نا عبيد الله نا نافع قال: ما كانوا يؤذنون حتى يطلع الفجر. وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أولى أن يرجع إليه من جميع ما ذكرناه من الآثار والأحاديث المعلولة. قالت طائفة: يجوز أن يؤذن قبل الفجر إن كان يؤذن بعده حكاه ابن المنذر. قال الفقهاء من أصحاب الشافعي: والسنة أن يؤذن للصبح مرتان إحداهما قبل الفجر والأخرى عقيب طلوعه للحديث في ذلك، قالوا: وجاز أن يكون بعض الكلمات قبل الفجر وبعضها بعده، فإن اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو المعهود في سائر الصلوات، قال ابن عبد البر: والذي أحبه أن يكون مؤذن آخر بعد الفجر، وهذا محمول عندهم على الأفضلية لا على الوجوب كما حكيناه عمن ذكره عنه ابن المنذر، وأما غيرها من الصلوات فلا يصح الأذان لها قبل وقتها بإجماع نقله ابن جرير وغيره. الثانية: القائلون بجواز الأذان للصبح قبل وقتها من أصحابنا اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه من الليل على خمسة أوجه: فقول أكثرهم، وبه قطع معظم العراقيين: يدخل وقت أذانها من نصف الليل. الثاني: قبيل طلوع الفجر في السحر وبه قطع البغوي، وصححه القاضي حسين والمتولي وهذا يعضده ما ثبت في الباب من حديث عائشة وقولها: لم يكن

بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا. الثالث: يؤذن في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع نقله إمام الحرمين وآخرون من الخراسانيين ورجحه الرافعي وذكروا فيه حديثًا ضعيفًا لا تقوم به حجة عن سعد القرظ قال: أذنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقباء وفي زمن عمر بالمدينة فكان أذاننا للصبح في الشتاء لسبع ونصف يبقى من الليل وفي الصيف لسبع يبقى منه، رواه الشافعي في القديم وهو مع ضعفه مخالف لقول صاحب هذا الوجه. الرابع: أنه يؤذن بعد وقت العشاء المختار وهو ثلث الليل في قول ونصفه في قول، حكاه القاضي حسين وصاحبا "الإبانة" و"التتمة" وغيرهم. الخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح حكاه إمام الحرمين وصاحبا "العدة" و"البيان" وهو في غاية الضعف، بل غلط، قال إمام الحرمين: لولا علو قدر الحاكي له وهو الشيخ أبو علي وأنه لا ينقل إلا ما صح وتنقح عنده لما استجزت نقل هذا الوجه وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب والسرف في كل شيء مطرح. الثالثة: فيه دليل على اتخاذ مؤذنين في مسجد واحد وقد استحب ذلك أصحاب الشافعي وأما الاقتصار على مؤذن واحد فغير مكروه. وفرق بين أن يكون الفعل مستحبًا وأن يكون تركه مكروهًا وأما الزيادة على مؤذنين فليس في الحديث تعرض له ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكره الزيادة على أربعة. قالوا: قد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة من المؤذنين ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الرشدين على أكثر من هذا العدد. وجوزه بعضهم من غير كراهة، قالوا: إذا جازت الزيادة لعثمان على ما كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضرورة جازت الزيادة لغيره عليه وهو ظاهر.

قال أبو عمر: وإذا جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له (¬1). الرابعة: إذا قلنا بجواز اتخاذ مؤذنين فصاعدًا إلى أربعة أو أكثر من ذلك عند من يقول به من غير كراهة فالمستحب أن يتعاقبوا واحدًا بعد واحد كما اقتضاه الحديث إن اتسع الوقت لذلك كصلاة الفجر. وأما في المغرب فلم ينقل فيها مؤذنان، فإن تنازعوا في البداية أقرع بينهم لقوله - عليه السلام -: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاسْتهموا" الحديث [وقد أقرع سعد بن أبي وقاص بين المتشاحنين في الأذان إذ قتل المؤذن يوم القادسية]. وإن ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرًا أذنوا متفرقين في أقطار المسجد فإنه أبلغ في الإسماع وإن كان صغيرًا وقفوا معًا وأذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تشويش، فإن أدى لم يؤذن إلا واحد فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بالإقامة. وقد سبق تفرج مسألة الإقامة في باب من أذن فهو يقيم. الخامسة: فيه دليل على جواز أذان الأعمى. قال أبو عمر: وذلك عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات وقد نقل عن السلف خلاف في ذلك، ¬

_ (¬1) حاشية للسندي. ... بما أخرجه البخاري ... مالك في "الموطأ": أن عمر رضي الله عنه كان إذا جلى على المنبر يوم الجمعة بين يديه أناس ... دفعة واحدة، وذلك ... عند البخاري (6830) صريحًا: (فلما) سكت المؤذنون قام يخطب، وذكر فيه قصة، ... ، كرواية الرجم ... (الكلالة)، وفي "موطأ مالك" (233) قصة أخرى فيه أيضًا: فلما سكت المؤذنون. فتنبه، محمد عابد.

ذكر ابن أبي شيبة بسنده عن ابن مسعود: لا أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: حسبته قال: ولا قراؤكم. وعن ابن عباس أنه كره إقامة الأعمى. وعن ابن الزبير أنه كان يكره أن يؤذن المؤذن وهو أعمى. وعن منصور قال: كان مؤذن إبراهيم أعمى. ولعل الكراهة في ذلك عند من قال بها إذا لم يجد المؤذن دليلًا على معرفة الوقت أو كان منفردًا بالأذان وأما إذا معه غيره فلا كراهة. وقال أصحابنا: يكره أن يكون الأعمى مؤذنًا وحده. السادسة: وإذا كان كذلك ففيه جواز تقليد الأعمى للبصير في الوقت أو جواز اجتهاده فيه، فإن ابن أم مكتوم لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر، وذلك إما سماع من بصير أو اجتهاد وقد جاء في الحديث: "وكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت" فهذا يدل على رجوعه إلى البصير ولو لم يرد ذلك لم يكن في هذا اللفظ دليل على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه، لأن الدال على أحد الأمرين مبهمًا لا يدل على واحد منهما معينًا. السابعة: قال أبو عمر: وفيه دليل على جواز شهادة الأعمى على ما استثبته من الأصوات، ألا ترى أنه إذا قيل له: أصبحت قبل ذلك وشهد عليه، ولخصمه أن يقول هذا من باب الخبر ليس من باب الشهادة التي يتوجه القضاء بها على معين وإنما أخبره بالوقت من سكنت نفسه لأخباره فأخبر هو به مستندًا إلى ذلك. الثامنة: فيه إطلاق الشيء على ما قاربه، قال ابن شهاب: وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت قال أبو عمر: معناه المقاربة أي قاربت الصبح، والعرب تسمى الشيء باسم ما قرب منه ومنه قول الله عز

وجل {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية. وهذا على القرب عند الجميع لا على البلوغ الحقيقي لأن الأجل لو انقضى وهو انقضاء العدة لم يجز لهم إمساكهن وهذا إجماع لا خلاف فيه فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر أصحابه أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن من لا يؤذن إلا وقد أصبح. التاسعة: وفيه استمرار وقت السحور إلى تبين الفجر الصادق. وسيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. العاشرة: في قول ابن شهاب: وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى، وكذلك في الصحيح من حديث ابن عمر: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى، جواز وصف الإنسان بعيب فيه للتعريف به أولمصلحة تترتب عليه لا لقصد التنقيص وهذا أحد وجوه الغيبة المباحة وهي ستة مواضع. * * *

36 - باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان

36 - باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان ثنا هناد نا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال: خرج رجل من المسجد بعدما أذن فيه بالعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. قال: وفي الباب عن عثمان. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه. ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة، وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه. وأبو الشعثاء اسمه سليم بن أسود وهو والد أشعث بن أبي الشعثاء قال: وقد روى أشعث بن أبي الشعثاء هذا الحديث عن أبيه. * الكلام عليه: أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وذكر بعضهم أن هذا موقوف. وقال أبو عمر: هو مسند عندهم. وقال: لا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان يعني هذا وقول أبي هريرة: ومن لم يجب يعني الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وفي إسناده إبراهيم بن المهاجر وقد ضعف ووثق وأخرج له الجماعة إلا البخاري.

وفي الرواة ممن يسمى إبراهيم بن مهاجر ثلاثة: أحدهم: هذا أبو إسحاق البجلي الكوفي يروي عن قيس بن أبي حازم وزيد بن وهب ومجاهد وإبراهيم وطارق بن شهاب وعطاء. ضعفه يحيى بن معين. وقال علي والنسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث. وقال ابن حبان: هو كثير الخطأ. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة يحمل بعضها بعضًا ويشبه بعضها بعضًا وهو عندي أصلح من إبراهيم الهجري وحديثه يكتب في الضعفاء. والثاني: إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المدني مولى سعد بن أبي وقاص يروي عن أبيه وعن صفوان بن سليم وعمر بن حفص بن ذكوان. قال البخاري والنسائي: هو ضعيف. وقال يحيى بن معين: لا بأس به. وقال أحمد: ليس به بأس حكاه ابن عدي في ترجمة ابنه إسماعيل بن إبراهيم. والثالث: يقال له الأزدي الكوفي سمع الأعمش وجعفر بن محمد لم يتكلموا فيه فيما علمتُ. وأما حديث عثمان فعند ابن سنجر (¬1) من حديث عثمان قال: قال رسول الله ¬

_ (¬1) قوله: ابن سنجر، واضحة في الأصل، كذلك. والحديث رواه ابن ماجه (734) والزيادة منه، ولا بد منها وفيه عبد الجبار بن عمر، ضعيف جدًّا، =

- صلى الله عليه وسلم -: "من أدركه الأذان وهو في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو يريد [لا] الرجعة فهو منافق". ذكره عنه الزيدوني في "أحكامه". وأما حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، فروينا عن ابن حيان نا بالسند المتقدم ثنا ابن أبي حاتم نا أحمد بن محمد الأطرابلسي نا موسى بن داود نا شريك عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: إذا أقيمت الصلاة وأحدكم في المسجد فلا يخرج حتى يصلي؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك (¬1). ورواه عن أبي هريرة أبو صالح ومحمد بن زاذان وسعيد بن المسيب وقول أبي هريرة رضي الله عنه في الخارج من المسجد: أما هذا فقد عصى أبا القاسم؛ محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده كما تقدم ولولا أنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان لما أطلق لفظ المعصية على الخارج، وقد تبين ذلك بما ذكرناه من حديث أشعث عن أبيه وكذا لفظ سعيد بن المسيب [عن أبي هريرة] (¬2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخرج بعد الأذان من المسجد إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى الصلاة". كذا رويناه عن سعيد من طرق متعددة يشهد بعضها لبعض، قال القرطبي: ¬

_ = عند الألباني، وقواه هو والبوصيري بشواهد له. فانظر "مصباح الزجاجة" (275) للبوصيري. و"هداية الرواة" (1034) و"الصحيحة" (2518)، و"صحيح الترغيب" (263) و"الثمر المستطاب" (2/ 644 - 645). (¬1) هذه الزيادة ضعفها الشيخ في "الثمر المستطاب" (1/ 642). والحديث في مسلم (655) بدونها. (¬2) زيادة من الأصل، وسعيد له رواية مرسلة ستأتي عند المصنف؛ رواها الدارمي (1/ 118) والبيهقي (3/ 56) وهو من الشواهد التي قوى بها الشيخ الألباني حديث عثمان، وحديث أبي هريرة.

فإذا ثبت هذا استُثمِر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض فأذن مؤذن ذلك الوقت حرم عليه أن يخرج منه لغير ضرورة حتى يصلي فيه تلك الصلاة، لأن ذلك المسجد تعين لتلك الصلاة أو لأنه (¬1) إذا خرج قد يمنعه مانع من الرجوع إليه، أو إلى غيره فتفوته الصلاة. ذكر أبو محمد بن حزم تحريم الخروج من المسجد على هذه الحالة. * * * ¬

_ (¬1) زاد السندي بعد (لأنه): (تحريم) ولا يظهر أن لها مكانًا في السياق.

37 - باب ما جاء في الأذان في السفر

37 - باب ما جاء في الأذان في السفر ثنا محمود بن غيلان ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وابن عم لي، فقال لنا: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، اختاروا الأذان في السفر، وقال بعضهم: تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس. والقول الأول أصح وبه يقول أحمد وإسحاق. * الكلام عليه: حديث مالك بن الحويرث هذا أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وقد هذا المعنى المعنى في عدة أحاديث من رواية ابن مسعود [وأنس] (¬1) وابن عمر وأبي برزة وسلمان وعقبة بن عامر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما ابن مسعود فعند أحمد من حديثه قال: بينا نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره سمعنا مناديًا ينادي الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله: "على الفطرة"، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله فقال نبي الله: "خرج من النار". قال: فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية وعند مسلم نحوه عن أنس سماعهم إياه من بُعد يرجح كون عمله كان أذانًا لا إقامة إذ الأذان مظنة رفع الصوت دون الإقامة. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

وأما حديث ابن عمر فعند البخاري من رواية نافع عنه أنه أذن في ليلة باردة بضجنان ثم قال: فصلوا في رحالكم، وأخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على إثره ألا صلوا في رحالكم، في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر. وعن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد أذن في أرض في (¬1) فيبقى شجر ولا مدر ولا تراب ولا شيء إلا استحلا البكاء لقلة ذاكر الله في ذلك المكان" (¬2). رواه أبو بشر إسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه الأصبهاني في "فوائده". وأما حديث سلمان فروينا عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه: نا إسحاق بن حكيم نا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق (¬3) عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان الرجل بأرض فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم وليقم فإن أقام صلى معه ملكان وإن أذن وأقام صلى خلفه من خلق الله ما لا يُرى طرفاه". أخرجه في الأمر بالأذان في السفر هكذا. وأما حديث عقب: بن عامر فروى أبو مسلم الكشي (¬4) في "سننه" من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعجب ربكم من راعي غنم على رأس شظية جبل ينادي ¬

_ (¬1) في بالقاف والياء، أي: قفر، لسان العرب. (¬2) رواه الخطيب في "موضح أوهام الجمع" (1/ 123). (¬3) في "المصنف" (1955) وابن أبي شيبة (2277) وابن التيمي هو المعتمر، وصححه الألباني في "الثمر" (1/ 145) و"صحيح الترغيب" (249) (414). (¬4) رواه أبو داود (1203) والنسائي (666)، وصححه الشيخ في "الإرواء" (214) و"الصحيحة" (41).

ويقيم الصلاة فيقول الله عزَّ وجلَّ: عبدي يؤذن ويقيم ويصلي اشهدوا إني قد غفرت له وأدخلته الجنة". رواه عن سليمان بن داود عنه. أبو عُشانة حي بن يؤمن وثقه أحمد ويحيى. وحديث أبي سعيد روى مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحبُ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو في باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬1) عن عبد الله بن يوسف عن مالك. وروي في ذلك عن أبي موسى من فعله ما ذكره ابن أبي شيبة (¬2) نا محمد بن عبيد عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن أبيه قال: كنا مع أبي موسى بعين التمر في دار البريد فأذن وأقام فقلنا له: لو خرجت إلى البرية، فقال: ذا وذاك سواء. فيه دليل على أن الأذان لا يدعه حاضر ولا مسافر وهو موضع اختلف العلماء فيه مع إجماعهم على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذن له في حياته كلها لكل سفر ¬

_ (¬1) في "الصحيح" (609). (¬2) "المصنف" (2268)، وأصله عند البخاري معلقًا في كتاب الوضوء (4) باب أبواب الإبل والدواب والغنم ومرابضها (70)، حيث أن في دار البريد أرواث الخيل ولم يخرج، فأعلم باستواء الصلاة في الخارج والداخل. ووصله ابن أبي شيبة (7753) وعبد الرزاق (1606) وابن المنذر في "الأوسط" (777/ 2 / 196). وصححه الألباني في "مختصر البخاري" (1/ 92).

وحضر وأنه ندب المسلمين إلى ذلك وكان - صلى الله عليه وسلم - في غزواته إذا سمع أذانًا كف وعلم أنها دار إيمان وإذا لم يسمعه أغار وكان يأمر بذلك. واختلف العلماء في وجوب الأذان وقد تقدم في باب بدء الأذان من ذلك ما فيه مغنى. الثانية: حكم المسافر في ذلك، وقد اختلف العلماء فيه فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق والطبري: إذا ترك المسافر الأذان عامدًا أو ناسيًا أجزأته صلاته وكذلك لو ترك الإقامة عندهم لم يكن عليه إعادة صلاته وقد أساء إن تركها عامدًا قاله أبو عمر، قال: وهو تحصيل مذهب مالك أيضًا. وروى ابن القاسم عن مالك أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد. وروى أشهب عن مالك قال: إن ترك الأذان مسافرًا عمدًا فعليه إعادة الصلاة ذكره الطبري قال أخبرني يونس بن عبد الأعلى قال: أنا أشهب عن مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أما المسافر فيصلي بأذان وإقامة قالوا ويكره أن يصلي بغير أذان ولا إقامة. وأما في المصر فيستحب للرجل إذا صلى وحده أن يؤذن ويقيم فإن اجتزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه. وقال الثوري: لا يجتزئ بإقامة أهل المصر. وقال الأوزاعي: لا يجزئ المسافر ولا الحاضر صلاة إذا ترك الإقامة. وقال داود بن علي: الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة كذلك واحتج بحديث الباب وهو قول أهل الظاهر. قال أبو عمر: ولا أعلم أحد قال بقوله من فقهاء الأمصار إلا ما روي عن

أشهب عن مالك وما روي عن الأوزاعي فيمن ترك الإقامة دون الأذان وهو قول عطاء ومجاهد. وقال الثوري: تجزئك الإقامة في السفر عن الأذان وإن شئت أذنت وأقمت وتكفيك الإقامة وإن صليت بغير أذان ولا إقامة أجزأتك صلاتك. وقد نقل عن بعض السلف من الصحابة التفريق في فعل الأذان بين بعض الصلوات وبعض. فروى أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان في السفر يصلي بإقامة إلا الغداة فإنه كان يؤذن لها ويقيم وهي صلاة الصبح. وذكر ابن أبي شيبة نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه عن محمد بن جبير بن مطعم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يؤذن في شيء من الصلاة في السفر إلا الإقامة إلا في صلاة الصبح فإنه كان يؤذن ويقيم. وعن ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين قال: كانوا يؤمرون في السفر أن يؤذنوا ويقيموا وأن يؤمهم أقرؤهم. ووكيع عن بريد عن ابن سيرين قال: تجزئ الإقامة إلا في الفجر فإنهم كانوا يقولون يؤذن ويقيم. وعن هشام بن عروة عن أبيه: إذا كنت في سفر فأذن وأقم وإن شئت فأقم ولا تؤذن. وعن القاسم قال: تجزئه الإقامة. وعن الحكم عن إبراهيم قال: إذا كنت في بيتك أو في سفرك أجزأتك الإقامة وإن شئت أذنت غير أن لا تدع أن تثني الإقامة.

وعن عطاء أنه سئل عن المسافرين يؤذنون ويقيمون قال: تجزئهم الإقامة إلا أن يكونوا متفرقين فيريد أن يجمعهم فيؤذن ويقيم. وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: أقمت مع مكحول بدابق خمس عشرة فلم يكن يزيد على الإقامة ولا يؤذن. الثالثة: حكم المنفرد في ذلك، قال أصحابنا: المنفرد في صحراء أو بلد يؤذن على المذهب المنصوص في الجديد والقديم لإطلاق الأحاديث وفيه وجه مخرّج أنه لا يؤذن ووجه خرجه أبو إسحاق المروزي من نصه في الإملاء إن رجا حضور جماعة أذن وإلا فلا. هذا كله إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره فإن بلغه فطريقان: أحدهما: أنه كما لو لم يبلغه فيكون فيه الخلاف وبهذا الطريق قطع الماوردي والبندنيجي. قال البندنيجي: القول الجديد يؤذن والقديم لا. الطريق الثاني: لا يؤذن لأن مقصود الأذان حصل بأذان غيره فإن قلنا يؤذن أقام وإن قلنا لا يؤذن فهل يقيم فيه طريقان: الصحيح: وبه قطع الجمهور يقيم. والثاني: حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان قال النووي: وهذا غلط. وإذا قلنا: يؤذن فهل يرفع صوته نظر إن صلى في مسجد قد صلت فيه جماعة لم يرفع لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى نص عليه في "الأم" واتفقوا عليه. وإن لم يكن كذلك فوجهان الأصح يرفع لعموم الأحاديث في رفع الصوت بالأذان والثاني إن رجا جماعة رفع وإلا فلا.

الرابعة: الأذان عند الشافعي في الجديد: حق الوقت، وفي القديم: حق الفريضة، وفي الإملاء: حق الجماعة، وحديث الباب يقتضي ترجيح القول بأنه حق الفريضة أو الوقت على القول بأنه حق الجماعة. الخامسة: قال المازري: وفيه دلالة على أن الأذان ليس بمستحق للأفضل ويحتمل أن يكون الفرق بين الأذان والإمامة أن القصد من الأذان الإسماع وذلك متأت من غير الأفضل كتأتيه من الأفضل، بل ربما كان الأنقص فضلًا أرفع صوتًا وقد قال - عليه السلام - في حديث آخر: "فاطلبوا لي أنداكم صوتًا" وهو هاهنا بمعنى: أبلغ في الإسماع، قال الشاعر: فقلت أدعى وأدعوا إن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان قال القاضي عياض: وقد يكون أندى من باب ألين وأسلس ويدل عليه قوله في بعض الروايات لعبد الله بن زيد: "إنك فظيع الصوت فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتًا". مع قول عمر بن عبد العزيز: أذن أذانًا سمحًا أو اعتزلنا. انتهى. وقول عمر بن عبد العزيز لمؤذنه: أذن أذانًا سمحًا ليس راجعًا إلى حسن الصوت فالذي جبل عليه من ذلك لا يتغير وإنما هو محمول عندهم على تلحين الأذان وتمطيطه وأن ذلك مكروه وقد سبق في باب ما جاء في الترسل في الأذان. وقول المازري: إن الأذان ليس بمستحق للأفضل إن أراد الأفضل من الإمام فقريب وإن أراد الأفضلية المطلقة فقد روينا من طريق ابن حيان بالسند المتقدم نا حسن بن هارون بن سليمان نا عثمان بن أبي شيبة أنا حسين بن عيسى الحنفي عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليؤذن لكم خياركم ويؤمكم أقرؤكم". رواه أبو داود وابن ماجه.

وذكر ابن أبي شيبة بسنده أن عمر قال: من مؤذنوكم؟ قالوا: عبيدنا وموالينا. قال إن ذلك لنقص بكم كبير. السادسة: قوله: (وليؤمكما أكبركما) يدل على تساويهما في شروط الإمامة فهناك يرجع إلى الترجيح بالسن وسيأتي في أبواب الإمامة بيان ذلك إن شاء الله تعالى. * * *

38 - باب ما جاء في فضل الأذان

38 - باب ما جاء في فضل الأذان نا محمد بن حميد الرازي نا أبو تميلة نا أبو حمزة عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "من أذن سبع سنين محتسبًا كتب له براءة من النار". قال: وفي الباب عن ابن مسعود وثوبان ومعاوية وأنس وأبي هريرة وأبي سعيد. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث غريب. وأبو تميلة اسمه يحيى بن واضح. وأبو حمزة السكري اسمه محمد بن ميمون. وجابر بن يزيد الجعفي ضعفوه وتركه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قال: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: لولا جابر لكان أهل الكوفة بغير حديث ولولا حماد لكان أهل الكوفة بغير فقه. * الكلام عليه: رواه ابن ماجة أيضًا. وجابر بن يزيد أبو يزيد الجعفي كذبه أيضًا أيوب السختياني وزائدة. وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه. وقال جرير: لا أستحل أن أروي عنه. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه ولا كرامة وليس بشيء. وقد وثقه الثوري وشعبة.

وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال: لم يتكلم في جابر في حديثه، إنما تكلم فيه لرأيه، قال أبو داود: وليس عندي بالقوي في حديثه. وقال النسائي: متروك. وأما أبو تميلة يحيى بن واضح فأخرج له البخاري. وقد زعم الإمام أبو الفرج بن الجوزي أن البخاري أدخله في كتاب الضعفاء ولم نره فالحديث ضعيف على هذا. وقد تقدم في الباب قبل هذا حديث ابن مسعود وحديث ثوبان روينا عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه نا محمد بن يحيى وإسحاق بن أحمد قالا نا يحيى بن طلحة نا أبو معاوية عن أبي قيس السكوني عن عبادة بن نسي عن أبي مريم السكوني عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حافظ على النداء بالأذان سنة أوجب الجنة". وأما حديث معاوية فروى مسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة". وحديث أنس تقدم في الباب قبل هذا. وذكر الطبراني أيضًا من حديث صفوان بن سليم عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أذن في قرية أمنها الله من عذابه ذلك اليوم". وحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" الحديث. رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس".

رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وحديث أبي سعيد الخدري تقدم في الباب قبل هذا أيضًا. وفيه مما لم يذكره عن عقبة بن عامر وقد تقدم. وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبإقامته ثلاثون حسنة". رواه ابن ماجه والدارقطني وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد وسيأتي له أعني ابن عمر حديث في الباب عند الترمذي: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة رجل أم قومًا وهم به راضون ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات وعبد أدى حق الله وحق مواليه" رواه الإمام أحمد. وعن البراء بن عازب أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه". رواه الإمام أحمد والنسائي. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله عزَّ وجلَّ" أخرجه ابن شاهين بسنده وقال: حديث غريب صحيح. وقال سعد بن أبي وقاص: لأن أقوى على الأذان أحب إلي من أحج وأعتمر وأجاهد. وعن زاذان أنه قال: لو يعلم الناس ما في فضل الأذان لاضربوا عليه بالسيوف. والأحاديث في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة.

فقد روينا في ذلك عن جماعة غير من ذكرناه من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم معقل بن يسار وعمران بن الحصين والحفصي رجل من الأنصار عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وصفوان بن عسال وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمرو. وروى ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن عبيد الله بن الوليد عن عبيد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المؤذنين: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. وروي عن أبي هريرة قال: ارفع صوتك بالأذان فإنه يشهد لك كل شيء سمعك. وعن ابن عمر أنه قال لرجل: ما عملك؟ قال: الأذان، قال: نعم العمل عملك يشهد لك كل شيء سمعك. وقال أبو مسعود: لو كنت مؤذنًا ما باليت أن لا أحج ولا أغزو. وقال عمر: لو كنت أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت يعني مع الخلافة. وعن مصعب بن عبد الرحمن عن كعب قال: من أذن كتبت له سبعون حسنة وإن أقام فهو أفضل. وعن الحسن البصري قال: أهل الصلاح والحسبة من المؤذنين أول من يكسى يوم القيامة. وعن مجاهد قال: المؤذن يشهد له كل رطب ويابس سمعه. والآثار في ذلك كثيرة. ولفظ حديث ابن عباس: "من أذن سبع سنين محتسبًا"، وحديث ثوبان:

"سنة"، وحديث ابن عمر: لا اثنتي عشرة سنة". وقد روينا في ذلك عن أبي الشيخ بالسند المتقدم إليه قال: نا عبد الله بن سنده نا إسماعيل بن يزيد نا إبراهيم بن رستم نا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أذن خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". ولا تعارض بين هذه المدد المختلفة في الإقامة بوظيفة الأذان بالطول والقصر لاختلاف الثواب المترتب عليها ففي حديث أبي هريرة: "غفر له ما تقدم من ذنبه" وهو وإن كان ثوابًا حسنًا فليس فيه ما يقتضي دخول الجنة ولا البراءة من النار لما قد يحدث منه بعد مما قد يُطلبُ بعهدته وحديث ثوبان المقيد بسنة أطول مدة وأكمل ثوابًا إذ الوعد فيه بالجنة محقق فهو يقتضي السلامة مما يحول بينه وبين الجنة فيما تقدم له قبل الأذان تلك المدة وما تأخر عنها. وحديث ابن عباس المقيد بسبع سنين كذلك أيضًا إذ البراءة من النار أمر زائد على دخول الجنة، فليس كل من دخلها سلم من النار. وحديث ابن عمر الأطول منها كلها مدة تضمن [مع وجوب الجنة له] (¬1) زيادة تسعين حسنة كل يوم على الأذان والإقامة يقتضي زيادة في رفع الدرجات في الجنة إن شاء الله تعالى. قال القاضي عياض: واعلم أن الأذان كلمة جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات فأوله إثبات الذات وما تستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك بقول الله أكبر. وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

ثم صرح بإثبات الوحدانية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى. وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على كل وظائف الدين. ثم صرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية وموضعها بعد التوحيد لأنها من الأفعال الجائزة الوقوع. وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى. ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعاهم إلى الصلاة وعقبهما بعد إثبات النبوة، لأن معرفة وجوبها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل. ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام. ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه انتهى. فمن أتى بذلك محتسبًا أجره على الله تعالى فالله أكرم أن يخيب سعيه ومن رزقه طول المدة في ذلك رزقه جزيل الثواب عليه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. * * *

39 - باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن

39 - باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن حدثنا هناد نا أبو الأحوص وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين". وفي الباب عن عائشة وسهل بن سعد وعقبة بن عامر. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة رواه سفيان الثوري وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أسباط بن محمد عن الأعمش قال: حُدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث. قال: وسمعت أبا زرعة يقول حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة. قال: وسمعت محمدًا يقول حديث أبي صالح عن عائشة أصح. وذُكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة. * الكلام عليه: هذا حديث معلل وقد حكى الترمذي فيه كلام أبي زرعة والبخاري وذكر كلام ابن المديني في حديثي أبي هريرة وعائشة [وقال أبو بكر بن مفوز الحافظ

الأندلسي: قال ابن المديني: رواه أبو صالح عن عائشة بإسناد جيد وطرق أبي هريرة معلولة وقال الترمذي عن ابن المديني في العلل وكأنه رأى أصح شيء في هذا الباب عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا] (¬1). وممن ضعفه أيضًا أحمد بن حنبل وهو معلل عندهم بأمرين: أحدهما: الانقطاع بين الأعمش وأبي صالح. الثاني: الاختلاف فيه على أبي صالح. فأما الأول فقد روي عن الأعمش عن أبي صالح كذا هو عند جماعة من أصحاب الأعمش منهم الثوري وحفص، وأبو الأحوص وأبو معاوية والأوزاعي وعيسى بن يونس [وكذلك أخرجه في كتاب "العلل" له عن أبي بدر شجاع بن الوليد قال: سمعت الأعمش يقول: حُدثت عن أبي صالح فذكره] (¬2). ورُوي عن الأعمش قول: حُدثت عن أبي صالح حكاه الترمذي عن أسباط بن نصر وهو عند أبي داود وعن أحمد بن حنبل عن محمد بن فضيل قال نا الأعمش عن رجل عن أبي صالح ... الحديث. ورواه أبو داود من جهة ابن نمير عن الأعمش قال: نُبئت عن أبي صالح ولا أراني إلا قد سمعته منه. وقد ذكره أبو الحسن علي بن عبد العزيز في "مسنده" فصرح فيه بسماع الأعمش من أبي صالح. الثاني: الاختلاف على أبي صالح في إسناده فذكر عنه أبو هريرة وروي عنه ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية. (¬2) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

عن أبي هريرة عن عائشة، رواه كذلك الطبراني عن فضيل بن محمد الملطي عن موسى بن داود الضبي عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الإمام وغفر للمؤذنين". رواه الإمام أحمد. وذكره نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة أخرجه البيهقي في سننه الكبير بإسناده من طريق أبي عبد الرحمن المقري قال حدثني حيوة قال حدثني نافع. ووثق ابن معين نافع بن سليمان. روراه الحارث بن أبي أسامة عن المقري أيضًا. ورواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن سهيل بإسناده المذكور ولفظه: "الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين". أخرجه البيهقي من جهة الشافعي. وقال البيهقي: لم يسمعه سهيل من أبيه، إنما سمعه من الأعمش. ثم أخرجه من حديث سهيل عن الأعمش عن أبي صالح. وقد روري أيضًا من جهة الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر أخرجه البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عنه عطفًا على حديث ابن عمر: "المؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه كل رطب ويابس". ثم روى من حديث عمار بن رزيق عن الأعمش به: "يغفر الله للمؤذن مد صوته" الحديث. وقال: هذا القدر مرفوعًا دون الحديث الآخر.

كأن البيهقي -والله أعلم- يشير إلى تعليل حديث إبراهيم بن طهمان بحديث عمار بن رزيق، وإبراهيم بن طهمان [ثقة] (¬1) وقد زاد زيادة فلا يعلها تقصير من قصر عن الإتيان بها. ومرسل الحسن الذي تقدمت الإشارة إليه عن علي بن المديني رواه البيهقي بسنده إلى ابن المديني ثنا محمد بن أبي عدي أنبأنا يونس عن الحسن ذكر - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الإمام ضامن" الحديث. قال المقدسي محمد بن عبد الواحد: وقد رواه أحمد عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. وقد روى مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا انتهى. يريد بذلك أنه على شرط مسلم، ولولا إعلاله بأن سهيلًا لم يسمعه من أبيه لصح ذلك وقد يجاب عنه بأن الواسطة بينهما قد عرف وهو الأعمش كما تقدم فلا يضر هذا الانقطاع إذ قد عرف الواسطة وأنه ثقة. ثم يبقى بعد ذلك الانقطاع الثاني بين الأعمش وأبي صالح الذي تقدم فيه قول من قال عنه رجل عن أبي صالح أو حدثت عن أبي صالح ولم يعرف الواسطة من هو. ويجاب عن هذا الثاني بأن ابن نمير قد قال: عن الأعمش حدثت عن أبي صالح ولا أراني إلا قد سمعته. وقال إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال الأعمش وقد سمعته من أبي صالح. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

[وقال هشيم عن الأعمش ثنا أبو صالح عن أبي هريرة ذكرها الدارقطني فبينت هذه الطرق أن الأعمش سمعه عن أبي صالح، ثم سمعه منه، فالكل صحيح، والحديث متصل إن شاء الله. وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صيامهم وصلاتهم". رواه ابن ماجه (¬1) من طريق مروان بن سالم قال أحمد: ليس بثقة وقد روى ابن عساكر أنا أبو نصر محمد بن محمود الشحامي السرخسي أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يحيى النيسابوري أنا أبو نصر محمد بن الحسين بن جعفر الصوفي نا الأصم أنا الربيع أنا الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" الحديث ذكره القشيري في "أحكامه"، وحكى عن ابن عساكر استغرابه]. وفيه من حديث واثلة بن الأسقع روينا عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه قال نا أبو الوليد بشر بن محمد الكوفي نا الحلواني نا يزيد بن هارون نا عنبسة بن سعيد بن حماد مولى بني أمية نا حجاج مولى الوليد بن عبد الملك عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم اغفر للمؤذنين واهد الأئمة". حماد مولى بني أمية، قال الأزدي: متروك الحديث. وروى البيهقي بسنده إلى علي بن المديني قال نا روح بن عبادة نا حماد بن سلمة أنا أبو غالب قال سمعت أبا أمامة يقول: "المؤذنون أمناء والأئمة ضمناء" قال: ¬

_ (¬1) في "السنن" (712)، وقال الشيخ الألباني: موضوع، وأحال على "المشكاة" (688)، و"الضعيفة" (90).

والأذان أحب إلي من الإمامة. وعن أبي محذورة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام. وقد تقدم حديث ابن عباس: "ليؤذن لكم خياركم"، عن أبي داود وابن ماجه. والضمان في اللغة هو الكفالة والحفظ والرعاية، قال الهروي وغيره قال الشاعر: رعاك ضمان الله يا أم مالك وقيل في معناه هنا أربعة أوجه: الأول: أنهم ضمناء لما عانوا عليه من الإسرار بالقراءة والذكر، حكي عن الشافعي في "الأم". الثاني: المراد ضمان الدعاء أن يعم القوم به ولا تخص نفسه به. الثالث: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق (¬1). وقال الخطابي: معناه: أنه يحفظ على القوم صلاتهم وليس هو من الضمان الموجب للغرامة. وأما أمانة المؤذنين فقيل لأنهم أمناء على مواقيت الصلاة وقيل أمناء على حُرم الناس لأنهم يشرفون على المواضع العالية وقيل أمناء في تبرعهم بالأذان. وقد اختلف الفقهاء هل يجري بين الأذان والإمامة تفضيل أو لا؟ فمنعه ¬

_ (¬1) لم يذكر الوجه الرابع، والإشارة إليه هنا، وفي هامش نسخة السندي الإشارة إلى ذلك: ... الوجه الرابع، وهو يبيض لي أنا ... اهـ.

بعضهم وقال: هما سواء حكاه صاحب "البيان" والرافعي، وقال بإجراء التفضيل بينهما آخرون واختلفوا، فقال بعضهم: الأذان أفضل وهو نص الشافعي في "الأم" وإليه ذهب العراقيون والسرخسي والبغوي [وآخرون]. قال المحاملي منهم: لأن الأمين متطوع بعمله والضامن يجب عليه فعل ذلك وذكروا قوله - عليه السلام -: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" أي أكثرهم تشوفًا إلى رحمة الله تعالى إذ المتشوف إلى الشيء يُطيل عنقه نحوه. وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم لئلا يغشاهم ذلك العرق والكرب. وقيل معناه: أنهم رؤساء والعرب تصف السادة بطول الأعناق. قال الشاعر: يشبهون سيوفًا في صرامهم ... وطول أنضية الأعناق واللمم النّضي ما بين الرأس والكاهل من العنق. وقيل أكثر الناس أتباعًا. وقال ابن الأعرابي: أكثر الناس أعمالًا. وفي الحديث: "تخرج من النار عنق" يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه. قال القاضي عياض: ورواه بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة وهو ضرب من السير أي إسراعًا يعني إلى الجنة. والعنق ضرب من السير، ومنه: لا يزال الرجل معنقًا ما لم يُصيب دمًا.

وذكروا ما سبق من الأحاديث في الباب قبل هذا. وقال آخرون منهم: الإمامة أفضل وهو الأصح عند الخراسانيين ونقلوه أيضًا عن نص الشافعي وصححه القاضي أبو الطيب الطبري وقطع به الدارمي. واحتج هؤلاء بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده أمّوا ولم يؤذنوا، وكذا كبار العلماء بعدهم وبحديث مالك بن الحويرث الذي تقدم وفيه فليؤذن لكما أحدكما وليؤمكما أكبركما وقد سبق الكلام عليه. وقال آخرون: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل وإلا فالأذان حكاه الشيخ أبو حامد وصاحب "البيان" وغيرهما ونقله الرافعي عن أبي علي الطبري وابن كج والمسعودي والقاضي حسين. قال النووي: والمذهب ترجيح الأذان وقد نص في "الأم" على كراهة الإمامة فقال: أحب الأذان لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر للمؤذنين" وأكره الإمامة للضمان وما على الإمام فيها هذا نصه. وقال أبو الفتح: انتهى كلام النووي ولو استوعب نص الشافعي لم يستنبط منه ذلك فبقية كلام الشافعي في "الأم" وإذا أم ينبغي له أن يتقي ويؤدي ما عليه فإذا فعل ذلك رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره انتهى كلام الشافعي وليس فيه كراهية الإمامة مطلقًا كما حكى عنه وإنما فيه ... أن يتقِ الله وأن يؤدي ما عليه فيها، وهذا ظاهر. وأما الجمع بين الأذان والإمامة للشخص الواحد فقال أبو محمد الجويني والبغوي وغيرهما: يكره أن يكون الإمام هو المؤذن. [واحتجوا بحديث عن جابر رواه البيهقي وقال: هو ضعيف بمرة وسنذكره] (¬1). ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

وقد روى في ذلك عن جابر وأنس خبران ضعيفان. أما حديث جابر فرويناه عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه ثنا الطهراني نا أبو أنس كثير بن محمد التميمي نا إسحاق بن إبراهيم الجعفي الصيني نا معلى عن محمد بن سُوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون المؤذن إمامًا. معلى هو ابن هلال بن سويد أبو عبد الله الطحان رماه السفيانان بالكذب وابن المبارك وابن المديني بوضع الحديث. ورماه بالكذب ووضع الحديث معًا أحمد ويحيى. وتركه الأزدي والدارقطني وتكلم فيه غيرهم. وأما حديث أنس فذكره ابن عدي من طريق سلام الطويل عن زيد العمي عن قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يكره للمؤذن أن يكون إمامًا". قال: ولعل البلاء فيه من سلام أو من زيد أو منهما. وقال القاضي أبو الطيب: قال أبو علي الطبري: الأفضل أن يجمع الرجل بين الأذان والإمامة ليحوز الفضيلتين وبهذا قطع صاحب "الحاوي" قال: وفي كل واحد من الأذان والإمامة فضل وللإنسان فيهما أربعة أحوال، حال يمكنه القيام بهما والفراغ لهما فالأفضل أن يجمع بينهما. وحال يعجز عن الإمامة لقلة علمه وضعف قراءته ويقدر على الأذان لعلو صوته ومعرفته بالأوقات فالانفراد بالأذان أفضل. وحال يعجز عن الأذان لضعف صوته وقلة إبلاغه ويكون قيمًا بالإمامة لمعرفة أحكام الصلاة وحسن قراءته فالإمامة أفضل.

وحال يقدر على كل واحد ويصلح له ولا يمكنه الجمع بينهما فأيهما أفضل؟ فيه وجهان وقد صحح الشيخ محيي الدين القول بالجمع بينهما لمن أمكنه وقد يحتج لهذا بما رواه الترمذي من حديث يعلى بن مرة فيه: وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وأقام وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. * * *

40 - باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن

40 - باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن حدثنا الأنصاري نا معن نا مالك ونا قتيبة عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن". قال: وفي الباب عن أبي رافع وأبي هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن ربيعة وعائشة ومعاذ بن أنس ومعاوية. قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح. وهكذا روى معمر وغير واحد عن الزهري مثل حديث مالك وروى عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواية مالك أصح. * الكلام عليه: أخرجه البخاري ومسلم. وكقول الترمذي في ترجيح رواية مالك قال ابن أبي حاتم في "علله"، قال الدارقطني: حدث به إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ووهم فيه على مالك. والصحيح عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد. وكذلك رواه أصحاب "الموطأ" والحفاظ عن مالك عن الزهري وكذلك رواه يونس ومعمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد وخالفهم عبد الرحمن بن إسحاق وهو عباد فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولا يصح فيه سعيد والصحيح ما ذكرناه.

قال أبو عمر: إن المغيرة رواه عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي جميعًا عن أبي سعيد الخدري ولم يذكر سعيدًا في إسناد هذا الحديث غيره. وقد روي هذا الحديث عن مسدد عن يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك خطأ من كل من رواه بهذا الإسناد عن مسدد أو غيره ولا يعرف فيه ويحفظ إلا حديث الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري وهو الصحيح [فيه] والله أعلم (¬1). وأما حديث أبي رافع فعند النسائي من حديث شريك ........... (¬2) عن أبي رافع قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وأما حديث أبي هريرة فعند النسائي (¬3) أيضًا عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال مثل هذا يقينًا دخل الجنة". وحديث أم حبيبة عند الطحاوي وابن عبد البر من طريق أبي بشر عن أبي المليح عن عبد الله بن عتبة عن عمته أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندي فسمع المؤذن قال كما يقول حتى يسكت. لفظ أبي عمر. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (10/ 134 - 135) والزيادة بين المعقوفتين منه. (¬2) رواه النسائي (9869) في "الكبرى" عن شريك عن عاصم بن عبيد الله عن علي بن الحسين عن أبي رافع. وضعف إسناده الشيخ الألباني في "الثمر" (1/ 179) لكنه ذكره ضمن شواهد احتج بها، بعضها في الصحيح، فهو صحيح لغيره. (¬3) انظر "المجتبى" (674)، وحسنه الألباني، وذكر له شواهد في "الثمر" (1/ 174).

وحديث عبد الله بن عمرو: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه". رواه أبو داود والنسائي. وحديث عبد الله بن رُبَيّعة -بضم الراء المهملة وفتح الباء ثاني الحروف وتشديد الياء آخر الحروف وبعدها عين مهملة وهاء- روى شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن ربيّعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يؤذن في سفر فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر الله أكبر" فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: "أشهد أن محمدًا رسول الله" رواه النسائي في "اليوم والليلة". وحديث عائشة: روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: "وأنا"، أخرجه أبو داود عن إبراهيم بن مهدي عن علي بن مسهر عنه. وحديث معاذ بن أنس روينا عن أبي الشيخ بن حيان ثنا محمد بن يعقوب بن أبي يعقوب نا أبو كريب نا رشدين بن سعد عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم المؤذن يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول". وحديث معاوية أخرجه النسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة قال: كنا عند معاوية فلما قال المؤذن: الله أكبر، قال هو: الله أكبر فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال معاوية: وأنا أشهد، ثم

قال: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. محمد بن إبراهيم هو التيمي. وروى البخاري من حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر أذن المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا المجلس من المنبر حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي. وفي رواية أنه لما قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: هكذا سمعنا نبيكم يقول. رواه البخاري. وفي الباب مما لم يذكره عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال أشهد أن محمد رسول الله قال أشهد أن محمد رسول الله، ثم قال حي علي الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا غفر الله ذنبه". وراه مسلم. وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه

مقامًا محمودًا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة". وعن عبد الله بن مسعود من طريق الحكم بن طاهر عن عاصم عن زر عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا إذن المؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر الله أكبر" فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أشهد أن لا إله إلا الله" فإذا قال: أشهد أن محمد رسول الله قال: "قال أشهد أن محمد رسول الله" ثم يسكت. قال الأثرم: حديث الحكم بن طاهر واهٍ، كأنه يعله بالحكم فقد تكلموا فيه. وروينا عن أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم إليه ثنا ابن الطهراني ثنا أحمد بن محمد بن المعلى ثنا حفص بن عمّار عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول وأنه كان يقول إذا بلغ حي على الفلاح: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وبه إلى ابن حيان أيضًا قال نا محمد بن إبراهيم بن شبيب نا سليمان بن داود نا أبو محمد الحسن البجلي عن عبد الله بن أبي المجالد عن وراد عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال حين يؤذن المؤذن مثل قوله غفر له". وبه قال نا أبو سعيد الواسطي نا أحمد بن عبد المؤمن المصري نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن يحيى بن عبد الرحمن أنه حدثه عن عون بن عبد الله عن يوسف بن عبد الله بن سلَّام عن أبيه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نداءً وهو يشهد أن لا إله إلا الله فقال: "وأنا أشهد، لا يشهد بها أحد إلا برئ من النار". قال أبو عمر: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث بعد إجماعهم على

صحته. فذهب قوم إلى أن الذي سمع النداء يقول مثل ما يقول المؤذن من أول الأذان إلى آخره. وحجتهم حديث الباب وما في معناه. وقال آخرون: يقول مثل ما يقول المؤذن في كل شيء إلا في قوله حي على الصلاة وفي قوله حي على الفلاح فإنه إذا سمع المؤذن ينادي بذلك يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ثم يتم الأذان معه إلى آخره، واحتجوا بحديث عمر بن الخطاب الذي تقدم وما في معناه وإليه ذهب الشافعي تقديمًا لخصوص الجواب بالحوقلة على عموم حديث الجواب المماثلة، وفيه من المعنى أن الكلمات الخارجة عن الحيعلة يحصل ثوابها بذكرها فيشترك السامع والمؤذن في ثوابها إذا حكاها السامع، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن وحده فعوض السامع عن ذلك الثواب الذي يحصل للمؤذن بالحيعلة بالثواب الذي يحصل له بالحوقلة وسنتكلم على مدلول لفظة الحيعلة والحوقلة في آخر الباب إن شاء الله. وقال آخرون: يقول مثل ما يقول المؤذن حتى يبلغ حي على الصلاة حي على الفلاح فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله بدل كل كلمة منها مرتين مرتين على حسب ما يقول المؤذن ثم لا يزيد على ذلك وليس عليه أن يختم الأذان. واحتجوا بحديث معاوية الذي ذكرناه. وقال آخرون: إنما يقول مثل ما يقول المؤذن في التكبير والشهادتين لا غير واحتجوا بما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف قال: سمعت معاوية إذا كبر المؤذن اثنتين كبر اثنتين فإذا شهد أن لا إله إلا الله اثنتين شهد اثنتين وإذا شهد أن محمدًا رسول الله اثنتين شهد اثنتين ثم التفت إلي. فقال: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند الأذان.

وقال آخرون: إنما يقول مثل ما يقول المؤذن في التشهد دون التكبير ودون سائر الأذان واحتجوا بحديث رواه الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم المؤذن يتشهد فقولوا مثل قوله"، وبحديث سعد بن أبي وقاص الآتي بعد هذا ولفظه: "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالسلام دينًا غفر له". ومن قال بهذا الحديث يقول إنه لا يلزم من سمع المؤذن أن يأتي بألفاظه إذا أتي (¬1) بمعناه من التشهد والإخلاص والتوحيد. ومن حجة من ذهب هذا المذهب أيضًا حديث عائشة أنه - عليه السلام - كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: "وأنا وأنا"، والمشهور في هذه المتابعة أنها سنة ليست بواجبة وحكى الطحاوي خلافًا لبعض السلف في إيجابها. قال أصحابنا: ويستحب لسامع المؤذن أن يتابعه في ألفاظ الأذان ويقول في الحيلتين لا حول ولا قوة إلا بالله ويقول إذا سمع المؤذن لصلاة الصبح يقول الصلاة خير من النوم استحب له أن يقول: صدقت وبررت هذا هو المشهور وحكى الرافعي وجهان: أنه يقول صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة خير من النوم ويستحب أن يتابعه في ألفاظ الإقامة إلا أنه يقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها هكذا قطع به الأصحاب إلا الغزالي فحكى في "البسيط" عن صاحب "التقريب" وجهًا أنه لا يستحب متابعته إلا في كلمة الإقامة وهذا شاذ ضعيف. ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وفوقها إشارة إلى الهامش، وفيه: بل، وعليها علامة الصحة. فهل يكون: إذا أتى بل بمعناه!! لا يكون. والله أعلم. وفي نسخة السندي كذلك، وأظن صوابه: بألفاظه ذاتها، بل بمعناه من ... والله أعلم.

ويستحب لمن يتابع المؤذن أن يتابعه في كل كلمة عقيب فراغ المؤذن منها ولا يؤخر ذلك عن فراغه من الكلمة لما تقتضيه الفاء من التعقيب في قوله: إذا سمعتم النداء فقولوا، فإن قيل: النداء حقيقة يطلق على مجموع الأذان فليكن الشروع في الإجابة عند تمام الأذان ولم يقولوا به، فيقال في الجواب عنه: قَدْ بُيّن لنا إن هذه الحقيقة غير مرادة، والأحاديث التي تضمنت الإجابة كلمة كلمة قولًا وفعلًا كما في حديث عمر وابن مسعود وغيرهما، ويستحب متابعته لكل سامع من طاهر ومحدث وجنب وحائض وكبير وصغير ويستثنى من هذا المصلي ومن هو على الخلاء والجماع على اختلاف في المصلي بين السلف وتفصيل لمتقدمي العلماء ومتأخريهم سنذكره. فإذا فرغ ذو الخلاء والجماع مما كانا فيه تابع كل منهما، صرح به الماوردي، وكذا إذا كان السامع في قراءة أو ذكر أو درس علم أو نحو ذلك فإنه يقطع ما هو فيه ويتابع المؤذن ثم إن شاء رجع إلى ما كان عليه. مسألة: سامع المؤذن وهو في الصلاة، المنقول عن الشافعي وأصحابه أنه لا يتابعه في الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا فإذا فرغ منها قاله. وحكى الخراسانيون في استحباب متابعته إياه وهو في الصلاة قولًا شاذًا. فإذا قلنا على المذهب أنه لا يتابعه فتابعه فقولان أصحهما أنه يكره والثاني أنه خلاف الأولى وقيل إنه مباح لا يستحب فعله ولا تركه وهذا اختيار الشيخ أبي علي السنجي وإمام الحرمين والمذهب كراهته. فإذا تابعه في ألفاظ الأذكار وقال في الحيعلتين لا حول ولا قوة إلّا بالله لم تبطل صلاته لأنها أذكار والصلاة لا تبطلها الأذكار. وإن أتى في متابعة الحيعلتين بحكايتهما نصًّا فهو كلام آدمي، فإن كان عالمًا بأنه في الصلاة وأن هذا كلام آدمي

بطلت صلاته وإن كان ناسيًا للصلاة لم تبطل. وإن كان عالمًا بالصلاة جاهلًا بأن ذلك كلام آدمي وأنه ممنوع منه ففي بطلان صلاته وجهان حكاهما القاضي حسين. أصحهما لا تبطل وبه قطع الأكثرون. قالوا: ويسجد للسهو الناسي، وكذا الجاهل إذا لم تبطلها لأنه تكلم في صلاته ناسيًا. قال القاضي حسين: ولو قال في متابعته في التثويب: صدقت وبررت فهو كقوله حي على الصلاة لأنه كلام آدمي. وقال: كذا لو قال مثله الصلاة خير من النوم ولو قال صدق رسول الله لم تبطل ولو قال قد قامت الصلاة بطلت صلاته كما لو قال حضرت الصلاة. ولو قال أقامها الله وأدامها لم تبطل واتفقوا على أنه لا يتابعه إذا كان في قراءة الفاتحة فلو تابع وجب استئناف القراءة بخلاف ما لو أمّن فيها لتأمين الإمام فإنه لا يوجب الاستئناف على الأصح، لأن التأمين مستحب. قال أبو إسحاق: وليس التأكيد في متابعة المؤذن بعد فراغ المصلي كالتأكيد في متابعة من ليس هو في صلاة. قال صاحب "الحاوي": ولو سمعه وهو في طواف تابعه وهو على طوافه، لأن الطواف لا يمنع الكلام. وقال مالك: إذا أذن وأنت في صلاة مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول، وإذا كنت في نافلة فقل مثل ما يقول: التكبير والتشهد فإنه يقع في نفسي أنه الذي أريد بالحديث، هذه رواية ابن القاسم ومذهبه.

وقال ابن وهب من رأيه: يقول المصلي ما يقول المؤذن في المكتوبة والنافلة. وقال سحنون: لا يقول ذلك في مكتوبة ولا نافلة. وقال الليث مثل قول مالك. ويقول في موضع حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله. وذكر ابن خويز منداد عن مالك أنه قال: يجوز أن يقول المصلي في صلاة النافلة مثل ما يقول المؤذن من التكبير والشهادتين، فإن قال حي على الصلاة حي على الفلاح الأذان كله كان مسيئًا وصلاته تامة. وكره أن يقول في الفريضة مثل ما يقول المؤذن فإن قال الأذان كله في الفريضة أيضًا لم تبطل صلاته ولكن الكراهية في الفريضة أشد. وقال أبو جعفر الطحاوي: لم أجد عن أصحابنا في هذا شيئًا منصوصًا. وقد حدثنا ابن أبي عمران عن أبي سماعة عن أبي يوسف فيمن أذن صلاته إلى قوله أشهد أن محمدًا رسول الله ولم يقل حي على الصلاة أن صلاته لا تفسد إن أراد الأذان في قول أبي يوسف. وفي قول أبي حنيفة يعيد إذا أراد الأذان. قال أبو جعفر: وقول محمد كقول أبي حنيفة، لأنه يقول فيمن يجيب إنسانًا وهو يصلي بلا إله إلا الله أن صلاته فاسدة. قال أبو جعفر: فهذا يدل على أن من قولهم إن من سمع الأذان وهو في الصلاة لا يقوله.

مسألة: إذا سمع مؤذنًا بعد مؤذن، هل يختص استحباب المتابعة بالأول أم يستحب متابعة كل مؤذن؟ فيه خلاف بين السلف حكاه القاضي عياض. فمن رأى الاقتصار على الإجابة الأولى فحجته أن الأمر لا يقتضي التكرار، قاله بعض المتأخرين. ويلزمه على ذلك أن يكتفي في الاستحباب بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر، وليس كذلك. مسألة: قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: لم أبي لأصحابنا كلامًا في أنه هل يستحب متابعة المؤذن في الترجيع أم لا؟ ويحتمل أن يقال لا يستحب لأنه لا يسمعه. ويحتمل أن يقال: يستحب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقولوا مثل ما يقول" ولم يقل فقولوا مثل ما تسمعون، والترجيع مما يقوله وهذا الاحتمال أظهر وأحوط. مسألة: في الحديث دليل على أن المماثلة لا تقتضي المساواة من كل وجه لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته كما يفعل المؤذن ولا غير ذلك. الكلام في تفسير الحيعلة والحوقلة: قال أبو عمر المطرز في كتاب "اليواقيت": الأفعال التي أخذت من أسمائها سبعة وهي: - بسمل إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

- وسبحل إذا قال: سبحان الله. - وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. - وحيعل إذا قال: حي على الفلاح. - وحمدل إذا قال: الحمد لله. - وهلل إذا قال: لا إله إلا الله. - وجعفل إذا قال: جُعلتُ فداءَك. قال: وتجيء على القياس الحيصلة إذا قال حي على الصلاة. ولم يذكره عن غيره. زاد الثعالبي الطبقلة إذا قال: أطال الله بقاءك. والدمعزة إذا قال: أدام الله عزك. قال ابن الأنباري: ومعنى حيّ في كلام العرب هلمّ وأقبل، ويقال بلفظ واحد للواحد والجميع. وهي من أسماء الأفعال. وفتحت الياء من حي لسكونها وسكون التي قبلها، كما قالوا ليت. وفيها لغات: حَيَّ، وحَيَّهَلا غير منون، وحَيَّهَلْ ساكنة اللام. قال: ولقد تسمع قولي حَيَّهَلْ. ومنه قول عبد الله بن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر أي: أقبلوا على ذكر عمر. وقيل: قياس المطرز الحيصلة على الحيعلة غير صحيح، بل الحيعلة تطلق على

حي على الصلاة، وعلى حي على الفلاح، وهذا ظاهر لأنه كما أن الحيعلة في حي على الفلاح ليس فيها شيء من حروف الفلاح كذلك الحيعلة في حي على الصلاة ليس فيها شيء من لفظ الصلاة وإنما هي مركبة من حيّ وعلى. ولو كان كذلك لكان حق حي على الفلاح أن تكون الحيفلة وليس كذلك. والفلاح الفوز والنجاة وإصابة الخير، قالوا وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح. ويقال الحوقلة والحولقة: وهي لا حول ولا قوة إلا بالله، فتكون اللام في الحوقلة من اسم الله تعالى، وأما في الحوقلة فمن الحول والحول والقوة ليسا بمترادفين. فالقوة القدرة على الشيء، والحول الاعتمال في تحصيله والمحاولة له، وقد نقلت فيها لغة ضعيفة لا حيل بالياء ولا قوة إلا بالله. * * *

41 - باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا

41 - باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا ثنا هناد نا أبو زبيد (¬1) وهو عبثر بن القاسم عن أشعث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: إن من آخر ما عهد إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا. قال أبو عيسى: حديث عثمان حديث حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه. * الكلام عليه: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث مطرف عن عثمان بن أبي العاص. وهو عند ابن ماجه أيضًا من حديث الحسن عنه. وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا". وروينا من طريق ابن حيان بالسند المتقدم أنا أبو القاسم البغوي نا شيبان نا سلام بن مسكين عن يحيى البكاء قال: سمعت رجلًا قال لابن عمر: إني أحبك في الله فقال له ابن عمر: إني لأبغضك في الله، فقال: سبحان الله! أحبك في الله وتبغضني في الله. قال: نعم إنك تسأل على أذانك أجرًا. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: أبو زبيد: بضم الراء وموحدة مفتوحة، ثقة.

وروى وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: أربع لا يؤخذ عليهن أجرًا الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء. وقال ابن أبي شيبة ثنا ابن مبارك عن جويبر عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلًا، ويقول إن أعطي بغير مسألة فلا بأس. وقال حدثنا وكيع عن عون بن موسى عن معاوية بن قرة قال: كان يقال: لا يؤذن لك إلا محتسب. وهو قول أبي حنيفة وغيره. وقال مالك: لا بأس بأخذ الأجرة على ذلك. وقال الأوزاعي: يجاعل عليه ولا يؤاجر، كأنه ألحقه بالعمل المجهول. وقال الشافعي في "الأم": أحب أن يكون المؤذنون متطوعين. قال: وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعًا ممن له أمانة، إلا أن يرزقهم من ماله. قال: ولا أحسب أحدًا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنًا أمينًا يؤذن متطوعًا فإن لم تجده فلا بأس أن يرزق مؤذنًا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس. وقال ابن العربي: الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستنيب، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة". فقاس المؤذن على العامل وهو قياس في مصادمة النص، وفتيا ابن عمر التي رويناها عنه لا مخالف له من الصحابة فيها واردة على من خالفها ممن يلتزم ذلك في أصوله. وقد عقد ابن حيان ترجمة على الرخصة في ذلك قال فيها ثنا إبراهيم بن

محمد بن الحسن المصيصي ثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره عن أبي محذورة في حديثه قال: فألقى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرةً فيها شيء من فضة. رواه النسائي عن إبراهيم بن محمد هذا ويوسف بن سعيد عن حجاج به. ولا دليل فيه لوجهين: الأول: أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان فحديث عثمان متأخر بيقين. الثاني: أنها واقعة يتطرق إليها والاحتمال بل أقرب الاحتمالات منها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم، ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال، لما يبقى فيها من الإجمال. * * *

42 - باب ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء

42 - باب ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء نا قتيبة نا الليث عن حُكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا غفر له ذنبه". قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن حُكيم بن عبد الله بن قيس. * * *

43 - باب منه آخر

43 - باب منه آخر ثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب قالا: نا علي بن عياش الحمصي نا شعيب بن أبي حمزة ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يسمع النداء اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة". قال أبو عيسى: حديث جابر حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدًا رواه غير شعيب بن أبي حمزة. * الكلام عليه: حسَّن الحديثين السابقين في هذا الباب والذي قبله وكلاهما صحيح. أما الأول من حديث سعد بن أبي وقاص فعند مسلم وقال: فيه لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن حُكيم. وقد رواه الطحاوي عن روح بن الفرج عن سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن المغيرة عن حُكيم بن عبد الله بن قيس به وهذا متابع ليث على روايته. وأما حديث جابر الذي يليه فعند البخاري في "صحيحه". وفي الباب مما لم يذكره عن عبد الله بن مسعود وأبي أمامة وأنس وابن عباس. أما حديث ابن مسعود فعند الطحاوي من حديث يحيى بن يحيى النيسابوري

أنا أبو عمر البزاز (¬1) عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يقول إذا سمع النداء وكبر المنادي فكبر ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فيشهد ثم يقول: اللهم أعط محمدًا الوسيلة واجعله في الأعلين درجة وفي المصطفين محبة وفي المقربين داره إلا وجبت له شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة". وأما حديث أنس فروى أبو محمد بن حيان في "فوائد الأصبهانيين" نا إسحاق بن محمد نا المسعودي نا الفريابي عن سفيان عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أنس بن مالك قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال الرجل إذا أذن المؤذن اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدًا سؤله نالته شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم -". وأما حديث ابن عباس فعند ابن حيان في كتاب "الأذان" بسنده عن سعيد بن جبير عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمع النداء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أبلغه الدرجة الوسيلة عندك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة إلا وجبت له الشفاعة". وأما حديث أبي أمامة فذكر الحافظ ضياء الدين المقدسي رحمه الله عن أبي عيسى الأسواري قال: كان ابن عمر إذا سمع النداء قال: اللهم ربّ هذه الدعوة المستجابة والمستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحيني عليها واجعلني من صالح أهلها عملًا يوم القيامة. رواه البيهقي، قال المقدسي: وقد روي هذا الحديث مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في هامش الأصل ما يمكن قراءته كالتالي. رواه عن محمد بن النعمان السقطي عن يحيى، وقال أحمد: قال وكيع: أبو عمر البزاز ثقة. اهـ. وانظر "الإتحاف" (12715).

من حديث أبي أمامة. رواه الحاكم في المستدرك غير أنه من رواية عفير بن معدان وقد تكلم فيه غير واحد. قوله: الوسيلة هي منزلة في الجنة في حديث عبد الله بن عمرو في معنى أحاديث الباب، وهو عند مسلم ورواه الترمذي، وسيأتي في موضعه. ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة. والدعوة التامة بفتح الدال هي دعوة الأذان عندهم، سميت بذلك لكمالها وعظم موقعها. والصلاة القائمة التي ستقوم أي تقام وتحضر. وقوله مقامًا محمودًا كذا ورد منكرًا حكاية للفظ القرآن {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}. ويستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغه من أذانه هذه الأذكار المأثورة من الدعاء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الوسيلة له وأن يقول عند أذان المغرب ما رواه الترمذي أيضًا من حديث أم سلمة مما سيأتي ذكره في موضعه وهو ما روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علمها أن تقول عند أذان المغرب: "اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك فاغفر لي". رواه أبو داود وهذا لفظه. ويستحب لسامع المؤذن أن يتابعه في ألفاظ الأذان كما سبق ويقول في الحيعلتين لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا فرغ من متابعته استحب له أن يقول هذه

الألفاظ كلها. وروى الطبراني من حديث محمد بن سيرين وغيره عن عثمان أنه كان إذا سمع الأذان وفي لفظ إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبًا وأهلًا. * * *

44 - باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة

44 - باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة حدثنا محمود بن غيلان نا وكيع وعبد الرزاق وأبو أحمد وأبو نعيم قالوا نا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة". قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن. وقد رواه أبو إسحاق الهمداني عن بريد بن أبي مريم عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا. * الكلام عليه: أخرجه أبو داود وهو عند النسائي من حديث بريد بن أبي مريم في اليوم والليلة. قال المنذري: وهو أجود من حديث معاوية بن قرة. وقد روي عن قتادة عن أنس موقوفًا. ورواه سليمان التيمي عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء. وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عند الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا ترد دعوة". [وقال أبو الفتح: ذكر الترمذي حديث معاوية بسنده وحديث يزيد بطرقه شاهدًا للتقوية وقال المنذري: حديث يزيد أجود ولم يبين ذلك وسنبينه، فكان الأولى إخراجه من حديث يزيد إذ هو الأجود وإنما كان الأجود لأنه لم يختلف في

رفعه، وحديث معاوية مختلف في رفعه ووقفه وموقوفه عنده أصح فمن وقفه عن سفيان: ابن مهدي، فما صنعه الترمذي أولى لأنه أخرج المختلف فيه، واستشهد بما لا يختلف فيه، لأن الاستشهاد لا يحسن بمختلف فيه، وحديث التيمي روي عنه عن أنس، ورواه ابن المبارك عنه عن قتادة عن أنس، رفعه بعض أصحابه ووقفه بعضهم، قال الدارقطني: ورفعه وهم، والصحيح فيه موقوف] (¬1). وقد روي من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. رواه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع تُرد عليه دعوته حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله. قال أبو عمر: هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في الموطأ عند جماعة الرواة ومثله لا يقال بالرأي، ثم ساقه مرفوعًا من طريق أبي بشر الدولابي قال نا أبو عمير أحمد بن عبد العزيز بن سويد البلوي نا أيوب بن سويد قال: نا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقل ما ترد على داع دعوته لحضور الصلاة والصف في سبيل الله". * * * ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

45 - باب كم فرض الله على عباده من الصلوات

45 - باب كم فرض الله على عباده من الصلوات ثنا محمد بن يحيى نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال: فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أسرى به الصلوات خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسًا ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذا الخمس خمسين. قال: وفي الباب عن عبادة بن الصامت وطلحة بن عبيد الله وأبي ذر وأبي قتادة ومالك بن صعصعة وأبي سعيد الخدري. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث الباب أخرجه البخاري ومسلم وعن أبي ذر وعن مالك بن صعصعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الإسراء وذكر الصلاة بنحو هذا وكلاهما في الصحيح. وروى الدارقطني من حديث قتادة عن أنس قال: قال رجل يا رسول الله كم افترض الله على عباده من الصلوات؟ قال: "خمس صلوات"، قال: هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمسًا"، قال: هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ فقال: "افترض الله على عباده صلوات خمسًا". فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهن ولا ينتقص. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن صدق دخل الجنة". رواه النسائي. وعن عبادة بن الصامت قال: أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد

إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". رواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجه. وعن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، قال الرجل: عليَّ غيرهن؟ قال: "لا إلا إن تطوع". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وصيام شهر رمضان". قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع". قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة. قال: هل عليّ غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع". قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح إن صدق". رواه البخاري ومسلم. وحديث أبي قتادة: "قال الله عزَّ وجلَّ: افترَضتُّ على أمتك خمس صلوات". رواه ابن ماجه في الصلاة عن يحيى بن عثمان بن دينار عن بقية بن الوليد عن ضبارة بن عبد الله بن أبي السليل عن ذويد بن نافع عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه. وحديث أبي سعيد قد تقدم في باب المواقيت للصلاة إمامة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإقامة الصلوات الخمس يومين في أول الوقت وآخره (¬1). وفي الباب أيضًا عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: في الأصل بياض بعد هذا قدر سطرين.

هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" رواه مسلم كذلك ورواه أيضًا من حديث أبي عاصم عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا ... فذكره. قال الدارقطني: الصحيح أنه من مسند ابن عباس. وفيه عن أبي أمامة الباهلي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم حجة الوداع: "اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمر ربكم تدخلوا جنة ربكم". أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولا نعرف له علة. وذكر أيضًا في حديث من طريق عبد الله بن فضالة عن أبيه قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما علمني أن قال: "حافظ على الصلوات الخمس" الحديث. مالك بن صعصعة المذكور هو ابن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أخو قيس بن صعصعة وعبد الله روى حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وقد تقدم في باب مواقيت الصلاة شيء من ذكر الخلاف بين السلف في تاريخ الإسراء وأن الصلاة كانت صبيحته أعني صلاة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف كانت الصلاة قبل الإسراء فأغنى ذلك عن الإعادة هاهنا. وفيه جواز نسخ الشيء قبل فعله فإن ما زاد على الخمس التي استقر فرضها من تمام الخمسين نسخ قبل أن يقام شيء منه. وقوله: لا يبدل القول لدي، فيه دليل على استقرار هذا العدد فلا يزاد فيه ولا ينقص منه وفيه الرد على من أوجب صلاة سادسة وهي الوتر من وجهين:

أحدهما: ما ذكرناه. والثاني: من التضعيف فإن الحسنة بعشر أمثالها فلو كانت مما يستقر في علم الله ستًّا لبدّأ فرضها ستين. وقوله وإن ذلك بهذا الخمس خمسين يعني أنها إن كانت خمسًا بالفعل فهي خمسون في الأجر وبها يتم الثواب ويسقط الفرض الأول وينتظم أول الأمر وآخره فلا يكون فيه تبديل. وقد روينا من طريق النسائي (¬1) أنا قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز: أن رجلًا من كنانة يدعى المخدجي سمع رجلًا من الأنصار بالشام يكنى أبا محمد يقول: الوتر واجب قال الخدجي: فرجعت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة". * * * ¬

_ (¬1) النسائي في "المجتبى" (461)، وصححه الألباني.

46 - باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس

46 - باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس ثنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر". قال: وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي (¬1). قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم من هذا الوجه وغيره. وحديث جابر قرأت على الحافظ أبي العباس بن الطاهر أخبركم ابن اللتي أنا أبو الوقت أنا الداودي أنا ابن حمويه أنا عيسى بن عمر السمرقندي أنا الدارمي أنا يعلى بن عبيد نا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الصلوات المكتوبة كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم من حديث الأعمش. وحديث أنس أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب جار أو غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما يبقى عليه من درنه" رواه عن زكريا بن يحيى الواسطي نا داود بن الزبرقان عنه. وحديث حنظلة رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث سعيد بن أبي ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: الأسيدي بضم الهمزة وفتح السين، وآخر الحروف مكسورة مشددة ... نسبة إلى أسيد بطن من تميم يقال له: سيد ...... تميم.

عروبة عن قتادة عن حنظلة الأسيدي وكان يقال له كاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حافظ على الصلوات الخمس والصلاة المكتوبة على وضوئها وعلى مواقيتها وركوعها وسجودها يراه حقًّا حرم الله عليه النار. أخرجه عن عبيد بن غنام ومحمد بن عبيد الله الحضرمي قالا نا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة قالا: نا محمد بن بشر نا سعيد بن أبي عروبة. وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال أبو العباس السراج في مسنده نا أبو يحيى نا الهيثم بن خارجة نا يحيى بن حمزة عن عتبة بن أبي حكيم حدثني طلحة بن نافع حدثني أبو أيوب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة وأداء الأمانة كفارات لما بينها". فقلت: وما أداء الأمانة؟ قال: "غُسل الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة". وروى مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طرق أحدها قال عثمان: ثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينهن" تقدم الكلام على شيء من معاني هذا الحديث، وتكفير الذنوب بالطهارة للصلاة وأن الذنوب التي يكفرها الوضوء هي الصغائر دون الكبائر في باب ما جاء في فضل الطهور، في قوله - عليه السلام -: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ... " الحديث. قال أبو عمر: قال بعض المنتسبين إلى العلم الكبائر والصغائر تكفر بالصلاة والطهارة واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فما ترون ذلك يبقي من درنه"، وما في معناه. قال: وهذا جهل وموافقة للمرجئة فيما ذهبوا إليه من ذلك وكيف يجوز لذي

لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قول الله عزَّ وجلَّ: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا} وقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون} في آي كثير من كتابه، ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرة للكبائر لما كان لأمر الله عزَّ وجلَّ بالتوبة معنى، ولا كان من توضأ وصلى مشهودًا له بالجنة بإثر سلامه من صلاته وإن ارتكب ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحدٌ ممن له فهم صحيح. وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض، والفرض لا يصح أداء شيء منه إلا بقصد ونية، فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك، وحكمه حكم التائب محال، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الندم توبة". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لا بينهن ما اجتنبت الكبائر". وأسند في ذلك حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة المذكور في الباب، وحديث الحسن عن عمران بن الحصين وحديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قوله، وعن طارق بن شهاب سمع سلمان الفارسي يقول: "حافظوا على الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراح، ما لم تصب المقتلة". وذكر من طريق ابن أبي شيبة حديث إبراهيم عن علقمة عن سلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أحدثكم عن يوم الجمعة لا يتطهر رجل ثم يأتي الجمعة فيجلس وينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة لا بين الجمعة إلى الجمعة ما اجتنبت المقتلة". ومن طريق إسماعيل القاضي حديث الحسن عن أبي هريرة: "ما اجتنبت الكبائر"، وذكر قول الله عزَّ وجلَّ: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.

فإن مات صاحب الكبيرة عن غير توبة فمصيره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وإن تاب قبل حضور الموت ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب. وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين. انتهى كلام أبي عمر. وقول سلمان في حديثه ما اجتنبت المقتلة عبر بالمقتلة عن الكبائر، كما عبر بالجراح عن الصغائر فهو في معنى غيره من أحاديث الباب لا أنه أراد القتل والجراح المعروفة فتلك حقوق الآدميين لا يكفرها وضوء ولا صلاة، وفي رد أبي عمر على هذا القائل في معنى الأحاديث التي لا ذكر للكبائر فيها بالأحاديث التي فيها ذكر الكبائر. والمقتلة تسليم لكون تلك الأحاديث تقتضي ما ادعاه وليس كذلك، وإنما اقتضت تكفير خطايا أعضاء الوضوء المذكورة فيه من الوجه واليد والرجل عمّا اجترحه كل عضو بانفراده لا ما أمد بعضها فيه بعضًا واشتركت فيه. وقوله بعد ذلك: (حتى يخرج نقيًّا من الذنوب) فحمل الألف واللام هنا على العهد والمراد به الذنوب الصادرة من الأعضاء الذكورة لا كل الذنوب عمومًا. فقد قال - عليه السلام -: "العينان تزنيان واليدان تزنيان والفم يزني يصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه". وليس للفرج في الأعضاء المذكورة مدخل فيكون الوضوء مكفرًا لكبيرة الزنا. وكذلك خطيئة الرجل هي أن يمشي بها إلى خطيئة أخرى كبيرة أو صغيرة وما يمشي بها إليه غير المشي الذي هو من كسبها وكذا ما انفردت به اليد من الخطايا غير الحقوق البشرية في تلك الأعضاء كلها من القتل والسرقة والغيبة وما أشبه ذلك فالأمر في تلك مبني على المشاحة ويزيد ذلك بيانًا أنه لما كانت أحاديث الوضوء تقتضي تكفير الذنوب عن أعضاء مخصوصة والأحاديث في كفارة ما بين الصلاتين

أو الجمعتين لا يقتضي أعضاء مخصوصة احتيج إلى استثناء الكبائر في ذلك ولم يحتج إليه هاهنا وإذا انتفى التكفير عما فيه شائبة الحقوق البشرية من القتل والعقوق والسرقة والتولي يوم الزحف المؤدي إلى خذلان من تجب نصرته والغيبة والنميمة وما أشبه ذلك وعن ما ليس من كسب الأعضاء المذكورة كالزنا وعن ما اشتركت فيه الأعضاء وأمد بعضها بعضًا كتعاطي المحرمات من حضور مجالس اللهو وشرب الخمر وغير ذلك فخليق بأن لا يرد التكفير إلا على الصغائر بل ليس كل الصغائر داخلًا في ذلك إذ منها ما يشترك فيه الأعضاء المذكورة مع غيرها ومنها ما ليس من كسبها كالظن والعزم المستمر على المعصية وأنواع الترك وما أشبه مما خرج عن التكفير بالوضوء فداخل ذلك فيما تكفره الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة فيكون الوضوء مكفرًا لبعض الصغائر والصلاة التي هي أكبر وسيلة تأتي على ما لم يأت عليه الوضوء من الصغائر. وقد قال أبو العباس القرطبي وغيره من المتأخرين: لا بعد في أن يكون بعض الأشخاص تكفر له بذلك الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويرد عنه من الإحسان والآداب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد اختلفت ألفاظ الحديث ففي بعضها ما اجتنبت الكبائر وفي بعضهما ما اجتنبت المقتلة وفي بعضها ما لم تغش الكبائر والمراد منها أن بهذه الطاعات تكفر الصغائر دون الكبائر لا أن الصغائر لا تكفر إلا بشرط اجتناب الكبائر وإن كان السابق إلى الذهن معنى الشرطية فيه وأن المعنى الآخر لا يأباه اللفظ وعليه المعنى وإلا لامتنع التكفير بالصلوات والجمعة ورمضان غالبًا إذ التنزه عن كل كبيرة عزيز جدًّا وقد أورد على هذا إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة والجمعة ورمضان وما أشبه ذلك من صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وقوله: "من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"؟

وأجيب بأن كل واحد من هذه صالح للتكفير فإن وجد ما يكفره كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتب به حسنات ورفع به درجات. قال النووي: وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر انتهى. ويمكن أن يقال أيضًا إذا تقرر أن الصلاة تكفر ما لا يكفره الوضوء كما سبق فكذلك الجمعة إلى الجمعة ربما كفرت ما لم تكن الصلاة في غير الجمعة مكفرة له، وكذلك رمضان إلى رمضان ربما كفر ما لم تكن الجمعة إلى الجمعة تكفره، ولما كانت الصغائر متفاوتة كالكبائر فكذلك مكفراتها. ويمكن أن يقال أيضًا أن تكفير مجموع الصغائر مترتب على الإتيان بجميع الطاعات المذكورات، وكذلك هو في "صحيح مسلم" نصًّا في خبر واحد: "الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" فترد الأحاديث التي لم تأت بهذا التمام إليه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ومن أتى بالزيادة حجة على من لم يأت إذا كان ثقة. فلا يرد هذا السؤال فإنه إنما يرد على تقدير أن يكون كل من هذه الطاعات مستقلًا بالتكفير وإنما المراد أن كلها مكفرات إذا اجتمعت لا أن كلًّا منها مستقل بالتكفير إذا انفرد. وأما صوم يوم عرفة وعاشوراء ففي قوة ما يكفر صغائر صائمه لسنة أو سنتين إن وجد ذلك بمعنى أن توابه بهذه المثابة وأجر صائمه في هذه الرتبة إن لم يجد ما يكفره. وأما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله: رجونا أن يخفف من الكبائر ففيه نظر من وجهين:

الأول: أن تكفير الذنوب والثواب المرتب على الطاعات أمر توقيفي ليس للظن فيه مجال. الثاني: أن النص الوارد باجتناب الكبائر يرده، فمعلوم أن الثواب على الإتيان بالمفترضات أعظم من الثواب على التطوعات فكيف يقال في صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وموافقة تأمين المصلي تأمين الملائكة وليس شيء من ذلك فرضًا أنه يخفف من الكبائر مع قيام النص المقيد باجتناب الكبائر في الفرائض من الخمس والجمعة ورمضان والذي نقله المحققون أن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة. * * *

47 - باب ما جاء في فضل الجماعة

47 - باب ما جاء في فضل الجماعة ثنا هناد نا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة". وقال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي ومعاذ بن جبل وأبي لسعيد وأبي هريرة وأنس. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح. وهكذا روى نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة". وعامة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قالوا: خمسة وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: "بسبع وعشرين". حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ثنا معن نا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده بخمس وعشرين جزءًا". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث الباب من رواية ابن عمر وأبي هريرة عند البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجميع تفضل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفًا كلها مثل صلاته". رواه الإمام أحمد. وعن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا الصبح فقال: "أشاهد

فلان"؟ قالوا: لا. قال: "أشاهد فلان"؟ قالوا: لا. قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوًا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملاكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عزَّ وجلَّ" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وفي إسناده عبد الله بن أبي بصير يرويه عن أبي بن كعب، لم يرو عنه غير السبيعي، وقد وثقه ابن حبان. وعن معاذ بن جبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمس وعشرين". قرأته على ابن ساعد أخبركم ابن خليل أنا الطرسوسي وابن أبي زيد قالا أنا محمود الصيرفي أنا ابن فاذشاه أنا الطبراني نا محمد بن عبدوس بن كامل السراج ثنا محمد بن بكار نا عبد الحكيم بن منصور عن عبد اللك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ به. عبد الحكيم بن منصور روى له الترمذي وقد تكلموا فيه. وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة"، رواه البخاري. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة في جماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة"، رواه أبو داود من طريق هلال بن ميمون. وقال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: "صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة"، وساق الحديث قال ابن عدي: هلال بن

ميمون عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه. وحديث أنس بن مالك وجدته عند أبي العباس السراج موقوفًا قال نا جعفر الصايغ نا عبيد الله بن محمد بن حفص نا حماد بن سلمة عن عاصم عن أنس موقوفًا أنه قال: تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل بضعًا وعشرين صلاة. وسئل عنه الشيخ أبو الحسنن الدارقطني فقال: يرويه حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه أبو داود الطيالسي موقوفًا عن حماد وهو الصحيح. ورواه أيضًا شعيب بن الحبحاب عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف عليه، فرواه صالح بن عبد الكبير بن شعيب عن عمه عبد السلام عن أبيه شعيب عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أبو عتاب الدلال عن عبد السلام بن شعيب موقوفًا وهو أشبه بالصواب. وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة. روينا عن أبي العباس السراج في مسنده ثنا محمد بن بشار بندار نا يحيى بن سعيد نا عبد الرحمن بن عمار عن القاسم عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده خمسًا وعشرين درجة". عبد الرحمن بن عمار هذا هو ابن أبي زينب وثقة أحمد والنسائي. وفي هذه الأحاديث مسائل: الأولى: فضل الصلاة في الجماعة ولا نزاع في ذلك. الثانية: استدل بها على صحة صلاة الفذ وأن الجماعة ليست بشرط وذلك أن لفظة أفعل تقتضي الاشتراك في الأصل مع ثبوت التفاضل في أحد الجانبين وذلك

يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ، لأن ما لا يصح لا فضيلة فيه. فإن قيل إن صيغة أفعل قد ترد من غير اشتراك في الأصل كما قيل في قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلًا}. فالجواب: أن مثل ذلك على قلته في الكلام إنما يكون عند الإطلاق وأما إذا حصل التفاضل بزيادة عدد معين اقتضى ولا بد أن يكون ثم جرْء معدود تزيد عليه أجزاء أخر كما إذ قلنا هذا العدد أزيد من ذاك بكذا وكذا فلا بد من وجود أصل العدد وجزء معلوم في الآخر. ويزيد ذلك وضوحًا لفظ حديث أبي هريرة حيث قال: صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده. فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزاد عليه. وقد اختلف الناس في الجماعة هل هي سنة أو فرض كفاية أو فرض [عين] أو هي شرط في صحة الصلاة كما سنذكره في الباب بعد هذا. ومن ادعى فرضية الصلاة في الجماعة يحمل لفظ الفذ هنا على الفذ العذور في التخلف عن الجماعة ولا يستقيم له ذلك، لأن الفذ معرف بالألف واللام فيعم الفذ المعذور وغيره، فإخراج غير المعذور تخصيص من غير مخصص. قال أبو عمر: لا يخلو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ" من أحد ثلاثة أوجه: إما أن يكون المراد بذلك صلاة النافلة أو يكون المراد بذلك من تخلف من عذر أو يكون المراد من تخلف من غير عذر. وقد ثبت عن النبي - عليه السلام -: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" فعلمنا بذلك أنه لم يرد بحديث الباب صلاة النافلة

وكذلك لما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له صلاة بليل فغلبه عليها نوم كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة". وقال - عليه السلام -: "إذا شغل العبد عن عمل كان يعمله مرض ابتلاه الله به كتب له أجر ذلك العمل ما دام في وثاق مرضه". فعلمنا بذلك أن من تخلف لعذر لم يدخل في معنى هذا الحديث، وإذا بطل هذان الوجهان صح أن المراد بذلك هو المتخلف عما نُدبَ إليه ووجب وجوب سنة عليه من غير عذر وعلمنا أن النبي عليه السلام لم يفاضل بينهما إلا وهما جائزان إلا أن أحدهما أفضل من الآخر. الثالثة: اختلفوا في الجماعات هل يتفاوت فضلها بالقلة والكثرة أم لا؟ وإلى التفاوت ذهب الشافعي ومن قال بقوله، وإلى عدمه ذهب مالك في آخرين على المشهور عنه. وقال ابن حبيب بل تفضل جماعة جماعة بالكثرة وفضيلة الإمام، وحجة الأول حديث أبي بن كعب: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عزَّ وجلَّ. قال أبو عمر: ليس بالقوي ولا يحتج بمثله. ولست أدري لم ذلك، فإن أبا داود رواه عن حفص بن عمر نا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب وليس في هؤلاء من يسئل عنه غير عبد الله بن أبي بصير ولم نقف فيه على جرح وقد وثقه ابن حبان وما قيل من أنه لم يرو عنه غير السبيعي ليس ضارًا مع وجود التوثيق. وأجود من قول أبي عمر هذا قوله في موضع آخر: وقد رويت آثار مرفوعة منها حديث أبي كعب وذكره وهي آثار كلها ليست في القوة والثبوت والصحة كآثار هذا الباب على أن ابن حبان قد حكم بصحة حديث أُبي بن كعب هذا.

وأما من ذهب إلى عدم التفاوت فيقول دل الحديث على فضيلة صلاة الجماعة بالعدد المعين فيدخل تحته كل جماعة ومن جملة ذلك الجماعة الكبرى والجماعة الصغرى والتقدير فيهما واحد بمقتضى العموم. وروى الحكيم بن عمير وكان صحابيًّا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثنان فما فوقهما جماعة". وروى ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الاثنان فما فوقهما جماعة". قال أبو عمر: واستدلوا أيضًا بما عليه أكثر العلماء فيمن صلى في جماعة اثنين فما فوقهما أنه لا يعيد في جماعة أكثر منها. ومعلوم أن إعادة الفذ لما صلى وحده مع الجماعة إنما كان لفضل الجماعة على الانفراد. فإذا لم يعد من صلى مع اثنين أو ثلاثة في الجماعة الكبيرة دل على ما وصفناه انتهى. أما من لم يرى لكثرة الجماعة مزية فضل فهو مستغن عن الإعادة. وأما من يرى الفضل يتفاوت بالكثرة وهم أصحاب الشافعي فقالوا: من صلى إحدى الخمس في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم؟ فيه وجوه: ثالثها: إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أعلم أو أورع أو لكون الجماعة أكثر أو لكون المكان أفضل فتستحب الإعادة وإلا فلا، ورابعها يستحب إعادة الظهر والمغرب والعشاء دون الصبح والعصر لما روي في كراهية الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. وقد قيل نحوًا من ذلك إعادة المصلي منفردًا أيضًا.

وأما مالك رحمه الله فيرى أن من صلى في جماعة لا يعيد في أكثر منها إلا إن كان في أحد المساجد الثلاثة في الجماعة. الرابعة: في حديث ابن عمر التفضيل بسبع وعشرين درجة وفي حديث أبي هريرة بخمس وعشرين جزءًا وفي بعض ألفاظه ببضع وعشرين. فاختلف في الجزء والدرجة هل مقدارهما واحد أم لا؟ فقيل: الدرجة أصغر من الجزء فكأن الخمسة وعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعًا وعشرين. وقيل: يحمل على أن الله تعالى كتب فيها أنها أفضل بخمسة وعشرين جزءًا ثم تفضل بزيادة درجتين وقيل إن هذا بحسب أحوال المصلين وقيل راجع إلى أعيان الصلوات ثم قيل بعد ذلك الزيادة لصلاة الصبح والعصر، وقيل لصلاة الصبح والعشاء، وقيل يحتمل أن يختلف باختلاف الأماكن بالمسجد وغيره. الخامسة: هل هذه الدرجات أو الأجزاء بمعنى الصلوات فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين، أو سبع وعشرين صلاة، أو يقال: إن لفظ الدرجة والجزء لا يلزم منهما أن يكون بمقدار الصلاة، وقد كان القول بهذا الثاني يمكن لكن يضعفه ما تشعر به لفظة تضاعف الواردة في كثير من طرق هذه الأحاديث من المساواة للصلاة الأولى في مقدار الفضل [والزيادة عليه] (¬1) وأيضًا فألفاظ الأحاديث صرحت بذكر الصلاة، ففي حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة تعدل خمسة وعشرين صلاة من صلاة الفذ" رواه السراج نا الفضل بن سهل نا القعنبي نا أفلح بن حميد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن سلمان الأغر عن أبي هريرة. وهذا من أصح الأسانيد. ¬

_ (¬1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.

وفي لفظة له: صلاة مع الإمام أفضل من خمسة وعشرين يصليها وحده. إسناده كإسناد الذي قبله. ومن حديث ابن مسعود بخمس وعشرين صلاة. السادسة: حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة عند الترمذي تضمنا حصول التضعيف المذكور بالصلاة في الجماعة فقط من غير قيد آخر وحديث أبي هريرة الذي لفظه: "وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ... " الحديث. وقد تقدم وهو مخرج في الصحيحين يقتضي ترتب الثواب على المجموع من الجماعة وإحسان الوضوء والخطا إلى المساجد وغير ذلك مما تضمنه لفظه لما يشعر به لفظه (وذلك) من التعليل كأنه يقول وهذا التضعيف المذكور شبيه كيت وكيت مما ذكره وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا منها وتنبني على ذلك مسألتان الأولى وهي: السابعة: روي عن أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه ليس يتأدى فرض الجماعة بإقامتها في البيوت وهو نظر إلى لفظ الحديث الذي ذكرناه: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا"، ومأخذه أنها زيادة صحت فهي معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه. الثانية وهي الثامنة: القائلون من أصحاب الشافعي بأن الجماعة فرض كفاية. قالوا: لو امتنع أهل بلدة، أو قرية من إقامتها قاتلهم الإمام ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار، ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في موضع واحد وفي القرى الكبيرة والبلاد تقام في محالها ولو أطبقوا على إقامة الجماعة في البيوت، فعن أبي إسحاق المروزي أنه لا يسقط الفرض بذلك، لأن الشعار في البلد

لا يظهر به، ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الأسواق. ووجه الأولى أن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهذا وصف معتبر لا يتأتى إلغاؤه. وهذه المسألة غير التي قبلها إذ الحكم في تلك متعلق بكل فرد من المصلين، والحكم في هذه متعلق بإقامة الشعار المسقط حكم القتال عن أهل البلد أو القرية إذا امتنعوا منه. التاسعة: قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري رحمه الله: قوله - عليه السلام -: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه" يتصدى النظر هاهنا هل صلاته في المسجد في جماعة مفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة أو يفضل عليها منفردًا أما الحديث فمقتضاه أن صلاته في المسجد جماعة تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة وفرادى بهذا القدر، لأن قوله: (صلاة الرجل في جماعة) محمول على الصلاة في المسجد لأنه قوبل بالصلاة في بيته وسوقه ولو جرينا على إطلاق اللفظ لم يحصل القابلة لأنه يكون قسيم الشيء قسيمًا منه وهو باطل. وإذا حمل على صلاته في المسجد، فقوله - عليه السلام -: (صلاته في بيته وسوقه) عام يتناول الانفراد والجماعة وقد أشار بعضهم إلى هذا بالنسبة إلى المسجد والسوق من جهة ما ورد أن الأسواق موضع الشياطين، فتكون الصلاة فيها ناقصة الرتبة كالصلاة في الموضع المكروه لأجل الشياطين كالحمام وهذا الذي قاله وإن أمكن في السوق ليس يطرد في البيت فلا ينبغي أن تتساوى فضيلة الصلاة في البيت جماعة مع فضيلة الصلاة في السوق جماعة في مقدار الفضيلة الذي لا يؤخذ إلا بالتوقيف، فإن الأصل أن لا يتساوى ما ؤجد فيه مفسدة معينة مع ما لم توجد فيه

تلك المفسدة. هذا ما يتعلق بمقتضى اللفظ ولكن الظاهر مما يقتضيه السياق أن المراد تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاته في بيته وسوقه منفردًا فكأنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردًا وبهذا يرتفع الإشكال الذي قدمناه من استبعاد تساوي صلاته في البيت مع صلاته في السوق جماعة فيهما. وذلك لأن من اعتبر معنى السوق مع إقامة الجماعة فيه وجعله سببًا لنقصان الجماعة فيه عن الجماعة في المسجد يلزمه تساوي ما وجدت فيه مفسدة معتبرة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة في مقدار التفاضل، وأما إذا جعلنا التفاضل بين صلاة الجماعة في المسجد وصلاتها في البيت والسوق منفردًا فوصف السوف هاهنا ملغى غير معتبر فلا يلزم تساوي ما فيه مفسدة مع ما لا مفسدة فيه من مقدار التفاضل والذي يؤيد هذا أنهم لم يذكروه والسوق في الأماكن المكروهة للصلاة وبهذا فارق الحمام المستشهد بها. العاشرة: حيث تقدمت الإشارة في المباحث السابقة في معنى حديث أبي هريرة إلى أن الأوصاف التي يظهر ترتب الثواب المذكور عليها منها ما يحتمل أن يكون ملغى، ومنها ما ليس كذلك، فليقع النظر في تمييز ما هو معتبر منها مما يمكن أن يكون ملغى فنقول: أما وصف الرجولية فحيث يجوز للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن يتساوى مع الرجل لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعًا، وسنذكر أحكام المرأة في الجماعة بعد هذا إن شاء الله تعالى. وأما الوضوء في البيت فوصف كونه في البيت غير داخل في التعليل. وأما الوضوء فمعتبر مناسب، لكن هل المقصود منه مجرد كونه طاهرًا أو فعل

الطهارة؟ فيه نظر ويترجح الثاني بأن تجديد الطهارة مستحب، لكن الأظهر أن قوله - عليه السلام -: "إذا توضأ" لا يتقيد بالفعل إنما خرج مخرج الغلبة أو ضرب المثال؛ لأنه لو كان على طهارة متقدمة خرج بها إلى صلاة سابقة لكان حكمه في التضعيف المذكور حكم من توضأ لصلاته الحاضرة بعينها. وأما إحسان الوضوء فمعتبر، وأما خروجه إلى الصلاة فيشعر بأن الخروج لأجلها وقد ورد مصرحًا به في حديث آخر "ولا ينهزه إلّا الصلاة" وهذا وصف معتبر. وأما الجماعة فبالضرورة لا بد من اعتباره، وأما تضعيف الصلاة في الجماعة على الصلاة في السوق والبيت فقد سبق ما فيه. وأما كثرة الخطا وانتظار الصلاة فثوابه غير الثواب الأول من تعدد الحسنات بتعدد الخطا من صلاة الملائكة على من هو بهذه المثابة. الحادية عشرة: الخَطوة بفتح الحاء هي الفَعلة وبضم الخاء ما بين قدمي الماشي وفي هذا الموضع هي مفتوحة الخاء لأن المراد فعل الماشي والله أعلم. * * *

48 - باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب

48 - باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب نا هناد نا وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حزم الحطب ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وابن عباس ومعاذ بن أنس وجابر. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديت حسن صحيح. وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له. وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر. قال مجاهد: وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة، قال: هو في النار. قال ثنا بذلك هناد نا المحاربي أنا هشيم عن ليث عن مجاهد. ومعنى هذا الحديث أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها واستخفافًا بحقها وتهاونًا بها. * الكلام عليه: حديث الباب رواه البخاري ومسلم وفيه: "والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مر ماتين حسنتين لشهد العشاء".

وعن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفع بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف". وفي لفظ وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنهن الهدى وإن من سنهن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، رواه مسلم. وأما حديث أبي الدرداء فروينا عن أبي القاسم الطبراني في "المعجم الكبير" قال: نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة نا أبي ح ونا ورد بن أحمد بن لبيد البيروتي ثنا صفوان بن صالح قالا نا الوليد بن مسلم عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من خمسة أبيات لا يجمعون الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان". ورواه من وجه آخر عن السائب بن حبيش شيخ من أهل الشام عن معدان عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان". [وأخرج حديث أبي الدرداء أبو داود والنسائي]. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر"، قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى".

رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجه وأبو حاتم بن حبان وهو عند الدارقطني. وحديث معاذ بن أنس قرأت على ابن ساعد أخبركم ابن خليل أنا أبو جعفر الطرسوسي وابن أبي زيد قالا أنا محمود الصيرفي عن أبي الحسين بن فاذشاه -زاد الطرسوسي: وأنا أبو نهشل العنبري أنا ابن ريذة- قالا أنا الطبراني نا أبو يزيد القراطيسي نا أسد بن موسى قال نا ابن لهيعة عن زبّان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي بالصلاة ويدعوا إلى الفلاح فلا يجيبه". وزبّان بن فايد قال فيه أبو حاتم: صالح. [وسهل بن معاذ] وثقه ابن حبان وتكلم فيهما غيرهما. وابن لهيعة مشهور الحال. وحديث جابر قال الدارقطني نا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي نا أبو السُكين الطائي زكريا بن يحيى وحدثنا محمد بن مخلد ثنا جنيد بن حكيم نا أبو السكين الطائي ثنا محمد بن سُكين الشَقَري المؤذن نا عبد الله بن بكير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: فقد النبي - صلى الله عليه وسلم - قومًا في الصلاة فقال: "ما خلَّفكم عن الصلاة؟ " قالوا: لحاء كان بيننا. فقال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". هذا لفظ ابن مخلد. وقال أبو حامد: "لا صلاة لمن يسمع النداء ثم لم يأت إلا من عذر". وذكر أيضًا من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".

رواه عن يعقوب بن عبد الرحمن المذكر نا أبو يحيى العطار محمد بن سعيد بن غالب نا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن داود اليمامي عنه. أسانيده ضعيفة ولا يثبت مرفوعًا. وفي الباب مما لم يذكره حديث ابن أم مكتوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المسجد فرأى في القوم رقة، فقال: "إني لأهم أن أجعل للناس إمامًا ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه". فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلًا وشجرًا ولا أقدر على قائد كل ساعة أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: "أتسمع الإقامة"؟ قال: نعم، قال: "فأتها". رواه الإمام أحمد، وهو عند أبي داود والنسائي وابن ماجه مختصر. وفيه عن عائشة قال ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه وإنه ليهادي بين رجلين حتى دخل الصف، مخرج في الصحيح. وروي عن ابن نمير عن أبي حسان عن أبيه عن الربيع بن خثيم أنه كان به مرض فكان يهادي بين رجلين إلى الصلاة فيقال له: يا أبا يزيد إنك إن شاء الله في عذر. فيقول: أجل ولكني أسمع المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فمن سمعها فليأتها ولو حبوا ولو زحفًا. وعن سعيد بن المسيب قال: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. ذكر حفص بن سليمان عن معاوية بن قرة قال: كان حذيفة إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة.

وعن إبراهيم عن الأسود أنه كان إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه ذهب إلى مسجد غيره. فيه فوائد: الأولى: اختلف العلماء في الصلاة التي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحراق بيوت المتخلفين عنها ما هي؟ فقيل هي صلاة العشاء روى ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء أو لأحرقن حول بيوتهم بحزم الحطب". وذكر ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: كانت الصلاة التي أراد النبي - عليه السلام - أن يحرق على من تخلف عنها صلاة العشاء. وقيل هي العشاء أو الفجر قال أبو بكر نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "هي العشاء أو الفجر". هكذا رواه مرفوعًا على الشك. وقال آخرون: بل هي صلاة الجمعة رواه ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي - عليه السلام - قال: "هي الجمعة" هكذا ذكره أيضًا مرفوعًا. ثم روى عن عتاب نا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن نحوه. وقال يحيى بن معين: هو في الجمعة لا في غيرها واحتج بحديث عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".

وقال آخرون: هي كل صلاة وذكروا في ذلك حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد هممت أن آمر بالصلاة" الحديث، وفيه: فسئل يزيد بن الأصم: أفي الجمعة هذا أم في غيرها؟ فقال: ما سمعت أبا هريرة ذكر جمعة ولا غيرها. الثانية: إذا قلنا إنها الجمعة ففيه مشروعية فرضيتها على الأعيان كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. الثالثة: وإن كان المراد بها كل صلاة كما ذهب إليه بعضهم ويشهد له ظاهر حديث الباب، فقد احتج به من قال وجوب الجماعة فرضًا على الأعيان كما ذهب إليه عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأهل الظاهر وجماعة. واختلف القائلون بذلك، فقال بعضهم: هي شرط في صحة الصلاة روي عن داود وقيل عن أحمد وقال بعضهم هي فرض عين غير شرط قالوا: لأنها إن كانت فرض كفاية فقد تأدى بفعله - عليه السلام - وفعل من معه، وإن كانت سنة فلا يقتل تارك السنة. ذكر أبو محمد الظاهري عن أبي هريرة أنه رأى إنسانًا خرج من المسجد بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى الأشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له. وعن ابن مسعود مثله. وعن ابن عمر أنه صلى ركعتين من المكتوبة في منزله فسمع الإقامة فخرج إليها.

قال أبو محمد: لو أجزأت ابن عمر صلاته في بيته لما قطعها. وعن أبي هريرة: لأن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصًا مذابًا خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه. وعن عائشة: من سمع النداء فلم يأته فلم يُرد خيرًا ولم يُرَد به. وعن علي بن أبي طالب: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. فقيل له: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الأذان. وعن ابن عباس: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، وقد تقدم عنه مرفوعًا. وعن عطاء: لا رخصة له في ذلك. وعن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض أو خائف. فلما اختلفت ألفاظ المروي في هذا الباب كما سبق، ففي حديث أبي هريرة: (لا يشهدون الصلاة) وفي حديث ابن مسعود: (صلاة الجمعة) اقتضى رأي من لم يرى الجماعة فرض عين تقييد مطلق حديث أبي هريرة في الصلاة بحديث ابن مسعود في صلاة الجمعة، نظرًا إلى أن ذلك كله حديث واحد حمل فيه المطلق على المقيد. فقال خصمه: بل هما حديثان أحدهما عند ابن مسعود في الجمعة، والآخر عند أبي هريرة في الصلوات مطلقًا. ولما لم يقم على الأول دليل كان القول بالثاني أولى لأنه قد روي عن أبي هريرة أنها العشاء، وروي عنه أنها: العشاء أو الفجر، فلم يبق فيه إطلاق يقبل

التقييد بحديث ابن مسعود وتبين أنه غيره، وإذا ثبت ذلك في العشاء ثبت في غيرها إذ لا فارق بينها وبين غيرها في ذلك. وقال آخرون: هي فرض كفاية منهم ابن سريج وأبو إسحاق المروزي وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي. وذكر المحاملي وجماعة أن هذا ظاهر المذهب. والوجه الثاني: أنها سنة وهو أظهر الوجهين عند أبي حامد الغزالي وصاحب "التهذيب"، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة. وأجاب بعضهم عن حديث الباب أنه فيمن يتخلف عن الجمعة كما سبق أو في المنافقين لقوله - عليه السلام -: "لو يعلم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا ... " الحديث. قال: ومعاذ الله أن تكون هذه صفات المؤمنين من الصحابة رضي الله عنه قال أبو عمر: معلوم أنه لا يتخلف عن الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير عذر إلا من كان منافقًا صحيح النفاق. قالوا: ولأنه - عليه السلام - همّ ولم يفعل. وقال القاضي عياض: ولأنه لم يخبرهم أن من تخلف عن الجماعة فصلاته غير مجزئة وهو موضع البيان (¬1). ويرد على الأول أنه - عليه السلام - لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله. وعلى الثاني: أن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة، ولما قاله عليه ¬

_ (¬1) فيه علامة من الشارح تدل على وجود حاشية ينبغي أن تلحق بالأصل المخطوط ولم أتمكن من قراءتها لرداءة الخط.

السلام: "لقد هممت ... " إلى آخره، دل على وجوب الحضور عليهم لصلاة الجماعة. هذا حكم الرجال وأما النساء فليست عليهن فرض عين ولا فرض كفاية. وقال أصحابنا: ويستحب لهن، ولكن فيه وجهان ذكرهما القاضي الروياني: أحدهما: أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم وأظهرهما الذي ذكره المعظم أنه لا يتأكد في حقهن تأكده في حق الرجال. وقال أبو حنيفة ومالك: يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال أحمد في رواية والأصح عنده مثل مذهبنا وجماعتهن في البيوت أفضل، فإن أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره للعجائز. قال الحافظ أبو محمد: وقد صح في الأثر كون نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرهن لم يخرجن إلى المساجد. وقد روى مسلم من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها". وعنده من حديثه: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". وعنده عنه أيضًا: "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل". وعنده عن زينب امرأة ابن مسعود قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا". وفي حديث لأبي هريرة عنه - عليه السلام -: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولا يخرجن إلا وهن تفلات". الرابعة: وعلى القول بأن الجماعة سنة ففيه جواز المقاتلة على ترك السنن

الظاهرة، قال القاضي: اختلف في التمالؤ على ترك ظاهر السنن؛ هل يقاتل عليها تاركيها إلى أن يجيبوا إلى فعلها أم لا؟ والصحيح قتالهم لأن التمالؤ عليها إماتتها، بخلاف ما لا يجاهر به منها كالوتر، ونحوها. وقد أطلق بعض شيوخنا القتال على المواطأة على ترك السنن من غير تفصيل والأول أبين. الخامسة والسادسة: وإذا جوزنا المقاتلة على ترك السنن ففيه عند من يقول بأن الجماعة فرض كفاية أو فرض على الأعيان جواز المقاتلة على فروض الكفايات وفروض الأعيان من باب أولى. السابعة: التحريق بالنار وقد ذكر بعضهم الإجماع على منع العقوبة بتحريق البيوت إلا في المتخلف عن الصلاة ومن غل في الغنائم، ففيه اختلف العلماء، قال الباجي: ويحتمل أن يكون تشبيه عقوبتهم بعقوبة أهل الكفر في تحريق بيوتهم وتخريب ديارهم. الثامنة: فيه العقوبة بالمال أشار إليه المازري. وقال القاضي عياض في قوله: (ثم يحرق بيوتًا على من فيها) إن العقوبة ليست قاصرة على المال. التاسعة: فيه دليل على قتل تارك الصلاة تهاونًا وقد تقدم. العاشرة: فيه جواز أخذ أهل الجرائم والجنايات على غرّة لقوله: (ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) ومعنى أخالف هنا أي: أتخلف عن الصلاة بعد إقامتها لعقوبتهم وجاء خالف بمعنى تخلف ومنه: خالف عنا علي والزبير أي تخلفا أو يكون أخالف بمعنى آتيهم من خلفهم وأخذهم على غرّة أو معناه أخالف فعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة فأتركها وأسير إليهم لأحرقهم أو أخالف

ظنهم في أَني في الصلاة بقصدي إليهم. الحادية عشرة: استدل به البخاري على إخراج أهل المعاصي من بيوتهم وترجم بذلك عليه يريد أن من طلب منهم واختفى أخرج من بيته بما يقدر عليه كما أراد النبي - عليه السلام - إخراج هؤلاء بإلقاء النار عليهم في بيوتهم وذلك فيمن عرف واشتهر بذلك منهم. الثانية عشرة: فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يجوز له أن يستخلف من يصلي بالناس، لأنه - عليه السلام - إنما همَّ بإتيانهم بعد إقامة الصلاة. لأن ذلك الوقت يتحقق تخلفهم عن الصلاة فيتوجه اللوم عليهم. الثالثة عشرة: فيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر لأنه - عليه السلام - إنما همّ بالتوجه إليهم بعد إقامة الصلاة. الرابعة عشرة: فيه إمامة المفضول بحضرة الفاضل إذا دعت إلى ذلك مصلحة عامة. الخامسة عشرة: ذكر أبو عمر من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وفيه: "والذي نفسي بيده لقد هممت" الحديث وقال: فيه من الفقه معرفة يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان يحلف على ما يريد بالله وفي ذلك رد لمن قال لا يحلف بالله صادقًا ولا كاذبًا وفي قوله - عليه السلام -: "من كان حالفًا فليحلف بالله" كفاية. السادسة عشرة: فيه الإنذار والتهديد والوعيد قبل الفعل وهذا الوعيد منه - عليه السلام - كسائر ما جاء من الوعيد في الكتاب والسنة وليس من لم ينفذه مخلفًا ولكنه محسن ذو عفو محمود على ذلك، قال بعضهم يتمدح بمثل ذلك: وإني وإن أوعدته لمخلف ... إيعادي ومنجز موعدي

السابعة عشرة: قوله - عليه السلام -: "لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا". العَرْق -مفتوح العين ساكن الراء المهملتين وبعدهما قاف-: العظم عليه اللحم، ويقال له العُراق أيضًا وفي بعض ألفاظ الحديث: عظمًا سمينًا أو مرماتين، والمِرماة بكسر الميم المشهور فيها وذكر بعضهم فتحها وقد اختلف فيهما فقال ابن حبيب: هما السهمان، وقال الأخفش: المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محددة يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب وهي المرماة والمدحاة والجمع مَرامٍ ومداح. وقال أبو عبيد: المرماة ما بين ظلفي الشاة، قال: وهذا حرف لا أدري ما هو ولا ما وجهه إلا أن هذا تفسيره انتهى. وهو مثل ضربه - عليه السلام - أن أحد هؤلاء المتخلفين عن الجماعة لو علم أنه يدرك الشيء الحقير والنزر اليسير من متاع الدنيا أو لهوها لبادر إلى حضور الجماعة إيثارًا لذلك على ما أعده الله له من الثواب على شهود الجماعة وهي ضعة لا يليق بغير المنافقين والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

49 - باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة

49 - باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة حدثنا أحمد بن منيع أنا هشيم عن يعلى بن عطاء ثنا جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال: "عليَّ بهما"، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا"؟ فقالا: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة". قال: وفي الباب عن محجن ويزيد بن عامر. قال أبو عيسى: حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح. وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق. قالوا: إذا صلى الرجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلوات كلها في الجماعة وإذا صلى الرجل المغرب وحده ثم أدرك الجماعة قالوا: فإنه يصليها معهم ويشفع بركعة والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم. * الكلام عليه: حديث الباب أخرجه أبو داود والنسائي. ورواه شعبة عن يعلى بن عطاء بإسناده مثله. وجابر بن يزيد بن الأسود السوائي الخزاعي سمع أباه. روى عنه يعلى بن عطاء، قال ابن المديني: لم يرو عنه غيره. روى له أبو داود والنسائي، ووثقه وابن ماجه.

وحديث محجن روى مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له: بسر بن محجن عن أبيه محجن أنه كان في مجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن بالصلاة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟ ". قال: بلى يا رسول الله ولكن قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت". لفظ يحيى بن يحيى عن مالك. ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك. وبسر، بضم الباء وسكون السين المهملة، كذا يقول مالك عن زيد بن أسلم، وغيره. والثوري وآخرون يقولون فيه: بشر بكسر الباء، والشين المعجمة ساكنة، وكان أبو نعيم يصوب قول مالك، وذكر أحمد بن صالح أنه سأل جماعة من ولده ومن رهطه فما اختلف منهم اثنان أنه (بشر) بالمعجمة، كما قال الثوري. وحديث يزيد بن عامر قال: جئت والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى يزيد جالسًا فقال: "ألم تسلم يا يزيد؟ " قال: بلى يا رسول الله قد أسلمت. قال: "فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ ". قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: "إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة"، لفظ أبي داود.

وفي الباب (¬1) مما لم يذكره الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري ذكر مالك في "الموطأ" عن عفيف بن عمرو السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال: إني أصلي في بيتي ثمَّ آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم صل معه فإن من صلى ذلك فإن له سهم جمع أو مثل سهم جمع. رواه أبو داود في "سننه" مرفوعًا فقال عن أبي أيوب: سألنا عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "فذلك له سهم جمع". قال أبو زرعة: إنما هو عفيف بن عمرو بن المسيب السهمي: أن رجلًا من بني أسد سأل أبا أيوب عن ذلك، فقال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفسر ابن وهب قوله: سهم جمع أي يضاعف له الأجر كأنه يعني أن له أجر الصلاة مرتين. وفسر غيره الجمع بالجيش من قوله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} يريد أن له أجر المغازي والأول أولى. وقد ذكر الزبير بن بكار (¬2) عن عمه مصعب قال: كان في وصية المنذر بن الزبير بن العوام أن لفلان بغلتي الشهباء ولفلان عشرة آلاف ولفلان سهم جمع. ¬

_ (¬1) في هامش السندي. وفي الباب أيضًا: عبد الله بن سرجس عند الطبراني. وابن أبي الخريف عن أبيه عن جده، أيضًا في "الكبير" قال الهيثمي: وابن أبي الخريف وأبوه لا أدري من هما. انتهى. محمد عابد. (¬2) الأصل: الزبير بن أبي بكر.

قال مصعب: فسألت عبد الله بن المنذر بن الزبير ما يعني بسهم جمع؟ قال: نصيب رجلين. وفي الحديث فوائد: الأولى: ترعد فرائصهما، الفرائص جمع فريصة، قال ابن سيده: والفريصة لحمة عند نغض الكتف في وسط الجنب عند منبض القلب وهما فريصتان ترتعدان عند الفزع. الثانية: النافلة قال ابن سيدة: أيضًا النافلة الغنيمة والنافلة العطية والنافلة ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه وفي التنزيل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} والنافلة ولد الولد وهو من ذلك. الثالثة: قال ابن العربي: فيه دليل على أن الوالي إذا دعا أحدًا فزع من دعائه له، ولا يدرك الوالي أيضًا حرج منه إذا كان عدلًا. الرابعة: فيه أن من أقر بالصلاة وبعملها وإقامتها فإنه يوكل إلى ذلك إذا قال: إني أصلي لقولهما: إنا كنا صلينا في رحالنا وقبول ذلك منهما. وأشار أبو عمر إلى أنه لا حجة فيه لن قال: إني مؤمن بالصلاة مقر بها غير أني لا أصلي أن ذلك يحقن دمه لأن الجواب إنما كان بأن الصلاة قد وقعت منهما لا بأنهما مقران بالصلاة هذا معنى كلامه على حديث بسر بن محجن عن أبيه الذي سبق ذكره. الخامسة: وفيه أن من صلى في رحله ثم دخل المسجد فأقيمت عليه تلك الصلاة أنه يصليها مع جماعة المسجد وسواء أكان صلاها في رحله فردًا أو في جماعة لما تضمنه الجواب من العموم وترك الاستفصال منه - عليه السلام - هل كانت صلاتهما في رحالهما جماعة أو لا.

وقد اختلف العلماء فيمن صلى جماعة ثم أدرك الصلاة تقام لجماعة أخرى هل يعيد تلك الصلاة معهم أم لا؟ فيه وجوه أصحها عند عامة الأصحاب أنه يعيد كالمنفرد لإطلاق الخبر. الثاني: وهو الأصح عند الصيدلاني والغزالي أنَّه لا تستحب الإعادة لأن فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للإعادة والأول مروي عن أبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وصلة بن زفر والشعبي والنخعي أن الصلاة يعيدها في جماعة من كان صلاها في جماعة وبه قال حماد بن زيد وسليمان بن حرب وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي. قال أحمد: لا يجوز له أن يخرج من المسجد حتى يصليها وإن كان قد صلى في جماعة. واحتج بقول أبي هريرة في الذي خرج من المسجد عند الإقامة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. وإلى الثاني ذهب مالك وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء ويحتج لذلك بما روى أبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين". وقالوا: معنى هذا الحديث أن من صلى في جماعة لا يعيد في جماعة. وقال أحمد وإسحاق: بل معناه أن من صلى الفريضة لا يقوم فيصليها ينوي بها الفريضة معتقدًا ذلك، فأما إذا صلاها مع الإمام على أنها سنة تطوع فليس بإعادة الصلاة. الوجه الثالث: أنه إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أورع

أو أعلم أو لكون الجمع أكثر أو لكون المكان أفضل فتستحب الإعادة وإلا فلا. قال مالك: ومن صلى في جماعة ولو مع واحد فإنه لا يعيد تلك الصلاة إلا أن يعيدها في مسجد النبي - عليه السلام - أو في المسجد الحرام أو بيت القدس. الوجه الرابع: يستحب إعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا يستحب إعادة الصبح والعصر. السادسة: اختلف الناس فيما يعاد من الصلوات في الجماعة فقيل كلها وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ويروى عن الحسن والزهري عملًا بظاهر الحديث وعمومه. وقال آخرون: تعاد كلها إلا المغرب وبه قال إبراهيم ومالك والثوري ويروى عن أبي مجلز لأنها وتر النهار وبالتكرار تصير شفعًا ولضيق وقتها. وقال مالك: أدركت عمل أهل المدينة على ذلك. وقال آخرون: إن أعاد المغرب شفعها بركعة رواه قتادة عن سعيد بن المسيب، وهو وجه في مذهب الشافعي، ويروى عن حذيفة وعطاء وإبراهيم ومسروق، ورواه الحارث عن علي، وأنكره بعض أهل العلم، قال أبو عمر. وقد كان جماعة من العلماء ينكرون أشياء من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب منها هذا. وقال أبو ثور: يعيدها كلها إلا الفجر والعصر إلا أن يكون بمسجد فتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها، ويحتج لهذا بنهيه - عليه السلام - عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وذكر الدارقطني عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى وحده، ثم أدرك الجماعة فليصل إلا الفجر والعصر" رواه سهل بن صالح نا الأنطاكي وكان ثقة عن يحيى القطان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.

وخالفه الفلاس عن يحيى فوقفه، وتابعه ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. وكذلك قال مالك والليث عن نافع عن ابن عمر من قوله. وإليه ذهب الحسن فيما روى ابن أبي عروبة عنه. وعن الحكم تعاد إلا الفجر. وقالت طائفة: لا تعاد شيء من الصلوات، روي عن عمر وابن عمر، قال عمر: لا تعاد الصلاة، وقال ابن عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تصلى صلاة في يوم مرتين" وقد تقدم. وقال آخرون: تعاد كلها إلا الصبح والمغرب قاله ابن عمر والنخعي والأوزاعي، وقد سبق تعليل الإعادة في المغرب وأما الصبح فللنهي عن الصلاة بعدها وبعد العصر وفرقوا بينهما فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد العصر ركعتين وجاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا يتطوعون بعد العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية ولم يجيء ذلك عن واحد منهم في الصلاة بعد الصبح. وقال آخرون: تعاد الصلوات إلا الصبح والعصر والمغرب، أما المغرب فلما تقدم، وأما الصبح والعصر فللحديث الثابت في النهي عن الصلاة بعدهما يحكى ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه وقد اعترض بعض العلماء على القول بالمنع من الإعادة بعد الصبح وبعد العصر أن النهي عن الصلاة بعدهما إنما هي عن صلاة بعدهما غيرهما فأما هما فتصليان في وقت النهي يكرران في الجماعة لأنه لا يصح من هذا اللفظ دخولهما تحت الخطاب إذ المراد النهي عن الصلاة بعد فعل هذين الصلاتين لا بعد دخول وقتهما وإعادتهما إنما هي من تمامهما. السابعة: إذا قلنا بالإعادة في حق المنفرد وفي حق من صلى في جماعة

فأيهما الفرض؟ الجديد عندنا وبه قال أحمد وأبو حنيفة أن الفريضة هي الأولى لحديث الباب وبه قال ابن عمر والحسن وإبراهيم، والقديم أن الفريضة إحداهما لا بعينها والله يحتسب ما شاء منهما وربما قيل يحتسب بأكملهما ويروى هذا القول عن "الإملاء" وبه قال مالك ويروى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء وقد تأوله أبو عمر بالقبول أي إن الله يتقبل أيتهما شاء فقد يقبل الفريضة أو النافلة أو يقبلهما معًا، وقد لا يقبل واحدة منهما. وقد كان بعض الصالحين يقول: طوبى لمن تقبلت منه صلاة واحدة. وذكر هشام بن عمار نا هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال: جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: أعطه دينارًا، فقال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه. فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم واحد لم يكن غائب أحب إلي من الموت أتدري ممن يتقبل الله إنما يتقبل الله من المتقين، وقد تأول هذا التأويل ابن الماجشون. وذكر صاحب "التتمة" أن بعض الأصحاب صار إلى أنهما جميعًا يقعان عن الفرض، وعن الشيخ أبي محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلى منفردًا أن الفريضة هي الثانية لكمالها بالجماعة وقد تقدم في حديث يزيد بن عامر من طريق أبي داود قوله - عليه السلام -: "فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة" وهو ظاهر في الاحتجاج بهذا المذهب وبه قال سعيد بن المسيب في رواية عنه، وهو قول عطاء. الثامنة: إذا فرّعنا على الجديد فهل ينوي بالثانية الفرض فيه وجهان قال الصيدلاني في الصحيح أنه ينوي الفرض وبه قال الأكثرون واستبعده الإمام وقال كيف ينوي الفرض مع القطع بأن الثانية ليست بفريضة بل الوجه أن ينوي الظهر والعصر ولا يتعرض للفريضة ويكون ظهره نفلًا كظهر الصبي.

50 - باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة

50 - باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة حدثنا هناد نا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن سليمان الناجي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: جاء رجل وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيّكم يتجر على هذا"! فقام رجل فصلى معه. قال: وفي الباب عن أبي أمامة وأبي موسى والحكم بن عمير. قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من التابعين، قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه جماعة وبه يقول أحمد وإسحاق وقال آخرون: من أهل العلم يصلون فرادى وبه يقول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي يختارون الصلاة فرادى. * الكلام عليه: رواه أبو داود، وسليمان الناجي هو الأسود البصري روى عن أبي المتوكل علي الناجي روى عنه وهيب وعبد العزيز بن المختار ومرجى بن رجا والأنصاري وسعيد بن أبي عروبة. قال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال محمد بن سعد: كان نازلًا في بني ناجية لا يدرى كان من أنفسهم أو مولى لهم، وكانت عنده أحاديث، روى له أبو داود والترمذي. وذكر البيهقي حديث أبي سعيد هذا في كتاب "المعرفة" له من حديث سليمان بن حرب عن وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي وحده فقال: "ألا رجل يتصدق على

هذا فيصلي معه". ثم قال: أنا أبو الحسن بن الفضل أنا أبو سهل بن زياد نا إسحاق بن الحسن الحربي نا عفان نا وهيب نا خالد فذكره بإسناده إلا أنه قال: دخل رجل المسجد وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: والرجل الذي صلى ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ذكر ابن أبي شيبة بسند له عن الحسن: أن رجلًا دخل المسجد وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا رجل يقوم إلى هذا فيصلي معه"؟ فقام أبو بكر فصلى معه، وقد كان صلى تلك الصلاة. وقال وروينا عن يونس عن أبي عثمان قال: جاءنا أنس بن مالك وقد صلينا فأذن وأقام وصلى بأصحابه. قال: وفي حديث أبي سعيد دلالة على أنه إذا ائتم واحد برجل فهي صلاة جماعة كما قال الشافعي وكلما كثرت الجماعة مع الإمام كان أحب إليّ وأقرب إن شاء الله. وأما حديث أبي موسى والحكم بن عمير فذاك معناهما أن الاثنين فما فوقهما جماعة وهو أحد معنيي حديث أبي سعيد، روى ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثنان فما فوقهما جماعة" وكذلك حديث الحكم بن عمير ذكره البغوي في "معجم الصحابة" ثنا داود بن رشيد نا بقية عن عيسى بن إبراهيم القرشي عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير الثمالي وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اثنان فما فوق ذلك جماعة". الحكم بن عمرو الثمالي ذكره أبو عمر (¬1) وقال: ابن عمرو وقال: وثمالة في ¬

_ (¬1) ذكره في "الاستيعاب" (1/ 360) تحت اسم: الحكم بن عمرو، وذكره قبل (1/ 358) الحكم بن عمير. لذا اعترضه الحافظ في "الإصابة" في ترجمة: ابن عمير.

الأزد، شهد بدرًا رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح. وقد اختلف السلف في إقامة الجماعة في مسجد أقيمت فيه الجماعة قبل ذلك كره جماعة من السلف قال الشافعي: فيما حكى عنه البيهقي وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعله السلف ثم قال: قلنا بل قد عابه بعضهم ثم لم يكرهها في مسجد لا يكون له مؤذن راتب [وإمام] معلوم قال: لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذوا إمامًا غيره. قال الماوردي: فأما إذا كان المسجد بظاهر الطريق تصلي فيه المارة والمجتازون فلا بأس أن تعاد فيه صلاة الجماعة مرارًا لأن العادة جارية به. قال البيهقي: وقد حكى ابن المنذر كراهيته عن سالم بن عبد الله وأبي قلابة وابن عون وأيوب والبتي ومالك والليث وسفيان الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي. وقال: في كتاب البويطي وقد قيل: لا بأس بذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يتصدق على هذا فيصلي معه" وروى يونس عن الحسن أنه كره، وقال بعض المالكية: ينبغي إذا أذن الإمام في ذلك أن يجوز وهذا مبني على أن ذلك حق الإسلام أو حق الإمام، فإن كان المسجد ليليًّا فقال مالك: فصلى فيه الآتون إليه جماعة نهارًا للأمن من ذلك. وروى سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. وقال عبد الله بن يزيد دخلت مع إبراهيم مسجد محارب وقد صلوا فأمني، وعن الحسن مثله، عن ..... وعن قتادة: يصلون جميعًا في صف واحدٍ إمامهم وسطهم، وكذلك فعل أنس بن مالك. وفيه أن أقل الجماعة إمام ومأموم كما ذهب إليه الشافعي ومن قال بقوله.

وقوله: (يتصدق على هذا أو يتجر على هذا) كله واحد، لأن التجارة مع الله صدقة من المتجر على نفسه وربح. مسألة: استدل أبو الحسن الماوردي بهذا الحديث عل أن صلاة الجماعة ليست فرضًا على الأعيان، وقال: روي أنه - عليه السلام - رأى رجلًا قد دخل بعد فراغ الناس من الصلاة، فقال: "من يتصدق على هذا فيصلي معه"، ولو كانت الجماعة واجبة لأنكر عليه تأخره عنها، ولنهاه عن مثله، ولما أخبر أن الصلاة معه صدقة عليه. انتهى. أما الإنكار والنهي الذي أشار إليه فلم يبلغنا، وعدم البلوغ لا يدل على عدم الوقوع. وأما الصدقة عليه بالصلاة معه، فلا يدل على الوجوب، ولا على عدمه، والقائلون بوجوب الجماعة لا يمنعون من تعذرت عليه الجماعة أن يأتي بها منفردًا. * * *

51 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة

51 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة ثنا محمود بن غيلان ثنا بشر بن السري نا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام الليل". قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس وعمارة بن رويبة وجندب وأبيّ وأبي موسى وبريدة. حدثنا محمد بن بشار نا يزيد بن هارون أنا داود بن أبي هند عن الحسن عن جندب بن سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفرو الله في ذمته". قال أبو عيسى: حديث عثمان حديث حسن صحيح. وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان موقوف. وروى من غير وجه عن عثمان مرفوع. حدثنا عباس العنبري نا يحيى بن كثير أبو غسان العنبري عن إسماعيل الكحال عن عبد الله بن أوس الخزاعي عن بريدة الأسلمي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. * الكلام عليه: حديث عثمان رواه مسلم من حديث عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم به، وحديث الترمذي أتم من طريق سفيان عن عثمان وحديث جندب سكت

عنه الترمذي وهو صحيح أيضًا بإخراج مسلم إياه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن بريد بن هارون به، وقال: جندب بن عبد الله، وهو صحيح هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي بطن من بجيلة علقة بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث، صحبته ليست بالقديمة يكنى أبا عبد الله نزل الكوفة ثم البصرة وحدث بهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بن كعب وحذيفة، ومن الرواة عنه من ينسبه إلى جده فيقول جندب بن سفيان. وحديث بريدة أخرجه أبو داود وغرابته تفرد إسماعيل بن سليمان الضبي البصري الكحال به عن عبد الله بن أوس ذكر هذا التفرد الشيخ أبو الحسنن الدارقطني ويمكن مع التفرد أن يكون حسنًا فإن إسماعيل قال فيه أبو حاتم: صالح، وابن أوس وثقه ابن حبان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من غدا للمسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح". اتفقا عليه واللفظ للبخاري. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المشاءون إلى المساجد في الظلم أولئك الخواضون في رحمة الله"، رواه ابن ماجه. وحديث أنس أنه سئل هل اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا؟ فقال: نعم أخرّ ليلة صلاها العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل بوجهه بعدما صلى فقال: "صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها" قال: فكأني انظر إلى وبيص خاتمه، رواه البخاري. وعن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم أحدًا أبعد من المسجد منه فكان لا تخطئه صلاة فقيل له أو قلت له لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء والرمضاء قال ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد

ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جمع الله لك ذلك كله"، رواه مسلم. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي يتنظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا والذي يصلي ثم ينام وفي رواية حتى يصليها مع الإمام في جماعة"، رواه البخاري ومسلم. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعًا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه فقال: "أبشروا هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى" أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن سعيد الدارمي عن النضر بن شميل عن حماد عن ثابت عن أبي أيوب يحيى بن مالك الأزدي المراغي عنه. أبو أيوب يحيى بن مالك روى له الجماعة إلا الترمذي، ووثقه النسائي وغيره. وفيه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليبشر المشاؤون في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة"، رواه ابن ماجه. وفيه عن أبي الدرداء قال ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله بنور تام يوم القيامة". وحديث عثمان الذي تقدم ذكره رواه مسلم قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنا المغيرة بن سلمة المخزومي قال: نا عبد الواحد بن زياد نا عثمان بن حكيم نا عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد

وحده فقعدت إليه فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله". وحدثنيه زهير بن حرب قال نا محمد بن عبد الله الأسدي، ح وحدثني محمَّد بن رافع قال نا عبد الرزاق جميعًا عن سفيان عن أبي سهل عثمان بن حكيم بهذا الإسناد مثله. كذا قال عن لفظ سفيان مثله يعني مثل اللفظ الذي ساقه عن عبد الواحد وبينهما بون بعيد فلفظ عبد الواحد: "إن صلاة العشاء في الجماعة كقيام نصف الليل وإن صلاة الفجر كقيام الليل كله"، ولفظ سفيان: "إن العشاء كنصف الليل والعشاء والفجر كقيام الليل كله"، كما ذكره الترمذي، وكذلك ذكره أبو نعيم عن لفظ سفيان وكذا هو عند أبي داود أيضًا، فاللفظان مختلفان أعني لفظ حديث عبد الواحد مع حديث سفيان وقد ساقه أبو عمر من حديث أبي حفص الأبار عن عبد الرحمن عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام ليلة وصلاة الفجر في جماعة تعدل قيام نصف ليلة". وهذا اللفظ ثابت وقد رفعه عن عثمان عبد الواحد بن زياد وسفيان ووقفه مروان الفزاري عن عثمان بن حكيم وكذا عن يحيى بن سعيد رفعه الأبار، كما ذكرناه وخالفه مالك وحماد بن زيد وابن المبارك وابن عيينة فوقفوه. حكى ذلك الدارقطني ثم قال بعد الفراغ من تعليله: والأشبه بالصواب حديث الثوري وقد خرجه مسلم في الصحيح. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: لأن أشهد صلاة

الصبح في جماعة أحب إلى من قيام ليلة. فيه دليل على أن إعمال الفرائض والسنن وإقامتها على وجوهها أفضل من النوافل والتطوع كله وكذلك قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم. وهذا شيء لا خلاف فيه، وترتيب الفضائل عند العلماء: الفرائض المتعينة كالصلوات الخمس وما أشبهها. ثم ما كان فرضًا على الكفاية كالجهاد وطلب العلم والصلاة على الجنازة. ثم السنن التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء. ثم كل ما واظب عليه من النوافل كصلاة الليل والوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك. ثم سائر التطوع.

52 - باب ما جاء في فضل الصف الأول

52 - باب ما جاء في فضل الصف الأول ثنا قتيبة نا عبد العزيز بن محمَّد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها". قال: وفي الباب عن جابر وابن عباس وأبي سعيد وأبي وعائشة والعرباض بن سارية وأنس. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستغفر للصف الأول ثلاثًا وللثاني مرة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه"، قال: ثنا بذلك إسحاق بن موسى الأنصاري نا معن نا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. * الكلام عليه: حديث أبي هريرة: "خير صفوف الرجال" رواه مسلم. وحديثه: "لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول" رواه البخاري ومسلم. وحديث جابر ذكر ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خير صفوف النساء آخرها وشرها مقدمها". وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتقدم الصف الأول

أعرابي ولا أعجمي ولا غلام ولم يحتلم" رواه الدارقطني من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه وليث ضعيف عندهم. وعن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس قال: فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لأن لا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}. رواه الترمذي والنسائي وهذا لفظه وابن ماجه وسيأتي في موضعه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عَزَّ وَجَلَّ"، رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظاره الصلاة بعد الصلاة"، وذكر حديثًا طويلًا ثم قال: "وإن خير الصفوف صفوف الرجال المقدم وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر وشرها المقدم"، الحديث رواه الإمام أحمد. وحديث أبي بن كعب عند أبي عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصف الأول لعلى مثل صف الملائكة ولو تعلمون ما فيه لابتدرتموه". وعنه أيضًا عند النسائي من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني (¬1) رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: فجذبني.

فوالله ما عقلت صلاتي فلما انصرف فإذا هو أبي بن كعب فقال: يا فتى لا يسوءك الله إن هذا عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا أن نليه ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاثًا ثم قال: والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا، قلت: يا أبا يعقوب ما تعني به أهل العقد؟ قال: الأمراء. أخرجه عن محمد بن عمر بن مقدم نا يوسف بن يعقوب قال أخبرني التيمي عن أبي مجلز، وصححه ابن خزيمة وهو عند الإمام أحمد بلفظ أتم من هذا. وحديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله إلى النار" رواه ابن ماجه. وعند أبي داود عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف". وعن العرباض بن سارية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر للصف المقدم ثلاثًا وللثاني مرة. رواه النسائي وابن ماجه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر" أخرجه أبو داود والنسائي. وفي الباب أيضًا عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول"، رواه ابن ماجه. وفيه عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، أو الصفوف الأول"، رواه الإمام أحمد. وفيه عن البراء قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" وكان يقول: "إن الله عز

وجل وملائكته يصلون على الصف الأول" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهذا لفظ أبي داود. قوله - عليه السلام -: (خير صفوف الرجال أولها) يعني أكثرها أجرًا (وشرها آخرها) يعني أقلها أجرًا، وكذلك المعنى في صفوف النساء، وإنما كان ذلك لأن الصف الأول من صفوف الرجال مستحق لكمال الأوصاف، ويختص بكمال الضبط عن الإمام والاقتداء به والتبليغ عنه وكل ذلك معدوم في النساء فاقتضى ذلك تأخيرهن. وقد استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن المرأة لا تكون إمامًا لا للنساء ولا للرجال. وأما الصف الأول من صفوف النساء فإنما كان شرًّا من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء فقد يخاف أن تشوش المرأة على الرجل، والرجل على المرأة وهذا القول في تفضيل التقديم في حق الرجال على إطلاقه، وأما القول في صفوف النساء فليس على إطلاقه وإنما هو حيث يكن مع الرجال، فأما صفوف النساء إذا لم يكن مع رجال فأولها خيرها والقول فيها كالقول في صفوف الرجال سواء. وقال القاضي عياض في معنى قوله - عليه السلام -: وشر صفوف الرجال آخرها: قد يكون سمّاه شرًّا لمخالفة أمره فيها - عليه السلام - وتحذيرًا من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتي به. وقد اختلف السلف في معنى الصف المقدم ما هو فذهبت طائفة إلى أنه الصف الذي يلي الإمام من أول الحائط إلى آخره سواء أجاء صاحبه متقدمًا أو متأخرًا وسواء أتخللته مقصورة ونحوها أم لا. وذهب آخرون إلى أنه الذي يلي الإمام لا تتخلله مقصورة ولا غيرها، فإن

تخلله شيء فليس بأول. روى وكيع عن شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال: كان أصحاب عبد الله يقولون: الصف الأول الذي يلي المقصورة. وروى وكيع عن المسعودي عن ثابت بن عبيد قال: سمعت أبا عبيدة يقول: الصف الأول الذي يلي المقصورة، ذكره ابن أبي شيبة. وقال: ثنا حفص عن الشيباني قال: رأيت أبا عبد الرحمن وزر بن حبيش وعمرو بن ميمون يصلون عن يمين المقصورة. وقال حفص مرة: ما بين الأسطوانة إلى الحائط. وقال: ثنا ابن مهدي نا عبد الواحد بن زياد قال: قلت للحسن: إنهم يقولون: الصف الأول الذي يلي المقصورة فقال: هو الذي يلي الحائط. وقال آخرون: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى الصلاة أولًا وإن صلى في صف متأخر وهذا هو اختيار أبي عمر وأنكره بعض المتأخرين وزعم أنه غلط. قال أبو عمر بعد كلام له: وفي هذا ما يوضح لك معنى الصف الأول وأنه ورد من أجل البكور إليه والتقدم، قال: ولا أعلم خلافًا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة وإن لم يصل في الصف الأول أفضل ممن تأخر ثم صلى في الصف الأول انتهى. والصف الأول فيمن يلي الإمام حقيقة سواء تقدم في الحضور صاحبه أو تأخر. وفيمن تقدم في الحضور وإن حال بينه وبين الإمام صف؛ مجاز لا يحسن

الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة ولم يتعذر بل هما فضلان المتقدم في الحضور والقرب من الإمام في الصف ولا يلزم من فوت أحدهما فوت الآخر. فليس موضع النزاع، وقد جاء في لفظ امسلم: "لو تعلمون ما في الصف الأول المقدم". وفيه أيضًا مع فضل الصف الأول ذكر فضل التهجير والمسابقة فدل على أنه غير الصف الأول. وحكى الماوردي عن غيره: قيل: هو الصف الأول في الجهاد، فهو الذي تنال فيه المشقات، وفيه بعد. وأما قوله - عليه السلام -: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله في النار) وما أشبه ذلك من الوعيد في هذا الباب فمحمول عندهم على المنافقين الذين كانوا يرغبون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن القرب منه ويتأخرون عن الصلاة استثقالا لها. وقوله - عليه السلام -: (لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) فيه إثبات القرعة وهي مع تساوي الحقوق معمول بها عند الأكثرين وجاءت بها نصوص صريحة في غير هذا الموضع. وأما الضمير في قوله: (لاستهموا عليه) فاختار بعضهم عوده على الصف الأول إذ هو أقرب مذكور، وقد روي منصوصًا عن النبي - عليه السلام - وعن طائفة من أصحابه رضي الله عنهم: لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفوا فيه إلا بقرعة واختار بعضهم عوده على النداء والصف، وأجاب عن إفراد الضمير بتقدير محذوف كأنه قال: لو يعلمون ما في ثواب النداء والصف لاستهموا عليه؛ أي: على ذلك الثواب.

وقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنَّه أقرع بين قوم اختلفوا في الأذان بالقادسية. وقد اختلفوا: هل المراد بالنداء هنا النداء للجمعة فقط أو لها ولغيرها وإلى الأولى ذهب الداودي وإلى الثاني ذهب الجمهور. وإنما يقع الاستهام على النداء إذا استووا في معرفه الوقت وغيره مما هو مطلوب في المؤذن وتشاحوا كان مرادهم أن يؤذنوا واحدًا بعد واحد لئلا يخفى صوت أحدهم أو كان الأذان للمغرب لضيق وقتها عند من لا يرى لها إلا وقتًا واحدًا. وأما إذا كان للمسجد مؤذن تقدم لمراعاة الوقت فهو أحق من غيره وإن ساواه بمعرفته لولايته السابقة كما أن السابق إلى الصف أحق به وإنما يصح الاستهام عليه إذا قدرنا وصول الجماعة إليه في حالة لا يسع جميعهم وهم متساوون في مرتبة فأما إذا تفاوتت مراتبهم وبعضهم من أهل العلم والنهى، فمن كان كذلك فهو أحق بالقرب من الإمام دون قرعة كمن سبق إليه. هذا إن حملنا الاستهام على الحقيقة وقد اختار بعضهم حمله على المجاز والتمثيل فيكون المراد بالاستهام الإشارة إلى تأكد طلبيه ذلك السبق والحرص عليه وهو حسن ومثله في فصيح الكلام كثير، ومنه قوله - عليه السلام -: "لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا"، ومنه حديث أبي سعيد: "لو علم الناس ما في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف" رواه الإمام أحمد مرفوعًا.

53 - باب ما جاء في إقامة الصفوف

53 - باب ما جاء في إقامة الصفوف نا قتيبة نا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا فخرج يومًا فرأى رجلًا خارجًا صدره عن القوم فقال: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم". قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وجابر بن عبد الله وأنس وأبي هريرة وعائشة. قال أبو عيسى: حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من تمام الصلاة إقامة الصف". وروي عن عمر أنه كان يوكل رجالًا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف استوت. وروي عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان: استووا. وكان علي يقول: تقدم يا فلان تأخر يا فلان. * الكلام عليه: حديث النعمان رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عنه، فالبخاري عن أبي الوليد ومسلم عن ابن أبي شيبة وابن مثنى، وابن بشار كلهم عن غندر كلاهما عن شعبة ورواه مسلم من طرق منها نا قتيبة نا أبو عوانة عن سماك. والبخاري لا يحتج بسماك. وعند أبي داود قال: قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم ثلاثًا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم"، قال:

فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه. وفي لفظ لأبي داود أيضًا فيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر. وحديث جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها"، فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأوّل ويتراصون في الصف"، رواه مسلم. وحديث البراء قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، الحديث تقدم في الباب قبل هذا. وحديث جابر بن عبد الله أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وجبار بن صخر قال: فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. رواه مسلم أطول من هذا. روى عبد الرزاق عن معمر عن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من تمام الصلاة لإقامة الصف". وحديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه. وعن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفوف كأنها الحذف" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. الحذف صغار الغنم. وعن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه

فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه"، رواه البخاري. وعن محمَّد بن السائب صاحب المقصورة قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يومًا فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله. قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثمَّ التفت فقال: "اعتدلوا سووا صفوفكم" ثم أخذه بيساره فقال: "اعتدلوا سووا صفوفكم"، رواه أبو داود. وروى الدارقطني من حديث حميد عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة قال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ثم يقول: "استووا وتعادلوا". وحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"، رواه مسلم. وحديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" رواه الإمام أحمد وابن ماجه وزاد: "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة". وفي الباب أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشياطين ومن وصل صفًّا وصله الله ومن قطع صفًّا قطعه الله"، رواه أحمد وأبو داود. وأما الرواية عن عمر رضي الله عنه فذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني نافع مولى ابن عمر قال: كان عمر يبعث رجلًا يقوم الصفوف ثم لا يكبر حتى يأتيه فيخبره أن الصفوف قد اعتدلت. وروي أيضًا عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان عمر لا يكبر حتى تعدل الصفوف يوكل بذلك رجالًا.

وعن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاءوه فأخبروه أنها قد استوت كبر. وعن الثوري عن عاصم عن أبي عثمان قال: رأيت عمر إذا تقدم إلى الصلاة ينظر إلى المناكب والأقدام. وروى عبد الرزاق عن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كان يقول في خطبته قل ما يدع أن يخطب به: إذا قام الإمام فاستمعوا وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمستمع المنصت فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصف من تمام الصلاة ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها قد استوت فيكبر. وعن الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة ويسوي مناكبنا. والآثار في هذا الباب كثيرة عمن ذكرنا وعن غيرهم ولا يختلف فيه أنه من سنن جماعات الصلاة، وتسويته - عليه السلام - صفوفهم لتتم الاستقامة والاعتدال في ذلك، ولئلا تتخللهم الشياطين كما جاء في الحديث وتشبيهًا بالملائكة في صفوفها ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أنهم كانوا لا يصفون حتى نزلت: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} ولما في ذلك من هيئة الجماعة في الصلاة وحسنها وتأتي صلاتهم في صفوفهم دون أن يضيق بعضهم على بعض ولأن في ذلك مراعاة تمكنهم من صلاتهم مع تكثر جمعهم أكثر مما يكون مع الاختلاط ولئلا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلطين وفي الصفوف غابت وجوه بعضهم عن بعض وكثير من حركاتهم وإنما يلي بعضهم من بعض ظهورهم. وقوله: (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) يحتمل أن يريد المخالفة الخلقية كما في

الحديث الآخر: "أن يحول الله صورته صورة حمار" فيخالف بصفتهم إلى غيرها من مسخ، ويحتمل أن يكون المراد بالمخالفة بين الوجوه تغير القلوب وتنكر وجه من أقام الصف لمن لم يقمه، إذ تغير الوجوه ناشيءٌ عن تغير القلوب. والتواد والألفة أمر مطلوب فيفوتهم ذلك وقد تقدم في حديث النعمان عند أبي داود: "أو ليخالفن الله بين قلوبكم". وفي حديث البراء: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، والحمل على الثاني أولى لوجهين: الأول: ما يقتضيه لفظ البينية في قوله: (بين وجوهكم) إذ لو أراد الأول لقال ليخالف الله وجوهكم. الثاني: هذه المخالفة إنما هي في أمر مستحب فعله مندوب إلى وقوعه فلا يبلغ الوعيد عليها مبلغ التغيير والمسخ. هذا ما ذهب إليه الجمهور وسيأتي قول من قال بخلافه. وقوله: (فرأى رجلًا خارجًا صدره عن القوم) وكذلك قوله: (يمسح صدورنا ومناكبنا) وقوله: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه)، فيه التنبيه على كيفية التسوية وأن القدر اليسير من الاختلاف بها غير محتمل وتسوية الصفوف عندهم اعتدال القائمين بها على سمت واحد وقد تدل تسويتها أيضًا على سد الفرج وكلاهما مطلوب وقد تقدم في حديث عائشة. "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة"، وفي حديث ابن عمر: "وسدوا الخلل"، وقد روي عن ابن عمر من قوله: لأن تخر ثنيتاي أحب إليّ من أن أرى في الصف خللًا فلا أسده. وقوله: (فإن تسوية الصف من تمام الصلاة أو من حسن الصلاة) دليل على أن

تعديل الصفوف غير واجب وأنه سنة مستحبة وإليه ذهب الجمهور إذ تمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته، ويرد عليه رواية من روى: "فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة" كذا هو عند البخاري وغيره. وإلى فرضيته ذهب أبو محمد الظاهري محتجًا بهذا اللفظ، قال: وإذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض، لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض. والجواب: أن الحديث ثبت بلفظ: الإقامة، وثبت بلفظ التمام، ولا يتم له الاستدلال إلا بِرَدّ لفظ التمام إلى لفظ الإقامة، وليس ذلك بأولى من العكس. وأما قوله: وإقامة الصلاة فرض، فإقامة الصلاة مطلق، ويراد به فعل الصلاة، ويراد به الإقامة للصلاة التي تلي التأذين لها، وليست إرادة الأول -كما زعم- بأولى من إرادة الثاني، إذ الأمر بتسوية الصفوف بعقب الإقامة، وهذين فعل الإمام، أو من يوظفه الإمام، وهو مقيم الصلاة غالبًا. وأما قوله: وما كان من الفرض فهو فرض، المعلوم أن .... الفرض .... ، وأن الصلاة فرض، وأن .... فرض، وهو قد استعمل كل منهما على ما هو فرض، وما ليس فرضًا. ثم لو سلم ما أراده في لفظ: (من إقامة الصلاة) لأورد عليه لفظ: (من تمام الصلاة)، وهو صحيح أيضًا؛ كيف له أن يجيب بأن تمام الشيء قد ينطلق بحسب الوضع على ما لا تتم الحقيقة إلا به. وما ذهب إليه الجمهور أولى، ويحمل لفظ الإقامة فيه على الإقامة التي تلي التأذين أو يقدر له محذوف، تقديره: من تمام إقامة الصلاة وينتظم به إجمال الألفاظ الواردة في ذلك كلها، وذلك أولى من إكمال بعضها وإلغاء بعض.

وقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإن إقامة الصلاة من حسن الصلاة". وفي حديث أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا ... " الحديث، دليل على جواز الكلام بين الإقامة والصلاة وقد أجازه الأكثرون ومنعه بعضهم، وفرق آخرون بين الكلام لمصلحة الصلاة فرأوا جوازه، أو في غير ذلك فرأوا المنع ومن حجة المجيزين قول أنس: أقيمت .... إلخ. * * *

54 - باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى

54 - باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا يزيد بن زريع نا خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق". قال: وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي مسعود وأبي سعيد والبراء وأنس. قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه. قال: وخالد الحذاء هو خالد بن مهران يكنى أبا المنازل. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن خالدًا الحذاء ما حذا نعلًا قط إنما كان يجلس إلى حذاء فنسب إليه، قال: وأبو معشر اسمه زياد بن كليب. * الكلام عليه: حديث الباب رواه مسلم نا نصر بن حبيب وصالح بن حاتم بن وردان قالا نا يزيد بن زريع فهو صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد له كما سيأتي ولذلك حكم بصحته مسلم وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان (¬1) كما سبق فلأنه عن يزيد بن زريع اشتهر فرواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن حميد بن مسعدة كلاهما عن يزيد بن زريع كما سبق. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: الأخبار.

وأما الغرابة التي أشار إليها فقد قال الدارقطني: تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر زياد بن كليب. انتهى. فهو على هذا غريب من حديث أبي معشر وكذلك هو عند أبي معشر عن إبراهيم، وبهذا التفرد يوجه القول بتحسينه وسيأتي لهذا مزيد بيان عند الكلام على ترجمة أبي معشر. وحديث أبي بن كعب رواه الإمام أحمد من حديث قيس بن عباد قال: قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما كان بينهم رجل ألقاه أحب إليّ من أبي هو ابن كعب فأقيمت الصلاة فخرج عمر مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكاني فما عقلت صلاتي فلما صلى قال: يا بني لا يسوءك الله إني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: "كونوا في الصف الذي يليني"، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ثم حدّث، فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجهًا إليه قال: فسمعته يقول: هلك أهل العقدة ورب الكعبة ألا لا عليهم آسى ولكن آسى على من يُهلكون من المسلمين، وإذا هو أبيّ، رواه النسائي، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ لأحمد. متحت أعناقها: بتاءين ثالث الحروف وحاء مهملة، أي: مدّت. وأهل العُقدة بضم العين المهملة وسكون القاف يريد البيعة المعقودة للولاية. وحديث أبي مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم"، قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا. رواه مسلم. وحديث أبي سعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرًا ... الحديث، تقدم في باب فضل الصف الأول.

وحديث البراء لعله قوله: كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حببت أن أكون عن يمينه. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي وهذا لفظه. وحديث أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه. رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه. وقول الترمذي وفي الباب عن فلان وفلان وأنس ثم ذكر بعده: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه يشير إلى أنه غير ما تقدم عن أنس. ومما لم يذكره: رويناه في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليقم الأعرابي خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة". رواه عن محمَّد بن هارون بن محمَّد بن بكار عن أبيه عن جده. وعن الحسن بن إسحاق التستري نا مخلد بن مالك نا محمَّد بن سليمان بن أبي داود الحراني قالا: عن سعيد بن بشير به. قال: وخالد الحذاء هو خالد بن مهران يكنى أبا المنازل البصري القرشي مولاهم وقيل مولى بني مجاشع، رأى أنس بن مالك وسمع أبا عثمان النهدي وأبا المتوكل الناجي والحسن البصري ومحمد وأنسًا ابني سيرين وأختهما حفصة وسعيد بن أبي الحسن وعطاء بن أبي رباح وأبا قلابة وعبد الرحمن بن أبي بكرة وعمارًا مولى بني هاشم وعطاء بن أبي ميمونة وعبد الله بن شقيق وأبا المليح والحكم بن الأعرج وابن أشوع وأبا المنهال سيار بن سلامة وأبا معشر زياد بن كليب. سمع منه محمد بن سيرين والأعمش ومنصور بن المعتمر وروى عنه ابن جريج والثوري وشعبة والحمادان وابن علية وبشر بن المفضل وهشيم وخالد بن عبد

الله وعبد الوهاب الثقفي ووهيب بن خالد ويزيد بن زريع وأبو إسحاق الفزاري ومعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن المختار وعبيد الله العنبري. قال أحمد بن حنبل: ثبت. وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال محمد بن سعد: هو مولى لآل عبد الله بن عامر بن كريز، ولم يكن بحذاء ولكن كان يجلس إليهم. وقال فهد بن حيان: لم يَحْذُ خالد قط وإنما كان يقول: احذوا على هذا النحو فلقب الحذاء، قال: وكان خالد ثقة رجلًا مهيبًا لا يجتريء عليه أحد وكان كثير الحديث. وقال: ما كتبت شيئًا قط إلا حديثًا طويلًا فلما حفظته محوته، وكان قد استعمل على القبة (¬1) ودار العشور بالبصرة، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور، وقال ابن المثنى عن قريش بن أنس: مات سنة ثنتين وأربعين أو أكثر. وقال الخطيب: حدث عن خالد: ابن سيرين وعبد الوهاب الثقفي وبين وفاتيهما ست وتسعون سنة روى له الجماعة. وأبو معشر زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي روى عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وفضيل بن عمرو. وروى عنه قتادة وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وخالد الحذاء وأبو بشر ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وذكر د. بشار معروف أنه هكذا وجده بخط المزي، قال: وفي المطبوع من "طبقات ابن سعد": القتب. انظر "الطبقات" (7/ 259). وهو عند الذهبي في "الميزان" و "السير": القبة.

جعفر بن أبي وحشية وهشام بن حسَّان وسعيد بن أبي عروبة ومغيرة بن مقسم وشعبة. قال أبو حاتم: هو من قدماء أصحاب إبراهيم وهو أحب إليّ من حماد بن أبي سليمان ليس بالمتين في حفظه قيل: هو ثقة، قال: صالح، وقال أحمد بن عبد الله: كان ثقة في الحديث قديم الموت، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين انتهى. فيتوجه على ما وصف به ابن حبان أبا معشر من الحفظ والإتقان تصحيح حديثه فيما تفرد به، وعلى ما قال أبو حاتم الرازي تحسينه وعلى كلا التقديرين فهو صحيح غريب أو حسن غريب من هذا الوجه، وأما بانضمام الشواهد له من حديث أبي مسعود وغيره كما تقدم فهو صحيح والله أعلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثمَّ الذين يلونهم) الأحلام النهي بمعنى واحد وهي (¬1) العقول واحدها نهى والنهية بالضم واحدة النهي وهي العقول لأنها تنهى عن القبح والنهى بالكسر الغدير في لغة نجد، وغيرهم يقوله بالفتح والجمع نهاء وأنهاء وقيل سمي نهيًا لأن الماء ينتهي إليه. وقال بعضهم: المراد بأولي الأحلام البالغون وبأولي النهي العقلاء فعلى الأول يكون العطف فيه من باب أقوى وأقفر بعد أم الهيثم. ونحو فألفى (¬2) قولها كذبًا ومينًا، وهو أن تغاير اللفظ قام مقام تغاير المعنى وهو كثير في الكلام وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى صبيًّا في الصف أخرجه. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: وهو. (¬2) في نسخة السندي: في أنعى.

وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك. وقد وجه بأحد أمرين: إما أن يكون الصبي لا يؤمن لهوه ولعبه، وإما أن يكون كره له التقدم في الصف لمنعه الشيوخ من ذلك الموضع وذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان يذهب إلى كراهة ذلك قال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل كره أن يقوم مع الناس في المسجد خلف الإمام إلا من قد احتلم وأنبت وبلغ خمس عشرة سنة فقلت له: أو أثنتي عشرة سنة أو نحوها قال: ما أدري فقلت له: فكأنك تكره ما دون هذا السن فذكرت له حديث أنس: واليتيم وراءنا، قال: ذلك في التطوع. فيه تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو ما لا يتفطن له غيره ولأنهم أمسّ بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها الناس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم. ويؤخذ من التقديم في هذا المحل التقديم فيما أشبهه من الإمامة ومواقف القتال ومجالس القضاء والعلم والتدريس وما يجري مجرى ذلك فيكون الناس في كل الأمور على طبقاتهم من المعرفة والعلم والدين والعقل والشرف. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم. قوله - عليه السلام -: (وإياكم وهيشات الأسواق) بفتح الهاء وإسكان الياء آخر الحروف وبعدها شين معجمة أي: اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. وقد تقدم الكلام على قوله: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) في الباب قبل هذا.

55 - باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري

55 - باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري ثنا هناد ثنا وكيع عن سفيان عن يحيى بن هانئ بن عروة المرادي عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين ساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق ورخص قوم من أهل العلم في ذلك. * الكلام عليه: حديث الباب رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. ويحيى بن هانئ بن عروة المرادي كوفي كان من أشراف العرب. روى عن عبد الحميد بن محمود ورجاء الزبيدي وابنه ونعيم بن دجاجة وأبي حميد. روى عنه الثوري وشعبة وشريك بن عبد الله سمعت أبي يقول ذلك قاله ابن أبي حاتم ووثقه يحيى بن معين. وقال أبو زرعة: ثقة صالح روى عنه الثوري وشعبة، سيد من سادات أهل الكوفة. وقال شعبة: أخبرني يحيى بن هانئ وكان سيدًا من سادات أهل الكوفة. وعبد الحميد بن محمود هذا بصري روى عبد الله بن عباس وأنس بن مالك.

روى عنه يحيى بن هانئ المرادي وعمرو بن هرم وابنه حمزة بن عبد الحميد بن محمود. قال أبو حاتم: هو شيخ. وقال الدارقطني: كوفي ثقة يحتج به. روى له أبو داود والنسائي والترمذي. وقد ضعف أبو محمد عبد الحق هذا الحديث بعبد الحميد بن محمود هذا وقال: ليس هو ممن يحتج بحديثه. فقال أبو الحسن بن القطان ردًّا عليه: ولا أدري من أنبأه بهذا ولم أر أحدًا ممن صنف الضعفاء ذكره فيهم ونهاية ما يؤخذ فيه مما يوهم ضعفًا قول أبي حاتم الرازي وقد سئل عنه: هو شيخ، وهذا ليس بتضعيف وإنما هو إخبار بأنه ليس من أعلام أهل العلم وإنما هو شيخ وقعت له روايات أخذت عنه. وقد ذكره أبو عبد الرحمن النسائي فقال فيه: ثقة، على شحه بهذه اللفظة. وحديث قرة بن إياس المزني مروي من طريق معاوية بن قرة عن أبيه قال: كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونطرد عنها طردًا. رواه ابن ماجه. وروى حرب الكرماني بإسناد له عن أنس قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصف بين السواري. وذكر الحافظ ضياء الدين محمَّد بن عبد الواحد المقدسي في الصلاة بين السواري حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ومكث فيها فسألت بلالًا حين خرج: ما صنع النبي

- صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى، وفي رواية عمودين عن يمينه. رواه البخاري ومسلم. فيه كراهة الصف بين السواري. قال القاضي أبو بكر بن العربي: وذلك إما لانقطاع الصف وهو المراد من التبويب وإما لأنه موضع جمع النعال والأول أشبه لأن الثاني محدث. ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة فأما الواحد فلا بأس به وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة بين سواري انتهى. أما التفريق بين حالة الضيق والسعة فكذلك هو الحكم وحديث الباب إنما ورد في حالة الضيق لقوله: فاضطرنا الناس فيمكن أن يقال إن الضرورة أشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها. وحديث قرة لا ذكر فيه للضرورة، أما التفريق بين حكم الجماعة والمنفرد فالحديث إنما ورد في حكم [صلاة] الجماعة كذا رواه أبو داود من طريق عبد الحميد قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا ... الحديث (¬1)، ولذلك اختلف الناس في الكراهة والإباحة كما سنذكره. ذكر عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أبي إسحاق عن معدي كرب قال قال ابن مسعود: لا تصفوا بين السواري ولا تأتموا بالقوم وهم يتحدثون. ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وفي نسخة السندي: ... السواري، ولم يقل أن تصلي. قلت: وهو غير مفهوم، لكن في هامش الأصل: حديث قرة: كنا ننهى أن نصف بين السواري، ولم يقل أن نصلي وقد. (وعليه علامة الصحة). قلت: وهذا كلام يناسب آخر فقرة في الباب.

وذكر عن الثوري وابن عيينة عن أبي إسحاق عن معدي كرب الهمداني قال: سمعت ابن مسعود يقول: لا تصطفوا بين الأساطين ولا تصل وبين يديك قوم يمترون أو قال: يلعبون. وذكر عن هشام بن حسّان عن الحسن أنه كره الصف بين السواري قال هشام بن حسان وسألت عنه ابن سيرين فلم ير به بأسًا. وبالكراهة قال النخعي وإسحاق ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسًا على الإمام والمنفرد قالوا وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة بين ساريتين (¬1). واستدل من قال بالكراهة بما ذكرنا من أحاديث الباب وبما روى سعيد بن منصور في "سننه" عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة من النهي عن ذلك ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة وإذا كانت العلة في الكراهة قطع الصفوف فلا معنى للقياس على الإمام والمنفرد لانتفاء العلة هناك. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل وقد علم عليه بالشطب، وليس في نسخة السندي: وأما المنفرد؛ فإن عنى به المصلي في جماعته، فصحيح على مقتضى تعليله الأول بقطع الصفوف، وليس هناك صفوف تقطع فليس صحيحًا على مقنضى تعليله الثاني، فإن ذلك الموضع معد لحفظ النعال وكأنه ليس موضع صلاة، ... استمرار حكم الكراهة، لثبوت العلة، أو إنما ينتفي المعلول عند انتفاء العلة. وإن أراد المنفرد عن الصف فذلك مكروه سواء أكان بين السواري أو لم يكن، كما سيأتي في الباب ...

56 - باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده

56 - باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده ثنا هناد نا أبو الأحوص عن حصين عن هلال بن يسار فقال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخ يقاله له وابصة بن معبد من بني أسد فقال زياد: حدثني هذا الشيخ: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده -والشيخ يسمع (¬1) - فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الصلاة. قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي بن شيبان وابن عباس. قال: وحديث وابصة حديث حسن. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصلي الرجل خلف الصف وحده وقالوا: يعيد إذا صلى خلف الصف وحده، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقد قال قوم من أهل العلم: يجزئه إذا صلى خلف الصف وحده وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي. وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى حديث وابصة بن معبد أيضًا قالوا من صلى خلف الصف وحده يعيد، منهم حماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى ووكيع. وروى حديث حصين عن هلال بن يساف غير واحد مثل رواية أبي الأحوص عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة. وفي حديث حصين ما يدل أن هلالًا قد أدرك وابصة، واختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة أصح. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: يسمعه.

وقال بعضهم: حديث حصين عن هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة بن معبد أصح. قال أبو عيسى: وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة لأنه قد روي من غير حديث هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة: حدثنا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده فأمره النبي أن يعيد الصلاة. قال: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: إذا صلى الرجل خلف الصف وحده فإنه يعيد. * الكلام عليه: حديث وابصة رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الترمذي وأما أبو عمر فقال: وحديث وابصة مضطرب الإسناد لا يثبته جماعة من أهل الحديث. وليس الاضطراب الذي وجد فيه مما يضره لما سنذكره، وذلك أنا روينا هذا الحديث من طريق هلال بن يساف على وجوه أربعة، فبعضها: عن هلال عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة كذا هو عند منصور بن المعتمر وزائدة بن قدامة وحصين من رواية جرير عنه. وبعضها: عن هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة كذا رواه عمرو بن مرة وهو عند أبي داود عن سليمان بن حرب وحفص بن عمر عن شعبة عن عمرو بن مرة، وتابع شعبة عليه زيد بن أبي أنيسة وأبو خالد الدالاني: وبعضها عن هلال عن وابصة بإسقاطهما كذا رواه عن هلال شمر بن عطية والحجاج بن أرطاة وحصين من رواية شريك عنه.

وبعضها عن هلال قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي فأوقفني على شيخ بالرقة يقال له وابصة بن معبد نحو ما رواه الترمذي، كذا رواه ابن إدريس وأبو الأحوص وزهير بن معاوية والحسن بن صالح وخالد الطحان عن حصين عن هلال. فجمعت هذه الرواية بين طريقي من أثبت زيادًا وأسقطه وبينت أن كلا الروايتين صواب. وأما الخُلف على هلال بدخول عمرو بن راشد بدل زياد فلا يضر لوجهين: الأول: ما بينته هذه الطريق من سماع هلال من وابصة، فعمرو مستغنىً عنه. الثاني: ثقة عمرو بن راشد وزياد بن أبي الجعد وقد نقلت عن ابن حبان، فكيف ما انقلبنا انقلبنا إلى ثقة وإنما يكون الاختلاف موثرًا لو اختلف حالهما، بجرح أحدهما وتعديل الآخر. قال: (وروى حديث حصين عن هلال غير واحد مثل رواية أبي الأحوص عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة) يريد بذلك حديث حصين [الذي تبين فيه سماع هلال من وابصة] والذي لم يتبين كما نص عليه هنا وإلا فقد روي عن حصين عن هلال بسقوط زياد كما نقلناه من رواية شريك عنه وقد ذكرناه عن جماعة كذلك. قال: وفي حديث حصين ما يدل أن هلالًا قد أدرك وابصة، يعني: من الوجه الذي ذكره وإلا فالروايات عن حصين منها ما يدل على ذلك، ومنها ما لا يدل عليه، وأما رواية هلال: وابصة: فقد أنا أبو عمران موسى بن عثمان أبو محمد البزار قراءة عليه وأنا أسمع، نا

أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل -قراءة عليه وأنا أسمع- أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي ربما قال: أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بمدينة السلام، فيما قرأت عليه من أهل سماعه، أنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي أنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن أحمد بن القاسم بن جامع الدهان، أنا أبو علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى بن مرزوق القشيري الحراني حافظ الرقة بالرقة في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أنا أبو الهيثم محمد بن عبد الصمد: حدثني عمي عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر عن أبيه عن شيبان بن عبد الرحمن بن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف، قال: قدمت الرقة، فقال بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: غنيمة! فدفعنا إلى وابصة بن معبد، فقلت لصاحبي أو لأصحابي: نبدأ فنظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين، وبرنس خز أغبر، وإذا هو قائم يصلي يعتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا عليه: ما دعاك إلى العصا؟ قال: حدثتني أم قيس بنت محصن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه. وبه إلى أبي علي القشيري حافظ الرقة قال: نا جعفر بن محمد بن حجاج نا عبد السلام نا أبي عن شيبان بن عبد الرحمن عن حصين بن عبد الرحمن [عن هلال] بن يساف، قال: قدمت الرقة فذكر نحوه. وقد رويناه من طريق أبي داود في "سننه" عن عبد السلام به، فتعلو لنا درجة والحمد لله. ونقل الخلاف في الترجيح بين حديث عمرو بن مرة وحديث حصين ورجح حديث حصين بأن غير هلال قد رواه عن زياد بن أبي الجعد.

والحديث الذي أشار إإليه أناه أبو عبد الله بن ساعد أنا ابن الحجاج بن خليل أنا الشيخان أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الكرّاني وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي قالا: أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي قال: أنا أبو الحسين بن فاشاذه زاد الطرسوسي وأنا أبو نهشل عبد الصمد بن أحمد بن أبي الفضل العنبري أنا أبو بكر بن ريذة سماعًا وأبو الحسين بن فاشاذه إجازة قالا أنا أبو القاسم الطبراني ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ثنا أبي ثنا وكيع عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الصلاة. وبه إلى الطبراني: ثنا محمد بن راشد الأصبهاني ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد عن زياد عن وابصة نحوه. ورويناه أيضًا من طريق الأعمش عن عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة. ووجه الترجيح بما أشار إليه أن رواية عمرو بن راشد نقلت عن هلال وحده ورواية زياد نقلت عن هلال وعن عبيد بن أبي الجعد فساوتها في الطريق الأول وامتازت عنها بالطريق الثاني. وقد رويناه من طريق سالم بن أبي الجعد والشعبي وحنش بن المعتمر كلهم عن وابصة من وجوه لا تبلغ درجة حديث عمرو بن راشد وزياد بن أبي الجعد. قال ابن المنذر: وقد ثبت الحديث أحمد وإسحاق. قال: (وفي الباب على علي بن شيبان وابن عباس). أما حديث علي بن شيبان فمن رواية ابنه عبد الرحمن عنه، قال: خرجنا حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا خلفه قال: ثم صلينا وراءه صلاة أخرى

فقضى الصلاة فرأى رجلًا فردًا خلف الصف فوقف عليه نبي الله حين انصرف قال: "استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف". رواه الإمام أحمد وابن ماجه وهذا لفظه. وفي رواية للإمام أحمد أنه قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف فرأى رجلًا يصلي فردًا خلف الصف فوقف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انصرف الرجل فقال له: "استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف". رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان. ملازم وابن بدر ثقتان وعبد الرحمن وثقه ابن حبان فرواته ثقات معروفون. وقال أبو محمد بن حزم: وما نعلم أحدًا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر وهذا ليس جرحًا. انتهى. عبد الرحمن هذا روى عنه أيضًا ابنه محمد ووعلة بن عبد الرحمن بن وثاب (¬1) وقد وثقه ابن حبان كما ذكرنا وروى له أبو داود وابن ماجه. وحديث ابن عباس لعله الآتي في الباب بعد هذا. وقد اعتل به قوم ممن رأى جواز صلاة المنفرد خلف الصف ولا وجه للاعتلال به كما سنذكره. وقد اختلف السلف في صلاة المأموم خلف الصف وحده فقالت طائفة: لا يجوز وممن قال به بذلك النخعي والحكم والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق. وأجاز ذلك الحسن البصري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وفرق آخرون بين الرجل والمرأة في ذلك فرأوا على الرجل الإعادة دون المرأة ¬

_ (¬1) في المخطوطتين: رئاب. والمثبت من "التهذيب".

أخذًا بحديث: فصففت أنا واليتيم وراءه يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا، في حق المرأة، وبحديثي الباب في حق الرجل حكى ذلك عن أحمد بن حنبل والحميدي وأبي ثور وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية عن إبراهيم قال: إذا دحس الصف فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلًا من ذلك الصف فليقم معه فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحد ليست بصلاة جماعة. وذكر أيضًا عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف؟ قال: نعم والرجلان والثلاثة إلا في الصف فإن فيها فرجًا، قلت لعطاء: أرأيت إن وجدت الصف مدحوسًا لا أرى فرجة أقوم وراءهم قال: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وأحبُّ إليّ أن أدخل فيه. وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة وحمادًا عن ذلك فقال الحكم: يعيد وحماد: لا يعيد وقال ابن عيينة. قال شعبة: يذكر عن بعضهم أن إبراهيم قال: إذا قام حذو الإمام لم يُعِد. وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا يعيد والأمر في ذلك محمول عند أصحابنا من الشافعيين على الكراهة قالوا: ومتى وجد الداخل إلى الصلاة فرجة أو سعة في الصف دخل وله أن يخرق الصف الأخر إن لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف تقدمه لأنهم قصروا حيث لم يتموه. وإن لم تجد فرجة ولا سعة في الصف فما الذي يفعل؟ حكى عن نصه في البويطي: أنه يقف منفردًا ولا يجذب إلى نفسه أحدًا لأنه لو جذب إلى نفسه واحدًا ليفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف وبهذا قال أبو الطيب الطبري: وحكاه عن مالك وقال أكثر الأصحاب: إنه يجر إلى نفسه واحدًا. قالوا: وإنما يجره بعد أن يتحرم بالصلاة ويستحب أن يساعده ولا فرق

بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك لعموم الأمر به. وقد اختلف السلف في الداخل للصلاة والصفوف قد استوت واتصلت هل له أن يجذب إلى نفسه واحدًا ليقوم معه أو لا؟. روي الأول عن عطاء وإبراهيم والنخعي (¬1) وقال بعضهم جذب الرجل في الصف ظلم وممن كره ذلك مالك والأوزاعي واستقبح ذلك أحمد وإسحاق. وتمسك من رأى على المنفرد الإعادة بحديثي الباب ومن لا يرى الإعادة عليه بثلاثة أحاديث لا حجة لهم في شيء منها: الأول: حديث أنس: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سليم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا. رواه البخاري ومسلم. وكان شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري يقول: ولم يحسن من استدل به على أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة فإن هذه الصورة ليست من صور الخلاف. وقال بعض أهل العلم: إنما في حديث أنس حكم النساء إذا كنّ خلف الرجال وإلا فعليهن من إقامة الصفوف إذا كثرن ما على الرجال لعموم الأمر بذلك. الثاني: ما روي عن ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤتمًا به وحده فأدار - عليه السلام - كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، قالوا: فقد صار كل واحد منهما خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الإدارة، وهذا كالذي قبله إذ المُدار من اليسار إلى اليمين لا يسمّى مصليًا خلف الصف بيقين وإنما هو مصل عن اليمين كما هو موقفه في تلك الحالة. الثالث: حديث أبي بكرة حين ركع خلف الصف وحده فقال له رسول الله ¬

_ (¬1) كذا في النسختين، ولعل صوابه: إبراهيم النخعي.

- صلى الله عليه وسلم -: "زادك الله حرصًا ولا تعد"، ولم يأمره بإعادة الصلاة، قالوا: وقوله لأبي بكرة: (لا تعد) أي: لا تعد للتأخر عن الصلاة حتى تفوتك، وإذا جاز للرجال الركوع خلف الصف وحده وأجزأ عنه فكذلك سائر صلاته لأن الركوع ركن من أركانها فإذا جاز للمصلي أن يركع خلف الصف وحده جاز له أن يسجد وأن يتم صلاته وقد روينا الخبر بأصح إسناد عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله يصلي وقد ركع فركع ثم دخل الصف وهو راكع فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيكم دخل الصف وهو راكع"؟ فقال له أبو بكرة: أنا قال: "زادك الله حرصًا ولا تعد"، فتبين بهذا اللفظ كيف كان ركوعه وأنه لم يكن منه غير ابتداء الركوع وإنما ركع في الصف ولم يعلم ما في ابتداء الركوع على تلك الحال فلم يُؤمر بالإعادة لأن النهي عن ذلك لم يكن تقدم فيكون معنى قوله: ولا تعد أنه إن عاد لزمته الإعادة لعلمه بالنهي، وذكر المهلب أنه - عليه السلام - لم يكره ذلك منه إلا أنه مثل بنفسه في مشيه في حال الركوع وأن ذلك ليس من مشي الناس وإنما تمشى كذلك البهائم فلذلك قال: لا تعد وشكر له حرصه لأنه لم يسهل عليه المشي على تلك الحالة إلا الحرص. ولا يُعد حكم الشروع في الركوع حكم الصلاة كلها فهذا أحمد بن حنبل يرى أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة ويرى أن الركوع دون الصف جائز. واختلف السلف في الركوع دون الصف فرخص فيه زيد بن ثابت وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب وروي عن سعيد بن جبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة وابن جريج ومعمر أنهم فعلوا ذلك. وقال الزهري: إن كان قريبًا من الصف فعل وإن كان بعيدًا لم يفعل وبه قال الأوزاعي. * * *

57 - باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

57 - باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل ثنا قتيبة نا داود بن عبد الرحمن العطار (¬1) عن عمرو بن دينار عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس. قال: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم قالوا: إذا كان الرجل مع الإمام يقوم عن يمين الإمام. * الكلام عليه: حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم، وحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى به وبامرأة فجعله عن يمينه والمرأة عن خلفه. رواه مسلم. وفي الباب أيضًا عن جابر رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانتهينا إلى مشرعة فقال: "ألا تشرع يا جابر" قلت: بلى قال: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشرعت قال: ثم ذهب لحاجته ووضعت له وضوءًا قال: فجاء فتوضأ، ثم قام فصلى في ثوب واحد خالف بين طرفيه فقمت خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه. رواه مسلم. وفي لفظ للإمام أحمد فيه: فقمنا إلى جنبه عن يساره فنهاني فجعلني عن يمينه. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: القطان!

وفيه ....... (¬1)، وسيأتي في طرق حديث الباب الآتي بعده. وكان مبيت عبد الله بن عباس بن عباس تلك الليلة في بيت خالته ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم عبد الله بن عباس لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن بن بحير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية. ففيه جواز مثل ذلك من المبيت عند المحارم من الزوج وقيل: إنه تحرى وقتًا لذلك لا يكون فيه ضرر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وقت الحيض وقيل: إنه بات عندها لينظر إلى صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفيه دليل على أن للصبي موقفًا مع الإمام في الصف وإذا أخذ ما ورد في غير هذه الرواية من أن ابن عباس دخل في الصلاة بعد دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ففيه دليل على جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة. وفيه أن موقف المأموم الواحد مع الإمام عن يمينه وهو المشهور عند السلف أخذًا بهذا الحديث وما في معناه وعن سعيد بن المسيب يقوم عن يساره وعن النخعي يقوم خلفه ما بينه وبين أن يركع فإن جاء أحد وإلا قام عن يمينه، حكاه ابن المنذر رحمه الله. وفيه أن العمل اليسير في الصلاة لا يبطلها وأخذه - عليه السلام - برأسه قيل تثبيتًا للتعليم أو زيادة في التأنيس والتسكين وقيل فعل ذلك لينفي عنه العين لما أعجبه فعله ذلك. * * * ¬

_ (¬1) كلام غير واضح في هامش الأصل وعند السندي: شيء عن مرة!!

58 - باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين

58 - باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين حدثنا بندار محمد بن بشار ثنا ابن أبي عدي قال أنبأنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا. قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأنس بن مالك: قال وحديث سمرة حديث غريب. والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا: إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام. وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود وأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد تكلم بعض الناس في إسماعيل بن مسلم من قبل حفظه. " الكلام عليه: حديث ابن مسعود عند أبي داود من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال: استأذن علقمة والأسود على عبد الله، وقد كنا أطلنا القعود على بابه فخرجت الجارية فاستأذنت لهما فأذن لهما ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل. وأخرجه النسائي وفي إسناده هارون بن عنترة وقد تكلم فيه بعضهم. قال أبو عمر: هذا الحديث لا يصح رفعه والصحيح فيه عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه كذلك صلى بعلقمة والأسود، وهذا الذي أشار إليه أبو عمر فقد أخرجه مسلم في "صحيحه": أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود وهو موقوف.

وقال بعضهم: حديث ابن مسعود منسوخ لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخر هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة تركه. وأما حديث جابر فعند مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان عشيشية ودنونا من ماء من مياه العرب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يتقدمنا فيمدر الحوض فيشرب ويسقينا" قال جابر: فقمت فقلت: هذا رجل يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي رجل مع جابر" فقام جبار بن صخر فانطلقنا إلى البئر فنزعنا في الحوض سجلًا أو سجلين ثم مدرناه ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه فكان أول طالع علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ فيه ثم قمت فتوضأت من متوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه وكان هذا في غزوة تبوك. وحديث أنس الذي أشار إليه يأتي في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى. وأما حديث الباب فقد استغربه الترمذي فقط فيما وقفت عليه وذكر ابن عساكر في "الأطراف" أنه قال فيه: حسن غريب. وذكر ابن العربي أنه ضعفه، ولم نجده، إلا إن أراد بذلك تضعيف إسماعيل بن مسلم راويه، فقد يمكن (¬1). ¬

_ (¬1) كذا الأصلين.

وأخرج من إسناده إسماعيل بن مسلم. وحكى عن بعض الناس أنه تكلم فيه من قبل حفظه وهو إسماعيل بن مسلم المكي أصله بصري سكن مكة وكان فقيهًا مفتيًا، ونسب المكي لكثرة مجاورته بمكة. روى عن أبي رجاء العطاردي والحسن والزهري وعمارة بن القعقاع وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن المنكدر. روى عنه الأعمش والأوزاعي والثوري وشريك وابن المبارك وعلي بن مسهر وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف. قال البخاري: تركه ابن المبارك وربما روى عنه. وقال يحيى بن سعيد: لم يزل مختلطًا وكان يحدث بالحديث الواحد على ثلاثة أضرب. وقال أحمد بن حنبل: هو منكر الحديث. وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال يحيى بن معين: لا شيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يكتب حديثه ليس بمتروك. وقال علي بن المديني: ليس بشيء، وقال مرة: ضعيف لا يكتب حديثه أجمع أصحابنا على ترك حديثه. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال سفيان: كان يخطئ في الحديث. وقال النسائي وعلي بن الجنيد: متروك الحديث.

وقال السعدي: هو واهٍ جدًّا. وقال عمرو بن علي: كان ضعيفًا في الحديث يهم فيه وكان صدوقًا كثير الغلط يحدث عنه من لا ينظر في الرجال. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة إلا أنه ممن يكتب حديثه. وفيه مع ما ذكر من حال إسماعيل بن مسلم علتان: الأولى: ابن أبي عدي رواه عن إسماعيل بصيغة تحتمل الإجازة لقوله فيه: أنبأنا إسماعيل. الثاني: الاختلاف في سماع الحسن من سمرة فقد أنكر مطلقًا وقدح يحيى بن معين في إسناد الخبر الذي فيه قيل للحسن ممن سمعت حديث العقيقة فقال: من سمرة، ومن الناس من أثبته مطلقًا، ومنهم وهم الأكثرون من يرى روايته عنه حديث العقيقة سماعًا وما عداه كتابة. وقد رويناه من طريق الطبراني من حديث غير ابن أبي عدي عن إسماعيل قال: أنا أحمد بن علي الأبار نا عبد الرحمن بن بكر بن الربيع قال: نا محمد بن حمران عن إسماعيل بن مسلم به. محمد بن حمران قال أبو حاتم: صالح. وقال أبو زرعة: محله الصدق. فذهب التعليل بالانقطاع المحتمل بين ابن أبي عدي وإسماعيل. ورويناه أيضًا عن سمرة من غير طريق الحسن، قال الطبراني: ثنا موسى بن هارون ثنا مروان بن جعفر السمري ثنا محمد بن إبراهيم بن خُبيب بن سليمان بن سمرة ثنا جعفر بن سعد بن سمرة عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة فذكره.

وقال: أيضًا ثنا عبد الله بن أحمد نا دحيم نا يحيى بن حسان نا سليمان بن موسى ثنا جعفر بن سعد بن سمرة قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أدركنا الصلاة ونحن ثلاثة أو أكثر من ذلك أن نقدم لنا رجلًا منا فيكون إمامًا وإن كنا اثنين أن نصف جميعًا. ولفظ الذي قبله مثله. هذا إسناد لا بأس به وأقل مراتبه أن يكون حسنًا. جعفر بن سعد بن سمرة مستور الحال. روى عنه سليمان بن موسى ومحمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان وعبد الجبار بن العباس الشبامي وغيرهم. روى له أبو داود ولم نقف على جرح فيه. وخبيب وأبوه سليمان وثقهما ابن حبان. ومن عداهم فأشهر من أن يعرف بحاله في الإسناد الثاني للطبراني، وللأول متابع له يعضده فسقط بهذا أيضًا التعليل بالانقطاع المختلف فيه بين الحسن وسمرة وتبين أن متن الحديث روي من غير وجه وأن الغرابة فيه إنما تتعلق بالإسناد أو بعضه من الوجه الذي ذكره فليست مما يوثر فيه وهنًا وليس للأفراد إذا كانوا ثلاثة أن يتقدمهم أحدهم مفهوم خطاب لأنه إذا كانا اثنين أمهما أحدهما ولعله إنما خص الثلاثة بالذكر لأنه سئل عنهم والله أعلم. فيه أن موقف الرجلين مع الإمام في الصلاة خلفه وبه قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وجابر بن زيد والحسن وعطاء وإليه ذهب مالك والشافعي وغيرهما وقالت طائفة: يقف الإمام بينهما روي ذلك عن ابن مسعود وقد تقدم، وبه قال النخعي وأبو حنيفة وجماعة من فقهاء الكوفة وليس ذلك شرطًا عند

أحد منهم ولكن الخلاف في الأولى والأحسن وهذا حكمهم في الشروع، أما إذا أحرم الإمام ومعه رجل فسبيله أن يقف عن يمينه عند الجمهور كما تقدم. قال أصحابنا: ثم إن حضر آخر وقف على يساره وأحرم ثم يتقدم الإمام أو يتأخر المأمومان إن أمكن وأيهما أولى فيه وجهان: أحدهما: وبه قال القفال أن تقدمه أولى لأنه يبصر ما بين يديه فيعرف كيف يتقدم وأصحهما ولم يذكر الأكثرون سواه أن تأخرهما أولى لأن النبي - عليه السلام - أخر جابرًا وجبار بن صخر فدفعهما حتى أقامهما خلفه كما سبق وإن لم يمكن التقدم والتأخر لضيق المكان من أحد الجانبين حافظوا على الممكن هذا في القيام أما إذا لحق الثاني في التشهد أو في السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا. * * *

59 - باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء

59 - باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء حدثنا الأنصاري ثنا معن نا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مُليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلي بكم" قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله وصففت عليه أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف. قال أبو عيسى: حديث أنس حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم قالوا: إذا كان مع الإمام رجل وامرأة قام الرجل عن يمين الإمام والمرأة خلفهما وقد احتج بعض الناس بهذا الحديث في إجازة الصلاة إذا كان الرجل خلف الصف وحده، وقالوا: إن الصبي لم تكن له صلاة وكأن أنسًا كان خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده في الصف وليس الأمر على ما ذهبوا إليه لأن النبي صلى الله عليه ويلزم أقامه مع اليتيم خلفه فلولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل لليتيم صلاة لما أقام اليتيم معه ولأقامه عن يمينه. وقد روي عن موسى بن أنس إنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقامه عن يمينه وهذا الحديث دلالة أنه إنما صلى تطوعًا أراد إدخال البركة عليهم. * الكلام عليه: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. واليتيم هو ضُمَيرة بن أبي ضميرة له ولأبيه صحبة وعدادهما في أهل المدينة. قال أبو عمر في قوله جدته مليكة إن مالكًا يقوله، وعاد بقوله الجدة يعني جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فيكون الضمير على إسحاق عائدًا وهي جدته أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري وأم

أنس بن مالك وقال غير أبي عمر الضمير يعود على أنس بن مالك وهو القائل أن جدته وهي جدة أنس بن مالك أم أمه واسمها مليكة بنت مالك بن عدي والقول الأول رواه النسائي في "سننه" من طريق يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله وقال فيه: أن أم سليم سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر عبد الرزاق عن مالك عن إسحاق عن أنس: أن جدته مليكة يعني جدة إسحاق دعت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام ... الحديث، فتكون على هذا المراد جدة أبيه إذا كان الضمير عائدًا على إسحاق. وفيه مسائل: الأولى: إجابة الدعوة إلى الطعام وذلك مشروع فيما إذا كان طعام الداعي مباحًا أكله ولم يكن هناك شيء من المعاصي، والإجابة في طعام الوليمة آكد لقوله - عليه السلام - فيها: "ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله" وسيأتي الكلام على طعام الوليمة في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله. الثانية: إجابة الدعوة إلى غير الوليمة وقد ذهب مالك والثوري إلى أن إجابة الوليمة واجب دون غيرها وخالفهم في ذلك غيرهم لقوله - عليه السلام -: "ولو أهدى إليّ كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت"، رواه شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال - عليه السلام -: "أجيبوا الداعي إذا دعيتم" (¬1)، رواه أيوب السختياني وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها"، زاد عبيد الله في حديثه: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5179) ومسلم (1429). وكان في نسخة السندي فقط: شعبة عن أيوب، وزيادة شعبة خطأ.

"فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليدعُ" قال: وكان ابن عمر إذا دعي أجاب فإن كان صائمًا ترك وإن مفطرًا أكل. وقد رويناه عن أيوب بأصح إسناد وعن الزُبيدي بسند جيد أيضًا فقالا فيه: عن نافع عن ابن عمر: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره". أخبرنا بحديث أيوب أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى بن المعلم الموصلي قراءة عليه وأنا أسمع في كتاب "السنن" لأبي داود عن أبي حفص بن طبرزذ حضورًا في الخامسة أنا أبو الفتح مفلح بن أحمد بن محمد الثقفي أنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال: قرأت على أبي عمر الهاشمي أخبركم أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ثنا أبو داود نا الحسن بن علي نا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو نحوه". وبه إلى أبي داود نا ابن المصفى نا بقية نا الزبيدي عن نافع بإسناد أيوب ومعناه. وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أجيبوا الدعوة ذا دعيتم" وهذا على عمومه لم يخص فيه دعوة من دعوة، وقد رويناه عن جابر، وبه إلى أبي داود نا محمد بن كثير أنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دُعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك". وروينا عن أبي داود بالسند المتقدم إليه قال: نا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله". الحديث.

وروى الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية ولا تضربوا المسلمين". وروى أبو معمر نا عبد الوارث قال نا أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليأكل وإن كان صائمًا فليصل، يقول: فليدع. وذهب أهل الظاهر إلى إيجاب إتيان الدعوة وجوب فرض لظاهر هذه الأخبار، وحملها سائر أهل العلم على الندب للتآلف والتحاب وقال بعضهم: إنما يجب إتيان طعام القادم من سفر وطعام الختان وطعام الوليمة وهذا تخصيص لما ذكرناه من الأحاديث الثابتة من غير مخصص. وفي حديث معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وإفشاء السلام وإجابة الداعي وتشميت العاطس ونصر المظلوم وإبرار المقسم ونهانا عن الشرب في آنية الفضة وعن التختم بالذهب وعن ركوب المياثر وعن لبس القسي والحرير والإستبرق والديباج، فذكر إجابة الداعي وذكر أشياء منها ما هو فرض على الكافية ومنها ما هو سنة فكذلك إجابة الدعوة. وقيل هي فرض كفاية. الثالثة: إجابة دعوة المرأة الصالحة قال أبو عمر (¬1): والمرأة المتجالّة والمرأة الصالحة إذا دعت إلى طعام أجيبت قال: وفي قول الله عزَّ وجلَّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} كفاية. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (1/ 265).

وقال ابن العربي: وقد كرهه مالك لأهل الفضل لفساد الناس إلا في موضع يؤمن فيه ما يخاف من ضعة أو ريبة. الرابعة: فيه ما كان - عليه السلام - من التواضع، وقد قال - عليه السلام -: "إن الله خيرني بين أن أكون نبيًّا عبدًا أو نبيًّا ملكًا، فأشار لي جبريل أن تواضع فقلت: يا رب بل نبيًّا عبدًا" الحديث والآثار في ذلك كثيرة. الخامسة: قوله: (فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس)، أخذ منه أن الافتراش يطلق عليه لباس وينبني على ذلك مسألتان: الأولى: وهي: السادسة: من فوائد الحديث على ذلك لو حلف لا يلبس ثوبًا ولم تكن له نية فافترشه قال أصحابنا: لا يحنث وقال المالكيون إنه يحنث أخذًا بظاهر الحديث. الثانية: وهي: السابعة: من الفوائد إن افتراش الحرير لباس له فيحرم، على أن افتراش الحرير قد ورد فيه نص يخصه من حديث حذيفة مرفوعًا رواه البخاري، وعن قتيبة بن سعيد ثنا الفضل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين قال: قلت لعبيدة: افتراش الحرير كلبسه؟ قال: نعم. الثامنة: النضح يطلق على ما دون الغسل في الأشهر لإزالة ما يشك في نجاسته عند من يقول به لتطيب الأنفس باستعماله. قال الأخفش: كل ما وقع عليك من الماء مفرقًا فهو نضح ويكون باليد والفم أيضًا، والنضخ بالخاء المعجمة أكثر منه قال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي: منهمرتان بالماء الكثير، ومن النضخ بهذا الاعتبار ما روي عن عمر بن

الخطاب (¬1) رضي الله عنه أنه احتلم في ثوبه فقال: أغسل منه ما رأيت وأنضخ ما لم ير. ويطلق ويراد به الغسل، ومنه الحديث: "إني لأعرف أرضًا يقال لها عمان ينضخ البحر بناحيتها"، وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الطهارة مبسوطًا. ويحتمل أن يكون المراد به هنا الأول ويحتمل الثاني كما سنذكره. التاسعة: [إذا قلنا إن المراد به الغسل فقد علل بقطع الوسواس ورفع الشك]. اختلفوا فيما إذا تعارض الأصل والغالب أيهما يقدم والمختار تقديم الغالب عند الأكثرين ورجح بعض الفقهاء الشافعية العمل بالأصل وليس للفقهاء غالبًا في ذلك عمل مطّرد والأصل في ثوب المسلم وجسمه وما يفترشه الطهارة والغالب من حال الأطفال عدم الاحتراز من النجاسات، وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب ولأبي العاص بن الربيع فإذا قام رفعها وإذا سجد وضعها. قال الشافعي: وثوب أمامة ثوب صبي إشارة إلى ما يحتمل وروده عليه من النجاسات، وقد كان في البيت المذكور في هذا الحديث أبو عمير وهو صغير يطأ الحصير ويجلس عليها واحتراز الصبيان عن النجاسة بعيد فمن نظر إلى الأصل يحسن حمل النضح عنده على ما دون الغسل ومن نظر إلى الغالب فالأولى به حمله على الغسل. العاشرة: قال إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره من أصحاب مالك رحمهم الله تعالى: كانوا يقولون ذلك إنما كان لتليين الحصير لا لنجاسة فيه ويؤيد هذا أن النضح في الخبر معلل باسوداد الحصير من طول اللبس لا لنجاسة متحققة ولا ¬

_ (¬1) رواه ابن المنذر في "الأوسط" (716، 727) والطحاوي (1/ 52، 411) عن عبد الرزاق، وهذا في مصنفه (1445). وهو عند مالك في "الموطأ" (114)، وله طرق عن عمر.

مشكوك فيها وقد جاء أن الحصير كان من جريد لعله من زعف الجريد فيحتاج في تليينه وإزالة ما علق به من الغبار وإلى مرور الماء عليه وأما القاضي عياض فقال: الأظهر أنه كان للشك في نجاسته على مذهبهم في أن النجاسة المشكوك فيها يزيلها النضح من غير غسل. الحادية عشرة: فيه رد على من قال فقهاء الكوفة إن الثلاثة يتوسطهم أحدهم إذا كان إمامًا ولا يتقدمهم وقد سبق ذلك في الباب قبله. الثانية عشرة: قال بعض الفقهاء: فيه حجة على من أبطل صلاة المصلي خلف الصف وحده، واختلف مأخذهم في ذلك فذكر الترمذي أن ذلك مستفاد من وقوف أنس مع الصبي وأن الصبي لم تكن له صلاة فكأن أنسًا وحده. وقال الخطابي وغيره: ذلك مستفاد من وقوف المرأة وحدها وكلاهما ضعيف أما الأول ففي رواية إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عون وموسى بن أعين عن مالك عن إسحاق عن أنس قال: فأكلوا وأكلت معهم ثم دعا بوضوء يعني النبي عليه السلام وقال: "مُر هذا اليتيم فليتوضأ ولأصلِّ لكم" وهذا ظاهر في أن أمره عليه السلام بوضوء اليتيم إنما هو ليصلي معهم. وأما الثاني فليس فيه وقوف الرجل خلف الصف إذا كان منفردًا وإنما فيه موقف المرأة مع الرجال وأن سبيلها أن يقوم من ورائهم وهذا متفق عليه وهو بيقين غير الأول المختلف فيه. الثالثة عشرة: فيه على رواية إبراهيم بن طهمان ومن ذكر معه أمر الصبي بالصلاة لما يقتضيه الأمر بالوضوء وصلاته بعد ذلك معهم، وقد ذكر عبد الحق في ذلك حديث سبرة بن معبد: "علموا الصبي الصلاة ابن سبع" من كتاب الترمذي وحكى عنه تحسينه، ومن طريق أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،

ومن طريقه أيضًا عن امرأة معاذ بن عبد الله بن حبيب قالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن ذلك فقال: "إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة". قال: حديث سبرة أصح ما في هذا الباب انتهى. وحديث أنس هذا الذي نحن فيه أصح من حديث سبرة. الرابعة عشرة إلى الموفية عشرين: وفيه: أمر الصبي بذلك وإن كانت الصلاة نافلة. وفيه: إقامة النافلة في الجماعة. وفيه: أن الأفضل أن تكون نافلة النهار كنافلة الليل ركعتين. وفيه: الصلاة للتعليم أو لحصول البركة. وفيه: التبرك بحلول الرجل العالم والصالح في منزل القوم. وفيه: جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض قياسًا على الحصير، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من استحبابه مباشرة نفس الأرض للمصلي محمول على النواصي. وفيه: أن للصبي موقفًا من الصف وهو الصحيح المشهور من مذهبنا وبه قال جمهور العلماء: وقد روى عن عمر خلاف ذلك وأنه كان إذا رأى في الصف صبيًّا أخرجه. وعن زر بن حبيش - صلى الله عليه وسلم - وأبي وائل مثل ذلك، وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهة ذلك وأن لا يقوم مع الناس في المسجد خلف الإمام إلا من احتلم وأنبت

وبلغ خمس عشرة سنة وذكر له الأثرم حديث أنس هذا فقال: ذاك في التطوع. الحادية والعشرون: وفيه موقف المرأة في الصف خلف موقف الرجال وقد روي فيه حديث موضوع قال أبو عمر: وضعه إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن المسعودي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرأة وحدها صف". قال: وهذا لا يعرف إلا بإسماعيل. الثانية والعشرون: وفيه الترتيب وتقديم الأفضل فالأفضل في الصف وروى ابن عيينة عن الثوري عن ليث عن شهر بن حوشب عن أبي مالك الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصف الرجال ثم الصبيان خلف الرجال ثم النساء خلف الصبيان. رواه أبو داود فذكر الرجال والغلمان خلفهمك. ورواه الإمام أحمد: وزاد والنساء خلف الغلمان. قال أصحابنا: وإن حضر مع الإمام في الابتداء رجل وصبي قاما خلفه صفًّا وإن لم يحضر معه إلا الإناث صفهن خلفه الواحدة والاثنتان والثلاث فصاعدًا وإن حضر مع الإمام رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل، وإن حضرت امرأة مع رجلين أو مع رجل وصبي قام الرجلان أو الرجل والصبي خلف الإمام صفًّا وقامت المرأة خلفهما وإن كان معه رجل وامرأة وخنثى وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما لاحتمال أنه امرأة والمرأة خلف الخنثى لاحتمال أنه رجل وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الإمام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم. وعن بعض الأصحاب أنه يوقف بين كل رجلين صبي ليتعلموا منهم أفعال الصلاة، ولو حضر معهم نساء أخر صف النساء عن صف الصبيان.

الثالثة والعشرون: قال الإمام أبو سليمان الخطابي من الشافعية وغيره من المالكيين: وعلى هذا القياس إذا صلى على جماعة من الموتى فيهم رجال ونساء وصبيان وخناثى فإن الأفضل فالأفضل منهم يلي الإمام فيكون الرجال أقربهم منه ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة. الرابعة والعشرون: وكذلك إذا دفنوا في قبر واحد كان أفضلهم أقربهم إلى القبلة فيكون الرجل مقدمًا ثم الذي يليه كما ذكرنا وتكون المرأة آخرهم إلا أنه يكون بينها وبين الرجال حاجزًا من لبن أو نحوه. الخامسة والعشرون: استدل به قوم من أتباع مالك والشافعي على أن المرأة لا يجوز أن تؤم الرجال. قال الخطابي منهم: وفيه دليل على أن إمامة المرأة للرجال غير جائزة لأنها لما زحمت عن مساواتهم في مقام الصف كانت من أن تتقدمهم أبعد. السادسة والعشرون: قوله: (ثم انصرف) الأقرب أنه أراد الانصراف عن البيت ويحتمل أنه أراد الانصراف عن الصلاة، أما على رأي أبي حنيفة بناء على أن السلام لا يسمى يدخل تحت مسمى الركعتين، وأما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل الذي يستعقب السلام. السابعة والعشرون: قال أبو عمر بن عبد البر: وفي هذا الحديث صلاة الضحى وكذلك ساقه مالك رحمه الله ثم قال ثنا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام نا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: كان رجل ضخم لا يستطيع أن يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أستطيع أن أصلي معك فلو أتيت إلى منزلي وصليت

وأقتدي بك، فصنع الرجل طعامًا ثم دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونضح حصيرًا لهم فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين فقال رجل من آل الجارود لأنس: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى؟ فقال: ما رأيته صلاها إلا يومئذ. أما هذا الحديث ففيه صلاة الضحى، ولكن ألفاظه مباينة لكثير من ألفاظ حديث الباب وما أراه إلا غيره والله تعالى أعلم. * * *

60 - باب ما جاء من أحق بالإمامة

60 - باب ما جاء من أحق بالإمامة ثنا هناد نا أبو معاوية عن الأعمش، قال ونا محمود بن غيلان نا أبو معاوية وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء الزُبيدي عن أوس بن ضمعج قال: سمعت أبا مسعود الأ نصاري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنًّا ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه". قال محمود: قال ابن نمير في حديثه: أقدمهم سنًّا. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي سعيد وأنس بن مالك، ومالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة. قال: وحديث أبي مسعود حديث حسن. والعمل عليه عند أهل العلم قالوا أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة. وقالوا: صاحب النزاع أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي به، وكرهه بعضهم، وقالوا: السنة أن يصلي صاحب البيت. قال أحمد بن حنبل: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته" فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل، ولم ير بأسًا إذا أذن له أن يصلي به.

* الكلام عليه: حديث أبي مسعود هذا حسنه الترمذي كذا هو في بعض النسخ وكذا هو في "الأطراف" وفي بعض النسخ تصحيحه. وقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وإسماعيل بن رجاء الزُبيدي روى عنه الأعمش وشعبة وإدريس الأودي ومحمد بن جحادة وهاشم بن البريد ووثقه ابن معين وأبو حاتم. وذكر ابن فضيل عن الأعمش أن إسماعيل هذا كان يجمع صبيان المكاتب ويحدثهم لكيلا ينسى حديثه، روى له الجماعة إلا البخاري. وأوس بن ضمعج الحضرمي الكوفي عن سلمان الفارسي وأبي مسعود البدري وعائشة. وعنه السبيعي وابن رجاء وابنه عمران بن أوس والسدي. وقال فيه إسماعيل بن أبي خالد: كان من القراء الأُول وذكر منه فضلًا. وقال شعبة: ما أراه كان إلا شيطانًا يعني لجودة حديثه. قال شباب: مات سنة أربع وسبعين في ولاية بشر بن مروان. روى له الجماعة إلا البخاري. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم". رواه مسلم. وفي لفظ له: (سلمًا) مكان (سنًّا)، وفي لفظ لمسلم: "فلا يؤمن الرجل في بيته".

وعند أبي داود: "لا يؤمن الرجل في بيته". وعند البخاري عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". وقد أخرجه الحاكم من حديث جرير عن الأعمش فقال: "يؤم القوم أكثرهم قرآنًا فإن كانوا في القرآن واحدًا فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة واحدًا فأفقههم فقهًا فإن كانوا في الفقه واحدًا فأكبرهم سنًّا". وصححه بهذا اللفظ وذكر له شاهدًا من حديث الحجاج بن أرطاة عن الأعمش. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث زيد العمي عن قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يكره للمؤذن أن يكون إمامًا" وزيد هذا مضعف، ويرويه عنه سلام الطويل وهو أضعف منه. وحديث مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رفيقًا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم، قال الحذاء: وكانوا متقاربين في القراءة. رواه البخاري ومسلم واللفظ له زاد البخاري بعد (مروهم): "وصلوا كما رأيتموني أصلي". وليس عند البخاري قول خالد الحذاء. وحديث عمرو بن سلمة -بكسر اللام- قال: كنا بماء ممر الناس وكان يمر بنا الركبان نسألهم: ما للناس ما للناس ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحي إليه كذا، أوحي إليه كذا، وكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يُغرى في صدري

وكانت العرب تلوّم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حقًّا فقال: "صلوا في حين كذا صلاة كذا وصلوا في حين كذا صلاة كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا" فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم فاشتروا فقطعوا لي قميصًا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. أخرجه البخاري (¬1) وغيره. وفي الباب مما لم يذكره: عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم". رواه أبو داود وابن ماجه من حديث الحسين بن عيسى الحنفي عن الحكم بن أبان، والحسين هذا ضعفه الرازيان وذكر الدارقطني أنه تفرد به عن الحكم. وفيه أيضًا: عن ابن عمر أنه لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنًا. رواه البخاري (¬2) وأبو داود وزاد: وفيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم إلى الله عزَّ وجلَّ" رواه الدارقطني (¬3) من طريق سلام بن سليمان عن عمر عن محمد ¬

_ (¬1) رواه في "صحيحه" (4302)، وعند يقر، بالقاف وفي "السنن الكبير" للبيهقي (3/ 49): يغري، زاد الطبراني (6349): يغرى ... بغراء. (¬2) في "صحيحه" (692)، وهو عند أبي داود (588) بالزيادة، وصححه الألباني. (¬3) في "السنن" (2/ 87)، وذكره في (2/ 88) من حديث مرثد الغنوي، وقال: إسناد غير ثابت، وعبد الله بن موسى ضعيف. وانظر "الضعيفة" (1822، 1823).

ابن واسع عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، ثم قال: عمر عندي عمر بن يزيد قاضي المدائن لم يزد على هذا، وعمر بن يزيد المدايني قال فيه ابن عدي: منكر الحديث. وسلام بن سليمان مديني ليس بقوي، وهو عنده عن الحسين بن نصر المؤذن عن سلام والحسين لا يعرف. وذكر العقيلي (¬1) من حديث الهيثم بن عُقاب عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أمّ قومًا وفيهم من هو أقرأ منه لكتاب الله لم يزل في سفال إلى يوم القيامة". وقال: الهيثم بن عُقاب كوفي مجهول وحديثه غير محفوظ وفي إسناده أيضًا عنده علي بن يزيد الصدائي، قال أبو حاتم الرازي فيه: منكر الحديث عن الثقات، وقال ابن عدي (¬2): لا تشبه أحاديثه أحاديث الثقات، إما أن يأتي بإسناد لا يتابع عليه أو بمتن عن الثقات منكر أو يروي عن مجهول وعامة ما يرويه مما لا يتابع عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال: "إن سرّكم أن تزكوا صلاتكم فقدّموا أخياركم". قال: في إسناده أبو الوليد خالد بن إسماعيل المخزومي وهو ضعيف. انتهى. وذكر أبو أحمد أن أبا الوليد هذا كان يضع الأحاديث على ثقات المسلمين، والحديث عند الدراقطني من رواية العلاء بن سالم عنه، والعلاء مجهول. وذكر الدراقطني من حديث العلاء بن سالم وأبو أحمد من حديث محمد بن المغيرة الشهرزوري كلاهما عن خالد بن إسماعيل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا وراء من ¬

_ (¬1) "الضعفاء" (4/ 355)، وانظر "الضعيفة" (1415). (¬2) "الكامل" (5/ 212).

قال لا إله إلا الله". في إسناده خالد بن إسماعيل عندهما والعلاء بن سالم وقد تقدما، ومحمد بن المغيرة عند أبي أحمد وذكر عنه أنه ممن يسرق الحديث وممن يضعه. وذكر أبو محمد بن حزم في كتاب الإغراب (¬1) غير موصل من حديث محمد بن الفضل بن عطية عن صالح بن حيان عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤمكم أقرؤكم وإن كان ولد زنا". محمد بن الفضل بن عطية كذاب متروك. وذكر أبو بكر البزار عن مهاصر بن حبيب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم، وإذا أمّكم فهو أميركم". قال أبو بكر البزار: نا محمد بن حميد القطّان الجنديسابوري نا عبد الله بن رشيد نا محمد بن الزبرقان نا ثور بن يزيد عن مهاصر فذكره، قال: لا نعلمه يروي عن النبي - عليه السلام - إلا من رواية أبي هريرة بهذا الإسناد. قال أبو محمد عبد الحق: مهاصر بن حبيب لا بأس به، وعبد الله بن رشيد لم أسمع فيه شيئًا وكتبته حتى أسأل عنه أو أجد ذكره وكذلك محمد بن حميد (¬2). وذكر الدارقطني من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا له وأطيعوا ما وافق الحق وصلوا ¬

_ (¬1) كذا، ولعل صوابه: الإعراب ... (¬2) رواه البزار (466، 1471 - الكشف) وقد حسنه الهيثمي (2/ 64) ولكنه عاد وجهل بعض رواته (5/ 255) وضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة" (2623) جدًّا، وصوب الدارقطني إرساله، انظر "العلل" (9/ 326).

وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساء فلكم وعليهم" في إسناده عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو ضعيف جدًّا. وفيه تقديم أقرأ الرجلين على أفقههما في الإمامة وبه قال الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحابهما. وقال الشافعي ومالك وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه. قالوا: ولهذا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه - صلى الله عليه وسلم - نص على أن غيره أقرأ منه وذكروا حديث أبي في القراءة وفيه نظر، لأنه لا ذكر لأبي بكر في ذلك الحديث وقد ذكر فيه الأقضى والأعلم بالحلال والحرام. وإلى تقديم الأفقه ذهب عطاء والأوزاعي وأبو ثور، وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لكن قوله: "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا. ولنا وجه اختاره جماعة من الأصحاب أن الأورع مقدم على الأفقه والأقرأ، لأن مقصود الإمامة تحصل من الأورع أكثر من غيره. وقوله: (فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) فيه مراعاة الترتيب بتقديم الأقرأ ثم الأفقه ثم الأقدم هجرة وتضمن ذلك أن أمر الهجرة محكم غير منسوخ، وإليه ذهب الجمهور. ومن قال بالنسخ تمسك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" الحديث، وهو محمول عند الأكثرين على أن المراد لا هجرة من مكة إلى المدينة، لأن مكة صارت دار إسلام فنسخ حكم الهجرة منها إلى المدينة كما كان قبل فتحها، أو

لا هجرة لها الآن فضل كفضل الهجرة قبل الفتح. قال الأصحاب: ويدخل تحت قوله: "أقدمهم هجرة" طائفتان: أحدهما: الذين يهاجرون اليوم من دار الحرب إلى دار الإسلام، فإن حكم الهجرة باق كما تقدم. الثانية: أولاد المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة وأحدهما من أولاد من تقدمت هجرته والآخر من ذرية من تأخرت هجرته قدم الأول. وقوله: "فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنًّا" وفي لفظ لمسلم: "فأقدمهم سلمًا" فيه الترجيح بتقدم الإسلام أو كبر السن بعد الاستواء في القراءة والفقه والهجرة والمعتبر في السن عندهم قدم مدته في الإسلام، فلا يقدم شيخ أسلم الأن على شاب نشأ في الإسلام ولا على شاب أسلم أمس، وهذا الحديث أصل في الترجيح بالفضائل في هذا الباب، وقد ذكر العلماء فيه الترجيح بالنسب ولا خلاف عندنا أن نسب قريش معتبر، وهل يعتبر غيره؟ قال صاحب "النهاية": رأيت في كلام الأئمة ترددًا فيه والظاهرأنه لا يخص قريشًا بل يعتبر ما يعتبر في الكفاءة في باب النكاح، ثم مع التساوي في ذلك كله يقدم بنظافة الثوب والبدن ثم بحسن الصوت ثم بحسن الصورة وما أشبه ذلك. وقد روي عن الزهري في هذا الحديث: "فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجهًا ... " الحديث. ويستثنى من ذلك السلطان وصاحب البيت بالنص فلا يؤم ذا السلطان ولا صاحب البيت الأقرأ منهما ولا الأفقه ولا من كان مشتملًا على المرجحات المذكورات أكثر من اشتمال السلطان وصاحب البيت عليها، وألحق بذلك إمام المسجد وما في معناه، ولا بد في ذلك كله من المعرفة بما يقيم الصلاة.

قال الخطابي في إمامة صاحب البيت: معناه إذا كان من القراءة والعلم بحيث يمكنه أن يقيم الصلاة. فإن شاء أحد هؤلاء تقدم أو قدم من يريده ..... وإن كان ذلك المقدّم مفضولًا بالنسبة إلى باقي الحاضرين، وإن حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب المنزل وإمام المسجد وغيرهما، ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة، فالإمام الأعظم أولى من غيره ثم الأعلى فالأعلى من الولاة والحكام. قال الترمذي: وقال بعضهم: إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي به وكرهه بعضهم. والمعروف عندنا في ذلك الاستحباب من (¬1) أصحاب الشافعي ومالك قالوا: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. وذكر ابن شاس قال: وقد قال مالك: صاحب الدار أحق بالإمامة وإن كان عبدًا ولو كانت الدار لامرأة لم يبطل حقها بل لها أن تستخلف من يؤم. ويستحب لها أن تستخلف أحق القوم بالإمامة. وذكر أبو عيسى عن الإمام أحمد: فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل يعني في الجلوس على التكرمة وفي الإمامة. وقد اختلف العلماء في الضمير والوصف والاستثناء يتعقب الجمل هل يختص الجملة الأخيرة أو يعود عليها وعلى ما قبلها، وإلى الثاني نحا الإمام أحمد هنا وحكى الترمذي عن إسحاق أنه شدد في أن يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له صاحب المنزل وسيأتي في باب ما جاء فيمن زار قومًا لا يصلي بهم إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في الأصل: عن.

وذهب الخطابي إلى (¬1) تقديم السلطان في الإمامة على من هو أفضل منه لأن (1) الإمامة هناك يراد بها الإمامة في الجُمع والأعياد لتعلقها بالسلاطين فأما في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم وهو مذهب مرجوح. وقد تقدم الأمراء من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما بعد ذلك على من تحت أيديهم وإن كان فيهم الأفضل وقد كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج. وأما القوم فيطلق على الرجال، قال الله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} الآية فعطف النساء على القوم والعطف يقتضي المغايرة وقال الشاعر: وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء وقال الزبيدي في "مختصر العين": القوم الرجال دون النساء وذلك لأنهم القائمون بالأمور. ففيه إمامة الرجال الرجال والرد على من ذهب إلى أن المرأة تؤم الرجال ويحكي عن محمد بن جرير الطبري. والشافعي يوجب الإعادة على من صلى من الرجال خلف المرأة، وقال أبو ثور: لا إعادة عليهم، وهو قياس قول المزني. وقال أصحاب مالك رحمهم الله: فإن اجتمع من تساوت أحوالهم في جميع ما ذكرنا أو بعضه وتشاحّوا أقرع بينهم إذا كان مقصدهم حيازة فضل الإمامة لا طلب الرياسة الدنيوية، وجميع ما تقدم من مسائل هذا الباب فليس الترتيب فيه على سبيل الإجزاء والكمال وإنما هو على سبيل الأولوية إلا من ذكرنا من إمامة المرأة، فإنها لا تؤم عندنا إلا النساء مثلها. * * * ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: في ... أن.

61 - باب ما جاء إذا أم أحدكم الناس فليخفف

61 - باب ما جاء إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف ثنا قتيبة ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أَمَّ أحدكم النّاس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصلي كيف شاء". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن أبي العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض. وأبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المديني ويكنى أبا داود. حدثنا قتيبة نا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخف الناس صلاة في تمام. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث أبي هريرة هذا متفق عليه. وحديث عدي بن حاتم قال ابن أبي شيبة في "مسنده": نا زيد بن الحباب عن يحيى بن الوليد بن الميسر قال: أخبرني محل عن عدي بن حاتم قال:

من أمنا (¬1) فليتم الركوع والسجود فإن فينا الضعيف والكبير والمريض والعابر سبيل وذو الحاجة، وكذا كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يحيى بن الوليد؛ قال النسائي: ليس به بأس. ومحل، سمع عدي بن حاتم (¬2) ..... ، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وأخرج له البخاري. وحديث أنس، روى ابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجز ويتم الصلاة. رواه عن أحمد بن عبدة وحميد بن مسعدة قالا: أنا حماد بن زيد عنه رواه مسلم في "صحيحه"، ورواه البخاري عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجز الصلاة ويكملها، وفي رواية: يوجز الصلاة ويتم. وروى الإمام أحمد عن أنس قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله، فدخل المسجد مع القوم، فلما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال: إنه لمنافق يعجل عن الصلاة من أجل سقي نخله، قال: فجاء حرام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله إني أردت أن أسقي نخلًا فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلمّا طوّل تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: "أفتّان أنت، لا تطول بهم اقرأ بسبح اسم ¬

_ (¬1) صورته في نسخة السندي: أومى! وليس واضحة في تصوير الأصل، والحديث رواه ابن أبي شيبة (4663) وعنه أحمد وابنه (4/ 257). قال الهيثمي (2/ 71): رجاله ثقات. (¬2) في نسخة السندي: سمع أبي بن حاتم، وهو خطأ لا معنى له. وعدي جده كما في "التهذيب".

ربك الأعلى، والشمس وضحاها ونحوهما". وحديث جابر بن سمرة قال الطبراني نا معاذ بن المثنى نا مسدد وحدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي نا أبو الوليد الطيالسي قالا: نا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصلوات نحوًا من صلاتكم ويؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئًا وكان يخف الصلاة. وذكر عن محمود بن علي الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود نا قيس عن سماك عن جابر حديثًا ثم قال عطفًا عليه: وعن سماك يعني بهذا الإسناد، قال: قلت لجابر بن سمرة: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا (¬1). وذكر عبد الرزاق في "مصنفه": أنا إسرائيل عن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ولكن كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم كان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور. وحديث مالك بن عبد الله وهو الخزاعي روينا عن الطبراني (¬2) قال: ثنا محمد بن الحسن كيسان المصيصي ثنا معلي بن أسد العمي. وحدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال نا عفان ونا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال نا عبد الرحمن بن المبارك العيشي قالوا نا عبد الواحد بن زياد عن منصور بن حيان عن سليمان الخزاعي عن خاله مالك بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما صليت خلف إمام قوم أخف صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رسمت في السندي: قسطًا، والحديث رواه مسلم (866)!! (¬2) في "المعجم الكبير" (19/ 651) التالي برقم (652)، ورواه الإمام أحمد (5/ 226) وابن أبي عاصم في "الآحاد" (2311، 2771)، وقال الهيثمي (2/ 70): رجاله ثقات.

حدثنا عبيد بن غنام قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة قال نا مروان بن معاوية عن منصور بن حيان قال نا سليمان بن بُسر الخزاعي عن خاله مالك بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم أصل خلف إمام كان أخف صلاة في المكتوبة منه. منصور بن حيان وثقه ابن معين والكوفي (¬1) وغيرهما وسليمان بن .......... (¬2). وحديث أبي واقد الليثي واسمه الحارث بن عوف ويقال الحارث بن مالك ويقال عوف بن مالك ويقال الحارث بن عوف، روى الطبراني من حديث عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن نافع بن سرجس قال: عُدنا أبا واقد البكري في وجعه الذي مات فيه فسمعته يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه. قال نا الدبري أنا عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، تابع ابن جريج على روايته عن ابن خثيم زائدة وداود بن عبد الرحمن العطار وإسماعيل بن عياش ووهيب وكلها عند الطبراني بأسانيد جيدة، وفي بعضها: كان من أخف الناس صلاة للناس وفي بعضها: بالناس. ابن خثيم روى له مسلم ووثقه ابن معين والعجلي. ونافع بن سرجس سمئل عنه أحمد بن حنبل فقال: لا أعلم إلا خيرًا. ¬

_ (¬1) كذا. وقد ذكر المزي في ترجمته توثيق العجلي والنسائي له أيضًا. وأن أبا حاتم الرازي قال: كان من أثبت الناس، وحمده أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له مسلم. (¬2) كذا بياض في الأصول. وسليمان بن بسر، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وانظر "تعجيل المنفعة".

وحديث عثمان بن أبي العاص الثقفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أمّ قومك" قال: قلت يا رسول الله: إني أجد في نفسي شيئًا. قال: "ادنه". فأجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي ثم قال: "تحول" فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال: "أمّ قومك، فمن أَمّ قومًا فليخف، فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة، فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء". رواه مسلم. وفي رواية: "فإذا أممت قومًا فأخف بهم الصلاة". وفي رواية عن عثمان عند مسلم: آخر ما عهد إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أممت قومًا فأخف بهم الصلاة". وحديث أبي مسعود أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال: "أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية للبخاري: "فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة". وحديث جابر بن عبد الله قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة والنساء، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذ نال منه فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكى إليه معاذًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفتان أنت أو أفاتن أنت ثلاث مرار، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة"، رواه البخاري وهذا لفظه ومسلم. وحديث ابن عباس ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" قال: نا وكيع عن

سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العُرني عن ابن عباس قال: ما أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ ولكنا نقرأ. الحسن بن عبد الله العُرني هذا وثقه أبو زرعة وابن معين إلا أن ابن معين قال: يقال لم يسمع من ابن عباس، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه وروى له البخاري مقرونًا بغيره. وفي الباب مما لم يذكره حديث حزم بن أبي كعب الأنصاري عند أبي داود عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حبيب قال سمعت عبد الرحمن بن جابر عن حزم بن أبي كعب الأنصاري: أنه أتى معاذًا بن جبل وهو يصلي بقوم صلاة المغرب، وفي هذا الخبر قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ لا تكن فتّانًا، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر". طالب بن حبيب هذا يعرف بالضجيعي كان جده ضجيع حمزة بن عبد المطلب أنصاري مدني، سمع عبد الرحمن ومحمدًا ابني جابر، روى عنه موسى بن إسماعيل وأبو داود الطيالسي. قال البخاري: فيه نظر، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وفيه عند الإمام أحمد (¬1) من طريق عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سُليم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا (¬2) بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فيُنادي بالصلاة، فنخرج إليه فيُطول علينا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ بن جبل ¬

_ (¬1) في "المسند" (5/ 74). قال الهيثمي (2/ 72): ومعاذ بن رفاعة لم يدرك الرجل الذي من بني سلمة لأنه استشهد بأحد، ومعاذ تابعي. قال الحافظ في "تعجيل المنفعة": صورته مرسل. (¬2) في الأصل المخطوطة: يمايتنا. والمثبت من المصادر المطبوعة.

لا تكن فتّانًا، إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك". أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع، لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أدرك هذا الذي شكا إلى رسول الله لأن هذا الشاكي قتل يوم أحد. وفيه عن بريدة قال: إن معاذ صلى بأصحابه صلاة العشاء، فقرأ فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولًا شديدًا، فأتى الرجل النبي فاعتذر إليه، فقال: إني كنت أعمل في نخلي وخفت على الماء فقال رسول الله: "صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور". رواه الإمام أحمد (¬1)، قال الحافظ ضياء الدين المقدسي: وهذا يدل على أن قصة معاذ كانت غير واحدة. وفيه عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات. رواه النسائي. وفيه حديث أبي قتادة عن النبي - عليه السلام - قال: "إني لأدخل في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه". رواه البخاري. في هذه الأحاديث مسائل: الأولى: أمر الأئمة بالتخفيف، وترك التطويل لعلل قد بانت في قوله عليه السلام: "فإن فيهم السقيم والكبير وذا الحاجة". قال أبو عمر: التخفيف لكل إمام أمر مجتمع عليه مندوب عند العلماء إليه، ¬

_ (¬1) "المسند" (5/ 355)، قال الهيثمي (2/ 119): رجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده الشوكاني في "النيل" (3/ 177).

إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال وأما الحذف والنقصان فلا، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلًا يصلي ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده"، وقال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة في تمام. ورأى حذيفة رجلًا يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما انصرف دعاه فقال: مذ كم صليت هذه الصلاة؟ قال: صليتها منذ كذا وكذا، قال: فقال حذيفة: ما صليت أو قال: ما صليت لله قال: وأحسبه قال: وإن متَّ متّ على غير سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الشافعي: أقل ما يجزئ من عمل الصلاة أن يحرم ويقرأ بأم القرآن إن أحسنها ويركع حتى يطمئن راكعًا ويرفع حتى يعتدل قائمًا ويسجد حتى يطمئن ساجدًا على الجبهة، ثم يرفع حتى يعتدل جالسًا ثم يسجد الأخرى كما وصفت ثم يقوم بفعل ذلك في كل ركعة ويجلس في الرابعة ويتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسلم تسليمة يقول السلام عليكم، فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته، وقد ضيع حظ نفسه فيما ترك. قال أبو عمر: وأقل ما يجزئ من القراءة فاتحة الكتاب بقراءة تفهم حروفها. وقال ابن القاسم عن مالك: في الركوع إذا أمكن يديه من ركبتيه وإن لم يسبح فهو مجزئ عنه وكان لا يوقت تسبيحًا. قال أبو عمر: لا أعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب التخفيف لكل من أمّ قومًا على ما شرطنا من الإتمام بأقل ما يجزئ والفريضة والنافلة إذا صليت جماعة عند جميعهم في ذلك سواء إلا ما جاء في صلاة الكسوف على سنتها. وقد روي عن عمر بن الخطاب ضي الله عنه أنه قال: لا تبغِّضوا الله إلى عباده يطوّل أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه.

الثانية: أنه إذا أحس الإمام بداخلٍ إلى الصلاة وهو راكع استحب له أن ينتظره، وهي مسألة اختلف فيها، قال الخطابي: كان له أن ينتظره راكعًا ليدرك فضيلة الركعة في الجماعة، لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة إنسان في بعض أمور الدنيا كان له أن يزيد فيها لعبادة الله بل هو أحق بذلك وأولى وقال بعض المالكية: لا دليل فيه نظرًا إلى أن الاختصار والحذف من الصلاة أحق من الزيادة فيها والانتظار زيادة وعمل. الثالثة: قوله: (وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) في الأركان التي يستحب فيها الإطالة من القيام والركوع والسجود والتشهد دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي. الرابعة: وفيه جواز التأخير عن صلاة الجماعة إذا علم من حال الإمام التطويل الكثير قاله النووي، وفيه نظر، لأن الجواز الذي أشار إليه إنما يؤخذ عنده من إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقر - عليه السلام - ذلك، بل أنكر على الإمام ذلك وغضب أشد الغضب وإنكاره على الإمام إنما هو لما أضاعه من حق المأموم ومن تأخره عن الجماعة، ففيه تأكد طلبية الجماعة ثم التنبيه على فضلها. الخامسة: وفيه جواز ذكر الإنسان بمثل هذا في معرض الشكوى والاستفتاء. السادسة: فإن قيل الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا وقد تضمن الحديث التنبيه على علة الحكم بالأعذار المذكورة من الضعف والمرض وغيرهما، فينبغي إذا انتفت العلة أن ينتفي المعلول وإذا علم الإمام من أحوال المأمومين طلب الإطالة والقدرة عليها حرصًا على الخير أن يطيل، فالجواب من وجهين: الأول: أن الأحكام تناط بالغالب ولا تتبع الصور النادرة كقصر الصلاة في السفر معللًا بالمشقة وإن كان في المسافرين من لا مشقة عليه لكن الغالب المشقة

فاطرد اعتبارها. الثاني: أنه لا يؤمن من دخل في الصلاة مريدًا لإطالتها متمكنًا من ذلك أن يحدث عليه وهو في الصلاة ما يحول بينه وبين تلك الإرادة والتمكن من عارض حاجة أو آفة حدث بول وما أشبه ذلك، ولذلك فرق بين الإمام والمصلي لنفسه، فإن المصلي لنفسه يعلم من أحوال نفسه في الشروع والاستمرار ما لا يمكنه أن يعلمه من أحوال غيره، فكان التخفيف هو المطلوب مطلقًا لمن أمّ الناس علم قوتهم أو لم يعلم. وقد نقل عن بعض الفقهاء أن الإمام إذا علم من المأمومين إيثار التطويل طول كما لو اجتمع قوم لقيام الليل، فإن ذلك وإن شق عليهم فقد آثروه ودخلوا عليه نظرًا إلى انتفاء العلة والأول أولى. السابعة: تضمن الحديث تخفيف الإمام وإطالة المصلي لنفسه ما شاء من غير تحديد في الأول ولا الثاني، ويمكن أن يقال في تحديد الأول مع ما سبق من أنه لا ينقص عن أقل الكمال ما رويناه بالأسانيد الصحيحة من طريق أبي داود والنسائي من حديث حماد بن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبي العلاء مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله: اجعلني إمام قومي قال: "أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الأذان أجرًا". فهذا حد حسن للتخفيف وهو أن ينظر إلى ما يحتمله أضعف من خلفه فيصلي على حسبه. وأما حد إطالة المصلي لنفسه فما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي الصلاة التي هو فيها لقوله - عليه السلام -: "إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى" فالإطالة في صلاة حتى ينتهي وقتها ويدخل وقت التي تليها وينتهي؛ مُوقع في التفريط فهو حرص على خير على زعم فاعله شغل عما هو خير منه من أداء فرض

الثانية في وقتها فلا خير فيه. الثامنة: فيه الرد على من زعم أن صلاة الجماعة فرض عين كما سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى. لأنه - عليه السلام - أنكر على معاذ الإطالة ولم ينكر على الرجل الذي فارق الجماعة وصلى وحده فعله ذلك كما تقدم في حديث بريدة، ونحو من ذلك حديث حزم بن أبي كعب ولو كانت الجماعة فرض عين لما أقرَّ - عليه السلام - المنفرد على انفراده ولكان أجدر بالإنكار عليه. التاسعة: في حديث عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي، قيل يخشى الكبر والإعجاب لتقدمه بالناس إمامًا، وقيل يريد الوسواس وأي ذلك كان فقد أذهبه الله تعالى ببركة كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. العاشرة: في حديث أبي مسعود: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ، فيه الغضب في الموعظة، قال شيخنا القشيري رحمه الله تعالى: وذلك إما لمخالفة الموعوظ لما علمه وإما للتقصير في تعلمه. قوله رحمه الله: لمخالفة الموعوظ لما علمه، يتوقف على تقدم الموعظة بذلك وعلم الموعوظ له بها، ونحوه التقصير في التعلم أيضًا إلا أن يكون ذلك مستفادًا من أمر عام من طلب الرفق بالمسلم أو ما أشبه إن كان ذلك قد كان وقع، وأقرب من ذلك أن يكون ما ظهر من صورة الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه رضي الله عنهم وأن يكونوا من سماعه وتلقيه منه - عليه السلام - على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله ثانيًا. الحادية عشرة: قوله: "أفتّان أنت أو فاتن أنت" الأولى أن يكون الشك من الراوي لا من باب الرواية بالمعنى كما زعم بعضهم لما تحلت به صيغة فعّال من

المبالغة التي خلت منها صيغة فاعل. الثانية عشرة: في حديث الباب من الأعذار المقتضية للتخفيف والصغر والكبر والضعف والمرض وهي جارية مجرى الأمثال لا تخص ما ذكر بل يأتي عليه وعلى من في معناه، ففي حديث عدي بن حاتم: والعابر سبيل، وفي حديث حزم بن أبي كعب: والمسافر، وفي حديث أنس: أن حرامًا كان يريد أن يسقي نخله، وفي حديث سُليم: نكون في أعمالنا بالنهار، وفي حديث أبي مسعود: وذا الحاجة، وهذا كله يوضح ما ذكرناه. الثالثة عشرة: في حديث أبي قتادة: (فأسمع بكاء الصبي ...) الحديث، فيه ما كان - عليه السلام - عليه من الرفق بأمته والرأفة بهم ومراعاة مصالحهم وتقديم حظهم من ذلك على حظ نفسه لإيثاره التخفيف عند سماعه بكاء الصبي بعد أن شرع مريدًا للإطالة التي فيها حظه - صلى الله عليه وسلم -. الرابعة عشرة: فيه أن من شرع مريدًا للإطالة ثم عرض له ما يقتضي التخفيف أن التخفيف له جائز وإذا جاز هذا في مثل هذا الأمر القريب من بكاء الصبي فلأن يكون حين دعاء الحاجة إليه أقوى أولى. الخامسة عشرة: فيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المساجد. وقد ثبت فيه: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" رواه البخاري ومسلم وقد روى أبو داود عن ابن مسعود عن النبي قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". السادسة عشرة: فيه جواز إدخال الصبيان إلى المساجد مع أن الصبي لا يؤمن منه الحدث، وقد روى ابن مسعود عن النبي - عليه السلام -: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" حكاه عبد الحق عن البزار، وفيه أيضًا من حديث مكحول

عن واثلة وأبي الدرداء وأبي أمامة قالوا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" الحديث ولا يثبت شيء من ذلك وزعم ابن القطان أن الأول ليس في "مسند البزار" قال: وقد يكون عنده في غير مسنده. فأمّا حديث مكحول فعند ابن عدي وفيه العلاء بن كثير الدمشقي وفي الأول موسى بن عمر وكلاهما ضعيف جدًّا. * * *

62 - باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها

62 - باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها ثنا سفيان بن وكيع ثنا محمد بن الفضيل عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لا يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها". قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وعائشة. قال: وحديث علي في هذا أجود إسنادًا وأصح من حديث أبي سعيد وقد كتبناه في أول كتاب الوضوء. والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق أن تحريم الصلاة التكبير، ولا يكون الرجل داخلًا في الصلاة إلا بالتكبير قال: سمعت أبا بكر محمد بن أبان مستملي وكيع يقول: سمعت عبد الرحمن يقول: لو افتتح رجل الصلاة بسبعين اسم من أسماء الله ولم يكبّر لم تجزه، وإن أحدث قبل أن يسلم أمرتُه أن يتوضأ ثم يرجع إلى مكانه فيسلم، إنما الأمر على وجهه. قال: أبو نضرة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة. * الكلام عليه: حديث الباب رواه ابن ماجه في الطهارة عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر وعن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي معاوية الضرير كلاهما عن أبي سفيان به. وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" وقال: في كل ركعة ورأيته في "مسند بقي بن مخلد" عن أبي بكر عن محمد بن فضيل به وزاد فيه: في كل

ركعتين تسليمة ولا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة. قال ونا يحيى نا أبو معاوية. سكت الترمذي عن هذا الحديث فلم يقل فيه أكثر من ترجيح حديث علي في الباب عليه، وحديث علي الذي أشار إليه عنده من رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية. وابن عقيل مختلف فيه وقد تقدم في كتاب الطهارة الكلام على هذا الحديث وما يستحقه من إطلاق اسم الضعيف عليه وذكر عبد الحق هذا الحديث في أحكامه وقال: وهذا لا يصح لأن في إسناده أبا سفيان طريف بن شهاب. وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج" رواه عن هشام شبيب بن شيبة الخطيب وليس بثقة، قاله يحيى بن معين. وقال فيه أبو حاتم: ليس بقوي. وقد زاد في هذا الحديث: "وآيتين" ورواه عمر بن يزيد المدايني عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدًا" وهذا غير محفوظ وعمر بن يزيد منكر الحديث. وحديث عائشة رضي الله عنها الذي أشار إليه هو قولها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. الحديث، وآخره: وكان يختم الصلاة بالتسليم. أخرجه مسلم وغيره وليس داخلًا فيما رجح الترمذي عليه حديث علي من حيث الصحة، فإن حديث علي هو أصح من حديث أبي سعيد -من رواية ابن عقيل وحديث أبي سعيد كما ذكر من ضَعْفِه وإنما مراده ترجيح حديث علي على حديث أبي سعيد فقط. وقال في كتاب الطهارة في حديث علي: إنه أصح شيء في هذا الباب

وأحسن فأطلق القول، ولم يقل هناك: وفي الباب عن عائشة، وأما هنا فأشار إلى حديث عائشة فلذلك قال: وحديث علي أصح من حديث أبي سعيد ولم يطلق القول بأن حديث علي أصح شيء في الباب. وذكر أبا نضرة واسمه ونسبته وهو المنذر بن مالك بن قطعة العوَقي بفتح الواو والقاف والعوقة بطن من عبد القيس أبو نضرة العبدي البصري أدرك طلحة بن عبيد الله وسمع عبد الله بن عباس وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عامر وأبا ذر الغفاري وأبا سعيد الخدري وسمرة بن جندب وأنس بن مالك وعامر بن عبد الله وأسير بن جابر وقيس بن عباد. روى عنه حميد الطويل وقتادة وعبد الرحمن بن شماسة وداود بن أبي هند وأبو مسلمة سعيد بن يزيد وأبو قزعة سويد بن حُجَيْر وأبو الأشهب جعفر بن حيان ويحيى بن أبي كثير وسليمان التيمي والقاسم بن الفضل الحدّائي وسعيد بن إياس الجريري وكهمس بن الحسن وعاصم الأحول والمستمر بن الريان وأبو عقيل الدورقي. وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة، وقال أحمد: ما علمت إلا خيرًا. وقال أبو حاتم: هو أحب إليّ من عطية، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وليس كل أحد يحتج به. قيل: مات قبل الحسن بقليل. روى له الجماعة إلا البخاري وقد تقدم من مسائل هذا الباب في كتاب الطهارة ما يغني عن الإعادة هاهنا. * * *

63 - باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير

63 - باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير ثنا قتيبة وأبو سعيد الأشج قالا نا يحيى بن اليمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة نشر أصابعه. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة قد روى هذا الحديث غير واحد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا، وهذا أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ يحيى بن اليمان في هذا الحديث. قال: وثنا عبد الله بن عبد الرحمن أنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا. قال عبد الله: وهذ أصح من حديث يحيى بن اليمان وحديث يحيى بن اليمان خطأ. * الكلام عليه من وجوه: الأول: من حيث إسناده: حديث يحيى بن يمان هذا انفرد الترمذي بإخراجه من بين أصحاب الكتب الستة، وإنما أخرجه كذلك لينبه على خطئه عنده. ثم ذكر الصواب بعده من حديث عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وقد أخرجه أبو داود والنسائي كذلك على الصواب من حديث يحيى القطان عن ابن أبي ذئب، وأبو داود عن مسدد والنسائي عن عمرو بن علي كلاهما عن يحيى عن ابن أبي ذئب به.

وقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن الطاهري رحمه الله أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر عن العتابي سماعًا عليه أنا أبو الوقت أنا أبو الحسن الداودي أنا أبو محمد بن حمّويه أنا عمران عيسى بن العباس السمرقندي أنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن أنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقوم إلى الصلاة إلا رفع يديه مدًّا. وهذا إسناد آخر، فإنه في الكتب التي تقدم ذكرها من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة، وهو هنا عند الدارمي الذي أخرجه عنه الترمذي بهذا الإسناد، فمن الجائز أن يكون عند عبيد الله الحنفي فيه إسنادان قد رواه عنه بهما الدارمي أو يكون حديث سعيد بن سمعان صوابًا والثاني وهمًا لأن يحيى أثبت من عبيد الله بن عبد المجيد، أو يكون عيسى بن العباس السمرقندي وهم على أبي محمد الدارمي إذ الخلف فيه بينه وبين الترمذي على الدارمي والله أعلم. وأما حديث يحيى بن يمان فقد قال ابن أبي حاتم فيما روى في "العلل" عن أبيه: سمعت أبي وذكر حديث يحيى بن يمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة نشر أصابعه نشرًا. قال أبي: وهم يحيى، إنما أراد كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب. وقد روى البيهقي من حديث أبي عامر العقدي عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال: دخل علينا أبي هريرة مسجد بني زريق فقال: ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل بهن تركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر

بيده، ولم يفرج بين أصابعه، ولم يضمهما. وفيه أيضًا مع ما نقل عن يحيى بن يمان سعيد بن سمعان وقد ضعفه الأزدي وذكر الخلال عن أبي داود: سمعت أحمد سئل عنه: أهو خطأ؟ قال: لا أدري. وسئل: أروى عن سعيد بن سمعان غير ابن أبي ذئب؟ قال: لا أدري. وقد أخرج ابن خزيمة في "صحيحه" حديث يحيى من هذا الوجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينشر أصابعه في الصلاة نشرًا. الوجه الثاني: في شيء من مفردات ألفاظه: الأولى: لفظة (كان)، قال الراغب هو عبارة عما مضى من الزمان وفي كثير من وصف الله تنبيء عن معنى الأزلية، قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}، وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقًا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه، نحو قوله تعالى في الإنسان: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}، و {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}، و {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، وإذا استعمل في الزمن الماضي فيه تجوز أن المستعمل فيه على حالته ويجوز أن يكون قد تغير نحو: كان فلان كذا فصار كذا. وقال ما معناه: ولا فرق بين تقدم ذلك الزمن وقرب العهدية نحو قولك كان آدم كذا وكان زيد هاهنا. انتهى. وقال أبو العباس القرطبي: زعم بعض من لقيناه من الفقهاء أن (كان) مهما أطلقت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزمها الدوام والكثرة بحكم عرفهم، قال أبو العباس: والشأن في نقل هذا العرف وإلا فأصلها أن يصدق على من فعل الشيء مرة واحدة، ونحن على الأصل حتى ينقل عنه انتهى.

والمشهور أن لفظة (كان) إذا وليها الماضي دلت على الوقوع وإذا وليها المضارع دلت على التكرار وليس التكرار عندي مستفادًا من لفظة (كان) وإنما هو مستفاد من المضارع المتصل بها. الثانية: نشر: قال أبو القاسم الراكب: النشر نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث وهو بسطها، قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}، وقال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشْرًا (¬1) بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}، وقال: {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}. ومنه سمعت نشرًا حسنًا، أي: حديثًا ينشر، ونشر الميت نشورًا وأنشر الله الميت ينشر، قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} وقيل نشر الله الميت وأنشره بمعنى، والحقيقة أن نشر الله الميت مستعار من نشر الثوب، قال الشاعر: طوتك خطوب دهرك بعد ... نشر كذاك خطوبة طيًّا ونشرًا قال: وقال الله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} وقرئ: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} أي تفرقوا. وبسط القول في استعمال هذه اللفظة بأن لها معان متعددة والمراد هاهنا منها ¬

_ (¬1) لقد جاءت هذه الآية في مواضع ثلاثة من القرآن (بشرًا) من (البِشر): في الأعراف (57) والفرقان (48) والنمل (63). قال مكي بن أبي طالب في "التبصرة" (510. السلفية، الهند): قرأ عاصم (بشرًا) بالباء، وهي مضمومة وإسكان الشين، وقرأ حمزة والكسائي بنون مفتوحة وإسكان الشين. ومثلهما ابن عامر غير أنه ضم النون. وقرأ الباقون بضم النون والشين. وكلهم نونوا، وذلك حيث وقع. اهـ. قلت: أي في مواضعها كلها من القرآن. قلت: وأحال المحقق الدكتور المقرئ محمد غوث الندوي إلى "النشر" (2/ 269، 270).

التفرقة ومن هنا استحب التفرقة من قال بها من الفقهاء كما سنذكره ويحتمل أن يكون المراد هنا البسط ضد الطي، أي: يمد أصابعه ولا يطويها فيكون من معنى اللفظ الأخير ورفع يديه مدًّا ويشهد له ما ذكرناه من طريق البيهقي: وأشار أبو عامر بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمهما فيحتاج من استحب التفرقة إلى دليله إن لم تحمل على المعنى الأول. الثالثة: الأصابع، الإصبع: اسم يقع على السُلامى والظفر والأنملة والأُطرة والبُرجُمة معًا ويستعار للأثر الحسن فيقال لك على فلان إصبع كقولك لك عليه يد وفيه لغات عشر مشهورة. الرابعة: رفع، الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها نحو: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}، وتارة في البناء إذا طولته نحو: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} وتارة في الذكر إذا نوهته نحو: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} وتارة في المنزلة إذا شرفتها نحو: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} والرفع هنا من الأول. الخامسة: المد، قال الراغب: أصله الجر ومنه المدة للوقت الممتد، ومدة الجرح ومد النهر ومده (¬1) نهر آخر ومددت عيني إلى كذا وذكر الجوهري ومَدَّ النهار ارتفاعه. الوجه الثالث: في شيء من إعرابه: قوله: (رفع يديه مدًّا) يجوز أن يكون المدّ مصدرًا مختصًا والمصدر المختص ما كان مفسرًا لنوع نحو مشى القهقرى وقعد القرفصاء واشتمل الصماء، فإن القهقرى نوع من المشي، وكذلك القرفصاء نوع من القعود، والصماء نوع من أنواع الاشتمال، أو حالًا من رفع. وإن كان مأخوذًا من مد النهار وهو ارتفاعه فيكون مصدرًا من المعنى نحو ¬

_ (¬1) كذا وفي نسخة السندي بدله: ومسده نهر آخر.

قعدت جلوسًا وقمت وقوفًا. الوجه الرابع: في الفوائد والمباحث المتعلقة به، وفيه مسائل: الأولى: التكبير في الصلاة وهو ركن من أركانها وقد ثبت عند الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل علمه الصلاة: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر"، وقد تقدم في أول كتاب الطهارة في الكلام على قوله - عليه السلام -: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم". واختلاف العلماء في حكم التحريم وأن عامتهم ذهبوا إلى الوجوب إلا ما روي عن الزهري وابن المسيب والحكم والأوزاعي وقتادة: إنه سنة، وأنه يجري الدخول في الصلاة بالنية وهناك تقدم الكلام على شيء من مسائل هذا الباب، ويجب أن تقارن النية التكبير عندنا، وقال أبو حنيفة وأحمد: لو تقدمت على التكبير بزمن يسير ولم يعرض شاغل جاز الدخول في الصلاة بتلك النية. ويتعين على القادر تلفظ التكبير الله أكبر أو الله الأكبر ولو قال: الله الجليل أكبر فوجهان ولا يجوز العدول إلى ذكر وإن قرب منها كقوله الرحمن أجل والرب أعظم، بل لا يجزئه قوله الرحمن أو الرحيم أكبر أيضًا ولا يجزئه ترجمة التكبير بلسان آخر عندنا خلافًا لأبي حنيفة في الفعلين حيث جوز الترجمة وإجزاء التسبيح والتهليل وسائر الأذكار والأثنية إلا أن يذكر اسمًا على سبيل النداء كقوله يا الله أو يقول اللهم اغفر لي وأجاز أبو يوسف الله الكبير، وأمّا مالك فلا يجيز إلا لفظة الله أكبر لا غير إذ الحواله في قوله - عليه السلام -: "تحريمها التكبير" على معهود دلت عليه الألف واللام وهو تكبيره ومعهوده الصيغة المذكورة. وأما العاجز عن كلمة التكبير أو بعضها فله حالتان: إحداهما: أن لا يمكنه كسب القدرة عليها فإن كان لخرس أو نحوه حرك لسانه

وشفتيه ولهاته بالتكبير بحسب ما يمكنه. وإن كان ناطقًا لكن لم يطاوعه لسانه على هذه الكلمة، فيأتي بترجمتها لأنه ركن عجز عنه فلا بد له من بدل وترجمته أول ما يجعل بدلًا عنه لأدائها معناه ولا يعدل إلى سائر الأذكار وهذا بخلاف ما لو عجز عن الفاتحة، فإنه لا يعدل إلى الترجمة عنها لأن القرآن معجز، وأمَّا من جوز الترجمة ممن حكينا خلافه حيث لا عذر فلأن يجوزها مع قيام العذر أولى. الحالة الثانية: أن يمكنه كسب القدرة عليها إما بالتعلم أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيغة عليه، فيلزمه ذلك وإن احتاج في تعلم ذلك إلى المسير إلى بلد آخر عن بلده ففيه وجهان. الثانية (¬1): التكبير في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام وسيأتي الكلام عليه في باب بعد هذا إن شاء الله تعالى. الثالثة: واختلف أصحابنا في استحباب تفريق الأصاج وفيه حديث الباب، فاستحبه الجمهور، وقال الغزالي: لا يكلف الضم ولا التفريق بل يتركها منشورة على هيئتها. وقال الرافعي: يفرق تفريقًا وسطًا، والمشهور الأول. وقال صاحب "التهذيب": يستحب التفريق في كل موضع أمرنا فيه برفع اليدين وللأصابع في الصلاة أحوال: أحدهما: حالة الرفع في تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول فيستحب التفريق فيها. ¬

_ (¬1) أي المسألة.

الثاني: حالة القيام والاعتدال من الركوع فلا يفرق فيه. الثالث: حالة الركوع فيستحب تفريقها على الركبتين. الرابع: حالة السجود فيستحب ضمها وتوجيهها إلى القبلة. الخامس: حالة الجلوس بين السجدتين وفيه وجهان الصحيح أنه كحالة السجود والثاني يتركها على هيئتها ولا يتكلف ضمها. السادس: حالة التشهد فاليمنى مقبوضة إلا المسبحة وفي الإبهام خلاف مشهور، واليسرى مبسوطة وفيها الوجهان اللذان في حالة الجلوس بين السجدتين الصحيح يضمها ويوجهها إلى القبلة. * * *

64 - باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى

64 - باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى ثنا عقبة بن مكرم ونصر بن علي قالا نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان براءةً من النار وبراءة من النفاق". قال أبو عيسى: وقد رُوي هذا الحديث عن أنس موقوفًا، ولا أعلم أحدًا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو، وإنّما يُروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس قوله. حدثنا بذلك هناد ثنا وكع عن خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس ولم يرفعه نحوه. وقد روى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن أنس عن عمر عن النبي، وهذا حديث غير محفوظ، وهو حديث مرسل؛ عمارة بن غزية لم يدرك أنسًا. * الكلام عليه: انفرد به الترمذي، وذكر ابن أبي حاتم في "علله" من طريق حبيب غير منسوب عن أنس، وأنه سأل أباه عن حبيب هذا، فلم يعرفه. وسلم أخرج له الجماعة إلا مسلمًا، وطعمة وثقه ابن معين وقال: أبو حاتم صالح الحديث. وقد أعل الترمذي طرقه الثلاثة:

الأولى: بتفرد سلم برفعه. والثانية: بالوقف. والثالثة: بالانقطاع. وفي الباب مما لم يذكره عن أبي الدرداء، قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬1): ثنا أبو أسامة عن أبي فروة يزيد بن سنان قال: ثنا أبو عبيد الحاجب قال: سمعت شيخًا في المسجد الحرام يقول: قال أبو الدرداء: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لكل شيء أنفة وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى، فحافظوا عليها". قال أبو عبيد: فحدثت به رجاء بن حيوة فقال: حدثتنيه أم الدرداء عن أبي الدرداء. أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد اللك اسمه حي وقيل حوي بن عمير وقيل عبد الملك شامي وثقه أبو زرعة، وأخرج له مسلم وغيره وذكر له البخاري تعليقًا. فيه فضل إدراك التكبيرة الأولى، ولما فيه من الفضل صار أبو إسحاق المروزي إلى أن الساعي إلى الجماعة يسرع إذا خاف فوتها والصحيح أنه لا يسرع لثبوت قوله - عليه السلام -: "فلا تأتوها وأنتم تسعون" ثم بماذا يكون مدركًا لتلك الفضيلة، فيه وجوه: أظهرها: أن من أدرك تكبيرة [مع] (¬2) الإمام واشتغل عنها بعقد الصلاة كان مدركًا وإلا لم يدرك، لأنه إذا جرت التكبيرة في غيبته لم يكن مدركًا لها. ¬

_ (¬1) "المصنف" (3120) وضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة" بيزيد بن سنان، وحسنه الحافظ في "المطالب العالية" (470 - الحرمين)، لكن العجيب قول الهيثمي (2/ 103): فيه رجل لم يسم! قال ابن الأثير: أنفة الصلاة: ابتداؤها. (¬2) زيادة من الأصل ليست في نسخة السندي.

الثاني: أن تلك الفضيلة تدرك بإدراك الركوع الأول. الثالث: أن إدراك الركوع لا يكفي، بل يشترط إدراك شيء من القيام. الرابع: إن شغله أمر دنيوي لم يكن بإدراك الركوع مدركًا للفضيلة، وإن منعه الاشتغال بأسباب الصلاة أو ما أشبه ذلك كفاه إدراك الركوع وقد روينا عن السلف في ذلك آثارًا حسانًا. قال إبراهيم التيمي: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه. وقال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. وعن سليمان التيمي أنه صلى الغداة بوضوء العشاء الآخرة أربعين سنة. وقال ربيعة بن يزيد الدمشقي: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا. وقال الفضل في قوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}. قال الصلوات الخمس. وذكر ابن أبي شيبة (¬1) نا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الوليد البجلي قال: قال عبد الله: عليكم بحد الصلاة التكبيرة الأولى. قال: نا وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن خيثمة قال: بكر الصلاة التكبيرة الأولى. * * * ¬

_ (¬1) "المصنف" (3118)، (3119) على التوالي.

65 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة

65 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة ثنا محمد بن موسى البصري نا جعفر بن سليمان الضبعي عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للصلاة كبر ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"، ثم يقول: "الله أكبر الله أكبر" ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه". قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وعائشة وعبد الله بن مسعود وجابر وجبير بن مطعم وابن عمر. قال أبو عيسى: وحديث أبي سعيد أشهر في هذا الباب، وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث، وأما أكثر أهل العلم فقالوا: إنما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" هكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث. حدثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قالا نا أبو معاوية (¬1) عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك". قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلم فيه ¬

_ (¬1) بالأصل أبو عوانة، وفي هامشه: الصواب: أبو معاوية، فأثبتناه كذلك.

من قبل حفظه. وأبو الرجال اسمه محمد بن عبد الرحمن المديني. * الكلام عليه من وجوه: الأول: من حيث الإسناد: حديث أبي سعيد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. ومحمد بن موسى البصري هو ابن نفيع الحرشي، روى عن حماد بن زيد وأبي داود الطيالسي وجعفر الضبعي. روى عنه الترمذي والنسائي وأبو حاتم، وسئل عنه، فقال: شيخ، ووثقه ابن حبان. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين. وجعفر بن سليمان أخرج له الشيخان وروى عنه ابن مهدي، وكان لا يحدث إلا عن ثقة عنده، ووثقه يحيى، وقال أحمد: لا بأس به، وقال ابن سعد: ثقة، وبه ضعف وكان يتشيع، ومات في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة. وقال ابن عدي: ولجعفر حديث صالح، وروايات كثيرة، وهو حسن الحديث، وهو معروف في التشيع وجمع الرقائق، جالس زهاد البصرة وأرجو أنه لا بأس به. وعلي بن علي بن نجاد بن رفاعة الرفاعي البصري أبو إسماعيل، سمع الحسن البصري وأخاه سعيدًا. روى عنه وكيع ووثقه وأبو نعيم وزيد بن الحباب وشيبان بن فروخ قال ابن سعد ثنا الفضل بن دكين وعفان قالا: كان علي بن علي الرفاعي يشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقال أحمد بن حنبل: هو صالح، قيل: أكان يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كذا كان يقال. وقال محمد بن عبد الله بن عفار: كان علي بن علي الرفاعي زعموا أنه يصلي كل يوم ستمائة ركعة، وكان تشبه عينيه بعيني النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان رجلًا عابدًا ما أرى أن يكون له عشرون حديثًا قيل له: أكان ثقة؟ قال: نعم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس به بأس، لا يحتج بحديته، انتهى. وكان حسن الصوت بالقران، وكان فاضلًا في نفسه. وقال يعقوب بن إسحاق: قدم علينا شعبة فقال: اذهبوا بنا إلى سيدنا وابن سيدنا علي بن علي الرفاعي. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وأبو المتوكل الناجي علي بن داود وقيل: ابن داود معروف مشهور، وثقه يحيى وابن المديني وأبو زرعة. وقال أحمد: ما علمت إلا خيرًا. قال البخاري: له نحو خمسة عشر حديثًا. قال ابن قانع: مات سنة اثنتين ومائة. وقال ابن حبان: سنة ثمان ومائة، والأول أصح. وأما حديث عائشة فرواه ابن ماجه والدارقطني، ورواه أبو داود وقال: ليس بالمشهور.

وهو عند أبي داود عن عبد السلام بن حرب لم يروه إلا طلق بن غنام. قال أبو داود: نا حسين بن عيسى عن طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة. قال الحافظ محمد بن عبد الواحد: وما علمت فيهم مجروحًا. قال أبو الفتح: طلق بن غنام أخرج عنه البخاري في الصحيح، وعبد السلام بن حرب وثقه أبو حاتم وأخرج له الشيخان، وكذلك من فوقه إلى عائشة، وقد صححه الحاكم وذكر له شاهدًا عن عمرة عن عائشة. وأما حارثة بن أبي الرجال: ضعفه أحمد ويحيى والرازيان وابن عدي وابن حبان، وقال: بلغني عن أحمد أنه نظر في جامع ابن راهويه فإذا أول حديث فيه عن حارثة، فأنكره جدًّا. وأما حديث علي فرواه مسلم ولفظه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من الشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك"، وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي"، وإذا رفع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد

وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". وحديث عائشة قد ذكره آخر الباب، وقد تقدم ذكر من خرجه أيضًا. وأما حديث عبد الله بن مسعود فرواه ابن ماجه من حديثه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه". قال: همزه: الموتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر. رواه ابن ماجه وهذا لفظه والبيهقي، وفي روايته: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة، قال عطاء: فهمزه الموته وذكر باقيه. وحديث جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة فقال: "الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا ثلاثًا، أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه"، قال: نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة. رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له وابن ماجه. وأما حديث جابر فروى النسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استفتح الصلاة كبّر ثم قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق ولا يقي سيئها إلا أنت".

ورواه الدراقطني وعنده: ومحياي ومماتي. وأما حديث ابن عمر فروى مسلم عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل في القوم: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من القائل كلمة كذا وكذا"؛ فأرمَ القوم، فقال: "أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأسًا" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها، فقال: "لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها". رواه مسلم. وروى عبدة عند مسلم عن عمر بن الخطاب أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" قال الغساني: عبدة بن أبي لبابة لم يسمع من عمر. وفيه عند الدارقطني: وقال للأسود: رأيت عمر حين افتتح الصلاة كبر ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ثم يتعوذ، وهو الذي أشار إليه الترمذي. وفي الباب مما لم يذكره عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت بين التكبيرة وبين القراءة إسكاتة قال: أحسبه قال: هنيهة فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتتك بين التكبيرة وبين القراءة ما تقول؛ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" أخرجاه واللفظ للبخاري. وفيه عن رجل أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرات ثم قال: "لا إله لا الله ثلاث مرات سبحان الله وبحمده" ثلاث مرات، ثم قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه"، رواه الإمام أحمد من طريق يعلى بن عطاء عن رجل، وفي رواية عن شيخ من أهل دمشق

أنه سمع أبا أمامة. وفيه عن سمرة وسيأتي عند الترمذي في باب آخر. وفيه عن أنس الحديث الذي سبق عن ابن عمر وكلاهما عند مسلم، وفيه عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة كبَّر ثم رفع يديه حتى يحاذي إبهاماه أذنيه ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك". رواه الدارقطني عن ابن صاعد عن الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن محمد بن أبي الصلت نا أبو خالد الأحمر عن حميد عنه. وفيه عن عمر بن الخطاب مثل اللفظ المذكور في حديث أنس وفيه: فإذا تعوذ قال: "أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه"، ووي أيضًا موقوفًا هو الصواب قاله الدارقطني. الثاني: في شيء من مفرداته: الأولى: سبحانك: قال الراغب: السبح المر السريع في الماء أو في الهواء والتسبيح تنزيه الله تعالى وأصله المر السريع في عبادة الله تعالى، وجعل التسبيح عامًّا في العبادة قولا كان أو فعلًا أو نية. وسبحان أصله مصدر مثل غفران، قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، وقال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إلا مَا عَلَّمْتَنَا}، وقول الشاعر: وسبحان من علقمة الفاخر قيل تقديره سبحان علقمة على طريق التهكّم فزاد فيه (من) ردًّا إلى أصله،

وقيل أراد سبحان الله من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه، والسبوح والقدوس من أسماء الله تعالى وليس في كلامهم فعُّول سواهما وقد يفتحان نحو سَلوب وسَمور، والسبحة التسبيح، وقد يقال في الخرزات التي يسبح بها: السبحة. الثانية: اللهم: قيل معناه يا الله فأبدل من الياء الواقع في أوله الميمان في آخره وخصّ بدعاء الله تعالى، وقيل تقديره يا الله أمّنا بخير فركبا تركيب حيّهلا. الثالثة: الحمد هو الثناء على الممدوح بصفاته الجميلة وأفعاله الحسنة، والشكر يتعلق بالإحسان الصادر منه، وقد تكلموا في العموم والخصوص بينهما مع أن المدح يعمهما معًا، والذي يتحرر أن الشكر يطلق على الفعل والقول جميعًا. قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} وقال - عليه السلام - لما قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"! وقال الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا فهذا أعم بهذا الاعتبار. والحمد يخص القول، فإذا نظرنا إليهما بالنسبة إلى القول خاصة كان الحمد أعم في هذا المحل لأنه يحمد على صفاته الجميلة وعلى الإحسان الصادر منه، يقال: حمدته على الشجاعة وعلى الإحسان، والشكر محله الإحسان. وقال الخطابي: سألت الزجاج عن قوله: {سبحانك اللهم وبحمدك}؛ فقال: سبحانك وبحمدك سبحتك. الرابعة: تبارك اسمك: والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى:

{لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة ويسمى محبس (¬1) الماء بِركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، وقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ}، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كل ذلك تنبيه على اختصاصه بالخيرات المذكورات مع تبارك وتبارك اسمك إشارة إلى اختصاص اسمائه تعالى بالبركات. الخامسة: الجَدّ: قال أبو القاسم الراغب: الجد قطع الأرض المستوية ومنه جد في سيره يجد جدًّا وكذلك جد في أمره وأجد صار ذا جد، وتصور، ومنه جددت الأرض القطع الجرد فقيل جددت الثوب إذا قَطعته على جهة الإصلاح، وثوب جديد أصلة المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه قال تعالى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} إشارة إلى الرجعة الثانية وذلك قولهم: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} وسمى الفيض الإلهي جدّا قال تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي فيضه وقيل عظمته وهو يرجع إلى المعنى الأول وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجد إنما يتوصل إليه بالجد في الطاعة، قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} انتهى. وقوله - عليه السلام -: "وتعالى جدك" هو {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} فما قيل هنالك مقول هنا. السادسة: الهمز وقع في الحديث تفسير بماذا، ولم يقع تفسير الهمز ما هو؟ قال الراغب: الهمز كالعصر يقال همزت الشيء في كفي ومنه الهمز في ¬

_ (¬1) هذا ما ظهر لي من قراءة هذه الكلمة. والبركة: الحوض، أو مستنقع الماء، كما في "القاموس".

الحروف، وهمز الإنسان اغتابه، قال عزَّ وجلَّ: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} يقال: رجل هامز وهمّاز وهمزة، قال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} وقال الشاعر: وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} وأما تفسير الهمز والنفث والنفخ الذي وقع بالموتة والشعر والكبر كما تقدم غير منسوب إلى قائله، فقد روينا الخبر عن أبي سعيد الخدري بذلك من طريق الدارمي أنا زكريا بن عدي أنا جعفر بن سليمان به ثم قال عند تمامه قال جعفر: وفسره مطر: همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبر. وقال الراغب: والمُوتة شبه الجنون كأنه من موت العلم والعقل ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة. السابعة: النفث: قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل ونفث الراقي والساحر أن ينفث في عُقَده، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ومنه الحية تنفث السمّ وقيل: لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك أي: ما بقي في أسنانك فنفثت ودم نفثت نفثه الجرح وفي المثل: لا بد للمصدور أن ينفث. الثامنة: النفخ: نفخ الريح في الشيء، قال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} وقال {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى، قال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع ورجل منفوخ أي سمين. انتهى. وتفسير الهمز والنفث والنفخ بما فسر به من باب المجاز.

الوجه الثالث في الفوائد والمباحث: فيه مسائل: الأولى: اختلف الناس في استحباب أدعية الافتتاح في الصلاة، فقال بالاستحباب جمهور العلماء أخذًا بأحاديث الباب، وقال مالك: لا يأتي بدعاء الاستفتاح، ولا بشيء من القراءة والتكبير أصلًا بل يقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة، وله: حديث أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وحديث المسيء صلاته حين قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أردت الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وكلاهما صحيح. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن المراد افتتاح القراءة وكذلك في بعض ألفاظه: يفتتحون الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. وأما حديث المسيء صلاته فبأن النبي - عليه السلام - إنما علمه الفرائض فقط، وهذا ليس منها، وأدعية الافتتاح ثابتة لا يُعارَض ثبوتها بسكوت من لم يذكرها ولا بنفي من نفاها، على أنه ليس في الخبرين ما يقتضي نفيها، ولو كان لكان من أثبت حجة على من نفى، وافتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يدخل تحته الدعاءُ قبل القراءة، لأن مسمّى القراءة غير مسمى الدعاء، فقد كان - عليه السلام - يفتتح الصلاة بالتكبير، ثم يذكر ما صح عنه من الذكر، ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، فالذكر هنا زيادة على تلك الأخبار جاءت عن ثقات ولا سبيل إلى ردها إلا بمعارض ينهض بذلك، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين والعلماء، منهم عمر وابن مسعود وعلي بن أبي طالب - عليه السلام - وابن عمر وطاوس، وهو قول الأوزاعي وسفيان وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.

الثانية: قال أصحابنا: يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد وامرأة وصبي ومسافر وقائم وقاعد ومضطجع، من مفترض أو متنفل أن يأتي به عقيب تكبيرة الإحرام، فلو تركه عمدًا أو سهوًا حتى شرع في التعوذ لم يعد إليه، وقال الشيخ أبو حامد في "تعليقه": يعود إليه من التعوذ، والمذهب الأول، لكن لو خالف فأتى به لم تبطل صلاته. لأنه ذكر والذكر لا يقطع الصلاة، ولو أحرم مسبوق فأمن الإمام عقيب إحرامه أمن من معه ثم أتى بالاستفتاح، لأن التأمين يسير، ولو أدركه في التشهد لا يأتي به قاعدًا لفوات محله. الثالثة: هذا الذي ذكرناه من حكم دعاء الاستفتاح، تدخل فيه النوافل المطلقة والمرتبة والعيد والكسوف والاستسقاء وغيرها ويستثنى منه موضعان: أحدهما: صلاة الجنازة، فيه وجهان: أحدهما: لا يشرع لأنها مبنية على الاختصار، الثاني: يستحب كغيرها. الثاني: المسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام لا يأتي به كما سبق في المسالمة قبل هذا، وله فروع ليس هذا موضعها. الرابعة: اختلف القائلون بالاستفتاح في الدعاء المستفتح به ما هو؟ فذهب سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي إلى ما رويناه عن عمر بن الخطاب وابن مسعود. وذهب الشافعي إلى ما روي عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه في الجنة)، حكاه ابن المنذر وقال: وأنا إلى حديث علي أميل وأي ذلك قال يجزئه. الخامسة: قال بعض الظاهرية: ولا يقولها المأموم يعني أدعية الافتتاح لأن فيها

شيئًا من القرآن، وقد نهى النبي - عليه السلام - أن يقرأ خلف الإمام إلا أم القرآن فقط، قال: فإن دعا بعد قراءة أم القرآن في حال سكتة الإمام بما روي عن النبي فحسن. انتهى. أما قوله: لأن فيها شيئًا من القرآن فليس ذلك إلا فيما روي عن علي. وأما ما روي عن أبي سعيد وما روي عن عائشة وما روي عن عمر وابن مسعود من قولهما فليس في ذلك كله شيء من القرآن، وأما تأخيره ذلك إلى أن تنقضي قراءة الفاتحة فتأخير له عن محله وكيف يكون افتتاحًا وقد افتتح بغيره. * * *

66 - باب ما جاء في ترك الجهر بـ: بسم الله الرحمن الرحيم

66 - باب ما جاء في ترك الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حدثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا سعيد الجُريري عن قيس بن عباية عن ابن عبد الله بن مغفل: سمعني أبي وأنا أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال: أي بني محدّث إياك والحدث قال: فلم أر أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أبغض إليه من الحدث في الإسلام، يعني منه. قال: وقد صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقولها فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل: الحمد لله رب العالمين. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق لا يرون أن يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالوا ويقولها في نفسه. * * *

67 - باب من رآى الجهر بـ: بسم الله الرحمن الرحيم

67 - باب من رآى الجهر بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ثنا المعتمر بن سليمان قال حدثني إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وقد قال بهذا عدة من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، منهم أبو هريرة وابن عمر وابن الزبير ومن بعدهم من التابعين رأوا الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه يقول الشافعي. وقال: إسماعيل بن حمّاد هو ابن أبي سليمان. وأبو خالد يقال: هو أبو خالد الوالبي واسمه هرمز وهو كوفي. * * *

68 - باب ما جاء في افتتاح القراءة بـ: الحمد لله رب العالمين

68 - باب ما جاء في افتتاح القراءة بـ: الحمد لله رب العالمين ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين معناه أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكان الشافعي يرى أن يبدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تجهر بها. * الكلام على هذه الأبواب: فلما كانت هذه الأبواب الثلاثة تتعلق بالإتيان بالبسملة قبل الفاتحة جهرًا أو إسرارًا أو بعدم الإتيان بها، رأينا أن يكون الكلام عليه في باب واحد لأخذ بعض الكلام فيها بأطراف بعض، فأما ما يتعلق بالأحاديث الواردة في الأبواب الثلاثة والكلام عليها من حيث الإسناد فنقول بالله التوفيق: أما حديث ابن مغفل فرواه النسائي أيضًا وهو مشهور من حديث سعيد الجريري غريب عمن فوقه فيما تفرد به الجريري عن أبي نعامة قش بن عباية وهما ثقتان إلا أن الجريري اختلط بآخره، وقيل تفرد به أبو نعامة عن ابن مغفل وقد توبع الجريري عليه وهو من أفراد ابن مغفل وعليه مداره، وذكر أن اسمه يزيد وهو مجهول لا يعرف روى عنه إلا أبو نعامة المذكور، وقد روي من وجوه كما ذكر الترمذي عن

سعيد الجريري عن قيس بن عباية. ورواه معمر عن الجريري قال: أخبرني من سمع ابن عبد الله بن مغفل ورواه إسماعيل بن مسعود عن خالد بن عبد الله الواسطي عن عثمان بن غياث عن أبي نعامة لم يذكر الجريري، إسماعيلُ بن مسعود. إسماعيل بن مسعود هذا هو الجحدري أخو الصلت بن مسعود. قال: أبو حاتم صدوق. رواه عنه النسائي فعثمان بن غياث متابع للجريري على روايته عن أبي نعامة. وعثمان بن غياث وثقه أحمد ويحيى، روى له البخاري ومسلم. ورواية معمر عن الجريري أخبرني من سمع ابن بريدة يحتمل أن يكون أبا نعامة وأن يكون غيره وقد حسن الترمذي هذا الحديث، وقال ابن خزيمة: هو غير صحيح، وقال ابن عبد البر: ابن عبد الله بن مغفل مجهول والمجهول لا تقوم به حجة، وقال الخطيب وغيره: ضعيف. قال النووي: ولا يَرِدُ على هؤلاء الحفاظ قول الترمذي إنه حسن. انتهى. والحديث عندي ليس معللًا بغير الجهالة في ابن مغفل وهي جهالة حالية لا عينية للعلم بوجوده، فقد كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد سمّى هذا منهم يزيد وما رمي بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا أبو نعامة فحكمه حكم المستور، وأما الترمذي فإنه لما عرف بالحسن عنده قال: هو الذي لا يتهم رواية بكذب وليس في رواة هذا الخبر من يتهم بكذب فهو جارٍ على رسم الحسن عنده، وأما تعليله بجهالة ابن عبد الله بن مغفل فما أراه يخرجه عن رسم الحسن عند الترمذي ولا غيره إذ الجهالة كما ذكرنا، وأما قول من قال: غير صحيح، فكل حسن كذلك.

وفيه حديث أنس الذي ذكره الترمذي وصححه وهو أيضًا مخرج في الصحيح، وقد رواه الدارقطني وفيه: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه سفيان الثوري وغيره عن خالد الحذاء عن أبي نعامة الحنفي عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال سفيان: كانوا يسرون بها، وهكذا رواية أبي قلابة والحسن وعائذ بن شريح عن أنس، وكذلك رواه جماعة من أصحاب قتادة عن قتادة عن أنس. وفيه عن عائشة رضي الله عنها من طريق ابن أبي عروبة عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. رواه مسلم إلا أن أبا الجوزاء يقال: لا يعرف له سماع من عائشة. وفيه عن أبي هريرة من وجوه منها ما رواه بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي يمامي قال حدثني ابن عم أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. أخرجه ابن ماجه من حديث بشر، وبشر ضعفه غير واحد وأحاديثه عندهم غير مقبولة يكنى أبا الأسباط الحارثي. وعند يحيى بن معين والنسائي أن أبا الأسباط غيره، قال الحافظ عبد الغني المقدسي: وإن كانا اثنين فإن أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي الأسباط. وقال: ابن عدي هو مقارب الحديث لا بأس بأخباره ولم أجد له حديثًا منكرًا. وابن عم أبي هريرة اسمه عبد الرحمن بن الصامت الدوسي، روى عنه أبو الزبير المكي، روى له أبو داود والنسائي وثقه ابن حبان.

ومنها ما رواه عبد الواحد بن زياد عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نهض في الثانية استفتح بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت، والحديث عند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الواحد وغيره عن عمارة، وليس عند أبي داود إلا السكتة في الركعة الأولى وذكر دعاء الاستفتاح فيها وكذلك هو عند ابن ماجه بلفظ أبي داود وعند النسائي من هذا الوجه عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة. ومنها حديث العلاء بن عبد الرحمن روى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه سمعه يقول: سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤوا: يقول العبد. الحمد لله رب العالمين يقول الله عزَّ وجلَّ: حمدني عبدي يقول العبد: الرحمن الرحيم يقول الله تعالى: أثنى علي عبدي يقول العبد: مالك يوم الدين يقول الله: مجّدني عبدي يقول العبد: إيّاك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، ويقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل". رواه مسلم وهو مشهور من حديث العلاء بن عبد الرحمن مختلف عليه فيه فكرواية مالك رواه ابن جريج ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان والوليد بن كثير والليث بن سعد عنه عن أبي السائب عن أبي هريرة إلا أن الليث قال: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيّما رجل صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام".

قال: فقلت: إني لا أستطيع أن أقرأ مع الإمام، قال: اقرأ بها في نفسك، فإن الله عزَّ وجلَّ يقول: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ... " وذكر تمام الخبر، فلم يرفع منه إلا قوله (خداج غير تمام)، ومالك أحفظ وزيادته مقبولة وقد تابعه عليها من ذكرناه. ورواه سفيان الثوري وابن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، فأبدلوا أبا السائب بأبي العلاء بن عبد الرحمن وكلاهما ثقة فلا يضر هذا الخلف، وأيضًا فقد جمع بينهما أبو أويس فرواه عن العلاء عن أبيه وأبي السائب جميعًا عن أبي هريرة أخرجه الترمذي في التفسير كذلك من حديثه عنهما، وتابعه عباد بن صهيب على ذلك وهو أضعف منه، ومتابعتهما هذه وإن كانت مستغنى عنها فلا تخلو مع ضعفها من تقوية ما للحديث فلم تأت إلا بأمر محتمل وقد تقدم الكلام على العلاء بن عبد الرحمن بما يغني عن الإعادة هاهنا. وقد روى منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو أويس عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وأما الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ففيه حديث ابن عباس المخرج عند الترمذي وقد أعله ورواه الدارقطني ورواه إسحاق بن راهويه عن المعتمر عنه وذكره الساجي عن يحيى بن حبيب بن عربي عن معتمر أيضًا كما رواه الترمذي مرفوعًا. وإسماعيل بن حماد بن أبي سليمان راويه عند الترمذي وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وأبو خالد الوالبي اسمه هرمز وقيل هرم سمع ابن عباس وأبا هريرة وجابر بن سمرة، روى عن علي مرسلًا. روى عنه منصور بن المعتمر والأعمش وفطر بن خليفة وإسماعيل بن حماد بن

أبي سليمان. قال أبو حاتم: صالح الحديث، قال أبان بن عثمان: مات سنة مائة، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. قال أبو عمر: الصحيح في هذا الحديث أنه روي عن ابن عباس من فعله لا مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى وكيع عن سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ورواه عمرو بن دينار وعكرمة وغيرهما عن ابن عباس كذلك، وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح وليس له علة. وفيه عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، ذكره النووي بهذا اللفظ وقال: صححه ابن خزيمة، وروي من حديث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة ذكرت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين عند أبي داود عن سعيد بن يحيى الأموي، وعند الترمذي في القراءة عن علي بن حجر كلاهما عن يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة ولم يذكر الترمذي التسمية وقال: غريب وليس إسناده بمتصل، لأن الليث روى شيئًا منه عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مالك به، ذكره الترمذي في فضائل القرآن وصححه هناك من ذلك الوجه وليس فيه التسمية. وفيه حديث نعيم الجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال: آمين وقال الناس آمين الحديث، وفيه: ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه النسائي في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم به، وهؤلاء

إلى خالد بن يزيد كلهم من أهل الثقة والعلم والفتوى، وكان خالد من أهل الفتوى ثقة ومن أجلّ أصحاب مالك. وسعيد بن أبي هلال ونعيم المجمر ثقتان مخرج لهما في الصحيح، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم، والبيهقي قال: صحيح الإسناد، وله شواهد. وأبو بكر الخطيب قال فيه: ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل وذكره أبو عمر من طرق متعددة كلها يرجع إلى سعيد بن أبي هلال وقال: حديث سعيد هذا يعارض حديث العلاء (اقرأ بها في نفسك) وليس سعيد الذي يدور عليه هذا الحديث بدون العلاء. وفيه ما روى الدارقطني (¬1): نا أبو طالب الحافظ نا أحمد بن محمد بن منصور بن أبي مزاحم نا جدي نا أبو أويس. ونا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي نا عثمان بن خرزاذ نا منصور بن أبي مزاحم من كتابه ثم محاه بعد: نا أبو أويس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال أبو هريرة: هي اية من كتاب الله، اقرؤوا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنها الآية السابعة. وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمّ الناس قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات (¬2)، وقد تقدم ذكر حديث منصور بن أبي مزاحم هذا من هذا الطريق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومن عند أبي عمر أورده مقطوعًا ولا يعارضه لأنه ليس فيه نفي [ذكر] ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 306). (¬2) لم أجد هذا القول في "السنن" ولا في "الإتحاف" (19289)، وسيأتي التنبيه عليه.

البسملة وإنما تضمن نفي الجهر بها وقد أطلق الدارقطني على رجاله الثقة ومنهم أبو أويس وهو عبد الله بن عبد الله الأصبحي، اختلفت الروايات عن ابن معين فيه بتضعيفه وتوثيقه، وفي رواية عنه: صالح ولكن ليس حديثه بذاك الجائز، ووقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا، وقال عمرو بن علي: فيه ضعف وهو عندهم من أهل الصدق، وتكلم فيه غيرهم. وقال الدارقطني: في بعض حديثه عن الزهري شيء. وقال ابن عدي: يكتب حديثه. قال ابن قانع: مات سنة ست وسبعين ومائة (¬1). روى له الجماعة إلا البخاري. وقول الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات لم أجده في أصل العتيق من "سننه" وإنما نقلته من كلام النووي وليس داخلًا في سماعي، وللشيخ أبي الحسن كتاب في الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمكن أن يكون ذلك فيه لكنه عزاه إلى "سننه" فهو ثابت في غير طريقنا. وفيه من طريق أبي هريرة أيضًا قال الدارقطني نا يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا: نا جعفر (¬2) بن مكرم حدثنا أبو بكر الحنفي نا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إنها أم ¬

_ (¬1) كذا، والذي عند المزي: سبع وستين. بل وقال ابن حبان تسع وستين، نقله بشار معروف في حاشيته. (¬2) كذا الأصل، والسنن المطبوع، وفي "الإتحاف": عقبة بن مكرم، وصوبه محققه، ولم يتبين لي لماذا اعتمده!

القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحداها (¬1) ". قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحًا فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه. انتهى. قال أبو الفتح: جميع رواته ثقات. جعفر بن مكرم، قال ابن أبي حاتم: صدوق. وأبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد روى له البخاري ومسلم ووثقه غير واحد. وعبد الحميد بن جعفر وثقه ابن معين وابن سعد، وقال أحمد والنسائي: لا بأس به، روى له مسلم. ونوح بن أبي بلال وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم الرازي، وقال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به. فلم يبق فيه إلا تردد نوح بن أبي بلال فيه ووقفه إياه أخيرًا (¬2). وفيه عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في المكتوبات ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذكرها الدارقطني من طرق تدور على جابر ¬

_ (¬1) كذا هنا، وفي "السنن" المطبوع، وفي "الإتحاف": إحدى آياتها. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في "الإتحاف" (18441): رواه أبو علي بن السكن في "صحاحه" عن ابن صاعد هكذا، ونوح ثقة، وعبد الحميد بن جعفر صدوق وفيه مقال، وأبو بكر الحنفي متفق على الاحتجاج به، والموقوف، أصح، والله أعلم. وقد صحح عبد الحق في "أحكامه" المرفوع، ونقضه أبو الحسن بن القطان مع أنه يرى أنه إذا تعارض الوقف والرفع كان الحكم للرافع، لكن استند في هذا إلى أن مدار الحديث على نوح، وقد حقق لأبي بكر أنه إنما رواه لعبد الحميد موقوفًا. والله أعلم.

الجعفي وإبراهيم بن الحكم بن ظهير وغيرهما ممن لا يعول عليه لا حاجة إلى ذكرها. وفيه عن ابن عمر من طرق أحدها ما رواه الشيخ أبو الحسن قال: نا عمر بن الحسن بن علي الشيباني نا جعفر بن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. عمر بن الحسن الشيباني يعرف بالأشناني القاضي وثقه بعضهم وتكلم فيه آخرون. وجعفر بن محمد بن مروان لا أدري من هو. وأبو الطاهر أحمد بن عيسى ذكره ابن أبي حاتم ونسبه إلى محمد بن عمر بن أبي طالب العلوي، روى عن ابن أبي فديك وابنه، روى عنه أبو يونس المدني (¬1)، وبقية من في الإسناد معروفون. وفيه عن ابن عمر أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ذكره أبو عمر من طريق علي بن حجر ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمر فذكره ثم قال: وقد رواه غيره أيضًا عن ابن عمر ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف على ابن عمر من فعله، كذا رواه سالم ونافع ويزيد الفقير وذكره عن غيرهم أيضًا. وفيه عن أم سلمة بنحو مما تقدم قال الدارقطني (¬2) نا محمد بن القاسم بن زكريا نا عباد بن يعقوب نا عمر بن هارون ونا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا ¬

_ (¬1) قال العظيم أبادي في "التعليق المغني" (1/ 305): قال فيه الدارقطني: كذاب، وكذا كذبه أبو حاتم وغيره. (¬2) "السنن" (1/ 307).

إبراهيم بن هانئ ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ثنا عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقطعها آية آية وعدها عد الأعراب وعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية ولم يعد عليهم. رواته موثقون (¬1)، فالبغوي معروف وابن هانئ قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، وابن الأصبهاني روى عنه البخاري، وعمر بن هارون وثق فيه مقال، وقد تقدم عن الترمذي من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج وهو أوثق من عمر بن هارون، لكن لم يذكر فيه التسمية فلذلك ذكرته من هذا الوجه، وفيه ما سبق من الإعلال بالانقطاع. وفيه عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة"؟ قلت: أقرأ الحمد لله رب العالمين، قال: "قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" رواه الشيخ أبو الحسن عن أبي بكر النيسابوري ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا إسماعيل بن عيسى نا عبد الله بن نافع الصايغ ثنا الجهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. الجهم بن عثمان ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال: مجهول. وإسماعيل بن عيسى في هذه الطبقة رجل بغدادي يقال له العطار ذكره ابن أبي حاتم ولم يعرض له بجرح ولا تعديل وذكره الخطيب فوثقه وقال: مات سنة اثنتين وثلاثين وماثتين. ¬

_ (¬1) نقله الشوكاني في "النيل" (2/ 225).

وفيه عن سمرة قال الدارقطني: ثنا إبراهيم بن حماد ثنا جعفر بن محمد بن شاكر نا عفان نا حماد بن سلمة عن الحسن عن سمرة قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكتتان سكتة إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وسكتة إذا فرغ من القراءة. فأنكر ذلك عمران بن الحصين فكتبوا إلى أبي بن كعب فكتب: أن صدق سمرة. هذا إسناد جيد وفيه الحسن عن سمرة والكلام فيه معروف غير أن هذا الحديث من هذه الطريق عند الترمذي وأبي داود وغيرهما ولفظه: سكتة حين يفتتح الصلاة وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع، وفي رواية: سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وكما ذكره الدارقطني ذكره أبو عمر بلفظه من حديث قاسم بن أصبغ نا جعفر بن محمد بن شاكر به، رواه عن عبد الوارث بن سفيان عن قاسم وهو إسناد صحيح. وفيه عن أنس عند الدارقطني من جهة المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالقراءة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وعنده من طريق محمد بن أبي السري عن المعتمر عن أبيه عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في معناه أخرجه الحاكم في مستدركه. وأخرج الحاكم من حديث شريك عن أنس: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال: رواته كلهم ثقات. وفيه عن علي: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ببسم الله في صلاته. أخرجه الدارقطني، وقال: هذا إسناد علوي لا بأس به ثم ذكر عن عبد خير عن علي أنه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد لله رب العالمين قيل: إنما هي ست، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إسناده كلهم ثقات.

وفيه عن عائشة من طريق القاسم بن محمد عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه عن القاسم: الحكم بن عبد الله بن سعد، وقد تكلم فيه غير واحد. وفيه عن بريدة بن الحصيب من طريق جابر الجعفي وليس بشيء، ومن طريق أخرى فيها سلمة بن صالح الأحمر وهو ذاهب الحديث. وفيه عن الحكم بن عمرو وغيره من طرق لا يعول عليها لم أر لذكرها وجهًا. وأما أحاديث افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، فإن من لا يجهر بالبسملة، اختلفوا في عدم الإتيان بها مطلقًا أو في عدم الإتيان بها جهرًا وأن يأتوا بها سرًّا على مذهبين لاختلاف ألفاظ الأحاديث الواردة في عدم الجهر بها كما سيأتي وقد سبق في أول الباب حديث عبد الله بن مغفل وما يقرب منه وسنذكر شيئًا مما يمكن أن يستدل به لكل من المذهبين مما لم يسبق له هناك ذكر. فمن ذلك ما روى مالك في "الموطأ" عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى أبي بن كعب وهو يصلي فلما فرغ من صلاته لحقه فوضع رسول الله يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد فقال: "إني أرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلّم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها". قال أبي: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله السورة التي وعدتني قال: "كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة"؟ قال: فقرأت عليه الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هي هذه السورة والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت". وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ثنا غندرعن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي لسعيد بن المعلى قال: كنت أصلي فرآني النبي - عليه السلام -

فدعاني فلم آته حتى صليت فقال: ما منعك أن تأتي؟ قلت: كنت أصلي! قال: "ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} " ثم قال: "ألا أعلمك سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، قال: فذهب النبي ليخرج فأدركته فقال: "الحمد لله رب العالمين وهي السبع الثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". وفيه من حديث أنس بغير اللفظ السابق قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رواه مسلم، وفي لفظ له: فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها. وروى الطبراني (¬1) ثنا .... ثنا محمد بن أبي السري ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رواه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن .... (¬2). قال الراوي عنه: الثقة المأمون، عن عبد الله بن وهيب بإسناده. وقد اختلفت ألفاظ الناقلين لحديث قتادة عن أنس الصحيح الثابت رفعه عن قتادة عنه [عمن] ذكر فيه عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان، فبعضهم يذكر عثمان وبعضهم يسقطه وبعضهم يقول: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، منهم أيوب بن أبي تميمة وهشام الدستوائي من رواية مسلم بن إبراهيم ومن ¬

_ (¬1) في "المعجم الكبير" (1/ 255) عن عبد الله بن وهيب الغزي عن محمد بن أبي السري. ومن طريقه الضياء في "المختارة" (1878). قال العراقي: رجاله ثقات. وعزاه الزيلعي (1/ 351) لابن خزيمة! (¬2) كلمة غير واضحة. رسمها الأدرباي.

طريق يحيى بن سعيد عنه أيضًا وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة ووكيع وأبي عوانة والأوزاعي. وأما شعبة عنه فقال بعد ذكر عثمان: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هكذا في رواية غندر عنه وفي رواية علي بن الجعد عن شعبة وشيبان عن قتادة: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر. وفي رواية لوكيع: فلم أسمعهم يجهرون، وكذلك رواه الأسود بن عامر وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي عن شعبة، ورواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فلكهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، كذا رواه محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق، وزاد الوليد عن الأوزاعي: لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول السورة ولا في آخرها. ورواه أبو قلابة الجرمي عن أنس من حديث الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة: لا يجهرون كذا رواه يحيى بن آدم عن الثوري وعبيد الله الأشجعي عن الثوري، ورواه الفريابي عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نعامة عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال سفيان: يعني لا يجهرون بها. وهذا الخلف على سفيان لا يضر لثقة كل من أبي قلابة وأبي نعامة، ويمكن أن يكون خالد الحذاء سمعه منهما فحدث به الثوريّ مرة عن أبي قلابة ومرة عن أبي نعامة، ورواه مالك بن دينار عن أنس: فكانوا يفتتحون، ورواه يزيد الرقاشي عن أنس؛ فلم نسمع أحدًا منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ورواه النسائي من حديث منصور بن زاذان عن أنس: صلى بنا رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - فلم يسمعنا قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلّى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما، وروي عن الحسن عن أنس. فبعض أصحاب الحسن يقول عنه: فلم أسمعهم يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبعضهم يقول فيه عن الحسن عن أنس: فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأبو بكر وعمر. ورواه عائذ بن شريح عن أنس فقال: فلم يجهروا. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر بقراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكان المشركون يقولون: تراه يدعو إلى إله أهل اليمامة يعنون مسيلمة، وكانوا يسمونه الرحمن، وكانوا يهزؤون فنزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فما جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بعد. وقد اختلف في تأويل هذه الآية. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال. ما جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة مكتوبة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا أبو بكر ولا عمر، رواه محمد بن جابر اليمامي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عنه. ابن جابر ضعيف وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود. وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر بالبسملة فقال: لم يصح في الجهر بها حديث. وأما اختلاف الآثار في ذلك مما ذكره ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ووكيع في مصنفاتهم بأسانيدهم وغيرهم عن الصحابة والتابعين، فمنها ما روي عن عمر بن الخطاب، قال أبو عمر: من وجوه ليست بالقائمة أنه قال: يخفي الإمام أربعًا: التعوذ وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد.

وروى إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله (¬1) قال: ثلاث يخفيهن الإمام: الاستعاذة وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين. وعن إبراهيم قال: يسر الإمام أربعًا: الاستعاذة وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد، رواه حصين وحماد ومغيرة ومنصور عنه. وروى الثوري عن منصور عنه: خمس يجهر بها (¬2) الإمام لسبحانك اللهم وبحمدك والتعوذ وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد. ذكر وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن الأسود: صليت خلف عمر سبعين صلاة فلم يجهر فيها ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وذكر ابن أبي شيبة ثنا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم قال؛ الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بدعة. هذه طريقة علماء الكوفة ومن شايعهم. وممن رأى الإسرار بها عمر وعلي وعمار، وقد اختلف عن بعضهم فروي عنه الجهر بها، وممن لم يختلف عنه أنه كان يسر بها عبد الله بن مسعود، وبه قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين والحسن وابن سيرين، وروي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وروي عنه فيه الجهر بها، وروي عن علي أنه كان لا يجهر بها. وعن سفيان: ثم اقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في نفسك، وإليه ذهب الحكم وحماد والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد وحكي عن النخعي. وأما من يجهر بها من السلف فقد روي ذلك عن عمر وابن عمر وابن الزبير ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 458): روى الكوفيون عن عمرو وابن مسعود مثل ذلك بأسانيد ليست بالقوية. (¬2) كذا، وصوابه: يخطيهن كما في "المصنف" (8849)، ولابن أبي شيبة وعبد الرزاق (2597)، وقارن مع "الدراية" (1/ 131).

وابن عباس وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر، وعن عمر فيها ثلاث روايات أنه لا يقرؤها وأنه يقرؤها سرًّا وأنه جهر بها، وكذلك اختلف عن أبي هريرة في جهره بها وإسراره. وذكر الشافعي ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر بن سعد أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة جهر فيها بالقراءة، فلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولم يكبر في الخفض والرفع، فلما فرغ ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية نقصْتَ الصلاة أين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فكان إذا صلى بهم بعد ذلك قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكبر. أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم. وذكره الخطيب عن أبي بكر الصديق وعثمان وأبي بن كعب وأبي قتادة وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن أبي أوفى وشدّاد بن أوس وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومعاوية. قال الخطيب: وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها فهم أكثر من أن يذكروا وأوسع من أن يحضروا، منهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين وعكرمة وعلي بن الحسين وابنه محمد بن علي وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولى ابن عمر وأبو الشعثاء وعمر بن عبد العرْيز ومكحول وحبيب بن أبي ثابت والزهري وأبو قلابة وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه والأزرق بن قيس وعبد الله بن معقل بن مقرن.

وممن بعد التابعين عبيد الله العمري والحسن بن زيد وزيد بن علي بن حسين ومحمد بن عمر بن علي وابن أبي ذئب والليث بن سعيد وإسحاق بن راهويه. وزاد البيهقي في التابعين: عبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي، ومن تابعيهم المعتمر بن سليمان. وزاد أبو عمر: هو قول جماعة أصحاب ابن عباس طاوس وعكرمة وعمرو بن دينار وقول ابن جريج ومسلم بن خالد الزنجي وسائر أهل مكة وهو أحد قولي ابن وهب وروى أبو عمر عن أصبغ بن الفرج قال: كان ابن وهب يقول بالجهر ثم رجع إلى الإسرار وحكاه غيره عن ابن المبارك وأبي ثور. وذكر البيهقي في "الخلافيات": اجتمع آل محمد على الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم حكاه عن أبي جعفر الهاشمي، وذكر الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من يجهر بالبسملة وعن أبي جعفر الهاشمي مثله. فصل يتعلق بشيء من العربية الباء في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) متعلقة بمحذوف، وهو عند البصريين مبتدأ، والجار والمجرور خبره، تقديره: ابتدائي ببسم الله، أو: أبدأ. فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف، وهل المحذوف المقدر: البدأة دائمًا أو غير ذلك مما يناسب ما يلي البسملة كمن أكل وشرب إذا قال: بسم الله، هل المقدر: أكلت، أو: أكلي بسم الله، أو: شربي بسم الله، وجهان، هذا إذا وقع الابتداء بالبسملة. وأما قول الراوي: (لا يجهرون، أو لا يقرأون، أو لا يذكرون بسم الله) مما تقدم عامله. فأما ما يتعدى بالباء مثل جهر فلا كلام فيه. وأما ما لا يتعدى بالباء ففيه وجهان:

إن شئت قدرت في الكلام محذوفًا يتعلق بالبداءة، فتكون الباء في موضع نصب على الحال، تقديره: يقرأون مبتدئين بسم الله. الثاني: أن تكون زائدة على حدها في قول الشاعر: سود المحاجر لا يقرأن بالسور أي: لا يقرأن السور. ومن رواة هذا الحديث من أتى بباءين، فقال: (لا يجهرون، أو: لا يقولون ببسم الله) فهي على هذا جملة محكية، دخلت عليها الباء. فصل في ذكر المذاهب في هذه المسألة مختصرًا ذهبت طائفة إلى الإتيان بالبسملة في الفرائض والنوافل عند قراءة الفاتحة فرض ولا تصح الصلاة إلا بها كباقي آيات الفاتحة، ويسن الجهر بها في الصلاة الجهرية في الفاتحة والسورة وهذا لا خلاف فيه عند الشافعي وسائر الأصحاب. وروى يحيى بن يحيى عن عبد الله بن نافع، قال: لا أرى لأحد أن يترك قراءة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في فريضة ولا نافلة. وقال آخرون: يذكر سرًّا لا جهرًا، ورأى بعضهم الجهر بها بدعة كما حكيناه. وقال آخرون: لا تذكر سرًّا ولا جهرًا. وقال طاوس: تذكر في فاتحة الكتاب ولا تذكر في السورة بعدها، وخالفه في ذلك أصحاب ابن عباس وعطاء وغيره فقالوا: تذكر في الموضعين ونقل عن مالك قراءتها في النوافل في فاتحة الكتاب وفي سائر سور القرآن، وهو قول محمد بن الحسن، ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك كمذهب الكوفيين أنه لا يجهر بها إلا أن أحمد يراها واجبة في كل ركعة لأنها عنده من الفاتحة، وأبو حنيفة يرى أنها سنة

ويقال أنه لا يأمر بها إلا في الركعة الأولى كالتعوذ. قال أحمد: إلا في رمضان في غير فاتحة الكتاب بين السورتين، فإنه من فعل ذلك فلا بأس عليه يعني الجهر بها ..... مالك والأوزاعي ومحمد بن جرير، حكاه أبو عمر. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: يقرأ الرجل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول كل سورة في قيام رمضان والذي يقرأ القرآن يختم كما في المصحف يعجبني ذلك. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: عن أبي ليلى والحكم أن الجهر والإسرار بها سواء، وقال ابن حبان: هذا عندي من الاختلاف المباح والجهر أحب إليَّ. وأما كونها من القرآن وما حكمها في ذلك فمذهبنا أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية كاملة من أول فاتحة الكتاب بلا خلاف وليست في أول براءة بإجماع المسلمين هكذا ذكروا الإجماع وقد ذكر أرباب علم القراءات في كتبهم أنه يروى عن يحيى بن آدم وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يثبت بين الأنفال وبراءة التسمية، ويروى ذلك عن زر عن عبد الله بن مسعود فإنه أثبته في مصحفه، وأما الذي نقله أصحابنا فتمسكوا فيه بمصحف عثمان وهو الذي انعقد عليه الإجماع. وأما باقي السور غير الفاتحة وبراءة ففي كونها آية من أول كل سورة ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون أصحها وأشهرها أنها آية كاملة والثاني أنها بعض آية والثالث أنها ليست بقرآن في أوائل السور غير الفاتحة والمذهب الأول. ثم هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن أم على سبيل الحكم لاختلاف العلماء فيها؟ فيه وجهان مشهوران حكاهما المحاملي وصاحب

الحاوي والبندنيجي أحدهما على سبيل القطع بمعنى أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها في أول الفاتحة ولا يكون قارئًا لسورة غيرها بكمالها إلا إذا ابتدأ بالبسملة، والصحيح أنها على سبيل الحكم إذ لا خلاف بين المسلمين أن نافيها لا يكفر ولو كانت قرآنًا قطعًا لكفر كمن نفى غيرها، فعلى هذا يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر الأحكام وإذا قلنا هي قرآن على سبيل القطع لم يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر القرآن. وإلى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة غير براءة، ذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المبارك وطائفة. وذهب آخرون إلى أنها آية من الفاتحة يحكى ذلك عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وجماعة أهل الكوفة ومكة وأكثر العراقيين وحكاه الخطابي عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ورواه البيهقي في الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب والزهري وسفيان الثوري، وفي السنن الكبير عن ابن عباس ومحمد بن كعب. وذهب آخرون إلى أنها ليست آية [كاملة] في الفاتحة ولا في أوائل السور يحكى ذلك عن مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وداود وهو أيضًا رواية عن أحمد وقد تقدم عنه غيرها. وقال أبو بكر الرازي وغيره من الحنفية: هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور بل هي قرآن مستقل كسورة قصيرة وحكي هذا عن داود وأصحابه أيضًا وهو رواية عن أحمد. وقال محمد بن الحسن: ما بين دفتي المصحف قرآن وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفًا مجمعًا عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع، وهذا في البسملة التي في أوائل السور غير براءة، وأما البسملة التي في أثناء سورة النمل {إنه من سليمان

وإنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقرآن بالإجماع فمن جحد منها حرفًا كفر بالإجماع. واحتج من لم يثبتها قرآنًا في أوائل السور -الفاتحة وغيرها- بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وبحديث أبي هريرة: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا ذكر في الحديث للبسملة وهو صحيح رواه مسلم. وبحديث أبي هريرة: "من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك"، رواه أبو داود الترمذي وقال: حديت حسن، وصححه ابن حبان، وأجمع القراء على أنها ثلاثون آية سوى البسملة. وبحديث إتيان جبريل النبي - عليه السلام - وقوله: اقرأ باسم ربك الذي خلق الحديث، رواه البخاري ومسلم. وبحديث أنس: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رواه مسلم، قالوا: ولو كانت قرآنًا لكفر جاحدها وأجمعنا أنه لا يكفر، ولأن أهل العدد مجمعون على ترك عدّها آية من غير الفاتحة، واختلفوا في عدّها في الفاتحة، وبعمل أهل المدينة في افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وبقوله - عليه السلام - لأبي بن كعب: "كيف تقرأ أم القرآن"؟ فقال: الحمد لله رب العالمين، وما في معناه من الأحاديث السابقة. واحتج من أثبتها بما ثبت في المصاحف منها بغير تمييز كما ميزوا أسماء السور وعدد الآي بالحمرة أو غيرها مما يخالف صورة المكتوب قرآنًا. فإن قيل: لعلها ثبتت للفصل بين السور، فقد أجيب عنه من وجوه: الأول: هذا تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل.

الثاني: لو كان للفصل لكتب بين براءة والأنفال ولما كتب في أول الفاتحة. الثالثة: أن الفصل كان ممكنًا بتراجم السور كما حصل بين براءة والأنفال. وعن أم سلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الفاتحة في الصلاة وعدّها آية. وعن ابن عباس في قوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} قال: الفاتحة. قيل: فأين السابعة؟ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رواهما ابن خزيمة في صحيحه. وعن أنس قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أنزلت عليّ آنفًا سورة" فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنا أعطيناك الكوثر} السورة، رواه مسلم. وعنه أنه سئل عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كانت مدّا ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد الرحمن الرحيم. رواه البخاري. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه الحاكم وصححه على شرطهما. ومن رواية عمرو بن دينار وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي كان إذا جاءه جبريل فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علم أنها سورة. وفيه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ختم السور حتى ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وبه: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صححها كلها الحاكم.

وذكر البيهقي في "سننه" عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني وهي سبع آيات وأن البسملة هي الآية السابعة. وخرّج الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها (¬1) ". وقال: رجال إسناده كلهم ثقات، وروي موقوفًا. فهذه الأحاديث محصلة للظن القوي كونها قرآنًا مع ثبوتها في المصحف والمطلوب هنا الظن لا القطع خلافًا لابن الباقلاني وأنكر عليه الغزالي وتأول القاضي: كان - عليه السلام - لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بأنه ليس كل منزل قرآنًا. قال الغزالي: وما منصف إلا يستبرد هذا التأويل واعترف بأن البسملة كتبت بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوائل السور وأنها منزلة، وهذا يوهم كل أحد أنها قرآن، فترك بيان أنها ليست قرآنًا دليل قاطع أو كالقاطع أنها قرآن. فإن قيل: لو كانت قرآنًا لبينها. فالجواب أنه - عليه السلام - اكتفى بقوله إنها منزلة وبإملائها على الكاتب وبأنها تكتب بخط القرآن كما لم يبين عند كل آية أنها قرأن اكتفاءً بعلم ذلك من قرينة الحال. فإن قيل: قوله: لا يعرف فصل السور، دليل على أنها للفصل. قلنا: موضع الدلالة قوله: حتى تنزل فأخبر بنزولها وهذه صفة كل القرآن، ¬

_ (¬1) سبق، وإنها: إحداها، أو: أحد آياتها.

وتقديره لا يعرف الشروع في سورة أخرى إلا بالبسملة فإنها لا تنزل إلا في السورة. وقال الغزالي في آخر كلامه: الغرض بيان أن المسألة ليست قطعية بل ظنية، فإن الدلالة وإن كانت معارضة فجانب الشافعي فيها أرجح وأغلب. والجواب عن قولهم لا يثبت القرآن إلا بالتواتر من وجهين: الأول: إن إثباتها في المصحف في معنى التواتر. الثاني: أن التواتر إنما يشترط فيما ثبت قرآنًا على سبيل القطع، فأما ما ثبت قرآنًا على سبيل الحكم فلا، والبسملة قرآن على سبيل الحكم على الصحيح كما سبق. وأما الجواب عن حديث: "قسمت الصلاة" فمن وجوه: أحدهما: أن البسملة إنما لم تذكر لاندراجها في الآيتين بعدها. الثاني: أن يقال: معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين فحينئذ تكون القسمة. الثالث: أن يقال المقسوم يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة واحترز بالكاملة عن قوله: {وقيل الحمد لله رب العالمين} وعن قوله: {وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}. وأما البسملة فغير مختصة. الرابع: لعله قاله قبل نزول البسملة. الخامس: قد ورد للبسملة في القسمة ذكر عند الدارقطني والبيهقي في حديث نصه فإذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يقول الله: ذكرني عبدي. لكن في إسناده ضعف.

فإن قيل أجمعوا على أن الفاتحة سبع آيات، واختلفوا في السابعة، فمن جعل البسملة آية قال: السابعة من (صراط الذين أنعمت عليهم) إلى آخر السورة. ومن نفاها قال: صراط الذين أنعمت عليهم سادسة وإلى آخر السورة سابعة. قالوا: ويترجح هذا لأن به تحصل حقيقة التنصيف، فيكون لله تعالى ثلاث آيات ونصف وللعبد مثلها وموضع التنصيف نستعين، فلو عدت البسملة آية ولم تعد غير المغضوب عليهم صار لله تعالى أربع آيات ونصف وللعبد آيتان ونصف وهذا خلاف ما في الحديث، فالجواب من أوجه: الأول: منع إرادة حقيقة التنصيف بل هو على حد قول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع فيكون المراد أن الفاتحة قسمان، فأولها لله تعالى وآخرها للعبد. الثاني: أن المراد بالتنصيف قسمة الثناء والدعاء من غير اعتبار الآيات. الثالث: أن الفاتحة إذا قسمت باعتبار الحروف والكلمات والبسملة منها كان التنصيف في شطريها أقرب مما إذا قسمت بحذف البسملة. ولعل المراد قسمتها باعتبار الحروف، فإن قيل بترجح جعل الآية السابعة غير المغضوب عليهم لقوله: إذا قال العبد اهدنا الصراط إلى آخر السورة. قال: فهؤلاء لعبدي، فلفظة هؤلاء جمع يقتضي ثلاث آيات وعلى قول الشافعي ليس للعبد إلا آيتان؟ فالجواب: إن أكثر الرواة رووه: فهذا لعبدي كذا هو عند مسلم، أو تكون الإشارة بهؤلاء إلى الكلمات أو الحروف أو إلى اثنتين ونصف من قوله: وإياك نستعين إلى آخر السورة. ومثل هذا الجمع كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} والمراد شهران وبعض

الثالث أو إلى اثنين فحسب، وذلك يطلق اسم الجمع عليه باتفاق، ولكن اختلفوا هل هو حقيقة أو مجاز والأكثرون على أنه مجاز في الاثنين حقيقة في الثلاثة. وهذا إن سلمنا أن التنصيف متوجه إلى آيات الفاتحة وهو ممنوع، وإنما التنصيف متوجه إلى الصلاة قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإن قيل المراد قراءة الصلاة قلنا بل قسمت ذكر الصلاة وهو ثناء ودعاء فالثناء منصوف إلى الله ما وقع من القراءة وما وقع في الركوع والسجود وغيرهما. والدعاء منصرف إلى العبد كذلك ولا يشترط التساوي في ذلك لما سبق. ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إخباره تقسيمه أذكار الصلاة أمرًا آخر وهو ما يقوله الله تعالى عند قراءة العبد هذه الآيات التي هي من جملة المقسوم، لأن ذلك تفسير لكل مقسوم. فإن قيل: بترجيح كونه تفسيرًا له لذكره عقيبه. قلنا: ليس كذلك، لأن قراءة الصلاة غير منحصرة في الفاتحة فحمل الحديث على قسمة الذكر أعم وأكثر فائدة. وأما الجواب عن حديث: "شفاعة تبارك"، فهو أن المراد ما سوى البسملة لأنها غير مختصة بغير السورة. ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول البسملة. وأيضًا فراوي هذا الحديث أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله. وأما الجواب عن حديث مبدأ الوحي اقرأ باسم ربك فهو أن البسملة نزلت بعد ذلك. وأما ما روي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما ألقى عليّ جبريل بسم الله

الرحمن الرحيم ونقله الواحدي في أسباب النزول عن الحسن وعكرمة فلا يثبت شيء من ذلك. وأما الجواب عن حديث أنس عند مسلم فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ويستطرد الكلام عليه الكلام على مسألة الجهر والإسرار بالبسملة. فقال بعضهم: هذه رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي وعبّر عنه على قدر فهمه، فإن اللفظ الأول الذي اتفق الحفاظ عليه: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين كذا هو عند البخاري وأبي داود والترمذي، والمراد به اسم السورة كما سبق ورواه الدارقطني فقال: فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به، وقال: هذا صحيح وهو صريح لتأويلنا فقد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلا بد من تأويل ما ظاهره خلاف ذلك، قال الشيخ أبو محمد المقدسي: ثم للناس في تأويله والكلام عليه خمس طرق: الأولى: وهي التي اختارها ابن عبد البر أنه لا يجوز الاحتجاج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها، قال مرة: يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، ومرة: لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومرة: لا يقرؤونها، ومرة: لم يسمعهم يقرؤونها، ومرة قال وقد سئل عن ذلك: كبرت ونسيت، فحاصل هذه الطريقة أنا نحكم بتعارض الروايات ولا نجعل بعضها أولى من بعض فنسقط الجميع. ونظير ما فعلوا في رد حديث أنس هذا ما نقله الخطابي في "معالم السنن" عن أحمد بن حنبل أنه رد حديث رافع في المزارعة بالاضطراب. الثانية: أن يرجح بعض ألفاظ هذه الروايات على باقيها ويرد ما خالفها إليها وإذا فعلنا ذلك فلا نجد الرجحان إلا للرواية التي على لفظ حديث عائشة: أنهم كانوا يفتتحون بالحمد أي السورة وهذه طريقة الشافعي ومن تبعه، لأن أكثر الرواة على هذا

اللفظ، فكأن أنسًا أخرج هذا الكلام مستدلًا به على من يجوّز قراءة غير الفاتحة ويبدأ بغيرها، ثم افترقت الرواة عنه، فمنهم من أداه بلفظة فأصاب ومنهم من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله كانوا لا يقرؤون أو: فلم أسمعهم يقرؤون البسملة، ومنهم من فهم الإسرار فعبر به، فإن قيل: إذا اختلفت ألفاظ حديث قضي بالمبين منها على المجمل فإن سلم أن رواية يفتتحون بالحمد مجملة فرواية لا يجهرون تبين المراد. قلنا: ورواية بأم القرآن تعين المعنى الآخر فاستويا وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن أنس وغيره، وتلك لا تحتمل تأويلًا، وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه، فأولت وجمع بين الروايات وألفاظها. الثالثة: ليس في هذه الروايات ما ينافي أحاديث الجهر الصحيحة السابقة، أما الرواية المتفق عليها فظاهرة، وإما لا يجهرون فيحمل على نفي الجهر الشديد الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: {ولا تجهر بصلاتك}، فنفى أنس الجهر الشديد بدليل أنه هو روى الجهر، وأما رواية يسرون فلم يُرد راويها حقيقة الإسرار وإنما أراد التوسط فيه وهو اختيار ابن خزيمة، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس: الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قراءة الأعراب أراد الجهر الشديد لجفائهم لأنه ممن يرى الجهر. الرابعة: ورجحها ابن خزيمة أن ترد جميع الروايات إلى معنى أنهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها، وقد ثبت الجهر بها بالأحاديت السابقة عن أنس، فكأن أنسًا بالغ في الرد على من أنكر الإسرار بها فقال: أنا صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه فرأيتهم يسرون بها أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز ولم يرد الدوام بدليل ما ثبت عنه من الجهر روايةً وفعلًا كما سبق. الخامسة: أن يقال نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس متعددة

بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان. فإن قيل فهلا حملتهم حديث أنس على أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكى ذلك عن الخلفاء بعده. قلنا: منع من ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله، وما كان ليختار لنفسه إلا ما هو آخر الأمرين. ولنرجع إلى ما كنا فيه من الرد على من قال ليست البسملة في غير سورة النمل من القرآن. وأما قولهم لو كانت قرآنًا لكفر جاحدها، فنقول لو لم تكن قرآنًا لكفر مثبتها. الثاني: أن التكفير لا يكون بالظنيات بل بالقطعيات، والبسملة ظنية. وأما قولهم أجمع أهل العدد أنها لا تعد آية، فجوابه من وجهين: الأول: ليس أهل العدد كلّ الأمة، فيكون إجماعهم حجة، بل هم طائفة من الناس عدوا كذلك، أمّا لأنه مذهبهم في نفي البسملة وإما لاعتقادهم أنها مفردة ليست من السور، بل قرآن مستقل، وإمّا لاعتقادهم أنها بعض آية وأنها مع أول السورة آية. الثاني: أنه معارض بما ورد عن ابن عباس وغيره: من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية. وأما الجواب عن نقل إجماع أهل المدينة، فلا نسلم إجماعهم، بل قد اختلف أهل المدينة في ذلك كما سبق الخلاف عن الصحابة فمن بعدهم من أهل المدينة وغيرهم، فكيف بدعوى الإجماع وقد أنكر المهاجرون والأنصار على معاوية تركها حين صلى بهم.

قال أبو عمر: الخلاف في البسملة موجود قديمًا وحديثًا، قال: ولم يختلف أهل مكة أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول آية من الفاتحة ولو ثبت إجماع أهل المدينة لم يكن حجة مع وجود الخلاف لغيرهم هذا مذهب الجمهور. وأما قولهم: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب: "كيف تقرأ أم القرآن فقال: الحمد لله رب العالمين"، فجوابه أن هذا غير ثابت وإنما لفظه في كتاب الترمذي: "كيف تقرأ في الصلاة"، فقرأ أم القرآن وهذا لا دليل فيه، وفي سنن الدارقطني عكس ما ذكروه، وهو أنه - عليه السلام - قال لبريدة: "بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة"؟ قال: قلت: ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعن علي وجابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. فصل وأمّا الاحتجاج للمذاهب السابقة من الجهر بها أو الإسرار بها أو عدم الإتيان بها: فأما من رأى الإسرار بها فيحتج بحديث أنس: فلم أسمع أحد منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقد تقدمت طرقه. وحديث ابن مسعود: ما جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة مكتوبة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحديث وما في معناهما مما سبق. قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ وذكروا في ذلك حديث ابن عباس: أنه كان بمكة فكان المشركون يقولون: يدعو إلى رحمن اليمامة فتركه. وما ذكرناه من قول الدارقطني: لم يصح في الجهر بها حديث وبقول بعض التابعين: بدعة كما تقدم. وقالوا: قياسًا على التعوذ، وقالوا: لو كان الجهر بها ثابتًا لنقل نقلًا متواترًا

لوروده في سائر القراءة. واحتج أصحابنا على الجهر بها بالأحاديث والآثار السابقة في ذلك، قالوا: ولم يرد تصريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي عدم الجهر بها إلا في روايتين عن ابن مغفل وأنس وقد سبق تضعيف الأولى وتعليل الثانية. ومنهم من استدل بحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا حجة فيه للإسرار، وإنما يمكن أن يحتج به لمذهب مالك كما سيأتي. واحتجوا على الجهر بها بحديث أبي هريرة: لا صلاة إلا بقراءة، فما أعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلنّاه وما أخفى أخفيناه، وكان ممن يجهر بالبسملة، فصار ذلك عن أبي هريرة رأيًا ورواية وهو في الصحيح، ومثله عن أبي هريرة حديث: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدم؛ صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وتقدم عن أبي هريرة في ذلك عدة أحاديث. وبحديث قتادة عن أنس: كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كانت مدًّا ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال الحازمي: هذا حديث صحيح لا نعلم له علة وفيه دلالة على الجهر مطلقًا فيتناول الصلاة وغيرها، لأن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبينها، ولمَّا أطلق الجواب دل على أن القراءة كانت كذلك في الصلاة وغيرها. وأما ما حكي عن الدارقطني: لا يصح فيها حديث فلا يصح هذا عن الدارقطني لأنه صحح في "سننه" في ذلك عدة أحاديث، وقد ذكرنا شيئًا منها. وأما قول بعض التابعين بدعة فلا حجة فيه إن ثبت عنه لأنه أخبر عن

اعتقاده كما قال أبو حنيفة العقيقة بدعة وصلاة الاستسقاء (¬1) بدعة، وقول واحد لا يكون حجة على الأكثرين. وأما قياسهم ذلك على التعوذ فجوابه أن البسملة من الفاتحة ولم يقل أحد في التعوذ بذلك ومرسومة في المصحف بخلاف التعوذ أيضًا. وأما قولهم لو كان الجهر بها ثابتًا لنقل متواترًا فلا يلزم، لأنه ليس كل حكم متواترًا. وأما ما ذهب إليه من حكينا عنه أنه لا يأتي بها جهرًا ولا سرًّا كمالك رحمه الله ومن ذكر هناك معه فيحتجون بحديث ابن مغفل وبكثير من ألفاظ حديث أنس فكانوا لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو لا يقرؤون أو ما في معنى ذلك. والجواب عن كلا الحديثين أن من أثبت حجة على من نفى مع ما سبق من إعلال الخبرين المذكورين، وقد سبق الجواب عن حديث أنس من وجوه، منها حمل الألفاظ المختلفة فيه من: لا يقرؤون ولا يجهرون وغير ذلك على رواية روى: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وتأويل هذا اللفظ على أن المراد به البداءة بالفاتحة يعني قبل السورة. وزعم بعضهم أن ما ورد في الحديث من قوله لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها من تفسير بعض رواة الحديث [عن أنس] (¬2) أو عمن دونه على حسب فهمه وليس فهمه حجة على غيره، وليس من كلام أنس لسقوطه عن جل رواة هذا الخبر، فيكون عنده من المدرج. والمدرج عندهم على أنواع، منها ما أدرج في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: الكسوف! (¬2) ما بين المعقوفتين، من الأصل فقط، ولعل الصواب حذفها.

بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقب ما يرويه من الحديث كلامًا من عند نفسه فيرويه مَنْ بعده موصولًا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو الفتح: والكلام في هذه المسألة طويل، وقد أفرد لها جماعة من أكابر العلماء تصانيف أودعوها من صحيح الخبر وسقيمه و ......... الرأي وقويه أفانين جمعوا بين أوجها وحضيضها وأجلبوا بقضها وقضيضها، لم أضمن هذه الأوراق من مختارها إلا النزر اليسير ولا أودعتها من خلاصتها إلا القليل من الكثير. وقد رأيت أن أختم الكلام في هذا الفصل بما رأيته عن بعض العلماء من الظاهرية قال ما معناه: إن القراءات السبع متواترة كلها إجماعًا، والبسملة ثابتة في بعضها يقينًا آية من الفاتحة وساقطة في بعضها كذلك وفرض الإتيان بالفاتحة بكمالها في الصلاة ثابت مع القدرة عندنا، فمن قرأ في صلاته برواية عاصم أو الكسائي أو ابن كثير أو غيرهم ممن يراها آية من الفاتحة ففرض عليه الإتيان بها لا تتم صلاته إلا بذلك، لأنه إن لم يأت بها لم يكن مكملًا لقراءة الفاتحة من غير عذر، ومن قرأ في صلاته برواية أبي عمرو أو ابن عامر أو غيرهما ممن لا يراها آية من الفاتحة فهو مخير بين الإتيان بها وعدمه. ولم يسبق حكاية هذا مذهبًا لأحد ممن حكينا مذاهبهم ولمن أوجبها مطلقًا أن يقول: ثبت حكمها بالأخبار الثابتة حيث لم تثبت قراءة، إذ ليست فرائض الصلاة ولا .... كلها تثبت بالقرآن. وأما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: واعلم أن مسألة الجهر ليست مرتبة على إثبات مسألة البسملة، لأن جماعة ممن يرى الجهر لا يعتقدونها قرآنًا، لأنها من السنن كالتعوذ والتأمين وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآنًا.

وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجح عند كل فريق من الأخبار والآثار، فنقول هنا مسألتان: الأولى: الإتيان بها وعدمه وهذا هو المهم في الفرض الذي لا تتم الصلاة إلا به عند من رآه. ولا شيء أحسن ولا أقوى من بناء ذلك على كونها قرانًا بالإجماع بطريق التواتر أولًا، وتصريف الحكم فيها على ذلك. الثانية: مسألة الجهر بها أو الإسرار إنما تنبني على مسألة الإتيان بها. وأكثر ما فيه خلاف في مستحب أو مسنون، وليس شيء من ترك الجهر يقدح في الصلاة ببطلان، فمن بنى قوله في الجهر بها أو الإسرار على ما ترجح عنده من السنن والآثار في ذلك المعارضة بما ليس عنده في درجتها فلا حرج عليه في ذلك. * * *

69 - باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب

69 - باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي أبو عبد الله العدني وعلي بن حجر قالا ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى: حديث عبادة حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وغيرهم. قالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب. وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. سمعت ابن أبي عمر يقول: اختلفت إلى ابن عيينة ثمانية عشرة سنة وكان الحميدي أكبر مني بسنة. وسمعت ابن أبي عمر يقول: حججت سبعين حجة ماشيًا. * الكلام عليه: حديث عبادة رواه البخاري ومسلم. وحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثًا غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" الحديث السابق في الباب قبل هذا رواه مسلم.

وفيه عن أبي هريرة أيضًا قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وسيأتي. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب". صححه ابن خزيمة وابن حبان. وحديث عائشة عند ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج". وحديث عبد الله بن عمرو عنده أيضًا من حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج". روي حديث عائشة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى عن ابن (¬1) إسحاق. وحديث عبد الله بن عمرو [من طريق الوليد بن عمرو] (¬2) بن مسكين عن يوسف بن يعقوب السلمي عن حسين، وحديث أنس قد تقدم في الباب قبل هذا من طرق كثيرة أنه صلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر -وفي بعض ألفاظه: وعثمان، وفي بعضها: وعلي ولا يثبت- فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وتقدم ذكر من أخرجه. وحديث أبي قتادة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بأم الكتاب ... الحديث أخرجه أبو ¬

_ (¬1) السندي: أبي إسحاق. (¬2) زيادة يقتضيها السياق.

داود عن ابن مثنى والنسائي عن قتيبة جميعًا عن ابن أبي عدي عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وعبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة به. وفي الباب مما لم يذكره عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. رواه الإمام أحمد وأبو داود. ورواه ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة في فريضة أو غيرها". رواه عن أبي كريب ثنا محمد بن الفضل ح وثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر جميعًا عن أبي سفيان. أبو سفيان السعدي طريف بن شهاب ضعفوه، وهو عند أبي دواد بسند صحيح. وفيه عن أبي الدرداء قال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد ثنا إسحاق بن سليمان نا معاوية بن يحيى عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: سأل رجل فقال: أقرأ والإمام يقرأ؟ قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفي كل صلاة قراءة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فقال رجل من القوم: وجب هذا. رواه النسائي وقال: هذا خطأ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من قول أبي الدرداء. وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

رواه ابن ماجه من حديث يزيد الفقير عنه. وفيه عن علي من حديث أبي حاتم الرازي نا عبد الله أبو مسلمة المصري نا أبو مروان نا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: "كل صلاة لم يقرأ فيها أم الكتاب فهي خداج"، ذكر ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ عن الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي عنه. قوله: (وسمعت ابن أبي عمر يقول) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله، سكن مكة سمع سفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردي ويزيد بن هارون ومعن بن عيسى وعبد العزيز بن عبد الصمد ووكيع بن الجراح وعبد الوهاب الثقفي ومروان الفزاري وعبد الرزاق وسعيد بن سالم القدّاح ويحيى بن سليم الطائفي وحسين الجعفي ومعتمر بن سليمان وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد وخلقًا سواهم. وروى عنه مسلم وابن ماجه والمفضل بن محمد الجَنَدي وإسحاق بن أحمد بن نافع روى عنه "مسنده" وأحمد بن عمرو الخلال وروى النسائي عن رجل عنه. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان العدني رجلًا صالحًا وكان به غفلة رأيت عنده حديثًا موضوعًا حدث به عن ابن عيينة، وكان صدوقًا قيل حج سبعًا وسبعين حجة وكان كثير الطواف. وسئل أحمد عن يكتب حديثه؟ فقال: بمكة ابن أبي عمر. ووثقه ابن حبان. قال البخاري: مات بمكة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

الخداج النقصان قاله الخليل وغيره، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تامًّا، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان تمام الولادة، ومنه قيل لذي الثدية مخدج اليد أي ناقصها، قالوا: فقوله - عليه السلام - خداج أي ذات خداج، وقال آخرون. خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام. الثانية: فاتحة الكتاب اسم للسورة وتسمى أيضًا أم القرآن وسورة الكنز والوافية وسورة الحمد والمثاني لأنها تثنى في كل ركعة وسورة الصلاة لأنها تكون مجزئة أو فاضلة تقرأ فيها وسورة الشفاء والشافية ذكره الزمخشري. وزاد غيره: الأساس يحكى عن ابن عباس، وأم الكتاب، وحكى الماوردي عن الحسن وابن سيرين المنع من ذلك، قالا إنما ذلك اسم للوح المحفوظ. وقد روى مسلم وأبو داود تسميتها بذلك من حديث أبي هريرة مرفوعًا. الثالثة: القراءة: الذي ذهب إليه الجمهور أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة، إلا ما حكاه أبو الطيب الطبري عن الحسن بن صالح وأبي بكر الأصم أنه لا تجب القراءة بل هي مستحبة، واحتج بما روي عن عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فقيل له فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسنًا قال: فلا بأس. وعن علي أنه قال له رجل: إني صليت ولم أقرأ، قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم قال: تمت صلاتك. رواهما أبو عمر. وعن زيد بن ثابت قال: القراءة سنة ذكره البيهقي. ويجاب عن ذلك، أما الرواية عن عمر فمن طريق محمد بن إبراهيم التيمي واختلف عنه فتارة يقول: عن عمر وتارة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر وكلاهما منقطع، وقد روي عن عمر متصلًا من وجوه أنه أعاد تلك الصلاة من طريق همام بن الحارث وعبد الله بن عمر وزياد بن عياض وعكرمة بن خالد كلهم عن عمر

بأسانيد صحيحة وأكثرها متصل. وأما الرواية عن علي فمن طريق الحارث الأعور ولا تقوم به حجة. وأما زيد بن ثابت فلم يذكر الصلاة وإنما أراد القراءة سنة على ما جاء في المصحف لا يجوز مخالفته وإن كان على مقاييس العربية بل حروف القراءة في المصحف سنة متبعة ذكر معناه البيهقي. الرابعة: قراءة فاتحة الكتاب الذي ذهب إليه الجمهور أنها فرض لا تجوز الصلاة بدونها، يروى ذلك عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وخوات بن جبير وعبادة بن الصامت وابن عمر ورجاء بن حيوة والحسن البصري وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وابن عون. وإليه ذهب الأوزاعي ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو أيضًا رواية عن الثوري وداود. والاحتجاج لهم بما سبق من أحاديث الباب وما في معناها. وقال آخرون: لا يتعين لكن يستحب وممن قال بذلك أبو حنيفة وفي رواية عنه تجب ولا تشترط واحتجوا بقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} يعني القرآن، وبقوله - عليه السلام - في تعليم المسيء صلاته: "ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن"، وهو عليه السلام في مقام التعليم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وعن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها". ومن حديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام -: "لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب". وذكروا ما روى ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن

ابن عباس: لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث صلاة أبي بكر بالناس ومجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وفيه: فكان أبو بكر يأتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والناس يأتمون بأبي بكر، قال ابن عباس: وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر. قال وكيع: وكذا السنة، قال: فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ذلك. رواه عن علي بن محمد عن وكيع عن إسرائيل عنه. الأرقم قال أبو زرعة: ثقة. ومن عداه مشهور مخرج له في الصحيح. وأجابوا عن حديث عبادة: "لا صلاة إلا بأم القرآن" أن المراد نفي الكمال لا نفي الإجزاء، وكذلك عن حديث أبي هريرة: "فهي خداج"، أن النقص لا يستلزم البطلان. وذكر الطحاوي في ذلك ما رواه ابن ماجه من حديث شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب يعني ابن أبي وداعة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى مثنى وتشهَّد في كل ركعتين وتبؤس وتقنع، ويقول: اللهم اغفر لي فمن لم يفعل ذلك فهو خداج". رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة بن سوار عنه. قول ابن ماجه: يعني: ابن أبي وداعة وهم كذا هو عندهم. ورواه أبو داود عن ابن مثنى عن معاذ بن معاذ عن شعبة وذكره الترمذي وسيأتي كلامه عليه. وعند غير ابن ماجه المطلب بن عبد الله بن ربيعة وسيأتي الصواب من ذلك

عند الكلام عليه في "جامع الترمذي" إن شاء الله تعالى. ومعنى تقنع ترفع يديك بالدعاء. والجواب عن الآية أنها نزلت في قيام الليل، وعن حديث المسيء صلاته أنه يعني بالمتيسر الفاتحة ذلك أن قوله - عليه السلام - ما تيسر في هذا الحديث مجمل فسره: "لا صلاة إلا بأم القرآن" في الحديث الآخر أو أنه لم يكن يحسن الفاتحة، فإن المراد من تلك المراجعة إنما هو التنبيه على وجوب الطمأنينة في الأركان وأن ذلك هو الذي توجه الرد بسببه. وحديث أبي سعيد لا ندري بهذا اللفظ من أين جاء، وقد صح عن أبي سعيد من طريق أبي داود قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. إسناده صحيح ورواته ثقات. وأما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود من حديث جعفر بن ميمون عن أبي عثمان النهدي عنه من طريقين. حدث به عن إبراهيم بن موسى هو الفراء عن عيسى بن يونس عنه باللفظ الذي ذكرناه. وحدث به عن محمد بن بشار نا يحيى عن جعفر فقال فيه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد. جعفر بن ميمون قال النسائي: ليس بثقة. وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث. وقال ابن عدي: يكتب حديثه في الضعفاء وليست رواية الفراء عن عيسى عنه بأولى من رواية بندار عن يحيى عنه.

وأما حديث ابن عباس في إمامة أبي بكر بالمسلمين فذكره البزار ثنا يوسف بن موسى ثنا محمد بن الصلت ثنا قيس عن عبد الله بن أبي السفر عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس عن العباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلي بالناس فقرأ من حيث انتهى إليه أبو بكر. قال البزار: لا نعلم رُوي هذا الكلام إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. قال أبو الفتح: فبداءته - عليه السلام - بالقراءة من حيث انتهى أبو بكر إنما وقع مسندًا متصلًا من هذه الطريق عن ابن عباس عن أبيه. ووقع في الطريق الأولى منفصلًا عن الخبر بعد تمامه محكيًا عن ابن عباس قولًا قاله لا يُدرى هل هو متصل أم لا. ويرجح عدم اتصاله قول البزار: إنه لا يروى ذلك اللفظ إلا من الوجه الذي ذكره وإذا كان كذلك فقيس في الإسناد هو ابن الربيع وهو من اعتراه من ضعف الرواية وسوء الحفظ بولاية القضاء ما اعترى ابن أبي ليلى وشريكًا وقد وثقه قوم وضعفه آخرون، ولعله باعتبار حاليه قبل الولاية وبعدها، وأيضًا كان له ابن يدخل عليه ما ليس من حديثه، قال ابن نمير: كان له ابن هو آفته. وأما جوابهم عن حديث عبادة وما في معناه من قوله: "لا صلاة إلا بأم القرآن" أن المراد نفي الكمال فيقال عليه: الأصل عند الإطلاق الحمل على الحقيقة ولا يعدل إلى الحمل على المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، وكذلك إذا قلنا أيضًا بالحمل على المجاز عند تعذر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء الذي ذهبنا إليه أقرب إلى نفي (¬1) الحقيقة من نفي الكمال فالحمل عليه أولى. ¬

_ (¬1) كذا!

وأما الجواب عن حديث أبي هريرة: "فهي خداج" بأن النقص لا يستلزم البطلان فالأصل فيه أن الصلاة الناقصة لا تسمى صلاة حقيقية، ثم النقص من الصلاة على قسمين: - نقص يستلزم البطلان وهو النقص من الفرائض وهو النقص حقيقة. - ونقص من النوافل لا يستلزم البطلان أطلق عليه النقص إطلاقًا مجازيًّا من باب مجاز التشبيه من حيث هو مشبه للنقص الآخر في الظاهر، والحمل على النقص الحقيقي أولى من الحمل على المجازي كما سبق. وأما حديث المطلب الذي ذكره الطحاوي ففيه من الاضطراب والإعلال ما يأتي بيانه في موضعه. ثم نقول: تضمن رفع اليدين في الدعاء والدعاء بالمغفرة وهو الذي اتصل به قوله: (فمن لم يفعل ذلك فهو خداج)، فالضمير في (فهو) ليس عائدًا على الصلاة بالمغفرة، إنما هو عائد على من فاته ما ذكر فيه من رفع اليدين والدعاء بالمغفرة، يريد أن فعل ما فاته ذلك خداج أي ناقص أجر من فعله. الخامسة: اختلف القائلون بأن الفاتحة لا تتعين في مقدار ما يقوم مقامها. فعن أبي حنيفة ثلاث روايات: أحداها: آية تامة. الثانية: ما تناوله الاسم، قال الرازي: وهو الصحيح عندنا. الثالثة: ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، وبه قال أبو يوسف ومحمد. السادسة: تجب قراءتها عندنا في كل ركعة لما ثبت من حديث المسيء صلاته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"، فاقتضى ذلك أن المطلوب

في الركعة الأولى مطلوب في بقية الركعات مثله ما لم يأت نص يخص من ذلك شيئًا. وقد اختلف العلماء في ذلك، فحكى الوجوب في الجميع عن علي وجابر وعن ابن عون والأوزاعي وأبي ثور، وإليه ذهب أحمد وداود وبه قال مالك: إلا في الناسي على التفصيل الذي يأتي. وقال أبو حنيفة: تجب القراءة في الركعتين الأوليين، وأما الأخريان فلا، بل إن شاء قرأ وإن شاء سبَّح وإن شاء سكت وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس في ذلك خبرين صحيحين: أحدهما: عن عكرمة عنه: لا أدري هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر أم لا. والآخر: أنه سئل هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر فقال: لا. فقيل: لعله كان يقرأ في نفسه، فقال: هذه شر من الأولى كان عبدًا مأمورًا بلغ ما أرسل به ... الحديث. وعن علي: أنه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين. وحديث: "لا صلاة إلا بأم القرآن"، قالوا: وهو لا يقتضي التكرار، وهو قول إبراهيم النخعي. وقال الحسن البصري: لا تجب القراءة إلا في ركعة من الصلاة وعن إسحاق مثله. السابعة: الناسي قراءة الفاتحة في ركعة من الصلاة، لا تصح صلاته عندنا

وإليه ذهب أحمد واختيار ابن القاسم فيما روى عن مالك من ذلك كمن (¬1) نسيها في ركعة من صلاة ركعتين أن صلاته تفسد وتبطل أصلًا ولا تجزئه، واختلف قوله فيمن تركها ناسيًا في ركعة من صلاة رباعية، أو ثلاثية فقال: مرة يعيد الصلاة ولا تجزئه كما حكيناه عن ابن القاسم، وقال مرة: يسجد سجدتي السهو وتجزئه وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عن مالك وقال مرة: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام. الثامنة: حكم القراءة خلف الإمام وسيأتي في بابه. التاسعة: الترجمة عن الفاتحة بلغة أخرى وذلك غير حائز عندنا سواء أمكنته العربية أم لا، وإليه ذهب مالك وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة: يجوز وتصح به الصلاة مطلقًا. وقال أبو يوسف: تجوز للعاجز دون القادر. العاشرة: يجب أن تقرأ مرتبة متوالية، لأنه - عليه السلام - كان يقرأ كذلك، وثبت أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". فإن ترك الترتيب متعمدًا بطلت قراءته ولا تبطل صلاته وإن فعل ذلك ساهيًا لم يعتد بالمؤخر ويبني على المرتب من أول الفاتحة إلا أن يطول الفصل فيجب استئناف القراءة. الحادية عشرة: الذي لا يحسن الفاتحة وتعذر عليه أن يتعلمها ويقرأ بعدد آياتها سبع آيات، وهل يعتبر عدد الحروف؟ فيه قولان: ¬

_ (¬1) هذا ما استظهرته من الأصل لعدم وضوح التصوير، وفي نسخة السندي .... (كلمة غير واضحة) إن نسيها. والله أعلم بالصواب.

وإن لم يحسن شيئًا من القرآن فعليه أن يأتي بما في حديث ابن أبي أوفى: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزئني منه. قال: "قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال: يا رسول الله هذا لله فما لي؟ قال: "قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني". رواه أبو داود والنسائي من طريق إبراهيم السكسكي وهو ضعيف، والصحيح عند الأصحاب أنه يذكر ولا يتعين عليه ذكر مخصوص بل يقول ما شاء من الأذكار التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغيرها فتجب سبعة الأذكار. فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدر القراءة والأصل في ذلك قول النبي عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". الثانية عشرة: المسبوق تسقط عنه الفاتحة ويحملها عنه الإمام بشرط أن تكون تلك الركعة محسوبة للإمام احترازًا من الإمام المحدث، والذي قام إلى الخامسة ناسيًا هذا مذهب الجماعة. وذكر صاحب التتمة عن أبي عاصم العبادي أنه حكى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة: لا يدرك الركعة بإدراك الركوع، ويجب تداركها. واحتج بما روى عن أبي هريرة أنه - عليه السلام - قال: "من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة"، وروي مثله عن أبي بكر الضبعي، وإليه ذهب بعض أهل الظاهر قال: فإن جاء والإمام راكع ركع معه ولا يعتد بتلك الركعة لأنه لم يدرك القيام ولا القراءة ولكن يقضيها إذا سلم الإمام وردَّ ما يحتج به في ذلك من الآثار الصحيحة وقال: من أدرك الركوع فقد فاتته الوقفة وأم القرآن وكلاهما فرض عليه لا تتم الصلاة إلا به وهو مأمور بنص كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضاء ما سبقه وإتمام ما فاته فلا يجوز تخصيص شيء

من ذلك بغير نص. وذكر من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: "إذا أتيت القوم وهو ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف". وروي عنه أيضًا أن لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن. وذكر عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف، فلما فرغ الإمام قمت أقضي فقال ابن مسعود: قد أدركته، قال: فهذا إيجاب القضاء أيضًا عن زيد بن وهب. * * *

70 - باب ما جاء في التأمين

70 - باب ما جاء في التأمين ثنا بندار محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: "آمين" ومد بها صوته. وفي الباب عن علي وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث وائل بن حجر حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، من بعدهم، يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها. وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: "آمين" وخفض بها صوته. وسمعت محمدًا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث فقال: عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن وزاد فيه عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة وإنما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر وقال: وخفض بها صوته وإنما هو مدَّ بها صوته. قال: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة. قال: وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان.

حدثنا أبو بكر محمد بن أبان ثنا عبد الله بن نمير ثنا العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث سفيان عن سلمة بن كهيل. * الكلام عليه: حديث وائل أخرجه الإمام أحمد وأبو داود، ورواه ابن ماجه قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قال: ولا الضالين قال: آمين فسمعناها منه. وليس هو من رواية سفيان ولا شعبة. ورواه الدارقطني: يرفع صوته بآمين إذا قرأ غير الغضوب عليهم ولا الضالين. رواة حديث وائل هذا كلهم ثقات، أما حجر بن عنبس فهو كوفي أدرك الجاهلية ولم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع عليًّا ووائل بن حجر. روى عنه سلمة بن كهيل وموسى بن قيس الحضرمي والمغيرة بن أبي الحر الكندي قال ابن معين: شيخ كوفي ثقة مشهور. وقال الخطيب: كان ثقة احتج بحديثه غير واحد من الأئمة. وأما بقيتهم فمخرج حديثهم في الصحيح. وللحديث شواهد فينبغي أن يكون صحيحًا ولا يقدح في تصحيحه اضطراب متنه بالخلف الواقع بين شعبة وسفيان لأمرين: الأول: ترجيح رواية سفيان بمتابعة من تابعه على روايته بلفظه وهو العلاء بن صالح وقد روى عنه عبد الله بن نمير وأبو أحمد الزبيري وأبو نعيم، وثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لا بأس به والحديث عند أبي داود من طريقه وسماه علي بن صالح وقد روى الترمذي لشخص آخر يسمى علي بن صالح ذكره ابن حبان في الثقات وهو غير هذا.

وأما رواية ابن ماجه فمن طريق أبي بكر بن عياش عن ابن إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه فهي شاهدة للفظ سفيان وكذلك حديث علي الذي أشار إليه الترمذي هو عند ابن ماجه من حديث سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي - عليه السلام - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال ولا الضالين قال: "آمين". وحديث أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول. رواه أبو داود وابن ماجه وزاد فيه: فيرتج بها المسجد. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن وصححه الحاكم. الثاني: قد يعبر بالمد عن الإطالة ويعبر بالمد عن رفع الصوت، فعلى الأول لا تعارُض يمد صوته مطيلًا غير رافع، وعلى الثاني أيضًا فقد يكون رفعًا بالنسبة إلى ما يخافت به المصلي أو إلى الصلاة السرية وخفضًا بالنسبة إلى ما جهر به الإمام من القراءة أو التكبير. وفي الباب مما لم يذكره عن بلال أنه قال: يا رسول الله لا تسبقني بتأمين، من طريق أبي عثمان النهدي عن بلال رواه أبو داود، وقد قال بعض أهل العلم: إن أبا عثمان لم يدرك بلالًا. وفيه عن أبي موسى الأشعري قال أبو عوانة ....... في "مسنده": نا سهل بن بحر الجنديسابوري ثنا ابن رشيد نا أبو عبيدة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا، وإذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين". الكلام على لفظة (آمين) وحكمها في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى.

71 - باب ما جاء في فضل التأمين

71 - باب ما جاء في فضل التأمين حدثنا أبو كريب ثنا زيد بن حباب حدثني مالك بن أنس أنا الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمّن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه". وفي رواية الإمام أحمد: "فإن الملائكة تقول: آمين وإن الإمام يقول آمين". وروي فيه عن أبي هريرة من غير وجه. وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم وكلاهما عند ابن ماجه. أما حديث عائشة فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين". ورواه أيضًا الإمام أحمد بمعناه. وأما حديث ابن عباس فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين" أخرجه من حديث طلحة بن عمرو وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم.

وقال الشافعي: أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين ومن خلفهم آمين حتى إن للمسجد للجة. وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا: قال عطاء. وزعم بعض المتأخرين من الفضلاء أن مثل هذا التعليق من البخاري يقتضي الصحة وليس بشيء. وفيه مسائل: الأولى: لفظة (آمين) فيها لغتان مشهورتان أفصحهما آمين بالمد وتخفيف الميم. قال: ويرحم الله عبدًا قال آمينا وبها جاءت الروايات في هذه الأحاديث. الثانية: (آمين) بالقصر وتخفيف الميم حكاها ثعلب قال: آمين فزاد الله ما بيننا بعدًا وهي دون التي قبلها. وحكى الواحدي. ثالثة: آمين بالإمالة والمد مخففة الميم ذكرها عن حمزة والكسائي. ورابعة: آمين بالمد وتشديد الميم، قال: وروي ذلك عن الحسن البصري والحسين بن الفضل وقد جاء عن جعفر الصادق أن تأويله قاصدين إليك وأنت أكرم من يجيب قاصدًا. وحكى لغة بالتشديد أيضًا القاضي عياض وأنكرها ابن السكيت وغيره وزعموا أنها من لحن العوام.

وقال القاضي حسين في "تعليقه": لا يجوز تشديد الميم، قال: وهذا أول لحن سُمع من الحسين بن الفضل حين دخل خراسان. وقال صاحب "التتمة": لا يجوز التشديد فإن شدد بطلت صلاته. وقال الشيخان أبو محمد الجويني ونصر المقدسي: التشديد لا تعرفه العرب وإن كانت الصلاة لا تبطل به لقصده الدعاء. قال أهل العربية: آمين موضوعة موضع اسم الاستجابة كما أن صه موضوعة للسكوت، قالوا: وحق آمين الوقف لأنها كالأصوات فإن حركها محرك ووصلها بشيء بعدها فتحها لالتقاء الساكنين وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء كما فتحوا أين وكيف. واختلف العلماء في معناها، فقال الجمهور من أهل اللغة والغريب والفقه: معناه اللهم استجب، وقيل: ليكن كذلك، وقيل: افعل وقيل: لا تخيّب رجاءنا، وقيل: لا يقدر على هذا غيرك. وقال آخرون: هو طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآيات، وقيل: هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله. وقيل: هو اسم لله تعالى وهو ضعيف. الثانية: فيه دليل على وجود الملائكة ودعائهم للمصلين كما قال: {ويستغفرون لمن في الأرض}. الثالثة: فيه الترغيب في التأمين لما وعد به قائله من تأمين الملائكة على تأمينه وهو قَمِنَ بالإجابة وكما يستحسن من المصلي المثابرة على مساوقة الملائكة في التأمين رجاء الإجابة، فكذلك يستقبح منه الإعراض عن التعرض لتأمينهم معه لما

فيه من مظنة الإجابة. وروى أبو داود من حديث الفريابي عن صبيح بن محرز حدثني أبو مصبح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة فإذا دعا الرجل منا بدعاء، قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. وذكر في ذلك خبرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. صبيح بضم الصاد وثقه ابن حبان، وأبو مصبح وثقه أبو زرعة. الرابعة: قوله: (حتى إن للمسجد للجة) هو بفتح اللام وتشديد الجيم وهو اختلاط الأصوات. الخامسة: التأمين سنة لكل مصل فرغ من قراءة الفاتحة سواء الإمام والمأموم والمنفرد: الرجل والمرأة والصبي والقائم والقاعد والمضطجع والمفترض والمتنفل في الصلاة، السرية والجهرية لا خلاف في شيء من هذا عند أصحابنا، ويستحب التأمين أيضًا لمن فرغ من قراءة الفاتحة وإن لم يكن في الصلاة، لكنه في الصلاة أشد استحبابًا وقد اختلف الناس في شيء من ذلك كما سيأتي. السادسة: إن كانت الصلاة سرية أسر الإمام وغيره بالتأمين تبعًا للقراءة وإن كانت جهرية وجهر بالقراءة استحب للإمام الجهر بالتأمين. السابعة: المنفرد قطع الجمهور بأنه يسن له الجهر بالتأمين كالإمام وقيل يسر به وهو شاذ ضعيف. الثامنة: المأموم الأصح أنه يجهر به هذا إذا أمن الإمام، أما إذا لم يؤمن فيستحب للمأموم التأمين جهرًا بلا خلاف نص عليه في "الأم" واتفقوا عليه ليسمعه الإمام فيأتي به وسواء تركه الإمام عمدًا أو سهوًا.

التاسعة: يستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام لقوله - عليه السلام -: "فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة" الحديث فينبغي أن يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة في حين واحد. وأما قوله: "إذا أمن فأمنوا" فالمراد إذا أراد التأمين، يستفاد ذلك من الحديث الآخر: "إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين". العاشرة: إذا لم يقل آمين لم يقضه إذا فاته ذلك بعد الفراغ من الفاتحة، قالوا: إذا اشتغل بغيره فات ولم يرجع إليه، وقال صاحب "الحاوي": فإن ترك التأمين ناسيًا فذكره قبل قراءة السورة أمّن، وإن ذكره في الركوع لم يؤمن وإن ذكره في القراءة فهل يؤمن؟ فيه وجهان مخرجان من القولين فيمن نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة. الحادية عشرة: يستحب أن لا يصل لفظة (آمين) بقوله: ولا الضالين بل يفصل بسكتة لطيفة جدًّا ليعلم أن آمين ليست بقرآن. ومن قال: يتبع التأمين القراءة فمحمول على أن مراده لا يفصل بين القراءة والتأمين بسكوت طويل. الثانية عشرة: قال الشافعي: في "الأم": لو قال: آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله تعالى كان حسنًا ولا يقطع الصلاة شيء من ذكر الله تعالى. الثالثة عشرة: في ذكر مذاهب السلف في شيء من هذه الفروع وقد ذكرنا استحباب التأمين للإمام والمأموم والمنفرد وأن الإمام والمنفرد يجهران به وكذا المأموم على الأصح. وحكى القاضي أبو الطيب والعبدري الجهر به عن طاوس وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وداود وهو مذهب ابن الزبير.

وقال أبو حنيفة والثوري يسرون بالتأمين، وكذا قال مالك في المأموم وعنه في الإمام روايتان: إحداها: يسر به. والثانية: لا يأتي به، وكذا المنفرد عنده. واحتج الحنفيون برواية شعبة: خفض بها صوته وقد تقدم تعليلها. وقال المالكيون: سنة الدعاء تأمين السامع دون الداعي وآخر الفاتحة دعاء فلا يؤمن الإمام لأنه داع فقاسوا الدعاء الخاص المأمور بالتأمين فيه من الداعي والسامع على الدعاء العام الذي ليس كذلك والشرع قد فرق بينهما. * * *

72 - باب ما جاء في السكتتين في الصلاة

72 - باب ما جاء في السكتتين في الصلاة ثنا أبو موسى محمد بن المثنى نا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنكر ذلك عمران بن الحصين وقال: حفظنا سكتة فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أُبي: أن حفظ سمرة. قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ ولا الضالين ثم قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادّ إليه نَفَسُه. قال: وفي الباب عن أبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث سمرة حديث حسن، وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا. * الكلام عليه: حديث سمرة رواه الإمام أحمد وأبو داود من طرق منها عن ابن مثنى بسنده سواء وابن ماجه، وقد تقدم الكلام في سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة، وقد صحح الترمذي حديث الحسن عنه في غير موضع، فمن ذلك: حديث: نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. رواه عن ابن مثنى عن ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن. وحديث: "جار الدار أحق بدار الجار"، رواه عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية عن سعيد عن قتادة عن الحسن.

وحديث: "لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار"، عن ابن مثنى عن ابن مهدي عن هشام عن قتادة. وحديث: "الحسب المال والكرم التقوى"، رواه عن الفضل بن سهل الأعرج وغير واحد عن يونس بن محمد عن سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن. وحديث: "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وقد كان هذا الحديث من هذا الوجه جديرًا بالتصحيح على مقتضى هذا التصرف؛ فإنه قد صحح من حديث سعيد عن قتادة عن الحسن حديث: جار الجار، وهي عنده من روايته عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية عن سعيد وكذلك هذا من حديثه عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى وكلاهما من شرط الصحيح. وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى القرشي السامي من ولد سامة بن لؤي، وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة وغيرهما، وروى له الستة في كتبهم، مات سنة سبع (¬1) وثمانين ومائة. وحديث أبي هريرة الذي نذكره شاهد له، وقد قال الدارقطني: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، وكذلك قال البيهقي، وهو عندهما من حديث جيد (¬2) عن الحسن فسلم من الإعلال باختلاط سعيد بن أبي عروبة، والاحتياج إلى معرفة من روى عنه، هل هو ممن روى قبل الاختلاط أو بعد؟ وكان علي بن المديني ممن يثبت سماع الحسن من سمرة مطلقًا. ¬

_ (¬1) غير واضحة في صورة الأصل، وعند السندي ما أثبتناه، لكنه في "تهذيب الكمال" ذكره سنة تسع بتقديم التاء ثم السين. قال بشار عواد: قال محمد بن المثنى مثله، ويقال: سنة سبع وثمانين. (¬2) كذا.

وقد كان يمكن أن يقال إن سعيد بن أبي عروبة من الحفاظ المختلطين بأخرة، وقد سمع منه قوم قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ويزيد بن هارون. وقوم بعد الاختلاط منهم ابن أبي عدي وأبو نعيم. ولم نر لعبد الأعلى ولا لابن علية ذكر في إحدى الطائفتين وكون تصحيح الترمذي حديث ابن علية الذي ذكرناه عنه وتحسينه حديث عبد الأعلى هذا لأن الأول قد يكون عنده ممن سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط وعبد الأعلى قد يكون عنده ممن سمع منه بعد الاختلاط لكن قد صحح من حديث عبد الأعلى عنه حديث: أن رجلًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبتاع وفي عقله ضعف. رواه عن يوسف بن حماد عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس. وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب قبل موته إلى كسرى وإلى قيصر. رواه بالسند المذكور قبله عن يوسف بن حماد وصححه أيضًا. وقد صحح مسلم من حديث عبد الأعلى عن سعيد جملة أحاديث فمن ذلك حديث: "من نام عن صلاة أو نسيها"، وحديث: نهى أن يشرب الرجل قائمًا، رواهما عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس. وحديث: سألوه حتى أحفوا أخرجه عن يوسف بن حماد نا عبد الأعلى مثله سواء. ولا يلزم الترمذي من ذلك ما لزم مسلمًا من التصحيح لأنه قد يكون ممن يخالف اجتهاده اجتهاده في ذلك، وإنما الاعتراض على الترمذي وإلزامه بما فعله هو من تصحيح حديث عبد الأعلى عن سعيد حيث صححه وإنما ذكرنا ما وقع لمسلم من ذلك على سبيل التأنيس والترجيح للقول بصحة حديث الباب، وشاهده من

حديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين. لكنه تضمن سكتة واحدة وحديث الباب تضمن سكتتين ولا يخرجه ذلك عن أن يكون شاهدًا فقد عده الترمذي مما في الباب، وقال ابن عدي (¬1): سعيد بن أبي عروبة من ثقات الناس، وله أصناف كثيرة، حدث عنه الأئمة ثم قال: وحدث بأصنافه، أرواهم عنه عبد الأعلى السامي. وقد رواه عن الحسن كرواية قتادة: أشعث ويونس بن عبيد وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، فلا مانع من القول بصحته، والله أعلم. وأما حديث أبي هريرة فروى أبو داود والنسائي من حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة. رواه أبو داود عن أحمد بن أبي شعيب عن محمد بن فضيل، والنسائي عن محمود بن غيلان عن وكيع كلاهما عن عمارة واللفظ للنسائي، وقد تقدم في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة ذكر هذا الحديث مطولًا من صحيحي البخاري ومسلم. وقد روى الدارقطني من حديث عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ فاتحة الكتاب في سكتاته". فيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير راويه عن عطاء وهو ساقط. قال الخطابي: إنما كان يسكتهما ليقرأ من خلفه فيهما فلا ينازعونه القراءة إذا قرأ. وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال أصحاب الرأي ومالك: السكتة مكروهة. ¬

_ (¬1) "الكامل" (3/ 396).

قال أبو الفتح: كلام أبي سليمان هذا في السكتة التي بعد قراءة الإمام الفاتحة والحديث تضمن سكتتين وقد وقع بيان الأولى منهما في حديث أبي هريرة السابق في أبواب الافتتاح حيث قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، وفيه: بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... " الحديث، وإطلاق السكتة على هذه مجاز فإنها مشغولة بما ذكره من الافتتاح غير أنه فصل بما أسر به فيها بين التكبير والقراءة ولعل ذلك في الصلاة الجهرية وفيه حجة لمن اختار الإتيان بدعاء الافتتاح سرًّا، وقد اختلف فيه الأصحاب على قولين: أحدهما: يستحب الجهر به في الصلاة الجهرية وأصحهما المستحب الإسرار به بكل حال، وذكر صاحب البيان القولين على وجه آخر: الأول: أنه يتخيّر الجهر والإسرار ولا ترجيح. الثاني: أنه يستحب فيه الجهر ثم نقل عن أبي علي الطبري إنه يستحب الإسرار به فحصل في المسألة ثلاثة أقوال، فحصل بما ذكرناه الجمع بين قول عمران سكتة وقول سمرة سكتتين، وأن الأولى قبل الفاتحة والثانية تلي قراءة الفاتحة لقوله: وإذا قرأ ولا الضالين. وقد وقع في الحديث سكتة يليها التكبير للركوع وهو ما روى ابن أيمن (¬1) ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي نا أبو معمر نا عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا يونس هو ابن عبيد عن الحسن البصري أن سمرة بن جندب صلى فكبر ثم سكت ساعة ثم قرأ فلما ختم السورة سكت ساعة ثم كبّر فركع فقال له عمران بن حصين: فقال سمرة: حفظت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب في ذلك إلى أبي بن كعب ¬

_ (¬1) انظر "المحلى" (4/ 97).

فصدق سمرة، وكذا رواه أبو داود من حديث يونس عن الحسن: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع وقال بعده: وكذا قال حميد في هذا الحديث وسكتة إذا فرغ من القراءة، وحديث حميد هذا الذي أشار إليه أبو داود وأخرجه البخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام" من حديث حماد بن سلمة عنه. رواه عن أبي الوليد وموسى عن حماد. فقد روى في حديث سكتة وفي حديث سكتتان وفي آخر سكتات فتكون الأولى لدعاء الافتتاح والثانية لتراد النفس والثالثة ليقرأ فيها المأموم الفاتحة وإن كان حديث السكتات ضعيفًا فيعضده الخلف في حديث سمرة في موضع الثانية متى هو. وقد استحب الفقهاء سكتة رابعة لطيفة تفصل بين تمام القراءة والركوع، وذكروا حديث نهيه - عليه السلام - عن الوصال في الصلاة، وفسروه بوصل القراءة بتكبيرة الركوع، أو بترك الطمأنينة، ولم يعزوا الحديث إلى كتاب ولا راوٍ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) قلت: وانظر: "النهاية" (وص ل).

73 - باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة

73 - باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه. قال: وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد. قال أبو عيسى: حديث هلب حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل لعلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة. ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم. واسم هلب يزيد بن قُنَافَة. * الكلام عليه: حديث هلب رواه الإمام أحمد وابن ماجه والدارقطني في إسناده قبيصة بن هلب لم يرو عنه غير سماك وثقه العجلي وقال ابن المديني والنسائي: مجهول. وأما حديث وائل بن حجر فعند مسلم من حديث محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حين دخل في الصلاة -وصفهما حيال أذنيه- ثم التحف ثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فرفع، فلما قال: "سمع الله لمن حمده"، رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه.

ورواه النسائي من حديث علقمة عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله. وحديث غطيف بن الحارث روى معاوية بن صالح قال: حدثني يونس بن سيف العبسي عن الحارث بن غطيف أو غطيف بن الحارث الكندي شك معاوية قال: مهما رأيت نسيت لم أنس أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع يده اليمنى على اليسرى يعني في الصلاة لفظ رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عنه ورواه الإمام أحمد. وحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر السحور ونعجل بالإفطار وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة". رواه الدارقطني (¬1). وحديث ابن مسعود روى هشيم عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وضعت شمالي على يمين في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على شمالي رواه النسائي عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن عن هشيم وهؤلاء رجال الصحيح. ورواه أبو داود عن محمد بن الريان عن هشيم. وحديث سهل بن سعد روى مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. وقال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك يعني يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. رواه ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 284)، وصححه الألباني لغيره، كما في "صحيح الموارد" (733/ 885) فالعزو إلى ابن حبان في "صحيحه" (1767) أولى كما هو معروف، بل والضياء في "المختارة" رواه أيضًا، ونقل الشيخ تصحيحه عن السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/ 174) فانظر "الجنائز" (149).

البخاري عن القعنبي عن مالك. وفي الباب مما لم يذكره عن جابر قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى. رواه الإمام أحمد والدارقطني. وفيه عن ابن الزبير، وروى أبو أحمد عن العلاء بن صالح عن زرعة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن الزبير يقول: "صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة" رواه أبو داود. وفيه عن أبي الدرداء قال: من حديث الأعمش عن مجاهد عن مورق عن أبي الدرداء قال: من أخلاق النبيين وضع اليمنى على الشمال في الصلاة. ذكره ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عنه. وذكر أيضًا عن وكيع عن يوسف بن ميمون عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة". وفيه عن عائشة رضي الله عنها ذكره البيهقي من طريق محمد بن أبان عنها قالت: ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. قال البيهقي: هذا صحيح عن محمد بن أبان. وعن أنس مثله وزاد: تحت السرة ذكره ابن حزم. وفيه من طريق أبي حميد الساعدي أنه قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثم وصف أنه كبر فرفع يديه إلى وجهه ثم وضع يمينه على شماله، ذكره أبو

محمد أيضًا (¬1). وهلب الطائي اختلف في تقييده فالمشهور هُلْب بضم الهاء وسكون اللام. وقال ابن دريد هَلِب بفتح الهاء وكسر اللام وكذا رأيته عند ابن سعد وأنشد. أنا عويج ومعي سيف الهَلِبِ ... أنا الذي أشجع من معدي كرب وسمعت من يقول: هو مكسور اللام مشدد الباء. قال أبو عمر: يقال: أن اسمه يزيد بن عدي بن قنافة بن عدي بن عبد شمس بن عدي بن أخزم بن أبي الأخزم -بالزاي فيهما والخاء المعجمة- الطائي وأن هُلبًا لقب. وقيل: بل هلب بن يزيد بن قنافة، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أقرع فمسح على رأسه فنبت شعره، وهو كوفي روى عنه ابنه قبيصة بن هلب أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: وفي الباب مما لم يذكره المؤلف ولا الشارح: عن علي عند الدارقطني بلفظ: {فصل لربك وانحر}، قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. وأخرج حديثًا آخر عنه قال: من السنة في الصلاة وضع الكف على الكف تحت السرة. وعن أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: "أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة". وأخرج عنه أيضًا قال: وضع الكف على الكف في الصلاة من السنة. وختم التعليق بـ (عبد الله بن عيسى). قلت: الأحاديث والآثار السابقة: في "السنن" (1/ 285 / 6، 286/ 1019، 284/ 3، 5) على الترتيب: 1 - أثر علي الأول، ضعف بالاضطراب في سنده، قال ابن كثير في "التفسير": لا يصح، وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في مقدمة "صفة الصلاة" (16) وقال، ولكن الاضطراب في سنده لا يمنع من الاستشهاد به، لأنه ليس شديد الضعف. 2 - حديث أبي هريرة الأول، فيه عبد الرحمن بن شيبة الواسطي، لكن تؤخذ درجته من حديث ابن عباس السابق.

واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وقال: رأيته ينصرف عن يمينه وشماله في الصلاة وهو حديث صحيح. وقال غير أبي عمر: كان يزيد بن قنافة أقرع فلما مسح النبي - عليه السلام - ناصيته ونبت شعره سمي هلبًا والأهلب الكثير الشعر. فمن اعتمد توثيق العجلي قبيصةَ يمكنه أن يصحح الحديث لأن الجهالة لا تعارض التعديل وللحديث شواهد كثيرة ذكرناها. وفيه مسائل: الأولى: ذهب قوم إلى أن وضع اليمين على اليسار في الصلاة سنة يحكى ذلك عن علي وأبي هريرة وعائشة وقوم من الصحابة رضي الله عنهم، ويروى عن سعيد بن جبير والنخعي وأبي مجلز وعمرو بن ميمون وأيوب السختياني، وإليه ذهب سفيان الثوري وأبو حنيفة وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال آخرون: يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى ذكره ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي وذكر عن ابن سيرين وقال الليث: يرسلهما فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وقال الأوزاعي: هو مخير بين الوضع والإرسال وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع وروى عنه ابن القاسم الإرسال، عن مالك رواية: لا بأس به في النوافل. واحتج أصحابنا بما سبق من أحاديث الباب، ومخالفوهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ علم السيء صلاته الصلاة لم يذكر وضع اليمين على الشمال، ولا حجة فيه لأنه - عليه السلام - إنما علمه الفرائض ليكون أيسر للحفظ، والوضع المذكور سنة.

الثانية: قد ذكرنا حكم ذلك فما حكمته قال أصحابنا: وضع اليد على اليد في الصلاة أسلم للمصلي من العبث وأحسن في التواضع والتضرع والتذلل، وأما من كرهه فعلل بمخافة أن يعد من لوازم الصلاة أو لئلا يظهر من خشوع ظاهره أكثر من خشوع باطنه أو كره للاعتماد ولذا (¬1) قال مالك: لا بأس به في النوافل لطولها. وأما تعلية يمناهما على اليسرى فلشرفها. الثالثة: هل يرسل المصلي يديه بعد تكبيرة الإحرام ثم يضمهما بعد ذلك إلى صدره ويجعل يمناهما على يسراهما أم يضمهما إلى صدره من غير إرسال؟ ذكر الغزالي في "الإحياء" أنه لا ينفض يديه يمينًا وشمالًا إذا فرغ من التكبير ولكن يرسلهما إرسالًا خفيفًا رقيقًا ثم يستأنف وضع اليمين على الشمال وذكر في ذلك أثرًا وهذا ظاهر في أنه يدلي يديه ثم يضمهما. وقال صاحب "التهذيب" وغيره: المصلي بعد الفراغ من التكبير يجمع بين يديه وهذا يشعر بالاحتمال الثاني. الرابعة: كيفية (¬2) الوضع، وقد اختلف الناس في ذلك والمستحب عندنا أن يأخذ بيمينه على شماله بأن يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى ويقبض على الرسغ والساعد، وقال القفال: يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد. وقال أبو حنيفة: يضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى من غير أخذ، وفي حديث وائل بن حجر: كبر ثم أخذ بيمينه على شماله. الخامسة: محل الوضع المستحب عندنا جعلهما تحت صدره فوق سرته، وبه ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: وهذا. (¬2) في نسخة السندي: صفة، ولعلها أصلحت، لكنها غير واضحة.

قال سعيد بن جبير وداود. وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق يجعلهما تحت سرته وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا وحكي عن أبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وعن علي روايتان إحداهما فوق السرة والثانية تحتها وعن أحمد ثلاث روايات هاتان والثالثة التخيير بينهما. وقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء فهو مخير. واحتج من قال: تحت السرة بأثر روي في ذلك من طريق عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. واحتج من قال على صدره، بحديث وائل بن حجر: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره صححه ابن خزيمة. * * *

74 - باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود

74 - باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر. قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مالك الأشعري وأبي موسى وعمران بن حصين ووائل بن حجر وابن عباس. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح. والعمل عليه عند أصحاب النبي منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وعليه عامة الفقهاء والعلماء. * * *

75 - باب منه آخر

75 - باب منه آخر نا عبد الله بن منير المروزي قال: سمعت علي بن الحسن قال: أنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر وهو يهوي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم قالوا: يكبر الرجل وهو يهوي للركوع والسجود. * الكلام عليه: حديث ابن مسعود رواه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى ومعاذ عن زهير عن أبي إسحاق بإسناده نحوه. وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم ويحيى بن آدم عن زهير بإسناده نحوه. وعن قتيبة عن أبي الأحوص نحوه وعن ابن مثنى عن معاذ عن زهير نحوه. وحديث أبي هريرة احتج البخاري برواته وقال عن ابن منير: لم أر مثله، ووثقه النسائي. وروى الجماعة عن علي بن الحسن بن شقيق إلا أبا داود. وقد روينا من طريقي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدًا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد

الجلوس وهذا لفظ البخاري غير أنه قال مرة: من المثنى بعد الجلوس، وفيه عن أبي هريرة غير ما ذكرنا. وحديث أنس روينا من طريق النسائي أنا قتيبة نا أبو عوانة عن عبد الرحمن الأصم قال: سئل أنس بن مالك عن التكبير في الصلاة فقال: يكبر إذا ركع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا قام من الركعتين فقال حُطيم: عمن تحفظ هذا؟ قال: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. حُطَيم بضم الحاء والطاء المهملتين شيخ يجالس أنسًا وهو غير منسوب. وحديث ابن عمر روى الإمام أحمد والنسائي من طريق واسع ابن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الله أكبر كلما وضع وكلما رفع ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله على يمينه، السلام عليكم ورحمة الله على يساره. وحديث أبي مالك الأشعري قيل: اسمه كعب بن عاصم، وقيل الحارث وقيل عبيد بن عمرو روى أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن كثير ثنا سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال: اجتمعوا حتى أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاجتمعوا فصلى بهم صلاة الظهر فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب أو قال: أم القرآن وأسمع من يليه. وحديث أبي موسى روى ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي موسى قال: صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود. قال أبو موسى: فإما نسيناها وإمّا تركناها عمدًا رواه عن عبد الله بن عامر بن

زرارة عن أبي بكر بن عياش عنه. وذكره أبو عمر من طريق أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى ولفظه: فكان يكبر كلما رفع وكلما وضع وكلما سجد، رواه عن عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم ثنا إسرائيل عنه. وفأما حديث عمران بن حصين فروى البخاري ومسلم من حديث مطرف قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما انصرفنا من الصلاة أخذ عمران بيدي ثم قال: لقد صلى بنا هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قد ذكرني هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأما حديث وائل بن حجر فروى أبو داود من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يصلي، قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه ثم أخذ شماله بيمينه فلما أراد أن يركع رفعهما كذلك ثم وضع يديه على ركبتيه فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ... الحديث. ورواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه - صلى الله عليه وسلم -. وأما حديث ابن عباس فروى البخاري عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. وروي عنه أيضًا قال: رأيت رجلًا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع، فأخبرت ابن عباس قال: أوليس تلك صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أم لك. وفيه أيضًا مما لم يذكره عن فليح عن سعيد بن الحارث قال: اشتكى أبو هريرة

أو غاب، فصلى أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك، فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر فقال: أيها الناس إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أولم تختلف إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا يصلي. رواه الإمام أحمد نحوه. وهكذا رواه البيهقي وقال: رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن صالح عن فليح .. قال أبو الفتح: وليس في لفظ البخاري وحين افتتح وحين رفع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده، وهذه زيادة حسنة ذكرها البيهقي بسند حسن. ولا تسامح البيهقي من نسبتها لتخريج البخاري فيها تسامح به أصحاب الأطراف والمتكلمون على مخارج الحديث وطرقه، لأن مقصوده الاستدلال بالألفاظ واستنباط الأحكام منها، فكان سبيله أن يقول: وأصل الحديث عند البخاري أو ما في معناه والله أعلم. وقد تقدم الكلام في حديث سعيد بن سمعان عن أبي هريرة: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، على حكم تكبيرة الإحرام وكثير من مسائل هذا الباب، وأُخّر الكلام على ما عدا تكبيرة الإحرام من التكبير إلى هذا الموضع، وفي (¬1) أحاديث الباب أن حكم الصلاة أن يكبر في كل خفض ورفع منهما وأن ذلك سنتها وهو قول مجمل لأن رفع الرأس من الركوع ليس فيه تكبير، إنما هو التحميد بإجماع، فمعناه أنه يكبر كلما خفض ورفع إلا في رفع رأسه من الركوع، لأنه لا خلاف في ذلك. وفي أحاديث أبي هريرة ما يشعرنا بأن الناس كلهم لم يكونوا يفعلون ذلك ¬

_ (¬1) في نسخة السندي. فمن.

لقوله: أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقوله: في حديث سعيد بن سمعان عنه: ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن تركهن الناس وذكر: وكان يكبر كلما رفع وخفض. وفي قوله في حديث أبي هريرة: كان يكبر وهو يهوي، أن التكبير في زمن الهوي وسيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى. وفي حديث أنس قول حُطَيم: عمن تحفظ هذا؟ وفي حديث أبي موسى: أن عليًّا صلى بهم صلاة أذكرهم بها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك في حديث عمران بن حصين علي بن أبي طالب، وكذلك في حديث عكرمة وقوله لابن عباس: إنه أحمق حيث كبر بهم ثنتين وعشرين تكبيرة حتى قال له ابن عباس: تلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد اختلفت الأحاديث والآثار في ذلك وبحسب اختلافها اختلف فيه العلماء كما سنذكره. فروينا من طريق الإمام أحمد وأبي داود اللفظ له أنا محمد بن بشار وابن المثنى قالا: ثنا أبو داود نا شعبة عن الحسن بن عمران قال ابن بشار: الشامي، قال أبو داود: أبو عبد الله العسقلاني عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان لا يتم التكبير. وفي لفظ للإمام أحمد: يعني إذا خفض ورفع. ورواه محمود بن غيلان عن أبي داود عن شعبة بسنده إلى ابن أبزى وفيه أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين. ورواه بندار عن أبي داود عن شعبة عن الحسن بن عمران عن ابن أبزى عن أبيه قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يتم التكبير وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير.

وروى الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: ما يمنعك أن تتم التكبير وهذا عاملك عبد الحميد بن عبد الرحمن يتمه، قال: تلك الصلاة الأولى وأبي أن يقبل مني. قال أبو عمر: وقد روي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة أنهم كانوا لا يتمون التكبير. ومن ذلك حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع جميعًا عن النبي - عليه السلام - أنه رأى رجلًا دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل ... " الحديث، وفيه: ما أحسن غير هذا فعلمني فقال: "إذا أردت الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ... " الحديث، ولم يأمره ببقية التكبيرات. وذكر ابن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: أول من نقص التكبير زياد. وقال إسحاق بن منصور: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده. قال: وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده. قال أحمد: وأحب إليّ أن يكبر من صلى وحده في الفرائض، فأما التطوع فلا، قال إسحاق: قلت لأحمد: ما الذي نقصوا من التكبير؟ قال: إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة. قال إسحاق بن منصور: وقال إسحاق بن راهويه: نقصان التكبير هو إذا انحط إلى السجود فقط ذكره أبو عمر وقال: قد روي عن ابن عمر مسندًا ما يرد قول من قال عنه: إنه كان لا يتم التكبير لأنه محال أن يكون عنده في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء ويخالفه ولو كان مباحًا ولا سيما ابن عمر، انتهى. والذي ذهب إليه أصحابنا في تكبيرات الانتقالات كلها أنها سنة، قال ابن

المنذر: وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وجابر وقيس بن عباد والشعبي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر وعامة أهل العلم. وقال آخرون: لا تشرع إلا تكبيرة الإحرام فقط يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وعن سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري قالوا: ولا يكبر المصلي غيرها، ونقله ابن المنذر أيضًا عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضًا منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين. وقال أحمد في رواية عنه: جميع التكبيرات واجبة. وقال البغوي في "شرح السنة": اتفقت الأمة على هذه التكبيرات يريد أنها سنة. فإما أن يكون هذا الخلاف ما بلغه، وإما أن يريد الإجماع بعد عصر التابعين كما هو المختار عند كثير من الأصوليين أن الإجماع بعد الخلاف رافع للخلاف ذكر معناه الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله بعد أن حكى خلاف أحمد وقوله بالوجوب. وقد ذكرنا خلاف إسحاق بن راهويه فيما عدا الانحطاط إلى السجود قال أبو عمر (¬1): قال قوم من أهل العلم: إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة وليس بسنة، إلا في الجماعة، وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقال أحمد: وأحب إليّ أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض، وأما في التطوع فلا، وروي عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وعن قتادة أنه كان يكبر إذا صلى وحده فما ذكره البغوي من الإجماع ليس بشيء وكذلك الجواب عنه. فأما ما ذهبنا إليه فحجتنا فيه أحاديث الباب وأما من قال: لا يشرع إلا في ¬

_ (¬1) انظر "التمهيد" (7/ 81) و"الاستذكار" (1/ 416).

تكبيرة الإحرام كما ذكرناه عن سعيد بن جبير وغيره فيحتجون بحديث ابن أبزى في إسناده الحسن بن عمران قال أبو زرعة: شيخ ووثقه ابن حبان. عن ابن أبزى قيل: عبد الله وقيل: سعيد قال أبو داود الطيالسي: هذا أصح، وسعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى وثقه النسائي وروى له الجماعة، وعبد الله وثقه ابن حبان وكلاهما معروف. وقد روي من طريق سعيد، يسمى هكذا، من حديث شعبة عنه من غير وجه. وأما القول عن أحمد بوجوبها فيرد عليه أن النبي - عليه السلام - لما علم الرجل المسيء صلاته الصلاة لم يأمره بغير تكبيرة الإحرام، وهو قد علمه الفرائض، فلو كانت تكبيرات الانتقال فرضًا لدخلت فيما نص عليه مما علمه إياه، لكنها لم تدخل فليست فرضًا، ويجاب عن حديث ابن أبزى بوجوه منها: أن من أثبت حجة على من نفى ولا ينعكس. الثاني: أن رواة التكبير أكثر وهو أشهر وقد قلنا إنه سنة فلعل هذا كان مرة لبيان الجواز. الثالث: أن فيما ذكرناه في طرق حديثه من جهة محمود بن غيلان أنه كان لا يكبر إذا خفض بين السجدتين وهذا مفسر لمجمل (لا يتم) في الرواية الأخرى وهو قريب مما ذكرناه عن إسحاق بن راهويه وليس ذلك في سائر التكبيرات كما ذهب إليه من تمسك به فيما عدا تكبيرة الإحرام، ويتعلق به بعد ذلك مسائل: الأولى: الجهرية أو خفض الصوت به قال أصحابنا: وليس للإمام الجهر بتكبيرات الصلاة كلها ويقول: سمع الله لمن حمده ليعلم المأمومون انتقاله فإن كان ضعيف الصوت استحب أن يجهر به المؤذن أو غيره من المأمومين جهرًا يسمع به

الناس، قد روى البخاري من حديث سعيد بن الحارث قال: صلى لنا أبو سعيد فجهرنا بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواه البيهقي بإسناد جيد وقال: فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السجود، وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك وقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا يصلي. وعند مسلم من حديث جابر في صلاته - عليه السلام - وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره وكذلك في حديث عائشة في صلاته - عليه السلام - في مرضه وأبو بكر يسمعهم التكبير. رواه البخاري ومسلم بمعناه. وأما خفض الصوت به، فروى أشهب عن مالك أنه سمعه يحدث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ويخفض بذلك صوته. انفرد به أشهب بهذا الإسناد موقوفًا وذكره الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن يونس عن ابن شهاب. هكذا كله حكم الإمام، وأما المأموم والمنفرد فسنتهما الإسرار به وأدناه أن يسمع نفسه وإن لم يكن صحيح السمع فبحسب ذلك لا يجزئه غيره. الثانية: اختلف الفقهاء في التكبير فيما عدا الإحرام هل يكون مع العمل أو بعده. فذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أن التكبير في القيام من اثنتين وغيرهما سواء يكبر في حال الخفض والرفع والقيام والقعود على ظاهر حديث ابن مسعود: يكبر كلما خفض ورفع. وذهب مالك وأصحابه إلى أن التكبير يكون في حال الرفع والخفض حين

ينحط إلى الركوع وإلى السجود وحين يرفع منها إلا في القيام من اثنتين من الجلسة الأولى، فإن الإمام وغيره لا يكبر حتى يستتم قائمًا فإذا اعتدل قائمًا كبَّر ولا يكبر إلا واقفًا كما لا يكبر في الإحرام إلا واقفًا ما لم يكن ضرورة، وروي نحو ذلك عن عمر بن عبد العزيز. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عن تكبيرة السجدة التي بعد سمع الله لمن حمده فقال: كان مكحول يكبرها وهو قائم ثم يهوي إلى السجود. وكان القاسم بن مخيمرة يكبرها وهو يهوي إلى السجود فقيل للقاسم: إن مكحولًا لا يكبرها (¬1) وهو قائم قال: وما يدري مكحولًا ما هذا. الثالثة: مدّ التكبير: اختلف أصحابنا في تكبيرات الانتقالات قالوا: ويسن أن يكبر للركوع ولا يصل تكبيرة الركوع بالقراءة، بل يفصل بينهما بسكتة لطيفة، قالوا: ويبتديء التكبير قائمًا ويرفع يديه مع ابتداء التكبير فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى ويمد التكبير إلى أن يصل حد الراكعين نص عليه في "الأم"، وقطع به العراقيون وحكى جماعة من الخراسانيين قولين: أحدهما: هذا قالوا: وهو الجديد، والثاني، وهو القديم: لا يديم التكبير بل يسرع به. والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يحذف أم يمد حتى يصل إلى الذكر الذي بعدها؟ والصحيح المد ليشغل المصلي زمنه بالذكر. الرابعة: قد مضى القول في الترجمة عن تكبيرة الإحرام بغير اللغة العربية وأنه لا يجوز للقادر خلافًا لأبي حنيفة، والذي نذكره هنا تكبيرات الانتقالات، أما ما عدا الألفاظ الواجبة من تكبيرة الإحرام والتشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والصلاة على الآل إذا أوجبناها فقسمان دعاء وغيره، أما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة ¬

_ (¬1) كذا وصوابها: لا يكبر إلا. وهذا ما ظهر لي من الأصل، والسياق يدل عليه.

أوجه أصحها: يجوز الترجمة عنه للعاجز دون القادر، والثاني: يجوز لهما، والثالث: لا يجوز لواحد منهما لعدم الضرورة إليه. وأما غير الدعاء كالتشهد الأول والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه والقنوت والتسبيح في الركوع والسجود وتكبيرات الانتقالات، فإن جوزنا الدعاء بالعجمية فهاهنا أولى وإلا ففي جواز ذلك للعاجز ثلاثة أوجه أصحها يجوز والثاني لا والثالث يترجم لما يجبر بالسجود دون غيره. وقال أبو الحسن الماوردي: في "حاويه" إذا لم يحسن الأذكار بالعربية أتى بها بالعجمية وإن كان يحسنها أتى بها بالعربية فإن خالف وقالها بالفارسية أساء في غير الواجب، وأجزأه ولم يجزئه في الواجب منها. الخامسة: واختلف في اللغات المترجم بها عن العربية فقيل كلها سواء وقيل الترجمة بالسريانية والعبرانية أولى من غيرهما، لأن بعض الكتب الإلهية نزلت بهما دون غيرهما. السادسة: من ترك شيئًا من هذه التكبيرات المشروعة للانتقالات هل يسجد للسهو أم لا. أما مذهبنا فلا، وللصلاة عند أصحابنا أركان وأبعاض وسنن، فأما الأركان فلا تنجبر بالسهو، وأما الأبعاض فيجبرها بالسجود من سها عن شيء منها، وأما من تعمد تركها ففيه وجهان أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة وأحمد: وأصحهما يجبر لأن الخلل مع السهو أكبر فيكون أحق بالجبر. وأما السنن فلا تجبر بالسجود خلافًا لأبي حنيفة حيث رآه في بعضها ولمالك حيث قال: يسجد لترك كل مسنون ذكرًا كان أو عملًا، وذكر عن الشافعي قول في

القديم كذلك وهو مرجوع عنه. وذكر أن الداركي ذكره وجهًا فيمن نسي التسبيح في الركوع والسجود. وعن أحمد بن حنبل: أنه لا يسجد لترك تكبيرات العيد والسورة، وعنه في تبديل الجهر بالإسرار وعكسه روايتان أصحهما أنه لا يسجد. وقال: في تكبيرات إلا نتقالات وتسبيح الركوع والسجود والتسميع والتحميد فيسجد لتركها. وقال أبو عمر: فيمن ترك تكبيرات الانتقالات ساهيًا أنه يسجد للسهو عند غير الشافعي. وقال ابن القاسم: فيمن نسي ثلاث تكبيرات فصاعدًا من صلاته وحده أنه يسجد قبل السلام فإن لم يفعل أعاد الصلاة، وإن نسي واحدة أو اثنتين سجد أيضًا قبل السلام فإن لم يفعل فلا شيء عليه. وقد روي عنه أن التكبيرة ليس على من نسيها سجود سهو ولا شيء وخالفه أصبغ وابن عبد الحكم فقالا لا إعادة على من نسي التكبير كله إذا كان قد كبر لإحرامه وإنما عليه سجدتا السهو فإن لم يسجدهما ناسيًا فلا حرج عليه وعلى هذا فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى. قال أبو الفتح: اعترض ابن العربي على الترمذي في التبويب حيث قال: باب التكبير للركوع وحديث الباب تضمن التكبير للركوع وما بعده، وقال: قلت: باب التكبير لانفصال أفعال الصلاة بعضها من بعض ويجاب عنه بأن التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام وقد تقدمت عنده والثانية بعدها تكبيرة الركوع وهي المباينة لما قبلها في الفريضة والموافقة لما يليها في النفلية فبوب بذكرها إذ هي أول ما يأتي به من

التكبيرات ولاستوائهن حكمًا ولما حَسُن تسمية السورة وغيرها بأول كلمة منها كما تقول: قرأت سورة طه، ورويت حديث الأعمال بالنيات، وسمعت قصيدة قفا نبك، فكذلك هنا حسن التبويب بأول فعل ولو كان الترمذي بوب على ذلك بأن يقول باب التكبير في كل خفض ورفع لكان أجود من وجهين: الأول: السلامة من هذا الاعتراض، والثاني: الإتيان بلفظ الحديث الذي بوب عليه كما هو المعهود في ذلك. * * *

76 - باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع

76 - باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع ثنا قتيبة وابن أبي عمر قالا: نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. وقال ابن أبي عمر في حديثه: وكان لا يرفع بين السجدتين. حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي: ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري بهذا الإسناد نحو حديث ابن أبي عمر. قال: وفي الباب عن عمر وعلىِ ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى وجابر وعمير الليثي. وقال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم من التابعين الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير وغيرهم وبه يقول مالك ومعمر والأوزاعي وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. قال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: أن النبي لم يرفع إلا في أول مرة. حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي: ثنا وهب بن زمعة عن سفيان بن عبد الملك عن عبد الله بن المبارك. حدثنا هناد ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن

الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة. وفي الباب عن البراء بن عازاب. قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وهو قول سفيان وأهل الكوفة. * الكلام عليه: حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ كثيرة من طرق متعددة ورواه أبو داود وابن ماجه. وحديث عمر روى البيهقي في "الخلافيات" من جهة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثني أحمد بن الحسن الترمذي ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ثنا عبد الله بن وهب القرشي أخبرني حيوة بن شريح الحضرمي عن أبي عيسى سليمان بن كيسان المدني عن عبد الله بن القاسم، بينما الناس يصلون في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ خرج عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اقبلوا عليّ بوجوهكم أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان يصلي ويأمر بها فقام مستقبل القبلة ورفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه وكبر ثم غض بصره ثم رفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه ثم كبر ثم ركع وكذلك حين رفع قال القوم: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا. رواه عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى عن ابن خزيمة. حجاج بن إبراهيم وثقه ابن أبي حاتم عن أبيه. وسليمان بن كيسان ذكره ابن أبي حاتم فقال: يروي عن عبد الكريم بن أبي أمية، وعبد الله بن القاسم وهارون بن راشد. روى عنه حيوة ونافع بن يزيد وسعيد بن أبي أيوب ونعيم بن صالح ولم يذكر

من حاله شيئًا. وعبد الله بن القاسم (¬1) مولى أبي بكر الصديق روى [عن] ابن عمر، روى عن ابن عباس ولازمه. وروى عنه غير واحد وثقه ابن حبان. فرجال إسناده موثقون وابن كيسان معروف. وفيه أيضًا من حديث ابن عمر عن عمر وهو معلل قيل: الصواب فيه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله الدراقطني والإمام أحمد قبله. وحديث علي روينا من طريق أبي داود نا الحسن بن علي نا سليمان بن داود الهاشمي نا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع في شيء من صلاته وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر. وحديث وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرنّ إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه ثم أخذ شماله بيمينه فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ثم وضع يديه على ركبيته فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه ثم جلس فافترش رجله اليسرى فوضع يده اليسرى على فخده اليسرى وحدّ مرفقه الأيمن على فخده اليمنى ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (5/ 173) و"الجرح والتعديل" (5/ 140)، والزيادة ما بين المعقوفتين منه، وكلمة روى غير واضحة في الأصول. وفي نسخة السندي: ابن عمرو! وانظر "الثقات" (5/ 46) أيضًا.

وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا وحلق الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة. رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لأبي داود والنسائي: رفع يديه حيال أذنيه، ثم قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم وعليهم برانس وأكسية. وللإمام أحمد: ورفع يديه حين كبر. ولأبي داود: أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذي إبهاماه أذنيه ثم كبّر. وحديث مالك بن الحويرث روى أبو قلابة عنه: أنه رآه إذا صلى كبر ثم رفع يديه فإذا أراد أن يركع رفع يديه وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل هكذا رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه، وفي لفظ له: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك وفي لفظ له أيضًا حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. وحديث أنس روى ابن ماجه ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب ثنا حميد عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع. وحديث أبي هريرة عند ابن ماجه أيضًا من حديث صالح بن كيسان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة وحين يركع وحين يسجد. رواه عن عثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار قالا: نا إسماعيل بن عياش عنه.

وحديث أبي حميد يأتي في باب صفة الصلاة في عشرة من الصحابة أحدهم أبو قتادة. وحديث أبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة روينا عن ابن ماجه (¬1) ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر ثنا فليح بن سليمان ثنا عباس بن سهل بن سعد الساعدي قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد الساعدي وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فكبر ورفع يديه ثم رفع، حين الركوع ثم قام فرفع يديه واستوى حين رجع كل عظم إلى موضعه. ورواه أبو داود أيضًا واللفظ للأول. وحديث أبي موسى الأشعري روينا عن الدارقطني في "سننه" من حديث إسحاق بن راهويه ثنا النضر بن شميل ثنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري قال: هل أريكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر ورفع يديه ثم كبر ورفع يديه للركوع ثم قال: سمع الله لمن حمده فرفع يديه ثم قال: هكذا فاصنعوا ولا يرفع بين السجدتين. رواه عن دعلج نا عبد الله بن شيرويه عن إسحاق. قال ابن حبان في كتاب "الثقات": الأزرق بن قيس الحارثي من بلحارث بن كعب بصري يروي عن ابن عمر وأنس وأبي برزة. روى عنه سليمان التيمي وشعبة، مات في ولاية خالد على العراق وذكره ابن أبي حاتم وعد ممن روى عنه حماد بن سلمة وحكى توثيقه ابن معين وقال عن أبيه: ¬

_ (¬1) "السنن" (863)، وصححه الألباني، وأحال على "صحيح السنن" (723)، وهو في "السنن" (734) لأبي داود.

صالح الحديث. وحطان بن عبد الله الرقاشي روى له مسلم وقال ابن المديني: ثبت. وحديث جابر بن عبد الله من طريق ابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر: أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك. ويقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثل ذلك. رواه عن محمد بن يحيى ثنا أبو حذيفة ثنا إبراهيم بن طهمان وفي آخره: ورفع إبراهيم بن طهمان يديه إلى أذنيه. وحديث عمير الليثي عند ابن ماجه عن هشام بن عمار ثنا رفدة بن قضاعة الغساني ثنا الأوزاعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده عمير بن حبيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة. أخرجه أبو أحمد بن عدي في "كامله" (¬1) وقال: هذا الحديث يعرف برفدة بن قضاعة عن الأوزاعي قال: وقد روي عن أحمد بن أبي روح البغدادي وكان يسكن جرجان عن محمد بن مصعب عن الأوزاعي. قال النسائي: رفدة ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال الخلال: في "علله" عن مهنا: سألت أحمد ويحيى قلت: حدثوني عن رفدة بن قضاعة الغساني فذكر هذا الحديث فقال: ليس بصحيح ولا يعرف عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئًا ولا عن جده ولا يعرف رفدة بن قضاعة. وقال يحيى قد سمعت به وهو شيخ ضعيف ولو كان جاء بهذا رجل معروف ¬

_ (¬1) (3/ 175)، والحديث صححه الشيخ عند ابن ماجه (861) وأحال على "صحيح السنن" (724)، وهناك قال: في أسانيدها مقال، وأحال على "التعليقات الجياد".

مثل هقل كان عسى (¬1). وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عباس روى ابن ماجه (1) عن أيوب بن محمد الهاشمي ثنا عمر بن رياح عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند كل تكبيرة. عمر بن رِياح مكسور الراء يليها آخر الحروف. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قال أبو حفص الصيرفي: هو رد. وفيه عن ابن عباس أيضًا روى أبو داود (¬2) ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن هبيرة عن ميمون المكي أنه رأى عبد الله بن الزبير يصلي بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام فيقوم فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عباس فقلت: إني رأيت ابن الزبير يصلي صلاة لم أر أحدًا يصليها ووصفت له هذه الإشارة فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتد بصلاة ابن الزبير. أبو هبيرة يحيى بن عباد روى له مسلم ووثقه ابن حبان، وابن لهيعة معروف الحال. فيه رفع اليدين في التكبيرات في الصلاة وذلك عند أهل الحلم تعظيم لله وابتهال إليه واستسلام له وخضوع للموقوف بين يديه واتباع للسنة وقيل: استهوال لما دخل فيه وقيل لتمام القيام وقيل إشارة لطرح أمور الدنيا وراء ظهره وقيل غير ذلك هذا تعليل من يرى استحبابه. ¬

_ (¬1) "السنن" (865). قال البوصيري: عمر بن رياح اتفقوا على ضعفه. وصححه الشيخ الألباني لغيره! فقارن مع حديث عمير الليثي، وقد سبق وأبو حفص هو عمرو بن علي الفلاس. (¬2) "السنن" (739) وصححه الألباني.

وقد اختلف العلماء في حكمه، فأما تكبيرة الإحرام فذهب الجمهور إلى أنه فيها سنة. وحكي عن الأوزاعي والحميدي أنه فرض وكذلك قال أبو سليمان داود بن علي وأبو محمد بن حزم واختلف أصحاب داود في ذلك، فقال بعضهم: الرفع عند الإحرام والركوع والرفع من الركوع واجب، وقال بعضهم: لا يجب الرفع إلا عند الإحرام وقال بعضهم: لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضًا لأنه - عليه السلام - فعله ولم يأمر به. وقال بعضهم: هو كله واجب لقوله - عليه السلام -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" حكاه عنهم أبو عمر. قال الشيخ محيي الدين: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام واختلفوا فيما سواها ثم قال: وأجمعوا أنه لا يجب شيء من الرفع، ويرد عليه ما حكيناه عن الأوزاعي والحميدي على أنه قال: وحكي عن داود إيجابه عند تكبيرة الإحرام وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيار السيّاري من أصحابنا أصحاب الوجوه انتهى. وأما ما عدا تكبيرة الإحرام فقال الشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: يستحب رفعهما أيضًا عند الركوع وعند الرفع منه وهو رواية عن مالك، وللشافعي قول إنه يستحب رفعهما في موضع رابع وهو إذا قام من التشهد الأول. وقد صح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعله رواه البخاري، وثبت من طريق أبي حميد الساعدي عند أبي داود الترمذي بأسانيد صحيحة وسيأتي. وقال أبو سليمان الخطابي: وأما ما روي في حديث أبي حميد الساعدي من رفع اليدين عند النهوض من التشهد فهو حديث صحيح وقد شهد له بذلك غيره من

الصحابة منهم أبو قتادة الأنصاري وقد قال به جماعة من أهل الحديث ولم يذكره الشافعي والقول به لازم على أصله في قبول الزيادات وكذلك ذكر البيهقي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه كان إذا قام من الركعتين رفع يديه ثم قال بعد ذلك: ورفع اليدين عند القيام من الركعتين سنة وإن لم يذكره الشافعي فإن إسناده صحيح والزيادة من الثقة مقبولة، ثم روى عن الشافعي: إذا وجدتم في كتابي بخلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت. رواه عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن الربيع بن سليمان الرادي عن الشافعي، وقال ابن المنذر وأبو علي البري من أصحابنا وبعض أهل الحديث نستحبه أيضًا في السجود. وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من علماء الكوفة: لا يستحب في غير تكبيرة الإحرام وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وقد رُوي عنه الرفع عند الافتتاح والركوع والرفع منه وهي مشهورة عنه، وروي عنه: لا رفع في أول الصلاة ولا في شيء منها ذكره ابن شعبان وغيره وهي أضعف الروايات وأشذها عنه. وقال الأثرم عن أحمد: سمعته غير مرة سئل عن رفع اليدين عند الركوع وإذا رفع رأسه؟ قال: ومن يشك في ذلك كان ابن عمر إذا رأى من لا يفعل ذلك حَصَبَه. فأما الكوفيون ومن سلك سبيلهم فاحتجوا بحديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود. يزيد بن أبي زياد فيه مقال والحديث عند أبي داود وقال: ليس بصحيح. ورواه الإمام أحمد وذكر الخطيب هذه الزيادة (ثم لا يعود) في "المدرج" وقال:

أنها لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , لقنها يزيد في آخر عمره فتلقنها: وقد حدث به عن يزيد بإسقاطها الثوري وشعبة وإبراهيم وأسباط بن محمد وخالد الطحان وغيرهم من الحفاظ وذكر أحاديثهم بذلك. وبحديث عبد الله بن مسعود قال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فصلى فرفع يديه في أول مرة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود ونقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى بن آدم والبخاري، وضعفه بعد هؤلاء الدارقطني والبيهقي وذكروا عن علي أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم لا يرفع في شيء منها ذكره البيهقي. وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل الشمس اسكنوا في الصلاة"، رواه مسلم. وعن ابن عباس: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وجمع وفي المقامين عند الجمرتين. فأما حديث علي فضعفه البخاري ونقل عن سفيان تضعيفه، وقد صح عن علي رفع اليدين في الركوع والرفع منه والقيام من الركعتين مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما حديث جابر بن سمرة فلا تعلق له برفع اليدين في التكبير ولكنه ذكر للرد على قوم كانوا يرفعون أيديهم في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين مسلمين على من حولهم فنهوا عن ذلك، وقد وقع صريحًا كذلك في رواية عند مسلم: كنا إذا صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "علام

تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخديه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله". قال البخاري في ذلك: إنما كان في الرفع عند السلام لا في القيام ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم. وأما ما روي عن ابن عباس: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن فذكر البخاري أنه ضعيف ومرسل وقد ثبت الرفع في غير السبعة. وقد روينا عن ابن عباس من طريق ابن ماجه في هذا الباب مرفوعًا ما يرد على ذلك والحجة فيما روى لا فيما رأى، وكل هذه الآثار نافية، وما سبق في طرق الرفع مثبت وهو مقدم على من نفى. وقد ذكر البخاري أن الرفع يروي عن سبعة عشر من الصحابة: أبو قتادة وأبو أسيد ومحمد بن مسلمة وسهل بن سعد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وابن الزبير ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأبو موسى الأشعري وأبو حميد الساعدي. قال: وقال الحسن وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم فلم يستثنِ منهم أحدًا. وقال: لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. ثم ذكر عن آخرين منهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز والنعمان بن أبي عياش والحسن وابن سيرين وطاوس ومكحول وعبد الله بن دينار ونافع وعبيد الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيس بن سعد، ويروي عن أم الدرداء: أنها كانت ترفع يديها.

وذكره البيهقي عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجابر وعقبة بن عامر وعبد الله بن جابر البياضي وذكره عن غيرهم من التابعين فمن بعدهم. وأما كيفية الرفع فقال أصحابنا: يستحب أن تكون كفه إلى القبلة، قال البغوي: والسنة كشف اليدين عند الرفع، قالوا: والمرأة كالرجل في هذا. قال القاضي عياض: واختلف أصحابنا في صفة رفعهما فقيل قائمتان كما جاء في الحديث (يمدهما مدًّا) وهو مذهب العراقيين من أصحابنا وقيل منتصبتان بطونهما إلى السماء وذهب قوم إلى نصبهما قائمتين لكن تكون أطراف الأصابع منحنية قليلًا، وقيل غير هذا. وأما حيث ينتهي رفع اليدين في الصلاة، فلما اختلفت ألفاظ الأحاديث في ذلك ففي بعضها: حتى يحاذي منكبيه، وفي أخرى: حتى يحاذي أذنيه، وفي أخرى: حتى يحاذي فروع أذنيه، وكلها في الصحيح، وعند غير مسلم: فوق أذنيه مدًّا مع رأسه، وفي رواية: إلى صدره، اختلفت المذاهب في ذلك بحسب اختلاف الألفاظ. فقال الشافعي: يرفع حذو منكبيه، فيه عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه. رواه البخاري ومسلم. الثاني: حذو الأذنين نقل عن الشافعي وهو غريب عنه وإنما هو معروف عن أبي حنيفة، وفيه عن مالك بن الحويرث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وفي رواية: فروع أذنيه يعني أعلاهما، وفرع كل شيء أعلاه. وعن وائل بن حجر نحوه رواهما مسلم، وفي رواية لأبي داود في حديث وائل: رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه وهي من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع منه؛ وُلِدَ بعدَه.

ونقل الغزالي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: الرفع إلى حذو المنكبين. الثاني: إلى أن تحاذي رؤوس أصابعه أذنيه. الثالث: أن تحاذي أطراف أصابعه أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وكفاه منكبيه وبهذا الثالث جمع الشافعي بين الروايات فاستحسن منه ولا تعرف حكاية هذه الأقوال الثلاثة لغير الغزالي وذكر معناه الرافعي. قال القاضي عياض: وقال بعضهم: هو على التوسعة، وذهب الحاوي إلى اختلاف الحالات في ذلك، فإلى صدره وحذو منكبيه أيام البرد: وأيديهم تحت أكسيتهم، ومع آذانهم وفوق رؤوسهم عند إخراجهما، وفي غيره دون ذلك. وكذلك اختلفت الآثار في زمن الرفع فاختلفت المذاهب بحسب اختلافها، ففي بعضها: كان إذا كبر رفع يديه، وفي بعضها: إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وفي أخرى: إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم يكبر، وفي حديث مالك بن الحويرث: إذا صلى كبر ثم رفع يديه. وفي وقت استحباب الرفع عندنا خمسة أوجه: الأول: ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه قال الشافعي: إن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير مرفوعتين قليلًا لم يضره ولا آمره به. الثاني: يرفع بلا تكبير ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه. الثالث: يرفع بلا تكبير ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير. الرابع: يبتدئهما معًا وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال.

الخامس، وهو الذي صححه الرافعي: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فإن فرغ من أحدهما قبل الآخر أتمَّ الآخر وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع وصحح البغوي الثالث من هذه الوجوه، وصحح الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" الأول. وأما أقطع اليد فيرفع من الساعد فإن قطع من المرفق رفع العضد على أصح الوجهين؛ والثاني لا يرفع لأن العضد لا يرفع في حال الصحة، وجزم المتولي برفع العضد ولو لم يمكنه الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص منه فعل الممكن، فإن قدر على الزيادة والنقص ولم يقدر على المشروع أتى بالزيادة لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". وفيه عن أبي هريرة معلل سئل الدارقطني عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ويقول: لو قطعت يدي لرفعت ذراعي ولو قطعت ذراعي لرفعت عضدي. فقال: هذا رواه رفدة بن قضاعة الغساني عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة كذلك، وخالفه مبشر بن إسماعيل وغيره فرووه عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة: رأيت أبا هريرة يكبر لم يذكر الرفع، وفي آخره: إنها لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وهذا هو الصواب. * * *

77 - باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع

77 - باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع ثنا أحمد بن منيع ثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر بن الخطاب: إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب. قال: وفي الباب عن سعد وأنس وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود. قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما رُوي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون والتطبيق منسوخ عند أهل العلم. قال سعد بن أبي وقاص: كنا نفعل ذلك فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأكف على الركب. حدثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن أبي يعفور عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بهذا. * الكلام عليه: أما حديث سعد (¬1) فقد ذكره في الباب، وأما حديث أبي حميد وأبي أسيد سهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فيأتي في الباب يلي هذا. ¬

_ (¬1) قال الدارقطني (1/ 339): إسناد صحيح ثابت، وصححه ابن خزيمة (595) والحاكم (1/ 224) وهذا على شرط مسلم، قال: ولم يخرجاه بهذه السياقة. وابن الجارود (196). وأصله بدون مراجعة سعد لفعل ابن مسعود عند البخاري (790) ومسلم (535).

وأما حديث أنس ...................................... (¬1). وحديث عمر في الباب رواه النسائي أيضًا عن محمد بن بشار عن أبي داود عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبد الرحمن به. وعن سويد عن ابن المبارك عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن. وحديث سعد بن أبي وقاص رواه البخاري ومسلم من حديث أبي يعفور عن مصعب. رواه النسائي عن قتيبة أيضًا ورواه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عن أبي يعفور عن مصعب ورواه النسائي أيضًا عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الزبير بن عدي عن مصعب بمعناه: ورواه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر عن إسماعيل عن الزبير عن مصعب. وفي هذه الأسانيد عند الترمذي ممن ذكر بالكنى أبو بكر بن عياش قال مسلم: قال أبو حفص: اسمه سالم وقال غيره: شعبة وقال عبد الغني: أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الحناط بالحاء المهملة مولى واصل بن حيان وجدته مولاة لسمرة بن جندب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل: اسمه محمد وقيل: عبد الله وقيل: سالم وقيل: شعبة وقيل: رؤبة وقيل: مسلم وقيل: خداش وقيل: مطرف وقيل: حماد وقيل: حبيب والصحيح أن اسمه كنيته، روى له الجماعة ووثقه غير واحد وكان من العبّاد العلماء العاملين كثير التلاوة لكتاب الله تعالى مات سنة ثلاث وتسعين ومائة عن ست وتسعين سنة وقيل: مات سنة اثنتين وتسعين. وأبو حَصِين عثمان بن عاصم بن حَصين ويقال: ابن عاصم بن زيد بن كثير بن زيد بن مرة الأسدي الكوفي سمع من جماعة من الصحابة ومن التابعين ¬

_ (¬1) بياض في الأصول بقدر سطرين، ونبه السندي على أن البياض في أصل المصنف.

بعدهم، وروى له الجماعة ووثقه غير واحد وكان قليل الحديث يقال: كان عنده أربع مائة حديث وكان عالمًا. وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب بن رُبَيّعة بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء المكسورة، الكوفي أخو خرشة، لأبيه صحبه، سمع عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان ولم أر لعمر بن الخطاب ذكرًا فيمن روى عنه أبو عبد الرحمن السلمي، وذكر ابن سعد في "طبقاته" في الكوفيين الذين سمعوا من عمر جماعة ثم قال: وبعد هؤلاء ممن سمع من علي أو كما قال فذكر في هؤلاء أبا عبد الرحمن وقال شعبة: لم يسمع من ابن مسعود وقال أيضًا: فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في "مراسيله": لم يسمع من عمر ولكنه قد سمع من علي، وذكر عن أبيه عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قيل له: سمع أبو عبد الرحمن السلمي من عمر؟ قال: لا. وروينا عن ابن سعد قال: قال حجاج بن محمد: قال شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان ولكن سمع من علي، ثم قال: أنا شبابة بن سوار ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" قال أبو الفتح: رواه البخاري ....... كذلك. وقد صحح الترمذي هذا الحديث عن عمر وليست هذه الترجمة في شيء من صحيحي البخاري ولا مسلم. ورواة الخبر عند الترمذي كلهم ثقات مجمع عليهم معروف سماع بعضهم من بعض ليس فيه إلا سماع أبي عبد الرحمن من عمر وقد جزم به الراوي وإن لم يثبته ابن سعد ونفاه من ذكرناه فأبو عبد الرحمن قديم ومن أثبت السماع حجة على من لم

يثبته فالحديث صحيح. وقد روي الحديث من وجه آخر معلل من حديث شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبد الرحمن وهي الطريق التي حكيناها عن النسائي من جهة أبي داود عن شعبة. قال الدارقطني: ولم يتابع عليه يعني أبا داود، والمحفوظ حديث أبي حصين. وأبو حميد الساعدي عبد الرحمن بن سعد بن المنذر وقيل المنذر بن عمرو توفي في آخر خلافة معاوية، صحابي. وأبو أسيد مالك بن ربيعة البدري. وأبو مسعود عقبة بن عمرو. وأبو عوانة الوضاح. وأبو يعفور هذا وقدان العبدي الكبير الكوفي رأى عبد الله بن عمر وأدرك المغيرة بن شعبة وسمع أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وعرفجة بن شريح ويقال ابن ضريح ومصعب بن سعد وأبا عقرب وعبد الله بن سعيد ولم يرو أبو يعفور الصغير عن هؤلاء واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس. روى عنه ابنه ويونس والثوري وابن عيينة وشعبة وأبو الأحوص وأبو عوانة وشريك وزائدة وعمر بن سعيد بن مسروق وأبو خالد الدالاني وصدقة بن عمران وغيرهم. وثقه أحمد ويحيى وابن المديني، وقال أبو حاتم: ليس به بأس روى له الجماعة إلا ابن ماجه. وحديث أبي مسعود روى النسائي من حديث عطاء عن سالم قال: أتينا أبا

مسعود فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام بين أيدينا فكبر فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بمرفقيه حتى استوى كل شيء منه ثم قال: سمع الله لمن حمده فقام حتى استوى كل شيء منه هذه رواية أبي الأحوص عن عطاء وهي عنده عن هناد عنه، ورواه أيضًا من حديث زائدة عن عطاء بنحوه أخرجه عن أحمد بن سليمان عن حسين عن زائدة. وفي الباب أيضًا عن عائشة قال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع فيضع يديه على ركبتيه ويجافي بعضديه. حارثة بن أبي الرجال ضعيف. وقد ذكر أبو داود والترمذي حديث أبي حميد الذي تقدمت الإشارة إليه مع أبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة في باب صفة الصلاة، وفيه وضع اليدين على الركبتين وقال فيه عن محمد بن عمرو بن عطاء سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال في بعص طرقه: فيهم أبو قتادة بن ربعي فقالوا: صدقت. وفيه مما لم يذكره أيضًا عن وائل بن حجر وعن رفاعة بن رافع وآثار يأتي ذكرها في الباب إن شاء الله تعالى. وقد اختلف السلف في مسألة وضع اليدين على الركبتين في الصلاة فكان ابن مسعود والأسود بن يزيد وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن الأسود يطبقون أيديهم بين ركبهم إذا ركعوا، روى علقمة والأسود قالا: دخلنا على عبد الله فصلى بنا فلما ركع طبق بين كفيه فجعلهما بين فخديه فلما انصرف قال: كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين فخديه. وهو صحيح عنه.

قال الحازمي: وخالفهم في ذلك كافة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ورأوا أن الحديث الذي رواه ابن مسعود كان محكمًا في أول الإسلام ثم نسخ ولم يبلغ ابن مسعود نسخه وعرف ذلك أهل المدينة فرووه وعملوا به، واستدل على النسخ بحديث مصعب بن سعد عن أبيه الذي ذكرناه، وذكر من طريق ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة فرفع يديه ثم ركع فطبق ووضع يديه بين ركبتيه فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي كنا نفعل ذلك ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه قال: ففي إنكار سعد حكم التطبيق بعد إقراره بثبوته دلالة على أنه عرف الأول والثاني وفهم الناسخ والمنسوخ. وذكر عبد الرزاق (¬1) في "مصنفه" ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا: صلينا مع عبد الله فلما ركع طبق كفيه ووضعهما بين ركبتيه وضرب أيدينا ففعلنا ذلك ثم لقينا عمر بعد فصلينا في بيته فلما ركع طبقنا كما طبق عبد الله ووضع عمر يديه على ركبتيه فلما انصرف قال: ما هذا؟ فأخبرناه بفعل عبد الله قال: ذلك شيء كان يفعل ثم ترك. قال ابن أبي شيبة (¬2): ثنا وكيع ثنا عثمان بن أبي هند قال: رأيت أبا عبيدة إذا ركع طبق، وذكر أيضًا عن وكيع ثنا ابن عون عن إبراهيم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله يعني طبق يديه في الركوع فذكرته لابن سيرين فقال: لعله مرة. وقد روي مثل هذا عن ابن عمر ذكره (¬3) ابن المنذر، ثنا غيلان بن المغيرة ثنا عمرو الناقد ثنا إسحاق بن ¬

_ (¬1) "المصنف" (2866). (¬2) "المصنف" (2543، 2544). وقال الإمام أحمد في "العلل" (5543) بعد أن رواه: عثمان بن أبي هند ثقة. (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 274): إسناده قوي.

يوسف الأزرق عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: إنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة يعني التطبيق. وذكر ابن المنذر قولًا ثالثًا وهو التخيير، وجدته عند ابن أبي شيبة عن علي وعنه حكاه ابن المنذر، قال ابن أبي شيبة: ثنا وكيع قال: ثنا فطر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا وإن شئت وضعت يديك على ركبتيك، قلت: هكذا، يعني طبقت. انتهى ما ذكره ابن أبي شيبة وقد روى في وضع اليدين على الركبتين ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: كنت فيمن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: لأنظرنّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أراد أن يركع رفع يديه ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه قال: ثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع أن النبي - عليه السلام - قال لرجل: "إذا استقبلت القبلة فكبر واقرأ بما شئت فإذا أردت أن تركع فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن لركوعك". وذكر عبد الرزاق في "مصنفه" (¬1): [عن ابن مجاهد] عن أبيه عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "إذا قمت إلى الصلاة فركعت فضع يديك على ركبتيك وافرج بين أصابعك" الحديث. وقال: أنا الثوري عن ليث عن القاسم بن أبي بزة عن [رجل] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل: "إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك". وذكر ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قام فينا رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يوم القادسية ¬

_ (¬1) (2859) وما بين المعقوفتين منه، كان بياضًا في نسخة السندي، وليست في تصوير الأصل بواضحة كاملة، والمتن له بقية عند عبد الرزاق، وسند الثوري عقبه (2860).

فقال: إذا ركع فليضع يديه على ركبتيه وليمكن حتى يعلو عجب ذنبه. وعن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال: رأيت عمر راكعًا وقد وضع يديه على ركبتيه. وعن أبي معمر عن عمر مثله. وعن وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن خيثمة قال: كان ابن عمر إذا ركع وضع يديه على ركبتيه. وعن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن أبي جعفر عن علي قال: إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك الحديث. وذكر بأسانيده مثله عن عروة وإبراهيم وسعيد بن جبير وغيرهم. ويستحب عندنا أن ينحني الراكع بحيث تنال راحتاه ركبتيه ولا يجب وضعهما على الركبتين وبه قال مالك وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة: يكفيه في الركوع أدنى انحناء، وأما أكمله فأن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه يمدهما كالصفحة وينصب ساقيه ولا يثني ركبتيه. قال الشافعي في "الأم": ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض ظهره عن عنقه ولا يرفعه ويجتهد أن يكون مستويًا فإن رفع رأسه عن ظهره أو ظهره عن رأسه أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب كرهته ولا إعادة عليه ويضع يديه على ركبتيه ويأخذهما بهما ويفرق أصابعه حينئذ ويوجههما إلى القبلة، ولو لم يضع يديه على ركبتيه لكن بلغ ذلك القدر أجزأه ويكره تطبيق اليدين لحديث سعد فقد صرح فيه بالنهي. * * *

78 - باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع

78 - باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع حدثنا محمد بن بشار نا أبو عامر العقدي ثنا فليح بن سليمان ثنا عباس بن سهل بن سعد قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه. قال: وفي الباب عن أنس. قال أبو عيسى: حديث أبي حميد حديث حسن صحيح وهو الذي اختاره أهل العلم أن يجافي الرجل يديه عن جنبيه في الركوع والسجود. * الكلام عليه: في إسناده فليح بن سليمان أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما وضعفه يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، مات سنة ثمان وستين ومائة. وقد رواه الترمذي في موضع آخر من كتابه عن ابن مثنى وابن بشار عن يحيى القطان عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد بنحوه، وفي موضع ثالث عن ابن بشار والحسن بن علي الخلال وغير واحد عن أبي عاصم عن عبد الحميد بن جعفر بنحوه. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه وفي بعض طرقه: سمعت أبا حميد في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو قتادة وفي بعضها في آخره: قالوا: صدقت، وقد تقدم في الباب قبل هذا ذكر وضع اليدين على الركبتين وما يتعلق بذلك.

وقوله: ووتر يديه رويناه بتشديد التاء المثناة ومعناه شدهما، قال ابن سيده: وتر القوس ووترها شدّها وتوتر عصبه اشتد فصار مثل الوتر وتوترت عروقه كذلك. ويجافي مهموز ومعناه يباعد. قال العلماء: ويسن للرجل أن يجافي مرفقيه عن جنبيه ويسن للمرأة ضم بعضها إلى بعض وترك المجافاة. وأما الخنثى فالصحيح عندنا أنه كالمرأة وقال صاحب "البيان": قال القاضي أبو الفتوح: لا تستحب له المجافاة ولا الضم لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر. وقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الانضمام للمرأة في الصلاة مضعفة كلها. وقال أبو محمد بن حزم: المرأة والرجل في ذلك سواء لأن الشارع لم يفرق بينهما. * * *

79 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود

79 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود وما يليه مما يتعلق به من الركوع. ذكر حديث ابن مسعود وأعله بالانقطاع بين عون وابن مسعود. وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة، سمع من جماعة من الصحابة، وحديثه عن ابن مسعود وابن عباس عندهم مرسل، وفيه مع الإرسال عبد الله بن يزيد الهذلي راويه عن عون لم يخرج له في الصحيح ولا نعلمه وثق ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه خاصة، وروايته عن عون فلم ترتفع عنه الجهالة العينية ولا الحالية. وقد رواه أيضًا أبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي ذئب كما ذكرنا. وحديث حذيفة رواه مسلم مطولًا وهو عند الترمذي في الباب مختصر. وحديث عقبة بن عامر لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال: "اجعلوها في سجودكم". رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وأشار إليه الترمذي بصحابيه وزاد أبو داود: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال: "سبحان ربي العظيم وبحمده" ثلاثًا وإذا سجد قال: "سبحان ربي الأعلى وبحمده" ثلاثًا. وقال: وهذه الزيادة يخاف أن لا تكون محفوظة. وفيه مما لم يذكره عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي". رواه البخاري ومسلم. وفيها عنها: أنه كان - عليه السلام - يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، رواه مسلم.

وفيه عنها: افتقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتحسست ثم رجعت فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت". رواه مسلم. وفيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقام فقرأ بسورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا قام فسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" ثم سجد بقدر قيامه ثم قال في سجوده مثل لك ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وفيه عن محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام فصلى تطوعًا يقول إذا ركع: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع لك سمعي وبصري ولحمي ودمي وفمي وعصبي لله رب العالمين"، رواه النسائي. روى أيضًا عن جابر بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع قال: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع قلبي وبصري ودمي ومخي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين". * * *

80 - باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود

[80 - باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود] وفيه عن عبد الله بن مسعود أيضًا من رواية أبي عبيدة عنه قال: لما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" ثلائًا، رواه الإمام أحمد، وأبو عبيدة لم يسمع من عبد الله وفيه عن جبير بن مطعم وغيره وسيأتي. وذكر في النهي عن القراءة في الركوع حديث علي (¬1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع وصححه. وهو من رواية مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي يقول: نهاني رسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أقول نهاكم .. الحديث. وحنين جد إبراهيم هو مولى العباس بن عبد المطلب، وقيل: مولى علي بن طالب، وقيل: بل هو مولى مثقف (¬2)، ومثقف مولى مسحل، ومسحل مولى شماس، وشماس مولى العباس بن عبد المطلب. وقد رواه عبيد الله العمري وغيره، عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي، كما رواه مالك. وقد رواه الزهري عن ابن حنين عن أبيه عن علي. ورواه عنه معمر فقال: وعن قراءة القرآن في الركوع والسجود، فزاد: والسجود. ورواه ابن عجلان وداود بن قيس والضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2078). (¬2) في "الطبقات" (5/ 286) و "التمهيد" (16/ 112) و"الإكمال" (2/ 26): مثقب. فهو الصواب.

الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي، فزاد: ابن عباس. سئل أبو حاتم الرازي عن ذلك؟ فقال مرة: الزهري أحفظ، وقال مرة: الزيادة مقبولة من ثقة. وذكر ابنه في "العلل". وقال الدارقطني: من أسقط (ابن عباس) أكثر وأحفظ. وقال غيره: ويجوز أن يكون عبد الله بن حنين سمعه منهما. وقد قيل: إن ابن حنين سمعه مع ابن عباس عن علي، ذكره أبو عمر عن ابن المديني. قال أبو الفتح: فيمكن أن يكون عن ابن حنين على ذلك، حدث تارة بأصل الحديث عن علي، واستثبت ابن عباس به، فحدث به عن ابن عباس عن علي ذلك، والله أعلم. * * *

81 - باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

[81 - باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود] وفي الباب أيضًا عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسوأ الناس لسرقة الذي يسرق من صلاته"! قالوا يا رسول الله! كيف يسرق صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها" أو قال: "لا يتم صلبه في الركوع والسجود". رواه الإمام أحمد. وعن أبي عبد الله الأشعري قال. صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فقال: "ترون هذا؟ لو مات هذا مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين، فما تغنينان عنه، فأسبغوا الوضوء، وويل للأعقاب من النار، فأتموا الركوع والسجود". قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله الأشعري: من حدثك بهذا الحديث؟ قال: أمراء الأجناد: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، كل هؤلاء سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. روى منه ابن ماجه: "ويل للأعقاب من النار". رواه بكماله أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (¬1). وفيه أيضًا عن جابر هو ابن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل [فيها] صلبه في الركوع والسجود". رواه البيهقي، وقال: تفرد به يحيى ¬

_ (¬1) (665) وحسنه الألباني، والهيثمي في "المجمع" (2/ 121).

ابن أبي بكير (¬1). وقال: وفيه عن ابن عباس من حديث علي رواه مسلم. وكذلك حديث ابن عباس أيضًا ولفظه: كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: "أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب عزَّ وجلَّ وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم". وفي باب من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود حديث الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل يعني صلبه في الركوع والسجود" وصححه وعمارة بن عمير وأبو معمر عبد الله بن سخبرة روى لهما الجماعة ومن عداهما فأعرف من أن يعرف. قال: وفي الباب عن علي بن شيبان وأنس وأبي هريرة ورفاعة الزرقي. أما حديث علي بن شيبان فرواه ابن ماجه (¬2) نا أبو بكر بن أبي شيبة نا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أخبرني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه علي بن شيبان وكان من الوفد قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا خلفه فلمح بمؤخر عينه رجلًا لا يقيم صلاته يعني صلبه في الركوع والسجود، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: "يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". ملازم وثقه أحمد ويحيى والنسائي وقال أبو داود: ليس به بأس. ¬

_ (¬1) "السنن الكبير" (2/ 88) والزيادة منه. (¬2) "السنن" (871) وصححه الألباني، وأحال على "الصحيحة" (2536).

وعبد الله بن بدر وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة. وعبد الرحمن بن علي بن شيبان وثقه ابن حبان وخرج لهم في الكتب خارج الصحيحين. وحديث أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي. رواه البخاري ومسلم. وعن أنس: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى. يعني عمر بن عبد العزيز، قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحاته، وفي سجوده عشر تسبيحات. رواه أبو داود. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده" رواه الإمام أحمد. * * *

82 - باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع

[82 - باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع] وحديث أبي هريرة ورفاعة الزرقي كلاهما في خبر المسيء صلاته وفيه: "ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ... " الحديث، وقد تقدم. وفيه أيضًا عن عبد الرحمن بن شبل: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب وافتراش السبع ... الحديث. ذكره أبو داود في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود من كتابه. وفي الباب أيضًا عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته"! قالوا: يا رسول الله! كيف يسرق صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها" أو قال: "لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". رواه الإمام أحمد. وعن أبي عبد الله الأشعري قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينظر في سجوده، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فقال: "ترون هذا! لو مات هذا لمات على غير ملة محمد؛ ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يصلي ولا يركع، وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين؛ فما تغنيان عنه، أسبغوا الوضوء، وويل للأعقاب من النار، فأتموا الركوع والسجود". قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله الأشعري: من حدثك بهذا الحديث، قال: أمراء الأجناد؛ خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، كل هؤلاء سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,روى عنه ابن ماجه: "ويل للأعقاب من النار"، رواه بكماله ابن خزيمة في "صحيحه". وفيه أيضًا عن جابر -هو ابن عبد الله-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود" رواه البيهقي، وقال: تفرد به يحيى بن أبي بكر.

وذكر في باب ........ ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" الحديث وصححه وقد خرجه مسلم من حديث عبد العزيز بن عبد الله عن عمه أبي سلمة الماجشون بنحوه. قال: وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وأبي جحيفة وأبي سعيد وفي الباب بعده حديث أبي هريرة وصححه وقد أخرجه البخاري ومسلم. أما حديث ابن عمر فقال النسائي في "الكبير": أنا سويد بن نصر قال لنا عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا وقال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" وقال: لا يفعل ذلك في السجود. وحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لا منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". رواه مسلم. وحديث ابن أبي أوفى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ"، رواه مسلم. وحديث أبي جحيفة قال: ذكرت الجُدُود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فقال رجل: جد فلان في الخيل، وقال آخر: جد فلان في الإبل، وقال آخر: جد فلان في الغنم، وقال آخر: جد فلان في الرقيق، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفع

رأسه من آخر الركعة فقال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وطول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون، رواه ابن ماجه. وحديث أبي سعيد قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". رواه مسلم. وفيه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم" قال: أنا، قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول". رواه البخاري. الكلام على شيء من مفردات هذه الأحاديث، وفيه مسائل: الأولى: بالقسي (¬1) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة نسبة إلى موضع تنسب إليه الثياب القسية وهي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس من بلاد مصر مما يلي الفرما، وذكر بعضهم أن أصحاب الحديث يقولونه: بالكسر وأهل مصر بالفتح ذكره عياض وهو ثياب يلبسها أشراف النساء وقال النمري: فأدنين حتى جاوز الركب دونها ... حجاب من القسي والحبرات الثانية: المعصفر الثوب المصبوغ بالعصفر وقد اختلف الناس في حكم مفدمه ومورده والممشق منه كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر "التمهيد" (16/ 116) و"الاستذكار" (1/ 431). وقارن مع "صحيح مسلم" (2078)، و"تغليق التعليق" (5/ 64)، وأصله في البخاري.

والمفدم عند أهل اللغة: المشبع حمرة والمورد دونه كأنه من لون الورد والممشق المصبوغ بالمشق قال أبو عمر: هو طين يصبغ به، أحمر هو المغرة أو نحوها (¬1). الثالثة: التختم لبس الخاتم، قال الجوهري: الخاتَم والخاتم بكسر التاء والخيتَام والخاتام كله بمعنى والجمع الخواتيم وتختمت إذا لبسته. وقال القاضي عياض: والخاتم بفتح التاء وكسرها من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثعلب: والخاتم الذي ختم به الأنبياء والخاتم أحسن الأنبياء خُلْقًا وخَلْقًا. الرابعة: قوله: لك الحمد ملء السماوات الحديث قال الخطابي: هو تمثيل وتقريب والمراد تكثير العدد حتى لو قدر ذلك وكان أجسامًا يملأن ذلك ويحتمل أن المراد بذلك أجرها، ويحتمل أن المراد بها التعظيم لقدرها لا كثرة عددها كما يقال: هذه كلمة تملأ طباق الأرض، وكان ابن خالويه يرجح فتح الهمزة من ملء والزجاج يروي (¬2) الرفع فيها وكلاهما جائز. الخامسة: (أهل الثناء والمجد) الوجه النصب في (أهل) على أنه منادى مضاف حذف حرف ندائه، ويجوز رفعه على تقدير: أنت أهل. والثناء: المدح، والمجد: العظمة والشرف. السادسة: قوله: (أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت) معنى أحق أوجب وأثبت وأولى وهو مرفوع بالابتداء، وخبره (اللهم لا مانع لما أعطيت)، و (كلنا لك عبد) جملة معترضة بين المبتدأ والخبر ويجوز أن يكون قوله (ما قال العبد) خبرًا لما قبله أي: قول: (ربنا لك الحمد ...) إلى آخره، أحق ما قال العبد. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (16/ 123). وقارن مع "صحيح ابن خزيمة" (2689). (¬2) كأنها في الأصل: يرى.

السابعة: و (لا ينفع ذا الجد منك الجد) المشهور فتح الجيم فيهما. والجد مفتوح: الحظ والغنى، ومعناه لا ينفع من رزق مالًا وجاهًا وحظًا دنيويًّا شيء من ذلك عندك وإنما ينفعه العمل الصالح كما قال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} وحكي عن الشيباني كسر الجيم فيهما وأنكره الطبري، والجد مكسور: الاجتهاد ومعناه على هذا: لا ينفع ذا الاجتهاد والعمل اجتهاده أي لا ينجي شيء من ذلك صاحبه إنما النجاة بفضل الله تعالى ورحمته نحو قوله: "لن ينجي أحدًا منكم عمله ... " الحديث. أو لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك إسراعه نحو قوله: (لا ملجأ منك إلا إليك) ويشبه بهذا قول النابغة يعتذر للنعمان بن المنذر: وإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (¬1) قال أبو الفتح: وأحق ما فسر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديثه، وفي حديث أبي جحيفة: ذُكرت الجدود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل جد فلان في الخيل، وقال آخر: جد فلان في الإبل ... الحديث، فقال عليه الصلاة والسلام، فذكر ... "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، والمراد بالجد الأول الحظ، المفتوح الجيم بيقين، وكذلك ما وقع في بقية الحديث، ولا وجه بعد هذا لذكر الكسر في الجد والله أعلم. الثامنة: قوله في حديث ابن أبي أوفى: (اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد) استعارة للمبالغة في التنظيف من الذنوب وماء البارد من باب إضافة الشيء إلى صفته. التاسعة: قوله: (فقمن) بفتح القاف والميم ومعناه حقيق وجدير ويقال: قمن بكسر الميم وقمين بالياء بعد اليم فالفتح مصدر وغيره نعت يثنى ويجمع قاله الجوهري. ¬

_ (¬1) انظر "تاريخ دمشق" (19/ 225) حيث عده أبو الأسود الدؤلي صاحبه أمام ابن عباس أشعر الناس، واستشهد بهذا البيت.

التاسعة (¬1): (سبحانك) اسم علم المصدر سبح وقع موقعه فنصب نصبه وهو لا ينصرف للتعريف والألف والنون الزائدتين كعثمان ومعناه البراءة لله من كل نقص وسوء وهو في الغالب مما لا ينفصل عن الإضافة وقد جاء منفصلًا عنها في شذوذ ومنه قول الأعشى: أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وفي البيت معنى التعجب كأنه قال: تعجبًا من علقمة. العاشرة: قوله: (وبحمدك) متعلق بفعل محذوف دل عليه التسبيح كأنه يريد بحمدك سبحتك أي بتفضلك وهدايتك هذا قولهم وكأنهم لحظوا في الحمد هنا معنى الشكر، ويحتمل وجهًا ثانيًا وهو إبقاء الحمد على أصله وتكون الباء باء السبب ويكون المراد بأنك موصوف بصفات الكمال والجلال (¬2) سبحك المسبحون وعظمك المعظمون. الحادية عشرة: قوله: (اللهم اغفر لي)، الغفر التغطية والغفر الغفران. قال الجوهري: ويقال استغفر الله لذنبه ومن ذنبه [بمعنى] فغفر له ذنبه مغفرة وغفرًا وغفرانًا واغتفر ذنبه مثله. وقال الراغب: الغفر إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس ومنه [قيل:] اغفر ثوبك في الوحا (¬3)، واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب قال تعالى: {غفرانك ربنا وإليك المصير} وسيأتي الكلام على دعائه - عليه السلام - بالمغفرة في المباحث إن شاء الله تعالى. الثانية عشرة: الذنوب جمع ذنب، قال الجوهري: وهو الجرم وقد أذنب الرجل وقال أبو القاسم الراغب في مادة ذنب: ذنب الدابة وغيرها معروف ويعبر به عن ¬

_ (¬1) كذا في الأصول المخطوطة وحقها أن تكون العاشرة حسب ترتيب الشارح، كما ترى، والله أعلم. (¬2) في نسخة السندي: الجمال. (¬3) كذا، وفي "المفردات": الوعاء.

المتأخر والرذل يقال: هم أذناب القوم ثم قال: ويستعمل في كل فعل تستوخم عقباه اعتبارًا بذنبة الشيء ولهذا يسمّى الذنب تبعة والعقوبة اعتبارًا بما يحصل من عاقبته وجمع الذنب ذنوب قال تعالى: {فأخذهم الله بذنوبهم} وقال: {فكلًا أخذنا بذنبه} وقال: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} إلى غير ذلك من الآي. الثالثة عشرة: الخطايا جمع خطيئة على وزن فعيلة والخطأ نقيض الصواب وقد يمد وقرئ بهما قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطأ} يقول منه: أخطأت وتخطأت بمعنى واحد ولا تقل أخطيت وبعضهم يقوله. والخطء الذنب في قوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئًا كبيرًا} أي: إثمًا يقول منه خَطِئ يخطأ خطئًا وخطأة على فعلة والاسم الخطيئة على فعيلة ولك أن تشدد الياء لأن كل ياء ساكنة قبلها كسرة أو واو ساكنة قبلها ضمة وهما زائدتان للمد لا للإلحاق ولا هما من نفس الكلمة فإنك تقلب الهمزة بعد الواو واوًا وبعد الياء ياءً وتدغم فتقول في مقروء مقروّ وفي خبيء خبيّ بتشديد الواو والياء. وأما جمع الخطيئة خطايا فكان الأصل خطائي على فعايل فلما اجتمعت الهمزتان قلب الثانية ياء لأن قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفًا ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين وقال الجوهري: وقولهم: ما أخطأه! إنما هو تعجب من خطئ لا من أخطأ وحكى عن أبي عبيدة خطئ وأخطأ لغتان بمعنى واحد وأنشد: يا لهف هند إذا خطئن كاهلًا أي: أخطأن، وقال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي. وقال القزاز: قيل إنما يقال خطيت أخطأ خَطًا وخُطًا إذا كان من الخطيئة وخَطِتُ وأخطأت خطأ والخطأ من الخطأ ويقولون: لأن تُخطِيء العلم أيسر من أن تخطأ في الدين فالأول من أخطأ يخطيء، والثاني من خَطيء يخطأ وقال الراغب في

"مفرداته": الخطأ العدول عن الجهة وذلك أضرب أحدها أن تريد غير ما يحسن إرادته فتفعله وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان ويقال فيه: خطأ يخطأ خُطأً وخَطأً قال الله تعالى: {إنه كان خطئًا كبيرًا} وقال تعالى: {وإن كنا لخاطئين}. والثاني: أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلافه فيقال! أخطأ خطأ فهو مخطيء وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل وهذا المعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي الخطأ والنسان" وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من اجتهد فأخطأ فله أجر" وعليه قوله عز وجل: {ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة}. والثالث: أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه فهذا مخطيء في الإرادة ومصيب في الفعل فهو مذموم بقصده، وغير محمود على فعله وهذا المعنى الذي أراد الشاعر بقوله: أردت مساءتي فاجتررت (¬1) مسرتي ... وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري وجملة الأمر: أن من أراد شيئًا ووقع منه خلافه يقال: أخطأ، وإن وقع منه كما أراده يقال: أصاب، ويقال لمن فعل فعلًا لا يحسن أو أراد إرادة لا تحتمل: أخطأ ولهذا يقال: أصاب الخطأ وأخطأ الصواب وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ وهذه اللفظة مشتركة كما ترى مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها. الرابعة عشرة: الجبروت فعلوت من التجبر والجبراء إصلاح الشيء بضرب من القهر يقال: جبرته فانجبر واجتبر وقد قيل: جبرته فجبر. قال الشاعر: قد جبر الدين الإله فجبر (¬2) ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين، وفي "التعاريف" (318): فأجرت. (¬2) هو للعجاج. انظر "تفسير الطبري" (6/ 174)، و"تاريخ دمشق" (28/ 130) و (45/ 291) و"الاستيعاب" (3/ 1014).

هذا قول أكثر أهل اللغة، قال الراغب: وقال بعضهم: ليس قوله فجبر مذكورًا على سبيل الانفعال بل ذلك على سبيل الفعل وكرره ونبه بالأول على الابتداء بإصلاحه وبالثاني على تتميمه. وأما في وصفه تعالى فقد قيل (العزيز الجبار) سمي بذلك من قولهم: جبرت الفقير لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمته وقيل: لأنه يجبر الناس أي: يقهرهم على ما يريده، ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال: لا يقال من أفعلتُ فعال مشدد فجبّار لا يبنى من أجبرت! فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله: لا جبر ولا تفويض لا من لفظ الإجبار. الخامسة عشرة: والملكوت من الملك، والملك الحق الدائم لله تعالى قال الله: {فتعالى الله الملك الحق}، وقال: {له الملك وله الحمد} وقال: {اللهم مالك الملك} الآية فالملك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم والملك كالحبس للملك، فكل مُلك ملك وليس كل ملك مُلكًا، والملكوت مختصة بمُلك الله تعالى، قال تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} وقال: {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} قاله الراغب. السادسة عشرة: والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير الله تعالى: قال: {وله الكبرياء في السماوات والأرض} ولما قلنا روي عنه - عليه السلام - "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدة منهما قصمته" وقال تعالى: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء}. السابعة عشرة: البضع بالكسر المقتطع من العشرة، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل: بل هو فوق الخمس ودون العشر قال تعالى {بضع سنين}. الثامنة عشرة: سبوح قدوس بضم السين والقاف وفتحها والأول أكثر، قال ابن فارس والزبيدي سبوح هو لله عزَّ وجلَّ، والمراد المسبح المقدس وهو المبرأ من

النقائص ويأتيان مرفوعان على خبر مبتدأ ومنصوبان بإضمار فعل أي: أَعْظِم أو اذكر وما أشبه ذلك. التاسعة عشرة: الروح قيل: هو جبريل وقيل: ملك عظيم وقيل: خلق يخفون عن الملائكة كخفاء الملائكة عنا. الكلام على ما يستفاد من هذه الأحاديث ويستنبط منها من الأحكام. وفيه مسائل: الأولى: قوله - عليه السلام - "اللهم اغفر لي" والكلام في ذلك يستتبع الكلام في الذنوب والخطايا وما إلى ذلك. قال أبو العباس: وقوله: "اللهم اغفر لي ذنبي كله" الحديث فيه دليل على نسبة الذنوب إليه، وقد اختلف الناس في ذلك فمنهم من يقول: الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر، وذهب شرذمة من الروافض إلى تجويز كل ذلك عليهم إلا ما يناقض مدلول المعجزة كالكذب والكفر، وذهب المقتصدون إلى أنهم معصومون عن الكبائر إجماعًا سابقًا خلاف الروافض ولا يعتد بخلافهم إذ قد حكم بكفرهم كثير من العلماء. انتهى كلام أبي العباس، وكأنه يحتج إلى عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر دون الصغائر، وهو قول محكي عن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وطائفة من الفقهاء والمحدثين. قال القاضي عياض: والمحققون من الفقهاء والمتكلمين على خلاف ذلك وأنهم معصومون من الصغائر والكبائر، وقد قال ابن عباس وغيره: إن كل ما عصي الله به فهو كبيرة وإنه إنما سمى منها الصغير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ومخالفة الباري في أي أمر كان يجب كونه كبيرة. وقال القاضي عبد الوهاب بن علي: لا يمكن أن يقال إن في معاصي الله تعالى صغيرة إلا على معنى أنها تغتفر باجتناب الكبائر ولا يكون لها حكم مع ذلك

بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها فلا يحبطها شيء والمشيئة في العفو عنها إلى الله. قال القاضي عياض: وهو قول أبي بكر وجماعة من الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء، قال: وقد استدل بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم وسيرهم مطلقًا وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة من غير التزام قرينة بل مطلقًا عند بعضهم وإن اختلفوا في حكمة ذلك انتهى كلامه. ولم يعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في استغفاره ربه جل ثناؤه إلا امتثال أمره في قوله: {استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وقد قال تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}. وقد حكي عن الأنبياء ما يذكرونه في الموقف من ذنوبهم وقد قال الله تعالى عن نوح - عليه السلام -: {وإلا تغفر لي وترحمني} الآية. وقد كان الله قال له: {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} وقال تعالى عن إبراهيم: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}، وقال عن موسى: {تبت إليك}، والذي يختاره أبو محمد ابن حزم في هذا وأمثاله أن الخطيئة المرادة في مثل هذا هي ما وقع من الأنبياء عليهم السلام بنسيان أو إرادة قربة لم توافق القصد في نفس الأمر هذا معنى كلامه وهو يجوز ذلك على الأنبياء، فإنه قال: ولسنا نبعد ذلك من الأنبياء عليهم السلام وإنما منع (¬1) القصد إلى المعصية وهم يعلمون أنها معصية. وفيما قدمناه عن الراغب من معاني الخطيئة ما يقتضي وقوعها على مثل ذلك، وفيما ذهب إليه أبو محمد من ذلك خلاف بين العلماء وهو يرى أيضًا أن الأنبياء عليهم السلام مؤاخذون بمثل ذلك من السهو بخلاف أممهم، لعليّ قدرهم ¬

_ (¬1) عند السندي: يمنع.

ورفيع منصبهم والذي حكاه عياض أن الأنبياء وأممهم في ذلك سواء كلهم لا يؤاخذون بشيء من ذلك. وأما اختلاف المفسرين في تأويل قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} فقيل: المراد ما كان قبل النبوة وبعدها وقيل: المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع اعفه إذ (¬1) مغفور له. وقيل ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها حكاه أحمد بن نصر وقيل: المراد بذلك أمته - عليه السلام -، وقيل: المراد ما كان عن سهو وغفلة وتأويل، حكاه الطبري واختاره القشيري وقيل: ما تقدم لأبيك آدم من ذنوب أمته حكاه السمرقندي والسلمي عن ابن عطاء وبمثله والذي قبله يتأول قوله: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} قال مكي: مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا مخاطبة لأمته. وقيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أن يقول: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} سر بذلك الكفار فأنزل الله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك} فمقصود الآية أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب لو كان، وقال بعضهم. المغفرة هنا تنزيه [له] من العيوب، ويحتمل أيضًا أن يكون المراد بالاستغفار: ومما يستغفر منه ما ذكره العلماء في الجواب عن قوله - عليه السلام -: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم مائة مرة" أن المراد بالغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية، قال القاضي عياض: فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهوها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان دُفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة ومعاناة الأهل ومقاومة الولي والعدو ومصلحة النفس وما كلفه من أعباء [أداء] (¬2) الرسالة وحمل الأمانة وهو في ¬

_ (¬1) كذا في نسخة السندي، وهو غير واضح في الأصل، وما استظهرته هو. (اعتبر كأنه). والله أعلم. (¬2) زيادة من "الشفاء" (316 - ابن حزم) والجملة عنده بعد: وعبادة خالقك ولكن لما كان - صلى الله عليه وسلم - أرفع الخلق عند الله مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه وخلو همته =

كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه، لكن يرى المقام الأول من اشتغاله بربه خالية أرفع حاليْه هذا معنى كلامه. وقد حكينا الخلاف في جواز مثل هذا على الأنبياء من السهو عن شيء من التعلق بالله تعالى في حال نظرهم في مصالح الأم وما أشبه ذلك. وقد ذكر لي شيخنا الزاهد المحقق أبو محمد العقيلي وأنا أقرأ عليه "الطبقات الكبرى" لابن سعد في ترجمة عروة بن الزبير وأن ساقه نشر وحسم في حال صلاته ولم يشعر بذلك لاستغراقه في الصلاة. فقال: هذا عند أهل الطريق نهاية السفر الأول، والسفر الثاني عندهم أرفع من هذا وهو ما يروى عن عمر بن الخطاب من استعماله فكره في تجهيز الجيوش وتوليته الولايات وهو في الصلاة في مرتبة من الحضور مع ...... (¬1) لم يبلغها عروة، انتهى. فإذا كان هذا حال عمر، فكيف الأنبياء! وقال بعض من لا يرى ذلك معنى الحديث ما يهم خاطره ويغم فكره من أمر أمته - عليه السلام - لاهتمامه بهم وكثرة شفقته عليهم فيستغفر لهم. وقيل: وقد يكون الغين هنا على قلبه السكينة التي تغشاه لقوله تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه} فيكون استغفاره عندها إظهارًا للعبودية. وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمة بحملهم على الاستغفار وقيل غير ذلك. ¬

_ = وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع حاليه رأى - عليه السلام - حال فترته عنها وشغله بسواها، غضًّا من علي حاله، وخفضًا من رفيع مقامه، فاستغفر الله من ذلك. اهـ. (¬1) بياض في الأصول.

الثاني: التسبيح في الركوع قال أصحابنا: التسبيح وسائر الأذكار في الركوع والسجود وقول: سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام كل ذلك سنة ليس بواجب فلو تركه لم يأثم وصلاته صحيحة سواء تركه عمدًا أو سهوًا لكن يكره تركه عمدًا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء. وقال إسحاق بن راهويه: التسبيح واجب فإن تركه عمدًا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل. وقال الظاهري: واجب مطلقًا وأشار الخطابي في "معالم السنن" إلى اختياره، وقال أحمد: التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد والذكر بين السجدتين وجميع التكبيرات واجب فإن ترك شيئًا منه عمدًا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو هذا هو الصحيح عنه، وعنه رواية أنه سنة كقول الجمهور واحتج من أوجبه بحديث عقبة بن عامر المذكور وبأنه - عليه السلام - كان يفعله وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وبالقياس على القراءة. واحتج الشافعي والجمهور بحديث المسيء صلاته فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرة الإحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبة لعلمه إيّاها بل هذه أولى بالتعليم لو كانت واجبة لأنها تقال سرًّا وتخفى. وأما الأحاديث الواردة فيها فمحمولة على الاستحباب جمعًا بين الأدلة وأما القياس على القراءة ففرق أصحابنا بأن الأفعال في الصلاة ضربان: أحدهما: معتاد للناس في غير الصلاة وهو القيام والقعود وهذا لا تتميز العبادة فيه عن العادة فوجب فيه الذكر ليتميز. والثاني: غير معتاد وهو الركوع والسجود فهو خضوع في نفسه متميز بصورته

عن أفعال العادة فلم يفتقر إلى تمييز. الثالثة: يحصل أصل السنة في التسبيح بقوله سبحان الله وسبحان ربي العظيم، وأدنى الكمال أن يقول: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات ليس معناه عندهم أنه لا يجزئ أقل من الثلاث بل لو سبح مرة واحدة كان آتيًا بسنة التسبيح لكن ليس الآتي بذلك آتيًا بأقل الكمال وإنما هو آت بأقل ما يجزئ ولو سبح خمسًا أو سبعًا أو تسعًا أو إحدى عشرة كان أفضل لكنه إذا كان إمامًا فيستحب أن لا يزيد على ثلاث كذا قالوا وإنما ذلك لما يكره من الإطالة خشية المشقة على المأمومين. وما ذكره الترمذي عن ابن المبارك وإسحاق بن راهويه من استحباب الخمس للإمام ليدرك من خلفه ثلاثًا حسن ولم أره لأحد من الأصحاب، وقد قال به سفيان الثوري. قال الماوردي: أدنى الكمال ثلاث والكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمسة ولو سبح مرة حصل التسبيح. الرابعة: يستحب عندنا أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وأن يقول بعد التسبيح: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، كذا رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه فإن رأى الاقتصار على أحد الذكرين فالتسبيح أفضل. قال القاضي أبو الطيب والإتيان بقوله: اللهم لك ركعت ... إلى أخره، مع ثلاث تسبيحات أفضل من حذفه وزيادة التسبيح على ثلاث وهذا واضح. وقال ابن القاسم عن مالك: إنه لم يعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره ولم يجد في الركوع والسجود دعاء موقتًا ولا تسبيحًا.

وقال: إذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وجبهته من الأرض في السجود فقد أجزأ عنه. قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأبو داود (¬1) وأحمد وإسحاق يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم ثلاثًا، وفي السجود: سبحان ربي الأعلي ثلاثًا. وروى القعنبي عن صلة بن زفر عن حذيفة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثًا. وروى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وروى السعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. ومن حديث أبي بكرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في سجوده ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". ويحتج باختلاف ألفاظ التسبيح في هذه الأحاديث من يرى أن لا تحديد في ذلك كما ذكره ابن القاسم عن مالك. الخامسة: قول علي - عليه السلام -: (نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أقول نهاكم) يشعر بأن اللفظ الذي سمعه في ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقرأ القرآن في الركوع) فحافظ حالة التبليغ على ما سمع حالة التحمل، فهو من باب نقل الحديث بلفظه كما سمع، وقد اقتصر عليه قوم، والأكثرون على جواز الرواية بالمعنى، ذكر معناه القرطبي، وفيه نظر بأن عليًّا - عليه السلام - لو أدى لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - لقال: (لا تقرأ ¬

_ (¬1) كذا!

القرآن وأنت راكع) أو غير ذلك، كما سمعه. وأما قوله: نهاني فالظاهر أنه أداء لمعنى ما وقع لا لصيغة ما وقع، غير أنه قصد المطابقة في خصوصه بالنهي. - وهذا هو المعنى. وأما لو كان لفظ النهي يقتضي تخصيصه به وأداه بلفظ يقتضي العموم لكان قد تجاوز المعنى أيضًا، لأن تعَدي الحكم إلى غيره يحتاج إلى دليل أخر كما سيأتي. السادسة: فإذا قلنا: يتعدى هذا الحكم إلى غير علي احتجنا إلى دليل من خارج، إما عام؛ من كونه - عليه السلام - حكمه على الواحد كحكمه على الجميع فقد اشتهر على ألسنة الفقهاء والمتكلمين أنه قال - عليه السلام -: "حكمي على الواحد كحكمي على الجميع"، ولا أعلم لهذا أصلًا. أو خاص؛ كقوله - عليه السلام - فيما روى عنه ابن عباس: "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا"، مع قوله: "صلوا كما رأيتموتي أصلي" فبذلك يتم الدليل. السابعة: النهي في هذا الحديث تناول منهيات يختلف حكم النهي فيها فهو في بعضها محمول على التحريم، وفي بعضها محمول على الكراهة، كما سيأتي. وصيغة النهي واحدة، وأما أن تكون مشتركة بين المعنيين أو حقيقة في التحريم مجازًا في الكراهة، ففيه استعمال المشترك في معنييه، أو اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، وما جوز من ذلك فعلى خلاف الأصل. الثامنة: اختلف هل تدخل النساء في خطاب الرجال عند الإطلاق أم لا؟ على قولين، والمنهي عنه في هذا الحديث منه ما يتعلق بالرجال والنساء وهو ترك القراءة في الركوع والسجود، ومنه ما يخص الرجال وهو ما عدا ذلك.

التاسعة: فعلى القول بدخولهن في الخطاب بالنهي يحتاج من أخرجهن إلى دليل. العاشرة: القسي وقد تقدم بيانه في المفردات، وأما حكمه فقد أجمع العلماء على أن لباس الحرير حرام على الرجال دون النساء، وكذلك التحلي بالذهب لا يختلفون في ذلك إلا من شذ ممن حرم الحرير على النساء فقد حكي ذلك عن ابن الزبير، والجمهور على خلافه لحديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عزَّ وجلَّ أحل لإناث أمتي الحرير والذهب وحرمها على ذكورهما". وروي مثله عن علي - عليه السلام - من وجوه. قال الطحاوي: وروى تحريم الحرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة: عمر وعلي وابن عمر وعبد الله بن عمرو ومعاوية في جماعة من الصحابة وحذيفة وعمران بن الحصين والبراء بن عازب وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وأنس وعقبة بن عامر وأبو أمامة وأبو هريرة وغيرهم. وروى أبو أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". روي نحوه من حديث عقبة بن عامر وعمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وهذا وعيد شديد لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: {ولباسهم فيها حرير}. الحادية عشرة: وأما الصبيان فقال أصحابنا: يجوز لباسهم الحلي والحرير يوم العيد، وفي جواز لباسهم إياه في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها الجواز والثاني: التحريم، والثالث: يحرم بعد سن التمييز. الثانية عشرة: قد تقدم في المفردات أن القسي ثياب مضلعة بالحرير فإن

حملنا النهي على التحريم اقتضى تحريم القليل والكثير منه وهو مما اختلف العلماء فيه، فممن كان يذهب إلى ذلك ابن عمر وهو ممن روى حديث الحلة السيراء، وذكر ابن أبي شيبة (¬1) ثنا وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين (¬2) فقصّه فدخلت على أسماء فذكرت لها ذلك فقالت: بؤسًا لعبد الله يا جارية هاتي جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج (¬3) بالديباج. وذكر أبو داود (¬4) ثنا مسدد ثنا عيسى بن يونس ثنا المغيرة بن زياد ثنا عبد الله أبو (¬5) عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال: رأيت ابن عمر في السوق واشترى ثوبًا شاميًّا فرأى فيه خيطًا أحمر فرده فأتيت أسماء وذكر الحديث. روى ابن أبي خيثمة ثنا إبراهيم بن عرعرة ثنا معاذ بن معاذ ثنا ابن عون عن الحسن قال: دخلنا على ابن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل: با أبا عبد الرحمن ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل فقال: اتركوا قليله وكثيره. وخالفه في ذلك ابن عباس وجماعة كانوا يرون أن النهي والتحريم في ذلك عنى به الثوب من الحرير الخالص الذي لا يخالطه فيه شيء غيره واحتجوا بما روى أبو ¬

_ (¬1) "المصنف" (24684) وقد رواه ابن ماجه (3594) عنه، وكذلك ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 319) و"التمهيد" (14/ 255). وصححه الألباني، وقال: رواه مسلم نحوه. (¬2) قال ابن الأثير: الجلم: الذي يجز به الشعر والصوف. والجلمان شفرتان، وهكذا يقال مثنى، كالمقص والمقصين. (¬3) عند ابن أبي شيبة، وابن ماجه: الفرجين، والمثبت الأصل، وهو كذلك عند ابن عبد البر. (¬4) "السنن" (4054)، وصححه الألباني، وقال: رواه مسلم. قلت: انظر "صحيح مسلم" (2069)، وهو عن مسلم في قصة ومراجعة بين أسماء وابن عمر. (¬5) الأصل: ابن! وهو عبد الله بن كيسان أبو عمر. وهو ثقة. "التقريب".

داود (¬1) ثنا ابن نفيل ثنا زهير ثنا خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس. وذهب قوم من أهل العلم إلى أن ما كان سداؤه حريرًا من الثياب لا يجوز لباسه للرجال بحال وذكروا أن الحلة السيراء هذه صفتها على ما قال أهل اللغة، واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث ............... (¬2)، ثنا يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن جعدة بن هبيرة عن علي بن أبي طالب قال: أهدى أمير أذرعات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة مسيرة بحرير إما سداها وإما لحمتها فبعث بها إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ما أصنع بها ألبسها؟ فقال: "إني لا أرضى لك ما أكره لنفسي فاجعلها خمرًا بين الفواطم" فشققت منها أربعة أخمرة خمارًا لفاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أم علي وخمارًا لفاطمة ابنة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخمارًا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب. قال يزيد بن أبي زياد: وذكر فاطمة أخرى فنسيتها. قال القاضي عياض (¬3): يشبه أن تكون الرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب لاختصاصها بعلي بالصاهرة وهي من المبايعات. وأرخصت هذه الطائفة وغيرها من أهل العلم من الحرير في الأعلام نحو ¬

_ (¬1) "السنن" (4055) وقال الألباني: صحيح دون قوله: فأما العلم ... (¬2) بياض بالأصول مقدار سطر، والحديث رواه ابن ماجه (3596) من طريق ابن أبي شيبة (24647)، حتى المرفوع، دون فعل علي بعده. وتفصيلاته. وهو عند مسلم (2071) من طريق ابن أبي شيبة وغيره، لكن بإسناد آخر، والحديث فيه بعض اختلاف، وبالمرفوع مثل السابق كذلك. (¬3) "الإكمال" (6/ 578).

الأصبعين والثلاث لا غير، ولا يجيزون أكثر من ذلك، ولم يجيروا السدى ولا اللحمة، هذا كله للرجال، وقال أبو عمر: وأما حكاية أقاويل الفقهاء في هذا الباب، فذكر ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أكره لبس الخز لأن سداه حرير، وأباح الشافعي لبس قباء محشو بقز لأن القز باطن. وقال أبو حنيفة: لا بأس بلبس ما كان سداؤه حريرًا ولحمته غير ذلك، قال: وأكره ما كان لحمته حريرًا وسداه غير حرير. وقال محمد بن الحسن: لا بأس بلبس الخز ما لم يكن فيه شهرة فإن كانت فيه شهرة فلا خير فيه. قال أبو جعفر الطحاوي: قد أجمعوا على نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[الرجال] (¬1) عن لبس الحرير، وفي حديث ابن عباس: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت، فأما السدى والعلم فلا. وقال بسر بن سعيد: رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قز، ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة (¬2). وقال أصحابنا في القسي: إن كان الحرير أكثر فالنهي فيه للتحريم وإن كان أقله فالنهي محمول فيه على كراهة التنزيه. الثالثة عشرة: لبس الحرير في الحرب وقد رخص فيه قوم ومنع منه آخرون. فحجة من رخص ما روينا من طريق ابن ماجه ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن أبي عمر مولى أسماء ابنة أبي بكر أنها ¬

_ (¬1) ليست في "التمهيد". (¬2) "التمهيد" (14/ 256) وانظر "الاستذكار" (8/ 322).

أخرجت جبة مزرورة (¬1) بالديباج فقالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس هذه إذا لقي العدو. كذا رواه ابن ماجه في الجهاد (¬2) ورواه في اللباس (¬3) عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن مغيرة بن زياد عن أبي عمر به. وقد روى أبو داود (¬4) من حديث عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ألبس القميص المكفف بالحرير". وممن كرهه بكل حال مالك وابن القاسم وجماعة، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب. وقال ابن عون: سألت محمد بن سيرين عن لبس الديباج في الحرب؟ فقال: من أين كانوا يجدون الديباج؟! وعن عكرمة أنه كرهه للحرب وقال: أرجا ما يكون للشهادة. وعن ابن محيريز مثله بمعناه. الرابعة عشرة: لبس الحرير للجرب والحكة كذلك كرهه قوم ورخص فيه آخرون منهم الشافعي، فأما الكراهة فحكى ابن عبد البر عن مالك وابن القاسم وجماعة كراهته بكل حال. فأما من منع منه فتمسك بعموم الأحاديث السابقة فيه. وأما من رخص فيحتج بما روينا من طريق البخاري ومسلم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للزبير بن العوام ولعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت بهما. ¬

_ (¬1) في السندي: مزورة! (¬2) "السنن" (2819) وضعفه الألباني. (¬3) سبق قريبًا، وأنه عند ابن ماجه (3594) وأصله في مسلم. (¬4) "السنن" (4048) وصححه الألباني.

قال أبو عمر: وقد روي عن مالك الرخصة في ذلك أيضًا كمذهب الشافعي، والمشهور عندنا أنه يجوز للجرب والحكة ونحو ذلك في السفر والحضر جميعًا. وقال بعض أصحابنا: يختص الجواز بالسفر وقد ثبت حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما. ويلتحق بذلك عندنا ما في معناه من ضرورة: من خاف حرًّا أو بردًا ولم يجد غيره أو من فاجأته الحرب ولم يجد غيره. الخامسة عشرة: المعصفر لم يختلف العلماء في إباحته للنساء بكل حال، واختلفوا في إباحته للرجال. فأباحه قوم منهم الشافعي وأبو حنيفة، وكرهه آخرون كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا. وقال مالك: غيره أفضل منه، وفي رواية عنه أجاز لبسه في البيوت وأفنية الدور، وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها. وقال الخطابي: النهي هنا ينصرف إلى ما صبغ بعد النسج، فأما ما ضبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي. وحمل بعض العلماء النهي على الحج والعمرة كما في حديث ابن عمر في نهي المحرم أن يلبس ثوبًا مسه زعفران أو ورس، ورُوي عن مالك وبعض المدنيين أنهم كانوا يرخصون للرجال في المورد والممشق. وقال ابن القاسم عن مالك: أكره المعصفر المفدّم للرجال والنساء أن يحرموا فيه

لأنه ينتفض (¬1). قال مالك: وأكرهه للرجال أيضًا في غير الإحرام. هـ فأما من أباحه قال أبو عمر: لا أعلم له حجة إلا أن يدعي أن ذلك خصوصيًّا لعلي لقوله: نهاني ولا أقول نهاكم، ورد ذلك لثبوت الخبر فيه عن غير علي. قال أبو الفتح: وقد احتج من أباح ذلك أيضًا بلبسه - عليه السلام - الحلة الحمراء كما صح من حديث البراء قال: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبما روى أبو داود من طريق هلال بن عامر عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي - عليه السلام - أمامه يعبر عنه. وذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال: إذ أباحه: لا أعلم في ذلك شيئًا إلا قول علي - عليه السلام - نهاني ولا أقول نهاكم. قال البيهقي: وقد جاءت أحاديث تدل على النهي على العموم. ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ولفظه عند مسلم: قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها"، وفي لفظٍ له: "أمك أمرتك بهذا"؟ قلت: أغسلهما؟ قال: "بل أحرقهما" (¬2). قال: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لعمل بها ثم ذكر بسنده عن الشافعي قوله: إذا صح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف القول فاعملوا بالحديث ودعوا قولي وفي ¬

_ (¬1) "المدونة" (2/ 362، 460)، وانظر "الاستذكار" (1/ 434). وقوله ينتفض بالفاء والضاد، قال ابن الأثير: نصل لون الصبغ فلا يبقى إلا الأثر. (¬2) رواه مسلم (2077).

رواية عنه: إذا صح الحديث فهو مذهبي، قال الشافعي: وأنهى الرجل الحلال بكل حال [أن يتزعفر وآمره] إذا تزعفر إلا أن يغسله قال البيهقي: فتبع الشافعي السنة في التزعفر ومتابعتها في المعصفر أولى به، وممن قال بكراهته أبو عبد الله الحليمي قال النووي: وترخص فيه جماعة والسنة أولى بالاتباع (¬1). أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم ابن يوسف الموصلي قراءة عليه وأنا أسمع أنا أبو حفص بن طبرزد أنا أبو البدر الكرخي وغيره قالوا: أنا أبو بكر الخطيب قال: قرأت على أبي عمر الهاشمي أخبركم أبو علي محمد بن أحمد بن لؤلؤ قال: أنا أبو داود السجستاني قال: ثنا مخلد بن خالد قال ثنا روح ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير)، الحديث. وروينا فيه من طريق أبي داود عن رافع بن خديج وعن غيره. السادسة عشرة: النهي عن التختم بالذهب أمر مجمع عليه للرجال دون النساء، ولا خلاف أن لبس الذهب والحرير للنساء حلال إلا شذوذ لا يعرج عليه (¬2)، قال أصحابنا: وكذلك لو كان بعضه ذهباً وبعضه فضة أو لو كان مموهاً بذهب يسير فكله حرام أنا عبد الرحيم بن يوسف أنا عمر بن محمد أنا إبراهيم بن محمد أنا أحمد بن علي أنا القاسم بن جعفر أنا أبو علي محمد بن أحمد نا أبو داود نا مسدد نا المعتمر قال: سمعت الركين بن الربيع يحدث عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة: أن ابن مسعود كان يقول: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يكره عشر خلال: الصفرة - يعني الخلوق، وتغيير الشيب، وجر الإزار، والتختم بالذهب، ¬

_ (¬1) «شرح النووي» (14/ 54)، و «فتح الباري» (10/ 304). (¬2) أي في تحريم الذهب على النساء أيضا، وهو قول الشيخ الألباني، وخصصه بالمحلق!

وذكر تمام الخبر (¬1). وروينا من حديت مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خاتم الذهب. رواه النسائي. ومن حديث معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خاتم الذهب .. في حديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وفيه عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو. وأما خاتم الوَرِق للنساء والرجال فجائز عند الجمهور، وقال أبو عمر: وقد كره بعض أهل العلم لباس الخاتم جملة لحديث ابن شهاب الذي سنذكره، وكره بعضهم الخاتم لغير السلطان، قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن لبس الخاتم؟ فقال: أهل الشام يكرهونه لغير ذي سلطان، وقال أبو بكر: وثنا أبو عبد الله بحديث أبي ريحانة أنه كره خلالًا ذكر منها الخاتم لغير ذي سلطان (¬2). أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف قراءة عليه وأنا أسمع أنا أبو حفص بن طبرزد أنا أبو البدر الكرخي وغيره أنا أبو بكر الخطيب أنا أبو عمر الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن اللؤلؤ ثنا أبو داود (¬3) وثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن ¬

_ (¬1) "السنن" لأبي داود (4222) والنسائي (5088) واستنكره الألباني وأحال على "تيسير الانتفاع" ترجمة ابن حرملة هذا. واكتفى في "الهداية" (4323) بتضعيفه. (¬2) وتتمته عند ابن البر (7/ 101) من "التمهيد"، و (8/ 395) من "الاستذكار": فلما بلغ أحمد هذا الموضع تبسم كالمتعجب، ثم قال: يا لأهل الشام. (م: الأصل: يا أهل الشام، وهو بمعنى السابق). (¬3) انظر "السنن" (4049) وقال بعده: الذي تفرد به من هذا الحديث ذكر الخاتم. والحديث ضعفه الشيخ الألباني.

موهب ثنا المفضل يعني ابن فضالة عن عياش بن عياش عن أبي الحصين يعني الهيثم بن شفي قال: خرجت أنا وصاحب لي [يكنى أبا عامر] (¬1) رجل من المعافر: لنصلي بإيلياء وكان قاضيهم رجل من الأزد يقال له أبو ريحانة من الصحابة قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد تم ردفته فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا. قال: سمعته يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشر عن [الوشر و] الوشم والنتف وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل الأعاجم أو يجعل الرجل على منكبيه حريرًا مثل الأعاجم وعن النهبى وركوب النمور ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان. وحديث ابن شهاب الذي تقدمت الإشارة إليه رويناه من طريق أبو داود بالسند المذكور إليه واللفظ له من طريق النسائي قالا: أنا محمد بن سليمان لوين عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس: أنه رأى في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ورق يومًا واحدًا فصنع الناس فلبسوا وطرح النبي - صلى الله عليه وسلم - فطرح الناس (¬2). قال أبو داود: ورواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال: من ورقٍ. قال أبو عمر المحفوظ: عن أنس في هذا الباب غير ما قال ابن شهاب من رواية جماعة من أصحابه عنه قال: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما نبذ خاتمًا من ذهب لا من ورق والذي عليه جمهور الناس من المتقدمين والمتأخرين إجازة لبس ¬

_ (¬1) زيادة من "السنن"، عليها طمس في الأصل، وتجاوزها في نسخة السندي! (¬2) رواه أبو داود (4221) والنسائي (5291)، وصححه الألباني وعزاه للشيخين. قلت: رواه البخاري (5868) ومسلم (2093)، وقال عند ابن حبان (5466) رواية: (من ذهب) أصح.

الخاتم الفضة للسلطان وغيره وذكر مالك (¬1) عن صدقة بن يسار سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم؟ فقال: البسه وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك. وروينا عن أبي داود (¬2) بالسند الذكور لآنفًا ثنا عبد الرحيم بن المطرف ثنا عيسى عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرؤنا كتاب إلا بخاتم فأخذ خاتمًا من فضة ونقش فيه محمد رسول الله. قال: حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس زاد: فكان في يده حتى قبض وفي يد أبي بكر حتى قبض وفي يد عمر حتى قبض وفي يد عثمان فبيما هو عند بئر أريس إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت فلم يقدر عليه (¬3). وروينا فيه من طريق أبي داود والترمذي وسيأتي بكماله من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه فسأله عن الخاتم: من أي شيء أتخذه؟ قال: "اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالًا"، وستأتي الأحاديث في ذلك وحكم التختم باليمين والشمال وما يتعلق بذلك مبسوطًا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) "الموطأ" (1676) قال ابن عبد البر (8/ 395) من "الاستذكار": رواه ابن عيينة عن صدقة على غير هذا المعنى، (ثم ذكره بإسناده عن سفيان عن صدقة: قلت: لسعيد: الخاتم يكون فيه ذكر الله ألبسه على الجنابة، وأدخل به الخلاء؟). قال: ألبسه بأمري وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك. قال أبو عمر بن عبد البر: ورواية ابن جربج له عن صدقة بن يسار نحو رواية ابن عيينة. (¬2) "السنن" (4214)، وهو عند البخاري (5872) ومسلم (2092). (¬3) "السنن" (4215)، وقال الألباني: إسناده صحيح. قلت: وهو في البخاري (5865) ومسلم (2091) وليس عندهما نزح عثمان البئر.

السابعة عشرة: النهي عن قراءة القرآن في الركوع. قال الشافعي وسائر الأصحاب وغيرهم: تكره قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد وغير حالة القيام من أحوال الصلاة للأحاديث في ذلك. أما قراءة القرآن في الركوع: فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره ولا تبطل صلاته والثاني تحرم وتبطل صلاته هذا حكم العامد فإن قرأ ساهيًا لم تكره. وسواء قرأ عمدًا أو سهوًا يسجد للسهو عند الشافعي. الثامنة عشرة: قوله - عليه السلام -: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل يعني صلبه في الركوع والسجود"، ظاهر في وجوب الطمأنينة في الرفع من الركوع ومن السجود ومذهبنا أنه ركن لا تصح الصلاة إلا به وبهذا قال أحمد وداود وأكثر العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجب بل لو انحط من الركوع إلى السجود أجزأه. وعن مالك روايتان كالمذهبين، واحتج لهم بقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} وكذلك قال أبو حنيفة في الجلوس بين السجدتين لا تجب الطمأنينة ولا الجلوس بل ويكفي أن يرفع رأسه عن الأرض أدنى رفع ولو كحد السيف. وعنه وعن مالك أنهما قالا: يجب أن يرتفع بحيث يكون إلى القعود أقرب منه إلى السجود. ودليلنا ما سبق من أحاديث الباب وما ثبت من كيفية صلاته - عليه السلام - ومع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} لا يعارض ما ذكرناه.

التاسعة عشرة: في الأذكار المقولة بعد الرفع من الركوع وقد تقدمت في أحاديث الباب وشرح ألفاظها في المفردات قال الأصحاب: وينبغي أن لا يطول الاعتدال زيادة على القدر المشروع لأذكاره فإن طول زيادة عليه ففي بطلان صلاته خلاف، ولو أتى بالركوع الواجب فعرضت له علة منعته من الانتصاب سجد من ركوعه وسقط عنه الاعتدال لتعذره، فلو زالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض وجب أن يرتفع وينتصب قامًا ويعتدل ثم يسجد، وإن زالت بعد وضع جبهته على الأرض لم يرجع إلى الاعتدال بل قد سقط عنه، فإن عاد إليه بعد تمام سجوده عالمًا بتحريمه بطلت صلاته وإن كان جاهلًا لم تبطل ويعود إلى السجود. الموفية عشرين: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقد كان - عليه السلام - في حديث المسيء صلاته مبينًا حيث بين ما يجب عليه من الطمأنينة في الأركان كلها بقوله: "حتى تطمئن راكعًا، وحتى تطمئن ساجدًا" وقال في الرفع من الركوع: "حتى تعتدل قائمًا" ولم يقل: حتى تطمئن قائمًا ولو كانت الطمأنينة في الرفع من الركوع واجبة لبينها كما بين غيرها لكن لم يبينها فدل على أنها ليست بواجبة. هذه طريقة نزع إليها إمام الحرمين على أنه لم يخالف أصحابه في وجوبها وإنما قال: في قلبي منها شيء وعلل بما ذكرناه. ويكتفي من أوجبها بقوله - عليه السلام -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" مع ما حكي عنه من الطمأنينة في ذلك الركن. الحادية والعشرون: الإتيان بالصيغة المروية من قول: (سمع الله لمن حمده) أولى فلو عكس وقال: من حمد الله سمع له أجزأه بخلاف ما لو قال في التكبير أكبر الله فإنه لا يجزئه على الصحيح، فإن هذا في التكبير يحيل المعنى وفي التسميع لا يحيله، وكذلك في قوله (ربنا ولك الحمد) لو قال لك الحمد ربنا أجزأه، ولكن

موافقة لفظ الخبر أولى والسنة أن يقول ذلك في حال ارتفاعه من الركوع فإذا استوى قائمًا استحب أن يقول: ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء من بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. الثانية والعشرون: قال الشيخ محيي الدين: الذي في روايات المحدثين: (أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد) والذي في كتب الفقه: حق ما قال العبد كلنا لك عبد؛ بحذف الألف والواو، وكلاهما صحيح المعنى ولكن المختار ما وردت به السنة. قال أبو الفتح: هذا الحديث قد روي عن ابن عباس وأبي جحيفة وأبي هريرة وغيرهم ممن تقدم وهذه اللفظة (حق ما قال العبد) جاءت في حديث أبي سعيد الخدري وقد اختلفت الروايات فيها فالذي رواه أبو داود: أحق بالهمزة والذي رويناه من طريق النسائي في كتابه الكبير والمجتنى (¬1): حق بغير همز وما كان كذلك فلا يحسن أن يقال فيه: والذي في روايات المحدثين فإن اللفظين في روايات المحدثين. أخبرنا أبو محمد شاكر الله بن غلام الله بن إسماعيل السبكي وأبو الطاهر أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي واخرون قالوا: أنا أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن نافا سماعًا قال: أنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني أنا أبو نصر أحمد ابن الحسين الكسار أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن السني أنا أبو عبد الرحمن النسائي أخبرني عمرو بن هشام أبو أمية الحراني ثنا مخلد عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ¬

_ (¬1) كذا الأصل.

ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد وكلنا لك عبد" الحديث. وهكذا رويناه في "سننه الكبير" بسندنا إليه عن عمرو بن هشام بسنده كما ذكره. الثالثة والعشرون: قد اختلفت الألفاظ في القول بعد الرفع من الركوع، ففي بعضها أنها - عليه السلام - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، وفي بعضها إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، وفي حديث رفاعة بن رافع: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه: ربنا لك الحمد الحديث، وكلها في الصحيح فاختلفت المذاهب في ذلك بحسب اختلاف هذه الألفاظ كما سنذكره. فمذهبنا أنه يقول في حال ارتفاعه: سمع الله لمن حمده فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد إلى آخره وأنه يستحب الجمع بين هذين الذكرين للإمام والمأموم والمنفرد وبه قال عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين وإسحاق وداود. وقال أبو حنيفة: يقول الإمام والمنفرد سمع الله لمن حمده فقط ويقول المأموم ربنا لك الحمد إلى آخره فقط حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي ومالك وأحمد وقال: وبه أقول. وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد: يجمع الإمام بين الذكرين ويقتصر المأموم على ربنا ولك الحمد. فأما الطائفة الأولى فاحتجوا بما ثبت من قوله - عليه السلام -: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، وما ثبت من قوله - عليه السلام -: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

وأما الطائفة الثانية فتمسكوا بحديث: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد". وأما الثالثة فأخذوا جمع الإمام بين الذكرين بما ثبت أنه - عليه السلام - كان يجمع بينهما واقتصار المأموم على ربنا لك الحمد من قوله - عليه السلام - يخاطب المأمومين: "فقولوا: ربنا لك الحمد". وأجاب أصحابنا عن حديث فقولوا: ربنا لك الحمد بما زعموا من أنه عليه السلام كان يجهر بسمع الله لمن حمده فاستغنى بجهره بها عن أن يأمرهم بها مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويسر ما بعدها من الذكر الثاني، فأمرهم به لاحتمال خفائه عنهم لإسراره به. الرابع والعشرون: قالوا معنى سمع الله لمن حمده تفبل الله حمد من حمده ومنه قولهم سمع الله دعاءك أي تقبل الله دعاءك. الخامسة والعشرون: قوله (فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، قال أبو عمر: الوجه عندي في هذا واللَه أعلم تعظيم فضل الذكر وأنه يحط الأوزار ويغفر الذنوب وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم: {يستغفرون للذين آمنوا ويقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين آمنوا واتبعوا سبيلك} فمن كان منه من القول مثل هذا بإخلاص واجتهاد ونية صادقة وتوبة صحيحة غفرت ذنوبه إن شاء الله. وقد روي عن عكرمة ما يدل على أن أهل السماء يصلون في حين صلاة أهل الأرض على نحو صلاة أهل الأرض ويؤمنون أيضًا فمن وافق ذلك منهم غفر له والله أعلم، وكل هذا ندب إلى الخير وإرشاد إلى البر. * * *

84 - باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود وما بعده إلى () باب ما جاء في التشهد

84 - باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود وما بعده إلى () باب ما جاء في التشهد * الكلام عليها من وجوه: الأول: من حيث الإسناد حديث وائل بن حجر قال فيه الترمذي: عن الحسن الحلواني قال يزيد بن هارون .. ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث. قال أبو الفتح: قد روى شريك عن عاصم بن كليب حديث: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه. رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن شريك عن عاصم عن أبيه عن وائل. وحديث: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة. رواه أبو داود عن الأنباري عن وكيع عن شريك عن عاصم عن علقمة عن وائل. ورواه الطبراني من حديث شريك عن عاصم عن أبيه عن وائل. وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بآمين رواه الطبراني من حديث شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل. وقد روى حديث الباب عن عاصم غير شريك كما سنذكره. وأما النسائي فرواه في موضعين من كتابه أحدهما عن إسحاق بن منصور أنا يزيد بن هارون به. قال أبو عبد الرحمن: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا عن شريك، ثم قال: وروى همام عن عاصم هذا مرسلًا ولم يذكر فيه وائل بن حجر. قال أبو الفتح: من شأن الترمذي التصحيح بمثل هذا الإسناد فقد صحح حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل: لأنظرن إلى صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جلس للتشهد الحديث. وأنما الذي قصر بهذا التصحيح عنده الغرابة التي أشار إليها وهي التفرد الذي وقع في طريقه وقد حصل فيه التفرد في موضعين: أحدهما: تفرد يزيد بن هارون به عن شريك كما صرح به النسائي وهو لا يحطه عن درجة الصحيح لجلالة يزيد وحفظه. والثاني: تفرد شريك عن عاصم، فقد قال الترمذي: لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك وفي بعض النسخ: عن شريك كما ذكرناه فعلى رواية من رواه غير شريك تقتضي تفرد شريك به عن عاصم وكذا قال البخاري وغيره، وبه صار حسنًا فإن شريكًا لا يصحح حديثه منفردًا. وأما قول الترمذي: وروى همام عن عاصم هذا مرسلًا ولم يذكر فيه وائل بن حجر فيقتضي هذا وما تقدم من تخريجه إياه عن شريك عن عاصم أن شريكًا وهمامًا روياه عن عاصم معًا وإنما اختلفا في الإرسال والإسناد، فأسنده شريك وأرسله همام وليس كذلك إنما رواه همام عن شقيق عن عاصم فأرسله كذلك ذكره أبو داود قال: قال همام: وثنا شقيق حدثني عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا المرسل مع علة الإرسال علة أخرى وهي الجهالة بشقيق هذا، وهو شقيق أبو ليث روى عنه همام بن يحيى لم يعرف بغير ذلك، فمرسله معلل بما ذكرنا ومسنده معلل بتفرد شريك. وفي الباب مما لم يذكره عن أنس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر حتى حاذى

بإبهاميه أذنيه ثم ركع حتى استقر كل مفصل منه في موضعه ثم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه. رواه الدارقطني وقال: تفرد به المعلي بن إسماعيل وسيأتي في الكلام على فقه هذه الأحاديث عكس هذا. وأما حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير" فرواه أبو داود وفيه: "وليضع يديه قبل ركبتيه" عن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن محمد وعن قتيبة عن عبد الله بن نافع نحو ما رواه الترمذي. رواه النسائي عن قتيبة كذلك. ورواه أيضًا عن هارون بن محمد بن بكار بن بلال عن مروان بن محمد عن عبد العزيز بن محمد كلاهما عن محمد بن عبد الله بن حسن وهو ابن حسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي ذكره ابن أبي حاتم وقال: لقي نافعًا وغيره وحدث عنه الدراوردي وغيره. مات سنة خمس وأربعين يعني ومائة وعمره خمس وأربعون سنة ولم يحكم عليه بأكثر من الغرابة من حديث أبي الزناد وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال: وقد روي عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. قال: وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أبو الفتح: عبد الله بن سعيد هذا يكنى أبا عباد، قال أبو أحمد: الحاكم ذاهب الحديث. أنا أبو العباس الثقفي قال سمعت: عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول: جلست إلى عبد الله بن سعيد مجلسًا فرأيت فيه يعني الكذب. وقال أحمد بن حنبل: هو منكر الحديث متروك الحديث.

وقال يحيى بن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: هو ضعيف لا يوقف منه على شيء. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه الضعف عليه بين. روى له الترمذي وابن ماجه وينبغي أن يكون حديث أبي هريرة هذا داخلًا في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته من الجرح. فعبد الله بن نافع هو الصائغ مدني فقيه كان يفتي بمذهب مالك وقد وثقه بعضهم. ومحمد بن عبد الله بن حسن مستور الحال (¬1). والمقبري روى عنه جماعة من الأعيان منهم الثوري وصفوان بن عيسى وابن فضيل وعبد الرحيم بن سليمان ومروان الفزاري وهشيم. والمتابعة لحديث أبي الزناد بحديث ابن المقبري عن أبيه لم تخل من تقوية للحديث ولذلك ذكرها الترمذي وهو ممن يخرج حديثه كما ذكرنا وهي عند البيهقي وعللها بضعف عبد الله بن سعيد المقبري، وفيه مما ليس عند الترمذي حديث سعد بن أبي وقاص: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين. رواه ¬

_ (¬1) في هامش نسخة السندي: محمد بن عبد الله بن حسن يلقب بالنفس الزكية، قال في "النبلاء": حدث عن نافع وابن أبي الزناد. وعنه عبد الله بن جعفر المخزومي، وعبد العزيز الدراوردي وابن نافع الصائغ. وثقه النسائي وغيره. فلا يصح في مثل هذا أن يكون مستور الحال!

ابن خزيمة في صحيحه وهو ضعيف لضعف يحيى بن سلمة بن كهيل راويه من طريق مصعب بن سعد عن أبيه والمشهور عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق. وحديث أبي حميد مخرج في "صحيح البخاري" ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه. قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عباس ووائل بن حجر وأبي سعيد. * * *

86 - باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف

[86 - باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف] أما حديث ابن عباس فمن طريق عكرمة عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأى رجلًا يصلي ما يصيب أنفه من الأرض فقال: "لا صلاة لن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين". رواه الدارقطني وقال: الصواب عن عكرمة مرسلًا. وروى إسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك". وحديث وائل قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه في سجوده. رواه الإمام أحمد. وحديث أبي سعيد قال: اعتكفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وفيه قال: "من اعتكف فليرجع إلى معتكفه فإني رأيت هذه الليلة ورأيتُني أسجد في ماء وطين" وفي آخره: فلقد رأيته على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين. رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري. وذكر في باب أين يضع جبهته إذا سجد حديث البراء من رواية أبي إسحاق قال: قلت للبراء بن عازب: أين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع وجهه إذا سجد؟ قال: بين قال: وفي الباب عن وائل وأبي حميد. وقال: في حديث البراء حسن غريب، وهو مما انفرد (¬1) الترمذي بإخراجه عن أصحاب الكتب. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: تفرد به.

وحديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه في سجوده، رواه الإمام أحمد وقد تقدم في الباب قبل هذا. وحديث أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه. رواه أبو داود. وقد ذكر الترمذي حديث أبي حميد هذا مطولًا في صفة الصلاة وصححه وسيأتي إن شاء الله تعالى. وفيه أيضًا عن أبي مسعود، ذكره ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن سالم البراد: أتينا أبا مسعود الأنصاري فعلمنا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى، فلما سجد وضع كفيه قريبًا من رأسه. * * *

87 - باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء

[87 - باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء] وذكر في باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وركبتاه وكفاه وقدماه" وصححه. وقد أخرجه مسلم. وحديث ابن عباس أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبعة أعظم، وصححه وقد أخرجه الشيخان. وقال: وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وجابر. وقد ذكر النسائي في باب موضع السجود من حديث الزهري عن عطاء بن يزيد قال: كنت جالسًا إلى أبي هريرة وأبي سعيد يحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر ينصت فقال فيه: "أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم، إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود ... " الحديث، وتقدم عن أبي سعيد الحديث في أثر الماء والطين على جبهته وأنفه - عليه السلام - من أثر السجود. وأما حديث جابر فروى النسائي عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر فآخُذُ قبضة من حصى في كفي أبرده ثم أحوله في كفي الأخرى فإذا سجدت وضعته لجبهتي. وروى الدارقطني من حديث جابر أيضًا قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد بأعلى جبهته على قِصاص الشعر. وقد ضعف (¬1). قِصاص الشعر أول منبته من مقدم الرأس مفتوح القاف ومكسورها ومضمومها مثلث ذكر عن ابن السكيت. ¬

_ (¬1) من الدارقطني (1/ 349) قال: تفرد به عبد العزيز بن عببد الله عن وهب، وليس بالقوي.

88 - باب ما جاء في التجافي في السجود

[88 - باب ما جاء في التجافي في السجود] ومن باب التجافي في السجود ذكر حديث عبيد الله بن عبد الله بن أقوم الخزاعي عن أبيه قال: كنت مع أبي بالقاع من نمرة فمرت ركبة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي (¬1)، قال: فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد أرى (¬2) بياضه. قال: وفي الباب عن ابن عباس وابن بحينة وجابر وأحمر بن جزء وميمونة وأبي حميد وأبي مسعود وأبي أسيد بن سعد ومحمد بن مسلمة والبراء بن عازب وعدي بن عميرة وعائشة. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن أقرم حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث داود بن قيس، ولا يعرف لعبد الله بن أقرم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث. قال: وعبد الله بن أرقم الزهري صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو كاتب أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. قال أبو الفتح: داود بن قيس يعرف بالفراء، مدني قال فيه الشافعي: ثقة حافظ، ووثقه أيضًا أحمد ويحيى وغيرهما، وروى له مسلم، مات في خلافة أبي جعفر. وعبيد الله بن عبد الله بن أقرم روى عن أبيه. روى عنه داود بن قيس، أخرج له أبو داود والنسائي، ووثقه الترمذي وابن ماجه، وحديثه هذا عنده وعند النسائي أيضًا، ورواته ثقات. ¬

_ (¬1) في الأصل: قال قام فصلى. (¬2) في المطبوع من "الجامع": أي.

وأما كان حسنًا؛ لمحل التفرد. وحديث ابن بحينة: أنه - عليه السلام - كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه. عند البخاري ومسلم. وحديث جابر مثله سواء. رواه الإمام أحمد وصححه أبو زرعة. وحديث ابن جزء قال: إن كنا لنأوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يجافي مرفقيه عن إذا سجد. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه. وإسناده صحيح. وقوله: (لنأوي له) قال الخطابي: لنرق له. وحديث ميمونة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت. وفي رواية: خوى بيديه -يعني جنح- حتى يرى وضح إبطيه. رواه مسلم (¬1). والوضح: البياض. وحديث أبي حميد تقدم بعضه، وسيأتي عنده، وقد صححه، وهو يرويه في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم جماعة من أشار إليه الترمذي هنا، وفيه: ثم أهوى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال: الله أكبر، ثم جافى عضديه عن إبطيه ... الحديث. وقد رواه النسائي (¬2) عن أبي حميد مختصرًا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا هوى إلى الأرض ساجدًا جافى عضديه عن إبطيه وفتح أصاج رجليه. مختصر. وحديث ابن عباس قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو ¬

_ (¬1) الروايتان عند مسلم (496، 497) على الترتيب. (¬2) "السنن" (1101).

مجخ قد فرّج بيديه. رواه أبو داود (¬1). وعن البراء في السجود أحاديث، منها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك". رواه مسلم. ومنها: أنه وضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد. رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له، والنسائي. وروى الإمام أحمد عن البراء أنه وصف السجود، فقال: فبسط كفيه ورفع عجيزته، وخوى، وقال: هكذا سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على أليتي الكف. رواه الإمام أحمد. ومنها: قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جخى. رواه النسائي. ومنها: قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع بسط ظهره وإذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة، فتفاج (¬2). رواه البيهقي. قال الأزهري: معنى اللفظين واحد، التجخية والتجفية. وقال غيره: معناه جافى في ركوعه، وفي سجوده وتفاج. وقال الجوهري: وفججت ما بين رجلي أفجهما فجًا إذا فتحت، يقال: يمشي مفاجًّا، وتفاجّ، يعني فعل ذلك من فتح رجليه. ¬

_ (¬1) "السنن" (899). (¬2) كذا الأصل، و"التلخيص الحبير" (1/ 255، 256) قال: يعني: وسع بين رجليه. وكذا هو في "تحفة المحتاج" لابن الملقن (286) وزاد: وذكره ابن السكن في "صحاحه"، وقال الجوهري: فججت ما بين رجلي إذا فتحت. وفي "السنن الكبير" (2/ 113): فتفلج!

وحديث عدي بن عميرة؛ فرويناه من طريق الطبراني في "المعجم الكبير" (¬1) قال: نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني يحيى بن معين، قال الطبراني: وثنا معاذ بن المثنى نا علي بن المديني قالا: نا معتمر بن سليمان، قال: قرأت على الفضيل بن ميسرة عن أبي حريز أن قيس بن أبي حازم حدثه: أن عدي بن عميرة الكندي حدثه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه. فضيل بن ميسرة العقيلي أبو معاذ البصري، روى عن طاوس والشعبي وأبي حريز عبد الله قاضي سجستان. روى عنه سعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعتمر ويزيد بن زريع ويحيى القطان. قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: شيخ صالح. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. وأبو حريز قاضي سجستان هو عبد الله بن الحسين، روى عن قيس بن أبي حازم والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والشعبي وعكرمة وغيرهم. روى عنه الفضيل بن ميسرة وقتادة وعثمان بن مطر وسعيد بن أبي عروبة. قال ابن معين: ضعيف، وقال أحمد: حديثه منكر، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وحديث عائشة، أخرجه مسلم، وفيه: كان ينهى يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وسيأتي فيما جاء في الاعتدال في السجود ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (17/ 263). وقد رواه ابن خزيمة (650) وأحمد 4/ 993، وابن عدي (4/ 160)، وضعفه ابن عدي والألباني.

إن شاء الله تعالى. وذكر ترجمة ابن أرقم عبد الله للفرق بينه وبين عبد الله بن أقرم راوي هذا الحديث. وعبد الله بن أرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي، أسلم عام الفتح وكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت له فضائل جمة، منها: ما رويناه من طريق الطبراني في "المعجم الكبير" (¬1) وذكر نسبه كما ذكرنا، ثم قال: وأمه عمرة بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف، كان قد عمي قبل وفاته، وكان كاتبًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال: أنا مطلب بن شعيب الأزدي: ثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن أبي عون قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب رجل، فقال لعبد الله بن الأرقم: "أجب عني"، فكتب جوابه، ثم قرأه عليه، فقال: "أجبت وأحسنت، اللهم وفقه"، فلما ولي عمر كان يشاوره (¬2). وذكر أبو عمر أن أبا بكر استكتبه وعمر، واستعمله على بيت المال، وعثمان بعده. وقال خليفة بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم على بيت المال خلافة عمر كلها، وسنين (¬3) من خلافة عثمان، حتى استعفاه من ذلك فأعفاه. وذكر ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكتب عبد الله بن الأرقم، فكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان ¬

_ (¬1) (13/ 192) قال الألباني: هو معضل. وحسنه الهيثمي (9/ 370). (¬2) رواه الحا كم (3/ 335) موصولًا، وصححه والذهبي، والألباني في "الصحيحة" (2838). (¬3) في "الاستيعاب" (3/ 865): سنتين.

يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك، فيكتب ويأمره أن يطينه ويختمه، وما يقرؤه لأمانته عنده. وروى ابن القاسم عن مالك قال: بلغني أنه ورد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب فقال: "من يجيب عني"؟ فقال عبد الله بن الأرقم: أنا، فأجاب عنه، وأتى به إليه فأعجبه وأنفذه. وكان عمر حاضرًا فأعجبه ذلك من عبد الله بن الأرقم فلم يزل له ذلك في نفسه يقول: أصاب ما أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما ولي عمر استعمله على بيت المال. وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغني أن عثمان أجاز عبد الله بن الأرقم وكان له على بيت المال بثلاثين ألفًا فأبى أن يقبلها. وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار: أن عثمان استعمل عبد الله بن الأرقم على بيت المال فأعطاه عثمان ثلاثمائة درهم فأبى عبد الله بن الأرقم أن يأخذها، وقال: إنما عملت لله وإنما أجري على الله. وروى أشهب عن مالك: أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما رأيت أحدًا أخشى لله من عبد الله بن الأرقم بمال. وقال عمر لعبد الله بن الأرقم: لو كان لك مثل سابقة القوم ما قدمت عليك أحدًا. وأما راوي الحديث عند الترمذي فعبد الله بن أقرم بن زيد الخزاعي، معدود في أهل المدينة، روى عنه ابنه عبيد الله. * * *

89 - باب ما جاء في الاعتدال في السجود

[89 - باب ما جاء في الاعتدال في السجود] قال: ثنا هناد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب" وصححه. وذكر في الباب عن عبد الرحمن بن شبل وأنس والبراء وأبي حميد وعائشة. وأخرج فيه حديث أنس بسنده وصححه. قال أبو الفتح: قد أخرجه الترمذي بسند حديث جابر هذا أربعة أحاديث في كتابه. أحدها: حديث الباب وصححه. والثاني: "ما على الأرض من نفس منفوسة -يعني اليوم- تأتي عليها مائة سنة ... " وحسنه. والثالث: "يعذب ناس من أهل التوحيد ... " وصححه. والرابع: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ... " وحسنه. ومثله روايته عن هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: "يا مثبت القلوب ثبت قلبي ... " الحديث. وهو عنده حسن، ولا يتوجه عليه الاعتراض في التفرقة بين التصحيح والتحسين في هذه الأحاديث حتى يستووا من حيث الشواهد والمتابعات، ومن حيث السلامة من العلل. فأما حديث الباب في الاعتدال في السجود: طريق جابر فشواهده كثيرة من

حديث ابن شبل وأنس والبراء وغيرهم، ثابت بعضها في الصحيح، كما سيأتي. وما عداه فيأتي الكلام على كل منها في موضعه إن شاء الله تعالى، وحديث عبد الرحمن بن شبل قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد، كما يوطن البعير. رواه أبو داود -وهذا لفظه- والنسائي وابن ماجه. وحديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اعتدلوا في السجود، لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب". رواه البخاري ومسلم. وحديث البراء وأبي حميد تقدما في باب التجافي في السجود. وحديث عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، فكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي جالسًا. وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم. رواه مسلم. * * *

90 - باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود

[90 - باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود] وذكر في باب ما جاء في نصب القدمين في السجود حديث وهيب عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين مسندًا، ثم ذكر عن حماد بن مسعدة ويحيى بن سعيد وغير واحد أنهم رووه عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ مرسلًا. ورجحه على المسند. وذكر أبو عيسى الخلف على محمد بن عجلان، ولم يذكر الخلف على وهيب في إسناده وإرساله، وقد ذكره الدارقطني فقال (¬1): يرويه ابن عجلان وقد اختلف عنه فرواه وهيب بن خالد، واختلف عن وهيب أيضًا، فقال عبد الرحمن بن المبارك ومعلي بن أسد عن وهيب بن خالد عن ابن عجلان عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عامر بن سعد عن أبيه. وكذلك قال سريج بن يونس عن أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان. ورواه عفان عن وهيب عن ابن عجلان عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عامر بن سعد مرسلًا. وكذلك قال الأشج عن أبي خالد عن ابن عجلان. قال: ورواه الدارمي عن معلي بن أسد عن وهيب عن ابن عجلان عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعد عن سعد. قال أبو الفتح: وهذا مخالف لما رواه الترمذي عن الدارمي. قال الدارقطني: وقال حمدان بن عمر بن معلي بن أسد عن وهيب عن ابن ¬

_ (¬1) "العلل" (4/ 344 / 616).

عجلان عن محمد بن عبد الله (¬1)، وبكر بن عبد الله فجمع بينهما. وأسنده عن سعد. ورواه الدراوردي وأبو ضمرة وعلي بن غراب عن ابن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الثوري عن ابن عجلان عن بكير عن عامر بن سعد مرسلًا، والمرسل أشبه (¬2). ورواه محمد بن سليمان بن أبي داود عن زهير بن محمد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة، ووهم فيه (¬3) وفي الباب مما سلم من الإعلال بهذا الإرسال حديث عائشة قالت: فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فانتهيت إليه وهو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول: "اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك". الحديث رواه مسلم والنسائي ولم يذكره الترمذي ولا أشار إليه بذكر راويه من الصحابة. * * * ¬

_ (¬1) كذا، وصوابه محمد بن إبراهيم، وكذا هو في "المختارة" (3/ 182)، وانظر "أطراف الغرائب" (493). (¬2) انظر "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 117 / 318). (¬3) انظر "العلل" للدارقطني (9/ 27 / 1621).

91 - باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع والسجود

[91 - باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع والسجود] * وذكر فيما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود حديث الحكم من طريقين عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود قريبًا من السواء وصححه. وقال: وفي الباب عن أنس. وحديث البراء رواه البخاري ومسلم. وحديث أنس من رواية ثابت عنه قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا قال: فكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي. رواه البخاري ومسلم. * * *

92 - باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود

[92 - باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود] * وذكر في باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود حديث أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد ثنا البراء وهو غير كذوب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه من الركوع لم يحن رجل منا ظهره حتى يسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسجد. قال: وفي الباب عن أنس ومعاوية وابن مسعدة صاحب الجيوش وأبي هريرة. صحح حديث البراء هذا وقد رواه البخاري ومسلم. وحديث أنس قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي" ثم قال: "والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا" قالوا: وماذا رأيت يا رسول الله قال: "رأيت الجنة والنار". رواه مسلم. وأما حديث معاوية فرواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بدّنت" اللفظ لأبي داود. وحديث ابن مسعدة صاحب الجيوش فقرأت على يعقوب بن أحمد الحلبي أخبركم عبد اللطيف بن يوسف أنا عبد الحق بن يوسف أنا عبد الواحد بن محمد بن فهد بن العلاف أنا علي بن عمر الحمامي أنا عبد الباقي بن قانع أنا محمد بن الحسين الأنماطي ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج حدثني

عثمان بن أبي سليمان عن ابن مسعدة صاحب الجيوش قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني قد بدنت فمن فاته ركوعي أدركه في بطيء قيامي" أخرجه هكذا ابن قانع في "معجمه" (¬1) في باب عبد الله. وحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار" رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا وإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد". رواه مسلم (¬2). وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا أن لا نبادر الإمام بالركوع، وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا. رواه ابن ماجه (¬3) عن أبي بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وفي الباب مما لم يذكره عن أبي موسى قال ابن ماجه (¬4): ثنا محمد بن عبد ¬

_ (¬1) "المعجم" (2/ 91 / 535)، ورواه أحمد (4/ 176) وقال الهيثمي (2/ 77): رجاله ثقات، إلا أن الذي رواه عن ابن مسعدة: عثمان بن أبي سليمان، وأكثر روايته عن التابعين. (¬2) "الصحيح" (415)، ولما عزاه الحافظ في "الهداية" (1096) قال: متفق عليه واللفظ لمسلم. والذي فعله المحقق أن عزى الحديث للبخاري بلفظ آخر متفق عليه! وأخطأ الشيخ كذلك حين عزاه للمتفق عليه باللفظ الآتي هنا، إذ قال في صحيح سنن ابن ماجه (960): صحيح السنن (631 - 633)، متفق عليه! وقد بين الفرق بين الروايات في "الصحيحة" (3476). نعم الحديث كله واحد، جمعه أحمد (2/ 440). (¬3) "السنن" (960) وصححه الألباني في "صحيح السنن" (631 - 633)، وعزاه للمتفق عليه. (¬4) "السنن" (962)، وصححه لغيره في "الصحيحة" (1725) و"صحيح السنن" (631).

الله بن نمير ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد عن زياد بن خيثمة [عن أبي إسحاق] عن دارم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني قد بدنت فإذا ركعت فاركعوا وإذا رفعت فارفعوا، وإذا سجدت فاسجدوا ولا ألفين رجلًا يسبقني إلى الركوع ولا إلى السجود". * * *

93 - باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

[93 - باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين] وذكر في كراهية الإقعاء في السجود حديث الحارث عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقع بين السجدتين" وذكر تفرد الحارث به عن علي وضعفه بالحارث. قال: وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي هريرة. حديث علي رواه ابن ماجه من حديث الحارث أيضًا وكذلك أبو داود. وحديث عائشة قال ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن بُديل عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا فإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسًا وكان يفترش رجله اليسرى. وحديث أنس عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب، ضع أليتيك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض" رواه ابن ماجه من رواية العلاء أبي محمد وقد ضعفه بعض الأئمة، وحديث أبي هريرة قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب. رواه الإمام أحمد والبيهقي وعنده: "أو إقعاء كإقعاء القرد" وهو من رواية ليث بن أبي سُليم. وفيه مما لم يذكره: عن سمرة بن جندب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإقعاء في الصلاة. وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الإقعاء والتورك. رواهما البيهقي.

94 - باب ما جاء في الرخصة في الإقعاء

[94 - باب ما جاء في الرخصة في الإقعاء] وذكر في الرخصة في الإقعاء حديث أبي الزبير أنه سمع طاوسًا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين. قال: هي السنة. فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل: قال: بل هي سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. وحسنه، وقال: قد ذهب إليه بعض أهل العلم والأكثر على خلافه، وقد صحح مسلم هذا الحديث، وقد ارتفعت عنه تهمة التدليس بتصريح ابن جريج بالإخبار وأبي الزبير بالسماع. * * *

95 - باب ما يقول بين السجدتين

[95 - باب ما يقول بين السجدتين] وذكر في باب ما يقول ما يقول بين السجدتين ثنا سلمة بن شبيب ثنا زيد بن حباب عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني". حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا يزيد بن هارون عن زيد بن حباب عن كامل أبي العلاء نحوه، واستغربه وقال: به يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يرون هذا جائزًا في المكتوبة والتطوع. وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلًا. رواه أبو داود وعنده: وعافني بدل: وأجبرني ورواه ابن ماجه وعنده: وارفعني بدل: واهدني. وفي الباب مما لم يذكره عن حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي رب اغفر لي"، رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي. * * *

96 - باب ما جاء في الاعتماد في السجود

[96 - باب ما جاء في الاعتماد في السجود] وذكر في باب ما جاء في الاعتماد في السجود حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: اشتكى أصحاب النبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال: "استعينوا بالركب" قال: لا نعرفه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه من حديث الليث عن ابن عجلان وقد رواه سفيان بن عيينة وغير واحد عن سمي عن النعمان بن أبي عياش عن النبي نحو هذا، وكأن رواية هؤلاء أصح من رواية الليث. انتهى كلام الترمذي. روى الإمام أحمد هذا الحديث من طريق ابن عجلان عن أبي صالح وزاد فيه: قال ابن عجلان: وذلك أن يضع مرفقه على ركبته إذ طال السجود وأعيا. رواه أبو داود مجردًا عن تفسير ابن عجلان. وكما قال الترمذي في ترجيح رواية ابن عيينة ومن تابعه عن ابن عجلان عن سمي عن النعمان على رواية الليث. قال الدارقطني: فإنه سثل عنه فقال: يرويه سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن واختلف عنه فرواه محمد بن عجلان عن سمي. واختلف عن ابن عجلان فرواه يعقوب الإسكندراني وليث بن سعد ومحمد بن الزبرقان أبو همام ويحيى بن أيوب المصري وعبد الله بن جعفر المديني عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة. وخالفهم وهيب بن خالد رواه عن ابن عجلان عن سمي عن النعمان بن أبي عياش الزرقي مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعه سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهما رووه عن سمي عن النعمان بن أبي عياش كما قال وهيب عن ابن عجلان وهو الصواب، وقال ابن جريج: أخبرت عن سمي عن النعمان بن أبي

عياش مرسلًا أيضًا. وقال البخاري: إرساله أصح من وصله. قال أبو الفتح: النعمان بن أبي عياش الزرقي تابعي ثقة مشهور روى له البخاري ومسلم وغيرهما. * * *

97 - باب ما جاء كيف النهوض من السجود

[97 - باب ما جاء كيف النهوض من السجود] وذكر في النهوض من السجود حديث أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسًا وصححه، وقد رواه البخاري (¬1). وذكر (¬2) فيه حديث خالد بن إلياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهض في الصلاة على صدور قدميه وضعف خالد بن إلياس وذكر صالحًا مولى التوأمة ولم ينبه على تضعيفه، وقد تبعه في ذلك عبد الحق واعترض ابن القطان عليه في تضعيفه خالدًا دون صالح لكنه أنحى على صالح في التضعيف وليس كما ذكر بل هو أصلح حالًا من خالد ويجاب عن عبد الحق بأنه أخرج الحديث، والكلام عليه كل ذلك عن الترمذي ولم يرَ للزيادة عليه وجهًا، ويجاب عن الترمذي بأن التضعيف بضعف راوٍ واحد كاف، لا سيما وهو أشد الراويين ضعفًا فكان الاقتصار على ذكر خالد كافيًا في الرد. هـ. الوجه الثاني: في الكلام على شيء من المفردات. الأول: الآراب قال أبو القاسم الراغب: الأرب فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه فكل أرب حاجة وليس كل حاجة أربًا ثم تستعمل تارة في الحاجة المفردة وتارة في الاحتيال وإن لم تكن حاجة كقولهم: فلان ذو أرب وأريب أي ذو احتيال وقد أرب إلى كذا أي احتاج إليه حاجة شديدة وقد أرب إلى كذا أربًا وإربةً وأربة ¬

_ (¬1) "الصحيح" (823، 824). (¬2) في المطبوع ذكر في باب منفصل تالي للأول. باب رقم 102: باب منه أيضًا، والحديث برقم (288). وعن سكوت الترمذي عن صالح لعله لوضوح أمره فيما بدا له حين كتابة الباب.

ومأربة، قال عزَّ وجلَّ: {ولي فيها مآرب أخرى}، ولا أرب لي في كذا أي: ليس لي شدة حاجة إليه. وقوله عزَّ وجلَّ: {أولى الإربة من الرجال} كناية عن الحاجة إلى النكاح وهي الأربى للكراهية (¬1) المقتضية للاحتيال وسمي الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آرابًا الواحد إرب وذلك أن الأعضاء ضربان ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين، وضرب للزينة كالحاجب واللحية. ثم التي للحاجة ضربان ضرب لا تشتد الحاجة إليه، وضرب تشتد إليه الحاجة حتى لو توهم مرتفعًا لاختل البدن به اختلالًا عظيمًا وهي التي تسمى آرابًا، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه" ويقال: أرب نصيبه أي عظمه وذلك إذا جعله قدرًا يكون له فيه أرب ومنه أرب ماله أي كثر وأربت العقدة أحكمتها. الثاني: القاع المستوي من الأرض، ونمرة موقف من مواقف عرفة، وفي الحديث أن عائشة كانت تنزل من عرفة بنمرة ثم تحولت إلى الأراك. فالأراك من مواقف عرفة من ناحية الشام، ونمرة من مواقف عرفة من ناحية اليمن ذكره أبو عبيد البكري. الثالث: قوله: (فمرت رَكَبَة) مفتوح الراء والكاف والباء ثاني الحروف، قال الجوهري: والركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب وهم العشرة فما فوقها والجمع أركب قال: والركبة بالتحريك أقل من الركب والأركوب بالضم أكثر من الركب والركبان الجماعة منهم. الرابع: قوله: (حتى رأينا عفرة إبطيه) يريد بياضها، قال الجوهري: والتعفير والتبييض والأعفر الرمل الأحمر والأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض وشاة عفراء ¬

_ (¬1) في "المفردات": للداهية.

يعلو بياضها حمرة. الخامس: الإقعاء روى البيهقي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه قال: الإقعاء هو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب على ساقيه ويضع يديه بالأرض. وقال في موضع آخر: الإقعاء جلوس الإنسان على أليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. السادس: التجافي قال ابن الأثير: كان يجافي عضديه عن جنبيه للسجود أي: يباعدهما ومنه الحديث الاخر: "إذا سجدت فتجاف"، وهو من الجفاء البعد عن الشيء انتهى. ومثله حديث البراء: كان إذا سجد جخّى وروي جخّ ومعناهما واحد قاله الأزهري قال: والتجخية التخوية وقال غيره: معناها جافى في ركوعه وسجوده. وروي عن ميمونة أنه - عليه السلام - كان إذا سجد خوَى بيديه حتى يرى وضح إبطيه. السابع: قوله بدّنت كذا بفتح الدال المشددة وقد ذكر عن أبي عبيد بدُنت بضم الدال من غير تشديد وهو قول مرغوب عنه عندهم يقال: بدن الرجل يبدن بدنًا وبدانة إذا ضخم فهو بادن وقد بدّن تبدينًا إذا أسن وهو رجل بدن إذا كان كبيرًا. هـ. قال الأسود (¬1): هل لشباب فات من مطلب ... أم ما بكاء البدن الأشيب وقال الآخر: وكنت خلت الهم والتبدينا ... والشيب مما يذهل القرينا ¬

_ (¬1) الأسود بن يعفر، كما نسبه إليه ابن قتيبة (1/ 220، 499)، "غريب الحديث"، وابن منظور في "لسان العرب" (ب د ن).

وفي الحديث: "إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع والسجود". والوجه الثالث: في الفوائد والمباحث: وفيه مسائل: الأولى: وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، قال أصحابنا: يستحب أن يقدم في السجود الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء: وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، قال: وبه أقول. وقال الأوزاعي ومالك: يقدم يديه على ركبتيه، وهي رواية عن أحمد. وروي أيضًا عن مالك أنه يقدم أيهما شاء ولا ترجيح، وبحسب اختلاف الأحاديث في ذلك اختلفت المذاهب، ففي حديث وائل الذي ذكرناه: يضع ركبتيه قبل يديه وقال الخطابي: وهو أثبت من حديث تقديم اليدين وهو أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ورأي العين. وكذلك في حديث أنس المذكور وفي حديث أبي هريرة الذي ذكرناه من طريق عبد الله بن سعيد المقبري. وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه". وروى الدارقطني من حديث ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. وعن ابن عمر: أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يفعل ذلك. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (¬1) وقال: ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين عند السجود منسوخ وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ. وروى (¬2) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد قال. كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين. قال أبو الفتح: لا ينبغي أن يصحح مثل هذا، فإن يحيى بن سلمة بن كهيل قال البخاري: في حديثه مناكير. وقال ابن نمير: ليس ممن يكتب حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث. والمشهور عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق. قال أبو الفتح: قد ذكرنا مذاهب العلماء في هذه المسألة وما استدل به لكل ¬

_ (¬1) حديث رقم (627)، وقال الألباني: إسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، ورجحه الحافظ على حديث وائل، وعلقه البخاري. اهـ. قلت: هو في "المستدرك" (1/ 226)، وانظر "صحيح السنن" (789). قال العظيم آبادي: قد أعله الدارقطني بتفرد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر. وقال في موضع آخر: تفرد به أصبغ بن الفرج عن الدراوردي. ولا خير في تفرد الدراوردي، فإنه قد أخرج له مسلم في "صحيحه"، واحتج به. وأخرج له البخاري مقرونًا بعبد العزيز بن أبي حازم. وكذلك تفرد أصبغ فإنه قد حدث عنه البخاري في "صحيحه" محتجًا به. (¬2) في "صحيحه" (628)، قال الحافظ (2/ 291): إبراهيم وأبوه ضعيفان. وقال الألباني: إسناده ضعيف جدًّا، إسماعيل متروك؛ كما في "التقريب"، وابنه إبراهيم ضعيف.

فريق منهم. قال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: ولا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة. وليس الأمر عندي كما ذكر بل أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح لما روينا من طريق الدارقطني (¬1): ثنا الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن القاضي ثنا محمد بن أصبغ بن الفرج ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. وقد ذكرنا عن ابن خزيمة تصحيح حديث ابن عمر في ذلك. وبحديث الأعرج عن أبي هريرة وتقدم الكلام عليه وقد رويناه من طريق الدارقطني أيضًا ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا مروان يعني ابن محمد ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه ولا يبرك بروك البعير". حدثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره. فحديث أبي هريرة هذا شاهد لحديث ابن عمر المصحح عن أبي خزيمة وهو شاهد حسن. وأما حديث وضع الركبتين فقد ذكرنا تفرد شريك به وأنه لا يصلح للاحتجاج إذا انفرد وقد روي من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع من أبيه، ولد بعد موته. ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 344).

وفيه حديث أنس الذي رويناه من طريق الدارقطني ثنا إسماعيل الصفار ثنا العباس بن محمد ثنا العلاء بن إسماعيل العطار ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ثم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه. قال الدارقطني: تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد وأما حديث عبيد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الجمل" فقد ذكرنا تضعيف عبيد الله بن سعيد والصحيح من ذلك حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: "وليضع يديه قبل رجليه"، كما ذكرناه من طريق أبي داود والنسائي والدارقطني. وفي الباب حديث سعد بن أبي وقاص الذي صححه ابن خزيمة وجعله ناسخًا لوضع اليدين قبل الركبتين كما عكس أبو محمد بن حزم فجعل حديث أبي هريرة في وضع اليدين قبل الركبتين ناسخًا لا خالفه ولا يصلح شيء من ذلك أن يكون ناسخًا لغيره. أما حديث سعد فلضعف يحيى بن سلمة، وأما حديث أبي هريرة فإن أبا محمد قال: لو كان فيه بيان وضع الركبتين قبل اليدين لكان ذلك موافقًا لمعهود الأصل في إباحة كل ذلك ولكان حديث أبي هريرة واردًا بشريعة زائدة رافعة للإباحة السابقة بلا شك ناهية عنها بيقين وليس تحت كلام أبي محمد هذا طائل وليس فيه أكثر من أن الدلالة القولية مقدمة على الدلالة الفعلية إذا تعارضتا. فتلخص من هذا أن أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح من حيث الإسناد وأصرح من حيث الدلالة إذ هي قولية ولما تعطيه قوة الكلام من التهجين في التشبيه بالبعير الذي ركبته في يده فلا يمكنه تقديم يده على ركبته إذا برك لأنها في الاتصال بيده كالعضو الواحد.

الثانية: وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود كما دل عليه حديث أبي حميد الساعدي وقد صححه وتقدمت الأحاديث في ذلك. وأما مذاهب العلماء في وجوب وضع الجبهة والأنف على الأرض فجمهور العلماء على وجوب وضع الجبهة وأن الأنف لا تجزيء عنها وقال أبو حنيفة هو مخير بينها وبين الأنف وله الاقتصار على أحدهما. قال ابن المنذر: ولا يحفظ هذا عن غير أبي حنيفة. وأما الأنف فالذي ذهب إليه الشافعي أنه لا يجب السجود عليه بل يستحب وذكر عن طاوس وعطاء وعكرمة والحسن وابن سيرين وذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن جابر قال: سألت الشعبي عن الرجل يسجد على طرف جبينه؟ قال: يجزئه. وبه يقول الثوري وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور. وقال سعيد بن جبير والنخعي وإسحاق: يجب السجود على الأنف مع الجبهة وعن مالك وأحمد روايتان كالمذهبين واحتج لأبي حنيفة بحديث ابن عباس: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين رواه البخاري ومسلم. واحتج لمن أوجبهما بحديث أبي حميد المذكور وما في معناه من حديث ابن عباس عند مسلم أنه - عليه السلام - قال: "أمرت أن أسجد على سبع: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين". وحديث عكرمة عن ابن عباس: "لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين" قد تقدم ذكره عن الدارقطني وقد أعله هو وغيره بأن الصحيح فيه الإرسال، وما في معناه من حديث وائل وغيره. وأما من ذهب إلى إيجاب الجبهة فقط فاحتجوا بحديث العباس وأبي حميد

وابن عباس المخرج عن البخاري ومسلم وما في معنى ذلك. ولا خفاء بما في هذا الاستدلال من الضعف إذ السجود على الأنف في الأحاديث الثابتة التي اقتضته حكم زائد وشرع وارد ولا سبيل إلى رد ما قد ثبت ذلك فيه بما لم يثبت فيه وقد روي عن ابن عباس من طريق عبد الرزاق في "مصنفه"، قال: ثنا إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا" قال: جبهته، ثم يضع يده عليها، ثم يمره على أنفه، فاليدين، والركبتين، والقدمين. فبين بهذه الإشارة من إمرار اليد على الأنف أنه مراده أيضًا. وقد روي عن ابن عباس راوي هذا الخبر الذي: إذا سجدت فألصق أنفك بالأرض، وهو راوي الخبر الذي احتجوا به وراوي ما خالفه من إيجاب السجود على الأنف فكانت فتواه على أحد الخبرين مقوية له. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال لمن رآه يصلي: أمسّ أنفك الأرض، وعن سعيد بن جبير: إذا لم تضع أنفك مع جبينك لم تقبل منك تلك السجدة. وقال أبو محمد بن حزم: وبه يقول الشافعي. ولم يقل الشافعي بإيجاب السجود على الأنف إلا أن صاحب "البيان" حكى عن الشيخ أبي زيد المروزي أنه حكى قولًا للشافعي أنه يجب السجود على الجبهة والأنف جميعًا وهذا غريب عند أصحابه جدًّا وإن كان الدليل يقتضيه والمشهور عن الشافعي المذكور في كتاب "الأم" وغيره أنه إن اقتصر الساجد على السجود على الجبهة أجزأه ذلك ونصه في كتاب "الأم": كرهت ذلك وأجزأه. واحتج من لم يوجب الأنف بما ذكرناه من حديث جابر: يسجد بأعلى جبهته

على قصاص الشعر، وقد تقدم تضعيفه. وقصاص الشعر أول منبته فالساجد عليه لا يصل إلى الأنف قالوا: وحكم الأنف والجبهة في الحديث حكم العضو الواحد ولو كانا عضوين لكان العدد ثمانية فدل ذلك على أن الأمر بالأنف إنما هو بحكم التبع والتمام كما قالوا في الاكتفاء بمسح بعض الرأس عن كله. وقد يورد على من قال ذاك القول بقول أبي حنيفة فأكثر ما فيه أن الجبهة والأنف عضو واحد فإن اقتصر على بعضه أجزأه فلم كان ذلك البعض الجبهة دون الأنف والله أعلم. الثالثة: تمكين الوضع للجبهة والأنف من غير حائل لما في حديث أبي حميد من قوله: (مكن جبهته الأرض) وهو يقتضي أكثر من الإمساس والمباشرة. قال الأصحاب: والأولى أن يسجد على جبهته كلها فإن اقتصر على ما يقع عليه الاسم منها أجزأه مع أنه مكروه كراهة تنزيه هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي في "الأم" وقطع به جمهور الأصحاب وحكى ابن كج والدارمي وجهًا أنه يجب وضع جميعها وهو شاذ ضعيف. ولو سجد على جانب الجبهة أو على خده أو صدغه أو مقدم رأسه أو على أنفه ولم يضع شيئًا من جبهته على الأرض ولم يجزئه بلا خلاف ونص عليه في "الأم". والصحيح من الوجهين أنه لا يكفي في وضع الجبهة الإمساس بل يجب أن يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه حتى تستقر جبهته فلو سجد على قطن أو حشيش أو شيء محشو بهما وجب أن يتحامل حتى يظهر أثره فإن لم يفعل لم يجزئه وقال إمام الحرمين: عندي أنه يكفي إرخاء رأسه ولا حاجة إلى التحامل والمذهب الأول.

الرابعة: فإن حال دون الجبهة حائل بأن سجد على كفه أو طرف كمه أو عمامته وهما متحركان بحركته في القيام أو القعود أو غيرهما لم تصح صلاته لأنه منسوب إليه فإن سجد على شيء من ذلك وهو طويل جدًّا لا يتحرك بحركته فوجهان؛ الصحيح أنه تصح صلاته. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجوز السجود على كور العمامة وحكى عن شريح: أنه كان يسجد على برنسه حكاه عنهم ابن الصباغ في "شامله". فأما من منع ذلك كما حكيته عن الأصحاب فيحتج في ذلك بحديث خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا. روى أصله مسلم، وزيادة: وجوهنا وأكفنا عند البيهقي. ومعنى: لم يشكنا لم يُزل شكوانا. وعن علي قال: إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته. وعن نافع: أن ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض. وعن عبادة بن الصامت أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته. ذكره عنهم أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيده، وقال: ثنا حماد بن خالد عن معاوية بن صالح عن عياض بن عبد الله القرشي قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد على كور العمامة فأومأ بيده أن ارفع عمامتك فأومأ إلى جبهته. وذكر عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يحب للمعتم أن ينحي كور العمامة عن جبهته. وعن وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم قال: أبرز جبيني أحب إليّ.

وعن ابن أبي عدي عن أشعث عن محمد أنه كره السجود على كور العمامة. وعن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين مثله. وعن وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: أبرز جبيني أحب إليّ. وعن ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه في المعتم قال: يمكن جبهته من الأرض. وعن وكيع عن ابن علاثة أن عمر بن عبد العزيز قال لرجل: لعلك فيمن يسجد على كور العمامة. وعن ابن فضيل عن حصين عن هلال بن يساف عن جعدة بن هبيرة أنه رأى رجلًا يسجد وعليه مغفرهُ وعمامته وقد غطى بهما وجهه فأخذ مغفره وعمامته فألقاه من خلفه. وأما من لم بذلك بأسًا فقد ذكره ابن أبي شيبة بأسانيده عن عبد الرحمن بن يزيد وسعيد بن المسيب والحسن وبكر المزني ومكحول والزهري. وقال ثنا مروان بن معاوية عن أبي ورقاء قال: رأيت ابن أبي أوفى يسجد على كور عمامته. وعن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم قال: رأيت عبد الرحمن بن يزيد يسجد على عمامة غليظة الأكوار قد حالت بين جبهته وبين الأرض. وقال المانعون من ذلك من أصحابنا: فإذا سجد على كور عمامته أو كمه أو نحوهما فسجوده باطل فإن تعمده مع علمه بتحريمه بطلت صلاته وإن كان جاهلًا أو ساهيًا لم تبطل لكن يجب إعادة السجود هذا كله إذا لم يكن له في ترك المباشرة

بالجبهة عذر، فإن كان على جبهته جراحة وعصبها بعصابة وسجد على العصابة أجزأه ذلك وصحت صلاته ولا إعادة عليه لأنه إذا سقطت الإعادة مع الإيماء بالرأس للعذر فهاهنا أولى. قال صاحب "الحاوي" والمستظهري: فيه وجه مخرج من مسح الجبيرة أن عليه الإعادة والمذهب أنه لا إعادة وبه قطع الجمهور. قال أبو الفتح: وقد ذكر ابن أبي شيبة ثنا ابن علية عن أيوب عن محمد قال: أصابتني شجة فعصبت عليها عصابة فسألت عبيدة: أسجد عليها؟ قال: لا والمشهور الترخيص في مثل ذلك لذوي الأعذار لا سيما إذا اشتدت، قال الله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وممن وجدنا عنه الترخيص في ذلك روى أبو بكر عن جرير عن منصور عن فضيل عن إبراهيم قال: صلى عمر ذات يوم بالناس الجمعة في يوم شديد الحر فطرح طرف ثوبه بالأرض فجعل يسجد عليه ثم قال: يا أيها الناس إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف ثوبه. قال أبو بكر: وثنا بشر بن المفضل عن غالب عن بكر عن أنس قال: كنا نصلي مع النبي - عليه السلام - في شدة الحر فإذا فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. وحدثنا شريك عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها. وذكر عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال: إذا كان حر أو برد فليسجد على ثوبه. قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله بن مسلم قال: رأيت مجاهدًا في مسجد الحرام في يوم حار بسط ثوبه يسجد عليه.

ثنا زيد بن حباب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: قلت لعطاء بن يسار: أسجد على ثوبي؟ قال: ثيابي مني. قال ثنا غندر عن أشعث عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسًا أن يسجد الرجل على الثوب. أنا عبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج عن عطاء قال: أسجد على ثوبي إذا آذاني الحر فأما على ظهر رجل فلا. السابعة: اختلف أصحابنا في وضع اليدين والركبتين والقدمين على قولين مشهورين نص عليهما الشافعي في "الأم"، قال رحمه الله ورضي عنه: كمال السجود أن يسجد على جبهته وأنفه وراحتيه وركبتيه وقدميه وإن سجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له وأجزأه وإن سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك ولم يكن عليه إعادة. قال: وأحب أن يباشر براحتيه الأرض في الحر والبرد ولا أحب هذا في ركبتيه بل أحب أن تكونا مستورتين بالثياب وأحب وإن لم يكن الرجل متخففًا أن يفضي بقدميه إلى الأرض ولا يسجد منتعلًا. قال الشافعي (¬1): وفي هذا قولان: أحدهما: أن عليه أن يسجد على جميع أعضائه التي أمر بالسجود عليها فمن قال بهذا قال: (إن ترك عضوًا منها لم يوقعه الأرض وهو يقدر على إيقاعه لم يكن ساجدًا كما) إذا ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر وإن سجد على ظهر كفيه لم يجزئه وكذا إن سجد على حروفهما وإن ماسّ الأرض ببعض يديه أصابعهما أو ¬

_ (¬1) "الأم" (1/ 114)، وما بين القوسين ليس في المطبوع.

بعضهما أو راحتيه أو بعضهما أو سجد على ما عدا جبهته مغطيًا أجزأه وهكذا في الركبتين والقدمين. قال الشافعي: وهذا مذهب يوافق الحديث. والقول الثاني: أنه إذا سجد على جبهته أو على شيء منها دون ما سواها أجزأه هذا نصه رحمه الله. قال الشافعي والأصحاب: وإذا أوجبنا وضع هذه الأعضاء لم يجب كشف الركبتين والقدمين لكن يستحب كشف القدمين ويكره كشف الركبتين وفي وجوب كشف اليدين قولان الصحيح أنه لا يجب والثاني يجب كشف أدنى جزء من باطن كل كف. الثامنة: قول أبي إسحاق للبراء: (أين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع وجهه إذا سجد؟ قال: بين كفيه) فيه الإشارة إلى طلب الاعتماد في السجود لأنه إذا جعلها عند منكبيه كان معتمدًا عليهما دون الوجه، وإذا جعلهما حيال وجهه كان معتمدًا عليهما وعلى وجهه وهو مما سبق من تمكين وضع الجبهة والأنف في السجود كما في حديث أبي حميد. التاسعة: في حديث طاوس عن ابن عباس ولا يكف شعره ولا ثيابه، وروي: ولا يكفت وهو بمعناه وقد تكسر الفاء من يكفت والمراد لا يجمع ذلك، ومنه قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتا} أي: نجمع الناس في حياتهم وموتهم. واتفق العلماء على النهي أن يصلي الرجل مشمرًا ثوبه أو كمه أو نحوه أو معقوصًا شعره أو مردودًا شعره تحت عمامته أو ما أشبه ذلك، كل هذا مكروه كراهة تنزيه ولا إعادة على المصلي كذلك نقل الطبري في ذلك الإجماع ونقل ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري كأنه يرى أن الشعر يسجد معه. مذهب الجمهور أن

النهي مطلقًا لمن صلى كذلك سواء تعمده للصلاة أم لا. وقال الداودي: يختص النهي بمن فعل ذلك للصلاة وهو المختار الذي دلت عليه الآثار وكراهة ذلك معللة بأمرين ما تقدم من سجود الشعر مع الساجد ولهذا مثل فاعل ذلك بالذي يصلي وهو مكتوف كما جاء في حديث ابن عباس عند مسلم أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ولرأسي! فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف ... ". ولما يشير إليه رفع المصلي ثوبه وشعره عن الأرض ومباشرتها بذلك من الكبر والترفع المذموم فاعله. وأيضًا فربما كان به في شغل في الصلاة لم تدع إليه ضرورة. العاشرة: ذكر في التجافي في السجود حديث ابن أقرم، قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يجافى مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه وتضم المرأة بعضها إلى بعض وقد تقدم في الركوع تفسير هذه اللفظة وذهب بعض السلف إلى أن حكم النساء في ذلك التربع وذكر عن أبي حنيفة تخييرهن بين التجافي والانضمام وحكم الفرائض والنوافل في ذلك سواء. الحادية عشرة: الأمر بالاعتدال في السجود يريد به استواء الاعتماد على الرجلين والركبتين واليدين وسائر أعضاء السجود ولا يأخذ عضو من الاعتدال أكثر من الآخر فيكون الاعتماد عليه أكثر وبالتساوي يحصل العدل فيكون ممتثلًا لقوله: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم"، وإذا فرش ذراعيه فرش الكلب كان الاعتماد عليها دون الوجه وهذا أدب متفق على استحبابه، فلو تركه كان مسيئًا مرتكبًا لما نهي عنه نهي تنزيه قالوا: والحكمة فيه أنه أنسب إلى التواضع وأبلغ في تمكين الجبهة

والأنف من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى، فإن المنبسط يشبه الكلب ويُشعِر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاهتمام بها والإقبال عليها، وكذلك النهي عن افتراش السبع ولا شك في كراهة هذه الهيئة ولفظ الحديث هنا "ولا يبسطن أحدكم ذراعيه بسط الكلب" فأتى بمصدر يبسط على هيئته ووقع في "صحيح مسلم": "ولا يبسط انبساط الكلب" بالمصدر هناك من انبسط كأنه قال بسط فانبسط انبساطًا ومثله قوله تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} كأنه قال: أنبتكم فنبتم نباتًا وقوله تعالى. {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا} والأمر في حديث سعد بوضع اليدين ونصب القدمين من ذلك. الثانية عشرة: ذكر في باب إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود حديث البراء بن عازب قال: كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود قريبًا من السواء. فيه بيان الطمأنينة في هذه الأركان بالفعل كما سبق بيانها بالقول لا سيما على رواية من رواه في الأركان كلها وكذلك هو عند مسلم فهذه المقاربة المذكورة ربما اقتضت أن بعض تلك الأركان أطول من بعض إلا أن التفاوت بينها ليس بكثير ولعله في القيام وجلوس التشهد على أن البخاري قد رواه فقال فيه: ما خلا القيام والقعود. فأما على رواية الترمذي فقد لا يحتاج إلى تأويل وأما على رواية من ذكر الأركان كلها فإنه قد ثبت أنه كان يطيل القيام ويقرأ فيه بالستين إلى المائة ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يرجع فيجده قائمًا في الركعة الأولى فيحتمل أن يكون ذلك الطول كان في أول الأمر ثم كان التخفيف بعد. الثالثة عشرة: فيه إقامة الصلب من السجود وهو مقصود الباب وقد تقدم

الكلام فيه في أبواب الركوع في حديث "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها يعني صلبه في الركوع والسجود" بما يغني عن الإعادة هنا ويكفي من ذلك ما في حديث أنس كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل قد نسي وذكر في الرفع من السجود مثله. فقد وقع أيضًا البيان في حديثي البراء وأنس بطمأنينة الرفع من الركوع والرفع من السجود قولًا وفعلًا. الرابعة عشرة: ذكر في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود حديث البراء: لم يحن رجل منا ظهره حتى يسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسجد الحديث، فيه متابعة المأموم إمامه وأن فعله ذلك يكون عقيب فعله من غير فصل لما تقتضيه الفاء من التعقيب بلا مهلة وكذلك قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا الحديث، قال أبو بكر الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يسئل: متى يكبر من خلف الإمام؟ ومتى يركع؟ فذكر الحديث. إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ثم قال: يتبعه في كل شيء يصنعه كلما فعل شيئًا فعله بعده. قال أبو الفتح: قال الفقهاء بوجوب ذلك في تكبيرة الإحرام والسلام قالوا: إن شرع في تكبيرة الإحرام قبل فراغ الإمام منها لم تنعقد صلاته وكذلك في السلام فإن سلم قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة (¬1) ففيه خلاف مشهور وإن سلم معه فلا تبطل على الصحيح. وأما في الركوع وغيره فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولكن لا تبطل صلاته واختلف قول مالك في ذلك: فروي عنه أن عمل المأموم كله مع عمل الإمام ركوعه وسجوده ورفعه وخفضه ما خلا الإحرام والتسليم فإنه لا يكون إلا بعد عمل الإمام وبعقبه، وروي عنه مثل ذلك ما خلا الإحرام والقيام من اثنتين والسلام. ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: المقارنة!

وقد روي عن مالك: أن الأحب إليه أن يكون عمل الأموم في ذلك كله بعد عمل الإمام وبعقبه. قال أبو عمر: هذا أحسن. قال أبو الفتح: ووجه تحسين هذا وما قدمنا حكايته عن الأثرم عن أحمد أن الفاء ظاهرة في التعقيب، ثم تحتمل بعد ذلك تعقيب الشروع بالشروع أو تعقيب التمام بالشروع، والثاني أولى إذ هو الحقيقة وقد حملوها على ما هو الأولى من تعقيب التمام بالشروع في تكبيرة الإحرام إجماعًا فكان الأحسن اطّراد ذلك في جميع الأركان فمن خرج عن ذلك طولب بالدليل. الخامسة عشرة: ذكر في كراهة الإقعاء حديث علي وفي الرخصة فيه حديث ابن عباس وقد تقدم تفسيره بالوجهين فذهب قوم إلى أن أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الإباحة قال الإمام: لعل ابن عباس لم يعلم ما ورد من الأحاديث الناسخة التي فيها النهي عن الإقعاء والذي اختاره القاضي وآخرون أن اختلاف الحكم فيه تابع لاختلاف التفسير كما قدمنا فأحد نوعيه هو المكروه أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب. والثاني: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين وهذا مراد ابن عباس بقوله: سنة نبيكم وقد نص الشافعي في البويطي والإملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وقد روي عن جماعة من السلف فعله قالوا: وكذا جاء مفسرًا عن ابن عباس من السنة أن تمس عقبيك أليتيك وللشافعي نص آخر في الجلوس بين السجدتين من أن السنة فيه الافتراش وهو أشهر عنه وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتهما الافتراش وجلسة التشهد الآخر سنتها التورك وسيأتي لهذا مزيد بيان.

السادسة عشرة: قوله: (إنا لنراه جفاء بالرجل) كان أبو عمر بن عبد البر يقوله بكسر الراء وإسكان الجيم ويقول: من ضم الجيم وفتح الراء فقد غلط، يريد والذي اختاره الأكثرون ما رده أبو عمر قالوا: وهذا الذي يصلح أن ينسب له الجفاء. السابعة عشرة: ذكر في الاعتماد في السجود حديث "استعينوا بالركب"، قال صاحب "التتمة": إذا كان يصلي وحده وطول السجود ولحقه مشقة بالاعتماد على كفيه وضع ساعديه على ركبتيه لحديث أبي هريرة هذا. وقال ابن العربي: لما شكوا إليه المشقة قال: يكفيكم الاعتماد على الركب راحة. الثامنة عشرة: حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة والصحيح عندنا استحبابها مطلقًا لصحة أحاديثها وبها قال مالك بن الحويرث وأبو قتادة وأبو حميد وجماعة من الصحابة وهو مذهب داود ورواية عن أحمد. وقال آخرون: لا تستحب، ذكر عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الزناد ومالك والثوري وأصحاب الرأي. وهي جلسة لطيفة جدًّا وفي التكبير أوجه أصحها أنه يرفع مكبرًا ويمد التكبير إلى أن يستوي قائمًا والسنة فيها أن يجلس مفترشًا وأن تكون عقيب السجدتين في كل ركعة يعقبها قيام سواء الأولى والثالثة، والفرائض والنوافل. التاسعة عشرة: ذكر حديث أبي هريرة: (ينهض على صدور قدميه) وقد اختلف العلماء في كيفية النهوض إلى الركعة الثانية وسائر الركعات فالذي ذهب إليه الشافعي أنه يستحب أن يقوم معتمدًا على يديه وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومكحول وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن عبد الرحمن ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة وداود: يقوم غير معتمد بيديه على الأرض بل يعتمد على صدور قدميه وإليه

ذهب ابن مسعود وحكاه ابن المنذر عن علي والنخعي والثوري واحتجوا بحديث الباب وذكروا حديث أبي شيبة عن زياد بن زيد عن أبي جحيفة عن علي قال: من السنة إذا نهض الرجل في الصلاة المكتوبة من الركعتين الأوليين لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخًا كبيرًا لا يستطيع. رواه البيهقي. وعن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة. وعن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواهما أبو داود. وذكروا في ذلك آثارًا عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد أنهم يقومون على صدور أقدامهم في الصلاة. واحتج الشافعي ومن قال بقوله بحديث مالك بن الحويرث مرفوعًا: وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام. رواه البخاري. وقالوا: هو أبلغ في الخشوع والتواضع وأعون للمصلي وأحرى أن لا ينقلب. * * *

99 - باب ما جاء في التشهد

99 - باب ما جاء في التشهد حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعدنا في الركعتين أن نقول: "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". قال: وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي موسى وعائشة. قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود قد روي عنه من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. حدثنا أحمد بن محمد بن موسى أنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن خصيف قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا في التشهد قال: "عليك بتشهد ابن مسعود". * * *

100 - باب منه أيضا

100 - باب منه أيضًا ثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله". قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب صحيح وقد رَوَى عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي هذا الحديث عن ابن الزبير نحو حديث الليث بن سعد. وروى أيمن بن نابل المكي هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر وهو غير محفوظ وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد. * الكلام عليه من وجوه: الأول من حيث الإسناد: وكلا الحديثين مخرج في الصحاح، فأما حديث ابن مسعود فعند الجماعة كلهم من حيث أبي وائل عن عبد الله إلا الترمذي فذكره من حديث الأسود عنه ولفظه عن البخاري: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". وللبخاري أيضًا قال: كنا إذا كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام". ولمسلم نحوه.

قال الترمذي: وقد روي عنه يعني عن ابن مسعود من غير وجه. وأخبرني أبو عمرو محمد بن محمد عن أبي الحسين بن السراج إجازة إن لم يكن سماعًا أنا ابن بشكوال أنا أبو محمد بن غياث أنا ابن عبد البر أنا الطلمنكي أنا محمد بن أحمد مفرج قال: قرأت على أبي الحسن محمد بن أيوب الصموت بمصر قلت: سمعت أحمد عمرو بن عبد الخالق البزار يقول: وسئل عن أصح حديث في التشهد؟ فقال: هو عندي والله أعلم حديث ابن مسعود وروي عنه نيف وعشرون طريقًا فمن ذلك ما روى بريدة عن عبد الله بن مسعود وعبيدة السلماني وأبو عبد الرحمن السلمي ومسروق بن الأجدع وعمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس وأبو عبيدة وأبو معمر وأبو وائل وعمير بن سعد وأبو الأحوص؛ فرواه عن أبي وائل: منصور والأعمش وعاصم ومغيرة وحماد بن أبي سليمان وحصين بن عبد الرحمن وفضيل بن عمرو وجامع بن أبي راشد والحكم بن عتيبة هؤلاء رووه عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا أعلم يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهر وأثبت من حديث عبد الله، ولا أصح أسانيد، ولا أشهر رجالًا، ولا أشد تظاهرًا بكثرة الأسانيد واختلاف طرقها، وإليه أذهب، وربما زدت. وأما حديث ابن عباس فرواه مسلم في "صحيحه" وهو عند معرف بالألف واللام في السلام، وقد رواه الجماعة إلا البخاري واختلفوا في تعريف السلام. وأما حديث ابن عمر فروينا من طريق أبي داود ثنا نصر بن علي حدثني أبي ثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التشهد: "التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته -قال: قال ابن عمر: زدت فيها وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله

الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر: زدت فيها وحده لا شريك له- وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال أبو الفتح: رجاله متفق عليهم في الصحيحين وقد رواه عن ابن عمر أيضًا عبد الله بن دينار، رويناه من طريق الدارقطني (¬1) ثنا أبو بكر الشافعي ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة. قال الدارقطني: وحدثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي أبو سعيد النيسابوري نا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة ثنا مغيث بن بديل ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد: "التحيات الطيبات الزاكيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا لفظ ابن أبي عثمان. قال الدارقطني: وموسى بن عبيدة وخارجة ضعيفان. وقد رواه مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفًا بلفظ آخر. ولا علة لهذا الحديث تمنع من القول بصحته فيما أعلم إلا ما قيل في سماع أبي بشر جعفر بن أبي وحشية من مجاهد، وما يأتي ذكره من الخلاف على ابن عمر. فأما الكلام على سماع أبي بشر من مجاهد، فقد ذكره ابن أبي حاتم (¬2) في "مراسيله" عن محمد بن حموية بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 351). (¬2) "المراسيل" (25/ 72) وعنده قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، قال: ما سمع منه شيئًا.

ابن حنبل قال يحيى ......... عن شعبة. وقد روينا من طريق ابن عدي (¬1): ثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة ثنا أبو طالب أحمد بن حميد: سألت -يعني أحمد بن حنبل- عن حديث شعبة عن أبي بشر قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد: التحيات؟ فأنكره، وقال: لا أعرفه. قلت: روى نصر بن علي عن أبيه (قال: سمعت مجاهدًا). قال: قال يحيى: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، قال: ما سمع منه شيئًا. إنما (¬2) -ابن عمر يرويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه علمنا [التشهد، ليس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -]. قال أبو الفتح: وقد ذكره أبو بكر بن في "مصنفه" كذلك قال: ثنا الفضل بن دكين عن سفيان عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر: أن أبا بكر كان يعلمهم التشهد على المنبر كما يعلم الصبيان في الكتاب: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فأما سماع أبي بشر عن مجاهد فقد روى البخاري في كتاب البيوع في "صحيحه" حديث: "إن من الشجر شجرة كالرجل المؤمن ... " عن أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر الحديث، ففيه القول من البخاري ¬

_ (¬1) "الكامل" (2/ 151) والزيادة منه، مكانها بياض في الأصل. (¬2) كان هنا كلمة مثل: (هذا). ولا يقابلها شيء في المطبوع.

بتصحيح حديث أبي بشر عن مجاهد. وأما الخُلْف، فيجوز أن يكون ابن عمر روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه عن أبي بكر، وحدث به على الوجهين، وقد قال الدارقطني (¬1) عقيب تخريجه إياه في "سننه" عن أبي بكر بن أبي داود عن نصر بن علي، كما أخرجه أبو داود: هذا إسناد صحيح، تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما. وقد روي من وجه آخر، قال ابن أبي حاتم في "علله" (¬2): سمعت أبي وذكر حديثًا به عن حيوة بن شريح عن بقية عن الزبيدي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين؟ فقال أبي: هذا حديث منكر. وأما حديث جابر فروينا من طريق النسائي أنا محمد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر سمعت أيمن يقول: حدثني أبو الزبير عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار". وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث أيمن وقد رواه عن أيمن جماعة غير المعتمر والصحيح فيه أنه من رواية أبي الزبير من طريق ابن عباس فقد قال الدارقطني. في أيمن ليس بالقوي خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد مع ما سبق فيه من قول الترمذي: غير محفوظ، ابن عساكر في "تاريخه" في ترجمة أيمن. قرأت بخط أبي عبد الرحمن النسائي: لا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث يعني حديث ¬

_ (¬1) "السنن" (1/ 351) وفي نسخة السندي: ورفعه غيرهما. (¬2) "العلل" رقم (518)، ولم يتميز لي موطن الشاهد، والحديث رواه الطحاوي (1/ 268).

التشهد وخالفه الليث في إسناده، وأيمن لا بأس به والحديث خطأ وبالله التوفيق (¬1). وقال الحاكم: حديث أيمن بن نابل المكي عن أبي الزبير جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في التشهد: "بسم الله وبالله" وأيمن بن نابل ثقة مخرج حديثه في صحيح البخاري فلم يخرج هذا الحديث إذ ليس له متابع على أبي الزبير من وجه يصح. وقد توبع أيمن عليه فيما حكاه الدارقطني أيضًا في "علله" فقال: يرويه الثوري وابن جريج وأيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر وخالفهم ليث بن سعد وعمرو بن الحارث روياه عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس. ورواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي وزكريا بن خالد شيخ لأهل الكوفة يروي عنه قيس بن الربيع وغيره عن أبي الزبير عن طاوس وحده عن ابن عباس. وحديث ابن عباس أشبه بالصواب من حديث جابر. قول الدارقطني: عبد الرحمن بن حميد رواه عن أبي الزبير عن طاوس وحده مخالف لما ذكره الترمذي من قوله عن عبد الرحمن أنه رواه نحو حديث الليث وهو قد ساق حديث الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس ومن أثبت مقدم على من نفى إلا أن يكون الترمذي أراد بقوله نحو حديث الليث في أنه من طريق ابن عباس لا من طريق جابر. وقد رواه مسلم كما قال الدارقطني: فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة يحيى بن ¬

_ (¬1) "تاريخ دمشق" (10/ 50). وفي "شرح علل الترمذي" (2/ 642): ذكر مسلم في كتاب "التمييز" أن زيادة التسمية في التشهد تفرد بها أيمن، وزاد في آخر التشهد: وأسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار. وذكر أن الحفاظ رووه عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس بدون هاتين الزيادتين. قال مسلم: والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم.

آدم ثنا عبد الرحمن بن حميد حدثني أبو الزبير عن طاوس عن ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. وأما قول الترمذي في حديث ابن عباس: إنه غريب مع تصحيحه إياه، فالظاهر أن فكذلك هو في الكتب الخمسة وغيرها. فقد كان هذا الاستغراب صحيحًا لولا أن الدارقطني ذكر أن عمرو بن الحارث تابع الليث عليه فيكون على هذا عزيزًا لا غريبًا، وهي رتبة الغرابة التي أشار إليها توهمه أن الليث انفرد به عن أبي الزبير بين الغريب والمشهور. * وأما حديث أبي موسى فروينا من طريق مسلم ثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري ومحمد بن عبد الملك الأموي واللفظ لأبي كامل قالوا ثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبركة والزكاة قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم قال: لعلك يا حطان قلتها قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني بها فقال رجل من القوم: أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير فقال أبو موسى: ما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتلك بتلك وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله تعالى قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع

قبلكم" قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكم من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". وأما حديث عائشة فلم نره مرفوعًا وإنما روينا من طريق يحيى بن يحيى في "موطئه" عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت تقول إذا تشهدت: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم. ورويناه بالإسناد المذكور إلى مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه أخبره أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بعينه. وفي الباب مما لم يذكره عن سمرة بن جندب روينا من طريق أبي داود قال ثنا محمد بن داود بن سفيان قال: ثنا يحيى بن حسان قال: ثنا سليمان بن موسى أبو داود قال: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خُبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب: أما بعد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها: "فابدأوا قبل التسليم فقولوا: التحيات والطيبات والصلوات والملك لله ثم سلموا على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم". قال أبو داود: سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق وقد رواه الطبراني أيضًا من حديث محمد بن إبراهيم هو ابن خُبيب بن سليمان بن سمرة عن جعفر بن سعد فتابع محمد بن إبراهيم سليمان بن موسى وسليمان ثقة روى عنه مروان

ابن محمد الطاطري ووثقه وقال أبو حاتم: محله الصدق مستقيم الحديث صالح الحديث. وفيه عن عمر بن الخطاب روينا عن الدارقطني ثنا عبد الله بن سليمان بن أبي (¬1) شعيب ثنا محمد بن وزير الدمشقي قال: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني ابن لهيعة أخبرني جعفر بن ربيعة عن يعقوب بن الأشج أن عون بن عبد الله بن عتبة كتب لي في التشهد عن ابن عباس وأخذ بيدي فزعم أن عمر بن الخطاب أخذ بيده فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده فعلمه التحيات لله الصلوات الطيبات المباركات لله. قال الدارقطني: هذا إسناد حسن وابن لهيعة ليس بالقوي. وذكر الطبراني في "معجمه الأوسط" (¬2) من حديث علي قال: نا إبراهيم يعني الوكيعي نا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ثنا عمرو بن هاشم ثنا أبو مالك الجنبي عن عبد الله بن عطاء، قال: حدثني البهزي (¬3)، قال: سألت الحسين بن علي عن تشهد علي فقال: هو تشهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: حدثني بتشهد علي عن تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات والسابغات الطاهرات لله". ¬

_ (¬1) كذا، وفي "السنن" (1/ 351): بن الأشعث. وراجعتُ "الإتحاف" (15472) فوجدته موافقًا للمطبوع. والحديث رواه الحاكم (1/ 266) وصححه على شرط البخاري!! (¬2) "الأوسط" (2917)، وانظر "الكبير" له (2905)، قال الهيثمي (2/ 141): رجال الكبير موثقون. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 267): إسناده ضعيف، وله طريق أخرى عن علي رواها ابن مردويه من طريق أبي إسحاق عن الحارث عنه ولم يرفعه. (¬3) في نسخة السندي: النهدي، وفي "التلخيص": الزهري!

قال: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عطاء إلا عمرو. وذكر من حديث ابن الزبير: نا بكر -هو ابن سهل- نا عبد الله بن يوسف نا ابن لهيعة نا الحارث بن يزيد قال: سمعت أبا الورد يقول: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: إن تشهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بسم الله وبالله خير الأسماء، التحيات لله الصلوات الطيبات، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم اغفر لي واهدني". هذا في الركعتين الأوليين. قال: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن الزبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة (¬1). الوجه الثاني في غريبه، وفيه مسائل: الأولى: سمي التشهد لما فيه من الشهادتين. الثانية: التحيات جمع تحية قال الأزهري: عن الفراء هي الملك وقيل: البقاء الدائم وقيل السلامة وتقديره السلامة من الآفات لله قال: وقيل التحية العظمة (¬2) روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وقاله ابن المنذر وآخرون. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "النتائج" (2/ 191): أخرجه البزار في "مسنده" (562 - كشف) والطبراني في "الكبير" وفي سندهما ابن لهيعة. قال الهيثمي (2/ 141): ومداره على ابن لهيعة، وفيه كلام. قلت: وقال البزار: أبو الورد لم يرو عنه إلا الحارث، روى عنه ابن لهيعة وغيره. (أي الحارث). (¬2) في الأصل كأنها: التعظمة، على وزن تفعلة.

قال ابن قتيبة: إنما قيل التحيات بالجمع لأنه كان لكل واحدٍ من ملوكهم تحية يحيى بها فقيل لنا قولوا التحيات لله أي الألفاظ التي تدل على الملك مستحقة لله تعالى وحده. وقال يعقوب: التحية الملك قال زهير بن جناب الكلبي (¬1): ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية يريد إلا الملك. الثالثة: الصلوات قيل المراد به العبادات قاله الأزهري: وقيل الرحمة وقيل الأدعية حكاهما البغوي وقيل: المراد الصلوات الشرعية وقيل الصلوات الخمس وهو اختيار ابن المنذر في آخرين. قال صاحب "المطالع": تقديره الصلوات لله ومنه أي هو المتفضل بها وقيل المعبود بها. الرابعة: الطيبات قيل معناه الطيبات من الكلام الذي هو الثناء على الله تعالى حكي عن الأزهري وغيره وقال الخطابي: معناه ما طاب وحسن من الكلام فيصلح أن يثنى به عليه ويدعي به دون ما لا يليق وقال ابن بطال وغيره: معناه الأعمال الصالحة. الخامسة: سلام عليك أيها النبي قال الأزهري: وفيه قولان: أحدهما: معناه ¬

_ (¬1) نقله ابن عساكر (19/ 102): قال أبو حاتم: أخبرنا أبو زيد الأنصاري عن المفضل ... فذكر أبياتًا منها هذا: كل الذي نال الفتى ... قد نلته إلا التحية وذكر كما عندنا في "غريب الحديث" (1/ 112) ومعزوًا لزهير. وكذا عند ابن قتيبة (1/ 147).

اسم السلام أي: اسم الله عليك. والثاني: معناه سلم الله عليك تسليمًا وسلامًا ومن سلم الله عليه سلم من الآفات كلها. السادسة: السلام علينا الضمير فيه يعود على الإمام والمأمومين والملائكة وغيرهم. السابعة: وعلى عباد الله الصالحين العباد جمع عبد روينا عن القشيري في "رسالته" قال: سمعت أبا علي الدقاق يقول: ليس شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمنين من الوصف بالعبودية ولهذا قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا} وقال تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}. والصالحون جمع صالح قال أبو إسحاق الزجاج: هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. الوجه الثالث في شيء من العربية وغيرها وفيه مسألتان: الأولى: وقع في حديث ابن مسعود والصلوات الطيبات بواو العطف، ووقع في حديث ابن عباس بغير واو فقيل: الواو مراده محذوف وهو جائز نحو قوله: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما يزرع الود في فؤاد الكريم يريد كيف أصبحت وكيف أمسيت ونحو قوله: ضربًا طلخفا في الطلى سخيتا يريد ضربًا طلخفا سخيتا، والطلخف الشديد، والسخيت دونه في الشدة. وقال آخر:

ما لي لا أسقى على علاتي ... صبائحي غبائقي قيلاتي (¬1) يريد أقاتل عنهن كما أقاتل عن أمهاتي. وهذا يجوز إذا فهم المعنى؛ هذه طريقة من أخذ بتشهد ابن عباس. وأما من أخذ بحديث ابن مسعود فيقول: واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلًا، وإذا سقطت واو العطف كان ما عدا اللفظ الأول صفة له فتكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ فكان أولى وزاد بعضهم في تقريره بأن قال: لو قال: والله الرحمن والرحيم، لكانت أيمانًا متعددة، تتعدد بها الكفارة، ولو قال: والله الرحمن الرحيم لكانت يمينًا واحدة وتعدد الثناء في هذا صريح وليس هو في الأول كذلك فهو أولى. الثانية: السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى وهو السالم من النقائص وصفات الحدث وقيل: المسلِّم عباده وقيل المسلم عليهم في الجنة كما قال {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} ومعناه في قوله: السلام عليك أيها النبي وفي سلام الصلاة السلامة والنجاة فيكون مصدرًا كاللذاذ واللذاذة كما قال تعالى: {فسلام لك من أصحاب اليمين} وقيل السلام عليك أي الانقياد إليك والتسليم لأمرك، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما}. اختلف الأصوليون في العموم هل له صيغة أم لا فذهب الشافعي وغيره إلى الأول خلافًا للمرجئة وآخرين. ¬

_ (¬1) انظر "اللسان" (غ ب ق). وفي مادة (ق ي ل): لا أبكي على علاتي .... ولعله أظهر في المعنى. أو يمكن أن تكون أشقى، بالشين، كما قرأها من نسخ المخطوط قبلي.

وعباد الله جمع معرف الإضافة وقد دل هنا على العموم لقوله عليها السلام: "فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح لله في السماء أو في السماء والأرض" فأدخل فيه الكل حتى الملائكة فاقتضى أن للعموم صيغة وأن هذا الجمع من صيغته خلافًا لمن منع من ذلك. الوجه الرابع في الفوائد والمباحث: وفيه مسائل: الأولى: أصح الأحاديث الوادرة في التشهد حديث عبد الله بن مسعود كما تقدم وإلى القول به ذهب الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والكوفيون وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وأهل الحديث. قال أبو عمر: كان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه ويتشهد به. وذهب آخرون إلى حديث ابن عباس منهم الليث والشافعي والذي اختاره مالك من ذلك ما رويناه من طريق يحيى بن يحيى في "موطئه" عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله. وكلها حسن عند أهل العلم متفق على جوازه وممن نقل الإجماع على الجواز في الكل القاضي أبو الطيب الطبري وإنما اختلفوا في الأفضل كما ذكرنا أو التسوية فقد كان أبو عمر يقول الاختلاف في التشهد وفي الأذان الإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ وما يدعا به (¬1) فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلوات وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين ¬

_ (¬1) رسمت عند السندي: وبدعائه فيها.

وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا إلا أن فقهاء الحجاز والعراق الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى يتشددون في الزيادة على أربع تكبيرات على الجنائز ويأبون من ذلك وهذا لا وجه له لأن السلف كبروا سبعًا وثمانيًا وستًّا وخمسًا وأربعًا وثلاثًا وقال ابن مسعود: كبر ما كبر إمامك، وبه قال أحمد بن حنبل وهم يقولون أيضًا إن الثلاث أفضل من الواحدة السابغة (¬1)، وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون عن السابقين نقلًا لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنًا بعد زمن يعرف ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى هلم جرًّا، فدل على أن ذلك مباح كله وسعة ورحمة وبخير والحمد لله. قال أبو الفتح: وبلغني عن بعض من أدركته من الفضلاء ممن ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله نحوًا من كلام أبي عمر هذا ويرى أن الكلف مخير في نحو ما ذكرناه وكان كثيرًا ما يقنت في الوتر وربما قنت في الصبح وكذلك كان يفعل في كثير مما يجري هذا المجرى. الثانية: في الترجيح بين ما ذكرناه من أنواع التشهد والذي اختاره الكوفيون حديث ابن مسعود كما ذكرنا لصحته الراجحة على صحة غيره ولما تقدم من زيادة الثناء، والذي اختاره الشافعي ومن نرع منزعه الأخذ بحديث ابن عباس زعموا لما فيه من زيادة: المباركات وتأنسوا في ذلك بموافقتها لقوله تعالى: {تحية من عند الله مباركة طيبة} ولقوله فيها (كما يعلمنا السورة من القرآن) ورجحه البيهقي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه ابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرًا على تشهد ابن مسعود وأقرانه ويلزمهم في ذلك ترجيح ما رجحه مالك من وجه تعليم عمر ذلك ¬

_ (¬1) أي في الوضوء.

الناس على المنبر بحضرة الصحابة ولم ينكر، ومثل هذا لا يكون إلا بتوقيف وهو بيقين بعد تعليم ابن عباس فتأخر التعليم فيما ذهب إليه مالك أظهر وزيادة المباركات يقابلها عند مالك (الزاكيات)، إلا أن أصحابنا تمسكوا بالحديث المرفوع الثابت وأصحاب مالك تمسكوا بأثر عن عمر غير أنه جارٍ على أصل مالك في ترجيحه عمل أهل المدينة لكن لم يسلم له عمل أهل المدينة في ذلك، لما ذكر ابن أبي شيبة: نا الفضل بن دكين عن سفيان عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر: أن أبا بكر كان يعلمهم التشهد على المنبر كما يعلم الصبيان في الكتاب: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وهذا يوافق بحديث ابن مسعود، فترجح بكل اعتبار، ويشهد له في عمل أهل المدينة ما ذكر (¬1) عن ابن علية عن أبي المتوكل: سألنا أبا سعيد عن التشهد، فذكر نحوه سواء، قال أبو سعيد: كنا لا نكتب شيئًا إلا القرآن والتشهد. وحكى الرافعي وجهًا غريبًا في مذهب الشافعي أن الأفضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات الطيبات لله ليكون جامعًا لها كلها. الثالثة: وقع في حديث جابر الذي ذكرناه: باسم الله وبالله في أول التشهد وقد صححه الحاكم ولا وجه لتصحيحه لما سبق (¬2) وقد ذكر أن عليًّا وابن عمر ذهبا لذلك حكاه الشيخ أبو حامد قال: ولم يقل به غيرهما يعني من المتقدمين وقد ذكر ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر قال: في التشهد باسم الله وعن ¬

_ (¬1) "المصنف" لابن أبي شيبة (2991)، وانظر "تقييد العلم" (93). (¬2) علق عليه السندي بقوله: قوله (لما سبق) قد [سبق] للشارح تصحيحه لتوثيق أيمن، وإيراد المتابع له، فلعله غفل عما سلف له، فافهم. اهـ.

وكيع عن إسحاق بن يحيى عن المسيب بن رافع قال: سمع ابن مسعود رجلًا يقول في التشهد: بسم الله فقال: إنما يقال هذا على الطعام وهذا موافق لما سبق عن ابن مسعود. وروى وكيع عن مسعر عن حماد عن سعيد بن جبير أنه كان يقول في التشهد باسم الله. وقال أبو علي الطبري وغيره من الأصحاب: يستحب أن يقول في أوله بسم الله وبالله. وقطع الجمهور بأنه لا يستحب التسمية ولم ينقل عن الشافعي لعدم ثبوت الحديث فيها. الرابعة: وأما أقل التشهد فقال الشافعي وأكثر الأصحاب: أقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وقال جماعة: وأن محمدًا رسوله نقله الرافعي عن جماعة، وقال البغوي: وأشهد أن محمدًا رسوله، قال: ونقله ابن كج والصيدلاني فأسقطا قوله (وبركاته) وقالا: وأشهد أن محمدًا رسول الله، وقد وجد في نص الشافعي في كتاب "الأم" كذلك. وقال ابن سريج: أقله: التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسوله. وأسقط بعضهم في حكاية عن ابن سريج لفظ السلام الثاني وأسقط بعضهم الصالحين فقال: السلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله، واختار الحليمي والصحيح الأول لأنه تكرر في الأحاديث ولم يسقط في شيء من الروايات الصحيحة فيجب الإتيان به، ولهذا قال الشافعي والأصحاب يتعين لفظ التحيات لثبوتها في جميع الروايات بخلاف المباركات وما بعدها.

ومما سقط منه لفظة (وأشهد) رواية أبي موسى فيقرب الحال في إسقاطها للمقتصر على الأقل وأما إسقاط الصالحين لأن الشرع فيه لم يرد بالسلام على كل العباد بل خص الصالحين. وكذلك إسقاط (علينا) لاحتمال عدم دخول التشهد في الصالحين. وحاصل ما ذكرناه أن في قوله (ورحمة الله وبركاته) ثلاثة أوجه أصحها وجوبهما والثاني حذفهما والثالث وجوب الصالحين دون الثاني. وفي علينا والصالحين ثلاثة أوجه: أصحها وجوبهما، والثاني حذفهما، والثالث وجوب الصالحين دون علينا. وفي الشهادة الثانية ثلاثة أوجه أحدها وأشهد أن محمدًا رسول الله والثاني وهو الأصح وأن محمدًا رسول الله والثالث وأن محمدًا رسوله. هذا مذهب الشافعي، وقد خالفه في هذا الاقتصار على بعض ألفاظ التشهد غيره، وهو عند أصحاب الشافعي معلل بأن هذا القدر المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات، ويرد عليه: أن الزائد في بعضها زيادة ثقة فيجب قبولها لتوجه الأمر إليها، والعمل بها لثبوتها. الخامسة: اختلف النقل من رواة الحديث والفقه من أصحاب الشافعي في تعريف السلام في الموضعين أو (¬1) تنكيره في الموضعين أو تعريفه في الأول وتنكيره في الثاني واتفق الأصحاب على أن جميع هذا جائز لكن الألف واللام أفضل لكثرته في الأحاديث والمنقول عن الشافعي ولزيادته فيكون أحوط ولموافقته سلام التحلل من الصلاة قال شيخنا الحافظ أبو الفتح القشيري رحمه الله: السلام معرف في تشهد ابن مسعود، ومنكر في حديث ابن عباس، والتعريف أعم. قال أبو الفتح اليعمري: ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: وتنكيره.

قد ثبت التعريف في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح. السادسة: اختلف العلماء في وجوب التشهد وفي حكم صلاة من لم يتشهد في صلاته، فقال الشافعي (¬1) فيما حكاه عنه أبو عمر: من ترك التشهد الأخير ساهيًا أو عامدًا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون الساهي قريبًا فيعود إلى تمام صلاته ويتشهد ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ويغني التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر الصلاة عن التشهد قبله ولا يغني عنه ما كان قبله من التشهد فالتشهد الأخير فرض عندنا وكذلك الجلوس له وفيه خلاف بين العلماء سنذكره فيما يأتي إن شاء الله في باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد فذلك الموضع أمسُّ به من هذا. ومن الحجة لأصحابنا ما رويته عن أبي الحسن الدارقطني في سننه قال: ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: ثنا أبو عبيد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن ثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش ومنصور عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا هكذا فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح وكذلك قال البيهقي أيضًا (¬2). واستدل أصحابنا من هذا الحديث بوجهين: الأول: قوله قبل أن يفرض التشهد فدل على أنه فرض. ¬

_ (¬1) وانظر "الأم" (1/ 118). (¬2) وصححه الحافظ (2/ 312).

والثاني: قوله قولوا ولم يعارضه مثله والله أعلم. قال أبو عمر: لم يقل أحد في حديث ابن مسعود هذا بهذا الإسناد ولا بغيره قبل أن يفرض التشهد إلا ابن عيينة. السابعة: قال أصحابنا يكره أن يزيد في التشهد الأول على لفظ التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والآل ........ (¬1) فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر وستأتي أحكام هذه المسألة في باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين. الثامنة: والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك فرض في التشهد الأخير عندنا، وفي وجوبها على الآل وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي قولين الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور من الأصحاب لا يجب والثاني يجب. فأما وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنقول عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي أسيد وأبي حميد الساعدي. ورواه البيهقي وغيره عن الشعبي وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل. وقال مالك وأبو حنيفة وأكثر العلماء: هي مستحبة لا واجبة حكاه ابن المنذر عن مالك وأهل المدينة وعن الثوري وأهل الكوفة وأهل الرأي وجماعة من أهل العلم. قال ابن المنذر: وبه أقول، وقال إسحاق: إن تركها عمدًا لم تصح صلاته وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه واحتج لكل طائفة بما سنذكره عند الكلام على حديث كعب بن عجرة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقيب التشهد الأول، ففيه قولان مشهوران: القديم لا تشرع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وحكي عن عطاء والشعبي ¬

_ (¬1) كلمة وأكثر غير واضحة، ظهر منها: إذ، أو: إذا. ولعلها وما بعدها: إذ استثنى ها هنا.

والنخعي والثوري. والجديد الصحيح تشرع. وحكى المحاملي طريقين أحدهما هذا والثاني تسن. وأما الصلاة على الآل فيه ففيها طريقان: أحدهما: لا يشرع. والثاني: أنه مبني على وجوبها في التشهد الأخير؛ فإن لم يوجبها لم يشرع هنا، وإلا فقولان كالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. التاسعة: فيما يستحب من ذلك وأقل ما يجزئ منه، فأما ما يستحب من ذلك فقال الشافعي والأصحاب: الأفضل أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال بعضهم: وينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة من ذلك فيقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وأما أقل الصلاة فقال الشافعي والأصحاب: هو أن يقول: اللهم صل على محمد فلو قال صلى الله على محمد فوجهان حكاهما صاحب "الحاوي" قال: هما كالوجهين في قوله: (عليكم السلام) والصحيح أنه يجزئه ونص الشافعي في "الأم" على أنه لو قال: (صلى الله على رسول الله) أجزأه. قال صاحب "التهذيب": وفي هذا دليل على أنه لو قال: اللهم صل على النبي أو على أحمد أجزأه وكذا قطع الرافعي بأنه لو قال صلى الله على رسوله أجزأه

قال: وفي وجه يكفي أن يقول صلى الله عليه والكناية ترجع إلى قوله في التشهد وأشهد أن محمدًا رسول الله. وقال القاضي حسين في "تعليقه": لا يجزئه أن يقول: اللهم صلّ على أحمد أو النبي بل تسميته محمدًا - صلى الله عليه وسلم - واجبة ويشترط أن يأتي بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد، وأما الصلاة على الآل فأقل ذلك أن يقول وآله. العاشرة: بيان آل النبي - صلى الله عليه وسلم - المأمور بالصلاة عليهم وفيهم ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح في المذهب أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وهذا هو الذي نص عليه الشافعي. والثاني: أنهم عترته الذين ينسبون إليه - صلى الله عليه وسلم - وهم أولاد فاطمة رضي الله عنهم ونسلهم أبدًا حكاه الأزهري وآخرون وهو الصحيح. والثالث: أنهم كل المسلمين التابعين له - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة حكاه القاضي أبو الطيب الطبري عن بعض الأصحاب واختاره الأزهري وآخرون وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين ورواه البيهقي عن جابر بن عبد الله واحتج القائلون بهذا بقول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون} والمراد جميع أتباعه كلهم. واحتج الأولون بقوله - عليه السلام -: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وسيأتي الكلام عليه في كتاب الزكاة أبسط من هذا إن شاء الله تعالى. الحادية عشرة: لفظ التشهد متعين فلو أبدله بمعناه لم تصح صلاته وإن كان قادرًا على لفظه بالعربية، فإن عجز أجزأته ترجمته وعليه التعلم، وحكى القاضي أبو الطيب وجهًا أنه لو قال أعلم أن لا إله إلا الله بدل أشهد أجزأه لأنه بمعناه والصحيح المشهور أنه لا تجزئه كسائر الكلمات وينبغي أن يأتي بالتشهد مرتبًا فإن ترك الترتيب نظر، إن غيره تغييرًا مبطلًا للمعنى لم تصح بلا خلاف وتبطل صلاته وإن لم يغير

فطريقان المذهب صحته وهو المنصوص في "الأم" والثاني في صحته وجهان وقيل قولان. الثانية عشرة: وتكره القراءه في التشهد لأنه ركن لم تشرع فيه القراءة كالركوع والسجود. الثالثة عشرة: والدعاء عقيب التشهد الآخر عندنا مستحب وله أن يدعو بما أحب من أمور الدنيا والآخرة من الأدعية المأثورة وغيرها ويكفي من ذلك قوله عليه السلام: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه". رواه البخاري ومسلم في حديث ابن مسعود. قال أصحابنا: والدعاء بأمور الآخرة أفضل، وقال الشافعي: أحب ذلك لكل مصلٍّ، وأرى أن تكون زيادته إن كان إمامًا أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه قليلًا للتخفيف عمن خلفه وإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كرهت ذلك ولا إعادة عليه ولا سجود سهو.

101 - باب ما جاء أنه يخفي التشهد

101 - باب ما جاء أنه يخفي التشهد ثنا أبو سعيد الأشج ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: من السنة أن يخفي التشهد. قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب والعمل عليه عند أهل العلم. * الكلام عليه: أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الأشج كذلك غير أنه سمى أبا سعيد ولم يكنه، ويونس بن بكير روى له مسلم واستشهد به البخاري، وابن إسحاق مشهور الحال. وقد أخرج الحاكم في "المستدرك" هذا الحديث وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وساقه الحاكم من غير هذه الطريقة وذكر له شاهدًا صحيحًا من حديث عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قال الشيخ محيي الدين: وقد أجمع العلماء على الإسرار بالتشهدين وكراهة الجهر بهما.

102 - باب ما جاء كيف الجلوس في التشهد

102 - باب ما جاء كيف الجلوس في التشهد ثنا أبو كريب ثنا عبد الله بن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: قدمت المدينة، قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جلس يعني للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وابن المبارك.

103 - باب منه أيضا

103 - باب منه أيضًا ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر العقدي ثنا فليح بن سليمان المدني حدثني عباس بن سهل الساعدي قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه يعني السبابة. قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وبه يقول بعض أهل العلم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. قالوا: يقعد في التشهد الأخير على وركه واحتجوا بحديث أبي حميد وقالوا يقعد في التشهد الأول على رجله اليسرى وينصب اليمنى. * الكلام عليه: حديث وائل أخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد عن عبد الله بن إدريس به ولفظه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حلق بالإبهام والوسطى ورفع التي تليها يدعو بها في التشهد. وحديث أبي حميد تقدم وتقدم الكلام عليه. وفي الباب مما لم يشر إليه حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بأصبعه السبابة، وفي رواية وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام. رواه مسلم.

وفيه عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى. رواه مسلم. وعند أحمد وأبي داود فيه: ولم يجاوز بصره إشارته. قال أبو داود: ولا يجاوز. وللنسائي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الثنتين أو في الأربع يضع يديه على ركبتيه ثم أشار بأصبعه. وفيه عن خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري عند الإمام أحمد عن مقسم عن رجل من أهل المدينة قال: صليت في مسجد غفار فلما جلست في صلاتي افترشت فخذي اليسرى ونصبت صدر قدمي اليمنى ووضعت يدي اليمنى على فخذي اليمنى ونصبت أصبعي السبابة، قال: فرآني خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري وكانت له صحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصنع ذلك فلما انصرفت من صلاتي قال: أي بني لم نصبت أصبعك هكذا؟ قال فقلت له: رأيت الناس يصنعون ذلك قال: فإنك قد أصبت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى صنع ذلك فكان المشركون يقولون إنما يصنع هذا محمد بأصبعه يسحر بها وكذبوا إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك يوحد بها ربه عزَّ وجلَّ. وفيه غير ذلك. وأما أقوال العلماء في ذلك فمذهبنا أنه يستحب أن يجلس في التشهد الأول مفترشًا وفي الثاني متوركًا، فإن كانت الصلاة ركعتين جلس متوركًا. وقال مالك: يجلس فيهما متوركًا وجلوس المرأة كالرجل سواء عند مالك. وقال أبو حنيفة والثوري: يجلس فيهما مفترشًا. وقال أحمد: إن كانت

الصلاة ركعتين افترش وإن كانت أربعًا افترش في الأولى وتورك في الثاني قال الطبري: كل ذلك حسن واحتج من قال بالافتراش فيهما بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وينهى عن عقب الشيطان. رواه مسلم، وفي رواية البيهقي: كان يفرش رجله اليسرى ورجله اليمنى وبحديث وائل بن حجر الذي ذكرناه. واحتج من قال بالتورك بحديث عبد الله بن الزبير وقد ذكرناه، وبحديث ابن عمر قال: سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى. رواه البخاري. وروى مالك بإسناده الصحيح عن ابن عمر الجلوس على وركه اليسرى. واحتج أصحابنا بحديث أبي حميد وقد ذكرناه وسيأتي في صفة الصلاة والمقصود منه هنا ما وقع في لفظ البخاري: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته. قال الشافعي والأصحاب: فحديث أبي حميد وأصحابه يعني العشرة الذين معه صريح في الفرق بين التشهدين وباقي الأحاديث مطلقة فيجب حملها على موافقته. فمن روى التورك أراد الجلوس في التشهد الأخير ومن روى الافتراش أراد الأول وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة وذكر عن الشافعي الرجل والمرأة في الجلوس سواء، وعن أبي حنيفة تجلس المرأة كأيسر ما يكون روي مثله عن الشعبي والشافعي.

104 - باب ما جاء في الإشارة في التشهد

104 - باب ما جاء في الإشارة في التشهد ثنا محمود بن غيلان ويحيى بن موسى قالا: ثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته ورفع أصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعو بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه. قال: وفي الباب عن عبد الله بن الزبير ونمير الخزاعي وأبي هريرة وأبي حميد ووائل بن حجر. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه، والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين يختارون الإشارة في التشهد وهو قول أصحابنا. * الكلام عليه: حديث ابن عمر وابن الزبير في الإشارة بالأصبع تقدما، وحديث نمير الخزاعي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - واضعًا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا أصبعه قد حناها شيئًا. وحديث وائل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام ورفع السبابة ورأيته يشير بها. رواه البيهقي بهذا اللفظ وابن ماجه بمعناه وإسناده صحيح. وحديث أبي حميد تقدم. وحديث أبي هريرة روينا من طريق النسائي أنا محمد بن بشار ثنا صفوان بن عيسى ثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلًا كان يدعو

بأصبعيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحد أحد". رواه النسائي في التشهد في باب النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع يشير. وفي الباب مما لم يذكره عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه. رواه الإمام أحمد. وحديث الباب رواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزاق به. ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي والحسن بن علي وإسحاق بن منصور عن عبد الرزاق أيضًا، والحديث صحيح بتصحيح مسلم والغرابة في مثل هذا الإسناد لا تحطه عن الصحة لجلالة عبد الرزاق ومعمر والعمري والله أعلم. ويتعلق بالإشارة بالمسبحة في الصلاة مسائل: الأولى: استحبابها في التشهدين جميعًا. الثاني: هيئتها، قال الشافعي: يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وينشر أصابع اليسرى إلى جهة القبلة ويجعلها قريبة من طرف الركبة بحيث تساوي رؤوسها الركبة وهل يفرج الأصابع أم يضمها فيه وجهان، الأصح أنه يفرجها وأما اليد اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمنى ويقبض خنصرها وبنصرها ويرسل المسبحة. وفيما يفعل بالإبهام والوسطى ثلاثة أقوال: أحدها يقبض الوسطى مع الخنصر والبنصر ويرسل الإبهام مع المسبحة والثاني يحلق بالإبهام والوسطى. وفي كيفية التحليق وجهان أصحهما تحليقهما برأسيهما والثاني يضع أنملة الوسطى بين

عقدتي الإبهام والقول الثالث وهو الأصح أنه يقبض الوسطى والإبهام أيضًا. وفي كيفية قبض الإبهام على هذا وجهان أحدهما يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين والثاني: يضعها على حرف أصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين وكلها سنة، وإنما الخلاف في الأفضل. الثالثة: أن تكون الإشارة بها إلى القبلة وذكر فيه حديث عن ابن عمر. الرابعة: ينوي بالإشارة الإخلاص والتوحيد ذكره المزني في "مختصره" وغيره، وذكروا فيه حديثًا عن خفاف بن إيماء الغفاري وقد ذكرناه في الباب قبل هذا عن أحمد بن حنبل. وعن ابن عباس قال: هو الإخلاص وعن مجاهد قال: مقمعة للشيطان. الخامسة: يكره أن يشير بالسبابتين من اليدين لأن سنة اليسرى أن تستمر مبسوطة. السادسة: إذا كانت اليمنى مقطوعة سقطت هذه السنة فلا يشير بغيرها. السابعة: السنة أن لا يجاوز بصره إشارته وكذا وقع في حديث عبد الله بن الزبير عند أبي داود كما أوردناه في الباب قبل هذا.

105 - باب ما جاء في التسليم في الصلاة

105 - باب ما جاء في التسليم في الصلاة ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله. قال: وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر بن سمرة والبراء وعمار ووائل وعدي بن عميرة وجابر بن عبد الله. قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.

106 - باب منه أيضا

106 - باب منه أيضًا ثنا محمد بن يحيى النيسابوري ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئًا. قال: وفي الباب عن سهل بن سعد. قال أبو عيسى: وحديث عائشة لا نعرفه مرفوعًا إلّا من هذا الوجه. قال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير ورواية أهل العراق عنه أشبه. قال محمد: وقال أحمد بن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع عندهم ليس هو الذي يروى عنه بالعراق وكأنه رجل آخر قلبوا اسمه. قال أبو عيسى: وقد قال به بعض أهل العلم: في التسليم في الصلاة، وأصح الروايات عن النبي تسليمتين، وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي والتابعين ومن بعدهم. ورأى قوم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة، قال الشافعي: إن شاء سلم تسليمة وإن شاء سلم تسليمتين. * الكلام عليه: حديث ابن مسعود في التسليمتين رواه مسلم في "صحيحه" ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولفظ مسلم عن أبي معمر: أن أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله يعني ابن مسعود: أنّى علقها إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله.

وحديث سعد بن أبي وقاص قال: كنت أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده. رواه مسلم. وحديث جابر بن سمرة عند مسلم قال: كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأشار بيده إلى الجانبين فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه ومن على شماله". وحديث وائل قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله. ورويناه من طريق أبي داود ثنا عبدة بن عبد الله قال ثنا يحيى بن آدم ثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة بن وائل عن أبيه فذكره، موسى بن قيس وثقة ابن معين وغيره. وحديث عمار بن ياسر روينا من طريق ابن ماجه عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله. وحديث ابن عمر روينا من طريق النسائي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني عن حجاج قال ابن جريج: أنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الله أكبر كلما وضع الله أكبر كلما رفع ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله عن يساره. ومن طريق النسائي أيضًا بسندنا إليه قال: أنا قتيبة ثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن عمه واسع بن حبان قال: قلت لابن عمر: أخبرني عن

صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف كانت؟ قال: فذكر التكبير قال: يعني والسلام عليكم ورحمة الله عن يمينه السلام عليكم عن يساره. وحديث البراء ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء أن النبي - عليه السلام - كان يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده. وحديث عدي بن عميرة [أخرجه أحمد] (¬1). وفي الباب أيضًا عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خديه. رواه الإمام أحمد. وفيه عن أبي موسى الأشعري قال: صلّى بنا علي يوم الجمل صلاةً ذكرنا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإما أن نكون نسيناها وإما أن نكون تركناها فسلم عن يمينه وعن شماله. رواه ابن ماجه. وفيه عن حذيفة بن اليمان قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله رواه ابن ماجه. قد ذكر فيه البيهقي عن واثلة ابن الأسقع وعبد الله بن زيد. وأما الباب الثاني ففيه حديث عائشة وهو عند ابن ماجه وقد بيّن صاحب الكتاب ضعفه وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ورده أبو عمر بزهير بن محمد وقال: لم يرفعه غيره عن هشام بن عروة وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به. قال أبو الفتح: ولا ينتهي زهير إلى هذه الدرجة في التضعيف فقد قال ¬

_ (¬1) زيادة من السندي. وعقبها بياض مقدار سطر، وفي الأصل بياض أربع أسطر.

أحمد: مستقيم الحديث وقال صالح بن محمد: ثقة صدوق وقال موسى بن هارون: أرجو أنه صدوق. وقال الدارمي: عثمان ثقة له أغاليط كثيرة، هذا عن الحاكم من "تاريخ نيسابور" له، ووثقه ابن معين وقال: مرة صالح وقال أبو حاتم: محله الصدق وفي حفظه سوء وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعواق لسوء حفظه وما حدث من حفظه فهو أغاليط. قال ابن عدي: ولعل أهل الشام حيث رووا عنه أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبيهة بالمستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به، ومن كان بهذه المثابة فلا يقال فيه ضعيف عند الجميع، وقد أخرج له البخاري ومسلم. وكذلك عمرو بن أبي سلمة رواية عنه بأن الشافعي يروي عنه عن لا بأس به، ومن كان بهذه المثابة فلا يقال فيه ضعيف عند الجميع، وقد أخرج له البخاري ومسلم، وكذلك عمرو بن أبي سلمة رواية عنه بأن الشافعي يروي عنه عن الأوزاعي، وإذا لم يصرح باسمه قال: ثنا الثقة عن الأوزاعي يريده. وفيما رويته عن والدي رحمه الله عن أبي الحسين بن السراج أنا ابن بشكوال عن أبي محمد بن غياث أنا ابن عبد البر أنا أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ أنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين ثنا أحمد بن صالح المصري في "تاريخه" قال: عمرو بن أبي سلمة هذا كان حسن المذهب عنده شيء سمعه من الأوزاعي وشيء عرضه عليه وشيء أجازه له فكان يقول فيما سمع: (ثنا الأوزاعي) ويقول في الباقي: الأوزاعي. وقد وثقه ابن حبان وهو دمشقي سكن تنيس يروي عن الأوزاعي ولسعيد بن عبد العزيز وغيرهما، ذكره ابن يونس وقال: مات بتنيس سنة ثلاث عشرة. وقال أبو زرعة الدمشقي: سنة أربع عشرة يعني ومائتين.

وقد اختلف الناس في هذا الحديث فوجدت عن أبي عمر والبيهقي وغيرهما تضعيفه وعن الحاكم تصحيحه، واختلف في رفعه ووقفه على عائشة كما نذكره. فأما من ضعفه فلتفرد زهير به ومخالفة غيره في رفعه ولا يصححون حديث التقة ما لم يتابع فكيف من اختلف فيه. على أن عمرو بن أبي قيس شامي، وقد سبق عن البخاري وأبي حاتم وابن عدي تضعيف ما روى الشاميون عن زهير بل أخص من هذا ما ذكر ابن عدي عن الحميدي قال عن عمرو: روى عنه الوليد وعمرو بن أبي سلمة مناكير عن هشام بن عروة وغيره، وهذا مما رواه عمرو عنه عن هشام، وممن ضعف زهير النسائي فقال فيه: ليس بالقوي وروى عن ابن معين تضعيفه وقد تقدم عنه خلاف ذلك أيضًا. وأما الحاكم فصححه لاحتجاج الشيخين بعمرو وزهير، ومن حديث عمرو عن زهير أخرجه مرفوعًا ثم قال: وقد رواه وهيب بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة أنها كانت تسلم تسليمة واحدة. وأما رفعه ووقفه فإن الدارقطني قال في "علله": وإن عمرًا وعبد الملك بن محمد الصنعاني رفعاه عن زهير وخالفهما الوليد بن مسلم فوقفه على عائشة عن زهير وأن الوليد قال لزهير: هل بلغك في هذا شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أيضًا الموقوف الذي ذكرناه عن وهيب وصوّب ذلك. وكذلك صنع أبو بكر البزار قال: أنا محمد بن مسكين والحسن بن عبد العزيز قالا: ثنا عمرو بن أبي سلمة فذكره مرفوعًا وقال: هذا رواه غير واحد موقوفًا ولا نعلم أسنده إلا عمرو عن زهير. وأما حديث عبد الملك بن محمد المتابع لعمرو على رفعه عن زهير فقد رويناه

من طريق ابن ماجه وكذلك رواه بقي بن مخلد في "مسنده" قالا: ثنا هشام بن عمار ثنا عبد الملك بن محمد ثنا زهير عن هشام به فهذا متاج لعمرو عن زهير يعارض ما ذكره البزار. وعبد الملك هذا هو ابن محمد البرسمي الصنعاني، صنعاء دمشق روى عن معمر والأوزاعي وغيرهما. روى عنه سليمان بن عبد الرحمن ووثقه هشام بن عمار وغيرهما وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وقد ضعفه ابن حبان. وقد رواه بقي بن مخلد في "مصنفه" من طريق عاصم بن سليمان قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا. وهذا متابع لزهير عن هشام غير أنه في الأصل الذي وجدته فيه حدثنا ابن أبي السري قال: ثنا عاصم بن سليمان قال: ثنا هشام. وابن أبي السري لا يدرك عاصم بن سليمان لعله سقط بينهما رجل. ومتابعة عاصم إذا ثبتت ردت قول من زعم أن زهيرًا تفرد برفعه عن هشام بن عروة، فإن بقي بن مخلد رواه عن ابن أبي السري ثنا عاصم ثنا هشام بن عروة فذكره مرفوعًا. وقد روينا عن الإمام أحمد في "مسنده" ثنا يزيد بن هارون ثنا بهز بن حكيم سمعت زرارة يقول: سئلت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل فقالت: كان يصلي العشاء، وفيه: ثم يسلم تسليمة واحدة يرفع بها صوته الحديث. وقال الإمام أحمد: ثنا يونس ثنا عمران بن يزيد القطان عن بهز عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال: قلت لعائشة فذكر الحديث، وفيه قالت: وكان يسلم تسليمة واحدة يرفع بها صوته.

عمران القطان وثقه يحيى بن معين وابن حبان وقد بينت هذه الطريق السائل لعائشة في حديث يزيد بن هارون، فهذا عن عائشة شاهد لمن رفع الأول وقد يكون ذلك مرفوعًا وموقوفًا عنها روته وأفتت به، فإن عاصم بن سليمان ثقة أخرج له الجماعة في كتبهم وكلام الوليد بن مسلم يعارضه ما اشتهر عن زهير من رفعه فقد ذكر رفعه عن زهير: الترمذي والدارقطني والبزار والبيهقي وأبو عمر وغيرهم، وقد يكون زهير حدث به على الوجهين للوليد قبل أن يتبين له رفعه ثم ذكر الرفع به فحدث به غيره مرفوعًا، والله أعلم. أما حديث عمرو بن أبي سلمة عن زهير (¬1) فرويناه من طريق أبي العباس السراج في "مسنده": أنا محمد بن يحيى، نا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تلقاء وجهه تسليمة يميل إلى الشق الأيمن قليلًا. فوافقنا الترمذي فيه بعلو درجة. وحديث زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رويناه من طريق السراج نا إسحاق بن إبراهيم نا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي: حديث أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويذكره ثم يدعو ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة فيجلس ويذكر الله ويدعو ثم يسلم تسليمة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ثم يسلم تسليمة ثم يصلي ركعتين وهو جالس. قال أبو الفتح: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه، وشاهده ما سبق، ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وفي نسخة السندي: بدون (عن زهير).

ولم يذكره الحاكم في "مستدركه". وأما حديث سهل بن سعد فرويناه من طريق ابن ماجه قال: ثنا أبو مصعب المديني أحمد بن أبي بكر ثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه. عبد المهيمن قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. وفيه عن سلمة بن الأكوع روينا من طريق ابن ماجه قال: ثنا محمد بن الحارث المصري ثنا يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم مرة واحدة. يحيى بن راشد البصري قال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف. ولحديث عبد الله بن مسعود طرق كثيرة منها ما رويناه عن الدارقطني نا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا حميد الرؤاسي ثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله: أنا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: فسلم عن يمينه وعن يساره، وفيه: ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك. قال أبو الفتح: هذا إسناد صحيح. وفي الباب (¬1) الثاني أيضًا عن أنس قال ابن أبي شيبة: ثنا يونس بن محمد ثنا جرير بن حازم عن أيوب عن أنس أن النبي - عليه السلام - سلّم تسليمة. وفيه عن الحسن مرسلًا قال: ثنا وكيع عن الربيع عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة. ¬

_ (¬1) هذا الكلام لا يناسب ما قبله.

ثنا أبو خالد عن حميد قال: كان أنس يسلم تسليمة واحدة. ثنا أبو خالد عن سعيد بن مرزبان قال: صليت خلف ابن أبي ليلى فسلم واحدة ثم صليت خلف علي فسلم واحدة. وذكر مثله عن أبي وائل ويحيى بن وثاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين وابن عمر والقاسم بن محمد وعائشة وأنس وأبي العالية وأبي رجاء وابن أبي أوفى وابن عمر وسعيد بن جبير وسويد وقيس بن أبي حازم بأسانيده إليهم. وذكر عبد الرزاق عن الزهري وذكر أيضًا عن عثمان في مرسل الحسن المتقدم. وأما من رُوي عنه التسليمتان فذكره ابن أبي شيبة ثنا ابن إدريس عن الحسن بن عمرو قال: ذكر التسليم عند شقيق فقال: قد صليت خلف عمر وعبد الله فكلاهما يسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وروي مثله عن عمار وعلي وسعد وابن مسعود ومسروق وابن أبي ليلى وعمرو بن ميمون وعطاء. وذكر عبد الرزاق في "مصنفه" في ذلك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف بلغك كان بدء التسليم؟ قال: لا أدري غير أن أول من رفع صوته بالتسليم عمر بن الخطاب، قال: كانوا يسلمون في أنفسهم ولا يرفعون بالتسليم أصواتهم. قلت: فينصرفون على تسليم التشهد قط قال: لا ولكن كانوا يقولون السلام عليكم في أنفسهم ثم يقومون حتى رفع عمر صوته. قال: أنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أن مجاهدًا أخبره عن طاوس: أن أول من رفع صوته بالتسليم عمر بن الخطاب. قال: أنا ابن عيينة قال: أخبرني ابن أبي حسين قال: أدركني طاوس في الطواف فضرب على منكبي فقال: لا تنها صاحبك عن أن يجهر بالتسليم يعني ابن

هشام قال: أول من جهر به عمر بن الخطاب فعابت عليه الأنصار فقالوا: وعليك ما شأنك؟ قال: أردت أن يكون أدبًا. قال أبو الفتح: كذا في هذه الآثار أن أول من رفع صوته بالتسليم عمر وقد روينا من طريق الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عائشة في التسليمة الواحدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه السلام عليكم يرفع بها صوته. قال عبد الرزاق: أنا معمر والثوري عن حماد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم يرى بياض خده الأيسر. وعن معمر عن خصيف الجزري عن أبي عبيدة عن أبيه أنه كان يسلم التسليمتين يجهر بهما هذا معناه. وعن علي أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره. وعن عمار بن ياسر قال: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن نافع بن عبد الحارث وهو أمير بمكة كان إذا سلم التفت فسلم عن يمينه ثم يسلم على شماله فبلغت ابن مسعود فقال: أنى أخذها ابن عبد الحارث. قال ابن جريج: وبلغني أن ابن مسعود قال: أنى أخبرها فإني رأيت بياض وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كل الشقين إذا سلم. قال: أنا معمر عن عاصم بن سليمان عن ابن سيرين قال: إذا صليت وحدك فسلم على يمينك قل السلام عليكم وعلى يسارك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا كنت في صف عن يمينك وعن يسارك أناس فقل عن يمينك السلام عليكم وعن يسارك السلام عليكم وإذا كنت في طرف الصف عن يمينك ناس وليس عن يسارك ناس فقل عن يمينك السلام عليكم وعن يسارك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

وإن كان عن يسارك ناس وليس عن يمينك ناس فقل عن يمينك السلام عليكم وعن يسارك السلام عليكم. قال عاصم: فحدثت به أبا قلابة فوافقه في كله إلا أنه زاد في التسليم السلام عليكم ورحمة الله. وكان معمر لا يسلم إذا أمّنا إلا السلام عليكم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم لا يزيد عليه. قال عبد الرزاق: وبه أخذ. الوجه الثاني في الفوائد المتعلقة بأحكام السلام: وفيه مسائل: الأولى: في السلام هل هو فرض أو لا، وقد اختلف الناس في ذلك وهو فرض عندنا خلافًا لأبي حنيفة ومن قال بقوله في ذلك لقوله - عليه السلام - في الصلاة: "وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" ولأن لفظة كان مع المضارع تقتضي الدوام على المختار وقد ثبت أنه كان يصلي كذلك يتحلل من الصلاة بالتسليمة مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وسيأتي ما للعلماء من الشارع في هذا في باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد. الثانية: اختلفوا في التسليمة الثانية فقالت طائفة يسلم الصلي تسليمة واحدة قاله ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي وغيرهم. وقالت طائفة: يسلم تسليمتين حكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم، وعن عطاء بن

أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي [من] (¬1) التابعين وعن الثوري وأحمد وإسحاق و [أبي ثور] وأصحاب الرأي قال ابن المنذر: وبه أقول. واختلف القائلون بالتسليمة الثانية، فذهب الجمهور إلى استحبابها، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة، وحكى الطحاوي وغيره عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعًا وهي رواية عن أحمد وبها قال بعض أصحاب مالك: ونقله أبو عمر عن بعض أصحاب الظاهر والمنقول من ذلك عن بعض أصحاب مالك ذكره النووي في "شرح المهذب". فمن حجة من ذهب إلى أن الثانية فرض قوله - عليه السلام -: "وتحليلها التسليم"، ثم بين كيف التسليم على ما ثبت في أحاديث التسليمتين. وحجة من أوجب الأولى فقط قوله - عليه السلام -: "تحليلها التسليم" قالوا: والواحدة يقع عليها اسم التسليم وقد ثبت التسليم كذلك فيما ذكر من أحاديث التسليمة الواحدة. ومن جعلها سنة فلأحاديث التسليمتين. وأجاب من ذهب إلى التسليمتين كذلك عن أحاديث التسليمة الواحدة بأجوبة أحدها أن أحاديث التسليمتين أصح من أحاديث التسليمة الواحدة. الثاني: أن التسليمة الواحدة جاءت لبيان الجواز وأحاديث التسليمتين جاءت لبيان الأكمل والأفضل ولهذا واظب عليها - صلى الله عليه وسلم - فكانت أشهر ورواتها أكثر. الثالث: أن في روايات التسليمتين زيادة من ثقات فوجب قبولها. الثالثة: ما ينوي المسلم بسلامه وسيأتي في الكلام على حديث علي: كان ¬

_ (¬1) زيادة، لعل السياق يقتضيها إذا كانت قراءتي للكلمة التي عقبها صحيحة.

النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين، عند الترمذي إن شاء الله تعالى. الرابعة: في أكمل السلام وأقله، فأما أكمله فأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله ولا يقول وبركاته هذا هو الصحيح ووقع في بعض كتب الأصحاب من الشافعية كإمام الحرمين وغيره زيادة وبركاته. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هذا الذي ذكره هؤلاء لا يوثق به وهو شاذ في نقل المذهب ومن حيث الحديث فلم أجده في شيء من الأحاديث إلا في حديث رواه أبو داود من رواية وائل بن حجر أن رسول الله صلى لله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه زيادة نسبها الطبراني إلى موسى بن قيس الحضرمي وعنه رواها أبو داود. قال أبو الفتح: موسى بن قيس الحضرمي وثقه وابن معين وغيره. وأقله أن يقول السلام عليكم. ويبدأ التسليم مستقبل القبلة ويلتفت يمينًا ويسارًا حتى يرى خداه وبالتسليمة الأولى تنقضي الصلاة حتى لو أحدث مع الثانية لم تبطل صلاته لكن لا يأتي بها إلا بطهارة ولو بدأ باليسار كره وأجزأه. الخامسة: ينبغي للمأموم أن يسلم بعد فراغ الإمام، قال البغوي: يستحب أن لا يسلم المأموم حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وقال المتولي: بل يستحب أن يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى، وظاهر نص الشافعي في "البويطي" يؤيد نقل البغوي فإنه قال: ومن كان خلف إمام فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وعن شماله وهذا خلاف في الأفضل فلو قارنه في السلام فوجهان أحدهما تبطل صلاته إن لم ينو مفارقته كما لو قارنه في تكبيرة الإحرام وأصحهما لا تبطل كالمقارنة في

بقية الأركان وقد سبق. ولو سلم قبل شروع الإمام في السلام بطلت صلاته وإن لم ينو مفارقته فإن نواها ففيه الخلاف فيمن نوى المفارقة. السادسة: قال القاضي أبو الطيب: إذا سلم الإمام التسليمة الأولى انقطعت قدوة المأموم الموافق والمسبوق ولخروجه من الصلاة، والمأموم الموافق بالخيار إن شاء سلم بعده وإن شاء استدام الجلوس للتعوذ والدعاء وإطالة ذلك. السابعة: قال الشافعي والأصحاب: إذا اقتصر الإمام على تسليمة فيسن للمأموم تسليمتان لأنه خرج عن متابعته بالأولى بخلاف التشهد الأول، فإن الإمام لو تركه لزم المأموم تركه لأن المتابعة واجبة عليه قبل السلام. الثامنة: المسبوق إن قام لتكميل صلاته قبل شروع إمامه في التسليمة الأولى بطلت صلاته إلا أن نوى المفارقة ففيه الخلاف المعروف وإن قام بعد فراغه من الأولى جاز إلا أنه عدل عن الأولى وهو القيام بعد فراغ التسليمتين على قول البغوي. وإن قام بعد شروع إمامه في الأولى وقبل الفراغ منها فهو كما قبل شروعه ذكره المتولي وقد خرج بعض الفقهاء فيه خلافًا على المساوقة فيها عدا تكبيرة الإحرام من الركوع والسجود وغير ذلك مما سبق بيانه فإن جاز للمأموم مساوقة الإمام في تلك الأركان جاز له هنا القيام بعد شروعه وقبل تمامه وإلا فلا ولا أدري كيف هذا التخريج فإن المساوق يبقى مع الإمام إلى انتهائه والقائم (¬1) هنا قبل تكملة الإمام السلام قاطع للمساوقة قبل انتهائها بقيامه وتركه الإمام في سلامه فليتأمل ذلك. ¬

_ (¬1) عند السندي: والقيام!

107 - باب ما جاء أن حذف السلام سنة

107 - باب ما جاء أن حذف السلام سنة ثنا علي بن حجر أنا عبد الله بن المبارك وهقل بن زياد عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: حذف السلام سنة. قال علي بن حجر: قال علي بن المبارك: يعني أن لا يمده مدًّا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو الذي يستحبه أهل العلم وروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: التكبير جزم والسلام جزم. وهقل كان كاتب الأوزاعي. * الكلام عليه: رواه أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن يوسف الفريابي نا الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ "حذف السلام سنة" وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن بن حيويل بن ناشرة بن عبد بن عامر أبو محمد ويقال أبو حيويل المعافري المصري أصله مدني سكن مصر روى عن الزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى وسعد ابني سعيد وشريك بن عبد الله ويزيد بن أبي حبيب وعامر بن يحيى. روى عنه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وحيوة بن شريح وعبد الله بن وهب والليث بن سعد ورشدين بن سعد ويزيد بن السمط وابن لهيعة وسويد بن عبد العزيز. قال الأوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري من قرة بن عبد الرحمن. وقال أحمد: منكر الحديث جدًّا، وقال ابن معين ضعيف.

وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثًا منكرًا جدًّا وأرجو أنه لا بأس به. ذكره مسلم في كتابه غير محتج به مقرونًا بعمرو بن الحارث وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. قال ابن يونس: توفي سنة سبع وأربعين ومائة. ذكره ابن حبان في ثقاته وشهد جده فتح مصر. وقد أخرج الحاكم في "مستدركه" هذا الحديث من حديث مبشر بن إسماعيل الحلبي ومن حديث محمد بن يوسف كلاهما عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حذف السلام سنة" فرفع الحديث وقال: صحيح على شرط مسلم فقد استشهد بقرة في موضعين من كتابه قال: وقد وقفه (¬1) ابن المبارك عن الأوزاعي وقال أبو داود: إن الفريابي لما رجع من مكة ترك رفعه وقال: نهاني أحمد عن رفعه، وقد أعله ابن القطان بقرّة، وهو أقرب إلى الصواب، والله أعلم. قول أبي هريرة: من السنة كذا مما يدخل في المسند عند أهل الحديث أو أكثرهم وفيه خلاف عن أرباب الأصول معروف، وتقدم ذكرنا له. قال العلماء: يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمده مدًّا لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء وليس ذلك رفع الصوت به فرفع الصوت غير المد وقد تقدم في الباب قبله عن عائشة رفع الصوت مرفوعًا وعن عمر من فعله وقيل: معناه إسراع الإمام به لئلا يسبقه المأموم وقال بعض المالكية: أن لا يكون فيه ¬

_ (¬1) في نسخة السندي: وثقه.

قوله: ورحمة الله. وقول النخعي: السلام جزم بالجيم والزاي المعجمتين وقيده بعضهم حذم بالحاء والذال المعجمة ومعناه سرج، الحذم السرعة ومنه قول عمر: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم أي أسرع.

108 - باب ما يقول إذا سلم من الصلاة

108 - باب ما يقول إذا سلم من الصلاة ثنا أحمد بن منيع ثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". قال: وفي الباب عن ثوبان وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وقد روى خالد الحذاء هذا الحديث عن عبد الله بن الحارث نحو حديث عاصم وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول بعد التسليم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وروي عنه أنه كان يقول: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين". حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ثنا عبد الله بن المبارك أنا الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار حدثني أبو أسماء الرحبي قال: حدثني ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: "أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح وأبو عمار اسمه شداد بن عبد الله. * الكلام عليه: حديث عائشة وحديث ثوبان رواهما مسلم. وحديث ابن عمر: أن رجلًا رأى فيما يرى النائم قيل له: أي شيء أمركم

نبيكم - عليه السلام -، قال: أمرنا أن نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فتلك مائة، قال: سبحوا خمسًا وعشرين، واحمدوا خمسًا وعشرين، وكبروا خمسًا وعشرين، وهللوا خمسًا وعشرين، فتلك مائة، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "افعلوا كما قال الأنصاري". رواه النسائي. وحديث ابن عباس روى البخاري (¬1) ومسلم من حديث أبي معبد مولاه عنه أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا ذلك إذا سمعته، وفي رواية: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير. روينا من طريق النسائي أنا علي بن حجر قال: أنا خصيف عن عكرمة ومجاهد عن ابن عباس قال: جاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ولهم أموال يتصدقون وينفقون! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صليتم فقولوا: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين والحمد لله ثلاثًا وثلاثين والله أكبر ثلاثًا وثلاثين ولا إله إلا الله عشرًا، فإنكم تدركون بذلك من سبقكم وتسبقون من بعدكم". وحديث أبي سعيد الخدري: ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة يقول في آخر صلاته عند انصرافه: "سبحان ربك رب العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين". وقد ذكر الترمذي هذا المتن ولم يذكر راويه من الصحابة فلا أدري أهو الذي أشار إليه من حديث أبي سعيد أو لا. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (841، 842) ومسلم (583).

وأما أبو هريرة فقد رويت عنه في ذلك روايات فمنها ما روينا من طريق البخاري: ثنا محمد بن أبي بكر ثنا معتمر عن عبيد الله عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال: ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"، فاختلفنا بيننا فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فرجعت إليه فقال: تقول سبحان والحمد لله والله أكبر حتى تكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين. وأخرجه مسلم وفيه: ويعتقون ولا نعتق، وفيه تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة. قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا وفعلوا مثله فقال رسول الله: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". ومن طريقه أيضًا عن أبي هريرة قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال: "كيف ذاك"؟ قال: صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال. قال: "أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وحمد الله ثلاثًا وثلاثين وكبر الله ثلاثًا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم

قال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". رواه مسلم. وحديث المغيرة بن شعبة روينا من طريق البخاري قال: ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وفي الباب مما لم يذكر: عن زيد بن ثابت؛ روينا من طريق النسائي أنا موسى بن حزام الترمذي قال: ثنا يحيى بن آدم عن أبي إدريس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال: أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ويحمدوا ثلاثًا وثلاثين ويكبروا أربعًا وثلاثين فأري رجل من الأنصار في منامه قيل: أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وتحمدوا ثلاثًا وثلاثين وتكبروا أربعًا وثلاثين؟ قال: نعم قال: فاجعلوها خمسًا وعشرين واجعلوا فيها التهليل فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له قال: اجعلوها كذلك رواه الإمام أحمد وذكره الحاكم في المستدرك ثنا أحمد بن سلمان النجاد ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر عن هشام فذكره وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وحديث سعد بن أبي وقاص رويناه من طريق البخاري من حديث عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ بهن دبر الصلاة "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى

أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه عن آدم ثنا شعبة قال: وثنا ابن مثنى ثنا غندر ثنا شعبة وثنا فروة بن أبي المغراء قال: ثنا عبيدة وأحمد كلهم عن عبد الملك. حديث ابن الزبير روينا من طريق مسلم ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ثنا هشام عن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول: في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. قال ابن الزبير: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة. وحديث كعب بن عجرة روينا من طريق مسلم ئنا الحسن بن عيسى قال: ثنا ابن المبارك قال: ثنا مالك بن مغول قال: سمعت الحكم بن عتيبة يحدث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة في دبر كل صلاة". وحديث علي بن أبي طالب روينا من طريق أبي داود ثنا ابن معاذ ثنا أبي قال ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِ بن أبي طالب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من الصلاة قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". وحديث زيد بن أرقم روينا من طريق أبي داود ثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي وهذا حديث مسدد قالا ثنا المعتمر قال سمعت داود الطفاوي قال: حدثني

أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم قال: سمعت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وقال سليمان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول دبر صلاته: "اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب الله أكبر الأكبر اللهم نور السماوات والأرض -قال سليمان بن داود: رب السماوات والأرض- الله أكبر الأكبر حسبي الله ونعم الوكيل الله أكبر الأكبر". وحديث معاذ بن جبل روينا من طريق أبي داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة بن شريح قال: حدثني عقبة بن مسلم يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك" فقال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن. وحديث أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ومن قال دبر صلاة الفجر" يأتي عند الترمذي إن شاء الله تعالى. وحديث أم سلمة روينا من طريق ابن ماجه ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شبابة ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن مولى لأم سلمة عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملًا متقبلًا". وروينا من طريق الإمام أحمد عنها أن فاطمة جاءت إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -

تشتكي إليه الخدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجلت يداي من الرحى أطحن مرة وأعجن مرة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يرزقك الله شيئًا يأتك وسأدلك على خير من ذلك إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثًا وثلاثين وكبري ثلاثًا وثلاثين واحمدي الله أربعًا وثلاثين فذلك مائة فهو خير لك من الخادم، وإذا صليت صلاة الصبح فقولي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات بعد صلاة الصبح وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تكتب عشر حسنات وتحط عشر سيئات وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل ولا يجد لذنبٍ كُسِبَ ذلك اليوم أن يكتبه إلا أن يكون الشرك وهو حرسك ما بين تقوليه إلى أن تقوليه عشية من كل شيطان ومن كل سوء". رواه الإمام أحمد في مسنده. وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما رجل مسلم إلا دخل الجنة"، فذكر التسبيح في دبر كل صلاة عشرًا عشرًا، سيأتي إن شاء الله عند الترمذي وصححه وقد أخرجه الحاكم في مستدركه. وحديث عقبة بن عامر روينا من طريق أبي داود والنسائي واللفظ للأول قالا ثنا محمد بن سلمة المرادي قال: ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد أن جبير بن أبي حكيم حدثه عن علي بن رباح اللخمي عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وحديث أبي بكرة روينا من طريق النسائي قال: أنا عمرو بن علي قال: أنا يحيى عن عثمان الشحام عن مسلم بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر

الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر" فكنت أقولهن. قال أبي: بني عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقولهن في دبر الصلاة. قال الحاكم: هذا صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بإسناده سواء في حديث: "تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم" ولم يخرجاه. وحديث صهيب روينا من طريق النسائي أنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو قال أنا ابن وهب قال أخبرني حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه: أن كعبًا حلف له بالذي فلق البحر لموسى إنا نجد في التوراة أن داود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من صلاته قال: "اللهم أصلح ديني الذي جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي اللهم أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ يعني بعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وحدثني كعب أن صهيبًا حدثه أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يقولهن عند انصرافه من صلاته. وحديث جويرية بنت الحارث روينا من طريق النسائي أنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد قال: ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال: سمعت كريبًا عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليها وهي في الممسجد تدعو ثمّ مرَّ بها قريبًا من نصف النهار فقال لها: "ما زلت على حالك" قالت: نعم. قال: "ألا أعلمك يعني كلمات تقوليهن سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات".

وفيه مسائل: الأولى: قوله (أنت السلام ومنك السلام) فالأولى: اسم من أسماء الله تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} والثاني: السلامة كما قال: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} ومعناه أن السلامة من المعاطب والمهالك إنما تحصل لمن سلمه الله تعالى كما قال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ}. الثانية: قوله: (تباركت) تفاعلت من البركة وهي الكثرة والنماء، ومعناه: تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك. الثالثة: قوله: (ذا الجلال) يريد ذا العظمة والسلطان وهو على حذف حرف النداء تقديره: يا ذا الجلال والإكرام يريد الإحسان وإفاضة النعم. الرابعة: قوله: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وقد تقدم الكلام فيه. الخامسة: الدثور جمع دثر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة وهو المال الكثير قال الهروي: يقال مال دثر ومالان دثر وأموال دثر وحكى أبو عمر المطرز أن الدثر بالثاء يثنى ويجمع وقال ابن السكيت: المال الدثر بكسر الدال الكثير وفي السيرة الهشامية في خبر النجاشي: دبر من ذهب بفتح الدال وكلاهما بالباء ثانية الحروف. قال ابن هشام: ويقال دبر وهو الحبل بلغة الحبشة. السادسة: المعقبات قال الهروي: قال شمر: أراد تسبيحات بأعقاب الصلوات وقوله: (له معقبات) أي ملائكة يعقب بعضهم بعضًا. السابعة: فيه استحباب الذكر بعد الصلوات وقد اتفق الأصحاب والشافعي وغيرهم على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ويستحب أن يدعو أيضًا بعد السلام.

قال القاضي أبو الطيب: ويستحب أن يبدأ من هذه الأذكار بحديث الاستغفار يعني حديث ثوبان. الثامنة: المستحب للإمام إن كان في الجماعة نساء أن يثبت مكانه ومن خلفه من الرجال قدرًا يسيرًا يذكرون الله تعالى حتى ينصرف النساء بحيث لا يدرك المسارعون في الخروج من الرجال آخرهن، ومستحب لهن أن ينصرفن عقيب سلامه فإذا انصرفن انصرف الإمام وسائر الرجال، واستدل الشافعي والأصحاب لذلك بحديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حتى ينقضي تسليمه يمكث يسيرًا كي ينصرفن قبل أن يدركهن أحد من القوم .. الحديث رواه البخاري. وإن لم يكن خلفه نساء فالمستحب أن يقوم في الوقت حتى إن كان في القوم من لم يسمع سلامه يعرف خروجه من الصلاة وإن دخل مسبوق لا يقتدي به، وفي قول عائشة: كان لا يقعد إلا مقدار إن يقول اللهم أنت السلام الحديث ما يشعر بذلك. وقد استدل به بعض الفقهاء من المالكية على كراهيته للإمام المقام في موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه خلافًا لمن أجاز ذلك وذكروا فيه أيضًا حديث أم سلمة الذي ذكرناه وقال ابن شهاب فيه: فنرى ذلك والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء ووجه الدلالة منه أنهم اعتذروا عن المقام اليسير الذي صدر منه - عليه السلام - وبينوا وجهه فدل ذلك على أن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع وأما القعود فإنما كان منه ليستوفي من الذكر ما يليق بالسلام الذي انفصل به من الصلاة ولينصرف النساء. وقد روينا من طريق أبي داود ثنا مسدد ثنا يحيى عن سفيان عن يعلى بن

عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا انصرف انحرف. وذكر عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: حدثت عن أنس قال: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة. التاسعة: في قوله - عليه السلام - في حديث أبي هريرة: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ما يشعر بتفضيل الغنى على الفقر قال أبو العباس القرطبي: وهي مسألة اختلف الناس فيها على خمسة أقوال فمن قائل بتفضيل الغنى ومن قائل بتفضيل الفقر ومن قائل بتفضيل الكفاف ومن قائل رابع برد هذا التفضيل إلى أحوال الناس فإن منهم من لا يصلحه إلا الفقر ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى ومن قائل خامس بالتوقف ولم يفضل أحدًا منهم على الآخر قال: والذي يظهر لي في هذا الحال أن الأفضل من ذلك ما اختار الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولجمهور صحابته رضوان الله عليهم وهو الفقر غير المدقع، ويكفيك من هذا أن فقراء يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مائة عام وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسئلون عن فضول أموالهم. كذا قال أبو العباس واستدلاله بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك هو عين ما استدل به من قال: بتفضيل الغنى وقد كان شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري رحمه الله يذهب إلى تفضيل الغنى ويحكيه عن شيخه الإمام أبي محمد بن عبد السلام السلمي آخذًا في ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل راقيًا في المقامات العلية إلى أن قبضه الله تعالى وأن الغنى كان آخر حاليه وكذا معظم أصحابه الذين فتحت عليهم الفتوح، وذاكرت بهذا الشيخ أبا عبد الله القروي فقال: إنما يقع الترجيح بين الغنى والفقر الاضطراري لا الفقر الاختياري فإن الفقر الاختياري غنى، وإن الغني الأعلى

عن الشيء لا به، والنبي - صلى الله عليه وسلم - خير بين أن يكون نبيًّا عبدًا ونبيًّا ملكًا ليلة المعراج قال: "فأشار إلي جبريل أن تواضع فقلت: بل نبيًّا عبدًا"، ثم قال بعد ذلك لعمر: "عرضت عليّ كنوز الأرض في عرض هذا الحائط". وهذه مسألة أكثر الناس فيها ومن قال بتفضيل الفقر يحتاج إلى تأويل ما في هذا الخبر من قوله - عليه السلام -: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وذكر القرطبي في ذلك تأويلًا لا أراه مجديًا قال: الإشارة في قوله ذلك راجعة إلى الثواب المترتب على الأعمال الذي به يحصل التفضيل عند الله فكأنه قال: ذلك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه الإنسان بحسب الأذكار ولا بحسب إعطاء الأموال وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله أعلم. العاشرة: اختلف السلف أيما أفضل رفع الصوت بالدعاء عقيب الصلوات أو إخفاؤه والأول محكي عن أبي محمد بن حزم أخذًا بحديث ابن عباس قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير وفي رواية: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونقل ابن بطال وآخرون أن الجمهور على استحباب الإسرار وعدم الجهر به. قال الشافعي: أختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد السلام من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إمامًا يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يُرى أنه قد تعلم منه ثم يُسر فإن الله تعالى يقول: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} يعني والله أعلم الدعاء ولا تجهر تسمع ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك. وقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نزلت في الدعاء. وعن ابن عباس أن الصلاة هنا هي الصلاة الشرعية وقيل: نزلت في أبي بكر وعمر كان أبو بكر يُسر بالقراءة يقول: أناجي ربي، وعمر يجهر بها يقول: أطرد

الشيطان وأرضي الرحمن وأوقظ الوسنان فنزلت الآية فقال - عليه السلام - لأبي بكر: "ارفع شيئًا" وقال لعمر: "اخفض شيئًا". الحادية عشرة: استغفاره - عليه السلام - مع أنه مغفور له واستعاذته بها استعاذ منه وإن كان قد أمن قبل الاستعاذة مما استعاذ منه وأعطي قبل السؤال قال العلماء: وهو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر وحق العبودية كما قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا، وليبين للمأمومين سنته فعلًا كما بينها قولًا في الدعاء والضراعة ليقتدى به - عليه السلام - في ذلك. وقال الطبري في قول ابن عباس: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير، فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر من وراءه قال غيره: ولم أجد من الفقهاء من قال بهذا إلا ما ذكره ابن حبيب في "الواضحة" كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاث مرات وهو قديم من شأن الناس، وعن مالك هو محدث، قيل وذكر ابن عباس له يدل على ترك ذلك في وقته وإلا فليس كان يكون لقوله معنى. الثانية عشرة: قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم المنفرد وهو مستحب عقيب الصلوات كلها بلا خلاف، وأما من خص ذلك بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له وإن كان قد أشار إليه صاحب "الحاوي" فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا وإن كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فنختار أن يتنفل في منزله. قال الشيخ محيي الدين: وهذا الذي أشار إليه من التخصيص لا أصل له بل الصواب استحبابه في كل الصلوات ويستحب أن يقبل على الناس ويدعو. وأما المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر فقد ذكر الإمام أبو محمد

ابن عبد السلام رحمه الله أنها من البدع المباحة ولا توصف بكراهة ولا استحباب. قال النووي: وهذا حسن والمختار أن يقال: إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباح كما ذكر وإن صافح من لم يكن معه قبلها فمستحب لأن المصافحة عند اللقاء سنة. الثالثة عشرة: قد ذكرنا أن المستحب للإمام أن يقوم عقيب الصلاة من مصلاه. قال الأصحاب: فإن كانت الصلاة مما يتنفل بعدها فالسنة أن يرجع إلى بيته لفعل النافلة لأن فعلها في البيت أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفصل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه البخاري ومسلم من حديث زيد بن ثابت ورويا أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا". وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قضى أحدكم صلاته في مسجد فليجعل لبيته من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا". قال أصحابنا: فإن لم يرجع إلى بيته وأراد التنفل في المسجد يستحب أن ينتقل عن موضعه قليلًا لتكثر مواضع سجوده فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فينبغي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام وذكروا في ذلك قول معاوية للسائب ابن أخت نمر: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم. وروينا من طريق أبي داود ثنا مسدد قال: ثنا حماد وعبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"أيعجز أحدكم" قال غير عبد الوارث: "أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله" زاد في حديث حماد في "الصلاة" يعني في السبحة. الحجاج بن عبيد قال أبو حاتم: مجهول. وروينا من طريق أبي داود ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي ثنا عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلي الإمام في الوضع الذي صلى فيه حتى يتحول" ورواه ابن ماجه، قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة. قال أصحابنا: وإن صلى النافلة في المسجد جاز وإن كان أتى بخلاف الأفضل لما ثبت عن ابن عمر قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فأما المغرب والعشاء ففي بيته. رواه البخاري ومسلم. وما وقع من ذلك في المسجد فلبيان الجواز وقال البخاري: وقال لنا آدم: ثنا شعبة عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة وفعله القاسم، ويذكر عن أبي هريرة رفعه: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح. الرابعة عشرة: قد ذكرنا في المسألة قبلها أن المستحب للإمام أن يقوم عقيب الصلاة من مصلاه وقد روينا من طريق أبي داود ثنا ابن نفيل وأحمد بن يونس قالا: ثنا زهير قال: ثنا سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم كثيرًا فكان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام - صلى الله عليه وسلم -. وسيأتي الكلام عليه عند حديث الترمذي عن قتيبة عن أبي الأحوص عن سماك بمعناه إن شاء الله تعالى.

109 - باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

109 - باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله حدثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمّنا فينصرف على جانبيه جميعًا على يمينه وعلى شماله. وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وعبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى: حديث هلب حديث حسن (¬1) وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أي جانبيه شاء، [إن شاء] عن يمينه وإن شاء عن يساره، وقد صح الأمران عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويروى عن علي أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره. * الكلام عليه: في إسناده قبيصة بن هلب وقد وثقه العجلي وابن حبان ورماه بعضهم بالجهالة ومن عرف حجة على من لم يعرف. والحديث أخرجه أبو داود عن أبي الوليد عن شعبة عن سماك به. وأخرجه ابن ماجه عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي الأحوص، وقد صحح أبو عمر هذا الحديث في "الاستيعاب" عندما ذكر وضع اليمين على الشمال وهو حديث واحد كذلك ذكره عبد الباقي بن قانع في "معجمه" من طرق متعددة. وحديث عبد الله بن مسعود رويناه من طريق البخاري ثنا أبو الوليد ثنا شعبة ¬

_ (¬1) زاد في نسخة السندي: صحيح.

عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي الأسود قال: قال عبد الله: لا يجعل أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته يرى أن حقًّا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ينصرف عن يساره. وأخرجه مسلم. وحديث أنس رويناه من طريق مسلم ثنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو عوانة عن السدي قال: سألت أنسًا: كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه. وحديث عبد الله بن عمرو روينا من طريق ابن ماجه ثنا بشر بن هلال الصواف ثنا يزيد بن زريع عن حسين المعلّم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة. قال الشافعي في "الأم" والأصحاب: وإذا انصرف المصلي إمامًا كان أو مأمومًا أو منفردًا فله أن ينصرف عن يمينه وعن يساره وتلقاء وجهه ووراءه لا كراهة في شيء من ذلك لكن يُستحب إن كانت له حاجة في جهة من هذه الجهات أن يتوجه إليها وإن لم تكن له حاجة فجهة اليمين أولى. واستدل الشافعي في "الأم" والأصحاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كلّه، وألفاظ الأحاديث في الانصراف من الصلاة كما سبق فيها ما يقتضي استحباب الانصراف عن اليسار وهو حديث ابن مسعود وفيها ما يقتضي الانصراف عن اليمين وهو حديث أنس وحديث هلب وابن عمرو لا ترجيح في شيء منهما لأحد الجانبين على الآخر فاقتضى ذلك جواز الجميع وإنما أنكر ابن مسعود على من يعتقد وجوب ذلك.

110 - باب ما جاء في وصف الصلاة

110 - باب ما جاء في وصف الصلاة ثنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي أن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن جدّه رفاعة بن رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد يومًا قال رفاعة: ونحن معه يومًا إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي: "وعليك فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ" فرجع فصلى ثم جاءه فسلم عليه فقال: "وعليك، ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ"، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلم على النبي ويقول النبي: "وعليك فارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ" فعاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصلِّ فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال: "أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعًا ثم اعتدل قائمًا ثم اسجد فاعتدل ساجدًا ثم اجلس فاطمئن جالسًا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئًا انتقصت من صلاتك". قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها. قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعمار بن ياسر. قال أبو عيسى: حديث رفاعة حسن وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه. ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن عمر أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فردّ - عليه السلام - فقال: "ارجع فصلِّ

فإنك لم تصلِّ" فرجع الرجل فصلى كما صلى ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فرد - عليه السلام - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ" حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا وافعل ذلك في صلاتك كلّها". قال أبو عيسى: هذا حسن صحيح. وقد روى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يذكر فيه: عن أبيه، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله أصح، وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة. وأبو سعيد القبري اسمه كيسان وسعيد القبري يُكنى أبا سعد. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهم أبو قتادة بن ربعي يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة ولا أكثرنا له إتيانًا قال: بلى، قالوا: فاعرض فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا أراد أن يرفع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال: الله أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع ووضع يديه على ركبتيه ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلًا ثم أهوى إلى الأرض ساجدًا فقال: الله أكبر ثم جافى عضديه عن إبطيه وفتخ أصبع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى

وقعد عليها ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه (¬1) [ثم نهض] ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حيث افتتح الصلاة ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخّر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركًا ثم سلّم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال: ومعنى قوله: ورفع يديه إذا قام من السجدتين يعني: قام من الركعتين. حدثنا محمد بن بشار والحسن بن علي الخلال وسلمة بن شبيب وغير واحد قالوا: ثنا أبو عاصم ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو قتادة بن ربعي فذكر نحو حديث يحيى بن سعيد بمعناه وزاد فيه أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر هذا الحرف قالوا: صدقت هكذا صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم -. * الكلام عليه: حديث رفاعة بن رافع أخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلّاد عن عمه به. وعن الحسن بن علي الحلواني عن هشام بن عبد الملك وحجاج بن المنهال عن همام عن إسحاق علي بن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع بهذه القصة. وعن مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن عليّة عن محمد بن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بهذه القصة. وعن عباد بن موسى عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن ¬

_ (¬1) هنا زيادة: معتدلًا، ثم هوى ساجدًا، ثم قال: "الله أكبر" ثم ثنى رجله وقعد، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه.

خلاد بن رافع عن أبيه عن جدّه عن رفاعة بعض هذا الحديث ورواه النسائي وابن ماجه أيضًا. وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وحديث أبي حميد أخرجه البخاري وأبو داود من غير وجه وفيه عند الترمذي وأبي داود رواية محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي قتادة. والصحيح أنه لم يدرك أبا قتادة والصحيحُ أن أبا قتادة مات مع علي في حروبه، وممن رد الخبر بذلك: أبو جعفر الطحاوي، قال: ويزيد ذلك بيانًا أن عطاف بن خالد رواه عن محمد بن عمرو قال: حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جلوسًا فذكرهُ. عطاف وثقه أحمد ويحيى. وأما عمار بن ياسر فروينا عنه من طريق النسائي قال ثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال ثنا حماد ثنا عطاء بن الساثب عن أبيه قال: صلّى بنا عمار بن ياسر صلاةً فأوجز فيها فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة قال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعواتٍ سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث. ثم قال: أنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد، قال: ثنا عمي قال: ثنا شريك عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: صلى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخفها فكأنهم أنكروها فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى قال: أما أني دعوت فيها بدعاءٍ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو به ... فذكرهُ. لا أدري هل هذا حديث عمار الذي أشار إليه أو غيرة. الوجه الثاني في شيءٍ من مفرداته: قوله: (فعاف الناس) أي كرهوا، قال الجوهري: عاف الرجل الطعام والشراب

أي: كرهه فلم يشربه فهو عائف وقال (¬1): إني وقتلي سُليكًا ثم أعقله ... كالثور يُضرب لما عافت البقر وذلك أن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرت لأنها ذات لبن وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب. (ما) وهي من ألفاظ العموم في قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ونحوه قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وهي كذلك تصلح لأن يحتج بها من لا يشترط الفاتحة وسيأتي الكلام على ذلك. وذكر أبو القاسم الراغب أنها تأتي على عشرة أضرب تكون في خمسة منها اسمًا، وفي خمسة حرفًا وليس هذا موضع الكلام في ذلك. الثانية: الطمأنينة السكون قال الجوهري: اطمأن الرجل اطمئنانًا وطمأنينة أي: سكن وهو مطمئن إلى كذا وذلك مطمأن واطبأن [بالباء] مثله على الإبدال وتصغير مطمئن طميئن بحذف الميم من أوله وإحدى النونين من آخره وتصغير طمأنينة طميئنة بحذف إحدى النونين لأنها زائدة وطمأن ظهره وطأمن بمعنى، على القلب، وطأمنت به سكنت. الثالثة: التصويب في قوله: (لم يصوب رأسه) الصوب نزول المطر كذا قال الجوهري: فأطلق وقيده الراغب فقال: وجعل الصوب لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينفع قال: وإلى هذا القدر من المطر أشار بقوله تعالى: {نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} وقال الشاعر (¬2): فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي ¬

_ (¬1) عزاه ابن منظور لأنس بن مدرك الخثعمي. (ث ور)، (وج ع)، (ع ي ف). (¬2) عزي لطرفة بن العبد في "ديوانه". وهو موجود عند المرقش الأصغر.

قال أبو الفتح: في هذا التقييد (¬1) نظر ولا دليل من الآية عليه لأنه لا ذكر فيها لصوب ولا صيب، وأما البيت فلو كان الصوب لا يطلق على المطر إلا إذا كان بقدر ما ينفع لاستغنى الشاعر بذلك عن قوله: غير مفسدها، وإنما مادته من النزول والصيب فيعل وهو السحاب ذو الصوب وصاب أي نزل قال الشاعر: فلست لأنسى ولكني لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب وصوب رأسه أي: خفضه قاله الجوهري. الرابعة: قوله: (ولم يقنع) قال الجوهري: قال أبو يوسف: أقنع رأسه إذا رفعه قال ومنه قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} وكذلك قول رؤبة: أشرف روقاه صليفًا مقنعًا يعني عنق الثور، وأقنع يديه في الصلاة إذا رفعهما في القنوت مستقبلًا ببطونهما وجهه ليدعو، وأقنعني هذا الأمر أرضاني، قال الراغب: القناعة الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانًا إذا رضي وقنع يقنع قنوعًا إذا سأل، قال تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وقال بعضهم: القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال ويرضى بما يأتيه عفوًا، قال الشاعر: وهو الشماخ بن ضرار العقيلي: لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع قال الجوهري: القُنوع يعني مسألة الناس ثم قال: وقال بعض أهل العلم: إن القُنُوع قد يكون بمعنى الرضى والقانع بمعنى الراضي وهو من الأضداد وأنشد: وقالوا قد زُهيتَ فقلت كلا ... ولكني أعزني القنوع ¬

_ (¬1) راجع للمقارنة "فيض القدير" (5/ 134)، و"شرح الزرقاني على الموطأ" (2/ 428).

وقال لبيد: فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ... ومنهم شقي بالمعيشة قانع وفي المثل: خير الغنى القُنوع وشر الفقر الخضوع قال: ويجوز أن يكون السائل سمي قانعًا لأنه يرضى بما يُعطى قل أو أكثر ويقبله ولا يرده فيكون معنى الكلمتين راجعًا إلى الرضى، وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس، فقنع لبس القناع ساترًا لفقره كقولهم: خفي إذا لبس الخفاء وقنع إذا رفع قناعه كاشفًا رأسه للسؤال نحو خفا إذا رفع الخِفاء. الخامسة: الهصر وهو هنا العطف والإمالة قال الجوهري: وهصرت الغصن إذا أخذت برأسه فأملته إليك قال امرؤ القيس: هصرت بغصن ذي شماريخ ميال الوجه الثالث في الفوائد والمباحث: وفيه مسائل: قال القاضي أبو بكر بن العربي: فيه أربعون مسألة: جلوس القاضي في المسجد. وجلوس أصحابه معه وإن لم تكن لهم حاجة. نقصان السلام حين قال: عليك ولم يقل: عليك السلام. دنوه ومده له ليكون أثبت إذا بيَّن أو لعله لأن يفطن من قبل نفسه لما انتقص مما روي من فعل غيره. نفي الصلاة عمن لم يكملها. الإذن في الدنو من العالم، سؤال التعلم.

العمل بالتسليم للعالم والانقياد له. التصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ. الاعتراف بالتقصير. الإحالة بالوضوء على القرآن دون ما زادته السنة وفي هذا دليل على أنّه أراد أن يبين له المفروض من الوضوء والصلاة خاصة وقيل: كما أمرك الله في دينه من كتاب وسنة. وجوب الإقامة وبه أقول، وقد روى المدنيون ذلك عن مالك وجهل علماؤنا الوجوب فيها فقالوا: إن من السنن ما تعاد منه الصلاة وذلك جهل. وجوب الذكر لمن لا يحفظ القرآن وبه قال بعض علمائنا. وجوب الطمأنينة في الأركان والرفع عند انفصال الركوع من السجود والسجود من السجود. فيه فهم الصحابة أن النقصان من العبادة لا يوهنها وقد بينا أنه إن كان نقصان فرض أذهبها كان كان نقصان فضل بقيت دونه والحديث لم يصح. في قوله: (والذي بعثك بالحق) دليل على القسم بالله وصفاته وأفعاله إذا أخبر بها دون مجرد الأفعال ومن الحق أن يكون فعلًا ممدحًا. جواز دعوى الاختصاص بالعلم في مسألة واحدة دون الناس يقول أبي حميد: أنا أعلمكم. اختياره في قوله: رفع اليدين بمحاذاة المنكبين. التكبير في الرفع.

تمكين اليدين من الركبتين. تفريج الأصابع فإنه أمكن للتمسك. عطف الظهر عند الركوع معتدلًا حتى لو وضع كوز ماء على ظهر المصلي لم يمل. وتعديل الرأس معه ولا يدبح تدبيح الحمار. التكبير عند كل انتقال. الاعتدال في كل فعل. وضع الركبتين قبل اليدين في السجود وقد تقدم القول فيه وهذا صحيح من الحديث. رفع الساعدين والمقعدتين من الأرض في السجود. فتح أصابع الرجلين وكذلك يكون إذا مكنت من غير تكلف لذلك. استقبال القبلة بباطنها وليهما لمن قدر ومن لم لم تكن منه لينة ردها مديدة. تفريج الفخذين حتى لا يستقر عليهما البطن فإنه في الركوع ربما سقط، وفي السجود يكون معتمدًا على الفخذين خاصة ويسقط الاعتماد على سائر الأراب فتبطل الصلاة في السجود وتصح في الركوع. السجود على الجبهة والأنف. وضع الوجه بين الكفين. الجلوس على الرجل اليسرى في السجود والجلسة الوسطى ولا يكون جفاء بالرجل ولكنه جلوس استيفاز فلم يتمكن فيه ولم ير ذلك مالك وإني لأراه مندوبًا مستحبًا وأنا أفعله في كل صلاة اقتداء بسيد البشر لصحة الخبر.

نهوضه على الركبتين. تكبيره عند القيام من الجلسة الوسطى بعد الاستواء، رفع اليدين حينئذ. قوله: (حتى إذا كانت الرابعة) رواه الترمذي والبخاري (أخر رجله اليسرى) ورواه أبو داود (قدم رجله اليسرى) وكلاهما معنى صحيح (أخر رجله اليسرى) عن هشام، (وقدمها إلى اليمنى فجمعهما وجلس على وركه) فصح اللفظان فيهما. قوله: (ثم سلم) لم يذكر التحريم لأنه لم يذكر الأقوال إلا السلام وإنما اعتمد الأفعال. فهذه أربعون مسألة، وهذه الفوائد التي ذكرها القاضي أبو بكر ليست كلها مستفادة من لفظ الحديث عند الترمذي بل من لفظه ولفظ البخاري وألفاظ وقعت عند أبي داود من غير طريق ولا يخلو بعضها من ضعف ولكنه ساق الخبر مساقًا طويلًا ولم يعزه إلى مكان فينظر فيه، وسنذكر في ذلك لفظ البخاري وأبي داود ليستفاد من ذلك ما عندهما من الزيادات، فأما لفظ البخاري فرويناه من طريقه: نا يحيى بن بكير نا الليث عن خالد بن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الأخيرة جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته. وأما أبو داود فروينا من طريقه ثنا أحمد بن حنبل ثنا أبو عاصم الضحاك بن

مخلد ح وثنا مسدد ثنا يحيى وهذا حديث أحمد قال: أنا عبد الحميد يعني ابن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو قتادة قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: فلم، فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة قال: بلى قالوا: فاعرض قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا يصب رأسه ولا يقنع ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا ثم يقول الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يقول: الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركًا على شقه الأيسر قالوا: صدقت هكذا كان يصلي - صلى الله عليه وسلم -. حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري قال: كنت في مجلس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذكروا صلاته - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد فذكر بعض هذا الحديث وقال: فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده وقال: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى. ونصب اليمنى فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة.

حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء نحو هذا قال: فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابعه القبلة. حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ثنا أبو بدر حدثني زهير أبو خيثمة ثنا الحسن بن الحر حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي المجلس أبو هريرة وأبو حميد الساعدي وأبو أسيد بهذا الخبر يزيد أو ينقص قال: فيه ثم رفع رأسه يعني: من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه ثم قال الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد ثم كبر فقام ولم يتورك ثم ساق الحديث قال: ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة ثم ركع الركعتين الأخريين ولم يذكر التورك في التشهد. حدثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الملك بن عمرو أنا فليح حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله عن فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر بعض هذا قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليها ووتر يديه فتجافى عن جنبيه قال: ثم سجد فأمكن جبهته وأنفه ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه حتى فرغ ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه.

وفي رواية عند أبي داود: وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه. هذه روايات ذكرناها لحديث أبي حميد تتضمن زيادة على ما عند الترمذي وهي المتضمنة من زيادات الأحكام ما ذكره ابن العربي ومع ذلك فوضع الساجد جبينه في سجوده بين كفيه لم أجده فيما ألفيته من الزيادات وقد تضمن الحديث بهذا الاعتبار أحكامًا أخرى هي عشرون حكمًا وهي: الأذان في قوله (تشهد ثم أقم) فالظاهر أن المراد بقوله: تشهد هنا الأذان. الثاني: إعادة السلام المرة بعد المرة والقوم في مجلس واحد. الثالث: قيام المنفرد بالأذان. الرابع: فعل ذلك في مسجد أذن فيه وأقيم. الخامس: استفتاح الصلاة بالتكبير. السادس: وجوب القراءة في الصلاة على من يعرف شيئًا من القرآن. السابع: تعين ما يأتي به من لا يحسن من البدل المذكور في الحديث وقد اختلفت فيه الآثار. الثامن: تقديم تحية المسجد على تحية مَنْ به لأن سلامه على النبي عليه السلام كان بعد فراغه من صلاته والفرض في تحية المسجد قائم مقام الفعل لأن أمره - عليه السلام - المصلي بالإقامة قد تدل على فرضية صلاته. التاسع: القول بأن الفاتحة ليست شرطًا لأن لفظة (ما) من ألفاظ العموم وقد أمره - عليه السلام - أن يقرأ ما تيسر من القرآن وهو في مقام التعليم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. العاشرة: إعادة القراءة في كل ركعة وهو مما اختلف الناس فيه.

الحادي عشر: الركوع. الثاني عشر: القيام منه. الثالث عشر: قول سمع الله لمن حمده. الرابع عشر: الجمع بين قوله سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. الخامس عشر: أن الطمأنينة في الرفع من الركوع قد لا تكون فرضًا وهو بحث ذكره إمام الحرمين قال: لأنه - عليه السلام - أمره في الأركان بالطمأنينة وقال في هذا (حتى تعتدل قائمًا) والاعتدال دون الطمأنينة وقد سبق الكلام فيه. السادس عشر: السجود. السابع عشر: الرفع منه للجلوس بين السجدتين فقد محمد القاضي أبو بكر الطمأنينة في الأركان من فوائد الحديث وأغفل عدد الأركان والأمر بها فيه وارد قبل الأمر بالطمأنينة فيها. الثامن عشر: السجود على الركبتين وصدور القدمين. التاسع عشر: تمكين الجبهة والأنف في السجود وقد يستفاد من تمكين الجبهة الرد على من أجاز السجود على كور العمامة. الموفى عشرين: الجلوس للتشهد الأول. الحادي والعشرون: الجلوس للتشهد الآخر. الثاني والعشرون: التفرقة بين هيئة الجلستين بالافتراش في الأول والتورك في الثانية. الثالث والعشرون: الإشارة بالمسبحة في التشهد وقد تقدمت هذه المسائل مبسوطة فلا حاجة إلى إعادتها هاهنا.

111 - باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح

111 - باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح ثنا هناد ثنا وكيع عن مسعر وسفيان عن زياد بن علاقة عن عمه قطبة بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر {والنخل باسقات} في الركعة الأولى. وفي الباب عن عمرو بن حريث وجابر بن سمرة وعبد الله بن السائب وأبي برزة وأم سلمة. قال أبو عيسى: حديث قطبة بن مالك حديث حسن، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في الصبح بالواقعة وروي أنه كان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مائة، وروي عنه أنه قرأ {إذا الشمس كورت} وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل. وعلى هذا العمل عند أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي. * الكلام عليه: حديث قطبة أخرجه مسلم في صحيحه ولفظه: يقرأ في الفجر {والنخل باسقات لها طلع نضيد} وربما قال (ق)، وفي بعض النسخ لجامع الترمذي تصحيحه. وحديث عمرو بن حريث روينا من طريق مسلم قال: حدثني زهير بن حرب قال: ثنا يحيى بن سعيد ح وثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع ح وحدثني أبو كريب واللفظ له قال: أنا ابن بشر عن مسعر قال: حدثني الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر {والليل إذا عسعس}.

وعمرو هو الذي روى {إذا الشمس كورت} روينا من طريق النسائي أنا محمد بن أبان البلخي ثنا وكيع بن الجراح عن مسعر والمسعودي عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر {إذا الشمس كورت} وقول الترمذي: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في الفجر {إذا الشمس كورت} بعد أن قال: وفي الباب عن عمرو بن حريث يوهم أن الثاني غير الأول وليس كذلك. وحديث جابر بن سمرة روينا من طريق مسلم قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا حسين بن علي عن زائدة قال: ثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وكانت صلاته بعد تخفيفًا. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن رافع واللفظ لابن رافع قالا: ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن سماك قال: سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء، قال: أنبأني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد. وحديث عبد الله بن السائب روينا من طريق مسلم حدثني هارون بن عبد الله قال: ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج ح وحدثني محمد بن رافع وتقاربا في اللفظ قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنا ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي عن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى عليهم السلام، محمد بن عباد يشك أو اختلفوا عليه أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة فركع. وعبد الله بن السائب حاضر ذلك وفي حديث عبد الرزاق فحذف فركع وفي حديثه وعبد الله بن عمرو ولم يقل ابن العاص قال ابن الصلاح: قوله ابن العاص غلط إنما هو عبد الله

ابن عمرو حجازي ليس بالمعروف. وحديث أبي برزة روينا من طريق البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فسألناه عن وقت الصلاة فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر حين تزول الشمس، الحديث، وفيه: ويصلي الصبح فيتصرف الرجل فيعرف جليسه وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة. رواه مسلم. وحديث أم سلمة قال البخاري: باب القراءة في الفجر وقالت أم سلمة: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطور ......... (¬1). وفي الباب مما لم يذكر: روينا من طريق النسائي أنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم فالتبس عليه فلما صلى قال: "ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور فإنما يلبس علينا القرآن أولئك". وروينا من طريقه أيضًا أنا عمران بن يزيد ثنا ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بها في الصبح. ومن طريقه ما رويناه عنه أنا موسى بن حزام الترمذي وهارون بن عبد الله واللفظ له قالا ثنا أبو أسامة أخبرني سفيان عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عقبة بن عامر: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المعوذتين؟ قال عقبة: فأمنا بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر. وروينا من طريق أبي داود ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ¬

_ (¬1) بياض في الأصول مقدار سطرين.

أبي هلال عن معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلًا من جهينة أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم قرأ ذلك عمدًا. وذكر عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق عن أبي بردة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}. وذكر عبد الرزاق من حديث جابر بن سمرة قال: أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم كان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور. هذا الذي أشار إليه الترمذي بقوله: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في الصبح بالواقعة ولم يذكر صحابيه الذي رواه. وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا معتمر عن الزبير بن حريث عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: صليت خلفه صلاة الغداة فقرأ بيونس وهود. وقد رويت في ذلك آثار منها ما رويناه من طويق يحيى بن يحيى عن مالك في "موطئه" عن هشام بن عروة عن أبيه: أن أبا بكر الصديق صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما. وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة فقلت: والله إذن لقد كان يقوم حين يطلع الفجر؟ قال: أجل. وعن يحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أن الفرافصة بن! عمير الحنفي قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها.

وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل في كل ركعة بأم القرآن وسورة. ومنها ما ذكره عبد الرزاق بن همام في "مصنفه" قال: أنا معمر عن الزهريّ عن أنس بن مالك قال: صليت خلف أبي بكر الفجر فاستفتح البقرة فقرأها في ركعتين فقام عمر حين فرغ فقال: يغفر الله لك لقد كادت الشمس أن تطلع قبل أن تسلم قال: إن طلعت لألفيتنا غير غافلين. قال: أنا معمر عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف أبي بكر الفجر فاستفتح بسورة آل عمران فقام إليه عمر فقال: يغفر الله لك لقد كادت الشمس تطلع قبل أن تسلم قال: لو طلعت لألفيتنا غير غافلين. قال: أنا الثوري عن هشام بن عروة عن عروة: أن أبا بكر قرأ البقرة في ركعتين في الفجر. قال: أنا معمر عن أيوب عن حفصة ابنة سيرين أن عمر قرأ في الفجر بسورة يوسف فردد فعاد إلى أولها ثم قرأ فمضى في قراءته. قال: أنا معمر عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد: أن عمر قرأ في صلاة الفجر بالكهف ويوسف أو يوسف وهود قالت: فتردد في يوسف فلما تردد رجع إلى أول السورة فقرأها ثم مضى فيها كلها. قال: أنا الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أمنا علي في الفجر فقرأ بالأنبياء فترك آية ثم قرأ أين جاء ثم عاد إلى الآية فقرأ بها ثم عاد إلى مكانه قال: فما رأيت أحدًا كان أقرأ من علي قال: فما أعلم أحد أنه تردد أو رجع إلا رجل واحد كان يقرؤها. قرئ على الإمام الحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي أخبركم

ابن خليل بقراءتكم عليه قلت له: أخبركم الشيخان أبو المحاسن محمد بن الحسن بن الحسين بن الأصفهيذ وأبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر بن أبي الفتح الصيدلاني قال: الأول أنا أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي قال: أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، وقال الصيدلاني: أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي قراءة عليه وأنا حاضر أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الأعرج قالا: أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن القباب أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن النعمان ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب قال: قرأ عمر في صلاة الفجر بني إسرائيل وسورة الكهف. وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن خصيف بن مالك عن عبد الله أنه صلى الفجر فقرأ في إحدى الركعتين طسم المئتين. وبه إلى أبي نعيم ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي عمرو الشيباني قال: صلى عبد الله الفجر فقرأ بسورتين من المئتين إحداهما بني إسرائيل. وبه ثنا شريك عن علي بن زيد بن جدعان عن حطان بن عبد الله قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: اقرأ في الناس في الفجر بأول المفصل. وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو العنبس قال: صليت خلف سعيد بن جبير الفجر فسمعته قرأ المؤمن والزخرف يعني في ركعة ركعة. وبه إلى أبي نعيم ثنا سكن بن أبي المغيرة عن عبيد بن قيس أن عبد الله بن الزبير كان يصلي فيقرأ في صلاة الصبح بيوسف وذواتها. وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر عن أبي حصين عن خرشة بن الحر قال: كان عمر يقرأ سورة يوسف ويونس وقصار المثاني من المفصل يعني في الفجر.

وبه إلى أبي نعيم قال: كان سفيان يقرأ بنا في الركعة الأولى من الفجر {إذا وقعت الواقعة} وبه إلى أبي نعيم ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي شيبة الجهني قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: صلى عمر بالناس صلاة الفجر فقرأ سورة يوسف حتى انتهى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}. حدثنا أبو نعيم ثنا يونس عن أبي شيبة الجهني قال: حدثني عبد الله بن شداد عن عمر مثله. وبه قال أبو نعيم: باب من نقص في صلاة الصبح ثنا أبو النعمان ثنا الحارث بن الفضيل قال: مررت على ابن شهاب فأقمت عنده عشرًا فكان يقرأ حتى فارقته في صلاة الفجر تبارك وقل هو الله أحد. حدثنا أبو نعيم ثنا يحيى بن أبي الهيثم العطار قال: قال حدثني يزيد أبو داود الأودي قال: كنت أصلي وراء علي الغداة وكان يقرأ {إذا الشمس كورت} و {إذا السماء انفطرت} ونحو ذلك من السور. حدثنا أبو نعيم ثنا ابن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان قال: سمعت عراك بن مالك يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قدمت المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فوجدت رجلًا من بني غفار يؤم الناس في صلاة الفجر فسمعته يقرأ في الركعة بسورة مريم وفي الثانية {ويل للمطففين}. قال عبد الرزاق: أنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: ما حفظت سورة يوسف وسورة الحج إلا من عمر بن الخطاب من كثرة ما كان يقرؤها في صلاة الفجر قال: كان يقرأ بهما قراءة بطيئة. وذكر مسلم بن الحجاج أن مالكًا وهم في هذا الخبر بروايته إياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عامر وأن أصحاب هشام لم يقولوا: عن هشام عن أبيه، وإنما

قالوا: عن هشام أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة. قال أبو عمر: القول عندي ما قاله مالك، لأنه أقعد بهشام وأحفظ من كل من خالفه في ذلك. وقد أنكر مالك ما بلغه من أحاديث هشام بالعراق، وذكر أنه خلط فيها، وساء حفظه. قال أبو الفتح: وهذا معمر في هذا الإسناد قد وافق مالكًا على: هشام عن أبيه. والله أعلم. قال: أنا ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: سمعت عبد الله بن شداد يقول: سمعت نشيج عمر وإني لفي الصف خلفه في الصلاة وهو يقرأ سورة يوسف حتى انتهى {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}. قال: أنا معمر عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان النهدي قال: صلى بنا عمر صلاة الغداة فما انصرف حتى عرف كل ذي بال أن الشمس قد طلعت قال: فقيل له: ما فرغت حتى كادت الشمس تطلع! فقال: لو طلعت لألفيتنا غير غافلين. قال: أنا ابن جريج قال: حدثني سليمان بن عتيق: أن عمر بن الخطاب قرأ في الصبح بسورة آل عمران. قال: أنا الثوري عن عمرو بن يعلى عن سعيد بن جبير: أنه أمَّهم في الفجر فقرأ ببني إسرائيل في ركعتين. قال: أنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر قال: ثنا ربيعة بن عبد الله بن الهدير قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في صلاة الصبح بالحديد وأشباهها. قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الفجر بعشر سور من أول

المفصل في كل ركعة بسورة. قال: أنا الثوري وابن عيينة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن حصين بن سبرة أن عمر قرأ في الفجر بيوسف ثم قرأ في الثانية بالنجم فسجد ثم قام فقرأ {إذا زلزلت}. قال: أنا معمر عن قتادة قال: أمر عدي بن أرطاة الحسن أن يصلي بالناس فقرأ في الفجر بيا أيها النبي إذا طلقتم النساء ويا أيها النبي لم تحرم. قال: أنا الثوري عن العلاء بن المسيب أن أبا وائل قرأ في إحدى ركعتي الصبح بأم القرآن وآية. وذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" ثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب: أن عمر قرأ في الفجر بالكهف. قال أبو بكر: ثنا وكيع عن إدريس الأودي عن أبيه قال: سمعت عليًّا يقرأ في الآخرة منهما بسبح اسم ربك الأعلى. قال أبو بكر: ثنا غندر عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن عمرو بن ميمون أن معاذ بن جبل صلى الصبح باليمن فقرأ بالنساء فلما أتى على هذه الآية {واتخذ الله إبراهيم خليلًا} قال رجل من خلفه: لقد قرت عين أم إبراهيم. قال: ثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: كان إمامنا يقرأ بنا في الفجر بالسور المئين. قال: ثنا ابن فضيل عن النعمان بن قيس عن عبيدة أنه كان يقرأ في الفجر الرحمن ونحوها.

قال: ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: صليت خلف عرفجة فربما قرأنا المائدة في الفجر. قال: ثنا غندر عن شعبة عن توبة العنبري أنه سمع أبا سوار القاضي قال: صليت خلف ابن الزبير الصبح فسمعته يقرأ {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد}. قال: ثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع قال: صليت خلف إبراهيم فكان يقرأ في الصبح بياسين وأشباهها وكان سريع القراءة. قال أبو بكر: قال: ثنا زيد بن الحباب قال: أنا الضحاك بن عثمان قال: رأيت عمر بن عبد العزيز قرأ في الفجر بسورتين من طوال المفصل. قال: ثنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي العلاء عن أبي رافع قال: كان عمر يقرأ في صلاة الصبح بمائة من البغرة ويتبعها بسورة من المثاني أو من صدور المفصل ويقرأ بمائة من آل عمران ويتبعها بسورة من المثاني أو من صدور المفصل. الوجه الثاني: في المفردات: النخل معروف، قال أبو القاسم الراغب: ويستعمل في الواحد والجمع قال تعالى: {كأنهم أعجاز نخل منقعر} وقال تعالى: {وكأنهم أعجاز نخل خاوية} {ونخل طلعها هضيم} و {النخل باسقات} وجمعه نخيل قال تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب}، والنخل نخل الدقيق بالمنخل وانتخلت الشيء انتقيته فأخذت خياره. باسقات أي طويلات. لها طلع نضيد قالوا: منضود أي متراكب بعضه على بعض.

{وإذا الشمس كورت} قال ابن عباس: عورت، وقال قتادة: ذهب ضوءها، وقال أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحا والتكور التقطر والتشمر واكتار رفع ذنبه في حضره. والمفصل من القرآن السُبُع الأخير وذلك المفصل بين القصص بالسور القصار، وقيل لكثرة الفصل فيه بين سوره، وقيل لقلة المنسوخ فيه واخره قل أعوذ برب الناس وأوله: قيل: القتال، وقيل: الحجرات، وقيل: ق، وذكر عياض أنه من الجاثية. والسورة فيها لغتان الهمز وتركه وهو أشهر. الوجه الثالث: في الأحكام: قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يقرأ الإمام والمنفرد بعد الفاتحة شيئًا من القرآن في الصبح وفي الأوليين من سائر الصلوات ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن ولكن سورة بكمالها أفضل حتى إن سورة قصيرة أفضل من قدرها من سورة طويلة لأنه إذا قرأ بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف وهو انقطاع الكلام المرتبط وقد يخفى ذلك. قالوا: ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات والواقعة وفي الظهر بقريب من ذلك وفي العصر والعشاء بأوساطه وفي المغرب بقصاره، فإن خالف وقرأ بأطول أو بأقصر مما ذكرناه جاز وهذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه فيما إذا آثر المأمومون التطويل وكانوا محصورين ما يزيدون وإلا فليخفف، ولعل اختلاف الأحاديث في قدر القراءة كان بحسب اختلاف الأحوال. ويجوز أن يجمع سورتين فأكثر في ركعة واحدة لما سبق. قال أصحابنا: والسنة أن يقرأ على ترتيب المصحف متواليًا فإذا قرأ في الوكعة

الأولى سورة قرأ في الثانية التي بعدها متصلة بها. قال المتولي: حتى لو قرأ في الأولى {قل أعوذ برب الناس} قرأ في الثانية من أول البقرة، ولو قرأ سورة ثم قرأ في الثانية التي قبلها فقد خالف الأولى ولا شيء عليه. قال أبو عمر: فيه استحباب طول القراءة في صلاة الصبح وقد استحب ذلك مالك وجماعة من العلماء في صلاة الصبح وذلك في الشتاء أكثر منه في الصيف.

112 - باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر

112 - باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر ثنا أحمد بن منيع ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما. وفي الباب عن خباب وأبي سعيد وأبي قتادة وزيد بن ثابت والبراء. قال أبو عيسى: حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الركعة الأولى من الظهر قدر ثلاثين آية وفي الركعة الثانية خمس عشرة آية. وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوساط المفصل. ورأى بعض أهل العلم أن القراءة في صلاة العصر كنحو القراءة في صلاة المغرب يقرأ بقصار المفصل. وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: تعدل صلاة العصر بصلاة المغرب في القراءة. وقال إبراهيم: تضاعف صلاة الظهر على صلاة العصر في القراءة أربع مرّات. * الكلام عليه: رواه أبو داود. وفي الباب عن جابر بن سمرة ما رويناه من طريق مسلم ثنا محمد بن مثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر بـ الليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك.

ومن طريقه ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الصبح بأطول من ذلك. وحديث خباب رويناه من طريق البخاري قال: ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر قلت لخباب بن الأرّت: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلت: بأي شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته. وحديث أبي سعيد روينا من طريق مسلم ثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة جميعًا عن هثيم قال يحيى: أنا هشيم عن منصور عن الوليد بن مسلم عن أبي الصديق عن أبي سعيد قال: كنا نحزر قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة ألم تنزيل السجدة، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك، وحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك ولم يذكر أبو بكر في روايته (ألم تنزيل) وقال: قدر ثلاثين آية. ومن طريقه ثنا شيبان بن فروخ قال: ثنا أبو عوانة عن منصور عن الوليد أبي بشر عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك. ومن طريقه ثنا داود بن رشيد قال: ثنا الوليد يعني ابن مسلم عن سعيد وهو

ابن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطولها. وحديث أبي قتادة روينا من طريق البخاري ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الئانية ويسمع الآية أحيانًا وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين وكان يطول في الأولى وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية. وروينا من طريق مسلم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا يزيد بن هارون أنا همام وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحيانًا ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وحديث زيد بن ثابت روينا من طريق الطبراني في "معجمه الكبير" ثنا عبيد بن غنام قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ح وثنا الحسين بن إسحاق ثنا عثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا وكيع عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن زيد بن ثابت أنه سئل عن القراءة في الظهر والعصر؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة ويحرك شفتيه. وحديث البراء روينا عن النسائي أنا محمد بن إبراهيم بن صدران ثنا مسلم بن قتيبة ثنا هاشم بن البريد عن أبي إسحاق عن البراء قال: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات. وفي الباب مما لم يذكره:

روينا من طريق النسائي أنا محمد بن شجاع المروذي ثنا أبو عبيدة عن عبد الله بن عبيد قال: سمعت أبا بكر بن النضر قال: كنا بالطف عند أنس فصلى بهم الظهر فلما فرغ قال: إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. وفيه ما روينا من طريق أبي داود ثنا محمد بن عيسى ثنا معتمر بن سليمان ويزيد بن هارون وهشيم عن سليمان التيمي عن أمية عن أبي مجلز عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة. قال ابن عيسى: لم يذكر أميه أحد إلا معتمر وقد رواه عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي مجلز: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل، وجودّه محمد بن عيسى فوصله وأسنده عن معتمر. ومحمد ثقة جليل حجة عند أهل العلم. وفيه ما روينا من طريق أبي داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عثمان ثنا همام ثنا محمد بن جحادة عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم كذا هو عند أبي داود عن رجل لم يسمه وقد سمي: طرفة الحضرمي عند بعض الرواة. وفيه ما روينا من طريق النسائي أنا هارون بن عبد الله ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل. وفيه عن عمران بن الحصين روينا في "المعجم الكبير" للطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران

ابن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بأصحابه الظهر فلما قضى صلاته قال: "أيكم قرأ سبح اسم ربك الأعلى" فقال بعض القوم: أنا يا رسول الله قال: "قد عرفت أن بعضكم خالجنيها". وفيه من المراسيل والآثار غير ذلك: ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن زيد العمي عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمقوه في الظهر فحزروا قراءته في الركعة الأولى من الظهر تنزيل السجدة. وروينا من طريق أبي نعيم في كتاب "الصلاة" عن سفيان بهذا السند وقال: حزر قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الثلاث من الظهر ثلاثين آية. وذكر عبد الرزاق أيضًا عن معمر عن قتادة عن مورق العجلي قال: كان ابن عمر يصلي بهم فيقرأ في الظهرق واقتربت. قال معمر: وأخبرني شيخ لنا عن مورق قال: فقلنا له من أين علمت هذا؟ قال: ربما سمعت منه الآية. ورواه أيضًا عن جعفر بن سليمان عن أبان عن مورق، وذكر عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الظهر الذين كفروا وإنا فتحنا لك. ورواه أيضًا عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. وذكر أيضًا عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: سمعت عبد الله بن عمر يقرأ في الظهر كهيعص. وذكر أيضًا عن معمر عن قتادة أن ابن عمر كان يقرأ في الركعة الأولى من الظهر والذاريات.

وقال عبد الرزاق: عن الثوري عن حصين بن عبد الرحمن قال: سألت إبراهيم كم تقرأ في الظهر في الركعة الأولى؟ قال: ثلاثين آية. وذكر عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن أبان عن مورق العجلي قال: صلينا مع ابن عمر العصر فقرأ لنا بالمرسلات وعم يتساءلون. وذكر عن معمر عن ثابت البناني قال: كان أنس يصلي بنا الظهر والعصر فربما أسمعنا من قراءته إذا السماء انفطرت وسبح اسم ربك الأعلى. وذكر عن معمر عن قتادة قال: تقرأ في الركعتين الأوليين من العصر إذا السماء انشقت والسماء ذات البروج. وذكر عن الثوري عن زياد بن الفياض قال: سأل تميم بن سلمة إبراهيم وأنا أسمع عن القراءة في العصر فقال: هي مثل الغرب. وعن ابن جريج عن عطاء قال: قد كانت العصر تجعل أخف في القراءة من الظهر. قال عبد الرزاق قال سفيان: وقت قراءة العصر والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى والتين والزيتون. وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن علية عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت من عمر نغمة من (ق) في صلاة الظهر. قال: ثنا وكيع عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل الناجي أن عمرًا قرأ في الظهر بقاف والذاريات. قال: ثنا وكيع عن سيف عن مجاهد قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ في الظهر بكهيعص.

وقال: ثنا ابن إدريس عن هشام عن جميل بن مرة عن مورق العجلي قال: صليت خلف ابن عمر الظهر فقرأ بسورة مريم. قال: ثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: إني لأقرأ في الظهر بالصافات. قال: ثنا محمد بن عبيد ثنا مسعر عن حمَاد قال: القراءة في الظهر والفجر سواء. قال: ثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم قال: تضاعف الظهر على العصر أربع مرار. قال: ثنا وكيع عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يعدلون الظهر بالعشاء والعصر بالمغرب. قال: ثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن أنه كان يسوي بين ركعات الظهر والعصر. قال: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: العصر على النصف من الظهر. وروينا من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين في كتاب "الصلاة" له قال: ثنا أبو إسرائيل الملائي عن طلحة قال: قرأ إبراهيم في الظهر بالصافات والواقعة. وقال: ثنا مالك بن مغول قال: أخبرني رجل عن إبراهيم قال: سمعته قرأ في الظهر بالطور.

113 - باب ما جاء في القراءة في المغرب

113 - باب ما جاء في القراءة في المغرب ثنا هناد ثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن الزهريّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أمه أم الفضل قالت: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب رأسه في موضعه فصلى المغرب فقرأ بالمرسلات فما صلاها بعد حتى لقي الله. قال: وفي الباب عن جبير بن مطعم وابن عمر وأبي أيوب وزيد بن ثابت. قال أبو عيسى: حديث أم الفضل حديث حسن صحيح، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في المغرب بالطور. وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل. وروي عن أبي بكر أنه قرأ في المغرب بقصار المفصل. وعلى هذا العمل عند أهل العلم وبه يقول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: وذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في صلاة الغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. قال الشافعي: لا أكره ذلك بل أستحب أن يقرأ بهذه السور في صلاة المغرب. * الكلام عليه: حديث ابن عباس واه البخاري ومسلم بلفظ آخر. وحديث جبير بن مطعم روينا من طريق البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالطور. وأخرجه مسلم أيضًا.

وحديث ابن عمر فروينا من طريق ابن ماجه ثنا أحمد بن بديل ثنا حفص بن غياث ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرلب {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}. وحديث أبي أيوب ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" ثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن زيد أو أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين جميعًا. ورويناه من طريق أبي العباس السراج في مسنده قال: ثنا أبو همام قال: ثنا محاضر بن الورع ثنا هشام عن أبيه عن زيد بن ثابت عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. وحديث زيد بن ثابت رويناه من طريق البخاري ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولى الطوليين. وروينا من طريق النسائي: أنا محمد بن سلمة أنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان: أبا عبد الملك! أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد، وإنا أعطيناك الكوثر؟ قال: نعم، قال: فمحلوفه. لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأطول الطوليين: آلمص. وروينا من طريق أبي داود ثنا الحسن بن علي أنا عبد الرزاق عن ابن جريج، فقال لي من قبل نفسه: المائدة والأعراف. وذكره عبد الرزاق في "مصنفه" عن ابن جريج بسنده، قال يعني ابن جريج: قلت أنا لابن أبي مليكة: وما الطويلتان؟ فكأنه قال من قبل رأيه: الأنعام والأعراف.

وفيه مما لم يذكره: ما رويناه من طريق النسائي: أنا عمرو بن عثمان ثنا بقية وأبو حيوة عن ابن أبي حمزة نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرَّقها في ركعتين. وقد ذكرنا في الباب قبله من حديث أبي هريرة حديثًا فيه: ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، من جهة النسائي. وروينا من طريق البيهقي في "السنن الكبير" له، قال: وروينا عن جابر بن سمرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أنا أحمد بن سلمان الفقيه نا أبو قلابة الرقاشي نا أبي ثنا سعيد بن سماك بن حرب عن أبيه عن جابر بن سمرة بذلك. سعيد بن سماك بن حرب عن أبيه، قال الرازي: متروك الحديث. وفيه؛ قال ابن أبي شيبة: نا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر عن عبد الله بن يزيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب {والتين}. حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن الحارث بن زياد عن جابر بن عبد الله قال: أم معاذ قومًا في صلاة المغرب فمرّ به غلام من الأنصار وهو يعمد على بعير له، فأطال بهم معاذ، فلما رأى ذلك الغلام ترك الصلاة وانطلق في طلب بعيره فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أفتان أنت يا معاذ! ألا يقرأ أحدكم في المغرب بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها"؟ وروينا من طريق النسائي: أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ نا أبي نا حيوة -وذكر آخر- قالا؛ أنا جعفر بن ربيعة: أن عبد الرحمن بن هرمز: حدثه معاوية

ابن عبد الله بن جعفر: حدثه أن عبد الله بن عتبة بن مسعود حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بحاميم الدخان. وفيه عن البراء بن عازب، وسيأتي في الباب بعد! وروينا من طريق مالك في "موطأ يحيى بن يحيى" عنه عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث عن أبي عبد الله الصنابحي، قال: قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة، [فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه] فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب}. وذكر عبد الرزاق في "مصنفه" عن الثوري عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة المغرب فقرأ في الركعة الأولى بالتين والزيتون وطور سنين، وفي الآخرة ألم ترى ولإيلاف جميعهما. وذكر عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن رجل سمع ابن عمر قرأ في المغرب بقاف والقرآن المجيد. وذكر أيضًا عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة، قال: أخبرني صالح بن كيسان أنه سمع ابن عمر قرأ في المغرب: {إنا فتحنا لك}. وقال الترمذي: وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل. وقد ذكر ذلك أبو بكر بن أبي شيبة فقال: أنا شريك عن علي بن زيد عن زرارة بن أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر: أن اقرأ بالناس في المغرب بآخر المفصل.

وروينا من طريق أبي داود: نا عبيد الله بن معاذ: نا أبي نا قرة عن النزال بن عمار عن أبي عثمان النهدي أنه صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ {قل هو الله أحد}. قال: نا وكيع عن سفيان عن خالد بن عبد الله بن الحارث: أن ابن عباس قرأ الدخان في المغرب. قال: نا وكيع عن شعبة عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس قال: سمعته يقرأ في المغرب {إذا جاء نصر الله والفتح}. قال: نا ابن عيينة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن عمر يقرأ بقاف في المغرب. حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع: أن ابن عمر قرأ مرة في المغرب بياسين. حدثنا ابن عيينة عن ليث عن نافع عن ابن عمر: أنه قرأ في الغرب بياسين وعم يتساءلون. حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن قال: كان عمران بن الحصبن يقرأ في المغرب إذا زلزلت والعاديات. حدثنا وكيع عن إسماعيل بن عبد الملك قال: سمعت سعيد بن جبير يقرأ في المغرب مرة: تنبئ أخبارها، ومرة تحدث أخبارها. حدثنا وكيع عن محل، قال: سمعت إبراهيم يقرأ في الركعة الأولى من المغرب لإيلاف قريش. حدثنا وكيع عن ربيع قال: كان الحسن يقرأ في المغرب إذا زلزلت والعاديات لا يدعها.

حدثنا حارثة بن هشام نا سفيان عن نسير بن ذعلوق عن الربيع بن خثيم أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}. حدثنا زيد بن الحباب عن الضحاك بن عثمان قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يقرأ في المغرب بقصار المفصل. روينا من طريق أبي داود قال: نا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: نا هشام بن عروة: أن أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو مما تقرأون: والعاديات ونحوها من السور. قال العلماء: واختلاف هذه الآثار يدل على التخيير في ذلك كله، وأن في الأمر سعة. وأما الترتيب في الأفضل من القراءة بما طال من السور وبما قصر في الصلوات، فكما تقدم في باب القراءة في الصبح، هذا هو الشهور عن العلماء. وما خالف ذلك من التطويل فلبيان الجواز. ولا خلاف في جواز ذلك كله. وأما ما ذكر من قراءة أبي بكر في الركعة الثانية من المغرب بعد الفاتحة بقوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} فمحمول على الدعاء والقنوت، لما كان فيه من أمر أهل الردة، والقنوت جائز عند حلول النوازل في كل الصلوات. وذكر عن ابن عمر: أنه كان إذا صلى وحده قرأ في الأربع ركعات جميعًا في كل ركعة بأم القرآن وسورة، وكان يقرأ أحيانًا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة. وسيأتي أحكام هذا الباب وما قبله في الباب التالي إن شاء الله تعالى.

114 - باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء

114 - باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء ثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ثنا زيد بن حباب ثنا حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور. وفي الباب عن البراء بن عازب. قال أبو عيسى: حديث بريدة حديث حسن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في العشاء الآخرة بالتين والزيتون. وقد روي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ في العشاء بسور من أوساط المفصل، نحو سورة المنافقين وأشباهها. وروي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين أنهم قرأوا بأكثر من هذا واقل، وكان الأمر واسعًا عندهم في هذا، وأحسن شيء في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بالشمس وضحاها والتين والزيتون. حدثنا هناد نا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء الآخرة بالتين والزيتون. قال: هذا حديث حسن صحيح. * الكلام عليه: حديث بريدة رواه الإمام أحمد والنسائي. وحديث البراء أخرجه مسلم والبخاري بمعناه، وبه خالف أبا معاوية الليث بن سعد؛ فرواه عن يحيى عن عدي عن البراء: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فقرأ

بالتين والزيتون. ورويناه من طريق أبي العباس السراج من "مسنده" قال: نا قتيبة. بن سعيد نا الليث فذكره. وفيه: عن أبي هريرة: ما رويناه من طريق البخاري قال: نا أبو النعمان قال: نا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ: {إذا السماء انشقت} فسجد، فقلت له؟ فقال: سجدت خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. وفيه: عن جابر: روينا من طريق مسلم: حدثني محمد بن عباد قال: نا سفيان عن عمرو عن جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده، وانصرف، فقالوا له: نافقت يا فلان! قال: لا والله ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة! فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ، فقال: "يا معاذ! أقتان أنت اقرأ بكذا واقرأ بكذا". قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ {والشمس وضحاها} و {والضحى والليل إذا سجى}، {والليل إذا يغشى} و {سبح اسم ربك الاعلى} "! فقال عمرو: نحو هذا. ورواه البخاري. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: أخبرني

علقمة بن وقاص قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في العشاء الآخرة بسورة يوسف، قال: وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا جاء ذكر يوسف سمعت نشيجه، وأنا في مؤخر صفوف الناس. وقال ابن أبي شيبة: نا ابن علية عن علي بن زيد بن جدعان عن زرارة بن أوفى عن مسروق بن الأجدع: أن عثمان قرأ في العشاء يعني العتمة بالنجم ثم سجد ثم قام فقرأ بالتين والزيتون. قال: نا معاذ بن معاذ عن علي بن سويد بن منجوف ثنا أبو رافع، قال: صليت مع عمر العشاء فقرأ: {إذا السماء انشقت}. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى بنا ابن مسعود صلاة العشاء الآخرة فاستفتح بسورة الأنفال حتى إذا بلغ {نعم المولى ونعم النصير} ثم قرأ في الركعة الثانية بسورة من المفصل. قال ابن أبي شيبة: ثنا شريك عن علي بن زيد عن زرارة بن أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: أن اقرأ بالناس في العشاء بوسط المفصل. قال: نا معتمر عن عباد بن عباد، قال: حدثني هلال أنه سمع أبا هريرة يقرأ: {والعاديات ضبحًا} في العشاء. وقال: حدثني ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان يقرأ في العشاء بالذين كفروا والفتح. قال: نا معتمر عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه: أنه كان يقرأ في العشاء بتنزيل السجدة فيركع بها. وذكر عبد الرزاق عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سلمة بن وهرام، قال: رأيت طاوسًا ما لا أحصي يقرأ في العشاء الآخرة بالبقرة وآل عمران. قال ابن أبي شيبة ثنا زيد بن حباب قال: أخبرني الضحاك بن عثمان قال:

رأيت عمر بن عبد العزيز ليقرأ في العشاء بوسط المفصل. ذكر فوائد تتعلق بما سبق في هذه الأبواب: الأولى: في حديث أبي سعيد الخدري في باب القراءة في الظهر والعصر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية ... الحديث. ويستفاد منه القراءة مع الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة من الصلاة الرباعية، والثالثة من صلاة المغرب. وفي استحبابه عندنا قولان مشهوران، في الأصح منهما اختلاف، فقال بتصحيح الاستحباب الشيخ أبو حامد وصاحب "الحاوي" والمحاملي وغيرهم وإليه جنح أكثر العراقيين، وصححت طائفة عدم الاستحباب، قال النووي: وهو الأصح. وممن صححه أبو إسحاق المروزي وإمام الحرمين والغزالي، قال الرافعي: وبه أفتى الأكثرون، وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتى فيها بالقديم. قال النووي: وليس قديمًا فقط معه نصان في الجديد. الثانية: إذا قلنا بالسورة في الثالثة والرابعة تكون أخف من الأولى والثانية. الثالثة: هل يطول الأولى على الثانية من كل الصلوات؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يستحب. والثاني: يستحب. قال القاضي: أبو الطيب في "تعليقه": الصحيح أن تطويل الأولى من كل الصلوات مستحبة، ولكنه في الصبح أشد استحبابًا، قال: وهو قول الماسرجسي وعامة أصحابنا بخراسان، وبه قال النووي ومحمد بن الحسين.

وقال أبو حنيفة: يستحب ذلك في الفجر خاصة، وممن قال باستحباب تطويل الأولى على الثانية من أصحابنا الحافظ أبو بكر البيهقي. الرابعة: إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية؛ فهل يستحب تطويل الثالثة على الرابعة، فيه طريقان: نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق على أنها لا تطول لعدم النص فيها، ولعدم المعنى، ويعني بالمعنى إدراك قاصد الجماعة. قلت: هذا مرادهم بالمعنى، ويرد عليه أن مدرك الرابعة مدرك للجماعة؛ لقوله - عليه السلام -: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها"، ومن وجوه الإدراك هنا إدراك الجماعة. ونقل الرافعي فيها الوجهين. الخامسة: إذا قلنا تسن السورة في الأخريين؛ فهي مسنونة للإمام والمنفرد والمأموم، وفي المأموم وجه ضعيف بناء على أنه لا يقرأ السورة في السرية، حكاه المتولي. السادسة: قال صاحب "التتمة": المتنفل بركعتين تسن له السورة، والمتنفل بأكثر إن كان يقتصر على تشهد واحد قرأ السورة في كل ركعة، وإن تشهد تشهدين؛ فهل تسن له السورة في الركعات المفعولة بين التشهدين؟ فيه وجهان بناء على القولين في الأخريين من الفرائض. السابعة: المسبوق بركعتين من الرباعية، نص الشافعي أنه يأتي بهما بالفاتحة وسورتين. وللأصحاب طريقان: أحدهما قاله أبو علي الطبري: إن في استحباب السورة له القولين لأنهما آخر صلاته. قال: وإنما فرعه الشافعي على قوله: تستحب السورة في كل الركعات.

والطريق الثاني قاله أبو إسحاق: تستحب له السورة قولًا واحدًا، وإن قلنا: لا تستحب في الأخريين لأنه لم يقرأ السورة في الأوليين، ولا أدرك قراءة الإمام السورة فاستحب له لئلا تخلو صلاته من سورتين. وهنا الطريق الثاني هو الصحيح عند الأصحاب. الثامنة: لو قرأ السورة ثم قرأ الفاتحة أجزأته الفاتحة، ولا تحسب له السورة على المذهب وهو المنصوص في "الأم"، وبه قطع الأكثرون؛ لأنه أتى بها في غير موضعها. وقد ذكر إمام الحرمين وغيره في الاعتدال بالسورة وجهان لأن محلها القيام وقد أتى بها فيه. التاسعة: لو قرأ الفاتحة مرتين، وقلنا بالمذهب: أن الصلاة لا تبطل بذلك لم تحسب المرة الثانية عن السورة بلا خلاف، صرح به المتولي وغيره، قال: لأن الفاتحة مشروعة في الصلاة فرضًا، والشيء الواحد لا يؤدى به فرض ونفل في محل واحد. العاشرة: قال الشيخ أبو محمد الجويني: لو ترك الإمام السورة في الأوليين؛ فإن تمكن المأموم يقرأها قبل ركوع الإمام حصلت له فضيلة السورة، وإن لم يتمكن لإسراع الإمام وكان يود أن يتمكن فللمأموم ثواب السورة، وعلى الإمام وبال تقصيره لقوله - عليه السلام - في الأئمة: "فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم" رواه البخاري من حديث أبي هريرة. قال: وربما تأخر المأموم بعد ركوع الإكل، لقراءة السورة، وهذا خطأ لأن المأموم يتعين عليه فرض المتابعة إذا أهوى الإمام للركوع، فلا يجوز أن يشتغل عن الفرض بنفل. الحادية عشرة: من قال: لا تستحب القراءة بعد الفاتحة في الثالثة والرابعة احتج بحديث أبي قتادة: كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة

الكتاب وسورة، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وممن ذهب إلى ذلك مالك، وأجاب أصحابه عن حديث أبي سعيد بأنه تقدير وتخمين من أبي سعيد. ولعله - صلى الله عليه وسلم - كان يمد في قراءة الفاتحة حتى يقدر بذلك، قالوا: وهذا الاحتمال غير مدفوع فقد جاء عنه: أنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها. وهذا يشهد بصحة هذا التأويل، وحديث أبي قتادة نص فهو أولى. الثانية عشرة: قال أبو العباس القرطبي: وما ورد في كتاب مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير، أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة كقراءته في الفجر بالمعوذتين كما رواه النسائي، وكقراءة الأعراف والمرسلات في المغرب؛ فمتروك. وأما التطويل؛ فبإنكاره على معاذ، وأمر الأئمة بالتخفيف الفضل. قال أبو الفتح: قد سبق فيما أسلفناه القول عمن قال من العلماء أن الأمر في ذلك محمول على التوسعة، وأن ما كان من ذلك من إطالة أو تقصير فبحسب الأوقات والأحوال، وإن كان ذلك معمول به ما لم يعلم الإمام من حال المأمومين إيثار التخفيف، وهو أولى من القول بأن ذلك مكروه، لأن إعمال الكل أولى من إلغاء البعض، ولأن القول بترك ذلك يحتاج إلى توقيف. وأما ما تقدم من السنن والآثار في الأبواب السابقة يقتضي أن ذلك لم يزل معمولًا به، ويكفي من ذلك حديث ابن عباس عن أمه في قراءته - عليه السلام - في المغرب بالمرسلات حين خرج عاصبًا رأسه في مرضه، وأنه ما صلاها بعد حتى لقي الله. وقرأ ابن عمر بعده في المغرب (ق)، ومرة ياسين ومرة {إنا فتحنا لك} وقرأ

ابن عباس فيها الدخان. وقرأ عمر في العشاء الآخرة سورة يوسف. وقال سلمة بن وهرام: رأيت طاوسًا ما لا أحصي يقرأ في العشاء الآخرة بالبقرة وآل عمران. ففي أي حين ترك ذلك؟ وإنما يحمل في مثل هذا على السعة، والتحصيل السابق أولى. الثالثة عشرة: في حديث ابن أبي أوفى: أنه - عليه السلام - كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم. معناه: حتى يتكامل الناس ويجتمعوا. وفي معناه ما في حديث أبي سعيد: أنه كان يطول في الركعة الأولى من الظهر بحيث يذهب المذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو فيها، وهذا -والله أعلم لتوالي دخول الناس-. وقد روي مثل ذلك عن عمر من إطالته الأولى من الصبح لانتظار الناس. وقد اختلف أصحابنا في استحباب الانتظار على قولين، ولهم فيه تفاريع وتفاصيل مذكورة في كتب الفقه. الرابعة عشرة: إذا ثبت ذلك من إطالة الركعة الأولى ليدرك المأمومين ويتلاحق المصلون؛ فهل يقاس عليه انتظار الإمام وهو راكع المريد للدخول في الصلاة ليلحقه قبل الرفع من الركوع أم لا؟ فنقول: قد أجرى الأصحاب الخلاف في الانتظار هنا على مطلقًا. وأما القاضي ابن كج فإنه ذكر طريقة عن بعض الأصحاب الخلاف أن موضع

القولين هو الانتظار في القيام، أما في الركوع فلا ينتظر قولًا واحدًا، وعلل بأن القيام موضع تطويل، والركوع ليس موضع تطويل. قال أبو الفتح: أما الروايات في إطالة الركعة الأولى من صلاة الصبح وغيرها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده، أو من روى ذلك منهم فمعروفة مشهورة. وأما انتظار الراكع الداخل في ركوعه؛ فلا نعلم في ذلك إلا أن البخاري قد ذكر في كتاب "القراءة خلف الإمام" كلامًا معناه أنه لم يرو عن أحد من السلف في ذلك شيء. الخامسة عشرة: اختلفوا في المأموم هل يدرك فضيلة الجماعة وإن لم يدرك شيئًا من الركعات أو لا يدرك فضل الجماعة حتى يدرك ولو ركعة كما سبق، وينبني على هذا الخلاف الخلاف في انتظار الإمام في التشهد الأخير من أحسن بدخوله فيجري فيه على قول من قال بإدراك الفضل إن لم يدرك الركعة الخلاف السابق، ولا يجري على المذهب الآخر. السادسة عشرة: انتظار الإمام الداخل في سائر الأركان من القيام والسجود وغيرهما، قطع الأكثرون بأنه لا ينتظره لأنه لا فائدة للداخل في انتظاره؛ لأنه بانتظاره إياه في الركوع يكون مدركًا للركعة، وفي التشهد يكون مدركًا للجماعة عند من يقول به. وأما هنا فلا فائدة، وحكى إمام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الأركان لإفادة الداخل بركة الجماعة. السابعة عشرة: حيث قلنا: لا ينتظر، فلو انتظر ففي الكراهة أو البطلان خلاف أشار إليه الرافعي. والله أعلم.

آخر المجلد الأول من التعليق على جامع الإمام أبي عيسى الترمذي رحمه الله تعالى، ورضي عنه، مما عنى جمعه وتعليقه الإمام العلامة أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس أبو الفتح اليعمري سامحه الله تعالى. وافق الفراغ منه يوم الثلاثاء (¬1) المبارك (24) من جمادى الاخرى سنة 1231. الحمد لله رب العالمين على كل حال وصلى الله على سيدنا محمد وآله الكرام. [كاتبه المؤلف رحمه الله]. بلغت (¬2) مقابلة هذا الجزء بحمد الله تعالى وإفضاله في شعبان سنة 1231. كتبه محمد عابد وقد تم له المرور على جميع ما فيه، والحمد لله بنعمته وجلاله تتم الصالحات. قال الحافظ أحمد بن عبد الرحيم العراقي في "ذيله" لهذا الشرح الجليل بخط الحافظ أبي الفتح اليعمري شرحه لبعض ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، ولم يكمل شرحه لاخترام فجأه بقادح الحمام فشرع في البناء عليه من أول هذا الباب انتهى. فظهر من هذا أن الباقي ما بين بابين باب ما جاء في القراءة خلف الإمام، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، باب ما جاء فيما يقول عند دخول المسجد، باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد أن يركع ركعتين. الجملة أربعة أبواب يسر الله ذلك بحوله وقوته ... * * * ¬

_ (¬1) كتب: الثلوث. (¬2) في نسخة السندي.

§1/1