النظر من النسوة للرجال بغير شهوة

محمد العماري

النظر من النسوة للرجال بغير شهوة تأليف محمد بن أحمد العماري عضو الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة

الفصل الأول: خطر النظر على النسوة؛ ولو بغير شهوة.

الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ , علَّمَ الإنسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الْحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ , عَلَمَهُ الْبَيَانَ. وَالْصَّلاَةُ وَالْسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ , وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاَهُ , وَمَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ وَاهْتَدَ ى بِهُدَاهُ. أَمَا بَعْدُ: فَلَمَّا كَثُرَ الْجِدَالُ؛ في نَظَرِ الْمَرأَةِ بِغِيْرِ شَهْوَةٍ للرِّجَالِ؛ رَمَيْتُ بِسَهْمِي؛ لأُصِيْبَ مَا أَرْمِي. فَإِنْ أَصَبْتُ فَبِالْسُنَّةِ وَالْقُرْآن؛ وَإِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِي وَالْشَيْطَان؛ وَاللهُ وَرَسُوْلُهُ مِنْهُ بَرِيْئَان. فَأَقُوْلُ: مُسْتَعِيْنَاً بِاللهِ؛ طَالِبَاً مِنْهُ رِضَاهُ. وَأَسْتَعِيْنَهُ عَلَى نَيْلِ الْرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيْمَا قَضَا وَقَدْ جَعَلْتُهُ عَلَى ثَلاَثَةُ فُصُوْل؛ لِيَسْهل عَلَى الْقَارِيءِ الْوَصُوْل. الْفَصْلُ الأَوَّلُ: خَطَرُ الْنَظَرِ عَلَى الْنِّسْوَة؛ وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَة. أُخْتَاهُ: إِذَا أَنْتِ لَمْ تَرْعَي اْلبُرُوْقَ اْللَّوَامِحَا ... وَنُمْتِ جَرَى مِنْ تَحْتِكِ الْسَّيْلُ سَائحَا فَمَنْ نَظَرَتْ في الْرِجَال؛ قَتَلَتْ نَفْسَهَا عَلَى كُلِّ حَال. كَمَا قَالَ الْشَاعِر: لِمَنْ أَطْلَقَ الْنَاظِر. نَظَرُ الْعُيُوْن ِ إلى الْعُيُوْن ِ هُوَ الذي ... جَعَلَ الْهَلاَكَ إلي الْفُؤَاد ِ سَبِيْلا مَازَالَت ِ اللْحَظَاتُ تَغْزُوا قَلْبَهُ ... حتى تَشَحَّط َ بَيْنَهُنَّ قَتِيْلا وَمَنْ أَطَلَقت ِالْنَّظَر فَقَلْبُهَا في خَطَر. تَمَتَّعْتُمَا يَا مُقْلَتَيَّ بِنَظْرَةٍ ... فَأَوْرَدْتُمَا قَلْبِي أَشَرَّ الْمَوَارِد ِ

ولن يبلغ الحاسد والأعداء؛ ما يبلغ النظر من النساء.

أَعَيْنَيَّ كُفَّا عَنْ فُؤَادِي فَإنَّهُ ... مِنَ الْظُلْم ِ سَعْيُ اثْنَيْن ِ في قَتْل ِ وَاحِد ِ وَلَنْ يَبْلُغَ الْحَاسِدُ وَالأَعْدَاء؛ مَا يَبْلُغُ الْنَّظَرُ مِنَ الْنِّسَاء. وَمَنْ كَانَ يُؤْتَى مِنْ عَدُو ٍ وَحَاسِد ِ ... فَإنيَّ مِنْ عَيْنَيَّ أُوتَي وَمِنْ قَلْبِي هُمَا اعْتَوَرَا نِي نَظْرَةً ثُمَّ فِكْرَة ً ... فَمَا أَبْقَيَا لِي مِنْ رُقَادٍ وَلاَ لُبِّ وَمَا رَمَتْ نَفْسَهَا؛ بِمِثْل ِطَرْفِهَا. (رَمَانِي بِهَا طَرْفِي فَلَمْ يُخْط ِ مُقْلَتِي) وَقاَلَ الْمُتَنَبِي: وَأَنَا الْذِي اجْتَلَبَ الْمَنِيَّةَ طَرْفُهُ ... فَمَن ِ الْمُطَالَبُ وَالْقَتِيْلُ الْقَاتِلُ فَكَمْ نَظْرَةٍ أَثَّرَتْ في الْفُؤَاد , وَنَفَتْ عَنْ صَاحِبِهَا الْرُقَاد. وَقدْ قِيْل: كَمْ نَظْرَةٍ نَفَت ِ الْرُّقَادَ وَغَادَرَتْ ... في حَد ِّ قَلْبِي مَا بَقِيْتُ فُلُوْلاَ وَمَا جَنَتْ عَلَى جَسَدِهَا؛ بِمِثْلِ إِطْلاَقِ بَصَرِهَا. فَتَعِيْشُ تَهْوَى أَشْخَاصَاً؛ وَلاَ تَرَى أَبْدَانَاً. وَقَدْ قِيْل: وَاللهِ يَا بَصَرِي الْجَانِي عَلَى جَسَدَي ... لأَطْفِئَنَّ بِدَمْعِي لَوْعَة َ الْحَزَن ِ تَالله ِ تَطْمَعُ أَنْ أَبْكِي هَوَىً وَضَنَىً ... وَأَنْتَ تَشْبَعُ مِنْ نَوْم ٍ وَمِنْ وَسَن ِ هَيْهَاتَ حتى تُرَى طَرْفاً بِلاَ نظرِ ... كَمَا أَرَى في الْهَوَى شَخْصَاً بِلاَ بَدَن ِ وَالْنَظَر , سَهْمٌ خَطِر؛ للرِّجَال ِ وَالْنِّسَاء؛ عَلَى حَدٍّ سَوَاء؛ إِنْ لَمْ يَزِدِ الْنِّسَاء. كَمَا قَالَ النووي رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا في الْمَرْأَةِ أَبْلَغُ؛ لأَنَّهَا أَشَدُّ شَهْوَةً , وَأَقَلُ عَقْلا؛ فَتُسَارِعُ إليها الْفِتْنَه. حَكَاهُ عَنْهُ الْعَظِيْمُ أَبَادِي (¬1) قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان: 20] قَالَ بْنُ رَجَبِ الْحَنْبَلِي رَحِمَهُ اللهُ: جَعَلَ اللهُ الْمَرْأَةُ فِتْنَةً للرَّجُلِ, وَالْرَّجُلَ فِتْنَةً للمَرْأَةِ. ¬

_ (¬1) عون العبودج11 - ص114

قُلْتُ: أَتَصْبِرُونَ عَنِ الْنَّظَر , وَمَا يَتْبَعُ الْبَصَر. وَ قَالَ أَ بُو الْعَبَّاسِ الْنَّاشِيء: عَيْنَاك ِ شَاهِدَتَان ِ أَنَّك ِمِنْ ... حَرِّ الْهَوَى تَجِدِ يْنَ مَا أَجدُ بِك ِ مَا بِنَا لَكِنْ عَلَى مَضَض ٍ ... تَتَجَلَدِيْنَ وَمَا بِنَا جَلَدُ. و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) رواه الطبراني (¬1) والحاكم وصححه (¬2). وضعفه الألباني (¬3) فَالْنَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ؛ يُصِيْبُ الْقَلْبَ بِجُرُوْح ٍ وَهُمُوْم؛ كَمَا أَخْبَرَ الْمَعْصُوْم؛ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ قَلْبَهَا شَهْوَه؛ أَصَابَتْهُ مَحَبَّةٌ وَحَسْرَه. قَالَ بْنُ الْقَيْمِ رَحِمَهُ الله: (¬4) فَإِنَّ الْسَهْمَ شَأْنُهُ أَنْ يَسْرِيَ في الْقَلْب ِ؛ فَيَعْمَلَ فيهِ عَمَلَ الْسُمِّ الذي يُسْقَاهُ الْمَسْمُوم؛ فَإِنْ بَادَرَ وَاسْتَفْرَغَهُ وَإلا قَتَلَهُ. وَقَالَ رَحِمَهُ الله: (¬5) وَمَنْ كَرَّرَ الْنَّظَرَ , وَنَقَبَ عَنْ مَحَاسِن ِ الْصُوْرَةِ , وَنَقَلَهَا إلي قَلْبٍ فَارِغ ٍ؛ فَنَقَشَهَا فيه ِ تَمَكَّنَتِ الْمَحَبَّةُ. وَ قَدْ شَكَتْ: امْرَأةٌ مِنْ سَهْم ِ الْحُبِ؛ الذي أَصَابَ الْقَلَب. فَأَنْشَدَ تْ: أَدْعُو الْذِي صَرَفَ الْهَوَى ... مِنْي إليْكَ وَمِنْكَ عَنْي أَنْ يَبْتَلِيْكَ بِمَا ابْتَلاَنِي ... أَوْ يَسُلَّ الْحُبَّ مِنْي وَقَالَ رَحِمَهُ الله ُ: (¬6) الْنَّظَرَةُ تَفْعَلُ في الْقَلْب ِ؛ مَا يَفْعَلُ الْسَهْمُ في الْرَّمِيْة ِ؛ فَإِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ جَرَحَتْهُ. ¬

_ (¬1) المعجم الكبير للطبراني رقم10211 (ج 9 / ص 17) (¬2) المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم 7988 (ج 18 / ص 246) (¬3) وضعفه الألباني السلسلة الضعيفة المختصرة رقم 1065 (ج 3 / ص 177) و السلسلة الضعيفة رقم 1065 (ج 3 / ص 64) (¬4) روضة المحبين ص112 (¬5) روضة المحبين ص111 (¬6) روضة المحبين ص114

وَقَالَ رَحِمَهُ الله: (¬1) الْنَّظَرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْشْرَارَةِ مِنَ الْنَّارِ؛ تُرْمَى في الْحَشِيْشِ الْيَابِس ِ؛ فَإِنْ لَمْ تُحْرِقْهُ كُلَّهُ أَحْرَقَتْ بَعْضَهُ. وَقَدْ قِيْل: كُلُّ الْحَوَادِث ِ مَبْدَاهَا مِنَ الْنَظَر ِ ... وَمُعْظَمُ الْنَّار ِ مِنْ مُسْتَصْغَر ِ الْشَرَر ِ كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ في قَلَبِ صَاحِبِهَا ... فَتْكَ الْسِهَام ِ بِلاَ قَوْس ٍ وَلاَوَتَر ِ وَقَالَتْ: أُخْرَى تَشْكُوى الْبَلْوَى. ذَهَبْتُ بِعَقْلِي في هَوَاه ُ صَغِيْرَةً ... وَقَدْ كَبُرَتْ سِنِي فَرُدَّ بِهَا عَقْلِي وَ إِلا فَسَوي الْحُبَّ بِيْنِي وَبِيْنَهُ ... فَإنَّكَ يَا مَوْلاَي تُوْصَفُ بِالْعَدْلِ وَقاَلَ بْنُ الْقَيْمِ رَحِمَهُ الله: وَمَنْ أَطَلَقَ نَظَرَهُ؛ دَامَتْ حَسْرَتُهُ؛ فَأَضَرُّ شَيءٍ عَلَى الْقَلْبِ إِرْسَالُ الْبَصَرِ؛ فَإِنَّهُ يُرِيْهِ مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَنْهُ , وَلاَ وَصُوْلَ لَهُ إِليْهِ؛ وَذَلِكَ غَايَةُ أَلَمِهِ وَعَذَابِهِ. (¬2) وَقَدْ قِيْل: وَأَنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائدَاً ... لِقَلْبِكَ يَوْمَاً أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ رَأَيْتَ الذي لاَكُلَّهُ أَنَتَ قَادِرٌ ... عَلَيْه ِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ وَقَالَ رَحِمَهُ الله: (¬3) وَالْنَّاظِرُ إِنَّمَا يَرْمِي مِنْ نَظَرِهِ بِسِهَامٍ هَدَفُهَا قَلْبُهُ. ثُمَّ أنشدَ رَحِمَهُ الله: يَا رَامِيَاً بِسِهَام ِ اللَّحْظ ِمُجْتَهِدَاً ... أَنْتَ الْقَتِيْلُ بِمَا تَرْم ِ فَلاَ تُصِب ِ وَبَاعِثَ الْطَّرْف ِيَرْتَادُ الْشِفَاءَ لَهَ ... تَوَقَّهُ إِنَّهُ يَأْتِيْكَ بِالْعَطَبِ ¬

_ (¬1) روضة المحبين ص114 (¬2) روضة المحبين ص113 (¬3) روضة المحبين ص113

الفصل الثاني: العلة في تحريم النظر والأمر بغض البصر. الخوف من الفتنة؛ وإن انتفت الشهوة.

وَلَمَّا كَانَ الْنَّظَر؛ بَابَاًَ للخَطَر؛ أُغْلِقَ الْبَاب؛ بِمَا في الْكِتَاب. {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} قَالَ بْنُ جَرِيْر رَحِمَهُ الله: (¬1) يَا مُحَمَدُ قُلْ للمُؤْمِنَاتِ مِنْ أُمَّتِكَ يَغْضُضُنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ عَمَّا يَكْرَهُ الله ُ الْنَّظَرَ إِليْهِ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنِ الْنَّظَرِ إِليهِ. و َقاَلَ بْنُ عباس - رضي الله عنه -: (¬2) يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ عَنْ شَهَوَاتِهِنَّ فِيْمَا يَكْرَهُ الله. وَفِيْهِ عَنْ سُفْيَانَ رَحِمَهُ الله: يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ عَمَّا لاَيَحِلُ لَهُنَّ. وَقاَلَ بْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ الله: (¬3) يَغْضُضْنَ أَبْصَارَهُنَّ عَمَا حَرَمَ اللهُ عَلِيْهِنَّ مِنَ الْنَّظَرِ إلي غَيْرِ أَ زْوَاجِهِنَّ. قُلْتُ: فَهَذِهِ الآية ُ مُطْلَقَة ٌ على كُلِّ حَال؛ في أَمْرِ ِ الْمَرْأَة ِ بِغَض ِ بَصَرِهَا عَنْ الْرِّجَال. الْفَصْلُ الْثَانِي: الْعِلَةُ فِي تَحْرِيْم ِ الْنَّظَرِ وَالأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ. الخَوْفُ مِنَ الْفِتْنَةِ؛ وَإِنِ انْتَفَتِ الْشَهْوَةُ. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الأحزاب53 [الأحزاب: 53] وَالْقَاعِدَةُ: الْحُكْمُ يَدُوْرُ مَعَ عِلَتِهِ وَجُوْدَاً وَعَدَمَاً قَالَ بْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ الله: (¬4) وَإِنِ انْتَفَتِ الْشَهْوَةِ؛ يَبْقَى الْنَّظَرُ مَظَنَّةَ الْفِتْنَةِ؛ وَالأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبَاً في الْفِتْنَةِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوْزُ. قَالَ: وَمَنْ كَرَّرَ الْنَّظَرَ وَأَدَامَهُ , وَقاَلَ: إِنِّي لاَ أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ؛ فَقَدْ كَذَبَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْنَّظَرُ إِلاَ لِمَا حَصَلَ في قَلْبِهِ مِنَ اللَّذَّة ِ , وَأَمَا نَظَرُ الْفَجْأَةِ؛ فَهْوَ عَفْوٌ إِذَا صَرَفَ بَصَرَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ جَدِيْر إِذْ عَلَيْهِ حَدِيْثُ جَرِيْر ¬

_ (¬1) كتاب التفسير ج18 - ص117 (¬2) رواه بن أبي حاتم بإسناده في التفسير من كتابه ج8 - ص2572 (¬3) في كتاب التفسيرج3 - 284 (¬4) مجموع كتب ورسائل بن تيميه ج15 - ص415

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). فَالأْمْرُ وَاضِحٌ جَلِي كَمَا فِي حَدِيْثِ عَلَى. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِع ِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) رَوَاهُ أَحَمَدُ (¬2) وَالْحَاكِمُ وَقاَلَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» (¬3) وَحَسَنَهُ الألْبَانِي (¬4) قَالَ الْنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّّمَا مُنِعَ الْنَّظَرُ خَوْفَ الْفِتْنَه؛ وَ لأنَّ الْفِتْنَةَ مُشْتَرَكَةٌ؛ فَكَمَا يَخَافُ الْرَّجُلَ الإ فتتانَ بِهَا؛ فَإنَّهَا تَخَافُ الإ فتتانَ بِهِ (¬5) قُلْتُ: وَهَذَا الْتَعْلِيْل دَلَّ عَلَيْهِ الْدَلِيْل. عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَاسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ الْنَّبِي (لَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَاسٍ لَمَّا نَظَرَ فِي الْخَثْعَمِيْةِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) (¬6). وَلأَحْمَدَ (قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَخِفْتُ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا). (¬7). قَالَ الْنَّوَوِي رَحِمَهُ الله: (¬8) وَفِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى صَرْفِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهَا , وَفِيْهِ غَضُ الْبَصَرِ عَنِ الأَجْنَبِيَاتِ , وَغَضُهُنَّ عَنِ الْرِّجَالِ الأَجَانِبِ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 4018 (ج 11 / ص 118) باب نظر الفجأة (¬2) مسند أحمد رقم1302 (ج 3 / ص 308) (¬3) المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم2739 (ج 6 / ص 407) (¬4) صحيح الترغيب والترهيب رقم (ج 2 / ص 189) - (حسن لغيره) (¬5) شرح صحيح مسلم ج10 - ص96) (¬6) سنن الترمذي رقم 811 (ج 3 / ص 433) و مسند أحمد رقم530 (ج 2 / ص 36) (¬7) مسند أحمد رقم 1277 (ج 3 / ص 283) (¬8) (شرح صحيح مسلم ج 8 - ص190)

الفصل الثالث: حكم نظر المرأة بشهوة وبغير شهوة.

الْفَصْلُ الْثَّالِثُ: حُكْمُ نَظَرِ الْمَرْأَة ِ بِشَهْوَةٍ وَبِغَيْرِ شهوة. اتَفَقَ الْعُلَمَاء: عَلَى تَحْرِيْم ِ الْنَّظر ِ بِشَهَوَةٍ مِنَ الْنِّسَاءِ. حَكَى الإتِفَاقَ: النووي رَحِمَهُ الله. (¬1) وَاخْتَلَفُوا: في نَظَر ِ الْمَرْأَه للرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَه. فَالْصَحِيْحُ الذي في الْنَّصِ صَرِيْح , الْتَحْرِيْم، كَمَا في الْسُنَّةِ وَالْقُرْآنِ الْكَرِيم , وَقَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَدِيْم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ متفق عليه واللفظ لمسلم (¬2). قَالَ بْنُ الْقَيْمِ رَحِمَهُ الله: (¬3) الْعَيْنُ مِرْآةُ الْقَلْبِ؛ فَإِذَا غَضَّ الْعَبْدُ بَصَرَهُ؛ غَضَّ الْقَلْبُ شَهْوَتَهُ , وَإِذَا أَطْلَقَ بَصَرَهُ؛ أَطْلَقَ الْقَلْبُ شَهْوَتَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا عَامٌ للرِّجَالِ وَالْنِّسَاء , عَلَى حَدٍ سَوَاء فَقَدْ أُمِرَ الْنِّسَاء في الْنُّور؛ بِمَا أُمِرَ بِهِ الْذُّ كُوْر. قَالَ الإمَامُ الْشَافِعِي رَحِمَهُ الله: (¬4) وَكَمَا لاَيَجُوْزُ للرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ في الْمَرْأَةِ؛ فَكَذَلِكَ لاَيَجُوْزُ للمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ في الْرَّجُلِ لِهَذِهِ الآيَةِ. وَ قَالَ بْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ الله: (¬5) وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيْرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِلي أَنَّهُ لاَيَجُوْزُ للمَرْأَةِ الْنَّظَرُ إلي الْرِّجَالِ الأجَانِبِ؛ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَصْلاً ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم ج10 - ص96) (¬2) البخاري رقم 6122 (ج 20 / ص 283) وصحيح مسلم رقم4802 (ج 13 / ص 125) (¬3) روضة المحبين ص109 (¬4) التمهيد لابن عبد البر (ج19 - ص155) (¬5) التفسيرج3 - ص 284

وَ قَالَ الْنَّووي رَحِمَهُ الله: (¬1) وَالْصَّحِيْحُ الذي عَلَيْهِ جَمْهُورُ الْعُلَمَاءِ , وَأَكْثَرُ الْصَحَابَةِ؛ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْنَّظَرُ إِلى الأَجْنَبِي؛ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْنَّظَرُ إِليْهَا. لِهَذِهِ الآيةِ؛ أَي آيةُ النُّوْرِ. وَلأَنَّ الْفِتْنَةَ مُشْتَرَكَةٌ؛ فَكَمَا يَخَافُ الْرَّجُلُ الإفْتِتَانَ بِالْمَرْأَةِ؛ فَإِنَّ الْمَرَأَةَ تَخَافُ الإفْتِتَانَ بِالْرَّجُلِ. وَقَالَ: إِنَّمَا مُنِعَ الْنَّظَرُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ. (¬2) وَللعَظِيْم ِ أَبَادِي رَحِمَهُ الله وَلأَنَّ الْنِّسَاءَ أَحَدُ نَوْعَي الآدَمِيينَ؛ فَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ الْنَّظَرُ إلي الْنَّوْعِ الآخَرِ قِيَاسَاً عَلَى الْرِّجَالِ (¬3). وَأَمَا الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْنَّظَرِ مِنَ الْمَرْأَه إذا كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَه. فَقَدْ قَالَ الْنَّوَوِي رَحِمَهُ الله: (¬4) هَذَا قَوْلٌ ضَعِيْفٌ. قَلْتُ: وَقَدِ اسْتُدِلَ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْنِّسَاء؛ بِأَدِلَةٍ أَجَابَ عَنْهَا الْعُلَمَاء. الْدَلِيْلُ الأَوَلُ: عَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ) رواه مسلم (¬5). الْجَوَابُ الأَوَلُ: نَظَرَتْ في الْحَبَشَةِ عَائشَه لأَنَّهَا غَيْرُ بَالِغَه. وَعَلَى هَذَا دَلَ قَوْلُهَا (وَأَنَا جَارِيَةٌ فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ) متفق عليه (¬6). قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ الله (¬7) وَهَذِهِ الْزِّيَادةُ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ. ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم (ج10 - ص96) (¬2) شرح صحيح مسلم ج10 - ص96 (¬3) وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم أبادي (ج11 - ص114) (¬4) شرح صحيح مسلم ج10 - ص96) (¬5) صحيح مسلم رقم1480 (ج 4 / ص 415) (¬6) صحيح البخاري رقم4835 (ج 16 / ص 264) باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم صحيح مسلم رقم1481 (ج 4 / ص 416) باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه (¬7) السنن الكبرى ج7 - ص92)

وَبِهَذَا قَالَ الْنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ الله: (¬1) وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِيْنَةَ (لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ بِالْحِرَابِ فَرَحَاً بِقُدُوْمِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (¬2) وَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَةُ وَمَارَوَتْهُ عَائشَةُ - رضي الله عنها - وَاحِدَةٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ بَالِغَةٌ لأَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَنَى بِهَا حِيْنَ قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ وَهْيَ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: وَالْذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاحِدَةً لأَنَّ عَائشَةَ - رضي الله عنها - ذَكَرَتْ: أَنَّ لَعِبَ الْحَبَشَةَ كَانَ يَوْمَ عِيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ) (¬3) وَلأَحْمَدَ: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِاللُّعَبِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَرْنَ مِنْهُ فَيَأْخُذُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرُدُّهُنَّ إِلَيَّ) (¬4) الْجَوَابُ الْثَانِي: كَانَ نَظَرُ عَائشَةَ - رضي الله عنها -؛ لِمَنْ يَلْعَبُوْنَ بِالْحِرَابِ؛ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ. كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيْثُ أَنَسٍ هَذَا؛ إِذْ فِيْهِ أَنَّ لَعِبَ الْحَبَشَةِ كَانَ عِنْدَ قُدُوْمِ الْنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِيْنَة:؛ وَقُدُوْمُهُ كَانَ فِي الْسَنَةِ الأُوْلَى: وَ لَمْ يُشْرَعْ الْحِجَابُ إلا بَعْدَ غَزْوَةِ بني قُرَيْظَةَ؛ وَكَانَتْ عَقِبَ الْخَنْدَقِ سَنَةَ خَمْسٍ. كَمَا قَالَتْ عَائشَةُ - رضي الله عنها -: (كُنْتُ في حِصْنِ بني حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَ قِ وَكَانَتْ مَعْيَ أُمُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ في الْحِصْنِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ) رواه البيهقي رحمه الله (¬5). وَفِيْهِ لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَةُ أَبي لُبَابَةَ لِمَا فَعَلَهُ مَعَ بني قُرَيْظَةَ. ¬

_ (¬1) (شرح صحيح مسلم (ج10 - ص96) (¬2) السنن الكبرى (ج7 - ص 92) (¬3) صحيح مسلم رقم 1483 (ج 4 / ص 418) باب الرخصة في اللعب الذي لامعصية فيه (¬4) مسند أحمد رقم24169 (ج 51 / ص 326) (¬5) السنن الكبرى برقم 13307 ج7 - ص92

قَالَتْ أُمُ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -:أَفَلاَ أُبَشِرُهُ: يَارَسُوْلَ اللهِ قَالَ: بَلَى قَالَتْ: فَقُمْتُ عَلَى بَابِ حِجْرَتِي فَقُلْتُ: وَذَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَيْكَ). قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ الله: وَغَزْوَةُ بني قُرَيْظَةَ كَانَتْ عَقِبَ الْخَنْدَقِ في سَنَةِ خَمْسٍ وَالْحِجَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَبِهَذَا أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ (¬1) وَالْنَّوَوِي (¬2) الْجَوَابُ الْثَالِثُ: عَلَى تَقْدِيْرِ أَنَّ عَائشَةَ - رضي الله عنها - بَالِغَةٌ وَأَنَّ الْحِجَابَ نَزَلَ قَبْلَ لَعِبِ الْحَبَشَةَ. أُجِيْبَ: بِأَنَّ عَائشَةَ لَمْ تَنْظُرْ في أَبْدَانِ وَوَجُوْهِ الْشَبَابِ؛ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ في اللَّعِبِ وَالْحِرَابِ. وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهَا - رضي الله عنها -: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ) رواه البخاري (¬3) قَالَ الْنَّوَوِي رَحِمَهُ الله: (¬4) وَأَقْوَى الأْجْوِبَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ في الْحَدِيْثِ بِأَنَّهَا نَظَرَتْ في وجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ في لَعِبِهِمْ وَحِرَابِهِمْ قال: وَلاَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَمُّدُ الْنَّظَرِ إلى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ بَلاَ قَصْدٍ صَرَفَتْهُ في الْحَالِ قُلْتُ: وَقَدْ عُفِيَ عَنِ الْنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَأُخِذَ الْنَّاظِرُ بِنَظِرِ الْعَمْدِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (¬5). وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ إِنَّ لَكَ كَنْزًا مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا فَلَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) رَوَاهُ أَحَمَدُ (¬6) وَالْحَاكِمُ وَقاَلَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» (¬7) وَحَسَنَهُ الألْبَانِي (¬8) ¬

_ (¬1) في السنن الكبرى (ج 7 - ص92) (¬2) شرح صحيح مسلم (ج10 - ص 96) (¬3) صحيح البخاري رقم435 (ج 2 / ص 247) باب أصحاب الحراب في المسجد (¬4) شرح صحيح مسلم ج 6 - ص184) (¬5) صحيح مسلم 4018 (ج 11 / ص 118) باب نظر الفجأة (¬6) مسند أحمد رقم1302 (ج 3 / ص 308) (¬7) المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم2739 (ج 6 / ص 407) (¬8) صحيح الترغيب والترهيب رقم (ج 2 / ص 189) - (حسن لغيره)

الْدَلِيْلُ الْثَانِي: احْتَجُوا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ للرَّجُلِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِحَدِيْثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنها -: (أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا (اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ) رواه مسلم (¬1). وفي لفظ (¬2) (فَانْطَلِقِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ) قَالَ الْعِيْنِي: وَفَاطِمَةُ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ وَابْنُ أُمِ مَكْتُوْمٍ ابْنُ عَمِّهَا. قُلْتُ: وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: (اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمِّكِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تُلْقِي ثَوْبَكِ عِنْدَهُ) (¬3). الْجَوَابُ الأَولُ: لَيْسَ في الْحَدِيْثِ مَا يَدُلُ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ فَاطِمَةَ فِي بْنِ أُمِ مَكْتُوْمِ. وَالأَصْلُ: أَنَّهَا مَأْمُوْرَةٌ بِغَضِ الْبَصَرِ عَنْهُ. قَال الْمَبَارْكَافُورِي (¬4) وَأَيْضَاً لَيْسَ فِيْهِ رُخْصَة ٌلَهَا بِالْنَّظَرِ إِلَيْهِ؛ بَلْ فِيْهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهِ؛ وَهِيَ مَأْمُوْرَةٌ بِغَضِ بَصَرِهَا عَنْهُ. قَالَ الْصَنْعَانِي: وَالأَصْلُ تَحْرِيْمُ نَظَرالأَجْنَبِيَّةِ إِلاَ بِدَلِيْلٍ. (¬5) وَ قَالَ بْنُ عَبْدِ الْبَر: وَمَنْ مَنَعَ الْنَّظَرَ مِنَ الأَجْنَبِيَةِ؛ قَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيْثِ فَاطِمَةَ؛ أَنَّهُ أَطَلَقَ لَهَا الْنَّظَرَ إِلَيْهِ. (¬6) الْجَوَابُ الْثَانِي: أَنَّهُ يُمْكِنُهَا فِي بَيْتِهِ أَنْ تَعْتَدَّ , وَلِبَصِرِهَا أَنْ تَغُضَ؛ إِذْ لاَمُلاَزَمَةَ بِيْنَ الإِجْتِمَاعِ وَالْنَّظَرِ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم رقم2709 (ج 7 / ص 447) باب المطلقة ثلاثاً لانفقة لها (¬2) صحيح مسلم رقم 2712 (ج 7 / ص 450) باب المطلقة ثلاثاً لانفقة لها (¬3) صحيح مسلم رقم 2721 (ج 7 / ص 459) (¬4) تحفة الأحوذي ج4 - ص241) (¬5) سبل السلام ج 3 - ص113 (¬6) التمهيد ج19 - 154

قَالَ الْعَظِيْمُ أَبَادِي: وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ أَي الإِعْتِدَادُ فِي بَيْتِهِ؛ مَعَ غَضِ الْبَصَرِ مِنْهَا, وَلاَمُلاَزَمَةَ بَيْنَ الإِجْتِمَاعِ فِي الْبَيْتِ وَالْنَّظَرِ. (¬1) وَبِهَذَا أَجَابَ الْشَوْكَانِي: (¬2) الْدَلِيْلُ الْثَالِثُ: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنه -:فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي) رواه مسلم (¬3). الْجَوَابُ الأَوَلُ: لاَ يَلْزَمُ مِنَ الْمَرُوْرِ وَالْزِيَارَةِ، نَظَرُ أُمِ شَرِيْكٍ فِي الْصَحَابَةِ؛ لأَنَّهُ لاَ تَلاَزُمَ بَيْنِ الْنَّظَرِ وَالْزِيَارِةِ؛ فَقَدْ تُزَارُ وَلاَ تَنْظُرُ. الْجَوَابُ الْثَانِي: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْت قَيْسٍ - رضي الله عنها - أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ - رضي الله عنه -: وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ (أَنَّ النَبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لها انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ فَقُلْتُ سَأَفْعَلُ فَقَالَ لَا تَفْعَلِي إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬4) وَهَذَا مَعْنَى يَغْشَاهَا أَصْحَابِي قُلْتُ: وَلاَ يَلْزَمُ مِنَ الْنَّفَقَةِ وَالإِحْسَانِ؟ الْنَّظَرُ في الْضِيْفَانِ الْدَلِيْلُ الْرَابِعُ: حَدِيْثُ الْخَثْعَمِيَةُ. ¬

_ (¬1) عون المعبود شرح سنن أبي دواد ج (¬2) نيل الأوطارج 6 - 248 (¬3) صحيح مسلم رقم2709 (ج 7 / ص 447) باب المطلقة ثلاثاً لانفقة لها (¬4) صحيح مسلم رقم 5235 (ج 14 / ص 178)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: (كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ) متفق عليه (¬1) قَالَ الْعِيْنِي: (¬2) لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ عَنِ الْنَّظَرِ إِلَيْهِ وَأَجَابَ: عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابِيْنِ. الْجَوَابُ الأَوَلُ: إِكْتَفَى الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْعِ الْفَضْلِ؛ لَمَّا رَأَى أَنَّهَا بِذَلِكَ تَعْلَمُ مَنْعَ نَظَرِهَا إِلَيْهِ؛ لأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ. قُلْتُ: وَهْوَ الأَصْلُ. قال تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] وقال تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] الْجَوَابُ الْثَانِي: أَنَّهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلي أَمْرٍ؛ لأَنَّهَا غَضَّتِ الْبَصَرَ؛ فَقَدْ تَنَبَهَتْ لِمَا فُعِلَ بِالْفَضْلِ؛ فَأَخَذَتْ مِنْهُ الْعَذْلَ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ في لَفْظَةٍ حَدِيْثِيْه بِأَنَّهُ خَافَ الْفِتْنَةَ عَلَى الْفَضْلِ وَالْخَثْعَمِيْه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَاسٍ - رضي الله عنه -: (أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَوَ عُنُقَ الْفَضْلِ لَمَّا نَظَرَ في الْخَثْعَمِيْةِ (فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ بْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) (¬3) الْجَوَابُ الْثَالِثُ: أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا صَرَفَ وَجَهَ الْفَضْلِ لأَوَلِ وَهَلَةٍ؛ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ. قَالَ الْنَّوَوِي رَحِمَهُ الله: وَفِي صَرْفِهِ لِوَجْهِ الْفَضْلِ عَنِ الْمَرْأَةِ؛ دَلِيْلٌ عَلَى دَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهَا. (¬4) قُلْتُ: وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - في لَفْظٍ لأَحْمَدَ (رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَخِفْتُ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ (¬5) وَقَالَ: وَفِيْهِ الْحَثُّ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الأَجْنَبِيَاتِ , وَغَضُّهُنَّ عَنِ الْرِّجَالِ الأَجَانِبِ. (¬6) ¬

_ (¬1) البخاري رقم5760 (ج 19 / ص 238) و صحيح مسلم رقم2375 (ج 7 / ص 35) (¬2) عمد ة القاري شرح صحيح ج 9 - 125 (¬3) سنن الترمذي رقم811 (ج 3 / ص 433) و مسند أحمد رقم530 (ج 2 / ص 36) و مسند أبي يعلى الموصلي رقم521 (ج 2 / ص 25) (¬4) شرح صحيح مسلم ج8 - ص 190) (¬5) مسند أحمد رقم1277 (ج 3 / ص 283) (¬6) شرح صحيح مسلم ج8 - ص 190)

الْدَلِيْلُ الْخَامِسُ: مَا نَقَلَهُ الْمَبَارْكَافُوْرِي عَنِ الْسِيُوطِي وَأَبِي دَاودَ بِأَنَّ الْنِّسَاءَ أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ لِئَلاَ يَرَاهُنَّ الْرِّجَالُ , وَلَمْ يُؤْمَرِ الْرِّجَالُ بِالْحِجَابِ لِئَلاَ يَرَاهُمُ الْنِّسَاءُ؛ فَدَلَ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْطَائِفَتَيْنِ. (¬1) الْجَوَابُ الأَوَلُ: هَذَا الْتَعْلِيْلُ يُخَالِفُ الْدَلِيْل؛ مِنَ الْكِتَابِ وَالْسُنَّةِ وَجَمْهُوْرِ الْعُلَمَاء؛ إِذْا لَمْ يُفَرِقُوا في الْنَّظَرِ بَيْنَ الْرِّجَالِ وَالْنِّسَاءِ؛ فَقَدْ أُمِرَ الْنِّسَاءُ في سُوْرَةِ الْنُّوْرِ بِمَا أُمِرَ بِهِ الْذُّكُوْرُ. الْجَوَابُ الْثَانِي: الْنَّصُ جَاءَ فِي الْحُكْم ِ بِالْمُرَادَفَةِ؛ لاَ بِالْمُغَايَرَةِ؛ فَقَدْ أُمِرَ الْنِّسَاءُ في الْنُّوْرِ بِمَا أُمِرَ بِهِ الْذُّكُوْرُ. الْجَوَابُ الْثَالِثُ: هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْنَّص ِ وَلاَقِيَاسَ مَعَ الْنَص ِ بِالإِجْمَاع ِ وَسِرُ الْجِدَال؛ نَظَرُ الْمَرْأَةِ للرِّجَال؛ في الْقَنَوَات؛ وَالْصُحُفِ وَالْمَجَلاَت وَخَيْرٌ مِنَ القولِ بِجَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلى الْرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ. الْقَوْلُ بِجَوَازِ سَمَاعِ وَقِرَاءَةِ الْمَقَال مَعَ غَضِّ بَصَرِهِا عَنِ الْرِّجَال؛ إِذْ بِهِ جَاءَتْ الأَدِلَه مِنَ الْكِتَابِ وَالْسُنَّه. فَالله ُ الذي بِغَضِّ الْبَصَرِ أَمَرَهُنَّ هُوَ الذي لِصَلاَةِ الْعِيْدِ وَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَخَرَجَهُنَّ. فَلاَ مُلاَزَمَةَ بَيْنَ الْسَمْعِ وَالْبَصَرِ؛ إِذْ يُمْكِنُ للمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا عَنِ الْرِّجَال وَأَنْ تَسْمَعَ مِنْهُمُ الْمَقَال وَلَكِنْ مِنْ ضِيْقِ الْبَاع تَرْكُ تَحْقِيْقِ الْنِزَاعِ قَالَ الْنَّاظِمُ: وَالأَصْلُ فِي الْتَضْييقِ ضِيْقُ الْبَاع ِ ... وَقِلَةُ الْعِلْم ِ وَالاطِلاَع ِ الخلاصة: أدلة المجيزين لنظر المرأة للرجل بغير شهوة من المتشابه وأدلة المانعين من المحكم. قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران: 7] وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الْآيَةَ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ¬

_ (¬1) تحفة ا لأحوذي ج8 - ص 51

إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ) رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) قَالَ الْشَيْخُ مُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَابِ رَحِمَهُ اللهُ: عَلاَمَةُ أَهْلِ الْسُنَّةِ؛ الإسْتِدْلاَلُ بِالأَدِلَةِ الْوَاضِحَةِ. وَعَلاَمَةُ أَهَلِ الْزَيْغِ؛ الإِسْتِدْلاَلُ باِلأَدِلَةِ الْمُتَشَابِهَةِ. قلت: والمتشابه هوالذي له عدة معاني. فمن اختارأحد المعاني بوحي الشيطان ضل. {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 3 - 4] ومن اختارأحد المعاني بالهوى ضل. {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] ومن اختارأحد المعاني بالرأي ضل. {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري (¬3) ومن اختارأحد المعاني لمجرد قول إمام صالح ضل. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري رقم4547 (ج 11 / ص 103) بَاب (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) (¬2) صحيح مسلم 6946 (ج 8 / ص 56) باب النَّهْىِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ (¬3) صحيح البخاري رقم7307 (ج 18 / ص 288) بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ

قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة: 31] وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ «فَمَنْ».رواه البخاري (¬1) ومسلم (¬2) ومن اختارأحد المعاني لمجرد قول إمام فاسق ضل. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [التوبة: 34] وعَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ) رواه أبوداود (¬3) حديث صحيح لغيره. ومن اختارأحد المعاني بدليل آخرمن الكتاب والسنة فلن يضل أبداً. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] والمحكم: هوالذي له معنى واحد بين واضح لم ينسخ ولم يخص ولم يقيد. كقوله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وَبِهَذَا الْقَدْرِ أَكْتَفِي؛ وَإلِيْهِ أَنْتَهِي. ثُمَّ إلي هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ ... وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عَنَيْتُ وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى انْتِهَائِي ... كَمَا حَمِدْتُ اللهَ في ابْتِدَائِي ¬

_ (¬1) صحيح البخاري رقم7320 (ج 18ص 307) بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ (¬2) صحيح مسلم رقم 6952 (ج 8 / ص 57) باب اتباع سنن اليهود (¬3) سنن أبى داود رقم4254 (ج 4 / ص 157) باب ذكر الفتن ودلائلها

§1/1