النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم

ابن العربي

بسم الله الرحمن الرحيم

تصدير

تصدير يعتبر كتاب "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي (468 - 543 هـ) من التراث الفلسفي النادر الذي اتسم بنزعة نقدية للفلسفة اليونانية وروحها الوثنية النظرية المجردة، ويمكن القول بأن هذا الكتاب الأصيل في روحه وأسلوبه، في مضمونه، وفي شكله يرى النور في صورته الكاملة المحققة لأول مرة، إذ سبق أن نشره (¬1) شيخ النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس (1889 - 1940 م) في جزئين معتمدا في ذلك على نسخة يتيمة مخطوطة بجامع الزيتونة، ثم جاء الشيخ الأديب الصدر محب الدين الخطيب (1970 م) فنشر (¬2) جزءا صغيرا منه، وهو مبحث الصحابة، وحسب الناس أن ذلك هو كتاب "العواصم من القواصم" وبهذا الاعتبار يمكن أن نقول إن هذه الرسالة الهامة مظلومة ظلمين: الظلم الأول: بترها والاقتصار منها على بحث واحد واعتباره هو الكل، والظلم الثاني: أن الشيخ محب الدين الخطيب لم يعتمد على أي مخطوط، وإنما رجع إلى طبعة الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس، وقدم وأخر بعض النصوص تبعا لما رآه، وتذوقه، وإن لم يصب في ذلك المرمى، والعجيب أن بعض المتخصصين حسبوا أن ذلك هو "العواصم من القواصم" مع أن محب الدين ذكر في مقدمته (¬3) أنه مبحث واحد من مباحث الكتاب المذكور، أما هذه النشرة فقد اعتمدنا فيها على أربع مخطوطات، التي فصلنا القول فيها في القسم الأول من هذا الكتاب، وهو دراستنا لآراء أبي بكر بن العربي. ¬

_ (¬1) قسنطينة ج1. في سنة 1347 هـ/1927 م. وج 2. في سنة 1348 هـ/ 1927م. (¬2) القاهرة 1375 هـ (ط 2). . (¬3) المقدمة، ص 8.

إن هذا الكتاب قطعة حية من الذكاء، وصفحة ناصعة من صفحات حضارتنا في مجال الفكر، وجمال الأسلوب العربي، والبيان الأدبي والنظر العقلي الناقد الذي هو روح كل حضارة، يكتب لها البقاء والحياة أبد الدهر. عمار طالبي الأستاذ بكلية الآداب جامعة الجزائر ورئيس قسم الفلسفة ابن عكنون الجزائر في 5/ محرم/ 1314هـ 29/ جانفي/ 1974م

خطبة الكتاب

خطبة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم (¬2) قال الشيخ الفقيه الإمام الأوحد، الحافظ، العلامة الأمجد (¬3)، أبو بكر بن العربي (¬4)، رضى الله عنه (¬5)، ورحمه (¬6): الحمد لله رب العالمين، الله م صل على محمد، وعلى آل محمد (¬7)، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، الله م إنا نستدعي (¬8) من رضاك (¬9) المنحة، كما نستدفع بك المحنة، ونسألك العصمة، كما نستوهب منك الرحمة، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسر لنا العمل (¬10) بما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلا تهدي (¬11) إليك، وافتح بيننا وبينك بابا (¬12) نفد منه عليك، فلك (¬13) مقاليد السموات والأرض، وأنت على كل شيء قدير. أما بعد، فإن الله ببالغ حكمته، وغالب قدرته، وإن كان واحدا في ذاته، واحدا في صفاته، واحدا في مخلوقاته، فإنه خلق الخلق نوعين، وأبدع من كل زوجين اثنين، لأن الوحدة له خالصة، حقيقة وبيانا، فتكون ¬

_ (¬1) ز: - و. (¬2) ب: وصلى الله على محمد وآله، ز: - وسلم. (¬3) ب، ج، ز: قال صالح بن عبد الملك بن سعيد قرأت على الإمام. (¬4) ب: + محمد، ج، ز: + الحافظ. (¬5) ب، ج، ز: + قال. (¬6) ب، ج، ز: - رحمه. (¬7) ج: - محمد. (¬8) ب: نستمد. (¬9) ب: بك، ج، ز: منك. (¬10) ج، ز: الحمد. (¬11) ب، ج، ز: يهدي. (¬12) ج: وافتح لنا بابا. (¬13) ب، ج، ز: لك.

الأثنينية (¬1) عليه دليلا وبرهانا، وفطر الآدمي، فركب عليه وفيه، الازدواج ابتلاء، يختلف به الحال استفالا، واعتلاء، إشكالا (¬2)، وجلاء، نعمة، وبلاء، قبولا، وإباء (¬3)، ليرفعه (¬4) في عليين، أو يقذفه في سجين، قال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] علمه البيان، بين منزلتي الدليل والعيان، وجعل فيه حقائق [و2 أ] تشترك مع صفاته العلى، وأسمائه الحسنى، في الحد، وينفرد (¬5) عنها بالتعالي والجد: ذلك ليستدل بها عليه، ويرجع في تحصيل العرفان (¬6) إليه. وخلق له الملك، والشيطان، وأخبر الصادق واسطته (¬7) وسطته، أن العبد بين لمتين (¬8) منهما يجتذبه (¬9)، كل (¬10) واحد (¬11) إلى جهته، ويحاول (¬12) وضعه في حصته، وتحصيله في زمرته. والرب قد أحكم العاقبة بحكمته، وأظهر هذا التدبر بقدرته، وأنشأ فيه العقل والهوى، وخلق له الضلالة والهدى، وشرح (¬13) له النجدين استدراجا ليرد، وشرع له الدين منهاجا ليقارب ويسدد، وجعل (¬14) على كل واحد من الطريقين علما، ونصب عليه مناديا، فمنهم من تعرف فأجاب وعرف، ومنهم من صدف فأبى وحرف، والخير والشر مقرونان في قرن (¬15)، والعقل والهوى معقودان في شطن (¬16)، والدليل والشبهة يتجاذبان (¬17) في ¬

_ (¬1) ج: الأثنية. (¬2) ب، ج، ز: امتحالا، وأثبت الشيخ ابن باديس في المتن كلمة "اختفاء" بدل "امتحالا" التي هي في متن المخطوط الذي اعتمد عليه. (¬3) ب، ج، ز؛ - قبولا، وإباء. (¬4) ج، ز: يرفعه. (¬5) ب، ج، ز: وتنفرد. (¬6) ج: الفرقان. (¬7)، بواسطته. (¬8) لمتين مثنى لمة، وهي الشدة، والشعر المجاور شحمة الأذن والمراد به هنا الخاطرة. (¬9) ب: تجتذبه. (¬10) ج: وكل. (¬11) ب: واحدة. (¬12) ب: وتحاول. (¬13) د: وشرع. (¬14) ب، ج، ز: + له. (¬15) الحبل المفتول من لحاء الشجر. (¬16) الحبل الطويل. (¬17) ب، ج، ز: يتحاربان، وعلق ابن باديس في الهامش على ذلك بـ (أو يتجاريان).

ميدان واحد، ويتسابقان إلى عطن (¬1)، والتويق والخذلان يتباريان على سنن. والعلم السابق، والكلام الأول (¬2)، والكتاب الثاني، يبرم أعلاقها، ويفتح أغلاقها، {ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم} [الأنفال: 42]، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو العزيز الحكيم، ومن أجل هذا ومن جراه، جرى كل أحد (¬3) من الخلق مجراه، وتباينت المدارك، في المناجي والمهالك، فلئن أضاء نهار الأدلة، لقد أغطش ليل الشبهات، ولئن اتضحت (¬4) جادة التحقيق، لقد حفت (¬5) بها بينات، حتى خفيت واضحة الطريق، فاهتدى فريق، وضل فريق وفريق (¬6). و (¬7) أعلام الحق وإن كانت قد خفقت، فقد انتشرت ألوية الباطل واستشرفت، والناس أتباع كل ناعق، [و3 أ]، لا يفرقون بين السابق واللاحق، وأبناء ساعتهم، لا آباء (¬8) عاقبتهم، أشفت عليهم القواصم السابقة، وحلقت فوقهم العواصم المتلاحقة، فإن أكبوا على ما هم فيه هلكوا، وإن لمحوا علوا، اعتلقوا النجاة وأدركوا، ولكل سابقة من القواصم لاحقة من العواصم. ونحن بتأييد الله ومعونته، نرتقي في هذا المعراج، إلى التمييز بين هذا الازدواج، وتبين (¬9) ما فيه من قواصم المكر والاستدراج، وعواصم الإنفاذ والإخراج، بفضل الله ورحمته، وهدايته وعصمته، لا رب غيره (¬10). ولو شاء الله سبحانه لجرد الدلالات عن الشبهات، ولم يقسم المعارف إلى الضرروريات والنظريات، ولا خلق العبد مشحونا بالشهوات، متقاعدا عن العبادات، مائلا إلى الراحات، والكل (¬11) شاهد ودليل، بفعل أو قيل، كما ¬

_ (¬1) مبرك الإبل حول الخوص أو مربض الغنم. (¬2) ج: - والكلام الأول. (¬3) ج: واحد. (¬4) ب، ج، ز: أو اتصحت. (¬5) ب، ج، ز: خفيت. (¬6) ب، ج، ز: - فريق. (¬7) ج: - و. (¬8) ج، د: أبناء. (¬9) ب، ج، ز: وبين. (¬10) ب، ج، ز: سواه. (¬11) ج: ولكل.

قاصمة

قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13]، فتعارضت أسباب المقادير عليه، مع توجه الوظائف إليه، وصار لا يدري على أي صدغيه (¬1) يقع، ولا من أي جهة يستضر (¬2) أو ينتفع، إن أقامه الشرع إلى العبادة أقعدته الراحة، أو أراد العف (¬3) بالكف، جذبته (¬4) الاستباحة. قاصمة: وصار بهذا الارتباك جملة عظيمة، في يد الاشتباك، هاوين في دركات الهلاك، وتقطعت بهم الأسباب أيادي سبأ في الضلالات، وسلكوا من (¬5) الباطل في متاهات، تعطيل من غير تحصيل، وكيد سابق (¬6) في تضليل، التقى الكل في حيرة (¬7) النظر في أربعة مواقف. ¬

_ (¬1) ج: صاغية، د: صرعية، ز: صاغبة. (¬2) ب، ج، ز: يستبصر. (¬3) د: العب. (¬4) د: جربته. (¬5) د: في. (¬6) ب: حائق. باجتهاد من الناشر الذي انطمست هذه الكلمة في نسخته. (¬7) د: على حرف - وعلق الناسخ في الهامش على ذلك بقوله: اعرف المواقف.

الموقف الأول

الموقف الأول قالت طائفة: لا معلوم ولا مفهوم، وإنما المرء بوهة أو بوم (¬1) وما تشبثوا (¬2) به خيالات لا تحقيق لها، أي شيء يوثق به، له ثبات (¬3)، [و3 ب] وأنت ترى الظل يتحرك، وهو ساكن، والنبات ينمى وهو واقف، وتعاين الشمس في مساحة درقة، والقمر في قدر (¬4) المجن، والكواكب كهيئة الدنانير المنثورة؟ وتقولون: إن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، وإنه معلوم بالخبر والأدلة، ويقولون (¬5) إن الدنيا خيالات، والحقائق في الآخرة، وإن الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا كنت في نومك ترى أمورا، لا تشك (¬6) أنك (¬7) على رأس الحقائق فيها، فإذا جاءت اليقظة (¬8) ذهبت من يديك (¬9)، وأفلت عنك ما كنت تظن أنك آخذ بناصيته، قابض له بيد العرفان، تقوده بغاية البيان، فما يؤمنك أن تكون يقظتك كذلك، وأنك الآن على ما أنت عليه، من حقيقة في غير حقيقة، وعلى عدم من البيان في البيان (¬10). ¬

_ (¬1) ج: برهة أو يوم ز: يوم. وعلق الناسخ على ذلك بقوله: لعله برهة أو يوم. والبرهة هو الصقر الذي سقط ريشه ويطلق على الرجل الأحمق أو الطائش، وعلى ذكر البوم أيضا (المحيط). (¬2) د: وما تقيسون. (¬3) ب: لثباته. (¬4) ب: قيد. (¬5) ب: وتقولون. (¬6) ج: - لا تشك. (¬7) د: أنها. (¬8) د: الحقائق. (¬9) د: يدك. (¬10) ب: - وعلى عدم من البيان في البيان. وكتب على الهامش.

عاصمة

عاصمة: قال ابن (¬1) العربي رضي الله عنه (¬2) وهذا (¬3) موقف أول لا تدخله (¬4) ليت، ولا أختها لعل، بل هو أحقر وأذل (¬5)، قال لي أبو علي الحضرمي (¬6)، بالثغر (¬7)، حرسه الله، وكتبه لي بخطه، ليس هذا مذهبا لأحد، ولا مقالة لبشر، وإنما قصدت الملحدة بذكر هذا التلاعب (¬8)، بالعالم، لتسترسل العامة، وهو محال في محال، يسمى (¬9) بالعربية هوسا وهذيانا، ويسمى (¬10) باليونانية سفسطة، يعنون خذلانا، وقال أبو حامد الغزالي: إن هذا الإشكال لا يتضح بالدليل، وإنما (¬11) يروى منه الغليل، ويشفي العليل، ما يفيض من نفحات رحمة الله على القلوب، ويشرق عليها من نوره، حتى إذا انشرحت الصدور، وصقلت القلوب، تجلت فيها (¬12) الحقائق، مبادي وغآيات، وسوابق ولواحق، قام الإمام الحافظ (¬13): وهذه قاصمة أعظم من الأولى، فإنها صدرت عمن اشتهر في العلم، وهذا (¬14) يحط عن المرتبة العليا (¬15) إلى السفلى، ويخرج عن جملة (¬16) العقلاء، [و4 أ] ولا ينجى منها (¬17) إلا أن تفهموا (¬18). قاصمة: إن هذه كلمات صدرت (¬19) على مناحي صوفية، لأنها تعتقد أن المعقول فوق المحسوس، وأنا وإن كنا، في عالم الحس أبدانا، فنحن في عالم العقل ¬

_ (¬1) د: أبي. (¬2) د: - العربي) رضي الله عنه. (¬3) ب، ج: وهذا. (¬4) ب: يدخله. (¬5) ب: أحسن وأدل. (¬6) د: الحصري. (¬7) ز: بياض بقدر كلمة، ج: - الثغر. (¬8) ب: البلاغت. وكت على هامش ز: (أصل: البلاغت). (¬9) ب: سمى. (¬10) ب: سمى. (¬11) ز؛ وأما. (¬12) ج، ز: فيها. (¬13) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬14) ب: وقد. (¬15) ب: العلي. (¬16) ج، ز: وتخرج عن زمرة. (¬17) د: منه. (¬18) د: الأعاصمة أن تفهموا، ج، ز: يفهموا. (¬19) د: كلها تصدرت.

قلوب (¬1) والقلوب لا تزال تقطع بينها وببن الأبدان العلائق، وتحسم القواطع (¬2) حتى لا يبقى (¬3) بينها وبين البدن علاقة، ولا نزال (¬4) الروح كدرة (¬5) تترقى (¬6) من درجة إلى درجة في المعارف، وتتطلع من برج إلى برج حتى تنتهي إلى حيث خرجت، وترجع من حيث جاءت. وهذا الكلام كله بناء منهم في الباطن (¬7) على عقائد اختيارية، ركبوها بزعمهم على قواعد عقلية، وأسكتوا (¬8) عنهم المعترضين، وسكتوا قلوب الشادين بما رووه عن النبي (ص) أنه قال: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، وهذا الحديث ليس له أصل في الدين، ولا يدخل في منزلة من منازل السقيم، فكيف الصحيح من المسلمين، ولكنه جزء من خطبة عظم بها الخطب، وصار بها الناس (¬9) ألبأ على ألب (¬10)، وقد كنت فاوضته في أمثالها، وأشرت بلمحة من لإمساك عن الحديث إلا ما صح على قدر منزلتي منه، ويقول (¬11) لي: بضاعتي في الحديث مزجاة، ولقد اخذ معي في الحديث (¬12) أبو بكر الفهري عند انكفائي من العراق، فأعلمته بذلك من قوله، فلم يعذره كما لم أعذره، وليس يخفى على ذي لب، يتوقف (¬13) هامنا قليلا بنفسه، ولا يعجل بالحوقلة، فقد امتلأت من هذا الكلام كل حوصلة، وليتعرض للدليل (¬14)، و (¬15) إن كان كان ليس بموضع دليل، ولكن هاهنا نكتة بديعة استفدناها في "نزهة المناظر وتحفة (¬16) الخواطر" وهي أن الحقائق تارة تنكشف ¬

_ (¬1) ب، د: قلوبا. (¬2) ب، ج، ز: المقاطع (¬3) ب: تبقى. (¬4) ب: ولا يزال. (¬5) ب: بكدة. قراءة الناشر. (¬6) ب: يترقى. (¬7) ب: لأمر الباطن. (¬8) ج، ز: بياض في مكان "وأسكتوا" د: اسكتوا. (¬9) د: وصار الناس بها. (¬10) ج: ألفا على ألف. يقال هم ألب عليه أي مجتمعون عليه بالظلم والعداوة. (¬11) ز: خرج على الهامش: أي الغزالي. (¬12) ب، ج، ز: في ذلك. (¬13) ز: علة: أن يتوقف. (¬14) ب: ولنتعرض، ز: ولا يتعرض. وكتب في الهامش: (أصل: وليتعرض). (¬15) ج: - و. (¬16) د: تخف.

بالدليل، إذا كانت (¬1) في (¬2) معرض (¬3) الإشكال، وتارة تنكشف بالتفسير (¬4)، إذا كان الإشكال في (¬5) وجه دلالة (¬6) الألفاظ، على المعاني، فإن الشيء قد [و 4 ب] يكسى غير حليته (¬7)، فليبادر بكشف غريبه، واتخذ هذا دستورا في الجدال (¬8)، إذا ناظرت، وفي الاسترشاد، إذا استرشدت (¬9). وبعد هذه المقدمة نقول: إن غلاة الصوفية، ودعاة الباطية، يتشبهون بالمبتدعة في تعلقهم بمشتبهات الآيات والآثار على محكماتها، فيخترعون أحاديث (¬10) أو (¬11) تخترع لهم على قالب أغراضهم، ينسبونها إلى النبي، ويتعلقون (¬12) بها علينا، فمنها حديث الناس نيام، وليس بخبر، وإنما هو مثل ضربه بعض الحكماء (¬13) ليظهروا بذلك (¬14) فضل الآخرة على الدنيا، فأما أولاء (¬15) فإنما انتحوا (¬16) به إلى (¬17) أن ما في الآخرة ليس على حقائق ما في الدنيا، وأن ما في الدنيا من أمر (¬18) الآخرة، أسماء لا معاني حتى نسبوا ذلك إلى ابن عباس، والصدر (¬19) الأول، ليرتبوا عليه أن أمور الآخرة إنما هي أسماء محضة (¬20)، لا اشتراك بينها وبين معاني الدنيا في الوجود نسبتها إلى ما (¬21) في الدنيا، نسبة البحر في المنام، والأسد والحمار (¬22)، والدواني الذي (¬23) يختم كتاب الملك، إلى الملك، والشجاع وملك الموت، والمؤذن قبل الفجر (¬24) في رمضان ¬

_ (¬1) ج، ز: كان. (¬2) ج، ب، ز: - في. (¬3) ب: - إذا كانت في معرض، ج، ز: يتعرض. (¬4) ب، ج: - بالتفسير، ز: - بالتفسير، وكتب على الهامش عله: بالتفسير. (¬5) ب: - إذا كان الإشكال في وجه. ج، ز: - الإشكال في. (¬6) ج: الأدلة. (¬7) ب: يكسى غير حليته. (¬8) ب: - دستورا في الجدال. (¬9) ب، ج، ز: أرشدت. (¬10) ج، ز: أحاديثا. (¬11) ج، ز: - أ (¬12) ج: يتملقون. (¬13) ب: الحكيم. (¬14) ب: - ليظهروا بذلك. (¬15) ب: أولا. (¬16) ب: - انتحوا. (¬17) ب: على. (¬18) ب: - أمر. (¬19) ب: من الصدر. (¬20) ب: - محضة. (¬21) ب: لما. (¬22) ب: الجزار، د: الجرار. (¬23) ب: - والدواني الذي. ج، ز: والدواتي التي. (¬24) ب: - والمؤذن قبل.

صفة الجنة

في الدنيا، بل هذان (¬1) أقرب من ذينك، ولهذه الأمثال والأخبار، معاني صائبة، وفي (¬2) منهج (¬3) التحقيق سائرة. صفة الجنة: وذلك أن البنية في الدنيا مبتدأة بترتيب وتوليد، وهي (¬4) في الآخرة منشأة دفعة في كرة، وهي في الدنيا تستحيل، وفي الآخرة تثبت، وفي الدنيا تفنى وفي الآخرة تدوم، وفي الدنيا منحصرة، وفي الآخرة لا تنحصر، وفي الدنيا نافعة من وجه، ضارة من آخر، محمودة من نوع، مذمومة من غيره، محبوبة في حال، مكروهة في (¬5) أخرى، وفي (¬6) الآخرة متحدة (¬7) كل صفة عن (¬8) مقابلتها، وهكذا أبدا (¬9) حتى يكون الكل كاملا، صدر عن كامل، لا نقص فيه (¬10) إلا عن [و5 أ] كمال وجب للإله الحق (¬11) من الأولية، والتقدس عن الحدث، وجواز تطرق الآفات والنقص، لا سيما وقد علم بالدليل كل عاقل، أن الدنيا حقيقة على ما هي عليه، والآخرة حقيقة على ما هي عليه، وليس ما يستغرب بينهما من التباين، وهما مخلوقتان (¬12) بأغرب من التفاوت الذي بين الخالق والمخلوق في الذات والصفات، ولكل واحد من هذين القسمين الأعلى الأشرف، والأسفل الأدنى، حقائق، وما (¬13) بينهما من التفاوت، ولم (¬14) تبطل حقيقة الأكمل حقيقة الأنقص، بل وجبت لكل واحد صفاته (¬15). تمثيل من دليل: وقد أرسل الله الرسل إلى الخلق على اختلاف أطوارهم في أزمانهم، فما ¬

_ (¬1) د: هذا. (¬2) د: هي. (¬3) ج: مناهج. (¬4) ب: - هي. (¬5) ب: - في. (¬6) ب، د: + هي. (¬7) ب: متجددة. (¬8) ب، ج، ز: على. (¬9) ب: - أبدأ. (¬10) د: فيها. (¬11) ج: الحي. (¬12) د: مخلوقان. (¬13) في هذا التركيب اضطراب وقد اقترح الشيخ ابن باديس أن يكون التعبير هكذا: (ومع ما بينهما من التفاوت لم تبطل). (¬14) ب، د: - و. (¬15) د: صفته.

توجيه

قال أحد منهم: أنا في غير حقيقة، وإنما (¬1) كانوا ينفون الحقائق عن أقوال (¬2) الرسل (¬3) في دعاويها التوسط، وهم متفقون على إقرار الحقائق (¬4) في نصابها، وإتيانها من بابها، وإنما قابلوا أدلة الرسل بالشبهات، وجروا في ميدان النظر والدلالات، فعاند من عاندة وسدد من سدد. توجيه: ويحتمل أن يكون أبو حامد، قد بنى هذا على مذهب الصوفية، في أن العلم من ثمرات العمل، وهو وإن صح كان قلبا للقوس (¬5) ركوة (¬6)، فليس في أول رتوة (¬7)، وإنما يكون ذلك دعوى في النظريات، أو في الزيادة على مقتضى الأدلة، وربما شبهوا (¬8) في ذلك بقوله تعالى (¬9): {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282]. فأفاد هذا الظاهر أن العلم ثمرة التقوى التي هي أصل الأعمال، وترجمة (¬10) جميعها أو كلها، وأثروا (¬11) ذلك عن مالك رضي الله عنه (¬12)، إسكاتا (¬13) لنا، واعتضادا بإمامته (¬14) علينا، من قوله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في قلب من يشاء، قال القاضي أبو بكر (¬15): وهذا مقطع شريف ليس من غرضهم في شيء [و5 ب] وإنما له ¬

_ (¬1) ب: ولا. (¬2) ج، ز: أحوال. (¬3) ب، ج، ز: المرسل. (¬4) ج، ز: الفائق. (¬5) ب: قلب القوس، ج، ز: فك القوس. (¬6) ب: - ركوة، ج، ز: رمون. يقال صارت القوس ركوة وهو مثل يضرب في الإدبار وانقلاب حقائق الأشياء. (¬7) الرتوة: الخطوة، والسويعة من الزمان والدعوة. ورتاه: شده، وقواه وجذبه وأرخاه. (¬8) د: شببوا. ويبدو أن صوابه: تشبثوا. (¬9) ب، ج، ز: - تعالى. (¬10) ب: ومزجه. وعلق على ذلك ابن باديس بقوله: لعل الأصل: ومرجعها. (¬11) د: وأثاروا. (¬12) د: - رضي الله عنه. وهو إمام دار الهجرة توفي سنة 179 هـ/ 795 م. (¬13) ج، ز: إسكانا. (¬14) ب، ج، ز: لإمامته، وعلق الشيخ ابن باديس عليه بقوله: لعل الأصل: بإمامته. (¬15) د: قال أبي.

حقيقة معلومة، وهي أن العبد إذا واظب الطاعات، ونبذ المعاصي، لم يكن ذلك إلا باستمرار علمه، واستدامه نيته، فإن العمل بالقصد، والقصد يرتبط بالعلم فإنهما أخوان، فإذا دام العمل الصالح، دل على دوام العمل، وإذا علم ولم يعمل، أوشك أن يذهب العلم، ويكون نقصان العمل، علامة على نقصان العلم أو ذهابه. فإن قيل: وكيف يذهب العلم بذهاب العمل، والعلم أصل، والعمل فرع عليه، والفرع هو الذى يذهب بذهاب الأصل؟ قلت (¬1): عنه (¬2) جوابان، أحدهما: أنا نمثل (¬3) لكم ما يحققه، فنقول: إنك ترى الغصن في الشجرة الناضرة ذابلا، فتستدل به على نقصان مادة الأصل، التي كانت تمده (¬4) بالري، ولولا نضوب المادة، وهي الأصل من الأصل لما ذوي الغصن (¬5)، في الشجرة الناضرة، فكان ذهاب الفرع لذهاب الأصل، وعلامة عليه. الثاني: وهو التحقيق، أن التقوى والعلم جميعا، من جملة الأعمال، وكلاهما من الأعمال القلبية، وتنفرد التقوى بقسم منها، و (¬6) هو من عمل الجوارح، وهي مأخوذة من الوقاية، وهي الحجاب الموضوع، دون المكروه، فإذا اتقيت الله بقلبك أولا كما يجب، كان ذلك تعليما منه لك، بوضع الحجب التي تقيك عذابه، ووقاية العلم به للعذاب، قبل وقاية العمل له للعذاب، فإذا نقص العمل، كان لنقصان العلم ضرورة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (¬7) أخبر به، أنه لا يقدم على الزنا إلا بعد فوات جزء من العلم وقد بيناه في "قانون التأويل"، و"شرح الصحيحين" (¬8)، وورد في (¬9) الحديث الصحيح: "تعرض (¬10) الفتن على القلوب، كالحصير (¬11) ¬

_ (¬1) ج، د، ز: قلنا. (¬2) د: عن هذا. (¬3) ج: نمثله. (¬4) ب: عنده. (¬5) ج، و: القص. (¬6) د: - و. (¬7) أخرجه البخاري في صحيحه. (¬8) ز: كتب على الهامش: تأليفان لابن العربي. (¬9) ب: - في. (¬10) ج: بعرض. (¬11) ب: كالحصن.

مزيد تحقيق

عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكتت فيه نكتة سوداء فيصير أسود [و 6 أ] مربادا (¬1) كالكوز، مجخبا (¬2)، لا يعرف معروفا، ولا ينكر إلا ما أشرب من هواه" (¬3)، وهذا تنبيه بالغ، ونص فيما أردناه للخصم دافع. مزيد تحقيق: ولا ينكر أحد (¬4) من الإسلاميين، لا من الفقهاء، ولا من المتكلمين، أن صفاء القلب وطهارته، مقصود شرعي، إنما (¬5) المستنكر (¬6) أن (¬7) صفاءه (¬8) يوجب تجلي العلوم فيه بذاته، إذ هو مقابل له في أصل الخلقة، وإنما الحق أن القلب بمداومة الطاعات، والفكرة (¬9) في ملكوت الأرض والسموات، يكون ذلك من إدامة المعرفة علما على النجاة، ويكون عمارة للبدن بالطاعات، وقد قام الدليل العقلي على أن العلم هو (¬10) من العمل قبل العمل، وكذلك (¬11) قام الدليل الشرعي، وشهدت له التجربة، على أنه {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]، وكل من علم أن ملكوت الله في أرضه وسمائه الذي فيها بدنه، وجملة، من مخلوقاته، لم يصرفه إلا في طاعته، فإن قصر فبفوات علمهم (¬12) بما قصر فيه، وعما قصر عنه، وعما قصر به، وهذا كاف في الغرض. تكملة: فنرجع إلى المراجعة مع القول الأول، للقوم الأول، فنقول لهم هذا ¬

_ (¬1) تربد: تغير، وتغيم، وتعبس، والمربد من كان ذا سواد وبياض، والمربدة لون يميل إلى الغبرة. (¬2) ج، ز: مجخبا، د: طمس، كالكوز مجخبا. ويقال الجخب للأجوف المنهوك ويقال للأحمق وللثقيل اللحيم جخابه. (¬3) د: مربات والنقل. (¬4) د: قفه على ما هار. (¬5) ج، ز: وإنما. (¬6) ج، ز: المنكر. وكتب على هامش ز: أصل ة المستنكر. (¬7) ب، ج، ز: - أن. (¬8) ب، ج، ز: صفاء. (¬9) ج، ز: الفكر. (¬10) د: وهو. (¬11) د: فكذلك. (¬12) ب، ج، ز: عمله. وعلق الشيخ ابن باديس عليه بقوله: لعله: علمه.

التشكيك والخيلان (¬1) ألا تردونه إلى الشهوات في البطن، والفرج، والمعاش، في قوام آلات الحياة، فتدخلون فيها التشكيك، وتردون إليها الخيال والاختبال، ولا يكون عندكم فيها فرق بين النظر والإهمال، ولا بين الحلو والمر، والمستقذر والمستحب (¬2)، فإن لم ينقادوا إليه نبذناهم في يم الاعتراض (¬3)، إن لم يكن بنا قدرة على القيام فيهم بالواجب والانتهاض. فإن قيل: قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (¬4) سئل عن شرح الصدر، قال: "هو نور يقذفه الله في القلوب، قيل له: وما علامته؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار [و 6 ب] الخلود، والاستعداد للموت" (¬5)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق الخلق من ظلمة، ثم رش عليهم من نوره"، فليركب عليهما قلنا: هذان حديثان موضوعان لا أصل لهما، يا ليتك لم تصل عليه، ولم (¬6) تنسب الكذب إليه (¬7)، وما أنت في ذلك إلا كمن يحلف ب الله الذي لا إله إلا هو لقد كان كذا وهو كاذب، فيا ليته لم يعظمه ولم يكذب فيما يقرن تعظيمه من حديث. أما أن الحديث الأول له معنى صحيح في الدين، فإن هجر الدنيا يدل على خلو القلب من حبها، وأما الحديث الثاني ففاسد المعنى (¬8) لا أثر له في الشريعة، ولا مبنى، ونعوذ ب الله من الغرور، والغرور، إنما خلق الإنسان من طين ثم نفخ (¬9) فيه من روحه، والذي يعقل هو الطين بإقران الروح، فإن قيل: فقد قال الله سبحانه (¬10): {وغرتهم الحياة الدنيا} [الأنعام: 70] فإن كان لها حقيقة، فليس فيها غزور، قلنا: وليس عندكم قول ولا رب ولا دليل، ولا اعتراض، فما لكم تدخلون دارا لستم مقرين بأنكم فيها، ثم ¬

_ (¬1) ج، ز: الخيالات. والخيلان يراد به هنا الظن، خيل عليه اتهمه، وفيه: تفرس الخير. (¬2) ج، ب، ز: المستخبث. وفي هامش ز: عله: والمستطاب. (¬3) د: الإعراض. (¬4) ب، د: - لما. (¬5) ب، ج، ز: - والاستعداد للموت. (¬6) ب، د، ز: ثم. (¬7) ب: عليه. وعلق الشيخ ابن باديس على ذلك بقوله: لعله: إليه. (¬8) ج: - المعنى. (¬9) د: + الله. (¬10) د: تعالى.

تطمعون أن تتصرفوا في منافعها، لا تمكنون من ذلك انصرفوا صاغرين وانقلبوا (¬1) خاسئين (¬2). فإن قيل: أيها المرشد إن قال المسترشد هذا (¬3): أخرجت من الدار من ليس منها، فما الجواب عن هذا السؤال (¬4) لمن هم من أهلها؟ قلنا له (¬5): الدنيا حقيقة بذاتها، غرارة بمآلها، فإنها موجودة (¬6) حقيقة، فانية حقيقة، منقضية حقيقة، فهي إذا نظرها القاصر (¬7)، المغلوب بالشهوات، المنهمك في اللذات، ركن (¬8) إليها غرورا، وإذا نظرها العالم بفنائها، وأنها طريق لا مأوى اتخذها لذلك مسلكا، فنال من بغيته دركا على ما بيناه آنفا. فإن قيل: أنكرتم الحديث المنور (¬9)، والشريعة مملوءة منه؟ قلنا [و 7 أ]: نحن لم ننكر إلا على تركيب ألفاظ عربية أو شرعية، على معان صابئة (¬10)، ونسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو الكذب متعمدا (¬11)، ولا سيما إذا أفرغت على قالب، تبنى عليه أغراض مقصودة في نحل (¬12) معروفة، فأما تنوير القلوب فهذا أمر شرعي. قد كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، في مظان الإجابة، من آخر الليل، وعند الخلوة على ما روي في الصحيح، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه حينئذ:، " الله م اجعل (¬13) في قلبي نورا، وفي نفسي نورا، وفي لساني نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وفي شعري نورا، وفي بشري نورا، وفي مخي نورا، وفي عظمي نورا، وفي لحمي نورا، وفي (¬14) يميني نورا، وفي (¬15) يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وفي قبري نورا، وعند لقائك ¬

_ (¬1) ج: - وانقلبوا. (¬2) د: خائبين. (¬3) ج: - هذا. (¬4) ب: - السؤال. (¬5) ب: - له. (¬6) ج، ز: موجود. (¬7) ب:+ السؤال. (¬8) ز: ركن. (¬9) د: أحاديث النور. وفي هامش ز: أصل: أحاديث النور. (¬10) ج: صايبة. (¬11) ب: معتمدا، ج: تعمدا. (¬12) ب، ج، ز: محل. (¬13) د: - اجعل وصحح في الهامش. (¬14) ج، د: عن. (¬15) د: عن و.

تخبيل

نورا، وعلى الصراط نورا، واجعلني نورا، واجعل لي نورا، وأعطني نورا، وأعظم لي نورا". فهذه ثلاثة وعشرون منها في صحيح مسلم سبع عشرة دعوة، والباقي صحت من طرق سواه (¬1)، والخير كله نور، والشر كله ظلمة، حقيقة لا مجازا، وأخصه (¬2) أن العلم نور، والجهل ظلمة، والسرور نور، والغم ظلمة، والحديث الذي ذكرتم (¬3) رواه الترمذي (¬4) عن عبد الله بن عمرو (¬5) أن الله خلق الخلق في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك (¬6) أقول: جف القلم عن علم الله. وهذا الحديث حسن الإسناد، لم يبلغ درجة الصحة ولكن يشهد له ظاهر القرآن، لقوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78]، فالمراد بالحديث أنه خلقهم في ظلمة، لا من ظلمة، المعنى خلقهم جهالا، وضرب للجهل مثلا الظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فاستنار به من هداه، وهو عبارة عن العلم الذي يخلقه الله لمن يشاء [و 7 ب] والقبول الذي يهبه (¬7) لمن يريد (¬8). تخبيل: قالوا: ليس عندنا معنى يوثق به، إذ الحس خائن، ألا ترى أنك لو أخذت قبسا من نار، ثم حركته بسرعة، حركة مستقيمة على وضع الخط المستقيم، لرأيته خطا مستقيما، ولو حركته دورية لصار كرة، وقد تأتي (¬9) ¬

_ (¬1) ب: - سواه. (¬2) ب: وأخص. (¬3) ب: ذكرتموه. (¬4) أبو عيسى محمد بن الحافظ أحد أئمة الحديث وتلميذ البخاري، توفي سنة 279 هـ/892 م بقرية بوع بترمذ وله كتاب السنن أو الجامع والعلل. (¬5) ج، ز: عمر: عبد الله بن عمرو بن العاص توفي سنة 65 هـ/ 684 م وكان دينا صالحا، وكان يلوم أباه على القيام في الفتنة (الذهبي، العبر، ج1 ص 72). (¬6) ج: فبذلك. (¬7) د: + الله. (¬8) د: أراد. (¬9) ج، ز: نأتي.

بالحركة على صفة، تكون قوسا من دائرة، فتراه (¬1) تختلف عليه المرائي، وهو (¬2) نقطة واحدة، ولو كانت له حقيقة ثابتة، لما اختلف (¬3) باختلاف الطوارئ، على الذات من خارج. قلنا: هذا إيراد للحقائق (¬4) بأنها خيالات، وبيانه أن القبس الذي ذكروه، له حقيقة مشاهدة، وله إذا سكن صورة، وإذا تحرك صورة، فتختلف عليه الصور بالحركات، والسكون، وحقيقته واحدة، وهذه حقيقة الحقيقة، ألا ترى أن الإنسان له حقيقة، وتختلف (¬5) عليه الصور، فتارة يكون ناطقا، وساكتا، وقائما، وقاعدا، إلى غير ذلك من حالاته، وتصرفاته، ولا تتغير (¬6) له حقيقة، باختلافها عليه، بل له حقيقة دائمة أبدا (¬7)، لا تتغير (¬8) ولهذه الصفات حقائق في ذواتها (¬9)، على تغيرها (¬10)، معلومة محققة، وكل بذاته متحيز، وفي سبيل العرفان سائر، وكذلك الأجسام كلها (¬11)، والعالم بأسره. ¬

_ (¬1) ب: - فتراه، ج، ز: فتارة. (¬2) د: وهي. (¬3) د: اختلفت. (¬4) د: + باسم. (¬5) د: فتختلف. (¬6) ج: تتقي. (¬7) د: أبدا. وكتب على الهامش. (¬8) ج: تتقي. (¬9) د: ذاتها. (¬10) ب، ج، ز: تغييرها. (¬11) ب: كلها.

الموقف الثاني

الموقف الثاني ذهبت طائفة إلى تحقيق العلوم في مواقعها، واعترفت بتعلقها بمعلوماتها، ولكنها ذهبت إلى أن الأدلة، وإن كان تفيدها، وتقتضيها، ولكن رحمة الله ولطفه، إذا فاض على العبد جاءه به من العرفان ما يستغرق مقتضى الأدلة، من البيان، وهذا نحو مما تقدم، ولكن تعلقت به طائفة جليلة، كالحارث بن أسد المحاسبي (¬1) أولا، وأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن (¬2) القشيري (¬3) ثانيا، وبن الرجلين [و 8 أ] طوائف (¬4) لا يحصون كثرة، من مشهور ومذكور، وهذان العالمان سلكا، طريقا متوسطة (¬5) بإين الغلو والتقصير، ونجمت في آثارهما (¬6) أمم، انتسبت إلى الصوفية (¬7)، وكان منها من غلا وطفف، وكاد الشريعة وحرف، وقالوا كما تقدم لا ينال العلم إلا بطهارة النفس، وتزكية القلب، وقطع العلائق بينه وبين البدن (¬8)، وحسم مواد أسباب الدنيا، من الجاه والمال، والخلطة بالجنس، والإقبال على الله بالكلية، علما دائما، وعملا مستمرا، حتى تنكشف له الغيوب، فيرى الملائكة، ويسمع أقوالها (¬9)، ويطلع ¬

_ (¬1) أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي زاهد بصري ومات ببغداد. له مؤلفات في الزهد والأصول وأشهرها كتاب الرعاية، كرهه الإمام أحمد لنظره ق علم الكلام وخوضه فيه توفي سنة 243 هـ/ 857 م (ابن خلكان، ج1 ص 348). (¬2) د: هوازان. (¬3) القثسيري متكلم أشعري، وفقيه شافعي جمع بين التصوف والأصول والفقه أخذ عن أبي بكر بن فورك وأبي) إسحاق الإسفراييني، وعن الحسين بن علي الدقاق المتصوف توفي سنة 465 م/ 1072 م بمدية نيسابور (ابن خلكان، - ج 22 ص 375). (¬4) د: + و. (¬5) د: متوسطا. (¬6) د: أثناء زمانهما. (¬7) د: التصوف. (¬8) د: البذر أو البزر. (¬9) ب، ج، ز: أقوالا.

على أرواح الأنبياء، ويسمع كلامهم وهذا (1) ووراء هذا غلو ينتهي إلى القول بمشاهدة الله (2)، يدخلونه في باب الكرامات إذ (3) كان من الجوزات. قاصمة: ولقد فاوضت فيها أبا حامد الغزالي، حلا! ن لقائي له بمدينة (4) السلام، في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربعمائة، وقد كان راض نفسه بالطريقة الصوفية، من سنة ست وثمان!! ن، إلى ذلك الوقت نحوا من خمسة أعوام، وتجرد لها، واصطحب مع العزلة، ونبذكل فرقة، فتفرغ لي بسبب بيناه في! تاب ترتيب الرحلة، فقرأت عليه جملة من كتبه، وسمعت كتابه الذي سماه بالإحياء (5) لعلوم الدين، فسألته سؤال المسترشد عن عقيدته، المستكشف عن طريقته، لأقف من سر (6) تلك الرموز، التي أومأ إليها في كتبه، على موقف تام المعرفة، وطفق يجاوبني، مجاوبة الناهج لطريق التسديد، للمريد، لعظيم مرتبته، وسمو منزلته، وما ثبت له في النفوس من تكرمته، فقال لي من لفظه، وكتبه لي بخطه: إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن الحسوس، وتجرد للمعقول انشكفت له الحقائق، وهذ! أمور لا تدرك إلا بالتجربة لها عند! و 8 ب، أربابها، بالكون معهم والصحبة لهم، ويرشد إليه طريق من النظر وهو أن القلب جوهر صقيل، مستعد لتجلي المعلومات فيه، عند مقابلتها عريا عن الحجب كالمرآة في ترائي المحسوسات، عند زوال الحجب، من صدا لائط، أو ستر من ثوب أو حائط، لكنه بتراكم الافات عليه (7)، يصدأ حتى لا يتجلى (8) فيه شيء، أو يتجلى (9) معلوم دون معلوم، بحسب مواراة الحجاب له، من ازورار، أو كثاقة، أو شفف، فيتخيل (10) فيها مخيلة، غير متجلية،

كأنه ينظر من وراء شف (¬1)، ألا ترى إلى (¬2) النائم إذا أفلت (¬3) قلبه من يد الحواس، وانفك من أسرها، كيف تتجلى (¬4) له الحقائق، تارة بعينها، وأخرى بمثالها. قال لي: وقد تقوى النفس، ويصفو القلب حتى يؤثر في العوالم، فإن للنفس قوة تأثيرية موجدة (¬5)، ولكن كما قلنا، ما يتوارد عليها من شعوب البدن، وعلائق الشهوات، يحول بينها وبين تأثيرها، حتى لا يبقى لها تأثير إلا في محلها، وهو البدن خاصة (¬6)، كالرجل يمشي في الأرض، على عرض شبر، ولو علا جدارا مرتفعا، عرضه ذراع، ما استطاع أن يبسط خطاه عليه فإنه (¬7) يتوهم سقوطه عنه، فإذا استشعرت ذلك النفس (¬8) واستقرت عليه، انفعل (¬9) البدن لها، وسقط مسرعا، وقد تقوى على أكثر من ذلك، فيكون تأثيرها في غير محلها من جنسها، كما ينظر الرائي إلى جسم حسن، فيقع في قلبه استحسانه، فإذا نطق بذلك عليه، تأثر بذلك الجسم فليط (¬10) به، أو هلك في ذاته، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر" (¬11) وقد ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهاش: قلت: هذا كله من حجة الإسلام رضي الله عنه تمثيل للأمور المعنوية، من أحوال القلب، الناشئة عن التصرفات الإلهية، فيه بالخير والشر، فكأنه مرآة تعتورها الصداءة بارتكاب المعاصي والمخالفات تارة، ويعتورها الجلاء والصقالة بالتقوى والطاعات تارة أخرى، وليس مراده بالصدأ والصقالة المحسوسين، وإنما مراده تقريب هاته المعاني للأفهام والسلام. (¬2) ج: أن. (¬3) ج، ز: قلت. (¬4) ج؛ يتجلى. (¬5) ب، ج، ز: موجودة. (¬6)، ز: كتب على الهامش: وهذا كله منوط بتلك اللطيفة الربانية، المودعة في جرم القلب، لأجل التعقل الموهوب، بفضل الله إلى نوع الإنسان، وأن هذه التقوى المودعة في حواسه الظاهرة، والباطنة لا يعلم حقيقتها سوى الله خالقها وباريها، وليس للمرء من معرفتها سوى ما يحس به، ويدركه من آثارها والله أعلم. (¬7) ب: - فإنه. (¬8) د: + صحة. (¬9) ج: انفصل. (¬10) أي تعلق، لاط الشيء بقلبه يلوط، ويليط، لوطا، وليطأ حبب إليه، وألصق، ولاط فلانا بسهم أو عين أصابه به (القاموس المحيط). (¬11) لم نقف له على ترجمة0

عاصمة

تزيد (¬1) قوتها بصفائها (¬2) واستعدادها، فتعتقد إنزال الغيث، وإنبان النبات، ونحو ذلك من معجزات خارقات للعادات، فإذا نطقت به كان على نحوه، وهذه نفوس الأنبياء، وهي الآيات التي تأيدت بها أحوالهم. [و 9 أ] عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬3) رضي الله عنه (¬4): فلما وعيت هذا سماعا، وكتابة عنه، وقراءة، رجعت إليه متأملا بصادق البصيرة، وعرضته على قواعد النظر، في المعقول والمنقول، ونظرت في أفراده، ثم جمعه (¬5)، فرأيت أنه لا يخفى على ناظر، أن النفس موجودة، والبدن موجود، والروح والنفس (¬6) والقلب والحياة، ألفاظ واردة في الشرع، منطلقة في لسان العرب، على معان قد عرفوها، إذ لا يصح أن يخاطبوا بما لم يفهموا ولا (¬7) أن يعبروا بما (¬8) لم يعلموا، وهي بينة عند الطوائف كلها، عاقلوها ومتشرعوها. فأما البدن فمحسوس، وأما القلب فمشاهد في بعض الأحوال ولكن عند التعطل من عمله، وعند الانفصال عن محله، وأما الروح فمعقولة، وأما النفس فاختلفوا، فمنهم من جعلها الدم، فتكون جسما محسوسا، ومنهم من جعلها معقولة بمنزلة الروح، وحين دارت هذه الألفاظ على ألسنة الأنبياء والحكماء المتلقين (¬9) عنهم، دارت على رسم التوارد، فقد يعبر بالروح عن القلب، والنفس، وعن القلب بهما وعن النفس بالروح، وعن الروح والحياة بهما، وقد يتعدى بهذه الألفاظ إلى غير العقلاء، بل إلى غير الأحياء، فتجعل في كل شيء، فيقال لكل شيء قلب، ونفس، وروح، وحياة، استعارة، فمن لم يعقل وجه الاستعمال تاه (¬10) في مجاهل لا عمارة بعدها، ومن أراد أن يلبس (¬11) ¬

_ (¬1) د: تتزيد. (¬2) ب: بصفاتها، وعلق على ذلك ابن باديس بقوله: أو بصفائها. (¬3) د: قال أبي. (¬4) ب، ج، ز: - رضي الله عنه. (¬5) د: جمعته، ب: علق ابن باديس عليه بقوله: أو جمعته. (¬6) د: - والنفس. (¬7) د: - ولا. (¬8) د: عما. (¬9) ب، ز: المتلقفين، ج: المتلقيين. (¬10) ج: تارة. (¬11) ب، ج، ز: يلتبس. وعلق ابن باديس عليه بقوله: لعله يلبس.

بها وجد مجالا مشكلا للتلبيس، لكثرة الاستعمال. والمعلوم في الجملة أنه (¬1) خلق آخر غير البدن، كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (¬2) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن [و 9 ب] الخالقين [المؤمنون: 14]. فبين أن الجسم خلق، والذي وراءه (¬3) خلق آخر، مجاور له، مغاير، وأنت ترى في الجملة أن للبدن صفات، هي القدرة، والعلم، والكلام، والإرادة، والحياة، والسمع والبصر، فهذه الصفات السبع، هي عماد التقدير، والتفكير (¬4)، والإيجاد والتصرف، وليس يمكن أن يقال في الحياة، أكثر من أنها صفة بها يستعد المحل لقبول الصفات الست (¬5) وهي الروح، وهي النفس، وأرادت طائفة التشغيب، أن تفرد الروح ببيان، وتخصه بنوع من البرهان، حتى انتهى بهم القول، إلى أن يقولوا: وما الإنسان؟. لقد أخبرني أبو سعيد الزنجاني بالمسجد الأقصى طهره الله، عن الأستاذ أبي المظفر شاهفور (¬6)، أن أعرابيا دخل البصرة، فرأى حلقة المتكلمين، فقصد إليها فظن أنها حلقة ذكر، فوجدهم يتكلمون في حقيقة الإنسان، وقد كان عند نفسه معلوما، فلما رأى أهل تلك الحلقة، قد أدخلوه (¬7) في مبادأة (¬8) من يريد (¬9)، وأكثروا فيه من المراجعة والترديد، قام وهو ينشد: إن كنت أدري فعلي بدنه…من كثرة التخليط في من أنه واحتاج شيخ السنة، وصاحبه (¬10) لسان الأمة، ومن دارت عليه من ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: أي الروح. (¬2) ج: - من طين. (¬3) ب، ج، ز: فيه. (¬4) ج، ز: التفكر. (¬5) د: - الست. (¬6) طاهر بن محمد الإسفراييني صاحب كتاب التبصير في الدين 471 هـ/ 1080 م وهو أشعري الاعتقاد شافعي المذهب (طبقات الشافعية الكبىرى، ج3 ص175). (¬7) ب، ج، ز: ادخلوا. (¬8) د: مناداة. (¬9) ب: بديد أو بريد. (¬10) ج، ز: صاحبيه.

طبقاتهم الملة، وأعيان السنة الجلة إلى (¬1) أن يعقدوا (¬2) في ذلك أبوابا، ويجمعوه (¬3) كتابا، فأحسنوا عن الحق منابا (¬4)، فإن الملحدة أدخلت هذه الألفاظ في باب الإشكال، تشغيبا وتلبيسا، والأمر فيها بشهادة الله قريب سجدا. فإن قيل: كيف تقرب البعيد، الذي شهد الله ببعده، ولم يجعل لأحد فيه سبيلا من بعده، فقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]؟ قلنا: قد [و10 أ] تكلمنا على هذه الآية في "أنوار الفجر"، و"شرح الصحيحين"، بما لبابه، أن أحدا من المسلمين لم يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الروح (¬5) لعلمهم بها، وذكرهم لها، في كتابه الذي جاء به إليهم، وما كان ليأتيهم بمجهول، ولو جاء به، ما قبله الأعراب (¬6) منه، وقد كانوا يترصدون وجها من الطعن (¬7)، فكيف إذا وجدوه يأتي بما لا يعلم، ويتكلم بما لا يفهم، وإنما جاءت اليهود بعنادها، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عنها بطنه (¬8) وعادة، لم تزل تتظاهر بفسادها، مقصدها أن يقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9): "هي كذا"، فيراجعونه فيه، ويجادلونه عليها، فأمره الله أن يردعهم (¬10) عنها صيانة له عن تشغيبهم، بما لا يعلمونه، ولا يفتقرون إليه، ولا يحتاجونه (¬11) حتى قالت (¬12) جماعة (¬13): إنه كان من وصفه في التوراة، أنه لا يجيب عن هذا السئال، وهذا وإن لم يرد في الصحيح لم ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: إلى. (¬2) ج، ز: يقيدوا. (¬3) ب: + في ذلك. (¬4) ج، ز: نقابا. (¬5) ز: + (لعدم علمهم بها وعدم ذكرها في كتابه) في الهامش. (¬6) ب، ج، ز: الأعداء. (¬7) ب: النقص أو الظن، ج، ز: النقص. وعلق عليه في هامش ز: أصل: الظن. (¬8) بطنة: بالكسر: البطر والأشر وفي د: بطية. وقد حكى سبويه بطية وقال صاحب القاموس المحيط أنه لا يعلمها إلا أن تكون لغة في أبطأت. (¬9) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬10) ج: يردهم. (¬11) ج، ز: ولا يحاجونه، د: يحاجونه. وصحح في هامش ز. (¬12) د: قال. (¬13) ز: + إله.

يبعد (¬1)، لأنه من صفات العقلاء، فكيف بالأنبياء، أن لا يتكلموا في فضول (¬2)، ولا يخوضوا في غير تحصيل، ولا يجوز هذا مع من يقصد التشغيب، والتضليل، وأنت ترى، ما انتهى الفضول بعلمائنا في تعرضهم لحد العلم، أن بلغ (¬3) القول فيه مع الخصوم، إلى عشرين عبارة ليس منها حرف يصح، وإنما هي خيالات، والعلم لا يقتنص بشبكة الحد، وإذا لم يعلم العلم، فماذا يطلب، أو إلى أي شيء وراءه يتطلع؟ (¬4) وإنما أنشأ هذا حثالة المعتزلة، وكلهم حثالة، لإضمارهم الإلحاد، قصد إيقاع التشكيك والإلباس على الخلق في الحقائق، ليتذرعوا (¬5) بهذه الطريقة إلى مقصدهم الفاسد، وجعلوا يفيضون في الاعتقاد والعلم حتى أنشأوا كلاما يملأ الفضاء، حقه (¬6) أن يقابل بالإعراض وقد أشرنا إليه في التمحيص (¬7) وغيره. قال القاضي أبو بكر (¬8): وإذا انتهى النظر إلى هذا المقام، فنقول إنك أيها المرء، بعد، لم [و 10 ب] تثبت لك معرفة النفس والروح، والقلب، على ما تزعم، ولا استقرت عندك (¬9) حقيقة لذلك، كله (¬10) فكيف (¬11) تريد أن تركب عليه، أنه يعلم المخلوقات، ويؤثر في الأرضين والسموات، لقد أبعدت مرماك، حققه على ما يجب، وبعد فركب (¬12) عليه ما تركب. وأما (¬13) الإشارة بتجرد النفس: أو القلب، عن علائق المحسوسات ليترقى (¬14) إلى المعقولات، فعسى أن يكون ذلك إذا مات، فأما مع الحياة فيبعد ذلك، أو يستحيل (¬15) عادة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول في الحديث ¬

_ (¬1) ب: فليس يبعد، ج، ز: فليس ببعيد. (¬2) د: الفضول. (¬3) د: أن يبلغ. (¬4) ج: يطلع. (¬5) د: ليتدرعوا. (¬6) ج: منه. (¬7) ج: التمحيض. (¬8) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬9) د: - عندك. (¬10) د: - كله. (¬11) ب، ج، ز: - فكيف. (¬12) د: - تركيب. (¬13) ب: وما. (¬14) ب: لترتقي، ج، ز: ليرتقي. (¬15) ب، ج، ز: ويستحيل.

الصحيح (¬1): "إنه ليغان على قلبي فأتوب مائة مرة"، فكيف يصح أن يدعي عاقل، فكيف عالم، قلبا لا يدركه غين، ولا تتطرق (¬2) إليه غفلة، حتى يترقى إلى حالة الفناء، حتى يفنى عن نفسه، فلا يرى أهلا ولا حالا (¬3)؟ وقد حف بالنبي الأزواج، وخالطهن بالوطء، وكيف يدعي أحد قطع علائق ربطها الله قبل، ولم يأذن (¬4) بحلها، وكان النبي (¬5) يشدها، ويحت على النكاح، وعلى انتقاء الأبكار، لا على انتفاء (¬6) الأفكار (¬7)، وأي نفس تكون ذلك أو أي قلب؟ و (¬8) النبي عليه السلام، لم يرد الصحابة إلى ما زعموا من الطريقة، وإنما ردهم إلى ألفاظ القرآن، وما كان معهم عليه، حتى استأثر الله به. وأما قوله: إن ذلك ينال بالتجربة معهم، والصحبة لهم، فإن التعرض للتجربة إنما يكون في الممكن، فيحك ما يمكن في مدق (¬9) التجربة، فأما (¬10) الذي لم يثبت بدليل، ولا سبقت به عادة، فكيف يتعرض له بتجربة، والصحابة لم يسلكوا طريقه، ولا نظروا تحقيقه، والذي يدل على بعده الحديث الصحيح، واللفظ لمسلم، أن حنظلة الأسدي (¬11) وكان من كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه [و 10 ب] وسلم فوعظنا فذكرنا بالنار، قال: فجئت إلى البيت فضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقينى أبو بكر (¬12)، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: نكون عند ¬

_ (¬1) د: - في الحديث الصحيح. (¬2) ج، ز: يتطرق. (¬3) ب: علق عليه ابن باديس بقوله: لعله: مالا. (¬4) ب، د: قبل أن يأذن. (¬5) ج: + عليه السلام، ب: + صلى الله عليه وسلم. (¬6) ز: كتبت على الهامش: انتقاد. (¬7) ب: الإنكار. (¬8) ج: - و. (¬9) ب: مندق، ج: صدق، د: ميزن، ز: صدق. (¬10) ب، ج، ز: وأما. (¬11) حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي صحابي تخلف عن علي يوم الجمل توفي سنة 45 هـ/ 665 م (الكامل لابن الأثير حوادث سنة 100. الزركلي، الأعلام، ج2 ص 332). (¬12) ب، ج، ز: + رضي الله عنه.

رسول الله (¬1)، يذكرنا بالنار، والجنة، كأنا رأي عين، فإذا خرجنا (¬2)، من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، فنسينا (¬4) كثيراً قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، فدخلنا على رسول الله (¬5)، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله (¬6)، فقال رسول الله (¬7): "وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله (¬8) نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا (¬9) الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، فقال رسول الله (¬10): "والذي نفسي بيده، لو تدومون (¬11) على ما تكونون عندي" (¬12) وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) فتفطن الصحابة لتغير القلب، عند مفارقة النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الحالة التي يكون (¬13) معه عليها، وسألوا النبي عن ذلك، فأخبرهم أن تلك الحالة، لو دامت لصافحتهم الملائكة معاينة، وذلك ممنوع من الله للخلق فما يفضي إليه ممنوع، وإلا فلم لم (¬14) يحضهم عليه، وهل كان فوق منزلة (¬15) الخلفاء منزلة، يرتقى إليها، وما كلمهم ملك، ولا صافحهم؟. وأما قوله: إنه (¬16) يتقدمه (¬17) نوع من النظر، وهو النظر في حقيقة القلب، فليس له حقيقة، إلا التي لليد، وكلاهما وتيرة (¬18) وهل هما إلا جسم مركب (¬19) من لحم، أو من لحم وعظم، وعصب فإن قال: اكشف لي (¬20) عن ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬2) ج: أخرجنا. (¬3) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬4) ج، ز: نسينا. (¬5) ب: والله. (¬6) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬7) ب، ج، ز: - يا رسول الله. (¬8) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬9) ز: نافسنا. (¬10) ب، ج، ز؛ + صلى الله عليه وسلم. (¬11) د: تدمون. (¬12) ب: - و. (¬13) د: تكون. (¬14) ج، ز: لا. (¬15) د: - منزلة. (¬16) ب، ج، ز: - إنه. (¬17) ب: يقدمة، ج، ز: بتقدمة. (¬18) ب، ج، ز: وتمرة. والوتيرة هي الطريقة الواحدة، ويقال وتر القوم جعل شفعهم وترا (القاموس المحيط). (¬19) د: تركب. (¬20) د: - لي.

حقيقة القلب، [و 11ب] قيل له، واكشف عن حقيقة اليد، ولعلك تظنها هذه (¬1) الجارحة المشاهدة، لقد قصر نظرك إن أوقفته (¬2) عليها، هيهات بل (¬3) هي معنى وراء ذلك، فإنك تشاهدها متصرفة (¬4) مقدرة، موجدة، منيلة معينة (¬5) ثم (¬6) تارة (¬7) و (¬8) صاحبها قائم القناة (¬9) كالخرقة الملقاة، فلو رمت أنت وصاحب الجيم (¬10) في طبه، والطائين (¬11) في طبيعتهما (¬12)، والفاء في إلاهيته، أن يذكر في ذلك حرفا، يفيد علما، لم تستطيعوه (¬13) ولولا الطول (¬14) لسردت عليكم (¬15) في ذلك مناظرات، من "نزهة المناظر وتحفة (¬16) الخواطر"، تعجبون منها، فانظروها فيها. وأما قوله: إن القلب مستعد بذاته، لتعلم (¬17) المعلومات، فهذا لا يجوز في صفة الإله، فكيف أن يجعل ذلك للقلب؟ لا يصح أن يكون شيء يعلم بذاته، لا من قديم ولا من محدث (¬18)، وهذا شيء أصلوه، ليركبوا عليه انكار الصفات، إنما القلب واليد (¬19) موجودان خلقهما الله، ويخلق فيهما على الترتيب والتدريج، ما شاء، ولكل واحد مجراه الذي جعل له، ليس لواحد منهما صفة، إلا أن يخلق الله (¬20) فيهما ما شاء (¬21)، أو لا يخلق. وأما المرآة، فلا يصح التمثيل (¬22) بها، في هذه القضية، وأنا أعلم ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - هذه. (¬2) ج، ز: أوقعته. (¬3) ب: بك. (¬4) ب، ج، ز: مصرفة. (¬5) د: مفيته. (¬6) ب، ج، ز: - ثم. (¬7) كذا في الأصول الأربعة. (¬8) ج: - و. (¬9) ب: ألفياه. (¬10) ج، ز: الخيم. (¬11) ب: وطابن، ج، ز: والطابن. (¬12) ب: صبيعتهما. (¬13) ب: يستطيعوه. (¬14) ب: التطويل. (¬15) ج: - في ذلك حرفا يفيد علما لم تستطيعوه ولولا الطول لسردت عليكم. (¬16) د: وتحف. (¬17) د: ليعلم. (¬18) د: حديث. (¬19) ب، ج، ز: اليد والقلب. (¬20) ب، ج، ز: الله يخلق. (¬21) ب، ج، ز: ما يشاء. (¬22) ج، ز: التمسك.

بسرهم (¬1) فيها، واعتقادهم في حقيقتها، فإنهم بنوها على أن الإدراك فيها، إنما يكون بانعكاس الأشعة على زوايا في مرايا، وذلك مذكور في كتب المناظر وخاصة المنسوبة إلى بني الهيثم، وإنما يذكرونها جبها (¬2) للناس، وتشكيكا (¬3) لهم، وسكونا إلى أن علماءنا قد احتجوا بها، وعولوا في رؤية الباري عليها، وأنه مرئي في غير جهة، ونحن الآن لا نفتقر إليها، فلا نسلمها، ولا نخوض معهم فيها، وأنا أعلمكم أنهم إذا اجتمعوا مع إخوانهم المعتزلة، فتذاكروا (¬4) أنا نحتج في [و 12 أ] مسألة رؤية الباري في غير جهة بمسألة المرآة، ضحكوا منا، وفكهوا بنا، وحكموا بالجهالة علينا. ولقد مشيت يوما بعسقلان، إلى محرس باب غزة (¬5) وقد كان القاضي حامد المعتزلي الحنفي (¬6) ورد علينا بها، فاجتمع عليه (¬7) الشيعة، والقدرية، وأهل السنة على طريقتهم، في قصد الواردين المتحلين (¬8) بالعلم، والمنتسبين (¬9) إليه (¬10) وكانت (¬11) بيني وبينه معرفة في المسجد الأقصى، فقال له أحد أصحابه: هل يحكم (¬12) بكفر الأشعرية، في قولهم: إن الباري يرى؟ فقال (¬13) له القاضي حامد: لا يحكم (¬14) بكفرهم لأنهم يقولون: إنه يرى في غير جهة، فيذكرون (¬15) ما لا يعقل، ومن قال ما (¬16) لا يعقل لا يكفر، وفي هذا الكلام نظر يأتي بيانه (¬17)، إن شاء الله تعالى، وإنما ذكرته لكم لتعلموا قدرنا (¬18) ¬

_ (¬1) ب، ج: قصدهم، ز: قصدهم. وعلق عليه في الهامش مصححا من الأصل المقابل عليه. (¬2) د: حسما. (¬3) ب: وتسكينا. (¬4) ب، ج، ز: فذكروا. (¬5) د: عزة. (¬6) لم نعثر له على ترجمة بعد البحث الطويل. (¬7) ج: إليه. (¬8) ج، ز: المتحليين. (¬9) ج: والمنسيين. (¬10) د: - إليه. (¬11) ب: كان. (¬12) ب: تحكم، ج، ز: نحكم. (¬13) ب، ج، ز: قال. (¬14) ب، ج، ز: نحكم. (¬15) ب، ج، ز: ويذكرون. (¬16) ج: - ما. (¬17) د: + بعد هذا. (¬18) ج، ز: قدر ما.

عندهم، ولولا أنكم لم تتمرنوا بالهندسة، لأريتكم (¬1) من خطئهم في المرآة ما لا يخفى على من تعلق بشيء من الطريقة. ولقد قلت يوما لبعض حذاقهم وقد تفاوضنا في المناظر (¬2)، بسبب القول في رؤية الله عز وجل، على اتصال الأشعة، وانعكاسها بصقالة الأجسام فقلت له: فهذا الماء الصقيل إذا نظرت إليه، رأيت نفسك معكوسا فيه، وأنت مستقيم عليه، فإن كان الإدراك في الصقيل، لا يكون إلا بانعكاس الشعاع، فهذا أيضا (¬3) انعكاس في انعكاس، فكيف التقيا على (¬4) خط، وانحرفا في زاوية؟ فبهت، وجرى من الكلام ما لا فائدة لكم في ذلك (¬5) لأنه ليس من ألبابه (¬6)، فأنزلوا معهم إلى أن (¬7) القلب محل العلم، فمن أين تقولون إنه صقيل، ولصقالته (¬8) تجلت المعلومات فيه؟ فلا يجدون (¬9) شيئا يعولون عليه، إنما الباري يخلق في القلوب (¬10)، إدراك العلوم، ابتداء ويركبه (¬11) فيجري التدبير فيها والتقدير [و 12 ب] والتفكير على نظام، فذلك النظام (¬12) المستقيم الجاري على القوام (¬13) والتقويم (¬14)، سماه سبحانه شرحا تارة، وتنويرا أخرى، تعليما منه لخلقه حين (¬15) لم يتأت (¬16) لهم نظام، في الأفعال المحسوسة إلا بأنوار الله (¬17)، النور المحسوس، والنور المعقول، فاعرفه، واعترف، وأقدره قدره، وأنسبة إلى نسبته (¬18)، وأنزله (¬19) منزلته، ولا تعد به (¬20) عن محله. ¬

_ (¬1) ج: ليتكلم. (¬2) ج; المناظرة. (¬3) د: إذا. (¬4) ب، ج، ز: في. (¬5) ج: ألك. (¬6) ب: الباب. (¬7) ب: - أن. (¬8) ج: والصقالة، د: وبصقالاته. (¬9) ب، د: تجدون. (¬10) ب، ج، ز: القلب. (¬11) ج، د، ز: ومرتبة. ولعله: ويرتبه. وصحح في هامش ج، ز: يركبه، واختار ابن باديس: يربه. (¬12) ج: - النظام. (¬13) د: القيام. (¬14) جـ، ز: حتى. وصحح في الهامش. (¬15) ب، ج، ز: حتى. وصحح في الهامش. (¬16) ب، ج، ز: + منه. (¬17) د: ولله، وصحح في متن ب، ج، ز; وكتب على هامش ب: فلله. وعلى هامش ج، ز: ولله. على أن ذلك كان في الأصل القابل به. (¬18) ج: نسبة، ب، نسبه. (¬19) ب، ج، ز: + في. (¬20) ب، ج، ز: لا تعديه.

وأما دعواهم رؤية الملائكة والأنبياء، وسماع كلامهم، فذلك ممكن للكافر والمؤمن، فأما رؤية الكافر له (¬1)، فعقوبة، وحجة (¬2) وبلاء (¬3)، وفتنة، وأما رؤية المؤمن (¬4) فكرامة، ولو كان رؤيتهم للملائكة - كما يقولون - لصفاء القلب (¬5) فيتجلون فيه (¬6) لاقتصرت (¬7) رؤيتهم على القلب الصقيل، ولم يرهم قلب لصدأ (¬8)، قد تراكم بالرين، وهذا مما يمنعونه سرا، ولا يقدرون عليه جهرا، لأنهم يتظاهرون بالإسلام، فأما الفلاسفة فيمنعونه (¬9)، وسيأتي الكلام معهم في طريقتهم (¬10)، في الأدلة، وعقيدتهم في الملة إن شاء الله تعالى (¬11). وقد سمعت الصحابة كلام الملائكة، وسمعها من لم يؤمن، ورأوها (¬12) في صورة الآدمي، ورأوها (¬13) في صورة النحل (¬14)، ولم يكونوا من صفاء القلب، وقطع العلائق بحيث يشترطون في رؤيتهم، وإن كانوا من تقوى الإله، وفضل المعرفة، بأوفى مرتبة، فهذه (¬15) دعاوى باطلة، لا أصل لها في منقول ولا معقول. وأما قولهم: إن النفس تؤثر من (¬16) ذاتها حتى تترقى إلى جنسها (¬17)، حتى تترقى إلى العوالم (¬18)، فيبعد أن يتخيل هذا عاقل، فكيف عالم، إنه ليس لشيء تأثير، ولا صنع (¬19)، ولا توليد، لما (¬20) ثبت من الأدلة في موضعه، فإنه (¬21) لا خالق إلا الله، ولا يخرج من العدم إلى الوجود شيء إلا بقدرته [و 13 أ]، وقد دللنا على ذلك في موضعه، واعطف على شيخنا بالكلام، دون غيره من ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - له. (¬2) ب: وحجبه. (¬3) ب: ويلا. (¬4) ب:+ له. (¬5) ب:+ الصقيل. ويبدو أنه مشطوب كما أشار إلى ذلك ابن باديس. (¬6) ب، ج، ز: فيها. (¬7) ب، د: لاقتصر. (¬8) د: يصدأ، ج، ز: بصدأ. (¬9) ب، ج، ز: فمنعوه. (¬10) د: طريقهم. (¬11) ب، د: - تعالى. (¬12) ب، ج، ز: ورآها. (¬13) ب، ج، ز: ورآها. (¬14) ب، ث: النمل. (¬15) ج، ز: فهذا. (¬16) ب، ج، ز: في. (¬17) ب: - حتى تترقى إلى جنسها. (¬18) د: أبعد ألم. (¬19) ب، س، ز: منع. (¬20) د: بما. (¬21) ب، ج، ز: بأنه.

الأنام، لما بيني وبينه من مجلس ومقام، فأقول له (¬1): سبحان الله هل أخذنا عنك في (¬2) كتاب، وقيدنا على كل باب، إلا (¬3) أن الله منفرد بالإيجاد، متوحد بالاستبداد وأن ما سواه لا ينسب إليه فعل، ولا يناط به حادث، وأين ما سردت في مناجاة النملة والقلم، حتى انتهيت إلى المنهج الأمم، وأين التبري من الوقوف على تلك المنازل، في النوازل، والترقي على تلك الدرجات في المدارج، حتى انتهيت إلى بحبوحة القدس، فالآن ترد التأثير إلى النفس، هيهات، إن ما يخلقه الله في بدن العائن، هو كما يخلقه (¬4) في بدن المسحور، كما يخلقه في بدن المضروب والمقتول، كما يخلق حركة الخاتم بحركة اليد، أين ما قيدت، بعد أن انفردت في "الاقتصاد" و"المستصفى" وما رويت عن إمام الحرمين في مدارك العقول، مما قيدناه في انفراد الباري بالإيجاد، وحده، وكل مخلوق محل لمجاري مقادير الله؟. فإن قلت: إن النفس تؤثر ذلك، عند تعلق القصد منها إليه، قلنا: هذا فاسد من ثلاثة أوجه (¬5): الأول: إن هذا ما يجب أن يثبت أولا، مشاهدة، أو بخبر (¬6) صدق، يوجب العلم، وحينئذ تنسبه (¬7) إلى الله إيجادا بالقدرة الأولية (¬8) في الأصل، وتجعل النفس، وما تعلقت به محلا (¬9) لمجاري مخلوقات الله. الثاني: إنه وإن كان (¬10) انكشفت له المعلومات، واتضحت له المعقولات، واستبصر بالحقائق، والكائنات، فليس في قوة القلب، تأثير في الإيجاد، وإنما غايته الإدراك، والكشف، فأما تعديه إلى الإيجاد، فلا يصح بحال. الثالث: إنك إن (¬11) قلت: وجدناه (¬12) بالتجربة، فهذا عمر قد قال: يا سارية الجبل، وهذا الأوزاعي قال لرجل يعظه [و 13ب]: لو أطعت الله، وقلت لهذا الجبل ادن لجاءك، فتدكدك الجبل، وسعى حتى دنا من الأوزاعي، ¬

_ (¬1) ب، د: - له. (¬2) د: + كل. (¬3) ج: الأول. (¬4) ب، ز: + الله. (¬5) ب، ج، ز: لا يصح من أوجه. (¬6) ب: لخبر. (¬7) ب، ج، ز: ينسب. (¬8) ج، ز: الأزلية. (¬9) د: مثلا. (¬10) د: - كان. (¬11) ب، ج، ز: قد. (¬12) ب، ج، ز: وجدنا.

فقال له: إليك عني إنما هو مثل ضربته لصاحبنا (¬1) هذا، قلنا: هذا الآن قول في كرامات الأولياء، وهي أصل الدين وعمدة من عمد المسلمين، لا ينكرها إلا جاهل، اتفق عليها العلماء، واختلفوا هل هي (¬2) خرق عادة، أو إجابة دعوة، ونحن الآن لا (¬3) نخوض في النظر فيها (¬4) فإنها (¬5) تجوز بخرق العادة، على شروطها التي بيناها في أمالينا، ولكنها إذا جرت، لا تجري بتأثير (¬6) نفس، وإنما يسأل العبد الصالح ربه فيجيب دعاءه في مطلبه (¬7)، ويكشف له بالمعرفة عن خفايا جهله، وهذا من الجائز القليل الوقوع، لكن الناس قد أكثروا فيه الرواية، وادعت (¬8) طوائف كثيرة هذه (¬9) المنزلة، فأحدث الإكثار من ذلك إنكارا واستبعادا، في نفوس أكثر الخلق. وأما اضطراب الجبل للأوزاعي (¬10)، فلا يلتفت إلى روايته، وإنما اضطربت الجبال (¬11) بمكة والمدينة لمحمد (¬12) وأصحابه، وهذا باب آخر لا ينتفع به قائلة فيما نحن فيه بسبيله، فقد بيناه، في موضعه بدليله. قال القاضي أبو بكر (¬13) رحمه الله (¬14): والذي قيدت عنه وعن غيره قبله، سماعا ورواية، أن النبوة ليست بصفة ذاتيه للنبي وإنما هي عبارة عن قول الله تعالى (¬15) بلغ (¬16) إلى خلقي كلامي، وهذا مما لا يصل إليه أحد بعمل، ولو كان أوفى (¬17) من عمل الملائكة والآدميين، وإنما يأتي موهبة من الله، وهذه الموهبة التي ليس لأحد فيها حيلة (¬18)، دليل من الله، وهي خرق العوائد وتأثيرات في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: لصاحبي. (¬2) د: + في. (¬3) د: - لا. (¬4) د: - فيها. (¬5) د: بأنها. (¬6) ب، ج، ز: بتأثر. (¬7) د: مصلبة. (¬8) ب: ودعت. (¬9) ب، ج، ز: لهذه. (¬10) ب، ج، ز: - للأوزاعي. (¬11) ب، ج، ز: اضطرب الجبل. (¬12) د: بمحمد. ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬13) د: قال أبي. (¬14) د: رضي الله عنه. (¬15) د: - تعالى. (¬16) د: أبلغ. (¬17) ب، ج: أوفر. (¬18) ب، ص، ز: + عليه.

العالم، من فعل الله تشهد بصدق الرسول، فلا يصح أن تكون شهادة، فيوردها (¬1) في غير محلها، ولا تكون من فعل أحد غير الفاعل [و 13ب]، المطلق بالحقيقة، وقد قيدنا عنه أن ذلك من قوى النفس، بالتأثير (¬2) في الأجسام العلوية، وأن ذلك مما لا ينكر أن يكون للأنبياء، قال: وإنما ينكر اقتصارهم عليه، ومنع قلب العصا ثعبانا، قال أبو بكر بن العربي (¬3): وأنا أقول: إني لا أنكره، ولكني (¬4)، أقول: إن (¬5) هذا التأثير ليس (¬6) للنفوس، وإنما هو مما يخلقه الله بقدرته، وإرادته، للنبي مع التحدي، ليكون معجزة، أو مع عدم (¬7) التحدي فيكون آية وكرامة، فأما أن يجري (¬8) على حكم النفوس مجرى (¬9) الأشياء المعتادة والتأثيرات (¬10) المتعارفة فلا، وسترى ذلك في الإملاء على التهافت إن شاء الله. وبعد النظر الطويل الذي هذه إشارته (¬11) خرجت عن هذه الغمرة التي أوجبها استرسال مثله، في هذه الألفاظ القلقة، التي لا يصح (¬12) أن يكون فيها إذن لأحد ليذكرها، فضلا عن أن يحققها، ويسطرها، وهي أخلاط غالبة على الفؤاد (¬13)، ومعاني حائدة عن سنن السداد. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: فنوردها. (¬2) ب، ج، ز: بالتأثر. (¬3) د: قال أبي. ب: - بن العربي. (¬4) ب: ولكن. (¬5) ب، ج، ز: - إن. (¬6) ب: - ليس. (¬7) ج: - عدم. وعلق على الهامش تصحيحا له: غير. (¬8) د: تحدي. (¬9) د: تحري. (¬10) ب، ز: التأثرات. (¬11) د: هو إيثار له. (¬12) ب، ج، ز: تصح. (¬13) ب: الفوائد.

الموقف الثالث

الموقف الثالث قالت طائفة لا معلوم إلا المحسوس المدرك من الحواس، أو (¬1) ما يظهر في النفس ابتداء، مما لا ريبة فيه، كجواز الجائزات، واستحالة المستحيلات، فأما هذه المعارض التي تدعي، ويتعرض لها بالاكتساب، والفكر، في تفاصيل طرقها، حتى تحصل، فليس وراءها طائل، لاختلاطها وتشابهها وعدم الوصول إليها، ومتى رأيت نظارين (¬2) اتفقا، أو دليلا (¬3) وقف بك على منتهى؟ بل ترجع (¬4) عنه (¬5) تارة، وتشك أخرى، وهذا مما لا يوثق به، لا (¬6) سيما إذا تعارضت الطرق، أو حمل معنى على معنى، ألا ترى أن الحذاء لو حذا نعلا على مثال، ثم حذا على ذلك الثاني، ثالثا، وتمادى كذلك إلى سبعة أمثلة، مثلا (¬7)، فإنك إذا ركبت السابع على الأول، [و 14ب]، لم تجده على مثاله، وهذا نظر في المحسوسات، ولكنه لما بعد اضطرب، فكيف فيما يخرج عن سبيل الحس. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬8): قال لي أبو علي الحضرمي بالثغر: ليس هذا مذهبا لأحد، وإنما أوردته الملحدة، من (¬9) الخرمية (¬10) والباطنية، تشكيكا، وتشغيبا، وإلا فهم مقطوعون في أول كرة، بالطريقة التي افتتح بها العلماء ¬

_ (¬1) ج: وما. (¬2) ج: النظرين. ز: نظرين. (¬3) ب، ج، ز: دليلان. (¬4) ب: ترجح. (¬5) ب، ج، ز: - عنه. (¬6) ب: ولاسيما. (¬7) ب، ج، ز: - مثلا. (¬8) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬9) ج: - من. (¬10) ب، ج، ز: الحرمية. د: الخدمية. وصوابه: الخرمية كما أثبتنا.

تصانيفهم، ونقول لهم بعد ذلك: هذا الكلام، تطردونه في الأعمال والعقائد، أو تقصرونه؟ (¬1) فإن طردوه في الأعمال والتصرفات، وطلب المعاش (¬2)، فكلها نظري، لا ضرورة فيه قطعا، أو قصروه (¬3) على الاعتقادات الباطنة، قيل لهم: الأعمال التي سلمتم (¬4) جريان النظر فيها، إنما ترتبط بالعقائد، لأنها تنعقد أولا، ثم ترتب بالنظر، ثم يبرز العمل ما انعقد من ذلك واستقر، فدل ذلك على صحة النظر، فإذا (¬5) صح النظر فيها، لإفادته، دل على صحة النظر في الاعتقاد وحده. فإن قيل: علمنا صحه النظر في الأعمال بالعثور على المقصود قطعا، أو بالخطأ فيه قطعا، قلنا: عنه جوابان: أحدهما (¬6): إن الذي قدم النظر في الاعتقاد أولا، هو رجاء الحصول، كذلك في مسألتنا، ثم يكون بعد ذلك العثور على شيء أو عدمه (¬7)، نظرا (¬8) آخر (¬9). الثاني: أنا كذلك نعثر على المطلوب، بالنظر في باب الاعتقاد، والسقوط عنه، وليس يلزم أن يستوي النظر (¬10) في (¬11) العقائد، كما لم (¬12) يلزم (¬13) أن يستوي النظر في الأعمال، فإن منها ما يبدو قريبا، ومنها ما يبعد، ومنها ما يقع العثور فيه على المطلوب، ومنها ما يخطئ (¬14)، ويعلم أنه من تقصير، ومنها (¬15) ما يشكل عليه فيتوقف، ولا يعترض ذلك على أصل النظر، في ¬

_ (¬1) ج: وتقصرونه. (¬2) د: المقايس. (¬3) ج: وقصروه. (¬4) د: سلبتم. (¬5) د: وإذا. (¬6) ج: بياض مكان "إحدهما". (¬7) ب، ج، ز: بياض بعد "عدمه" بقدر كلمة. وكتب في بياض ز: صح. (¬8) ب، ج، ز: نظر، وبعده بياض بقدر كلمة. وكتب في بياض ز: صح. (¬9) ب، ج، ز: بياض بعد "آخر" بقدر كلمة. وكتب في بياض ز: صح. (¬10) د: النظران. (¬11) د: + الأعمال. (¬12) د: - لم. (¬13) ب: - أن يستوي النظر في العقائد كما يلزم. وكتب على الهامش: (والعقائد كما يلزم أن يستوي النظر في الأعمال) ولعل الصواب: "في العقائد" بدل "والعقائد". كما اقترح ابن باديس. (¬14) د: يخصى. (¬15) د: منه.

الأعمال بالإبطال [و 15 أ]، وقد يقال: أنتم إنما مقصدكم ترك (¬1) النظر، حتى لا يكون ابتلاء ولا وظيفة (¬2) ولا يقبل من نبي قول، لأنكم لم تقدروا على تحقيق ذلك، فنبذتموه، فأنت - كما قلت لمن حظر (¬3) - إذا نظرت في الكيمياء عمرك وقد سمعت بعدها أو فقدها، فلم يقطعك ذلك عنها، وكذلك أنت الذي خرجت تطلب الكنوز في القبور، وفي المواضع التي ترجوها فيها، أو لا ترجوها، ويأتيك المنجم، فيقول لك ربعت هذه البقعة فاقتضت الطوالع أن فيها مالا (¬4) فغدوت تعني (¬5) قلبك وبدنك فيها ومالك، بأي المحسوس أدركت ذلك؟ هل فعلته إلا بنظر أصله طمع؟ فكيف لم تنظم (¬6)، في (¬7) أوليتك ومن أولك و (¬8) وأخرك، ومن صورك وقدرك؟. وهذا الغرض (¬9) لا تحتقره (¬10)، فإنا قد رددنا به عن الباطل، من (¬11) اعتقده، وافهموا أنكم إذا أردتم أن تيقنوا (¬12) مشككا، أو تدلوا (¬13) حائرا، لم يكن فيه شيء أنجع، من أخذه من بابه، وهذه سيرة الله في أدلته مع أوليائه لأعدائه، وسنة أنبيائه في أنبائه. وأما مسألة الحذاء، فإنما وقع الخطأ فيها، بتقصير الحذاء، في ضبط المثال، وإلا (¬14) فلو ارتبط لتحصيله، ولم يعجل في تحصيله، لكان السابع كالأول، وقد جربناه فوجدناه، ولكنه (¬15) إذا حذا قصر، فلا يظهر التقصير الأول لخفائه، ولا الثاني حتى ائتلف الخطأ على المخطى فيه، جاء محسوسا، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - ترك. (¬2) ب، ج: وضيفة. والوظيفة في اللغة تطلق على العهد والشرط. (القاموس المحيط). (¬3) ج، ز: حضر. د: خطر. والمقصود من يحرم النظر في الكيمياء. (¬4) ج: فيها أن ما لا. وإشار الناسخ إلى أن في الجملة تقديما وتأخيرا، فوضع حرف (خ) على "فيها" وحرف (ق) على"أن". (¬5) ب، ج، ز: تفنى. (¬6) ب: من ينظر، ج، ز: لمن ينظر. (¬7) ب: - في. (¬8) ب، ج، ز: أو. (¬9) ج، ز: الفرض. (¬10) ب، د: لا تحقره. (¬11) ج، ز: + قد. (¬12) ب، ج، ز: توقنوا. (¬13) ب، ج: وتدلوا. (¬14) ب، ج، ز: أولا. (¬15) ج، ز: ولكن.

كالجوهر، فإذا ائتلف صار محسوسا، ولو فككت الجسم لانتهى إلى حد، يفوت الآلات، حتى ينتهي إلى حد، يفوت الحس، وهو معقول، حتى ينتهي إلى حد، تقف التجزية (¬1) عنده عقلا بالدليل حسبما بيناه في كتب (¬2) الأصول. قال القاضي (¬3): وقد رأى هؤلاء المحرومون [و 15 ب] أن النظر في علم الكلام، متفاوت في الجلاء والخفاء، حتى لقد بينت (¬4) لبعضهم، في طريق الجدال تارة والإرشاد أخرى، إذا قال الرجل: اثنان في اثنين كم يكون مجموعهما؟ فيقال أربعة. فيعيد السؤال عليه في الأربعة، فيقول له: ستة عشر، ثم يعيد حتى ينتهي إلا أعداد مركبة، يفتقر فيها إلى أعمال الفكر، وربما لم يصب (¬5) فيها إلا بعد لأي، وكذلك لو قال: أربعة ونصف، ثم يقول له: أربعة (¬6) ونصف، ونصف (¬7) وثمن، ثم يقول له: أربعة ونصف، ونصف و (¬8) ثمن، وربع ثلاثة أجزاء من ثمانية وتسعين، رأى نفسه في إشكال طويل فيضره ذلك (¬9)، ولكنه يبرز الوجه فيه (¬10) بتفكير (¬11). وإذا دخل في استخراج المجهول من المعلوم افتقر إلى نظر طويل، فيضجره ذلك، ويتركه (¬12)، حتى إذا احتاج إلى قسمة حقل، أو دار، على فرائض مختلفة، لجأ إلى سواه، واستغاث بغيره، وبذل له (¬13) ما له فيه، ونزل الدنية من الجهل، والاستجداء (¬14) إلى من هو دونه، فإن كان ذلك محتاجا ظهر عليه بما له، واشترى منه علمه، وإن كان غنيا، ترفع (¬15) عنه حتى يخضع له، فإن قال: هذا وإن كان كذلك فإنه (¬16) يفضي إلى يقين، قلنا له: ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: التجربة. (¬2) د: كتاب. (¬3) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬4) د: بنيت. (¬5) د: تصب. (¬6) ب: - ثم يقول له أربعة. (¬7) د: - و. (¬8) د: - و. (¬9) ب، د: - فيضره ذلك. (¬10) د: فيها. (¬11) ب، ج، ز: التفكير. (¬12) ج، ز: طول فيضجره ذلك ونبركه. ب: كتب على الهامش وسقط في المتن. (¬13) د: - له. (¬14) د: الاستخذاء. (¬15) ج، ز: يرفع. (¬16) د: - فإنه.

كذلك (¬1) النظر في العقائد الدينية يفضي (¬2) إلى يقين. فإن قال: فلم اختلف الخلق فيه؟ قلنا: ليس خلاف من خالف في الحق مبطلا له، إنما علينا أن نعرض عليه الفصول في الأصول (¬3)، حتى يقف على فائدة الدليل، ونحن نقرر لكم، فنقول: إن معظم اختلاف النظار بالحقيقة، في العقائد، ليس (¬4) اختلافهم (¬5) في القواعد، وإنما ذلك لعسر الطريق (¬6)، وكثرة العوائق، وكلال الخاطر، وضعف الهمة (¬7)، وقلة الرغبة، واحتقار الفائدة، وإحدى هذه تبطل الأرض، وإن الله شاء ببالغ حكمته، ونافذ قدرته، أن يجعل الخلق فريقين، كما بينا [و 16 أ]، ويقسمهم إلى الهدى والضلال، وقسم علمه فيهم إلا الجلي (¬8) الطريق والخفي (¬9) الطريق، ووضعه درجات، ليظهر شرف علمه، ولينزل كل أحد منهم في درجة، حتى يتفاضل (¬10) الخلق، كما كتبه لهم، وأراده منهم، وإلا فأي دليل لم يوصل إلى مدلول؟ {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [النمل: 64]. والنظر في التفصيل، يبين التحصيل، وهذا كله مجاهدة على الدين، وحيل (¬11) في هدم قواعد الشرائع، من الإباحية والتعطيلية (¬12). ¬

_ (¬1) ج، ز: - كذلك. (¬2) د: تفضي. (¬3) ب، د، ز: الوصول. (¬4) د: - ليس. (¬5) د: لاختلافهم. (¬6) د: النظر. (¬7) ب: المنة. (¬8) ص، ز: أجلى. (¬9) ج، ز: أخفى. (¬10) ج، ز: تتفاضل. (¬11) ب: حيد. (¬12) ج: والتعصيلية.

الموقف الرابع

الموقف الرابع قالت طائفة: العلم صحيح، ولا يخلق المرء به، بل يستفيده بالتعلم (¬1)، والعلم لا يحصل إلا لمتعلم، وهو طالب العلم، ولا يصح أن يطلب إلا من أهله، وليس له أهل إلا المعصوم، الذي لا يجوز عليه الخطأ، ولا يشك فيما يلقيه، وهو الإمام المعصوم و (¬2) في كل وقت، يتناقلون العلم من معصوم إلى معصوم، ويتوارثونه من إمام إلى إمام. قال الإمام أبو بكر (¬3): وهذه (¬4) أول بدعة لقيت في رحلتي، فإني خرجت من بلادي، حين (¬5) الفطرة، فلم ألق في طريقي إلا من كان على سنن الهدى، يغبطني تديني (¬6)، ويزيدني في يقيني، حتى بلغت بلاد هذه الطائفة وزرت بها قبر عمرو، ففجأني (¬7)، من أقوالهم، ما قاله في (¬8) عمارة (¬9) المذكور عمرو: إذا المرء لم يترك طعاما يحبه…ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما فلا بد أن يلقى له الدهر سبة…إذا ذكرت أمثالها تملا الفما كلمات غرارة، خاتمتها نبذ الحقيقة والشريعة، والاسترسال على الإباحة، فلو فجئتني بدعة مشتبهة، كالقول بخلق القرآن، أو (¬10) نفي ¬

_ (¬1) د: بالتعليم. (¬2) د: - المعصوم و. (¬3) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬4) ج، ز: وهذا. (¬5) ب، ج، ز: علي. (¬6) ج، د، ز: بديني. (¬7) ب: ففجئتني. أو ففاجأني، ويعجيتني، ز: ففجيتني. (¬8) ب: - في. وعلق ابن باديس عليه بقوله: في نسخة زيادة "في د قبل عمار وتأمل التركيب. ولعل هذا كتب على هامش النسخة التي اعتمد عليها، وإلا فإنه ليس له إلا نسخة وحيدة اعتمد عليها. (¬9) ب: عمار. (¬10) ب، ج، ز: و.

عاصمة

الصفات، أو (¬1) الإرجاء، لم (¬2) آمن بإغواء الشيطان، وانتدابه، أن يولجني من (¬3) بابه، فلما رأيت هذه الحماقات أقمت على حذر. عاصمة: وقلت: الحمد لله الذي أعذر وأنذر، وثبت [و 16 ب]، وبصر، هذه أرض ينبغي أن يشد إلى الاعتصام فيها الحزام، ويفض عن غرر (¬4) هذه العورات الختام، وترددت فيها على أقوام، لم يكن عندهم إلا العقائد السليمة، مع مقدمات من الأدلة، لتحصين العقائد عن سورة شبهة، فلبثت فيهم (¬5) ثمانية أشهر، لم يبق باطل إلا سمعته، ولا كفر إلا شوفهت به، ووعيته، {تكاد (¬6) السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} [مريم: 90] وهم لم يدعوا للرحمن ولدا، ولكنهم جاءوا بأعظم من ذلك كفرا، وعندا، مع انهماك (¬7) في الكفر، واستهتار، وانحلال عن ربقة الديانة، والمروءة والحشمة، وخلع عذار، فسبحان الممهل لهم من ملك جبار، ثم خرجت عنهم إلى الشام، فوردت البيت المقدس، طهره الله، فألفيت فيه ثماني (¬8) وعشرين حلقة، ومدرستين (¬9) إحداهما (¬10) للشافعية بباب الأسباط، والأخرى (¬11) للحنفية، بإزاء قمامة تعرف بمدرسة أبى عقبة، وكان فيه من رؤوس (¬12) العلماء، ورؤوس المبتدعة، على اختلاف طبقاتهم، كثير، ومن أحبار اليهود، والنصارى، والسمرة جمل، لا تحصى، فأوفيت على المقصد، من طريقه، ووعيت العلم بتحقيقه، ونظرت إلى كل طائفة تناظر (¬13)، وناظرتها بحضرة شيخنا أبي بكر الفهري رحمه الله، وغيره من مشيخة أهل السنة، ثم نزلت إلى الساحل لأغراض نصصتها في كتاب ترتيب الرحلة، وكان الساحل ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: و. (¬2) ج: ولم. (¬3) ب: في. (¬4) د: عرر. (¬5) ث: بينهم. (¬6) د: يكاد. (¬7) ج، ز: ابتهال، د: انتهاك. (¬8) ب، ج، ز: ثمانية. (¬9) ب: ومدرستان. (¬10) ج، ز: إحداهما. د: - إحداهما. (¬11) د: وأخرى. (¬12) ب، ج، ز: رؤساء. (¬13) ب:+ رأسها، في الهامش. ج، ز:، رأسها، في المتن.

المذكور مملوءا من هذه النحل الملحدية، والمذاهب الباطنية، والإمامية، فطوفت في مدن الساحل، لأجل تلك الأغراض الدينية، نحوا من خمسة أشهر، ونزلت عكا منها، وكان رأس الإمامية بها حينئذ أبو الفتح العكي (¬1)، وبها من أهل السنة شيخ، يقال له الفقيه الديبقي (¬2)، فاجتمعت بأبي الفتح في مجلسه، وأنا ابن العشرين فلما [و 17أ] رآني صغير السن، كثير العلم، غزير القول، مصيب القصد (¬3)، منذلقا (¬4) مدربا، ولع بي، وفيهم لعمر الله، وإن كانوا على مذهب باطل، انطباع، وإنصاف، وإقرار للرجل بفضله، إذا ظهر، واعتراف، فكان لا يفارقني ويسارعني في السؤال والجدال، ولا يفاترني، فتكلمت على إبطال (¬5) مذهب الإمامية، والقول بالتعليم من الإمام (¬6) المعصوم، بما يطول ذكره في هذه (¬7) العصم. ومن جملة (¬8) كلامنا فيها أنهم يقولون: إن لله في عبيده أسرارا وله فيهم (¬9) أحكاما (¬10)، والعقل لا يستقل (¬11) بدركها، ولا يقوى على نيل (¬12) الحقيقة من رين ارتباك الشبه، فلا يعرف ذلك إلا من قبل إمام معصوم، وهذا مما ينبغي أن تعلموا (¬13) أنه راجع إلى القول بالحلول (¬14)، وإنما عرجوا عنه ليبعدوا منه، وهم عليه (¬15) محلقون، والية راجعون. فقلت (¬16) لهم بعد أن فهمت أمرهم، وتحققت مقصدهم ووعيت عن بعضهم أنه يورده بعبارة أخرى، فيقول: إن الله أمر بالحق، وعلم الصدق، ¬

_ (¬1) لم نعثر له في ترجمة. (¬2) ج، ز: الدبيقي. (¬3) ب، ج، ز:+ منطقا. (¬4) ج: مندلقا، د: متدلقا. وذلق اللسان صار بليغا. أما اندلق فمعناه اندفع يقال: اندلق السيل. (¬5) ج: بإبطال. (¬6) د: - الإمام. (¬7) ب، ج، ز: هذا. (¬8) د: جملته. (¬9) ج: فيها. (¬10) ب، ج، ز: أحكام. (¬11) ج: يشتغل. (¬12) د: سل. (¬13) ب، ج، ز: يعلموا. (¬14) د: الأول. (¬15) ج: - عليه. (¬16) ب، ج، ز: قلت.

على يدي (¬1) مبلغ معصوم وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وألا يكن الأمر على هذا فقد زلقنا (¬3) عن درج الحق إلى الباطل، وعن منزلة اليقين إلى الشك، وعن حالة (¬4) الثقة إلى الارتياب، فقلت (¬5): أمات الإمام المبلغ عن الله لأول ما أمره بالتبليغ أم هو مخلد؟ فقال لي: مات، وليس هذا بمذهبه، ولكنه تستر (¬6) معي به، وإنما حقيقة مذهبه أن الله سبحانه يحل في كل معصوم، فيبلغ عنه، فالمبلغ هوالله، لكن بواسطة حلوله في آدمي، فقلت: هل خلفه أحد؟ فقال: خلفه وصيه علي، فقلت (¬7) له: فهل قضى بالحق، وأنفذه أم لا؟ قال: لم يتمكن لغلبة (¬8) المعاند، قلت له: فهل أنفذه حين قدر؟ قال: منعته التقية، ولم تفارقه من يوم العهد إلى يوم الموت، إلا أنها كانت تقوى تارة، وتضعف أخرى، فلما ولي، بقيت من التقية بقية، فلم يمكن إلا المداراة [و 17 ب] للأصحاب لئلا ينفتح عليه، من الاختلال أبواب، قلت: وهذه المداراة هي حق أم لا؟ قال: باطل أباحته الضرورة (¬9)، قلت: فأين العصمة؟ قال: إنما تتعين (¬10) العصمة مع القدرة، قلت: فمن بعده إلى الآن وجدوا القدرة أم لا؟ قال: لا، قلت: فالدين مهمل، والحق مجهول (¬11) مخمل (¬12)، قال: سيظهر، قلت: بمن؟ قال: بالإمام المنتظر، قلت: لعله الدجال، قال: فما بقي أحد إلا ضحك، وقطعنا الكلام على غرض مني، لأني خفت أن أفحمه فينتقم مني، في بلاده، قلت: ومن أعجب ما في هذا الكلام، أن الإمام إذا أوعز إلى من لا قدرة له، فقد ضيع، فلا عصمة له، وأعجب منه أن الباري على مذهبه، إذا علم أنه لا علم إلا بالمعلم، وأرسله عاجزا مضعوفا، لا يمكنه أن يقول ما علم، فكأنه ما علمه، وما بعثه، وهذا عجز منه وجور، لا سيما على مذهبهم، فرأوا من الكلام ما لم يمكنهم أن يقوموا معه بقائمة، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: يد. (¬2) ب، ج، ز: - صلى الله عليه وسلم. (¬3) ج، د، ز: زهقنا. (¬4) ب، ج، ز: حال. (¬5) ب: - فقلت. (¬6) ب، ج، ز: يسير. (¬7) ب، ج، ز: قلت. (¬8) د: بغلبة. (¬9) ج: لضرورة. (¬10) د: تغني. (¬11) ج: - مجهول. (¬12) د: محمول محل. ز: مخمول مجمل.

وخرج البحث (¬1)، وشاع به الحديث، فأراد رئيس الباطنية المسمين (¬2) بالإسماعيلية (¬3)، أن يجتمع (¬4) معي فجاءني أبو الفتح إلى مجلس الفقيه الديبقي، وقال لي: إن رئيس الإسماعيلية، رغب في الكلام معك، فقلت: أنا مشغول، فقال: هاهنا موضع قريب (¬5) قد جاء إليه، وهو محرس (¬6) الطبرانيين، مسجد في قصر على البحر، شامخ البنا مشيد البناء، وتحامل علي فقمت ما (¬7) بين حشمة وحسبة، وللمحرس (¬8) المذكور رائعة طويلة فقطعتها، ودخلنا حشمة (¬9) قصر المحرس (¬10)، وصعدنا إليه، فوجدتهم قد اجتمعوا في زاوية المحرس (¬11) الشرقية، فرأيت النكر في وجوههم، فسلمت، ثم قصدت جهة المحراب، فركعت عنده ركعتين، لا عمل لي فيه (¬12) إلا تدبير القول معهم، والخلاص منهم، فلعمر (¬13) الذي قضى علي بالإقبال إلى أن أحدثكم أن كنت رجوت الخروج من (¬14) ذلك المجلس أبدا، ولقد كنت أنظر إلى البحر يضرب في حجارة سود [و 18 أ] محددة تحت طاقات المحرس، فأقول هذا قبري الذي يقذفون بي (¬15) فيه، وأنشد في سري: ألا هل إلى الدنيا معا وهل لنا…هوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان وهي كانت الشدة الرابعة من شدائد عمري، التي أنقذني الله منها. فلما سلمت، استقبلتهم، وسألتهم عن أحوالهم عادة، وقد اجتمعت إلى نفسي، وقلت: أهون ميتة، وأشرفها، في أكرم موطن أناضل فيه عن الدين، وأكون قيم المسلمين، فقال لي أبو الفتح، وأشار إلى فتى حسن الوجه: هذا سيد ¬

_ (¬1) د: الحيث. (¬2) ب، ج، ز: المشهور. (¬3) ز: الإسماعيلي. (¬4) ج: ويجتمع. (¬5) د: مرتب. (¬6) ج، ز: مجرس. (¬7) د:. - ما. (¬8) ج، ز: للمجرس. (¬9) ب، د: - حشمة. (¬10) ج، ز: المجرس. (¬11) ز: المجرس. (¬12) كذا في الأصول الأربعة، أي في الركوع. (¬13) ب، ج، ز: فلعمري. (¬14) د: عن. (¬15) ب: يقذفونني، ج: يقذفوني، د: يدفنوني.

الطائفة، ومقدمها، فدعوت له، وسكت، فبداني، وبدرني، وقال لي (¬1): قد بلغتني (¬2) مجالسك، وانتهى إلى كلامك، وأنت تقول: قال الله، وفعل الله، فأي شيء هو (¬3) الله، الذي تدعو إليه، وتكثر من ذكره؟ أخبرني، وبين لي، واخرج عن هذه المخرقة التي جازت لك، على هذه الطائفة الضعيفة، وقد احتد (¬4) نفسا، واحتدم حلبا (¬5)، وامتلأ حنقا وغيظا، وجثا على ركبته (¬6)، كما عاث بقولته (¬7)، ولم أشك أنه لا يتم الكلام إلا وقد اختطفني أصحابه قبل الجواب، وعمدت بتوفيق الله إلى كنانتي، واستخرجت (¬8) منها سهما صائبا، كان من عددي، فضربت به حبة قلبه، فسقط لليدين وللفم، ولم تبق له كلمة تجري على القلم (¬9)، وشرح ذلك أن الإمام أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني (¬10) قال: كنت أبغض الناس في من يقرأ علم الكلام، وذلك لأنه كان مقدما (¬11) في علم الحديث، عارفا به (¬12) قال (¬13): فدخلت يوما الري فعمدت إلى جامعها فدخلته واستقبلت سارية، أركع عندها، وإذا فيما يجاورني رجلان وهما يتذاكران (¬14) علم الكلام، فتطيرت بهما، وقلت في نفسي (¬15) أول ما دخلت هذا (¬16) البلد سمعت فيه ما أكره، وجعلت أخفف الصلاة، حتى أبعد منهما (¬17) فعلق بي من قولهما: إن [و 18 ب]، هؤلاء الباطنية ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - لي. (¬2) ج، ز: بلغني. (¬3) ج: هو. (¬4) ج: - احتد. (¬5) ب، ج، ز: جلدا. والحلب: يقال حلب أي جلس على ركبتيه، والقوم حلوبا أو حلبا أي اجتمعوا من كل وجه. (¬6) د: ركبتيه. (¬7) ب، ز: علمت بقوله. وعلق على هامشهما ب: عاث بقولته. ج: علمت بقوله. د: عاث بقوليه. (¬8) ج: تكرر: استخرجت. (¬9) د: العلم. (¬10) فقيه شافعي ومحدث حافظ وكان ثقة حجة توفي سنة 371 هـ/982 م (الذهبي، العبرة، ج 2 ص 358 - 359). (¬11) ب: معرقا أو مغرقا، ج، ز: معرفا، وكتب على هامش ج، ز: مقدما. (¬12) ب، ج، د، ز: عرفا فيه. وعلق على هامش ج، ز: عارفا به. (¬13) د: - قال. (¬14) د: وهم يتذاكرون. (¬15) ب، ج، ز: - في نفسي. (¬16) ب، ج، ز: هذه. (¬17) د: عنهما.

أسخف خلق الله عقولا، وينبغي للنحرير أن لا يتكلف لهم دليلا، ولكن (¬1) يطالبهم بلم؟ فلا قبل لهم بها، ولا معدل معهم عنها، وسلمت مسرعا، وشاء الله بعد ذلك أن يكون رجل من الإسماعيلية، ولفهم القرامطة يلقون الأمر إلى معرفيهم (¬2)، فكشف القناع في الإلحاد وجعل يكاتب وشمكير الأمير، يدعوه إلى الإلحاد، ويقول: إني لا أقبل دين محمد إلا بالمعجزة، فإن أظهرتموها رجعنا إليكم، وانجرت الحال إلى أن اختاروا رجلا جلدا، منهم (¬3)، له دهاء ومنة، فورد على وشمكير رسولا، فقال له: إنك أمير، ومن شأن الأمراء والملوك أن تتخصص (¬4) عن العوام، ولا تقلد (¬5) في عقيدتها، وإنما حقهم أن يفحصوا عن البراهين، فقال له وشمكير، اختر (¬6) رجلا من أهل مملكتي، ولا أنتدب للمناظرة بنفسي، فيناظره (¬7) بين يدي فقال (¬8) له الملحد: اخترت أبا بكر الإسماعيلي لعلمه بأنه ليس من أهل التوحيد، وإنما كان إماما في الحديث، ولكن كان وشمكير (¬9) يعتقد فيه، أنه أعلم أهل الأرض، بأنواع العلوم، فقال له وشمكير (¬10): تيك مرد أي رجل جيد، فأرسل الملك إلى أبي بكر الإسماعيلي، بجرجان ليرحل إليه إلى غزنة، حتى يناظر الإسماعيلي، لما كان يسمع من ذكره، وإمامته في الحديث، والملك بعاميته يعتقد أنه قائم على كل علم وأنه ليس فوقه أحد، ولا وراءه مطلب، فلم يبق أحد من العلماء إلا يئس من الدين، وقال: سيبهت الإسماعيلي، الكافر مذهبا، الإسماعيلي الحافظ نسبا، ولم يمكنهم أن يقولوا للملك: لا علم عنده لئلا يتهمهم بالحسد، فلجأوا إلى الله أن ينصر دينه وعولوا عليه. قال الإسماعيلي: فلما جاءني البريد، وأخذت في المسير، وتدانت (¬11) الدار [و 19 أ]، قلت: إنا لله، وكيف أناظر، فيما لا أدري، وأتكلم بما لا أعلم، ¬

_ (¬1) ج: ولكنهم. (¬2) د: معرفتهم. (¬3) ب، ج، ز: منهم جلدا. (¬4) د: يتخصص. (¬5) د: يقلد. (¬6) ب، ج، ز: اختروا. (¬7) كذا في الأصول الأربعة. (¬8) ب، ز: - له. (¬9) د:+ الأمير. (¬10) ج، ز: نيك. والعبارة فارسية. (¬11) د: + بي.

هل أتبرأ عند الملك أولا، وأرشده إلى من يحسن الجدل، ويعلم حجج الله في خلقه على صحة دينه، وندمت على ما سلف من عمري، ولم أنظر في شيء من علم الكلام، ثم أذكرني الله ما كنت سمعته من الرجلين بجامع الري، فقويت نفسي، وعولت على أن أجعل ذلك عمدتي، وبلغت البلد، وتلقاني الملك، واستراح (¬1)، ثم جمع الخلق، وحضر الإسماعيلي المذهب مع الإسماعيلي النسب، وقال الملك للإسماعيلي الباطني: اذكر قولك يسمعه الإمام، فلما أخذ في ذكره، واستوفاه قال له الإسماعيلي الحافظ: لم؟ فلما سمعها الملحد قال: هذا إمام قد عرف مقالتي، فبهت، فقال له الملك: (إذا ناشمند ورضين) (¬2) ورجع إلى أصحابه وهو يشير إلى الإسماعيلي ويقول: (أجور مردد أنشمند) وروي. أنه قال: (يا كشنخان (¬3) خوستي كه بيك) (¬4) فرد (¬5) مناظره وطرده، قال الإسماعيلي: فخرجت (¬6) من ذلك، وأمرت بقراءة علم الكلام، وتحققت أنه عمدة من عمد الإسلام، قال القاضي أبو بكر (¬7): وحين انتهى بي الأمر إلى المقام المتقدم، قلت: إن كان في الأجل نساء (¬8)، فهذا شبيه بيوم الإسماعيلي، فرددت وجهي إلى أبي الفتح الإمامي (¬9)، وقلت له: لقد كنت في لا شيء (¬10)، ولو خرجت من عكا، قبل أن أجتمع بهذا العالم ما رحلت إلى غربنا (¬11) عن نادرة الأيام، أنظر إلى حذقه بالكلام، ومعرفته، قال لي: أي شيء هوالله، ولا يسأل بمثل هذا (¬12) إلا مثله (¬13)، ولكن بقيت ها (¬14) هنا نكتة لا بد من (¬15) أن نأخذها اليوم عنه، وتكون ضيافتنا عنده، لم قلت أي شيء هوالله، ¬

_ (¬1) ج، ز: واستزاج. (¬2) ب: ياسميس ورجيس. ب: إذ أنا شمنسد ورخين. وهي عبارة فارسية. (¬3) ب: باكشخان. (¬4) ب، ج، ز: - بيك. (¬5) د: مرد. (¬6) ب، ج، ز: وخرجت. (¬7) د: قال أبي رضى الله عنه. (¬8) ب، ج، ز: شيء. (¬9) د: الإمام. (¬10) ج: الأسر. وصحح في الهامش. ز: كتب في الهامش عله: الأسى. (¬11) ج، ز: غزنا. د: خرجت إلا عريان. (¬12) ج، ز: هذه. (¬13) ج: الأمثلة. (¬14) ب: - ها. (¬15) ب، ج، ز: - من.

فاقتصرت من حروف الاستهفام على أي، وتركت الهمزة، وهل، وكيف، وأين، وكم، وما، وهي أيضا من [و 19 ب]، ثواني (¬1) حروف الاستفهام، وعدلت من الام، عن حروفه فهذا سؤال ثان، عن حكمة ثانية، ولأي معنيان في الاستفهام، فأي المعنيين قصدت بها؟ (¬2) ولم سألت بحرف يحتمل، ولم تسأل بحرف مصرح بمعن واحد؟ هل ذلك وقع منك بغير علم ولا تحصيل ولا قصد لحكمة (¬3) أم لحكمة؟ (¬4) فبينها لنا، فما هو إلا أن افتتحت هذا الكلام، واستخفرت (¬5) فيه، وهو يتغير حتى اصفر آخرا من الوجل، كما اسود أولا، من الحقد، ومات قبل أن يموت، ورجع أحد أصحابه الذي كان على يمينه إلى آخر كان بجنبه، وقال له: ما هذا الصبي إلا بحر زاخر من العلم، ما رأينا مثله قط، وهم ما رأوا قط أحدا به (¬6) رمق لأن الدولة لهم، ولولا مكاننا من رفعة الدولة، ملك الشام وأن (¬7) والي عكا كان يحكمنا لأنا جلبنا إليه كتابه بأن يبالغ في برنا، وينتهي إلى الغاية في مكارمتنا (¬8)، ما خلصت منهم في العادة أبدا و (¬9) حين سمعت تلك الكلمة من إعظامي، طلبت ما أمامي وقلت: هذا مجلس عظيم، وكلام طويل، يبين أنه يفتقر إلى تفصيل، ولكن نتواعد إلى يوم آخر، وقمت وخرجت، فقاموا كلهم معي، وقالوا (¬10): لا بد أن تبقى قليلا، فقلت: لا، وأسرعت حافيا، فلما جئت الدرابزين (¬11) لم أنزل على الدرج، و (¬12) وثبت في وسط القصر، وخرجت على الباب إلى الرائعة (¬13) أعدو، حتى أشرفت على قارعة الطريق، وبقيت هنالك (¬14)، مبشرا نفسي بالحياة، حتى خرجوا بعدي، وأخرجوا لي، لا لكتي (¬15) ¬

_ (¬1) د: إخواني. (¬2) د: بهما. (¬3) د: حكمة. (¬4) ب: بحكمة. (¬5) ب، ج، ز: استحقرت. (¬6) ب، ز: له. (¬7) ب، ج، ز: فإن. (¬8) ب: محارمتنا. (¬9) ب: - و. (¬10) ب، ج، ز: + لي. (¬11) ج: الداربزين، ب: الطرابزين. ولعله: الطبرانيين. (¬12) ج: - و. (¬13) ب، ج، ز: الزائفة. د: الرائغة. (¬14) د: هناك. (¬15) د: لا لكي. وهي تشبه الحذاء.

تكملة

فلبستها ومشيت معهم، متضاحكا، ووعدني (¬1) بمجلس فلم أف لهم، إلى أن خرجت عنهم، وخفت وفاتي، في وفائي، وفي ترتيب الرحلة بقية الحديث. قال القاضي أبو بكر (¬2): وقد كان قال لي [و 20 أ]، أصحابنا النصرية (¬3) بالمسجد الأقصى: إن شيخنا أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي (¬4) اجتمع برئيس من الشيعة، فشكا (¬5) إليه فساد الخلق، وأن هذا الأمر لا يصح إلا بخروج الإمام المنتظر، فقال له نصر: هل لخروجه ميقات معلوم أم لا؟ قال الشيعي: نعم لخروجه ميقات، قال أبو الفتح نصر: و (¬6) معلوم هو أو مجهول؟ قال له (¬7) الشيعي: معلوم، قال نصر: و (¬8) متى يكون؟ قال الشيعي: إذا فسد الخلق، قال أبو الفتح نصر: فلم تحبسونه عن الخلق؟ و (¬9) قد فسد جميعهم إلا أنتم فلو فسدتم لخرج، فأسرعوا به، وأطلقوه من سجنه، أو نحو هذا، وعجلوا بالرجوع إلى مذهبنا، فبهت، وأظن أنه سمعها من شيخه سليمان بن أيوب الرازي الإمام (¬10) الزاهد. تكملة: وقولهم: إن العقول تقصر فلا بد من معلم صحيح، وقولهم: إن المعلم يكون معصوما صحيح، ولكن هو (¬11) المعلم الأول الواسطة بين الله وبين الخلق، و (¬12) يجوز أن يكون واحدا، ويجوز أن يكون ألفا، وقد بعث الله ¬

_ (¬1) ج: ووعدني. (¬2) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬3) ب، ج، ز: النصيرية. (¬4) نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي النابلسي زاهد شافعي رئيس شافعية الشام توفي سنة 490 هـ/ 1097 م (الذهبي، العبر، ج 3 ص 328). (¬5) ج: فشكر. (¬6) ب، ج، ز: - و. (¬7) ب، ج، ز: - له. (¬8) د: - و. (¬9) د: - و. (¬10) د: الإمام. هو أبو الفتح سليم (لا سليمان) بن أيوب بن سليم. وهو شيخ نصر المقدسي كما ذكر، وفقيه ومفسر ومحدث، كان مرابطا بثغر صور بالشام توفي سنة 447 هـ/ 1055 م (الذهبي، العبر، ج 3 ص 213. طبقات الشافعيه الكبرى، ج 3 ص 168). (¬11) ب، ج، ز: هذا. (¬12) ج، ز: - و.

واحدا، واثنين وثلاثا (¬1)، فأما من يأخذ عن هذه الوسائط، فلا يلزم أن يكون معصوما، فما دليلكم عليه؟ ولا كلام له بعد هذا يحكى. قال القاضي أبو بكر: وجرت (¬2) مجالس سوى هذا بيانها في موضعها، منها أنه لما شاع في البلدة المذكورة ذكري، واستفاض أمري، وتفاقم عليهم خطبي، وكان بها أمير من أمراء الشيعة، له باع في الجدال، وميل (¬3) مع التشيع (¬4) إلى مذهب الاعتزال، ودعاء إلى البدعة والضلال، فلما سمع بذكري، ترصد الاجتماع بي (¬5)، فلم يتفق (¬6) إلا يوم التبريز للخروج إلى طبرية، فنزل في رحلي، علي، في كبكبته، فجزعنا لعمر الله حين [و 20 ب] حل بنا، لأن الأمر لهم، والدولة دولتهم، والبلاد بلادهم، فلما استوى به الدست، فاتحني (¬7) بالقول، وفي القوم (¬8) بشهادة الله - وإن خالفونا في العقيدة - بر في اللقاء، وحلاوة في المنطق، (¬9) واحتمال كثير، فقال لي: بلغني أنك جادلت أصحابنا هاهنا، وسمعت بانفصالك، فأردت لقاءك، لأعلم ما عندك، فاطلع (¬10) قدرك، فتراجعت إلي نفسي، ووطنتها (¬11) على ما عسى أن تلقى (¬12) من المكروه في ذات الله، وكان يكلمني بكلام عذب، والنكراء على وجناته بادية، فقلت له: قد كان بعض ما بلغ الأمير، وهو مشكور على اهتباله وبره، ومثله عرف لكل أحد، مبلغ قدره، ولو أرسل إلي مشيت إليه، مبادرا متشرفا (¬13)، بلقائه (¬14)، مستسعدا (¬15) برؤيته (¬16)، فقال لي (¬17): ما دليلك على أن الله تعالى عالم بعلم؟ فقوي قلبي، وحضر لبي (¬18)، واسخنفزت (¬19)، ¬

_ (¬1) ج، ز: وثلاثة. (¬2) ب، د: وجدت. (¬3) ب، ج، ز: يميل. (¬4) ب، ز: التشييع. (¬5) ج: - بي. (¬6) ب، ج، ز: يبق. (¬7) ب، ج، ز: فاتحناه. (¬8) ج: - وفي القوم. (¬9) د: واجمال. (¬10) ب، ج، ز: وأطلع. وعلق على هامش ز: عله: (على) يقصد: على قدرك. (¬11) ب: وظننتها. (¬12) ب: يلقا، د: تتقي. (¬13) ج: مشرفا. (¬14) د: برؤيته. (¬15) ب: مستعدا. (¬16) د: بروائه. (¬17) ب، ج، ز: - لي. (¬18) ج، ز: لي. (¬19) ب، د: واسخنفرت.

فقلت (¬1): مثل الأمير في منصبه، وفهمه لا يرضى بهذا، فقال لي: وما هو؟ قلت: حكمت علي بأني أقول: إن الله تعالى (¬2) عالم بعلم، ولم تسمع (¬3) ذلك مني، ولا شهد (¬4) بذلك عندك علي، ولو سمعته (¬5)، فمن أدب الجدال السؤال أولا عن المذهب، ثم بعد ذلك عن الدليل على صحته، فقال لي: قد علمت بالسماع المتواتر أنك أشعري، قلت: هذان وهمان، أحدهما: أن الخبر المتواتر لا يوجب عندك شيئا، وهو مذهب الإمامية، الثاني: أنك (¬6) إذا (¬7) سمعت أني أشعري، كيف حكمت بأني مقلد له في جميع قوله؟ (¬8) وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار، وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل؟ فبأن سمعت أني ناظرت في مسائل على مذهب الأشعري حكمت فيما لم تسمع، بما سمعت، أي نوع هذا من النظر؟ (¬9) مثلك لا يرضى به في جلالة منصبه، فصرف وجهه إلى أبي الفتح شيخ الإمامية بها وهو كان جليسي، ومناظري أيام [و 21 أ] كوني بها، في كل وقت فسارره، فأخذت من تحريك شفتيه، أنه قال له: هذا صبي لا يطاق، فلما فهمتها، استزدت استرسالا، وأفضت في الكلام إدلالا (¬10)، فقلت: وكان من حق الأمير أن يقبل على مسائله المختصة به، ولا يسألني أولا عن مسألة ليست له، وإنما هي من مسائل المعتزلة، فأردت أن تجادلني بكلامهم، وأن تفاوضني (¬11) بحجاجهم، وتركت ما يختص بك دونهم كمسألة عصمة الإمام، وكونه المرجوع إليه، والمحكوم في الدين بقوله، فهلا بدأت بها، وأظهرت علمك فيها، وفخرت على قومك بالكلام عليها (¬12)، فلما رأى الشدة في الحدة، وقد تحلقت علينا الأجناد والعسكرية، وتشوفت (¬13) القافلة، وخاف الظهور عليه، حل حبوة الجدال، ولاطف في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: قلت. (¬2) ب، ج، ز: - تعالى. (¬3) ب، ج، ز: يسمع. (¬4) ب، ج، ز: شهدت. (¬5) د: - ولو سمعته. وكتب على الهامش. (¬6) ج، ز: - إنك. (¬7) ج، ز: إذ. (¬8) د: - في جميع قوله. وصحح في الهامش. (¬9) ج: - من النظر. (¬10) ب: إذلالا. (¬11) ب، ج، ز: تقاومني. (¬12) ج، ز: فيها. (¬13) ج، ز: وتسوفت. ب: وستوفت.

الكلام والاسترسال (¬1)، ودعا مقدم القافلة فقال له: أنظر من معك، واقد قدر صاحبك، ولا تصل إلي إلا بكتابه شاكرا، وإلا فلا ترجع إلى البلد، فشكرناه، ودعونا له، وقام، فخسر (¬2) ركابه، وحان (¬3) إيابه، وانصرف في كبكبته، وقد عصمنا الله من سطوته، وخرجت عن عكا إلى طبرية، على حوران، والبثنية (¬4)، وعدلت عن بصرى إلى دمشق، لوجوه بيناها في كتاب ترتيب الرحلة، فمن هنالك (¬5) أشرق (¬6) الحق بنوره، واتصل المسير إلى دار السلام، فألفيت بها (¬7) من رؤساء العلم، ورؤوسه، وأشياخ الملة، وأحبارها، ما يملأ الخافقين، فقلت: هذه ضالتي التي كنت أنشد (¬8)، وكان فيها قاضيان عظيمان دينا في الظاهر، أبو اليمن الحنفي (¬9)، وأبو سعد الهروي (¬10) فجالستهما وسمعت كلامهما، وإذا بهما (¬11) على هذا المذهب وأحدهما وإن كان يلوح فأبو سعد كان يصرح، ولم يكن يظن أن عندي من مذهب القوم، وأغراضهم علما (¬12) وفشا ذلك في خراسان، من لدن موت أبي الفتح ¬

_ (¬1) د: والاستنزال. (¬2) ب: فحسن. ج: فحبس. (¬3) ب، ج، ز: وخاب. (¬4) ب: والبنينينية. ج، ز: والتبينية. وفي القاموس المحيط: البثنة قرية بدمشق. فصوابه إذن: البثنة. (¬5) ب، ج، ز: هناك. ج، د: + عاينت. (¬6) ج، د، ز: شرق. (¬7) د: فيها. (¬8) ج، ز: اطلبها وصحح في هامش، ز: أنشد. (¬9) مسعود بن محمد بن أحمد البخاري ورد مع أبيه إلى بغداد وكانا من المعتزلة وكان لهما مجلس للمناظرة بدارهما ببغداد وتوفي أبو اليمن سنة 491 هـ/ 1097 م (القرشي، الجواهر المضية، ج 2 ص 170). (¬10) محمدبن نصر بن منصور قتلته الباطنية بهمذان وقد ولي القضاء بعدة أقاليم قيل حنفي وقيل شافعي توفي في سنة 519 هـ/ 1225 م (طبقات الشافعية الكبرى، ج 4 ص 195) وهناك أبو سعيد الهروي آخر توفي في حدود الخمسمائة (طبقات الشافعية الكبرى، ج 4 ص 31). (¬11) د: وآدابهما. (¬12) د: - علما.

الملك العادل (¬1) وقتل (¬2) التاجية (¬3) لخواجا بزرك الملقب بنظام الملك (¬4)، وزير أبي الفتح، وكان تاج الملك وزير خاتون باطنيا، وتحزبت الباطنية إلى قلعة أصبهان، وثارت في الجبل (¬5) حتى بلغت همدان، ودعوا إلى الجدال، فأرسل الملك إلى الغزالي، فصنف له كتابا سماه "حجة الحق في الرد على الباطنية" بالعجمية، وكلفه الخليفة أن يضع له في ذلك شيئا، فأرسل إليه (¬6) كتابا سماه "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية" في كشف أعوارهم وهتك أستارهم، وتبيين عوارهم، برع فيه، وإن كان القاضي (¬7) قد سبقه إليه، ولكن أجاد هذا في الترتيب، فنوظروا بذلك (¬8) ونزلوا إلا طائفة بلدهم الجبل، حتى استنزلوا بالحيل، وتفرقوا في البلاد أيادي سبا، ووقعت إلى العراق منهم طائفة، فلقطوا بها لقط الطائر حب السمسم، وعقد لهم مجلس، وقرروا فيه، فمنهم من أنكر، ومنهم من اعترف واستمر، ومنهم من تاب واستغفر، فقال الشافعية تقبل توبتهم، وقال الحنفية: لا تقبل لهم توبة، وجرى في ذلك كلام بين أبي بكر الشاشي (¬9) الشافعي، وبين الشريف أبي طالب الزيني (¬10) ¬

_ (¬1) هو أبو الفتح جلال الدولة بن السطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي التركي كان يلقب بالسلطان العابد مات بعده وزيره نظام الملك بشهر واحد سنة 485 هـ / 1092 م (العبر، ج 3 ص 309). (¬2) ج، ز: وقيل. (¬3) د: الناجية. ولعله: الباطية. (¬4) أبو علي الحسن بن علي بن إساق الطوسي كان من جلة الوزراء وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والقراء أنشأ المدارس، ودافع عن مذهب أهل السنة قتله شاب باطني سنة 485هـ / 1092م (الذهبي، العبر، ج 3 ص 307 - 308). (¬5) ج، ز: الخيل - (¬6) ج: له (¬7) أبو بكر الباقلاني. (¬8) ب، ج، ز: في ذلك. (¬9) محمد بن علي بن حامد الشافعي توفي بهراة سنة 485هـ/1092م (الذهبي، العبر، ج 308) وهناك أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشافعي الذي تولى التدريس بالنظامية توفي سنة 507هـ / 1114م وأغلب الظن أنه الثاني (العبر، ج4 ص13 - 14. طبقات الشافعية الكبرى، ج4 ص57 - 61) وذلك لأنه درس عليه، وأخذ عنه. (¬10) د: الريبي: وهو أبو طالب نور الهدى الحسين بن محمد الزينبي شيخ الحنفية بالعراق توفي سنة…412 - /1118م (العبر، ج 4 ص27).

ودخل (¬1) المنشور بصورة المجلس، إلى الخليفة أحمد المستظهر ب الله (¬2) رحمه الله، فوقع يقتلون دون قبول توبتهم، حسبما رآه إمام دار الهجرة مالك (¬3) فإنهم أخبث الطوائف (¬4) مقالة، وأسخفها حجة ودلالة، أليس شاعرهم الذي يقول: حل برقادة المسيح…حل بها آدم ونوح حل بها الله ذو البرايا…فكل خلق سواه ريح وهو القائل مخبرا عن صاحب مظلته [و 22 أ]: أمديرها من حيث دار لطالما (¬5) زاحمت (¬6) تحت ركابه جبريلا وماذا يستبقي من هؤلاء؟ فكانت أول مسألة حكم فيها بمذهب مالك بمدينة السلام، بعد أحوال وأعوام، وكانت بعدها أخرى نبينها (¬7) في موضعها. وهذا الذي احتج به الخليفة عليهم، وهو الذي أشرت به عنهم (¬8) من قولهم: إن (¬9) الله يحل في كل رسول وإمام، ويشافه الخلق، وعيسى من محاله، ومحمد، وعلي، عندهم، وكل علوي مثلهم، يحل الإله فيهم، إلى سخافات وراءها، و (¬10) تهتكات لا ينبغى ذكرها، ولولا أن الله سبحانه ذكر المقالة الفاسدة تحذيرا عنها، وإقامة للدلالة عليها، ما قلنا هذا أبدا ولا رضينا بذكره، وما ضل من اقتدى، ولا قصر من ناضل عن دين الله بالهدى (¬11)، ولقد أخبرني من أثقه غير واحد، أن قاضي همدان، كان باطنيا، وأنه كان إذا سمع عن سني، قال لباطني: ارفعه في الدعوة، فإذا رفعه إليه، ودخل داره، ¬

_ (¬1) ب: رحل. (¬2) أبو العباس أحمد بن المقتدي ب الله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم العباسي توفي سنة 512 هـ / 1118م كان كريم الأخلاق جيد الأب (الذهبي، العبر، ج4 ص26) (¬3) مالك; توفي سنة 179هـ / 796م. (¬4) ج،: - الطوائف. (¬5) ب: الظل ما. (¬6) ج: احمت. (¬7) ب: نثبتها، د: بينتها. (¬8) ب، ج، ز: عنه. (¬9) ج: - أن. (¬10) ب: - و. (¬11) د: للهدى.

جواب آخر

أمر بقتله، ورماه (¬1) في مغواة، فطلب ذلك الرجل فلم يوجد (¬2) له خبر أبدا، وفشت الغيلة (¬3) فيهم على المسلمين (¬4)، حتى قام شيخنا أبو المظفر حامد (¬5) بن رجاء المعراني (¬6) الشافعي خطيب أصبهان (¬7) على المنبر، وخطب مؤيدا للدين، ومحرشا للموحدين، ومستنجدا لهم على ما يفعل بأهل السنة من المؤمنين، وقال في خطبته: ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون، وسل سيفه على المنبر، ونزل، فقتل (¬8) الباطنية، فما بقي منهم في ذلك اليوم بأصبهان إلا من خفي أمره، أو أخفى نفسه وطهرها الله منهم إلى انكفائي عن العراق. قال القاضي أبو بكر (¬9): وكان قد ظهرت لهم في القراطيس الملقاة عندهم جملة، ارتفع إلى الخليفة بعضها من مقالاتهم، قرطاس فيه: إن الحق مطلوب كل [و 22 ب] عاقل، وطريق تحصيله أبدا معلوم، وهو أنه رفيق الوحدة، والباطل حيث الكثرة، وهذا ينقلب عليهم فيقال لهم (¬10): الحق حيث الكثرة، والباطل حيث الوحدة، ويد الله مع الجماعة، والحق ما كثرت الشهود عليه، وبعد أن نقلبه (¬11) عليهم، لا يكون لهم كلام به احتفال أبدا، لأن أوله ليس له ثبات، فآخره شر من أوله. جواب آخر: يقال لهم: بم عرفتم أن الحق في الوحدة؟ أبقول (¬12) الإمام أم (¬13) بالتجربة، أو بالنظر؟ وليس لهم عن هذا جواب به احتفال، وكنا نورده، إلا أنا كرهنا التطويل، ورجونا علمكم به. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ورمي. (¬2) ب: بياض مكان (فلم يوجد) وعلق عليه ابن باديس بقوله: لعله: (فلا يوجد). د: فلا يسمع. (¬3) ج، ز: القيلة. (¬4) ب، ج، ز: - على المسلمين. (¬5) ب، ج، ز: - حامد. (¬6) ب: المعداني. د: المعرابي، ج: الهمداني. (¬7) ب، ز: أصفهان. (¬8) د: بمقال. (¬9) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬10) د: - لهم. (¬11) ب، ج، ز: تقلبه. (¬12) د: بقول. (¬13) د: أو.

جواب آخر

جواب آخر: هذا يبطل كل حقيقة، فإن قائلا لو قال: إن السموات سبع، وقال آخر (¬1): إن السموات واحدة، لقلنا يلزمكم أن تقولوا إن السماء واحدة، لأن الحق في الوحدة، وكذلك لو قال قائل: الإمام واحد، هو الحق، فمن قال: إنهم أيمة فهو باطل، لأن الحق في الوحدة، وهذه مسكتة (¬2) لهم، وقد جربناها. قرطاس: قالوا: إنما ينتقل إلى البدل مع عدم الأصل، كالتيمم (¬3)، والنظر بدل الخبر، فإن كلام الله هو الأصل، فهو خلق الإنسان وعلمه البيان، والإمام هو (¬4) خليفته، ومع وجود الخليفة الذي يبين (¬5) بقوله لا (¬6) ينتقل إلى النظر. قال القاضي أبو بكر (¬7): هذه كلمات خبيثة ملفقة (¬8)، من جزء، عشر (¬9) العشر فيه طيب، لكنه قرن إلى باطل، خبيث مبطل للكل، كلام الله هو الكل، ولكن لا يبلغ إلى كلام الله إلا واسطته. وقد قال الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني (¬10): إن العاقل (¬11) لا يصح أن يدرك بذاته كل العلوم حتى يبعث الله من يرشده، وهو الرسول (¬12)، وقولهم: إن خليفة الله هو الذي يبلغ عنه صحيح (¬13)، ولكن الخليفة هو النبي الذي سن (¬14) ثم استأثر (¬15) الله به [و 23 أ] ولا معصوم بعده، لكن الكل في ذاته ¬

_ (¬1) د: آخرون. (¬2) ج، ز: المسكتة. (¬3) د: كالمبهم. (¬4) د: - هو. (¬5) ج، ز: يلين. (¬6) ج: فلا. (¬7) د: قال ابي رضي الله عنه. (¬8) ج: - ملفقة. (¬9) د: عشير. (¬10) ج، ز: الإسفرائيني، د: الإسفراني، ب: الإسفرايني. وهو إبراهيم بن محمد توفي سنة 418هـ/ 1027م (طبقات الشافعية الكبرى، ج 3 ص 111 - 114). (¬11) ج، ز: كتب عل الهامش: عله: العقل. (¬12) د: وهم الرسل. ب: - الرسول. وترك مكانه بياض. (¬13) ب: بياض مكان: صحيح ولكن. (¬14) د: - الذي سن. وكتب بدله: ويبين. (¬15) د: يستأثر.

قاصمة

معصوم فإذا أخذ عن المعصوم قطعا فحسن، وإن أخذته (¬1) عن غير معصوم وعيته (¬2) وسبرته بالقانون الذي بينه (¬3) المعصوم، وأفرغته في قالب العلم المعصوم، فهو ينبيك عن قراره (¬4)، ومتنه يدلك (¬5) على غراره (¬6)، فلا يصح لهم هذا الكلام بحال، لا سيما وهم يقولون: إن المعصوم غائب ولكنه (¬7) قد بث الدعاة. يقال لهم: ومعلمنا محمد (¬8)، قد بث الدعاة، فإن قيل: نحن إذا اختلفنا في شيء رددناه إلى إمامنا (¬9) المعصوم. قلنا: ونحن إذا اختلفنا في شيء رددناه إلى إمامنا المعصوم، الذي أكمل لنا التعليم، وقال لنا عن مرسله العظيم: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3]. ويقال لهم: ولعل معلمكم الغائب قد مات، وليس لهم بعد هذا إلا (¬10) ما يحكى. قاصمة: وكان هذا الداء في الإسلام لوجهين: أحدهما: أن المجوس الذين قاموا بين أظهر (¬11) المسلمين (¬12) بالجزية، وعندهم (¬13) هذا العقد الخبيث فهم بالمصاقبة (¬14) للمسلمين يبثونه فيهم فيتشككون (¬15) بتشكيكهم، ويرتدون (¬16) إليهم، كما أن لمقام (¬17) النصارى بين أظهرنا، ترددت نحلتهم (¬18) عندنا ¬

_ (¬1) ب، ج: أخذ. (¬2) د: - وعيته. (¬3) د: يبينه. (¬4) د: فراره. (¬5) ب: منته بذلك 0 (¬6) د: عواره. (¬7) ب: بياض مكان: لكنه. (¬8) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬9) د: الإمام. (¬10) كذا في جميع الأصول. (¬11) ب، ج، ز: أقاموا بين أظهر الإسلام. (¬12) ج، د: للمسلمين. (¬13) ج، ز: - وعندهم. (¬14) ب; بالمنافثة، ج: بالمنابقة. ر: بالمثاققة. ومعنى المصاقبة التي أثبتت من د المجاورة وقرب الدار من صقب إذا دنت داره. (¬15) ب، ج، ز: فيشككون. (¬16) ب: وريدون. ج، ز: ويزيدون. (¬17) ج: المقام، د: بمقام. (¬18) د: نجلتهم.

وعلمناها، وكانوا مغمورين (¬1) بالحق مقهورين، إلى أن أنشأ الله بني برمك: يحيى بن خالد (¬2)، ومحمد بن خالد، فملك الوالي أمر الدين إياهما، وجعل الخلافة بأيديهما، فكان محمد بن خالد حاجبها، ثم كان وزيرها، وصاحب أمرها كله يحيى بن خالد ثم ابنه جعفر بن يحيى (¬3)، وكانوا باطنية يعتقدون رأي الفلاسفة، فكادوا الدين، وأحيوا (¬4) المجوسية، واتخذوا البخور في المساجد، وإنما كانت تطيب بالخلوق، فزادوا التجمير ليعمروها [و 23 ب]، بالنار منقولة، حتى يجعلوها عند الإنس (¬5) ببخورها (¬6) ثابتة (¬7)، وتمكن العجم من إفساد دولة العرب، والملحدة من الملة، والعبيد من الأحرار، وقد كان يضمرون لها (¬8) حقدا، وينتظرون (¬9) لفسادها (¬10) وقتا، فانتقوا كل ضيق العطن، مخلوع الرسن، وأظهروا الآراء الفلسفية بعد خفائها، وجلبوا الناس إلى أنفسهم بعظيم العطاء، وسعة الإفضال، والتمكن من الملك، والإدناء من مقار العز، فنفقت بعد كسادها، وعادت بعد نفادها، ولحظوا الخلق بعين التنفير (¬11)، ليأخذوا من يوافقهم على هذا النظير (¬12)، فاعتاموا منهم من لا يهدي، ولا يهتدي وصح (¬13): عن المرء لا تسل وسل عن قرينه…فكل قرين بالمقارن يقتدي (¬14) وعقدوا مجلسا للضلال باسم الهدى، ونصبوا على الإسلام لذلك موعدا، يحضر فيه من ينتحل علم الكلام من أصحابهم (¬15) المنتدبين للطعن على أهل الإسلام، أولى عقائد فاسدة ونحل مضلة، وكان من رؤوس ¬

_ (¬1) د: مقمورين. وكتب على هامش ز: وقد ذكر المقريزي في خططه ما حاصله. (¬2) توفي سنة 190هـ / 805م في سجن هارون الرشيد (العبر، ج 1 ص306). (¬3) قتله هارون الرشيد سنة 187هـ/ 802م (العبر، ج 1 ص298م). (¬4) ج، ز: واحبوا. (¬5) ج، ز; الإنسان. (¬6) بخروها. (¬7) ج، ز: ثانية. (¬8) ب، ج، ز: لنا. (¬9) ب: ممتطرون. (¬10) ب، ج، ز: إفسادها. (¬11) ج: التعبير. (¬12) ب، ج، ز: كتب على الهامش: النكير. د: النكير. (¬13) ب: - وصح. ج، ز: + شعر. (¬14) ج، د ز: مقتدى. (¬15) ج: - من أصحابهم.

مجلسهم، وممن اختاروا للعون على ضلالتهم أربعة عشر رجلا (¬1) ثمانية (¬2) من المعتزلة: أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف (¬3)، وإبراهيم بن سيار النظام (¬4) البصريان، وبشر (¬5) بن المعتمر البغدادي (¬6)، وجعفر بن حرب (¬7)، وجعفر بن مبشر (¬8)، وثمامة بن أشرس (¬9)، ومنهم الصباح (¬10) بن الوليد المرجي، شيخهم في زمانه، ومنهم أبو مالك الحضرمي (¬11) شيخ الشروية. ومن الإمامية هشام بن الحكم الجزار (¬12) الكوفي (¬13)، وصاحبه السكاك، وصاحباه أيضا (¬14) علي بن مقسم، وعلي بن منصور (¬15)، وإبراهيم بن مالك رجل من أهل البصرة، يتفقه في ظاهر أمره، ويصر في الباطن (¬16) على أمر ¬

_ (¬1) ب، د: - رجلا. (¬2) د: خمسة. (¬3) محمد بن الهذيل بن عبد الله البحري توفي سنة 235 هـ/ 849 م وقال السعودي توفي سنة 227هـ / 841 م (العبر، ج1 ص422). (¬4) توفي، في حدود سنة 231 هـ/845 م (الدكتور النشار، نشأة الفكر في الإسلام، الإسكندرية، 1966 م، ج1 ص578). (¬5) د: + معتمر. (¬6) تول في حدود سنة 210 هـ/ 825 م (ريتر، فهرست مقالات الإسلاميين). (¬7) توفي سنة 236م / 850م (ريتر، فهرست مقالات الإسلاميين). (¬8) ب، ج، ز: بشر. توفي سنة 234 هـ/848 م (ريتر، فهرست مقالات الإسلاميين). (¬9) النمري توفي سنة 213 م / 828 م (ريتر، فهرست مقالات الإسلاميين). (¬10) ج: المصباح. (¬11) الضحاك الكوفي رئيس فرقة من فرق الرافضة (مقالات الإسلاميين للأشعري، ج1 ص42). (¬12) ب، د: الحرار. (¬13) أبو محمد مول كندة وكانت له صلة وثيقة بيحيى بن خالد البرمكي وقد رد عل الزنادقة والمعتزلة. توفي سنة 199 هـ/ 814 م وقيل سنة 179 هـ/ 795 م وذكر محمد جواد مشكور أنه توفي نحو 190 هـ/ 805م (كتاب المقالات والفرق للقمي، ص 231. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج 2 ص222 - 260). (¬14) ب، ج، ز: - أيضا. (¬15) أما السكاك وعلي بن منصور فقد ذكرهما الأشعري في (المقالات، ج 1 ص 63) باعتبارهما مؤلفي كتب الرافضة واسم السكاك محمد ين خليل أبو جعفر وذكرهما الشهرستاني أيضا باعتبارهما من مؤلفي الشيعة. إلا أنه وجد تغيير في اسم السكاك حيث كتب (الشكال) (الملل، ج 1 ص 190). (¬16) ب، د: الباطل.

عاصمة

عظيم، والموبذان قاضي المجوس، وكان هذا الموبذان المذكور خالصة القوم، وعيبتهم (¬1) وشعارهم، ومن ذكرناه (¬2) [و 24 أ]، سواه دثارهم. ولقد تكلموا في بعض مجالسهم في العشق، فقالوا ألفاظا صاغوها على مناقضة الشريعة، حتى قال أبو الهذيل فيه: إنه (¬3) يختم على النواظر، ويطبع على الأفئدة، ويتعدى في الأجساد، ومشرعه (¬4) في الأكباد، وصاحبه متصرف (¬5) في (¬6) الظنون متفتق (¬7) الأوهام (¬8)، وقال بقيتهم نحوه، وقال الموبذان: إنه نار تأجج في تامور (¬9) القلب، بين الجوانح واللب، فيوجد بوجود الأشخاص، والتحام الأجرام، لأن منشأه عن حركات (¬10) حيوانية، وعلل هيولانية، ومصرفه (¬11) الاستقصات، لأنها تولده، والنجوم تنتجه، والأسرار العلوية تصوره، وهو من كرم العناصر، وتداعي الضمائر، واتفاق الأهواء، ولا يكون إلا من اعتدال الصورة، وذكاء الفطنة، وصفاء المزاج، واستواء التركيب والتأليف. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬12): فها أنتم أولاء ترون ما يأتون (¬13) به (¬14) من القحة والتهتك، (¬15) ويقتحمون (¬16) في البطالات من الترهات والانهماك في الضلالات. ويقال لهم، ما عارضهم به من قابل فاسدا بفاسد وهو باب من الجدل، وطريق من طرق الحق في مقابلة الفاسد وهو باب من النظر قاطع بالخصم، قاصم لظهره: إنكم لم تعلموا للعشق حقيقة، إنما هو معنى يهوى ¬

_ (¬1) د: وعيبهم. ج: وغيبتهم. ومعنى عيبتهم: موضع سرهم. (¬2) د: ذكرنا. (¬3) د: أن. (¬4) ب: يسرعه. (¬5) ب: منصرف. (¬6) ب، د: - في. (¬7) ب: متفق. ج، ز: منفق. (¬8) د: الأفهام. (¬9) حبة القلب أو دمعه (القاموس المحيط). (¬10) د: حركة. (¬11) ب: وتصرفه. ج: متصرفه، د: متصرف. (¬12) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬13) ج، ز: تأتون. (¬14) د: - به. (¬15) ج: والتكتك. (¬16) ب، ج، ز: وتقتحمون.

على مبهط (¬1) الصب، من قيضب القرب (¬2)، فيزعج (¬3) بلاعج الحب من فيقب (¬4) القلب، فيذهل اللب، ويعظم الكرب فقربه البعد، وحياته القرب، ليس من مزاج الأسطقس، ولا من مملكته (¬5)، ولا من تأثير (¬6) الكواكب، ولا أفلاكها، وإنما هو علوي على العلويات بري من الهيولات، ومعنى إذا وقع خرق (¬7) أقطار السموات، فنزل على غير ميقات، لا يتعلق بالأشباح ولا يمتزج بالحركات، ولا يدركه عالم الحواس، ولا يعد في تصرفات الأمزجة، ولا يلحقه [و 24 ب]، تأليف، لأنه (¬8) فرد عن فرد لفرد، يحرك الأفلاك، ولا تحركه: أزمر (¬9) على البوق (¬10) إن صاحوا بشبوط (¬11) وقابل (¬12) القوم تخليطا بتخليط صوت بصوت وخير الصوت أفهمه…فاسمع فها هو إفراط بتفريط وقد ذكر الأستاذ المعظم أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني شاهفور أن هذه المشيخة الركيكة، اجتمعوا مع نفر من أصحابهم (¬13) في مجلس لهم للخوض في الباطل وتكلموا في مسألة ما يصح وصف الباري بالقدرة عليه (¬14) فزعمت أن الظلم مقدور لله (¬15)، لكنه لا يفعله، لأن وقوعه منه يدل على حدوثه، فقيل لهم ما دل على حدوثه لم يوصف بالقدرة عليه كالموت والحركات، فقال النظام: لا يقدر الله على ما لو وقع منه كان ظلما وجورا، ¬

_ (¬1) د: مهيك. (¬2) ب: الغرب. (¬3) ب: فينزل. ج، ز: فيزل. (¬4) د: قبقب. (¬5) ب، د، ز: ملكته. (¬6) ب، ج، ز: تأثر. (¬7) ب: أحرق. ج، ز: حرق. (¬8) د: فإنه. (¬9) ج، ز: أزير. (¬10) ج: البوف. د: البرو. (¬11) شبوط: يطلق على نوع من السمك دقيق الذنب عريض الوسط صغير الرأس. وشبيوط أيضا: حصن بأيدة من الأندلس (القاموس المحيط). (¬12) ج، ز: مالك. (¬13) ذكر ذلك أبو المظفر في كتابه التبصير في الدين، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، القاهرة 1359 هـ/ 1940 م، ص 54 - 55. (¬14) ز: كتب على الهامش: قف على كتاب التبصير لهذا الأستاذ وتلخيص ما وقع من المناظرة في هذا المجلس البرمكي. (¬15) ج، ز: الله.

والمعنى فيه أنه لو قدر عليه لم يدر لعله قد جار أو كذب فيما مضى أو يجوز ويكذب في المستقبل أو قد جار الآن في بعض أطراف الأرض (¬1) ولم يكن لنا من جوره وكذبه أمان، إلا من جهة حسن الظن به، فأما دليل يؤمننا من وقوع ذلك منه، فلا سبيل إليه، فقال له الأسواري (¬2): يلزمك على هذا الاعتلال أن لا يكون قادرا على ما علم أنه لا يفعله، وأخبر بأنه لا يفعله (¬3)، لأنه لو قدر على ذلك لم نأمن (¬4) وقوعه منه، فيما مضى أو (¬5) في المستقبل. قال له النظام: هذا لازم، فما قولك فيه؟ فقال: أنا أسوي بينهما، فأقول: إنه لا يقدر على فعل ما علم أنه لا يفعله، ولا على ما لو فعله لكان ظلما منه. فقال النظام للأسواري: قولك هذا الحاد وكفر، فقال أبو الهذيل للأسواري: ما تقول في فرعون ومن علم الله سبحانه [و 25 أ]، منهم أنهم لا يؤمنون؟ هل كانوا قادرين على الإيمان أم لا؟ فإن زعمت (¬6) أنهم كانوا قادرين عليه، فما يؤمنك من أن تكون (¬7) قد وقع من بعضهم ما علم الله أنه لا يفعله؟ أو (¬8) أخبر عنه بأنه لا يفعله على قود (¬9) اعتلالك، واعتلال النظام، وإنكار كما قدرة الله على الظلم والكذب، فقالا: هذا لازم لك (¬10) فما جوابك عنه؟ فقال: أنا أقول: إن الله تعالى قادر على أن يظلم، ويكذب، وعلى أن يفعل (¬11) ما علم أنه لا يفعله، فقالا له: أرأيت لو فعل الظلم والكذب كيف كان حال الدلائل التي دلت على أن الله لا يظلم ولا يكذب؟ فقال: هذا محال، فقالا له: كيف يكون المحال مقدورا لله تعالى؟ ولم أحلت وقوع ذلك منه مع كونه ¬

_ (¬1) نص التبصير: إنه ليس بقادر على ذلك إذ لو قدر عليه لم يأمن أن يقع منه ظلم أو كذب فيما مضى، أو يقع ذلك في المستقبل، أو وقع أو يقع ذلك في طرف من أطراف الأرض (التبصير، ص 54). (¬2) علي الأسواري (ابن قتيبة، مختلف الحديث، ص 37) لا يعرف تاريخ وفاته عل ما نعلم. صحب أبا الهذيل العلاف والنظام فهو من أهل القرن الثالث. (¬3) ب: أخبرنا به لا بفعله، ج، ز: أخبرنا به أنه لا يفعله. (¬4) ج، ز: يأمن. (¬5) ج: وفي. (¬6) د: زعمتم. (¬7) د: - يكون (¬8) ب، ج، ز: و. (¬9) ب، ج، ز: قول. وعلق ابن باديس عليه بقوله: أو قود، لأن الاعتلال يقود إلى ما ذكر. (¬10) د: - لك. (¬11) ب: - أن يفعل.

مقدورا له؟ فقال (¬1): لأنه لا يقع إلا عن آفة تدخل عليه، ومحال دخول الآفات على الله تعالى، فقالا له: ومحال أيضا أن يكون قادرا على ما لا يقع منه (¬2) إلا عن آفة تدخل عليه، فبهت فقال لهم بشر بن المعتمر: كل ما أنتم فيه تخليط، فقالوا (¬3) له: فما تقول أنت؟ أتقول بأن الله قادر على أن يعذب الطفل الذي لا ذنب له أم لا يقدر عليه؟ فقال أقول: بأنه (¬4) قادر على ذلك، فقالوا له: أرأيت لو فعل ما قدر عليه من تعذيب الطفل، لا عن ذنب، ما كانت حال الدلائل التي دلت على أنه لا يظلم؟ فقال: لو عذب المطفل ظالما له في تعذيبه لكان الطفل بالغا عاقلا عاصيا مستحقا للعذاب (¬5) الذي أصابه، وكانت الدلائل بحالها في دلالتها على عدل الله تعالى، فقالوا: سخفت عينك كيف يكون عادلا بفعل ما هو ظلم؟ فقال لهم المردار (¬6): إنكم أكثرتم على أستاذي بشر منكرا (¬7) عظيما (¬8)، وقد يغلط الأستاذ، فقال له بشر: كيف (¬9) تقول أنت؟ قال: أقول: إن الله عز وجل (¬10) [و 25 ب] قادر على الظلم والكذب، ولو فعل ذلك لكان إلها ظالما (¬11) كاذبا، فقالوا (¬12) له: هل كان مستحقا للعبادة أم لا؟ فإن استحقها فالعبادة شكر المعبود، والظالم يستحق الذم لا الشكر، وإن لم يستحق العبادة، فكيف يكون من لا يستحقها إلها؟ فقال لهم: إلا أنا نقول إنه قادر على أن يظلم ويكذب، ولو ظلم وكذب كان صادقا عادلا، فقال له (¬13) الإسكافي (¬14): كيف ينقلب الظلم عدلا، والكذب صدقا؟ فقالوا له: كيف تقول أنت في هذا؟ فقال: أقول: لو فعل هذا (¬15) ¬

_ (¬1) ج: + له. (¬2) ب، ز: عنه، د: - عنه. (¬3) د: قالوا. (¬4) د: إنه. (¬5) ب: العقاب، ج، ز: للعقاب. (¬6) ب: المرار. ج، ز: المزدان. د: المراد. والصواب ما أثبت. والمردار هو أبو موسى عيسى بن صبيح تلميذ بشر بن المعتمر توفي في سنة 226 هـ/ 840 م والتصحح من (التبصير، ص 55). (¬7) ج: - منكرا. (¬8) ج، د، ز: - عظيما. (¬9) د: فكيف. (¬10) د: تعالى. (¬11) ب، ج، ز: عالما. (¬12) د: فقال. (¬13) د: لهم. (¬14) محمد بن عبد الله الإسكافي توفي سنة 240هـ / 854م. (¬15) ب، ج، ز: - هذا.

الجور والكذب ما كان العقل موجودا وما كان ذلك واقعا لمجنون (¬1) أو منقوص (¬2). فقال له جعفر بن حرب: إنك تقول: إن الله يقدر على ظلم المجانين، ولا يقدر على ظلم (¬3) العقلاء. فافترق يومئذ القوم على انقطاع كل واحد منهم (¬4) وعجزه عن الانفصال عما ألزم على مذهبه، فلما انتهت نوبة الاعتزال (¬5) إلى الجبائي (¬6) وابنه (¬7) أمسكا عن الجواب في هذه المسألة. وذكر بعض أصحاب أبي هاشم (¬8) هذه المسألة في كتابه فقال: من قال (¬9): هل يصح وقوع ما يقدر الله عليه من الظلم والكذب؟ قلنا له: لا (¬10) يصح وقوع ذلك منه ما كان قادرا عليه، لأن القدرة على المحال محال. فإن قال: أفيجوز وقوعه منه؟ قلنا: لا يجوز وقوعه منه لعلمه بقبحه وغناه عنه، فإن قال: أخبرونا لو وقع مقدوره من الظلم والكذب، كيف يكون حاله في نفسه؟ هل كان يدل وقوع الظلم والكذب منه على جهله أو حاجته؟ قلنا: ذلك محال، لأنا قد علمناه، عالما غنيا، فإن قال [و 26 أ]، لو وقع منه الظلم والكذب، هل يجوز أن يقال: أن ذلك لا يدل على جهله أو (¬11) حاجته؟ قلنا: لا يقال ذلك، لأنا قد علمنا دلالة الظلم على جهل فاعله أو حاجته. فإن قال: فإنكم (¬12) لا تجيبون على سؤال من سألكم، والكذب (¬13) منه على جهل فاعله أو حاجته (¬14) بإثبات ولا نفي، قلنا كذلك نقول. ¬

_ (¬1) د: بمجنون. (¬2) ويبدو أن النص الأصلي الذي أورده شاهفور الإسفراييني أوضح وهو: فقال: أنا أقول إن ظلم أو كذب لم تكن عقول العقلاء موجودة في تلك الحالة فلا يتوجه عليه المذمة والملامة لعدم وجود عقل عاقل ينكره عليه. (التبصير في الدين، ص 55). (¬3) ب، ز: - ظلم. وأثبت في هامشهما. (¬4) ب: - منهم. (¬5) د: الاعتراض. وفي التبصير: زعامتهم. (¬6) محمد بن عبد الوهاب توفي سنة 303 هـ/ 915 م. (¬7) عبد السلام بن محمد توفي سنة 321 هـ/ 933 م. (¬8) ب، ج، ز:+ في. (¬9) ب، ج، ز:+ له. (¬10) د: هل. (¬11) د: و. (¬12) ب: ما بكم. (¬13) في الكلام عدم اتساق ولعل هناك سقطا كما قال ابن باديس. (¬14) ج: - فإن قال فإنكم لا تجيبون=:

فهؤلاء دعاة قدرية عصرنا، وقد أقروا وعجز أسلافهم عن الجواب في هذه المسألة، ولو وفقوا للصواب فيها لرجعوا (¬1) إلى قول أصحابنا فإن (¬2) الله تعالى (¬3) قادر على كل مقدور، ولو وقع كل مقدور له منه، لم يكن ظلما منه، وأحالوا قدرته على كذب يصير به كاذبا، كما أحاله (¬4) أصحابنا، ولتخلصوا (¬5) عن الإلزام من الوجوه التي حكيناها. واعتذر الجبائي في امتناعه عن الجواب في هذه المسألة بنعم أو بلا، فذكر مثل هذا السؤال في النبي (¬6)، فقال: أخبرونا عن قولكم في النبي لو فعل ظلما أو (¬7) كذب (¬8)، كيف (¬9) يكون حاله؟ وزعم أن الجواب في ذلك غير ممكن (¬10)، وهذا ظن منه. وجواب أصحابنا فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معصوما عن الكذب والظلم، ولم يكن قادرا عليهما، ولا يجوز (¬11) أن يقع منه ما لا يقدر عليه. والمعتزلة كلهم غير النظام والأسواري قد وصفوا الله تعالى بالقدرة على الظلم والكذب، ثم عجزوا عن إظهار حكمه أن لو فعل مقدوره منهما. قال القاضي أبو بكر (¬12) رضي الله عنه: فقد بينت لك (¬13) أحوال (¬14) هذه الطائفة الركيكة، إذا هزلوا تساخفوا (¬15) وتهتكوا، وإذا جدوا تحيروا وتخاذلوا، ثم أنشأت البرامكة (¬16) طامة عظيمة بأن كلفوا الأخباث (¬17) أيضا ترجمة كتبهم، طبا [و 26 ب]، وطبيعة (¬18) بالعربية فتولى ذلك يهودي أو نصراني أو ¬

_ = عن سؤال من سألكم والكذب عنه على جهل فاعله أو حاجته.

ملحد لا رأس مال له في الإسلام، فمزج ما نقل من الطب بألفاظ وعقائد تتعلق بالإلحاد، وتعارض الشريعة، في فروعها وأصولها ليتوهم من ترحمت له أن (¬1) أهذه الأمم الفاضلة التي تولت هذه العوم الغريبة (¬2)، كانت على هذه (¬3) النحل، فطمحت نفوسهم إلى معرفة تفاصيلها، فاجتمعوا، وجمعوا آراءهم، كما كانت أغراضهم، ولم يقدموا قاضيا في البلاد إلا أن يكون على هذه العقيدة، ولا أميرا ولا كاتبا، إلا وهو فيها، ولا ينظم في سلك الخاصة إلا من كان قائما بها، ولا يتوسع في العطاء إلا لأمثالهم (¬4): وقد فتن الناس في دينهم…وخلى (¬5) ابن برم شرا طويلا فكادوا على الملك (¬6) في سعيهم…وأعدوا على الدين داء دخيلا (¬7) وعم الباطل، وظهرت الزندقة، وثارت البدع، وتوجهت المطالبة على البرامكة (¬8) الذين كانوا يعضدون (¬9) القضاة والأمراء والعمال، والقائلين بذلك، فلما لم يمكن مطالبتهم بهذه المعاني عند الخلافة لتعذر الطريق إلى ذلك، من إقامة البينة، وتحصيل الشهادة، على وصف العدالة، وعدم (¬10) إمكانه تدرع الناس إلى المطالبة من جهة الدولة، والحريم، وكانت الملة على الذهاب، فإنهم كانوا قد بثوا (¬11) الدعاة في آفاق الأرض على وجه يطول شرحه، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - إن. وكتب على هامش ج، ز: إن هذه. (¬2) ب: العربية. (¬3) ج، ز: هاته. (¬4) ج: مثالهم. وصحح في الهامش. (¬5) د: حل. (¬6) د: الدين. (¬7) ب، ج، ز: كتب البيتان على نثر. (¬8) ز: كتب على الهاش: وقد ذكر صاحب تحفة المجالس حكاية في سبب قتل البرامكة، لا حاجة لذكرها كلها، بل محل الحاجة منها: أن الرشيد أرسل إلى الأصمعي ليلة قتله جعفرا ولما قدم عليه وكشف الطست المغطى بمنديل، وهاله رؤية رأس جعفر فيه قال له الرشيد: يا أصمعي لا تحزن فإن القوم كانوا يعبدون النجوم فأرخيت لهم حتى اسغرقوا في الأمل، ونسوا الأجل، فأخذتم بغتة وهم لا يشعرون إلى اخره وهذا تأييد لما ذكره الإمام ابن العربي رضي الله عنه انتهى من خط الشيخ سيدي أحمد بن عبد الله السوسي. (¬9) ج: يقصدون. (¬10) ب: بياض مكان (وعدم). وعلق ابن باديس عليه بقوله: ولعدم أو نحوه. (¬11) ج: بث.

عاصمة

فتدارك الله الملة بأن سخر الملك لهدمهم فتقطعوا أيادي سبأ، وتفرقوا شذر مذر (¬1)، وقد ملأوا الأرض من الباطل، واستخلفوا شياطين الإنسان على إضلال الخلق، من فيلسوف وأديب، حتى لم يبق بيت إلا وفيه من كتب الأباطيل، ما بين ناظر فيها حتى يعلم المراد منها، أو (¬2) مختار ما يصلح منها، وتارك ما سواه، أو راد (¬3) عليه، لئلا يعتلق (¬4) [و 27 أ] بموحد فيختل (¬5) عقده، أو يتزلزل، واستمر ما أورثوه من تركتهم، وأرثوا (¬6) من نارهم، وصار (¬7) باطلهم (¬8) ينمى نمو الخضاب في اليد، ليتحقق الوعد الصادق في فساد الزمان، وذهاب الأديان. عاصمة: ولم يتعرض (¬9) لحماية الدين إلا آحاد اختارهم الله له، ونصبهم للذب عنه، فأولهم أبو الحسن الأشعري (¬10) وعارضه ابن ورقاء أمير البصرة، فقام به، وجرت بينهما حروب جدال مذكورة، وتواتر بعده الأصحاب في الأحقاب، على الأعقاب، فحفظ الله دينه، على من أراد هدايته، فلم يبق وجه من البيان إلا أوضحوه، ولا سبيل من الأدلة إلا نهجوها، وانتدب أبو الحسن (¬11) ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: قف عل هذا السبب الخفي لنكبة البرامكة، وما ذكره ابن خلدون هو السبب الظاهر المستور به هذا. (¬2) ج: - أو. (¬3) ج: زاد. (¬4) ب: يتعلق، ج، ز: يعتلون وكبت على هامش ز: يتعلق بها موحد. د: يعتلق بما موحد. (¬5) د: قيحيل. (¬6) أي أوقدوا (القاموس المحيط). (¬7) ز: تكرر: وصار. (¬8) ج: باطل. (¬9) د: يتحرك. (¬10) علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم أبو الحسن. ولد بالبصرة سنة 260هـ / 873 م وبها نشأ ثم أقام ببغداد وتوفي سنة 324م/ 935 م (ابن عساكر، تبين كذب المفتي، ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 6 ص 332 - 333.طبقات الشافعية الكبرى، ج 2 ص 245 وما بعدها). (¬11) ب، ج، ز: - أبو الحسن.

إلى كتاب الله فشرحه، في خمسمائة مجلد وسماه بالمختزن (¬1) فمنه أخذ الناس كتبهم، ومنهم أخذ عبد الجبار الهمذاني (¬2) كتابه في تفسير القرآن الذي سماه بالمحيط (¬3) في مائة سفر، قرأته (¬4) في خزانة المدرسة النظامية بمدينة السلام، وانتدب له الصاحب بن عباد (¬5)، فبذل فيه عشرة آلاف دينار للخازن في دار الخلافة، وألقى النار في الخوانة، واحترقت (¬6) الكتب وكانت تلك نسخة واحدة لم يكن غيرها (¬7)، ففقدت من أيدي الناس، إلا أني رأيت الأستاذ الزاهد الإمام أبا بكر بن فورك (¬8) يحكي عنه، فلا أدري وقع على بعضه أم أخذه من أفواه الرجال (¬9)، فعليكم بكتب القوم، فهي الشفاء من الداء العياء. وكانت هذه الطائفة الثائرة، في هذه الدولة الغوية (¬10) المسماة بالبرمكية، قد سعت في كيد الإسلام، كما بينا، واصطنعت من ذكرنا، وتكاثرت، فربت في حجرها طوائف كابن المقفع (¬11)، ¬

_ (¬1) قال ابن عساكر: وكيف ألف في القرآن كتابه الملقب بالمختزن ذكر لي بعض أصحابنا أنه رأى منه طرفا وكان بلغ سورة الكهف، وقد انتهى مائة كتاب. (تبين كذب المفترى، ص 117). (¬2) عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن المعتزلي توفي سنة 415 هـ/1024 م وقد عثر على كتابه المغني والأصول الخمسة وطبعت أغلب أجزاء المغني كما طبع كتاب الأصول الخمسة بالقاهرة. (¬3) د: المحيط. (¬4) ج، ز: قرأناه. (¬5) أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير مؤيد الدولة بن بويه بن ركن الدولة توفي سنة 385 هـ/995 م. (¬6) ج، ز: وأحرقت. (¬7) ز: كتب على الهامش: أعرف: أن الأشعري رضي الله عنه أول من انتصب للنضال عن الدين بحجاج مذاهب الكفرة، والملحدين وردها. قف على تفسير الإمام الأشعري. قف على ما فعل الصاحب بن عباد، وكان معتزليا كما ذكره السكوني. (¬8) محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني كان متكلما زاهدا متعبدا ذكر الذهبي أنه توفي سنة 406 هـ/ 1015م (العبر، ج 2 ص 95). (¬9) ب: الرجل. (¬10) ب، ج، ز: القوية. (¬11) عبد الله بن المقفع واسمه بالفارسية روزيه ومعناه المبارك كان من أخطر الزنادقة توفي سنة 142 هـ/ 759 م.

وابن الراوندي (¬1)، والجاحظ المعتزلي (¬2)، وكثير من أمثالهم قد استسنوا (¬3) في البشر (¬4) أنه لا [و 27 ب] مدرك إلا العقول، وأنها تغني عن الرسل، ولا مدرك في عقد، أو قول، أو عمل، إلا والعقل مستقل به وقسموه لمدارك أربعة (¬5): المدرك الأول: معرفة الموجودات كالسماء وما اشتملت عليه (¬6) من أفلاك دائرات، وكواكب نيرات، والأرض وما كان فيها من معدن ونبات، وعدوا (¬7) مركبات، وبسائط مفردات، وهي الماء والهواء والتراب والنار، والمعادن واجتماعها مزاجا، وافتراقها تعددا وازدواجا، على الجملة في كلها، وعلى التفصيل في النظر في الإنسان وتركيبه، وما يختلف عليه من أحواله، والمطر (¬8) وما يرتبط به (¬9). ¬

_ (¬1) أحمد بن يحيى الراوندي نسبة إلى راوند قرية بنواحى قاسان قرب أصبهان كان زنديقا ملحدا معارضا للقرآن ألف كتاب الزمردة، وكتاب نعت الحكمة، وكتاب قضيب الذهب، وكتاب الدامغ، ولد سنة 210 م/ 825م وتوفي سنة 250 م/ 864م وقيل سنة 245 هـ وقيل 298 هـ وقيل 243هـ (ابن الجوزي، المنتظم، ج 6 ص 22 في وفيات سنة 298 هـ. العبر، ج 2 ص 116 في حدود 300 هـ. المسعودي، مروج الذهب، ج7 ص 237. ابن الحوزي، تلبيس إبليس، ص 108. عبد الرحن بدوي من تاريخ الإلحاد في الإسلام، ص 75 - 188). وقد رد عليه كثير من المتكلمين سواء في ذلك المعتزلة والأشاعرة ورد عليه أبو الحسن الأشعري نفسه كتابه المسمى بالتاج الذي ذهب فيه إلى القول بقدم العالم (تبين كذب المفتري، ص 129) وقد تتلمذ ابن الراوندي على أبي عيسى الوراق 241 هـ / 861م الزنديق المانوي العنيف (من تاريخ الإلحاد في الإسلام، ص182). (¬2) د: المفتري - وهو عمرو بن بحر أبو عثمان البصري أخذ عن ثمامة بن أشرس، وأبي إسحاق النظام توفي سنة 250 م/ 864م. (¬3) د: أسسوا. ز: كتب على الهاش: أعرف من ربي من الملحدين في دولة البرامكة المفسدين. (¬4) ب: الستر، د: السر. (¬5) ب، ج، ز: وقسموا المدارك أربعة. (¬6) ب، ج، ز: عليها. (¬7) ج، ز: وعدد ومركبات. ولعل صوابه: وحيوان. (¬8) د: والنظر. (¬9) ج: عليه.

المدرك الثاني: سموه ما وراء الطبيعة، وهو النظر في الصانع ما هو؟ وما هو عليه؟ وكيف نشأت الموجودات عنه، وترتبت منه؟. المدرك الثالث: النظر في المصالح العامة التي تقوم بالقانون الإنساني في خلقه وخلقه، مما يتعلق بصفاته، وتكرماته (¬1) ودناءاته، وشهواته (¬2)، وسهواته (¬3)، وساقوا (¬4) ذلك كله على تدبير في نظر سموه سياسة وأدب (¬5) النفس وغير ذلك، ومهدوا قبل ذلك كله، طريقا إلى تحصيل (¬6) هذه المدارك بالعقول سموه المنطق، مهدوا (¬7) فيه بزعمهم، أنواع الأدلة، وشروط النظر، مستوفى بتفهيم المفردات منه، ثم وجه التركيب عليه وقسموه ثمانية أقسام (¬8). وكانت هذه أمورا (¬9) تكلمت فيها الأوائل (¬10) عند دروس الشرائع وفترات الرسل، وتمكن الشيطان من الخلق في مزج الباطل بالحق، فأرسل فيهم جنود الضلالات، بهذه المقالات. وعندما بعث الله محمدا صلى الله عليه [و 28 أ] وسلم، على دروس (¬11) من الملل، وانطماس من السبل، وفترة من الرسل، فأظهر (¬12) الآيات، وظهرت له (¬13) ألف من المعجزات حسبما أمليناها (¬14) في كتاب "أنوار الفجر من مجالس الذكر" فانقذ الله به الخلائق من الهلكة؛ وأعلى به من الإسلام الكلمة، وأكمل ¬

_ (¬1) د: وكراماته. (¬2) ب: - وشهواته. وأثبت في الهامش. (¬3) ب، ج، ز: - وشهواته. (¬4) ج: وماقوا. (¬5) د: وآداب. (¬6) ج: تحصيلا. (¬7) ج: - مهدوا. (¬8) ج، ز: بياض بمقدار صفحتين ولكن هذا البياض ليس علامة على النقص وأغلب الظن أن الناسخ في النسخة الأم أم ج، ز قد سها فترك صفحة وزيادة، بياضا ثم واصل النسخ دون أن ينبه على ذلك، فترك ذلك أيضا من نقل من نسخته. (¬9) ج، ز: أمور. (¬10) د: الأول. (¬11) ج، ز: درس. (¬12) ب: باظهر. (¬13) ج: - له، ز: كتب على الهامش قف على عدد معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم. (¬14) ج: مليناها.

قاصمة لم تبق لهم قائمة

به علينا النعمة، ثم استأثر به، وما زالت الحال تنقص، حسبما وعد (¬1) به، حتى آلت الحال إلى ما آلت إليه ولا بد من نفوذ تمام الوعد الحق (¬2)، كما نفذ ابتداؤه فصار عند الخلق بهذه المعاني. قاصمة لم تبق لهم قائمة: ومن أغرب ما دسوه إلينا على لحم الخنزير، وأنه يناسب لحم بني آدم، فصار لذلك (¬3) أعدل اللحوم. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬4) رضي الله عنه: يا لله ولذهاب ا (¬5) العقول! إلى ذهاب الأديان! يترجم اليهودي والنصراني والملحد عن رجل يسمى جالينوس (¬6) لا ندري (¬7) من هو، ولا على أي ملة كان، إلا ما حكوا عنه من أنفسهم، أو (¬8) ترجموه (¬9) باختيارهم، فيجعل أصلا، ما ترجموه، في [ ... ] والعمل، وهبك (¬10) أنا سمعنا ذلك من رأس الأطباء، يقال لهم: بم (¬11) علمتم (¬12) أن لحم الخنزير، أعدل اللحوم؟ بشعره إذ (¬13) مسخ، أو بلونه إذا سلخ، أو بطعمه إذا طبخ، أم بشحمه إذا سنخ (¬14)؟ وأي مناسبة بينه وبين الإنسان؟ إلا من جهة الحيوانية، وذلك يشترك فيه معه (¬15) الثور والقرد (¬16)، هذا على رجلين، وذلك على أربع، وأنت ترى لحم ذوات الأربع ¬

_ (¬1) ب: أوعز. ج، ز: أوعد. (¬2) ب، ج، ز: - الحق. (¬3) ب: بذلك. (¬4) د: قال أبي. (¬5) ب، ج، ز: وذهاب. (¬6) طبيب يوناني ولد نحو 130 م وتوفي 200 ميلادية. (¬7) د: لا يدري. (¬8) ب: وترجموه. (¬9) د: ترجموا. (¬10) ج، ز: وهب. (¬11) ج: - بم. (¬12) د: علمت. (¬13) ج: إذا. (¬14) ب: سلخ. وسنخ وزنخ أي تغير، والسناخة الريح المنتنة (القاموس المحيط). (¬15) ب، ز: معه فيه. ج: - فيه، ب: + مع. (¬16) ج: + في.

مزيد بيان

كيف تختلف (¬1) مراتبها، ويتباين (¬2) بعضها عن بعض في طبائعها، وكذلك ما يمشي على بطنه من الحيوان (¬3)، تختلف مرتبتهم، وتتباين أكثر، من تباين ذوات الأربع، وتبعد عن ذوات الأربع أبعادا عظيمة، وأن لحوم ذوات الأربع عندهم لتتباين (¬4) في طبائعها ومنافعها ومضارها، على أنها (¬5) ذوات أوبار [و 28 ب]، وأشعار، فماذا (¬6) يقرب (¬7) الخنزير ممن (¬8) يمشي على رجلين (¬9)؟ هل هو (¬10) إلا إرادة منهم لا حياء دينهم، وعضد (¬11) لنحلتهم؟ وهلا قالوا: إن لحم القرد أشبه بلحم الإنسان لحدة ذهنه، وعظيم فهمه؟ وإن كل حيوان (¬12) نسج (¬13) بطبعه إلا الآدمي والقرد، أو لست تراه يصرف أنامله تصرف الإنسان؟ وهل الأخلاق عندهم إلا آثار الخلقة؟ والحركات إلا أمارات الطبيعة؟ فأين هم؟ عن هذا معرضون، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وبصر (¬14) هذه الطائفة العمياء من أصحابنا، ومن (¬15) أهل جلدتنا، فإنهم عن هذا غافلون. مزيد بيان: إن الباري في مخلوقاته يفعل ما يريد، ويغاير في مخلوقاته بين الأجناس، والأنواع، خلق الحيوان على أنواع، كما خلق النبات على أنواع (¬16) صارت بغيرها (¬17) أجناسا، فمن الحيوان ماش على رجلين، ومنهم على أربع، ومنهم على بطنه، والأصل ماء، أو ليقل (¬18) قائلهم ما شاء، فيلزمه (¬19) ذلك قرط ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: قف على تباين الحيوانات. (¬2) ب: يتبين، د: تبين. (¬3) ز: كتب على الهامش: مبحث في تباين الحيوانات. (¬4) ج، ز: تتباين. (¬5) ج: - أنها. (¬6) ب: فما. (¬7) ب، ج، ز: + من. (¬8) ب، ج، ز: من. (¬9) ب، ج، ز: رجليه. (¬10) د: هذا. (¬11) ج، ز: عضدا. د: عقد. (¬12) د: إنسان. (¬13) ج، د، ز: يسبح. (¬14) ب، ج، ز: ونصر. (¬15) د: - ومن. (¬16) ج: - على أنواع. (¬17) ب، ج، ز: بعدها. (¬18) ب، د: وليقل. (¬19) ب، ز: فليلزمه.

أذن، وطوق جيد، ووشاح خصر (¬1)، وخدم (¬2) قدم، وسوار ساعد، وقد جعل تعالى كل الحيوان بلسان واحد، وجعل للحية لسانين، وكذلك كل حيوان، إذا قطعت له رجل اندرج (¬3) على الأخرى إلا النعام، وجميع الحيوان له كرش ورئة إلا الفرس، وكذلك الحوت ليست له (¬4) رئة، وجميع حوت الماء له لسان، وحوت البحر له لسانان، وجميع بني آدم (¬5) (ركبهم في أرجلهم والبهائم ركبها في أيديها، وقالوا: إن جميع بهائم الوحش كفوفها في أرجلها، إلا ابن آدم) (¬6) والقرد، فإنها في الأيدي، وجميع الحيوان إذا نام أغلق (¬7) عينيه إلا الأرنب، ومن أغرب ما قالوا عن الذئب أنه يغلق عينه الواحدة ينام بها، ويفتح الأخرى، يحترس (¬8) بها، فإذا مضى نصف الليل داول بينهما، وقالوا: إن الأسد يفترس كل شيء [و 29 أ]، إلا المرأة الحاثض إذا رميت إليه أعرض عنها، والنطف يختلف (¬9) بقاؤها في الأرحام مع اتحاد (¬10) الحيوانية والتوليد، فأقله شهران وأكثره للفيل سبع سنين، إلى أشياء غريبة، هم نقلوها وما عقلوها، ولا ردوا إلى المشيئة والآثار أمرها، ولا جواب لهم عنها. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: وقد جاء الله كما قدمنا بطائفة عاصمة (¬11)، تجردت لهم وانتدبت بتسخير الله، وتأييده، للرد عليهم، ممن (¬12) قدمنا ذكره من أعيان الأيمة، إلا أنهم لم يكلموهم بلغتهم، ولا ردوا عليهم بطريقتهم، وإنما ردوا عليهم وعلى إخوانهم المبتدعة، بما ذكره الله في كتابه، وعلمه لنا على لسان رسوله، فلما لم يفهموا تلك الأغراض، بما استولى على قلوبهم من صدإ الباطل، طفقوا يهزأون من تلك العبارات، ويطعنون في تلك الدلالات، وينسبون قائلها إلى الجهالات، ويضحكون مع أقرانهم في الخلوات، فانتدب للرد عليهم بلغتهم، ومكافحتهم بسلاحهم، والنقض ¬

_ (¬1) رباط السراويل عند أسفل رجل المرأة، وموضع الخلخال (القاموس المحيط). (¬2) ز: حزم. (¬3) ب: تدرج. (¬4) د: - له. وصحح على الهاش. (¬5) ب: سقط ما بين قوسين. (¬6) ج، ز: غلق. (¬7) ب، د: يحرس. (¬8) ب: تختلف. (¬9) د: إيجاد. (¬10) قال أبي. (¬11) ب، ج، ز: - عاصمة. (¬12) ج، ز: من.

عليهم بأدلتهم، أبو حامد الغزالي، فأجاد فيما أفاد، وأبدع في ذلك ما أراد الله وأراد، وبلغ في فضيحتهم المراد، فأفسد قولهم من قولهم، وذبحهم بمداهم. فكان من جيد ما أتاه، وأحسن ما رواه، ورآه، وأفرد عليهم (¬1) فيما يختصون به دون مشاركة أهل البدع لهم، كتابا سماه "تهافت الفلاسفة" ظهرت (¬2) فيه منته، ووضحت في درج المعارف مرتبته (¬3)، وأبدع في استخراج الأدلة من القرآن، على رسم الترتيب في الوزن، الذي شرطوه على قوانين خمسة بديعة في كتاب سماه "القسطاس" (¬4) ما شاء. وأخذ في "معيار العلم" عليهم طريق المنطق فرتبه (¬5) [و 29 ب]، بالأمثلة الفقهية والكلامية، حتى محا فيه رسم الفلاسفة، ولم يترك لهم مثالا، ولا ممثلا، وأخرجه خالصا عن دسائسهم، بيد أنه أدخل فيه أغراضا صوفية، فيها غلو وإفراط، وتدآل (¬6) على الشرع وانبساط. وقد كان تعرض سخيف من بادية بلدنا يعرف بابن حزم (¬7)، حين طالع شيئا من كلام الكندي إلى أن يصنف (¬8) في المنطق، فجاء بما يشبه عقله، ويشاكل (¬9) قدره (¬10)، وقد كان أبو حامد تاجا في هامة الليالي، وعقدا في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج على ¬

_ (¬1) ب: - عليهم. (¬2) ب: ظهر، ج: وظهرت. (¬3) ب: وصحت في درجة العلم منزلته. (¬4) ز: كتب على الهامش: قف على مدح كتاب التهافت لحجة الإسلام والقسطاس له أيضا. (¬5) د: قريبه. (¬6) دأله: ختله، ودأل مشى مشية فيها ضعف، والمداءلة: المخاتلة. (القاموس المحيط). ب: تولد. ز: تداؤل. (¬7) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب يقال إنه فارسي الأصل ظاهري المذهب، حاد الذكاء له معرفه واسعة بالمذاهب والملل والنحل والآداب وقد وصل إلينا كتابه الذي ألفه في المنطق وهو: التقريب لحد المنطق يؤيد فيه منطق أرسطو ويدافع عنه ضد الفقهاء الذين عارضوه ولكنه لا يأخذ بالقياس فيه ويقول بالعلة الطبيعية وينفي العلة العقلية. (الذهبي، العبر، ج 3 ص239). (¬8) ج، ز: يصنف. (¬9) د: ويشاركه. (¬10) ب: قد.

الحقيقة، وحاد في أكثر أحواله عن الطريقة، وجاء بألفاظ لا تطاق، ومعان ليس لها مع الشريعة انتظام ولا اتساق (¬1)، فكان علماء بغداد يقولون: لقد أصابت الإسلام فيه عين، فإذا ذكروه جعلوه في حيز العدم، وقرعوا عليه (¬2) السن من ندم، وقاموا في التأسف عليه على قدم، فإذا (¬3) لقيته رأيت (¬4) رجلا قد علا في نفسه، ابن وقته، لا يبالي بغده ولا أمسه، فواحسرتي (¬5) عليه أي شخص أفسد من ذاته، وأي علم خلط (¬6)، وخلط فيه مفرداته (¬7)، ماذا ألأم من المحامد، وكم حايد عنه وحامد (¬8)، وكان ممن (¬9) ترجم عن الفلاسفة، ترتيب الأدلة الذي سموه حد (¬10) المنطق، قد ضرب فيه الأمثلة الهندسية، والطبائعية، والإلاهية، ليتدرب القارئ بذكرها، ويأنس بتكرارها، ويطمح إلى مطالعتها، ويتشوق (¬11) ويستعد لاعتقادها، حتى يعلمها، وهي في كل ذلك تسدك (¬12) بقلبه، ويطمح إليه بطرفه، ويتعلق منها بأمنيته، فتزل (¬13) به (¬14) القدم. ¬

_ (¬1) ج، ز: انتساق. (¬2) ج: عليه. (¬3) ب: فإن. (¬4) ب، ج، ز: لقيت. (¬5) ب: فواحسرتاه. (¬6) د: خاط. (¬7) ز: كتب على الهامش: يغفر الله لابن العربي (العالم الفاضل النحرير) (مضافة بقلم آخر) في إكثاره من الانتقاد على حجة الإسلام من جهة علم التصوف ومن الرد على الصوفية، رضي الله عنهم، وكل ذلك منه رضي الله عنه عقد يشعر بشدة ميله إلى مذهب الظاهرية المحسوب من البدع. (¬8) ز: وكتب على الهامش أيضا: قف على تأنيب أهل بغداد على حجة الإسلام وذلك لعدم وصولهم لما وصل إليه وكشفهم لما كوشف به فقد رفع الله من محيا بصيرته النقاب وأبقى وقوفهم من وراء الحجاب، وكل فريق على صواب، لكنه لا ينبغي الاعتراض على الشيوخ لمن هو في سن الشباب، والشاهد على ذلك والدليل الواضح المبين، تمزيق أهل المغرب لكتابه إحياء علوم الدين حيث لم يفهموا أسلوبه، ولم يفقهوا منحاه ومطلوبه. (¬9) ب، ج، ز: من. وكتب على هامش ز: مما. (¬10) د: حظ. (¬11) ب: يتشرف، ج، د، ز: يتشرق ويبدو أن الصواب ما أثبت ويمكن أن يقرأ: يتشوف. (¬12) سدك به أي لزمه. (¬13) ج، ز: فزل. (¬14) ب، ج، ز: بها وفي هامش ب: به.

وعلى كل حال فالذي أراه لكم على الإطلاق، أن تقتصروا على كتب علمائنا الأشعرية، وعلى العبارات الإسلامية، والأدلة [و 30 أ] القرآنية، وأنتم في غنى عن ذلك كله، وخذوا (¬1) مني في ذلك نصيحة (¬2) مشحونة بنكت من الأدلة، وهي أن الله سبحانه، رد على الكفار، على اختلاف أصنافهم، من ملحدة، وعبدة أوثان، وأهل كتاب، وطبيعة، وصابئة (¬3) وشركة (¬4) ويهودية، بكلامه (¬5)، وساق أفضل سياق أدلته، وجاء بها في أحكم نظام، وأبدع ترتيب، فعلى ذلك فعولوا، فإن أبا حامد وغيره، وإن كان لبس للحال معهم لبوسها، وأخذ نعيمها، ورفض بؤسها، وأحيا أرواحها ونفوسها، فليس كل قلب يحتمله، وقل وجود نفس تستقل به، فهو وإن كان سبيلا للعلم، ولكنه مشحون بالغرر (¬6)، والشرع (¬7) قد نهى عنه، والعقل يستحث على (¬8) الانكفاف والهروب منه. أما أن الرجل إذا وجد من نفسه منة، أو تفرس فيه الشيخ المعلم له ذلك، فلا بد من توقيفه على جميع (¬9) مآخذ الأدلة، واتساعه في درجات العلم، وتمكنه من بحبوحات المعارف، حتى يكون مستقلا بأعباء الشريعة، مطيقا على حمل أثقالها، بصيرا بالنضال عنها، والذب عن حرماتها، إذا احتيج إليه فيها (¬10). ¬

_ (¬1) د: خذ. (¬2) ز: كتب على الهامش: قف على هذه النصحية ولا بد. (¬3) ب، ج، ز: صباه. (¬4) كذا في جميع النسخ ولعلها شركية كما اقترح الشيخ ابن باديس. (¬5) د: بكلام. (¬6) ز: كتب على الهامش: قف على هذا التحذير. (¬7) ج: وأسرع. (¬8) ب، ج، ز: عن. (¬9) ب، ج، ز: - جميع. (¬10) ز: كتب على الهامش: قلت: آلات الدفاع والنضال في الحروب لا زالت منذ مبدأ الخليقة في ترق وزيادة وتفنن بحيث إن كل زمان وما يناسبه وما يشاكل قوى أهله وعقولهم من آلات الدفاع ومثل ذلك المناضلة بالحجاج واللسان فإن المرء لا يدافع عدوه إلا بمثل سلاحه فصنيع حجة الإسلام رضي الله عنه من هذا القبيل لأن مماثلة السلاح في الدفاع مطلوبة شرعا وعقلا بلا نزاع.

وأما أصحاب الطبيعة فقصتهم بديعة، وذلك أن القدرية لما كانت تدين دينها، وتسر (¬1) عقيدتها، وكان الجاحظ المفتري (¬2) على جهالته، وثمامة بن أشرس على خساسته (¬3)، وابن المقفع على فهاهته (¬4)، وابن الراوندي على حماقته، ومن تابع كل واحد منهم في صفاته، تسترت بالإسلام ولبست جلدته، لستر عورتها في مخالفته، وجعلت تغتال (¬5) الدين، بمعان (¬6) ترهب بها على العامة، وتأخذها من ظواهر الألفاظ، وتدس مذاهبها في عقائدها، كأنها تعضد (¬7) الإسلام وتتعلق في ذلك بآيات متشابهات، وأحاديث مشكلات، فتركت (¬8) المحكم وراء [و 35 ب]، ظهرها (¬9)، لأن (¬10) أرباب الطبيعة يدعون أن النشء في هذا العالم على التركيب، إنما هو من تأثير البسائط في الأصل (¬11) و (¬12) وينشأ مركب عن (¬13) مركب، هكذا على الترتيب، وذلك أنهم (¬14) رأوا تركيب الكون في الموجودات المشاهدات، واحدا بعد واحد، فنسبوا الثاني إلى الأول، وعلقوا اللاحق بالسابق، وألحقوا المتأخر بالمتقدم (¬15)، وجعلوه منه باقترانه به في الوجود، وارتباطه معه في التواصل، وذهلوا عن المنشئ الحقيقي، فكانت بصائرهم عبيدا لأبصارهم، وجدالهم أقوى من أبصارهم (¬16)، وتحيلت (¬17) المعتزلة ومن دان دينها من القدرية فقالوا: إن الثاني تكون (¬18) عن الأول برسم التولد. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: وتنشر. (¬2) ج: المغربي، ز: المغري. وكتب على الهامش: عله المفتري 0 (¬3) ج، ز: خساسة. (¬4) الفهاهة، والفه: العي. (¬5) ب، ج، ز: تعتال. (¬6) د: بمعاني. (¬7) ج: تقصد. (¬8) د: وتركت. (¬9) ز: كتب على الهامش: قف على الذين تستروا بالإسلام. (¬10) د: إلا أن. (¬11) ب، ج، ز: كتب على الهامش تصحيحا: في الأرض. (¬12) ج، ز: أو. (¬13) د: على. (¬14) ب، ج، ز: لأنهم. (¬15) ب: المتقدم المتأخر. د: بالمتقدم المتأخر. ونبه الناسخ إلى أن في العبارة تقديما وتأخيرا بوضع حرفي الخاء والقاف أولهما على كلمة (المتقدم) وثانيهما على كلمة (المتأخر). (¬16) د: وخذالهم أقوى من أنصارهم. (¬17) ب: وتخليت. (¬18) ب، د: يكون.

قال القاضي أبو بكر (¬1): هذه لفظة اخترعها لهم الجاحظ المفتري (¬2)، مستفادة من الولادة، وهي خروج الشيء (¬3) من الشيء (¬4)، وكان هذا لما نشأ عن هذا، ولم يقولوا أنشأه احترازا من المشاركة مع المنشئ المنفرد سبحانه، فقالوا: نشأ (¬5) عنه، وعبروا عنه (¬6) بالتولد (¬7)، تحسينا له، وإخراجا له بزعمهم من حيز المجهول إلى حيز المعلوم. فأما الفلاسفة فبنوه على أصلهم في أن الفاعل لا يفتقر في كونه فاعلا، إلى حياة وقدرة وإرادة، بل يكون شيء عن شيء، بأمور باردة، ورتب فاسدة، حتى أن بعضهم يقول في تحقيقه، حين ظهر له، أن شيئا من الكوائن لا بد له من مكون: إن الأفلاك تتحرك بعشق بعضها لبعض، إذ (¬8) المحرك (¬9) منها واحد للآخر، حتى تنتهي إلى قبل الأخير (¬10)، فيقول لك (¬11): إنه يتحرك (¬12) بعشقه للأخير الآخر (¬13) فهي حركة عشقية (¬14)، ففر هؤلاء من هذه المقالة، لأشنوعتها (¬15) وقالوا: نشأ هذا عن هذا، وعبروا عنه بالتولد تحسينا له، كما قدمنا، وعلى قاعدة الفلسفة قعدوا، و (¬16) حول دائرتهم دوروا، ولكن [و 31 أ] قاعدتهم أهوت بهم، و (¬17) دائرتهم ضنت (¬18) عليهم. وقد تمهدت القواعد الشرعية والعقلية في إثبات الصانع، ع وأنا أمهد لكم (¬19) طريقين: ¬

_ (¬1) د: قال أبي رضي الله عنه. (¬2) ز: كتب على الهامش: قف على اختراع الجاحظ لفظ التوليد. (¬3) د: شيء. (¬4) د: شيء. (¬5) ب: أنشأ. (¬6) د: - وعبروا عنه. (¬7) د: بالتوليد. (¬8) د: - إذ. (¬9) د: والمحرك. (¬10) ب: إلى فلك الأخير. ج، ز: إلى فلك أخير. (¬11) ب، ج، ز: - لك. (¬12) ب: تحرك. (¬13) ب، ج، ز: الآخر. (¬14) ب: عشقه. (¬15) ج: لأشنعوتها. (¬16) ج: - و. (¬17) ج: - و. (¬18) ب، ج، ز: ظنت. (¬19) د: + في ذلكم.

الطريق الأول (¬1): إن الخاطر إذا جال فيه أن التكوينات، في عالم الكون والفساد، في (¬2) محاط فلك القمر، تترتب (¬3) في الوجود من ذواتها بطبعها أو من ذوات (¬4) أخرى (¬5) طبعها فيها، وانطباع هذه لها حتى تنتهي (¬6) إلى (¬7) المراد. فاحضر بذهنك، وردها إلى ما قبلها حتى تنتهي معهم إلى موقف أول، لا سابق له، فإن أراد أن يتمادى، قيل (¬8) له: قف يا سيار، فقد (¬9) سال بك التيار (¬10)، و (¬11) إن كنت تمشي في معقول، فلا تتعده إلى تعطيل، وتتيه في التضليل، وتقع في غير معقول، بالتسلسل إلى ما ليس بمحصول، وإذ وقف الخاطر أو المناظر، ولا بد له (¬12) من ذلك، قيل (¬13) لهما أو لأحدهما: هذا المنتهي في النظر، المبتدأ في الكون، كيف يكون هذا عنه صادرا؟ يكون على وجه صدور الفعل المفعول من الفاعل المعقول، ذي القدرة والحياة والعلم والإرادة والتدبير والتقدير؟ أو صدور حركة الخاتم عن حركة اليد؟ ((¬14) فإن أوقفوه على فاعل بتلك الصفات، فقد وقفت دائرة النظر على قطب التوحيد، وإن هم قالوا: إنه يصدر عنه صدور حركة الخاتم عن حركة اليد) فيلزمهم أن لا يصدر عن الأول إلا ثان يماثله، وهكذا إلى الآخر، فمن أين ينشأ التغير (¬15)، ويأتي الضد عن الضد؟ والمختلف عن المتفق، والمعدد (¬16) عن المنفرد (¬17)؟ وعلى هذه القاعدة في دلالة الصانع. نبه الله سبحانه بقوله: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير ¬

_ (¬1) د: الطريق الأول. ز: كتب على الهامش: الطريقة. (¬2) د: وفي. (¬3) د: بترتيب. (¬4) ب: ذات. (¬5) ج: - أو من ذوات أخرى. د: أخر. (¬6) ب، ج، ز: ينتهي. (¬7) ج، ز: - إلى. (¬8) ج، ز: قل له. (¬9) ب، ج، ز: قد. (¬10) د: السيار. (¬11) ب: - و. (¬12) د: - له. (¬13) ج، د، ز: فقل. (¬14) سقط ما بين قوسين من ج. (¬15) ج، ز: كتب عل الهامش: عله: التغاير. (¬16) ب، ج، ز: العدد. (¬17) ب، ج، ز: المفرد.

صنوان تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم [و 31 أ]، يعقلون} [الرعد: 4]، فنبه بهذه الآية، في الأحرف اليسيرة على المعاني العظيمة، بالأدلة المعدودة (¬1)، فإنك (¬2) تنظر إلى الأرض، ما بين سهل وحزن، وحجر (¬3) وتراب لدن أنواع مختلفة، وأزواج (¬4) مفترقة، زرع (¬5) ونبات، وأشجار أشتات، أصل كل شيء منها واحد، حتى (¬6) تنظر (¬7) إلى الحبة (¬8) التي تنبت (¬9) عنها ذات أجزاء متساوية، فإذا تزايدت للنبات، تزايلت عن تلك الصفات، وانقسمت إلى عرق يعلوه قشر، يتراقى إلى غصن ينتهي إلى عذق، ينقسم إلا ورق، وزهر، وثمر، الأرض واحدة، والماء واحد، والحبة (¬10) واحدة، وكل ما ينشأ عنها لا يماثلها، ولا يتماثل (¬11) في نفسه، بل لكل (¬12) واحد (¬13) هيئة مخصوصة، ولون مخصوص، وطعم مخصوص. والماء الذي من شأنه الرسوب يصعد إلى الجميع، ويجرى فيه حتى يسيل على جميع جوانبه، ونواحيه، فيا أيها الحاضر والناظر (¬14)، أين ألفاظك الرائقة، وحكمتك الفائقة، أبن لي هذه الاختلافات كيف تتعدد (¬15)، والطبع واحد، دون شرط (¬16) الفاعل الواحد (¬17)، المتصف بالصنع (¬18) حقيقة؟ هيهات ها أنا معك دائر، فقل ما أنت قائل، أو (¬19) صر إلى ما أنت صائر، وأبن لي كيف دارت عليك الدوائر، وخذلتك الطبائع، فما لك من قوة ولا ناصر؟ ودعني من نويبغة إذا وقف على هذا، زوى حاجبه، وأدار قرنيه، وفرق - كالمبتسم - بين شفتيه، ¬

_ (¬1) ج: المعذودة. (¬2) ب: بأنك. (¬3) د: ويحر، + ورمل. (¬4) ب، ج، ز: وأرواح. (¬5) د: وزرع. (¬6) ب، ج، ز: - حتى. (¬7) ب، ج، ز: ينظر. (¬8) ب، ج، ز: الجنة. (¬9) ج، ز: نبتت. (¬10) ب، ج، ز: الجنة. (¬11) ب، ج، ز: يماثل. (¬12) ج: كل. (¬13) ب: واحدة. (¬14) ج: الخاطئ والمناظر، د، ز: الخاطر أو المناظر. (¬15) د: هذا الاختلاف كيف تعدد. ب: تعدد. (¬16) د: شرط. (¬17) ب، ج، ز: - الواحد. (¬18) ب، ج، ز: بالفعل. وكتب على هامش ب، ز: بالصنع. (¬19) ب، ج، ز: و.

مضايقة

فليخرج ما يصدر، وليذكر ما شاء أن يذكر، فهذه الطريقة لأزمة له، فلا مبرح (¬1) له عنها، ولا (¬2) محيص منها. الطريقة الثانية: لا خلاف بينهم أن النيرات السبعة في الأفلاك السبعة، هي الفاعلة المدبرة، ولكل واحد منها جزء ينفرد به، ولكنهم جعلوا الآدمي بينهم عضين، وقسموه عليهم، وأعطوا لكل واحد [و 32 أ]، منها جزءا من الآدمي، وشهرا من أيام تربيته وحينا (¬3)، فيقال لهم: ليس هذا معلوما (¬4) ضرورة، فيتفق العقلاء عليه، ولا وجدنا نظرا يوصل إليه، ولا روينا خبرا يدل عليه، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، فكل (¬5) ما ذكروه فقد تقدم ذكر (¬6) إبطاله. مضايقة: إذا قلتم: إن الكون والفساد في مقعر فلك القمر (¬7) فمن أين يصل بينهما تأثير ((¬8) ما فوقهما من باقي الصانعين؟ ولا يخلو أن يكون فلك القمر) (¬9) محيطا بهذا العالم، أو يكتنف (¬10) بعضه، ويبقى البعض في خلاء عنه، وأيما (¬11) قلتم فلا مخرج لكم منه، و (¬12) إن قلتم: إنه محيط به، وإن هذا العالم في محاطه، كالدرة (¬13) في الدرج، فمن يجمع بينه وبين تأثير (¬14) ما فوقه، وبينهما حجابه، وحجب غيره، إن كانوا على مثاله، ومحال وصول التأثير عندكم من وراء حجاب (شفاف (¬15)، فكيف من وراء حجاب) (¬16) يملأ الفم ¬

_ (¬1) د: تبرح. (¬2) د: فلا. (¬3) د: - حينا. (¬4) ب، ج، ز: معلوم. (¬5) ب: وكل. (¬6) د: ركن. (¬7) ب: عنها. (¬8) ب، ز: تأثر. (¬9) سقط ما بين قوسين من ج. (¬10) ج، ز؛ يكشف. وصحح في هامش ز: يكتنف. (¬11) ب، ج، ز: أيها. (¬12) ب، ج، ز: - و. (¬13) د: كالذرة. (¬14) ب، ج، ز: تأثر. (¬15) ذ: مثفاف. (¬16) سقط ما بين قوسين من ب.

ذكره، فكيف قدره؟ وإن قلتم: إنه لا يحيط فلك القمر بهذا العالم، فما يخرج عن محاذاة فلك القمر؟ هل يحيط به خلاء، أو له محيط آخر سواه؟ فإن قلتم يحيط به خلاء، فالعدم ليس بمحيط، ولا محاط به، ولا هو طريق لشيء، ولا عليه طريق لا (¬1) محسوسا ولا معقولا، وإن قلتم إن هناك محيطا به، فعينوه. فإن (¬2) قلتم: إنه يحيط به الذي فوقه، قلنا لكم: وما حكم الفلك (¬3) الثاني؟ الإحاطة بجميع فلك القمر أو ببعضه (¬4)؟ فإن قلتم بجميعه، فما هذا التحكم؟ أو ما دلكم عليه، وإن (¬5) قلتم: إنه أكبر منه، قيل لكم: وقد يكون الشيئات عظيمين متقاربين (¬6) في حيزين مختلفين، وإن قلتم: إنه يحيط ببعضه، فهل يقابل المحيط منه للمحيط من فلك القمر؟ أو يقابل الخالي من (¬7) إحاطته به (¬8)؟ فإن قابل الخالي، فلم لا يصل تأثير الثاني أو الثالث إلى هذا [و 32 ب]، المؤثر دون ترتيب مع هذا المؤثر الأول حتى يتعارضا فيما فعل كل واحد منهما، فيفسد التدبير ويختل النظام؟. و (¬9) قد جعلتك على هذا الأصل، فخذه بكل فصل، وأرده بجميع وجوهه، فليس لهم عنه مناص (¬10). وقد قلت في هذا المعنى لبعض أصحابنا أبياتا توحيدية: كن للإله كما كان لك…ولا متبل بمدار الفلك فإن إلهك قد أحكمت…معاليه من عال أو من ملك ومن ذل أو عز (¬11) في موطن…ومن عاش في نعمة أو هلك فلا ترج ذلك من غيره…ودع عنك من شك أو خذلك (¬12) وخل المضلين في غيهم…وقل للكواكب من أصلك ¬

_ (¬1) د: ولا. (¬2) د: وإن. (¬3) د: - الفلك. (¬4) ب، ج، ز: بعضه. (¬5) د: فإن. (¬6) ب، ز: متقاويين، د: متفاوتين. (¬7) د: عن. (¬8) ب، ج، ز: - به. (¬9) د: - و. (¬10) ب، ج، ز: محيص، وصحح في هامشها جميعا. (¬11) ب: عن. (¬12) د: حذلك.

تنزيل

وأنت تغور وأنت تمور…فمن عاض (¬1) منك ومن بدلك ولو فلك دار من ذاته…أقام إذا شاءه أو سلك وإن لم يكن ذاك من طوقه…فأني يقال له ذاك لك؟ فليس المغير إلا الذي…تغاير عنك وما شاكلك فيا أيها الندب (¬2) ما أعقلك…ويا أيها الفدم (¬3) ما أغفل. أمن كان عن كونه (¬4) عاجزا…أترجوه للغير ما أجهلك؟ تنبه فقد بان وجه الدليل…وقد آن أن تعرف من دل لك (¬5) تنزيل: لما تعلقت القدرية بذيل (¬6) الفلسفية في هذه المسأة، وألفيناها تحتها، نزلنا في الكلام معها، وهتكنا سترها، وفصل القول معهم في التوليد معلوم، قد طوله القاضي (¬7) والشيخ أبو الحسن (¬8) لكن بمناقضات لا بدلالات، فإنا أسخف من أن يدل على فساده، وإنما أراد هؤلاء العلماء أنهم لم يفوا (¬9) به، وأنهم تناقضوا (¬10) فيه، فشأنكم وإياه. وأما نحن فنورد عليهم طريقة قريبة المرام، ضابطة لشغب (¬11) الكلام، فنقول: قد حررناها [و 33 أ]، قبل هذا بنصها في غير ما املاء، حتى تكون (¬12) كالتكرار، لتوكيد (¬13) الألفاظ والمعاني، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: غاص. (¬2) الندب: الظريف النجيب. (¬3) الفدم: العيى في الكلام، الثقيل في الفهم، الأحمق. (¬4) ب، ج، ز: صونه. (¬5) غير موزون، واقترح ابن باديس إسقاط (أن) ليستقيم الوزن. (¬6) ب، ج، ز: بدليل. (¬7) أي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (+ 403 هـ/1013 م) وقد كتب بابا في كتابه التمهيد تحت عنوان (باب الكلام في إبطال التولد. التمهيد، تحقيق الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي، المكتبة الشرقية، بيروت، 1957 م، ص 296 وما بعدها). (¬8) أي الأشعري. (¬9) ب، ص، ز: يوفوا. (¬10) ب، ج، ز: يناقضوا. (¬11) يمكن أن تقراء في د: شعب. (¬12) ب، ج، ز: يكون. (¬13) د: لتوحيد.

فذلك أضبط لها. وأول من يؤثر عنه هذا المذهب معمر (¬1) القدري، والجاحظ المفتري، وقد قام بحمد الله وتوفيقه الدليل على أن الله وحده خالق الأجسام، والأعراض، وتبين أن العبد مكتسب غير فاعل، فإذا ثبت استحالة الفعل من الحي العالم الذي يقبل الأمر والنهي فاستحالته من الأموات أثبت، ولأن الإحراق الكائن مع اتصال النار بالأجسام المحترقة فعل محكم، إن أضيف إليها، بطل الاستدلال بالفعل المحكم على الحياة والعلم، نعم وعلى الوجود (¬2)، وانقلبت الحقائق وبطلت الأدلة، ولأن النار إن (¬3) أحرقت بذاتها، وجب أن تحرق كل ما يتصل بها من حار (¬4) وبارد ورطب ويابس، فإن (¬5) كانت تحرق بصفة لها، وهي الحرارة، فلا يخلو أن تنتقل إلى المحترق وذلك باطل، لاستحالة بقاء العرض، فضلا عن انتقاله، أو تحرق الحرارة وهي قائمة بالنار، ففي (¬6) ذلك محال شنيع، وهو (¬7) تجرد الأحكام للمحال، وللمعاني (¬8) القائمة، بمحال (¬9) آخر (¬10)، فيبيض عمرو (¬11) ببياض (¬12) زيد، ويسود بكر بسواد خالد، فإن قيل أفي المشاهدة تريد أن تشكك الخلق؟ قلنا: المشاهدة وجود الإحراق فأما نسبته إلى النار فدعوى، فإن قيل وجدنا النسبة عربية شرعية، قلنا أضاف الله تعالى المعاني إلى الأسباب عند وجودها على حكم اللغة العربية، والحقيقة وراء ذلك، والذي يكشف الغطاء معهم في ذلك أن يقال لهم: ليس لكم عمدة إلا اقتران الموجودين وهو اتصال النار بالأجسام، ووجود الإحراق حينئذ، فبجهلكم بحقيقة الفاعل القادر، ¬

_ (¬1) هو معمر بن عباد السلمي أبو عمرو من أهل الطبقة السادسة معاصر لأبي الهذيل العلاف والنظام، وله صلة وثيقة بالفلسفة (الدكتور النشار، نشاة الفكر الفلسفي في الإسلام الطبعة الرابعة، دار المعارف، الإسكندرية، 1966هـ/، ص 607 وما بعدها). (¬2) ب، ج، ز: الوجوب. (¬3) ب، ج، ز: وإن. (¬4) ب، ج، ز: حر. (¬5) د: وإن. (¬6) ب، ج، ز: وهي مع ذلك. (¬7) ب، ج، ز: وهي. (¬8) ب، ج، ز: والمعاني. (¬9) ب، ج، ز: فمحال. (¬10) ب، ج، د، ز: آخر. وأغلب الظن أن صواب الكلمة "آخر" ليستقيم الكلام. (¬11) ب: عمر، ب: - عمرو. (¬12) ج: وبياض.

أضفتموه إلى الجماد، ولم تراقبوا (¬1) أن تقولوا (¬2): إن جمادا فاعل، قوي محكم، فيلزمكم مثله في الاقترانات الموجودات في العالم كلها. [و 33 أ] وأوقعها (¬3) حجة، وأوضحها محجة، الأب والأم (¬4) يتولد منهما (¬5) الولد، فإذا أودع الأب النطفة في الرحم اقترن بذلك اختلاف الأوصاف على النطفة، وانسلاك الروح فيها، والقوى المحركة المدركة، ولا يقال إنها موجودة به، ولا مضافة إليه، وإن اقترن ذلك به، بل يحيلونها على الأول، بواسطة وبغير واسطة من أسماء يسمونها ملائكة (¬6)، وماذا يقولون فيها من البهتان، ويتفوهون (¬7) به من الطغيان، وذلك يلزمهم فيمن غمض عينيه، فلم ير شيئا ففتح عينيه فأدرك الألوان، يقولون (¬8) إن فتح البصر ولد إدراك الألوان في العينين، وكذلك في نور الشمس مثله، وفي اقترانات لا تحصى كثرة (¬9)، فبطل هذا التعلق جملة، ولكنهم لما رأوها ألفاظا اعتادوها فدكت بقلوبهم، حتى لم يستطيعوا أن ينزعوها عنها، وقد استوفينا ذلك في كتب الأصول وهذه نبذة منه. ¬

_ (¬1) ب: يراقبوا. (¬2) ب: يقولوا. (¬3) ب، ز: وأوفقها، ج: وأوقفها. (¬4) متأثر في هذا بالإمام الغزالي. وقد جاء بنفس المثال وهو الأب والأم. في كتابه (تهافت الفلاسفة تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، 1966 م، ص 239 - 251). بل يأتي أبو بكر في بعض الأحيان بنفس لفظ الإمام الغزالي: فقد أتى بمثال الاحتراق كما أتى بمثال الأب والأم وعبر عن ذلك بقوله: "انسلاك الروح" وهو نفس تعبير الغزالي (تهافت الفلاسفة، ص 245 السطر الأخير من المتن. وكذلك مثال أبصار العين، ص 241 - 242. والقوى المحركة والمدركة، ص 241. ونور الشمس، ص 242). (¬5) ب، د، ز: بيهما. (¬6) ز: كتب على الهامش: قلت رأيت في كتاب الملل والنحل للشهرستاني أن جميع القوى الموجودة في المخلوقات كلها هي أرواح في غاية الدقة واللطافة مخلوقة من جملة الملائكة يودع الله منها ما شاء فيما شاء من مخلوقاته بحسب ذواتها وقوابلها ليظهر أثرها في العالم بمقتضى التدبير الإلهي والله أعلم بذلك وبسند نقله. هـ. (¬7) ب: ينصرهون، ج: تنفرهون، ز: يتفرهون. (¬8) ب: فيقول. ج، ز: فنقول. (¬9) ب، ج، ز: كثيرة.

التفات

التفات: ونعود إلى القول مع من انتدبنا إليه فنقول: وأما المتالجة منهم، فهم أعظم الطوائف فليقة (¬1)، وأردأهم طريقة، لا يعقد معهم على قول، ولا يستقر معهم من التحقيق على منزل، ومآل الحاصل من تخليطهم إلى قدم العالم (¬2)، الذي ينبني على عدم الصانع، ويعتقدون (¬3) استحالة الفناء الذي بنوه على إنكار الحشر والنشر، والثواب والعقاب، ومنهم من يذكر الصانع والحشر والثواب أسماء لا مسميات لها، كما قال الشاعر: أجر (¬4) ووزر (¬5) على نار مضرمة…أو في نعيم أركب أو على قدم أسماء منقبة في غير مرتبة…كالشيء يخبر عنه وهو في العدم وإذا نظرت إلى كلامهم في ذلك كان لك (¬6) معهم طريقان [و 34 أ]، أحدهما التعلق بما لم يطردوه على أصلهم، ولا وفوا بعهدة (¬7) المعقول (¬8) فيه، وهي مناقضة عائدة على أصل من أصولهم الضرورية بالبطلان، وذلك أنهم يقولون: هذه الهيئة لا نفاد لها ولا انقضاء، ولا استحالة، ولا تغير بأفلاكها وصفاتها وحركاتها وأجسامها (¬9). فيقال لهم: فإذا كانت حركة القمر في فلكه لا نهاية (¬10) لها، وحركة زحل لا نهاية لها، فلا يصح أن تنسب إحداهما إلى الأخرى، لأن ما لا يتناهى (¬11) لا ينسب مما لا يتناهى، فإن نسبوا فقد خرجوا عن المعقول، ولا بد لهم من ذلك، وإن لم ينسبوا، فقد أبطلوا مذهبهم، وتدبيرهم، نسبة شيء إلى شيء منها، أو بها. ¬

_ (¬1) ج: فليقه، والفليقة، الأمر العجيب والداهية (القاموس المحيط). (¬2) ز: كتب عل الهامش: أعرف القولة الشنيعة بقدم العالم والرد على ذلك. (¬3) د: ويعتقد. (¬4) ب: اجتر. (¬5) ب، ج، ز: وزور. (¬6) د: لكم. (¬7) ج: بعد، د: بعقدة. (¬8) ز: كتب على الهامش: المعلوق. (¬9) ب، ج، ز: وأقسامها. (¬10) ز: كتب على الهامش: لعله، بل صوابه: لها نهاية. (¬11) ج، ز: ما يتناهى.

الثاني: أن نقول (¬1) لهم: كل ما كان له أول جاز (¬2) أن يكون له آخر، لأنه لا يصح أن يوجد لنفسه، وما أوجده غيره، جاز (¬3) أن يعدمه، ولما وقف النظر إلى هذا الموضع الذي لا بد منه أنكروا العدم في (¬4) الأول، و (¬5) أنكروا الإعدام، وجوزوا وجود شيء لا (¬6) من شيء، وأحالوا عدمه منه، أو من غيره، وكان في ذلك كلام طويل، ليس هذا موضعه. هذا القول يسكتهم عنه، ويجريهم (¬7) معكم. ومن الغرائب (¬8) أن صاحب الجيم (¬9) عندهم قال: لو كانت الشمس فانية لأدركها الذبول بطول البقاء (¬10)، فيقال له: هذا فاسد على مذهبك، وعلى طريق الحق. أما فساد ذلك على مذهبك، فالذبول عندك إنما يكون بنضب المادة، ولعل مادة الشمس لم تنضب، وأما على مذهبنا، فلأن العدم إنما يكون عن قطع الأعراض وذلك مبين (¬11) على التحقيق في الأصول بجميع وجوهه. وقد قال الشيخ أبو الحسن [و 34 ب]: معرفة الصانع ضرورة (¬12)، وتحقيقه أنه إن كان العالم صنعة فهي صادرة عن صانع قطعا، ضرورة المعنى واللفظ، وأما الفناء الذي أحالوه فهو مشاهد في بعض العالم، وهو معلوم فيما لم يشاهد بالدليل المتقدم، حسبما سطر في كتب الأصول. ¬

_ (¬1) ب: يقال. (¬2) د: جائز، ز: علق في الهامش: قوله: جاز احتراز منه ليدخل في الحقيقة نعيم الجنة. (¬3) د: جائز (¬4) ب: وفي، د: نعم وفي الأول. (¬5) د: - و. (¬6) ب، د، ز: - لا، وصحح في هامش ز هكذا: صوابه لا من شيء. (¬7) د: يجزيهم. (¬8) ب، ج، ز: الغريب. (¬9) يقصد به جالينوس. ج: الحكم. (¬10) ب، ج، ز: الفناء. وهذا النصف مأخوذ من: (كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي تحقيق سليمان دنيا، ص 126)، ونصه: ما تمسك به جالينوس إذ قال: لو كانت الشمس مثلا تقبل الانعدام لظهر فيها ذبول في مدة مديدة. (¬11) د: بين. يرى الأشاعرة أن فناء الجواهر يكون بان لا يخلق الله تعالى فيها الأعراض من حركة وسكون (تهافت الفلاسفة، ص 130). (¬12) ز: كتب على الهامش: قف معرفة الصانع ضرورية.

وأما إنكار الحشر فشاهده (¬1) في إعادة (¬2) النبات في الأرض بعد الاستحصاد، وهم يقولون، هذا في عالم الكون والفساد، (قلت لهم: والإنسان من ذلك العالم، فإن قيل إنما يقولون إنما ذلك بأسباب مرتبة من الكون والفساد) (¬3) قلنا عنه جوابان: أحدهما: أنه إذا ثبت وجود الإعادة للفاني كجريان (¬4) العادة فيه، على وجه لا يلزم أن تكون العادة واجبة، إلا على تقدير أن يكون (¬5) العقل (¬6) من تلك الأسباب، وقد بينا فساده، فلم يبق إلا أنه يعيده الفاعل متى شاء، كما أخبر، وقد قالوا: إن الصفة تعود على التفصيل والجملة (¬7) بعد الدورة العظمى، وذلك لاثنين وسبعين ألفا دوريا في نقطتي الحمل والجدي، فيقال لهم: فهل تعود بصفتها على الجملة والتفصيل، أو بالبعض؟ فإن قيل تعود بالكل، قلنا: فلم لا نذكر أنفسنا الآن (¬8) كما كنا قبل (¬9)؟ وإن (¬10) قيل تعود بالبعض لأنا قد فاتنا ذكر ذلك فينا (¬11)، قلنا (¬12): فالذي فوت الذكر لتلك الصفة، يفوت منها (¬13) غيره (¬14)، ويقدمها (¬15)، ويؤخرها، ويغيرها، وبطل بهذا وجوب نسبة شيء من ذلك إلى حركات الفلك، أو إلى ما (¬16) ينسب إليه، لأن اختلال دقيقة منها، يوجب اختلال الجميع، فإن قيل (¬17): فقد رويتم أن الله لما خلق آدم استخرج منه نسم بنيه فقال لهم: {ألست بربكم؟ قالوا: بلى} [الأعراف: 173]، ثم أوجدهم [و 35 أ] فلم يذكروا، قلنا: نحن نقول: إن الباري هو خالق الخلق، وصفاتهم، من حركة وسكون، وعلم، وذهول، وما شاء أوجد، وأعاد، وما ¬

_ (¬1) ب: فشاهد، د: فمشاهد. (¬2) ب: إشادة. (¬3) ب، ج، ز: سقط ما بين قوسين. (¬4) د: يجريان. (¬5) ز: - يكون. وصحح في الهامش. (¬6) ب، ج، ز: الفعل. (¬7) د: الجمل. (¬8) ب، ج: - الآن. (¬9) ب، ج، ز: - قبل. (¬10) ب، ج، ز: فإن. (¬11) ز: كتب على الهامش: قف على زعمهم في قدم العالم وعدم الفناء بهاته الكيفية. (¬12) د: - قلنا. (¬13) ج، ز: كتب على القاموس: منه. (¬14) كذا في الأصول الأربعة. (¬15) ب: ويعدمها، ج، ز: - ويعدمها، وكتب على الهامش: ويعدمها. (¬16) د: أو لما. (¬17) ب: قالوا.

وهلة

لم يشأ أخبر عنه فآمنا به، وهذا لازم لكم، ساقط عنا، كما بيناه، وكذلك معرفة الثواب والعقاب، معلوم من جهة الخبر، وقد شبب (¬1) بعض الفلاسفة بأنه مدرك بالعقل، في تخليط تكذب به القدرية (¬2). وهلة: وقد (¬3) كان أبو حامد الغزالي يميل إلى ذلك ويستطرفه، قلت له: ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف: "ورأيت الجنة فتناولت منها عنقودا، فلو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا"؟ كيف يكون صفة دوام أكله ووجوده هل كان كلما أكل منه جزء خلفه آخر، وإذا فنيت حبة أينعت (¬4) أخرى؟ فقال، وكتب بخط يده (¬5): ثمار الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة، والمعنى في الحديث (¬6) أن ثمار الجنة إذا تعلقت بها آمال الناظرين، أو قابلتها أبصارهم، حدثت أمثالها في نفوسهم، حدوث أمثال المرائي (¬7) في المرآة، وأعيان المرائي لم تتبدل ذواتها، ولا رامت مكانها. قال القاضي أبو بكر (¬8) رضي الله عنه: تذكرة: ولم تتفق لي مراجعته (¬9)، وهذا مما لا نقول به اعتقادا، ولا نرضاه دينا، فإنه لا يشهد له عقل، ولم يرد به نقل. فإن قيل: فهذا النائم يأكل حتى يشبع، قلت له: يا نائم دعني من النائم، ولا تحمل الحقيقة على المجاز، ولا ترد (¬10) النوم إلى اليقظة. وسنتكلم على الرؤيا في موضعها، وقد سبق منا أمثالها، ولا سيما في محاسن الإنسان (¬11). ¬

_ (¬1) كذا في جميع الأحول وفي القاموس المحيط المشبب المحسن. ولعله من باب التحسين والتقبيح العقليين، أو لعله تشبث. (¬2) ب: تكدر بالقدرية. (¬3) ج، د، ز: - قد. (¬4) ب، د، ز: انبعث. (¬5) ب، ج، ز: بحطبه. (¬6) ز: كتب على الهامش: قف على كلام الغزالي في ثمار الجنة وما فيه. (¬7) ج، ز: المرئي. (¬8) د: قال أبي رحمه الله. (¬9) ب: مراجعة. (¬10) ج، ز: يرد. (¬11) ب، ز: كتب على الهامش: الإحسان.

معاد

ومن أعظم ما نسكتهم (¬1) به، أن نقول لهم: إنا نرى الله في المنام [و 35 ب]، أدميا، أكذلك (¬2) هو؟ فبهتوا (¬3) وهذا أمر (¬4) صحيح، وذلك أن الأمور المعقولة، إما أن تعلم مشاهدة، أو يهجم عليها العقل باتفاق (¬5)، أو تعلم (¬6) بالدليل، من تمثيل أو تنظير، وهو لا (¬7) يقول بقياس في العقليات، وإن قال به، فبمقدمتين تنتجان مطلوبا صحيحا، وهذا مما لم يعول فيه إلا على الدعوى، والتمثيل بالمرآة التي لا تقوم على ساق. معاد (¬8): وقد بينا أن قولهم الأصلي: إن كل شيء من ذاته بالابتداء، والانتهاء، وبالتفصيل، وبتفصيل التفصيل، من ابتداء الوجود إلى منتهاه، بطبيعته، كل ذلك دائر (¬9) على الحركات، كائن عنها، على جبر وانطباع، فيتحرك المتحرك بتوابعه، وذلك موجود في (¬10) المحرك الأول. عاصمة: قلنا: هذا فاسد من ثمانية أوجه، الأول: إن قولهم: إن كل شيء من ذاته، يريدون به طبيعة، كما صرحوا به (¬11) أو غير ذلك؟ فإن أرادوا غير ذلك، وليس عندهم فليبرزوه، وإن أرادوا بالطبع، فما معناه؟ إذ ليس يرجع إلا (¬12) إلى العادة، أن هذا وجد بعد هذا، فقالوا: إنه وجد عنه وبه، ولا نسلم لهم ذلك، ولا يدلون عليه أبدا. وإن قالوا به (¬13)، فإنا نقول لهم: إن كان يفعل شبهه ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: نبكتهم. (¬2) د: كذلك. (¬3) ب، ج، ز: فيبهتوا. (¬4) د: الأمر. (¬5) ب: بالتفاق. (¬6) ب: يعلم. (¬7) ج: هؤلاء. (¬8) ب، ج، ز: معادة. (¬9) د: جائز. (¬10) د: على. (¬11) ب، د: - به. (¬12) د: - إلا. (¬13) د: - به

المشاهدة، وأما مع الانفصال فدعوى، لا تثبت أبدا، من حرك الثاني للأول وليس متصلا به (¬1)، وهكذا إلى آخر الصفقة، حتى اضطروا إلى أن يقولوا: إنه يتحرك الثاني بعشقه للأول فيحكيه، قلنا (¬2) له: فإذا (¬3) عشقه، فمن الفاعل ومن المفعول؟ ومن الواطئ ومن الموطوء؟ والعشق هو معنى (¬4) تطلع النفس إلى اللذة (¬5)، وليس من شرطها (¬6) تساوي الأفعال، بل ربما كان الاختلاف فيها شرطا، فانظروا إلى [و 36 أ]، هذا الخباط الذي يذكر في معنى بيان الحقائق والأدلة. الثالث (¬7): أن الفاعل إن كان يحرك فيحرك (¬8) الكل، وانتظم التدبير بالحركة، فمن أين جاء السكون؟ فإن قالوا (¬9): من قطب الدائرة، لم نسلم (¬10) لهم أن فيها ساكنا، ولو سلم (¬11) فالحركة هي الفاعلة عندهم، فما للسكون والدخول فيه؟ والمعول على القطر (¬12) من (¬13) القطب، ونحن عندهم أهل القطب، فما بالنا (¬14) في حركة دائمة ليس فيها (¬15) من السكون شيء. الرابع: إنه إن كان المحرك الأول يفعل بطبعه (¬16)، فكيف نشأ عن الطبع الواحد أربع (¬17) مختلفة، ولا ينشأ عن الشيء إلا مثله؟ فإن أشاروا إلى الامتزاج، قيل لهم: وليس في الأول امتزاج، وهو إنما يفعل (¬18) بذاته، فمن أين جاء الامتزاج (¬19)؟. ¬

_ (¬1) ب: - به. (¬2) د: قلت. (¬3) د: وإذا. (¬4) د: والعشق معنى هو تطلع. (¬5) ز: كتب على الهامش: قف على معنى العشق وهو تطلع النفس إلى اللذة. (¬6) ج: شروطها. (¬7) لم يذكر الثاني. (¬8) د: تحرك فتحرك. (¬9) ب، ج، ز: قال. (¬10) د: يسلم. (¬11) ب: نسلم. (¬12) ب، ج، ز: القطب. (¬13) ب، ج، ز: فمن. (¬14) ب: فما لنا. (¬15) ب، ج، ز: فينا. (¬16) ب: بطبيعة. (¬17) د: أربعة. (¬18) د: وإنما هو فعل. (¬19) ب: المزاج، د: المزج.

الخامس: إن المحرك الأول إن كان لحركته ابتداء فاندفعت، فلم تفرقت الكوائن، ولم يكن عنها في حالة واحدة ما (¬1) يقتضيه الطبع، وتوجبه الهيئة والتدبير في فعل تتركب (¬2) عليه أفعال؟ وإن (¬3) كان فعله على الترتيب، فلم كان (¬4) مختلفا كما تقدم؟ ومن أين جاء التعارض، والتمانع، والتضاد بين الكوائن، والأصل واحد؟. السادس: ويرجع إلى الأول، إذا كانت الحركة صدرت عنها الحركات فلم افترقت (¬5) في الأفلاك إلا مستقبلة (¬6)، وراجعة، إلى مستقيمة ومعوجة (¬7)؟ إن كانت هذه الأسماء على الحقيقة، فهي خلاف فاعلها، وإن كانت مجازا لا حقيقة لها (¬8) فلم ركبتم عليها الحوادث؟. السابع: إن الإسلاميين من الفلاسفة قد حكموا على (¬9) أفلاطون (¬10) وأرستوطاليس (¬11) باستحالة الإيثار (¬12)، وإن صانعا مؤثرا لا يتصور، وهذا (¬13) أحد أصول الإلحاد الأربعة، وهو الأول الآن معهم، فإنا نقول لهم: زعمتم أن صدور الأشياء عن ذاته، صدور العلة عن المعلول، والدليل القاطع على (¬14) استحالة [و 36 ب]، ذلك (¬15) أن العقل يقضي قطعا أن الصفتين الجائز ورودهما على الحل على التعاقب، فورود (¬16) إحداهما (¬17) يستحيل أن ¬

_ (¬1) د: حسبما. (¬2) ج: نتركب. د: يتركب. (¬3) ب، ج، ز: فإن. (¬4) د: يكون. (¬5) ج، ز: افتقرت في، وصحح على الهامش: افترقت. (¬6) ب، ج، ز: مستقلة. (¬7) د: + و. (¬8) ب، ج، ز: - لها. (¬9) ب، ج، ز: عن. وصحح في هامش ج، ز: على. (¬10) فيلسوف يوناني عاش بين (429 - 347 ق م). (¬11) فيلسوف يوناني عاش بين (384 - 322 ق م). (¬12) كذا في جميع النسخ. ولعله: التأثير. (¬13) ب: وهو. د: وهذه. (¬14) ب، ج، ز: عن. (¬15) ج، ز: بياض بقدر كلمة، وهو بياض لا يقابله شيء ناقص بالنسبة للنسخ الأخرى. (¬16) ج، ز: ورود. د: فترد. (¬17) ب، ز: أحدهما.

عاصمة

يكون بغير سبب، يعين أحد الجائزين، ولا يجوز أن يضاف ذلك إلى القدرة، لأن نسبتهما إليها (¬1) واحدة، وكذلك الحياة والعلم مثلها (¬2)، فلا بد من سبب معقول يضاف إليه (¬3) التخصيص، يجده المرء لا يفتقر (¬4) إلى الحياة، وهم لا يبالون بذلك كله، وإنما يأخذون السبيل إلى الإلحاد، كيف اطردت لهم. والعمدة في ذلك أن يقال: أجمع العقلاء على أن الميت لا يعقل لمواتيته (¬5)، وقد كان يعقل [و 37 أ] في حال حياته ولا يصح أن يضاف إلى شرط، سوى الحياة، لأن كل صفة نضيفها (¬6) إليه، يستحيل أن نضيفها (¬7) إلى الميت، فكل صفة نذكرها (¬8) هي مساوية لهذه في اشتراط وجود الحياة لها. وأما دعواهم أن الأفلاك حية، فلا يقام عليه دليل أبدا، وهو غير مشاهد (¬9)، وليس لهم إلا حركتها، وليس من شرط الحركة الحياة (¬10)، فإن الميت يتحرك، والخطب معهم طويل بتخليطهم لمن لا يعلم مفاصل (¬11) الكلام (¬12) ومن يعلمها (¬13) يقطعهم في الحال. وقد اندرج الوجه الثامن في هذا الكلام (¬14). عاصمة: وأعظم الخطب، إنكارهم العلم أصلا، وهم لا يحتاجون إليه بزعمهم، فإن ما يصدر بالطبع لا بالوضع، لا يفتقر إلى قدرة، ولا إلى علم، ¬

_ (¬1) ج، ز: نسبتها إليها، د: نسبتها إليهما. (¬2) ب، ج، ز: مثلهما. (¬3) ب: له. (¬4) ج، ز: تفتقر. (¬5) كذا في جميع النسخ. (¬6) د: تضيفها. (¬7) د: تضيفها. (¬8) د: تذكرها. (¬9) د: - وهو غير مشاهد. (¬10) د: حياة. (¬11) ب، ج، ز: تفاصيل. وترك بياض بقدر كلمة في ج، ز. ولا يقابله شيء من بقية النسخ. (¬12) ج، ز: بياض بعد كلمة "الكلام" بقدر كلمة. ولا يقابله شيء من بقية النسخ. (¬13) ب، ج، ز: يعلمه. (¬14) ز: كتب عل الهامش: ليت شعري فأين اندرج الوجه الثامن؟ فراجعه.

والقول في القدرة أقرب منه في العلم، لأن الآفة في (¬1) العجز معقولة مشاهدة، والعلم وإن كان أظهر، فهو خفي عن المشاهدة، ولكن إتقانه المتعلق به، يظهره قطعا، وهذه الصفات الأربعة (¬2) ثابتة للصانع قطعا، وهي القدرة، والعلم، والإرادة، والحياة، ومنهم من يقر بالعلم، لكن يدعون أنه على وجوه، منهم من يقول: إنه حادث، ويفتقر إلى علم يحدث به، ولا موجود محدث أقوى احتياجا إلى العلم من العلم. ومنهم من يقول: إنه عالم بالجمل لا بالتفصيل، لأنه عندهم أحدث الأصول (¬3) بعلم، ثم رتب عليه الحوادث المتعلق بعضها ببعض، الكائن بعضها عن بعض، فلا يخلقها ولا يعلمها. قال القاضي أبو بكر (¬4) رضي الله عنه: وهذا من العجب ولولا أنه علمها على التفصيل، ما خلق لها من يعلمها على التفصيل، ويوجدها على الإحكام والتريب، فإذا أقروا بذلك، فقد (¬5) أقروا بأنه يعلمها على التفصيل، وإنما العجب كل العجب من كلمات صدرت عن أبي المعالي (¬6) [و 37 ب] فادحة تحوم (¬7)، أو تشف (¬8) على أن علم الباري، لا يتعلق بالمعلومات على التفصيل (¬9)، ونصها، قال: (إذا تعلق علم الباري بجواهر لا تتناهى فمعنى ¬

_ (¬1) د: من. وكتب على هامش ب، ز: من تصحيحا لـ: في. (¬2) د: الأربع. (¬3) ز: كتب على الهامش: أي أصول العالم. (¬4) د: قال أبي. (¬5) ب، ز: - فقد. (¬6) عبد الملك بن أبي محمد بن عبد الله بن يوسف شافعي المذهب، أشعري الاعتقاد متأثرا بآراء الفلاسفة وهو الذي وجه أنظار الغزالي إلى الاتجاه الفلسفي. له مؤلفات ذهب فيها مذهب الأشاعرة إلا أنه خالفهم في أشياء ثم رجع إلى مذهب السلف كما صرح به في عقيدته النظامية. وقد حقق أخيرا (1969 م) الدكتور النشار وبعض تلامذته كتابه الشامل الذي رد فيه على المعتزلة والفلاسفة وبين وجهة نظر الأشاعرة. توفي سنة 478هـ/ 1085 م. (¬7) د: يحوم. (¬8) ج: تسب، د: يسف، ز: تسف. (¬9) ز: كتب على الهامش: قف على قول إمام الحرمين بالاسترسال، وبسط الكلام معه.

تعلقه بها (¬1) استرساله عليها، من غير فرض تفصيل الآحاد (¬2)، مع نفي النهاية فإن ما يحيل دخول ما لا يتناهى (¬3) في الوجود، يحيل وقوع تقديرات (¬4) غير متناهية في العلم، فإن قالوا: إن الباري تعالى عالم بما لا يتناهى (¬5) على التفصيل سفهنا (¬6) عقولهم) (¬7). ¬

_ (¬1) ي ذلك. وكتب عل هامش ج: قف على قول إمام الحرمين. (¬2) ج، ز: - بها. ورد هذا النص في طبقات الشافعية الكبرى، ج3 ص 266، وأثبت هذه الجملة هكذا: (من غير تعرض لتفصيل الآحاد) وقد نسب الإمام المازري المغري أيضا إلى إمام الحرمين القول بإن الله يعلم الكليات دون الجزئيات في شرحه كتاب الرهان لإمام الحرمين. وحاول السبكي أن يدافع عنه ولكن النص صريح في ذلك. وهذا النص الذي ينسب إلى إمام الحرمين ثابت وموجود في كتابه (البرهان) المخطوط بدار الكتب المصري، وبمكتبة الأزهر. (¬3) ج، ز: ينتهي. (¬4) ب، ز: تقريرات. (¬5) ج، ز: ينتهي. (¬6) ج: يسعهنا. (¬7) وردت هذه الجملة في الطبقات مقدمة على كل النص المثبت هنا. (الطبقات، ج 3 ص 266). عثرت على نسخه من كتاب البرهان لإمام الحرمين ووجدت نفس النص مع شيء من التقديم والتأخير فيه، وقد أضفت إليه ما سبقه حتى يفهم الغرض وهو هكذا: نردد المتكلمون في انحصار الأجناس كالألوان، فقطع قاطعون بأنها متناهية في الإمكان كأحاد كل جنس، وزعم آخرون أنها منحصرة، وقال المقتصدون لا ندري أنها منحصرة أم لا، ولم يبنوا مذهبم على بصيرة وتحقيق، والذي أراه قطعا أنها منحصرة، فإنها لو كانت غير منحصرة لتعلق العلم منها بآحاد (صحح في الهامش: "بأجناس" بدل "لآحاد" لا تتناهى على التفصيل، وذلك مستحيل، وإن استنكر الجهلة ذلك، وشمخوا بآنافهم، وقالوا: الباري سبحانه وتعالى عالم بما لا يتناهى على التفصيل سفهنا عقولهم، وأحلنا تقرير هذا الفن على أحكام الصفات، والجملة علم الباري سبحانه وتعالى إذا تعلق بجواهر لا تتناهى، فمعنى تعلقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد، مع نفي النهاية، فإن ما يحيل دخول ما لا يتناهى في الوجود يحيل وقوع تقديرات غير متناهية في العلم، والأجناس المختلفة التي فيها الكلام، يستحيل استرسال العلم عليها، فإنها مباينة بالخواص، فتعلق العلم بها على التفصيل مع نفي النهاية محال. وإذا لاحت الحقائق، فليقل الآخر بعدها ما شاء، والله المستعان. (البرهان، مخطوط دار الكتب المصرية رقم 2587 ب ورقة 18).

وقد بسطنا القول على هذا الكلام في كتاب "التمحيص" (¬1) بما فيه بلاغ، فلينظر هنالك بمقدماته ولواحقه، والمقدار الذي يعرفك (¬2) الآن بكنهه، ويعطيك فائدة ما سطرنا (¬3) هنالك منه على الاختصار، إيراد بعض ما استطر هنالك (¬4) من الفصول بلفظه الذي وقع الإملاء به. اعلموا وفقكم الله أن المعلومات من جهة الكون تنقسم إلى واجب وجائز ومستحيل (¬5)، والواجب على قسمين: واجب مطلق، وهوالله وحده، وصفاته. وواجب من وجه، وهو ما خلقه الله تعالى من أصول العالم، كالجواهر والأجسام، والأعراض. فهذه مما يجب كونها على هذه الصفة (¬6)، فلا يتصور خروج الجوهر عن كونه جوهرا، ولا العرض عن كونه عرضا، ولا خروج الجسم عن كونه جسما. ومن أصول هذه الأصول: أن الجوهر لا يخلو عن عرض، وأن العرض لا يصح وجوده دون ما يقوم به من جوهر، أو جسم. وهذا كله متفق عليه بين العقلاء، و (¬7) معلوم عندهم قطعا قبل النظر، ومنه ما هو معلوم بنظر، ويتركب عليه وجود الأكوان، والألوان بالجواهر والأجسام، على البدل والانفراد، حسب نسبة كل واحد منها (¬8) إلى الآخر، من ضد أو خلاف [و 38 أ] ويتركب عليه بعد ذلك النظز في أحكام جميعه، بالنسبة إلى سبب (¬9) نشأت عنه، أو (¬10) إلى كيفية هي عليه، أو (¬11) إلى تركيب في وجود أو عدم، أو صفة فناء أو بقاء، أو إلى حال تركيب واستحالة، يكون بعده (¬12) نظر في انحصار الأعراض إلى ألوان (¬13)، وأكوان. وانحصار الأكوان إلى حركة، وسكون. وانحصار الألوان إلى أحمر، وأسود، ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: قف على كتاب التمحيص لابن العربي. (¬2) ج، ز: نعرفك. (¬3) ب، ج، ز: سطرناه. (¬4) ج: استظهرنا لك. د: استطير. (¬5) د: محال. (¬6) ج، ز: بياض بعد (الصفة) لا يوجد ما يمكن أن يسد مسده في النسختين الأخريين فهو بياض لا معنى له. (¬7) د: - و. (¬8) ب، ج، ز: منهما. (¬9) ب، ج، ز: نسب. (¬10) ب، ج: - أ. (¬11) ب، ج، ز: - أ. (¬12) ج: بعد. (¬13) ب: الألوان. ز: كتب على الهامش: قف على الخلاف في الألوان هل هي منحصرة أم لا.

وما بينهما من والسطة، ترجع إليهما، أو تقف بينهما، وأعظم من ذلك القول في انحصار العالم إلى الموجودات على ترتيبها، وتدبيرها، ما بين وجود، وعدم، وبقاء، وفناء، وتكليف، وإعفاء، وتعجيل، وإمهال، ودنيا، وآخرة، وثواب وعقاب، في عموم ذلك. ومن هذا المتقدم أصل متفق عليه بين منزلي النفي والإثبات وهو (¬1) الوجود، والعدم، والحركة، والسكون فرعا عليه (¬2)، ومنه متفق عليه بين أهل الملل، ومنه متفق عليه بين أهل السنة. ومن جملة المتفق عليه مما تقدم، أن الجوهر لا يخلو عن حركة، أو سكون. وعجبا لبعض علمائنا فإنه استدل عليه، ولئن احتاج إلى دليل، لم يثبت لنا شيء بعده. ومن المختلف فيه، القول في وجود لون خلاف ما شاهدناه، فمن قائل إن الألوان منحصرة، ومن قائل إنها غير منحصرة، ومن واقف. وفي حديث المعراج (حتى بلغت سدرة المنتهى فغشيتها (¬3) ألوان لا أدري ما هي) وقد تكلمنا عليه في شرح الحديث. ومسألة الانحصار (¬4)، هذه، مسألة مشكلة، فإن العلم الذي به أدرك (¬5) المرء (¬6) انقسام الموجودات إلى جواهر وأعراض، به أدرك أن موجودا ليس بجوهر ولا عرض (¬7)، ولا نعلمه (¬8)، وأن جهات المخلوق ستة لا سابع لها، وأن الكون من حركة وسكون لا ثالث لهما، وأن السواد والحمرة [و 38 ب]، لا غاية وراءهما، وإن كان بينهما وسائط، وأن العلم لا تعلق له بالعدم المحض، وإنما يتعلق بمعدوم مقدر (¬9). فإن قدرت (¬10) عالما آخر، وأمكننا فهمه، فقدر موجودا ليس بجوهر ولا عرض، وكونا ليس بحركة ولا سكون (¬11)، ولونا ما (¬12) ليس بحمرة ولا سواد، وجهة سابعة (¬13) لمخلوق. فإن ¬

_ (¬1) ب: - هو. (¬2) د: فرعى علته. (¬3) ب، ج، ز: فغشيها. (¬4) ج، د، ز: + و. (¬5) د: أدركنا. (¬6) د: - المرء، ج: الذي أدرك به المرء. (¬7) ج، ز: بياض وصحح في ز: على أنه بياض لا معنى له، فلا يدل على نقص. (¬8) ج، ز: يعلمه. (¬9) ج: مقدور. ز: كتب عل الهامش مقدور. (¬10) ز: كتب على الهامش: مبحث نفيس. (¬11) ج: سكوتا. (¬12) ب، ج، ز: - ما. (¬13) ج: سابقة.

وجب أن ينحصر ذلك في المعلوم، فلا تسأل عما وراءه بنفي أو إثبات، وقد بسطناه في موضعه. قال القاضي أبو بكر (¬1): قال ابن الجويني: (والدليل على أنها منحصرة، أنها لو كانت غير منحصرة لتعلق العلم منها (¬2)، بآحاد لا (¬3) تتناهى على التفصيل وذلك محال) (¬4). قال القاضي أبو بكر (¬5) رضي الله عنه: هذا كلام محذوف لأن قوله: (لو كانت غير منحصرة) مقدمة واحدة لا تنتج شيئا باتفاق من العقلاء، فلا يصح أن يرتب (¬6) عليها قوله: (لتعلق العلم منها (¬7) بآحاد لا تتناهى على التفصيل) حتى يقول: هي منحصرة ولا بد أن تكون معلومة، فإن الحكم على المجهول بحصره أو عدمه محال. وإذا كانت معلومة، فلا بد أن يتعلق بها العلم (¬8) على التفصيل، والتفصيل هو الحصر (¬9)، فآل نفي الحصر إلى إثباته، فبطل في نفسه، وهذا هو برهان الخلف. قال ابن الجويني: (فإن قالت الجهلة الباري عالم بما لا يتناهى (¬10) على التفصيل سفهنا عقولهم) (10). قال القاضي أبو بكر (¬11) رضي الله عنه: يريد أن التفصيل كما قدمنا، يقتضي الحصر والنهاية، فكيف يضاف إليه، ما لا يقتضي النهاية والحصر، فإن كان للتفصيل عند أحد معنى غير الحصر والتناهي فليركب عليه ما يليق به، وقدمنا أن (¬12) لفظ الجملة والتفصيل ليس شرعيا. قال ابن الجويني: (إذا تعلق علم الله بجواهر ¬

_ (¬1) د: - قال القاضي أبو بكر. (¬2) ب، ج، ز: بها. (¬3) ج: فلا. (¬4) البرهان؛ مستحيل. المخطوط السابق الذكر ورقة 18. (¬5) د: قال أبي. (¬6) د: يرتب. وهذا اتباع للمنطق اليوناني وقد ذكر ابن تيمية أن المقدمة الواحدة منتجة. (¬7) ب، ج، ز: بها. (¬8) د: يتعلق العلم بها. (¬9) ز: كتب على الهامش: قف: التفصيل هو الحصر. (¬10) في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: (فإن استنكر الجهلة ذلك وشمخوا بآنافهم، وقالوا: الباري تعالى عالم بما لا يتناهى على التفصيل سفهنا عقولهم، ج3 ص 266) وهو نفس النص الوارد في مخطوط البرهان ورق 18. (¬11) د: قال أبي. (¬12) ج: - أن.

[و 39 أ] لا تتناهى فمعنى تعلقه بها استرساله عليها في غير فرض تفصيل (¬1) الآحاد مع نفي النهاية، فإن ما يحيل دخول ما لا يتناهى في الوجود يحيل وقوع تقديرات (¬2) غير متناهية في العلم). قال القاضي أبو بكر (¬3) رضي الله عنه (¬4): أما قول الجويني (¬5) أيضا: (وإن قالوا: إن الباري عالم بما لا يتناهى على التفضيل سفهنا عقولهم)، فهو عبارة عن أنه كلام متناقض غير معقول (¬6)، لما بينا من أن التفصيل عنده يقتضي الحصر، وما لا يتناهى ينفيه (¬7)، فتناقضا، فالجمع (¬8) بينهما في الأخبار سفه في العقل. وكذلك كل (¬9) من جمع بين متناقضين، ولذلك سفهنا عقل أبي هاشم، وسلبناه دينه، في تصويره عن الجملة الجامعة بين (¬10) المتناقضين، قول القائل: محمد ومسيلمة صادقان أو كاذبان، فإنه لا يصح الإخبار عنه بكل واحد من الخبرين، لأنه جمع في الخبر عنه بين متناقضين، كما لو قلت: الإنسان والحجر حيوانان أو (¬11) مواتان (¬12). وأما قوله: (إن ما يحيل دخول ما لا يتناهى في الوجود يحيل وقوع تقديرات (¬13) غير متناهية في العلم) فإنه كلام ناقص أيضا، مفتقر إلى تتميم، وحينئذ يصلح للتعلم والتعليم (¬14)، لأن قوله: (ما يحيل دخول - ما لا يتناهى في الوجود) يعني به في زمن متناه وإلا فدورات (¬15) الأفلاك عند الفلاسفة لا نهاية لها، ونعيم الجنة عند الموحدين، لا نهاية له، وكل واحد منهما يوجد متماديا عند من يرى الأول، و (¬16) على الحقيقة في (¬17) الثاني. ولكن ذلك كله، ¬

_ (¬1) الطبقات: من غير تعرض لتفصيل. (¬2) الطبقات، ز: تقريرات. (¬3) د: قال أبي. (¬4) د: - رضي الله عنه. (¬5) ب: الجوني. (¬6) ز: كتب على الهامش: قف للرد على إمام الحرمين للإسترسال. (¬7) ج: بنفيه. (¬8) ب: والجمع. (¬9) ج: - كل. (¬10) ج، ز: من. (¬11) ب: أم. (¬12) ج: أمواتان. (¬13) الطبقات: تقريرات. (¬14) د: أو اللتعليم. ب، ج، ز: + فإنه كلام ناقص. (¬15) ب، ج، ز: دوران. (¬16) ب، ج، ز: - و. (¬17) ب: من.

إنما يحال الموجود (¬1) فيه على أزمنته الآتية، فيكون لكل موجود زمانه. وقوله: (يحيل وقوع تقديرات (¬2) غير متناهية في العلم) يعني بقوله: (وقوع): وجود، وقوله: (تقديرات) يريد تصوير موجودات (¬3)، (غير متناهية)، يعني في زمان (¬4) متناه، وذلك مما لا يتعلق به علم، لأنه لا يتصور له ثبات، وقوله: (تعلق علم بها على التفصيل مع نفي النهاية محال) [و 39 ب]، لأنه يريد بالتفصيل، الحصر والانتهاء، (¬5) ثم قال: و (¬6) هذه الأجناس المختلفة التي فيها الكلام يستحيل (¬7) استرسال العلم عليها لتباينها بالخواص، وهذا كلام مفهوم (¬8). [(¬9) وقوله: (تعلق بالعلم بها مع النهاية محال) مبني على أصله في أن التفصيل هو الحصر والانتهاء] (9). قال القاضي أبو بكر (¬10) رضي الله عنه: فنتخل (¬11) من هذا كله، أن هذه الألفاظ من الجملة والتفصيل والحصر، ألفاظ مولدة، ركبت عليها المبتدعة علومها، وخاض فيها علماؤنا معهم، ولكل واحد، فيها اصطلاح، تركيب معناه على ما (¬12) اصطلح عليه فيها، ويختلف الاثنان في الوجه المصطلح عليه فيتباريان ويتعارضان، ونحن إذا تكلمنا (¬13) على ذلك قلنا: دعونا من العبارات المحدثة الفاسدة، الباري تعالى، عالم بعلم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما كان وما يكون، ولا يقدر شيء إلا وهو عالم به، نعم ¬

_ (¬1) ب، د: الوجود. (¬2) الطبقات: تقريرات. (¬3) ب: وجودات. (¬4) د: زمن. (¬5) د: بداية سقوط نحو ورقة. وكتب على الهامش: في كهذا الموضع توجد زيادة في النسخه المطبوعة وهو يوازي نحو ورقة من هذا الكتاب. انظر (صفحتي 117 - 118 من الطبوع). محمد عبد الرسول. (¬6) ب، ج، ز: - و. (¬7) د: فيستحيل. (¬8) ز: صحح على الهامش: مفهوم. (¬9) ج، ز: سقط ما بين القوسين. (¬10) د: قال أبي. (¬11) ب، د: - فننتخل. ج، ز: فننتحل. وصوابه بالخاء المعجمة. (¬12) ب: - ما. (¬13) ج: تضمنا.

وقد كتبه، فهذا عقد (¬1) صحيح، مدلول عليه. فإن قلتم على التفصيل (¬2) يعلم، أو على الجملة؟ قلنا: لا ندرك ما تريدون، فإن أردتم بقولكم: على التفصيل، أنه لا يخفى عليه شيء، فذلك صحيح، وإن أردتم بالجملة، أنه يعلم شيئا، ويخفى عليه آخر، فلا يصح، لأن الدليل قد قام على (¬3) أنه لا يخفى عليه شيء، فإنما نتكلم (¬4) معكم، في عموم علمه وخصوصه، والجملة والتفصيل عبارات باردة، لا نلتفت لكم إليها، ولا نبني عليها حكما، ولا نصف الباري بشيء منها، لا نفيا ولا (¬5) إثباتا، وإنما نصفه بما وصف به نفسه، ودل الدليل عليه من سعة علمه، وتقدس ذاته وصفاته، وأنه لا يخفى عليه شيء، كان أو لم يكن، تقدم أو تأخر، فعلى هذا عولوا، ودعوا بنيات الطرق، والألفاظ المحدثة، وخذوا (¬6) ذات اليمين، وهو ما كان عليه السلف المتقدمون من الصحابة والتابعين، وقد بينا ذلك كله، في كتب الأصول، وهذه إشارة إلى جملة نكته (¬7)، عاصمة لكم في هذا الباب، قاصمة لظهورهم، وذلك أنا نقول: إن (¬8) الفلاسفة على قسمين (¬9): منهم من يقول: إن الباري لا يعلم إلا نفسه (¬10)، ومنهم من يقول: يعلم غيره (¬11)، ويلزمهم أن يقولوا: إنه لا يعلم شيئا. وقد رأيت منهم من يقوله، فأما من يقول: إنه يعلم نفسه ولا يعلم غيره، فيقال لهم: قولكم: إنه لا يعلم غيره، ما تعنون به؟ أتريدون لاستحالة ذلك (¬12)، أو لأنه لم يتفق؟ فإن كان لا يعلم غيره، لاستحالة ذلك، فهو باطل قطعا، لأن من يعلم نفسه يعلم غيره، وإن كان لأنه لم يتفق ذلك، فالذي يوجبه (¬13) ذلك للعبد، عدم ارتباط كل واحد منهما بصاحبه، والموجودات كلها مرتبطة ¬

_ (¬1) ج: عندي. (¬2) ج: تكرر على التفصيل. (¬3) ج: - على. (¬4) ب: يتكلم. (¬5) ج، ز: - لا نفيا ولا. (¬6) ج، ز: وجدوا. (¬7) ج، ز: جمل نكتية. (¬8) ج: - إن. (¬9) ز: كتب على الهامش: قف انقسام الفلاسفة إلى قسمين في علم الله. (¬10) مثل أرسطو وأتباعه. (¬11) كابن سينا. (الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص 180 - 182). (¬12) ب: + فهو باطل. (¬13) ج: تكرر: يوجبه.

بالأول، فكيف يعلم منها وأحدا غيره؟ هذا محال قطعا. وإن قالوا: إنه لا يعلم شيئا فذلك من أفسد دعوى، فإنها إذا كانت عنه أو بعضها، فكيف يكون عنه ومنه وبه، أو منه أو به أو عنه، وهو لا يعلم ذلك؟ وتصوره غير معقول. وإن قالوا: إنه يعلمها جملة، ولا يعلمها تفصيلا، قلنا: إن كان لا يعلمها تفصيلا، فلا يعلمها أيضا جملة، لأن كل جملة لها تفصيل، يكون عنها مرتبا، أو فيها محكما، أو بها مولدا، فكيف (¬1) كانت عنه كذلك، ولا يعلم بها؟ و (¬2) كيف كان عنه ما لم يعلم به، على وجهه؟ هذا لا يتصور. فإن قيل: الإحاطة (¬3) بها على التفصيل وهي لا تتناهى (¬4) ولا يمكن تحصيلها، قلنا: [هذا الكلام بإطلاقه تلبيس، لأنه يقال لهم: قولكم: لا يمكن تحصيلها لمن] (¬5)؟ آللذي كانت عنه أو لغيره؟ فإن قلتم لغيره قلت صدقتم، فإن الإنسان لا يدرك الأشياء كلها على التفصيل، لأنه (¬6) ليس شيء منها عنه، وإنما يعلم منها ما علم، وكانت عنه، فمن ضرورة العالم، أن يعلم (¬7) ما يكون عنه، ولا يستعظم علم ما لا يتناهى، كما لا يستعظم وجوده، وقدر الوجود مقرونا بالعلم، وقدره من غير تعلم، وبغير آفة تطرأ (¬8) عليه، وبغير عدم يلحقه، أو يسبقه، ولم تجد له نظيرا، فلم يلف (¬9) منك (¬10) نكيرا (¬11). والإنسان على قصوره، يعلم ما كان، وما هو فيه، وما يكون باطراد العادة، كما (¬12) أخبر الصادق، أنها (¬13) لا تتغير وهو لم يجد (¬14) ذلك، ولا ¬

_ (¬1) ج، ز: وكيف. (¬2) ب: - و. (¬3) ب: للإحاطة. (¬4) كذا في ب، ج، ز: ولعل الصواب إسقاط الواو. (¬5) ما بين الوقسين ساقط من ج. (¬6) ب: أنه. (¬7) ب: يعلمها. (¬8) ب: نظرا. (¬9) ب، ج، ز: يلق وصحح في هامش ز: يلف. (¬10) ج، ز: مثل. (¬11) ج: تكبير. ز: تكبيرا. (¬12) ب: لكني. (¬13) ب: - أنها. (¬14) ز: كتب على الهامش: عله: يوجد.

كان عنه. فقدر في الخالق المكون، قل بواسطة أو بغير واسطة، علم ذلك كله على الكمال، والقوم في قصور من المعرفة عظيم، وتخليط كثير. وقد فاوضتهم في الأقطار والأمصار بنفسي (¬1)، و (¬2) حضرت ذلك في مجالس الأيمة والجهابذة بالشام والعراق، فما أثبت الله لهم قدما، ولا رفع لهم قط علما. ولم يتكلموا على تقية إلا بغاية الحمية، وقوة الاعتقاد والنية، والله يعيذنا (¬3) من حالهم، ويريهم وبال أمر مآلهم، بعزته (¬4). قال القاضي أبو بكر (¬5) رضي الله عنه: وقد تقدم من ذكرنا لقولهم في المفردات والبسائط إشارة، أنبهكم فيها، على نكتة، فأوضت فيها عظماءهم، فاضطررت أكثرهم في النظر إلى أن يقول (¬6): إن البسيط المطلق لا يتحقق إلا في القول. وذلك أني قلت له: الاسطقصات (¬7) التي كان ينبغي أن يسكتوا عنها ما هي؟ فذكرها، قلت له: الماء بسيط أو مركب؟ ففكر وقدر وعلم ما ألزمته (¬8)، فقال: مركب، قلت له: من الرطوبة والبرودة، قال: نعم، قلت: فالرطب المطلق مجردا، والبارد المطلق مجردا لا ينضاف إليهما شيء، ما هو؟ وحينئذ يتحقق لك البسط، قال لي: ذلك يكون في العدم، قلت له الله أكبر! العدم ليست له ذات، تخبر عنها بما يعقل فيها، وكذلك لو وضعت يدك معه في الأفلاك فلكا فلكا، اضطرتهم الأدلة إلى أن يقولوا: إن أحاد جميعها بسط (¬9) في العدم، فزحل إلههم الأعظم، بارد يابس، فقد كان كل واحد منهما بسيطا، فمن جمع فيه الضدين؟ ومن ركب (¬10) المتناقضين؟ في الله! وللعقول التي ذهبت في تضليل!. قال القاضي أبو بكر (¬11) رضي الله عنه: وأما النظر معهم في الأيالة ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: قف على مفاوضة الشيخ للفلاسفة. (¬2) ج: - و. (¬3) ج: يفيدنا. (¬4) نهاية ما سقط من د وهو نحو ورقة. (¬5) د: قال أبي. (¬6) ب، ج، ز: يقولوا. (¬7) د: الاستكسات. (¬8) د: ألزمه. (¬9) د: بسيط. (¬10) ج: + فيه. ب، ز: + عليه. (¬11) د: قال أبي.

العائدة لمصلحة (¬1) العالم الخاص، من البدن، والعالم العام، الخلق، فهو قانون علقوه من الشرائع السالفة (¬2) مبدلا، [و 40 أ] ورتبوه مشحونا سخافة وخللا، إذا قرأت لهم منه مسطورا، رأيته متهافتا منكورا، أخبرني الفقيه الطرطوشي (¬3)، أخبرني الباجي (¬4) أنه كان يوما في باجة (¬5) أحمد بن هود (¬6) ينتظر إذنه فجالسه ابنه الملقب بالمؤتمن (¬7)، وكان يتفلسف وجاذبه ذيل الحديث، فقال له: هل قرأت أدب النفس لأفلاطون؟ قال له الباجي: إنما قرأت أدب النفس لمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. قال القاضي أبو بكر (¬8) رضي الله عنه (¬9): الذي رأيت لأفلاطون زجر (¬10) النفس، وعني الباجي بقوله: أدب النفس لمحمد، ما تضمنت الشريعة من قرآن وسنة، في هداية السنن، وإيضاح السنن، والقوم كما ذكرنا لكم، إنما رتبوها مسارقة (¬11) لقوانين الشرائع، مركبة على الشهوات ¬

_ (¬1) د: بمصلحة. (¬2) د: السابقة. (¬3) الطرطوشي: من أعظم الفقهاء المالكية الذين أقاهوا بالإسكندرية تتلمذ على أبي الوليد الباجي الأندلسي وأبي بكر الشاشي، عرف بالزهد والتدين والمعارضة للفاطميين بمصر وألف كتاب "سراج الملوك" لأحد أمرائهم. توفي سنة 520 هـ/ 1126م (العبر، ج4 ص 48) (¬4) الباجي: سليمان بن خلف أبو الوليد التجيبي القرطبي أصولي فقيه متلكم أخذ عن أبي جعفر السمناني، وأبي ذر الهروي. توفي سنة 474 هـ/ 1082م (العبر، ج 3 ص 280). (¬5) ج، ز: ناخة. (¬6) أحمد بن سليمان بن محمد بن هود من ملوك الطوائف توفي سنة 475هـ/1082 م. (¬7) المؤتمن يوسف بن أحمد تولي الملك بعد وفاة أبيه وكان مولعا بالعلوم الرياضية وصنف كتابا سماه "الاستكمال والمناظر" ويبدو أنه هو الذي اختصره موسى بن ميمون في كتابه: تهذيب الاستكمال. توفي سنة 478 هـ/ 1085 م (الأعلام للزركلي، ج 9 ص 384). (¬8) د: قال أبي. (¬9) د: - رضي الله عنه. (¬10) ج، ز: رجز: - ويسمى الكتاب أيضا معاذلة النفس نسب إلى أفلاطون ونحل إليه، وأغلب الظن فيما يرى الباحثون أن هذه الرسالة ترجع إلى أثر من آثار الهرمسية، وكاتبها ذو اطلاع على الأفلاطونية المحدثة والغنوصية. وقد نشر هذه الرسالة الدكتور عبد الرحمن بدوي (الأفلاطونية المحدثة عند العرب، القاهرة، 1955 م، ص 53). (¬11) ب: مشارقة. ز: كتب على الهامش: عله مساوقة.

قاصمة

واللذات، مقرونة بمكارم حسبما تقتضيه الأهواء (¬1) وتميل إليه النفوس، من غير نظر في العواقب الصحيحة المفيدة، ولو كان على ما زعموا، لكان الخلق عبثا، ولما (¬2) كانت الخلقة حكمة، بما رتب عليها في الحشر من العاقبة. قاصمة: وتبعته (¬3) طائفة كادت الدين، وبهرجت على المسلمين، وأرادت التلفيق بين الفلسفة والملة، وحاولت الجمع بين الشرع المنقول، وقضيات العقول القاصرة، عن غاية الدليل بذواتها، وجزمت القول بأنه لم يأت رسول (¬4) إلا بها، ولا دار إلا حولها، ورتب نظامه في سلكها، ودار كلامه وعلمه عليها، وجعلت تتبع ذلك فصلا فصلا، حتى عقدت أبوابا في شرح هذه المقاصد، ومن أعظم من انتدب لذلك (¬5) القضاة الأربعة الذين لقبوا أنفسهم إخوان الصفاء فجمعوا الخمسين رسالة، في كل علم رسالة، ولم يبقوا من رسوم (¬6) الإسلام أصلا إلا عقدوا فيه فصلا، وكانوا في علومهم مقدمن، وعلى [و 40 ب]، الفصاحة مقتدرين، وبدرك المدرك عارفين، وبالدولة معتضدين، ومن تمكن من تصريف لسانه وبنانه، لا ينبغي أن يستغرب ما جاء من بيانه، فكم قائل من الحكماء: في فمي ماء وهل ينـ… طق من في فيه ماء (¬7) وإنما يقصر بالقلوب الأصمعية (¬8)، والألسنة اللوذعية، والنفوس الأحوذية، ما وراءها (¬9) من انتقاد الحساد، وتشنيع الأعادي (¬10)، فترى العالم صامتا وما به عي، متماوتا وإنه لحي، ولما تمكنت هذه الطائفة كما قلنا، لم يبق فن (¬11) من الحكم النبوية، والأغراض الفلسفية والأدلة الجلية والخفية، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الأهوية. (¬2) د: وإنما. (¬3) ج، ز: نبعت. (¬4) ب، ج، ز: + الله صلى الله عليه وسلم. (¬5) د: إلى ذلك. (¬6) د: رسم، ز: كتب على الهامش: قف واحذر. وتحت ذلك: قف على رسائل إخوان الصفاء. (¬7) ج، د، ز: كتب في صورة نثر. (¬8) ب، ج، ز: الأسمعية. (¬9) ب: فأرواها. ج، ز: ما رواها. (¬10) كتب على هامش ب، ز: الأحاد. (¬11) ب، ج، ز: - فن.

عاصمة

والإشارات بعبارات غلاة الصوفية، إلا وقد رصدت عليه (¬1) أبنية (¬2)، ودست فيه (¬3) بلايا، دع (¬4) بلية فإذا قرأها (¬5) من ليس من أهلها هلك فيها، وإذا قرأها عالم جردها عن فاسدها، وأقامها من مائدها، وعدلها عن حائدها، وردها إلى مالكها، وواجدها. عاصمة: قال القاضي أبو بكم (¬6) رضي الله عنه: إن الله تعالى وله الحمد، أنزل كتابه على نبيه نورا محكما، هدى تبيانا، لم يكن رموزا ولا كناية عما لا يتوصل به (¬7) إليه سامعه، ولا يعلمه مخاطبه، وأقام عشرة أعوام، أو ثلاثة عشر عاما (¬8)، أو خمسة عشر عاما، يجادل بالحجة جميع الكفرة، بألف (¬9) من آي القرآن حسبما بيناه في "أنوار الفجر" فما بقي نوع من الأدلة، ولا وجه من وجوه الحجج، إلا وجاء بها على أوضح منهج، وتناولت كل حجة طائفة من الملحدة، وأصحاب الطبائع والصابئة بقدرها، واليهود والنصارى، والزائغين بقسطها، على نحو ما قالت كل طائفة من الشرك، ولو شاء ربنا لكفهم عن هذه المقالات، وإذ أطلقها على ألسنتهم، فقد نص كيف تنقض أقوالهم، حسبما تقرر من الأدلة، ومن كيفية استعمال، في كتابه، وعلى لسان رسوله، وذلك [و 41 أ] كله بسابقة من المشيئة، ووجوه من الحكمة، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود: 119] فأبان أنه خلقهم للاختلاف، وليرحم من شاء منهم فيخلصه عن شائبة الخلاف، وما استأثر الله برسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا والدليل قد اتسق، والدين بالعلم قد استوسق، والحرس مبثوث (¬10) على جوانب الملة، لا يستطيع أحد خرقها (¬11)، لا في السماء بسلم، ولا في الأرض بنفق، وإن ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: عليها. (¬2) ب: بليه. ج، ز: بنية. (¬3) ب، ج، ز: فيها. ب: عليها. (¬4) ب، ج، ز: نوع. (¬5) ب: أقرأها. (¬6) د: قال أبي. (¬7) د: - به. (¬8) ج، د، ز: - أو ثلاثة عشر عاما. (¬9) ب، ج، ز: بالآيات. (¬10) ج: مثبوت. (¬11) د: خرمها.

اشتجر (¬1) الخلق اشتجار (¬2) أطباق الرأس، عقائد وأعمالا، وتفرقوا تعصبا واختلالا، فمدت البدع أعناقها، وأطلقت المبطلة (¬3) ألسنتها، فإذا (¬4) كانت الأمة على حاميتها، والولاية على حمايتها، خلع العذار الخلق في العاصي، وأخذوا في طرف من البدعة. فلما جاء الوعد الصدق بأن الدين بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، ولج في الدين لصوص، من غير بابه، وتعلقوا (¬5) بإهابه، ومشوا له الضراء، وأسروا حسوا في ارتغاء (¬6)، وخاطبك كل واحد منهم بلسان القرابة، وهو من البعداء، وعاملك بالخلة وهو من الأعداء، وأتاك بالداء في صفة الدواء، ولم يخل الله قط أمته، ولا ضيع شريعته، عن ذاب (¬7) عن حرمها، وحامل على مستقيمها، كما أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين (¬8)، بالمعلق من مدينة السلام، تجاه دار الخلافة ثنا (¬9) أبو بكر أحمد بن علي الحافظ (¬10) ثنا (¬11) أبو بكر أحمد بن عمر الدلال (¬12) ثنا (¬13) جعفر بن محمد بن نصير الخلدي (¬14)، نا (¬15) خلف بن عمرو العسكري (¬16) حدثنا سعيد بن منصور (¬17)، نا عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) ج، ز: اشتحر. (¬2) ج، ز: اشتحار. (¬3) ب: المبطلات. (¬4) ب، ج، ز: - فإذا. (¬5) د: تلففوا. (¬6) ج، د، ز: ارتقاء. (¬7) د: دأب. (¬8) هو السراج البغدادي صاحب مصارع العشاق توفي سنة 500 هـ/ 1106 م وكان من الحفاظ، وعالما بالقراءات (العبر، ج 3 ص 359. ابن خلكان، ج1 ص 359). (¬9) ج، ز: بنا. د: - أنا. (¬10) ب: الحافظي. وهو أبو بكر أحمد بن علي ابن سعيد المروزي من حفاظ الحديث له مسانيد توفي قاضيا بدمشق سنة 292 هـ/ 954 م (العبر، ج 2 ص 91). (¬11) ج، ز: بنا. د: نا. (¬12) الدلال. لم نعثر له على ترجمة. (¬13) ج، ز: بنا. د: أنا. (¬14) الخلدي: جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الزاهد. نسب إلى محلة الخلد على شاطئ دجلة. وهو شيخ الصوفية ومحدثهم. توقي سنة 348 هـ/ 959 م (العبر، ج 2 ص 279). (¬15) د: أنا. (¬16) د: العسكري: الصواب أنه العكبري خلف بن عمرو محدث ثقة توفي سنة 296 هـ/ 908 م (العبر، ج 3 ص 106). (¬17) أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ توفي سنة 227 هـ/ 842 م.

منزلة الشرع من العقل

زياد (¬1)، نا شعبة (¬2) عن معاوية بن قرة (¬3) عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا يزال (¬4) ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم، الساعة" (¬5) قال القاضي أبو بكر (¬6) رضي الله عنه (¬7): وبعد هذا فليس يخفى على ذي لب، أن العقل والشرع صنوان. منزلة الشرع من العقل (¬8): وقد قال بعضهم: إن العقل مزكي الشرع، ولا يصح أن يأتي الشاهد، بتجريح المزكي، ولا بتكذيبه، فإن ذلك إبطال له. وتحقيقه (¬9) أن المعقول (¬10) على ثلاثة أقسام: واجب، وجائز، ومستحيل. فأما الواجب والمستحيل فلا يتعرض الشرع إلى بيان حقيقتهما، وأما قسم الجواز فإن الشرع هو الذي يتصرف فيه بأن يعين أحدهما، لأنه هو (¬11) الذي أوعز به، عالم الغيب والشهادة، أما أنه يذكر الواجب، والمستحيل في معرض الأدلة، إذا كانا نظريين، ويذكرهما إذا كانا ضروريين، تمهيدا (¬12) لتوطيد القسمين النظريين عليهما، وإذا لم يتناقضا، و (¬13) لم (¬14) يتنافيا فعلى أي وجه يجمع بينهما؟ أما أنه جاءت ظواهر ضعفت بعض قدر الخلق عنها، فوجد السبيل من كان له حرص على الزيغ عن الشريعة بها. عاصمة (¬15): وقد نزل القرآن بها، وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها، وأبلغ رسالة ربه ¬

_ (¬1) المعافري البرقي مولدا محدث ثقة توفي في القيروان سنة 156 هـ/ 772 م. (¬2) شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، بصري توفي سنة 160 هـ/ 776 م. (¬3) أبو إياس المدني البصري لقى ثلاثين صحابيا توفي سنة 113 هـ/ 731 م. (¬4) ج، ز: تزال. (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه مع اختلاف يسير في اللفظ، وبإسناد آخر. (¬6) د: قال أبي. (¬7) د: - رضي الله عنه. (¬8) ز: كتب على الهامش: قف على أن العقل والشرع صنوان. (¬9) ب: والحقيقة. (¬10) ب، ج، ز: العقول. (¬11) د: - هو. (¬12) ب: تييد. ج، ز: تمييزا. (¬13) ج، د،: - و. (¬14) ب: لن. (¬15) ز: كتب على الهامش: قد واستفد.

فيها، فلو كان عند من تقدم من السلف الصالح والطالح، والكريم واللئيم (¬1)، والمؤمن والكافر، منهم أجمعين من يشك فيها، أو يرى (¬2) إشكالها، لما وقف مؤمن في شك، ولا سكت كافر عن طعن (¬3)، ولبادر إلى الاعتراض (¬4)، مع ما كان في نفسه من عداوة الشرك، بل سلم جميعهم تسليم العالم بها، على حالته من كفر أو إيمان، وما اعترض كافر (¬5) على الرسول (¬6) إلا في آحاد يسيرة من الألفاظ، لم تكن (¬7) من باب الأخبار عن الله، ولو كان عندهم فيها شبهة، أو للملحد بها متعلق، لقام صاحبها يشدو بها، ويشهرها، أو لصاحب طبيعة لقال له (¬8): أنت تنسب (¬9) الكل إلى الله، وهو قد رد الكل إلى الطبيعة، وأحال على الأسباب والمسببات، وربط الحوادث بحركات الأفلاك، أو لليهودي أو لنصراني [و 42 أ] لتبادروا (¬10) من قريب، وتناوشوا (¬11) من بعيد، متألبين عليه في كلامه، وقد جاؤوه من الأطراف القاصية، فناظرهم به، أو لصاحب صنم، لثاروا إليه يقولون له: ربك بعين ويد ورجل، وكف، وأصبع، وساعد، وجنب، ويأتي، ويجيء، ويضحك، ويطأ برجله (¬12)، ويمشي، ويهرول، وينزل، ويخاصر (¬13)، ويمل مع من يمل، ويعطي بيدين، وآدم مخلوق على صورته، باطنه بباطنه (¬14)، وظاهره بظاهره (¬15)، فما ينكر من عبادة من تكتنفه الآفات؟ ويأخذ كل واحد (¬16) منهم في طريقه، على مذهبه، ويجادلونه (¬17) بذلك كله، أو يدعيه كل واحد إلى نفسه، ولكنهم علموا (¬18) خلافه لهم أجمعين في المقاصد، ومباينته لهم في الموارد (¬19)، رادا (¬20) على ¬

_ (¬1) ج، د، ز: - و. (¬2) ج، ن؛ فيرى وصحح في هاش ز: أو يرى. (¬3) د: الاعتراض. (¬4) د: - ولبادر إلى الاعتراض. (¬5) د: كافرهم. (¬6) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬7) ب، ج، ز: يكن. (¬8) ب، ج، ز: - له. (¬9) د: نسبت. (¬10) د: لتنادوا. ج: ليتبادروا. (¬11) د: وتاشوا. (¬12) ج، ز: برجليه. (¬13) ب، ج، ز: يحاضر. (¬14) ج، ز: بياطنه. (¬15) ج، ز: يظاهره. (¬16) د: أحد. (¬17) ب، ج، ز: يحالوه. (¬18) ج، ز: عملوا. (¬19) د: + وأنه. (¬20) د: راد.

جميعهم، وأنه لم يأتهم بمبهم، ولا كلمهم بتخليط ولا (¬1) محال، وأن معجزته ظاهرة، ودليله على صدقه بين، فلجأوا إلى الحرب، والاحتماء بالطعن والضرب، والانحياز إلى دار غير داره، أو تمسك كل واحد ببلاده، والإسلام يعلو ولا يعلى، وكلمة الله لا بد أن تبلغ المنتهى. فلما درست الملة، ونقصت الشريعة، صارت هذه الطوائف عليه عزين، ما بين مدعين وطاعنين، وملبسين. ومنهم من يأتي بهيئة الناصر، ومذهبه التخذيل، وينتدب هاديا، ومقصده التضليل، والحق قليل. ولم يلف (¬2) أحد في كتاب الله، ولا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة (¬3) يردها العقل، نعم، ولا يخالفه، في شق الأنملة (¬4)، حتى يفتقر إلى التمييز بينهما، والفصل بمحز (¬5) اختلافهما، فأبت هذه الطائفة الركيكة إلا أن يكون (¬6) يبرز (¬7) فيهما (¬8) النزاع، وتنزل بزعمها في الفصل بينهما منزلة الانتفاع، في دين (¬9) قاصمة، وهدم (¬10) قاعدة قائمة، وليس الأمر كما زعموا، والحمد لله. وسترى ذلك في أثناء الكلام، عيانا، وتتحققه برهانا، إن شاء الله. ومنهم [و 42 ب] من حملته القحة، وعظيم التهتك، مع التمكن من الهزء واللعب، على التغلغل في الباطن (¬11)، فقالت (¬12): إن نزول القرآن ليس على وضع تأويله (¬13) تنزيله (¬14)، بل وراءه بحار علوم، وكنآيات عن أغراض (¬15)، كما قدمنا عنهم، فيقولون: إن البقرة لها معنى على (¬16) غير ما يظهر (¬17) من التنزيل، وإن العجل ¬

_ (¬1) ب، د: - لا. (¬2) ب، ج، ز: يأت. وكتب على هامش ب، ز: يلق. (¬3) ب، ج، ز: بكلمة. (¬4) ب: إلا بلمة. (¬5) ب، ج، ز: لمجرد. (¬6) ج، ز: تكون. (¬7) ج، ز: تبرز. (¬8) ب، د: بينهما. وكتب على هاش ز: بينهما. (¬9) ب: ذين. (¬10) ب، ج، ز: وهي. (¬11) د: - على التغلغل في الباطن. (¬12) ز: كتب على الهامش: قف على مذهب الباطنية في القرآن. (¬13) ز: كتب فوق (تأويله): خبر مقدم. (¬14) ز: كتب فوق كلمة (تنزيله): مبتدأ مؤخر. د: بتنزيله. (¬15) ب: أعراض. (¬16) ب: - على. (¬17) ب، ج، ز: ظاهر. وكتب على هامش ز: يظهر.

أيضا (¬1) له معنى أيضا، خلاف تنزيله، إذ لا يصح أن يكون على تنزيله، فإن أحدا من أصحاب موسى، ما كان ليتخذ العجل المصاغ (¬2) من الفضة آلها، من دون الله، يخور بحليه وجوهره، إذ لا يخفى ذلك على من له أدق مسكة من نظر، فلذلك (¬3) وجب أن يحال (¬4) على معنى، يمكن أن يقع فيه الاشتباه، ويحصل معه الإشكال، فيرتبك فيه من يرتبك به. وهذا مما فاوضتهم (¬5) في أنحائه مرارا، ووجه الرد عليهم بشاهد (¬6)، فإن جد (¬7) هذا لمعترض لي، والمتكلم معي (¬8)، كان يعبد حجرا يأتي به من الطريق، كما قال أبو رجاء العطاردي (¬9) في صحيح البخاري قال: (كنا نعبد حجرا (¬10) فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه، وأخذنا الآخر (¬11)، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة (¬12) من تراب، ثم جئنا بالشاة (¬13) فحلبنا عليه، ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلعنا (¬14) منصل الأسنة، فلا ندع رمحا فيه جليدة (¬15)، ولا سيما فيه حديدة، إلا نزعناه وألقيناه)، وكان يقول: كنت يوم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غلاما، أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه، فررنا إلى النار، إلى مسيلمة الكذاب، وقد وقف على ذلك بعض الصحابة، فاعتذر بأنها كانت عقولا كادها (¬16) باريها، وليس عبادتهم العجل، وقلبهم له إلاها، بأغرب من قلبكم (¬17) أنتم ما نزل (¬18) قرآنا إلى (¬19) ما تدعونه علما وبيانا. ¬

_ (¬1) ب: - أيضا. (¬2) ب: - المصاغ. (¬3) ب: ولذلك. (¬4) د: + به. (¬5) ج، د، ز: فاوضناهم. (¬6) ب، ج، ز: مشاهد. (¬7) ج، ز: جرا. (¬8) ب، ر، ز: معنا. (¬9) أبو رجاء، عمران بن ملحان العطاردي ويقال له: عمران بن ثيم، الصحيح أنه توفي سنة 105 هـ/ 723 م (العبر، ج1 ص 129. صفة الصفوة، ج3 ص142 - 143). (¬10) د: الحجر. (¬11) د: الذي هو خير. (¬12) د: حتوة. (¬13) د: الشاء. (¬14) د: قلنا. وكتب على هامش ز: قلنا. (¬15) ب، د: حديده. (¬16) ج: كاديها. (¬17) ب، ج، ز: قولكم. (¬18) ب، ج، ز: + الله. (¬19) ج، ز: إلا

استدراج

ولولا أنكم لا تحتملون ما أذكره عنهم، ولا ينبغي أن يهاج به أهل هذه الأقطار، لأنهم لم يسمعوه، لذكرت لكم من ذلك غريبا، تفنون الدهر منه [و 43 أ]، عجبا. وجملته أنهم لا يذكرون في تأويل آي من القرآن، ولا حديث عن الرسول معنى يرده إلى غرضه، إلا قلبته له في معنى آخر، حتى إن من أراد من الباطنية أن يرد جميع القرآن في علي، فترده (¬1) إلى العباس العباسية وترده (¬2) إلى أبي بكر البكرية، وإلى عثمان العثمانية، ومن أراد من الإخوانية (¬3) أن يرد الآيات، والآثار إلى أفعال الكواكب وتأتيراتها، وأن ذلك عبارة عنها ردت (¬4) له (¬5) إلى غير ذلك. فإن قال المبتدع أو الملحد: قد صح لي غرضي من أن الشرع لا تحصيل فيه، قلنا له: لا يخلو (¬6) أن تتشرع به وتقبله، فما تدعي فيه، نبطله عليك، حتى إذا ما انتفيت منه، وقلت: ليس بشيء، رجعت صاغرا بالدليل إلى قيد آخر من النظر يفيدك (¬7) بأنه حق، وهكذا هي حقيقة الملة، من أراد أن يدخل فيها داخلة، رد عنها إليها بأدلتها، في غوائب من النظر، كلها قرآنية سنية، حسبما بينها الله في كتابه، لأوليائة، وحاج بها عن نفسه على أعدائه. و (¬8) في أثناء هذه العواصم سترون دستور ذلك، وتتبينون، إذا لحظتموه بقلب شاهد، ونظر جاهد، والله أعلم. استدراج: إن المطلوب علمه ينقسم إلى معدوم وموجود، وفي ذلك كلام طويل، بيننا وبينهم، ولكننا (¬9) نبني معهم، على أنا قد وقفنا، ها هنا، فنقول: [الكلام معكم على وجهين: أحدهما: بما (¬10) يعترض في أثناء النظر، وترديد ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: فيرده. (¬2) ب، ص، ز: ويرده. (¬3) أي إخوان الصفاء، كما شرحه ابن باديس. (¬4) ب: وردت. (¬5) ب: به. ج، ز: - وردت له. (¬6) ج، ز: - لا يخلو. وصحح في هامش ز. (¬7) د: يقيدك. (¬8) ج: - و. (¬9) ج، د، ز: لكنا. (¬10) ز: - بما.

القول، وقد قدمنا منه جزءا مما جرى بيننا وبينهم على صفته، من مجازه وحقيقته. الثاني: أن نتكلم معهم بلغة حبرهم الأول صاحب الطاء والفاء، ومن عبر عنه من سين أو راء. فنقول، (¬1): لا خلاف أن الوجود ينقسم إلى واحد وإلى كثير، والواحد الذي لا كثرة فيه هو ذات الباري، فإنه لا ينقسم بالفعل (¬2) ولا يقبله، فهو واحد بالإمكان وبالوجود، والقوة والفعل، ولهذا لم يقبل (¬3) لواحق الكثرة، من [و 43 ب]، الغيرية والتخالف، والتقابل، ونحوه من التساوي والتشابه، ونحوه من (¬4) التساوي والتماثل، وعدم التناهي بكل وجه، ووجوب الوجود له، و (¬5) لازم فيه باتفاق، التقدم لا بالزمان، ويبقى النظر بيننا وبينهم في بقية مراتب التقدم الأربعة وهو (¬6) الشرف والطبع والذات، الذي ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون به، أو لا به، نعم! وهل يقال فيه: إنه موجود بالقوة؟ فيه نظر طويل، وهذا كله لا يوصل إليه إلا بنظر طويل، وتفصيل لا يتاق (¬7) عنه إلا إزالة (¬8) الحال معهم إلى الإمكان، على موافقة المطلوب، لكن يبقى النظر الأعظم، في أن حقيقة موجود بلا ماهية لا يقبل الكثرة كذا، كذا، كذا، كما ساقوه يصح أم لا؟ فإنكم إذا قلتم: علمنا الله، قيل لكم: موجود بلا، ولا، ولا (¬9) كما وصفتم، علم بماذا؟ ولا (¬10) بد لكم أن تعلقوه (¬11) بمفهوم تطمئن به العقول ويدخل في ¬

_ (¬1) ج: سقط ما بين قوسين. أما صاحب الطاء والفاء فهو أفلاطون وصاحب السين والراء هو أرسطو. (¬2) ب، ج، ز: بالعقل. (¬3) د: تقبل. (¬4) د: - من. قارن (المقاصد، ص 183). (¬5) د: - و. (¬6) ز: كتب على الهامش: عله: وهو الزمان والشرف إلخ. وليس صحيحا لأن المؤلف يتحدث عن بقية المراتب غير مرتبة التقدم بالزمان الذي تحدث عنه وفرغ من الكلام عليه. (¬7) ب: يتأبى. د: يبالي. (¬8) ب: إلا أن آلت. د: الآن إن آلت. (¬9) د: + ولا. ويقصد بذلك نفي الصفات أو السلوب. (¬10) ج: تكرر: ولا. (¬11) ز: كتب على الهامش: تعقلوه.

سلك العلوم، وليس لهم عن هذا جواب ينفع (¬1)، وإلا فهذا كلامي، وأنا حي أو ميت فاحشروه (¬2) وانشروه ففي قوة كل ما أوردت عليكم معشر الموحدين أن (¬3) تبطلوه (¬4)، بيد أننا نحن بفضل الله الذي أتانا على لسان رسوله من العلم المثبوت ببركته (¬5)، نقول: من أراد أن يعلم الله، فسبيل ذلك لائحة، وهو أن تتحقق أنه ليس مثلك، فكل ما علمت نفسك عليها، وقدرتها فليس هو عليها (¬6)، فإن قلت: فهذا نفي محض، قلنا هو نفي لمثلك، وليس نفيا لصانعك وموجدك، لأنه قد ثبت بك ومعك ومنك. وانظروا رحمكم الله إلى (¬7) النبي كيف أنبأ عنه، بأن طريق معرفته أفعاله، فأما هو سبحانه، فلا يستطيعه أحد، قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنت كما أثنيت على نفسك" (¬8) معناه: لا أقدر على صفتك إلا بما علمتني من صفة نفسك، فإن أردت أن تنكره لم تقدر، وإن أردت أن تمثله [و 44 أ]، لم تستطع، فإن أردت دركه كما وصف نفسه، ودل عليه فعله، أمكنك. وهذه ثلاتة أقسام ضرورية فأنت العالم به حقا على قدرك، وهو العالم بنفسه كما ينبغي، وإذا أردت الصراط المستقيم، المبلغك إليه كما أمر، من الاستدلال بأفعاله عليه، فأقرب شيء إليك من أفعاله، أنت، فمنها فارق إليه، واعرج (¬9) في درج (¬10) المعارف تقف (¬11) بك عنده بين يديه فتعلم إذا سلكت هذه السبيل الميثاء (¬12)، أنه (¬13) قد جعل (¬14) الروح فيك آية عليه، فإنك إذا ¬

_ (¬1) علق ابن باديس على هذا بقوله: بين بهذا الفصل أن طريقة الفلاسفة لا توصل إلى معرفة الله. (¬2) أي اجمعوه. (¬3) ب، ج، ز: - أن. (¬4) ب، ج، ز: يبطلوه. (¬5) ب، ج، ز: بركته. (¬6) ز: كتب على الهامش: قف ولا بد، لتعرف الوصول إلى معرفة الله. (¬7) ب، ج، ز: أن. (¬8) (الغزالي، مقصاد الفلاسفة، ص 252). (¬9) ب، ج، ز: وأخرخ. وكتب على هامش ز في درج المعارف. (¬10) ب، ز: دوح. (¬11) ب، ج، ز: يقف. (¬12) ج، ز: الميتاء، د: المينا. ومعنى الميثاء: السهلة. (¬13) د: أن الله، ج: - أنه. (¬14) د: حقل.

أردت إنكارها وجودا، لم تقدر عليه، وإن أردت له مثالا لم يمكنك، وإن أقررت بها لدلالة آثارها عليها أصحبت. وتحقيقه (¬1): أن الفعل لا يصدر إلا عن قادر، وهو عبارة عمن إذا شاء فعل، وإذا شاء لم يفعل (¬2)، وأنه عالم بنفسه، وبكل معلوم، إذ أنت عالم بنفسك ولم توجدها (¬3)، فضلا عنه، وهو عالم بغيره، كما تعلم أنت غيرك، وإن توقفت في أنه علم واحد، أو علوم، فلا تبال به، فإنها مسألة نظر، والأصح أنه واحد، وأنه مريد لما يفعله، إذ الفعل عن الفاعل يصدر طبعا أو عن إرادة، والطبع عند طا، وصحبه، وهما: الفاآن والسين، هو الفعل المنفك عن العلم بالمعقول (¬4). وقد اتفقنا (¬5) على أن يعلم ويفعل من غير طبع وذلك هو الإيثار (¬6)، والقول في العلم قد تقدم. وإن نظرت في غيرك من أفعاله، فهو من الصراط المستقيم، لكنه محتوش (¬7) بثنيات، يخاف على السالك أن يعرج (¬8) عليها (¬9)، فيتيه بعدها. ومن ذلك الغير: عقل، ونفس، وجسم، والعقل عندهم جوهر لا ينقسم، ولا يتركب (¬10)، ولا يشاهد. والنفس تقبل التأثير من العقل، وتؤثر (¬11) في الجسم. والجسم يتأثر بالنفس ولا يؤثر، والعقل عندهم ينقسم (¬12) إلى بسيط ومركب، إمكانا عقليا ووجوديا (¬13)، والبسيط في الأكثر ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: اعرف هذا التحقيق والتدقيق وهو أن خلق الروح في بدن الإنسان من أعظم الأدلة التي يتوصل بها الإنسان إلى معرفة الله وأنها على مثال يقرب الفهم ويحقق المعرفة، من عرف نفسه فقد عرف ربه. (¬2) د: - وإذا شاء لم يفعل. وكتب مصححا على الهامش. (¬3) د: ولم تر حدها. (¬4) كذا في جميع النسخ ولعله: بالمفعول وهو نفس ما ورد في المقاصد: (والطبع، المحض هو الفعل المنفك عن العلم بالمفعول، وبالفعل، ص 235). (¬5) د: اتفقا. (¬6) كذا في جميع النسخ ولعله: التأثير. (¬7) أي اجتمعت بجوانبه طرق صغيرة ومسالك ثانوية. يقال: حتش القوم أي اجتمعوا. (¬8) ج: يفرج، د: يعوج. (¬9) د: عنها. (¬10) ب، ج، ز: يركب. (¬11) ج، ز: يؤثر. قارن (الغزالي، مقاصد الفلاسفة، ص 253). (¬12) د: ينقسم عندهم. (¬13) ب، ج، ز: وجودا.

عندهم (¬1)، هو الذي له طبيعة واحدة، كالهواء، والماء، والمركب الذي يجمع طبيعتين [و 44 ب] كالطين (¬2). ولا خلاف عندهم، في أن البسيط أصل المركب، كالحبر (¬3) لا وجود له في العفص والزاج (¬4). ومن البسيط ما لا يتركب، وهو بالعمل ببساطته (¬5) ولي فيه معهم كلام. ومن أعظم ما ينظر فيه، الأجسام السماوية، فيقولون: إنها متحركة بالإرادة، لغرض هو شوق إلى العلوي، للتشبه به، لعلاقة بينها (¬6) وبين الأجسام يسمى عقلا، قالوا: أو ملكا، ويدل عليه عدم التناهي في هذه الحركة، أزلا (¬7) وأبدا، فلا بد لها من الاستمداد من قوة محركة، ويستحيل أن يكون في الجسم قوة لا نهاية لها، لأن (¬8) له نهاية، فلا بد من (¬9) محرك مجرد عن المواد. وذلك قسمان: كتحرك المعشوق والعاشق وكما يحرك الروح البدن، والثقل الجسم إلى أسفل. فالأول ما لأجله الحركة، والثاني ما منه الحركة. والحركة الدورية تفتقر إلى فاعل مباشر، تكون (¬10) منه الحركة، وذلك لا يكون إلا نفسا متغيرا، لأن العقل المجرد الذي (¬11) لا يتغير لا تصدر (¬12) منه الحركة المغيرة (¬13)، فتكون (¬14) النفس الفاعل للحركة، متناهي القوة، لكونه جسمانيا، و (¬15) لكنه يمده موجود ليس بجسم، بقوته التي لا تتناهى، ويكون (¬16) عريا (¬17) عن المادة، حتى تكون (¬18) قوته تخرج عن النهاية، ولا يكون فاعلا للحركة، ¬

_ (¬1) ج، ز: عندهم في الأكثر. (¬2) قارن (الغزالي، مقاصد الفلاسفة، ص 255) فإنه يكاد ينقل عنه حرفيا. (¬3) ب، ج، ز: ولا. (¬4) قارن (الغزالي، مقاصد الفلاسفة، ص255). (¬5) ب، ج، ز: ببسائطه. (¬6) في المقاصد: لا علاقة بينه (المقاصد، ص 271). (¬7) ب، ج، ز: أولا: (المقاصد، ص 279 يكاد ينقل بالحرف). (¬8) د: + ما. (¬9) ب، ج، ز: متحرك. (¬10) ب: يكون. (¬11) ج: الذي. (¬12) ب: يصدر. المقاصد: يصدر (ص 280). (¬13) المقاصد: المتغيرة. المتغير (ص 280). (¬14) ج، ز: فيكون المقاصد: + كما سيق ذلك. (¬15) ج، ز: - و، المقاصد: ولكن (ص 280). (¬16) ب: تكون. (¬17) د: بريا. المقاصد: بريئا (ص 280). (¬18) المقاصد: - تكون.

فتكون (¬1) لأجله الحركة، من حيث كونه معشوقا (¬2)، لا من حيث (¬3) كونه مباشرا للحركة، ولا يتصور محرك (¬4) لا يتحرك بنفسه (¬5) إلا بطريق العشق، فإذا (¬6) نظروا في الإدراك للأشياء، فقال أكثرهم: إنه لا يكون إلا للحس، بإرادة حسية، وحركية (¬7)، خلاف النبات، إذا حركته طبع، تميز (¬8) به الحيوان، وهي حركة شوقية، وحركة اختيارية، فالشوقية إلى المشتهى والمكروه، والإرادية هي الحركة في الأعضاء للتصرف (¬9). والمدركة نوعان: نوع يدرك [و 45 أ]، الصورة المتكونة (¬10) بانطباعها في الهواء، ويستمر الانطباع حتى ينتهي إلى رطوبة العين، وكذلك السمع، وسائر الحواس، لهم فيه تخليط. وإذا مشوا في إدراك المعقولات، دخلوا في مجهلة تيه، لا علم لهم (¬11) بها (¬12)، أصلها عندهم أن الحواس كلها تنقل المتلقي لها إلى سابقة (¬13) الدماغ، من قدام، وليس للقلب في ذلك أثر، وهي أن قبلتها، ففي لحظة ليس لها ثبات معها، بل تذهب عنها، لكن ربما ألقتها إلى قوة في آخر الدماغ، تسمى خيالية، ثم عندهم قوة أخرى في محل من الدماغ آخر، له تركيب يسمى (¬14) الفكرية، ولهم بعدها أخرى وهمية، يسمونها الحاكية (¬15)، وهي في الحيوانات كلها. وهذه الكلمات شاركهم فيها الأطباء، وبنوا علاجهم عليها (¬16). ¬

_ (¬1) ب: فيكون. (¬2) المقاصد: + ومقصودا. (¬3) ب: - حيث. (¬4) ب، ج، ز: متحرك. وكتب على هامش ز عله: محرك. (¬5) ج، ز: في نفسه. المقاصد في نفسه (ص 280). (¬6) د: وإذا. (¬7) ب: حركة. ج، ز: وفي حركية. (¬8) ج، ز: يميز. (¬9) ج، ز: المتصرفة. (¬10) د: المتلونة. قارن (المقاصد، ص 247 - 353). (¬11) د: - لهم. (¬12) د: لها. (¬13) ب: سالفة. (¬14) ج، ز: تسمى. (¬15) د: الحاكمة. (¬16) المقاصد، ص 356 - 357.

عاصمة

عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬1) رضي الله عنه: قولهم: إن الذات الواحدة لا تنقسم بالفعل، يقال لهم (¬2): نعم ولا بالقوة، فذكرهم (¬3) الفعل وحده، تقصير أو تلبيس، وأما قولهم: إنه واحد بالإمكان، فجهل محض، وإنما (¬4) ينبغي أن يقولوا: إنه واحد بالوجوب، واحد بالوجود، لأن الإمكان، ما جاز سواه، وهاهنا يمتنع هذا، وقولهم: إنه واحد بالعقل، محال، لأنه العقل لا يخظر إليه (¬5)، وأما قولهم: لم يقبل لواحق (¬6) الكثرة من الغيرية إلى آخر الفصل، فهو باطل، بل الباري تعالى غير لخلقه، خلاف لهم. وقولهم: التقابل، فإنه يقبله على رأيهم، وهذا إذا كان معنويا، فإنه سبحانه لا أول له، والخلق له أول، ولا يعدم، والخلق يعدمون، وهكذا يتقابل معهم في صفات الجلال، هي له والكمال (¬7)، والنقص للخلق، ولا يصح سوى هذا. وأما التقابل بمعنى التوازي، فمحال عليه، وكذلك التساوي والتشابه، والتماثل، محال عليه، وكذلك عدم التناهي. وقولهم: ووجوب الوجود ينقض ما سبق من قولهم: إمكان الوجود (¬8)، كما بيناه، وأما [و 45 ب]، فضل (¬9) التقدم، فإنه بمعنى الشرف، واجب للباري، ولا يقال: إن ذاته قبل الذوات، لأنه لا يتطرق إليها القبل الزماني، ولا قبل الطبع، ولا شك في أن (¬10) كل شيء به، ومنه، على معنى أنه الفاعل له بقدرته، ولا إشكال على مذهب الجميع، لأنه لا يكون موجودا بالقوة، وأقوى ما فيه عليهم، أن من ضرورته (¬11) خروجه إلى الفعل، أو جواز خروجه له (¬12)، وذلك محال ها هنا ¬

_ (¬1) د: قال أبي. (¬2) د، ز: - لهم. نص المقاصد: فإنه ليس منقسما بالفعل ولا هو قابل له، فهو خال عن الكثرة بالوجود والإمكان والقوة والفعل، فهو الواحد الحق (ص 183). (¬3) د: فذكركم. (¬4) ب، ج، ز: - وإنما. (¬5) د: وقولهم إنه واحد بالفعل، محال، لأن الفعل لا يتطرق إليه. (¬6) ج: تكرر: لواحق. قارن (المقاصد، ص 185). (¬7) د: - والكمال. (¬8) ج، ز: الوجودات. (¬9) ب، ج: ز: فصل. (¬10) د: أنه. (¬11) ج، ز: ضرورياته. (¬12) د: - له.

باتفاق، وثبت (¬1) أن الإله هو الذي ليس على حال من أحوال الموجودات (¬2) كلها، وهذا ما لا خلاف فيه بين العقلاء منهم ومنا، بيد أنهم لا يفون هذا الأصل حقه في التوابع. وأما العقل فإنه معلوم به، لا إشكال فيه عند أحد، بيد أن الملحدة، والشيعة (¬3) أدخلته سوق الاشتباه قصد الالتباس، أو جهالة فطرية، وطرأ عليه أيضا (¬4) استعمال العرب له في ثمراته وفائدته، في (¬5) بعض مقدماته، فصار لذلك مشكلا على من هو دخيل في لسان العرب، وبهذا كله وجدت الملحدة السبيل إلى دخيلتها. وأهل الفلسفة يطلقونه في (¬6) معان كثيرة، منه عملي، وهي قوة تنشأ عنها قوة أخرى، منطلقة إلى ما يختار (¬7) من الجزئيات، وهذا فيما لا يخلو أن يكون علما أو نظرا أو إرادة. ومنها عقل هيولاني، وهذا تهويل، يعبرون به عن قوة في النفس صالحة لقبول ماهيات الأشياء مطلقة معراة عن موادها، بها (¬8) فارق الكامل الصبي، والبهيمة، وهذا إنما يرجع إلى علوم مركبة على غيرها، فالصبي يعلم، والدابة تعلم، لكن (¬9) علما مقصورا، والكامل يعلم عليه زيادة، ومنها عندهم عقل فعال، وهي القوة التي تعلم (¬10) متى شاء عقلها، وأحضرها بالفعل (¬11)، وهذا هو عبارة عن تجريد (¬12) النظر في الخفي باستخراجه من المعلوم الحاضر، مع الذكر له، وليس في (¬13) شيء [و 46 أ]، من ذلك إشكال، إلا من عباراتهم، وإلا فهي علوم كلها مرتبط بعضها بالبعض (¬14)، ويتركب على (¬15) البعض، وكلها تترتب (¬16) على العلوم الضرورية، وتزيد وتنقص، وتنسى وتذكر، وقد بينا في ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: عله. فثبت. (¬2) د: الوجودات. (¬3) د: المشغبة. (¬4) ج، د، ز: أيضا عليه. (¬5) د: وفي. (¬6) د: على. (¬7) د: تختار. (¬8) ب: - بها، ج: به. وكتب الناسخ فوقها: عله. ز: بياض مكانها. وكتب على الهامش: عله: به. (¬9) د: ولكن. (¬10) ب، ج، ز: - تعلم. (¬11) د: - بالفعل. (¬12) ب، د، ز: تجديد. (¬13) ج، ز: - في. (¬14) ج، ز: بعضها مرتبط بالبعض. وكتب على هامش ب نفس النص. (¬15) د: عن. (¬16) ب: يترتب.

غير كتاب أن العقل هو العلم بنفسه، لا زيادة عليه، كيفما تصرفت أحواله، وانتظمت (¬1)، لا تختلف (¬2) في ذلك. وأما إذا ذكروا العقل الفعال، فتنتفخ أوداجهم، وتغشى وجوههم قترة، ويقولون: هو كل ماهية مجردة عن المادة، ويقولون: إنه فعال، إذ من شأنه أنه يخرج الفعل الهيولاني من القوة إلى الفعل، بإشراقه (¬3) عليه، وهذا كله تركيب فاسد، ونسبة فعل إلى غير فاعل، ولا يصح أن يكون إخراج، ولا إدخال إلا في الأجسام، وما يستفاد من علم عن علم، لا يقال فيه شيء من ذلك، والمادة والصورة ها هنا عبارتان فاسدتان على حالهما من المجاز. العلم المرتب ليفيد علما مادة، وحصوله عنه صورة، والتهويل بهذه الأباطيل لا معنى له، وقد قدمنا القول في البسيط والمركب، ولا فائدة له في اللغة العربية، إلا أن بناء: ب س ط للاتساع، وبناء: ر ك ب للاجتماع المرتب، فيصح لهم هذا المعنى في المركب لغة ولا يصح لهم ذلك في البسيط، لأن معناه عندهم مفرد ينضاف عليه حتى يصير مركبا. وأما قولهم: إن نفوس السموات تتحرك بالإرادة (¬4) والسموات والأفلاك، فيا سبحان الله، أكثرهم (¬5) ينكرون (¬6) الإيثار (¬7) والإرادة للأول، وينسبونها للثاني (¬8)، والثاني أغني عنها من الأول، وأما تفسيرهم الحركة، أنها من (¬9) شوق، فذلك خذلان، لم يرضه إخوانهم من القدرية. وهل ينبعث الشوق إلا عن نفس حية، رطبة، مع بلة وبنية؟ فإن ركبوه على غيرها، كان ذلك دعوى لا تثبت أبدا، وما ذكروه دعوى محال، سموها عقلا، وزعموا أنا نحن نسميها ملكا، فهذا كذب [و 46 ب]، علينا، ولغو منهم (¬10). فلم يصيبوا ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: أنيطت. (¬2) د: يختلف. (¬3) د: بإشرافه. قارن (المقاصد، ص 373). (¬4) قارن (المقاصد، ص 271). (¬5) د: أكبرهم. (¬6) د: ينكر. (¬7) كذا في جميع النسخ. ولعله: التأثير. ويمكن أن يقصد بالإيثار الاختيار. (¬8) د: + لأن. (¬9) د: عن. (¬10) د: - منهم.

في وجه، ودسوا (¬1) ذلك، ليخرجوا ألفاظ الشرع إلى أغراضهم الفاسدة، وأما قولهم: إنه يدل عليه (¬2) [عدم التناهي، فإنا لله (¬3) على تجويز المحال، أي مناسبة بين (¬4) عدم التناهي لو ثبت، وبين ما ادعوه؟ فكيف ولا مناسبة بينهما بحال؟ وهي في نفسها محال، على ما أصلوه، وما جرى في (¬5) جوازهم (¬6) هذا، فإنه هذه الحركات الدورية، فإن كانت لا آخر لها عندهم، فلا بد أن يكون لها أول، فقولهم: عدم التناهي أزلا (¬7) وأبدا، باطل في باطل، وقولهم: لا بد لها من استمداد (¬8) من قوة محركة، لا يصح لأن ذلك يؤدي إلى طلب ما لا ينتهي (¬9) فيها، وذلك محال. فقولهم (¬10): يستحيل أن تكون (¬11) قوة لا تتناهى (¬12) في جسم متناه باطل، فإن ذلك إنما ينبني (¬13) على نسبتهم الأفعال إلى الأجسام، وهي عندنا محال لأفعال الله، فيخلق الله قوى لا تتناهى في جسم متناه، على التوارد، وقولهم: لا بد من محرك مجرد عن المواد (¬14)، قلنا: قولهم لا بد من محرك صحيح، وقولهم: مجرد عن المواد، لا ندري ما هو، وإن دريناه لم نفسره (¬15) لكم، ولا معكم، ولكنا نقول: لا بد من محرك لم يتحرك، ولا يتحرك، وحينئذ، يصح أن يكون أصلا للمحركات (¬16) المتحركات، وأما قولهم: إن ذلك كحركة المعشوق، فيا سبحان الله! يصعدون إلى العلو، ثم ينزلون إلى الهاوية بخذلانهم، أي عشق ها هنا؟ وما يتجرد عن المواد، لا يعشق ولا يعشق، ولا ينزع ولا يقلق، وقولهم: كما يحرك الروح (¬17) البدن، من أفسد شيء عندهم وعندنا، ونحن لا نسلم أن الروح يحرك البدن، ولا ¬

_ (¬1) ب: محو. ج، ز: وبينوا. وكتب على هامش ز: وحسنوا أو رتبوا. (¬2) ج: على. (¬3) ب: محور. وقرأه الشيخ عبد الحميد: فإنه يدل. (¬4) ج: سقط ما بين القوسين. (¬5) د: - في. (¬6) ب: حوارهم. د: جوارحهم. (¬7) ب، ج، ز: أولا. (¬8) د: الاستمداد. (¬9) د: يتناهى. (¬10) ج، ز: وقولهم. د: وقوله. (¬11) ب: يكون. (¬12) ب، ز: تنتهي. ج: ولا تنتهي. (¬13) ج: ينتهي. (¬14) ب، ج، ز: - عن المواد. (¬15) ج، ز: بياض مكان (نفسره). (¬16) ب، ج، ز: للحركات. (¬17) د: - الرواء.

يجوز ذلك عندنا عقلا، وأفسد منه، وأبعد قولهم: كما يحرك الثقل الجسم، فإن ذلك لا يجوز بحال، وليس شيء (¬1) من ذلك لأجله، بل (¬2) إنه قد يكون الشيء من الشيء، وبالشيء، على معنى بقدرته، والله قد خلق ما في السموات [و 47 أ]، وما في الأرض جميعا صادرا منه بالقدرة، والعلم، والإرادة. كان لبعض ملوك (¬3) خراسان صاحب ذمي (¬4) فقال له: إن عيسى أفضل من نبيكم محمد، بشهادة نبيكم له بذلك، فقال له الملك: وأين؟ قال (¬5): إن محمدا أخبر عن ربه بأن عيسى روح الله، وكلمته منه، فجعله من نفسه، ولم يجعل ذلك (¬6) لمحمد، فأرسل الملك إلى بعض خواصه، وقال: دلني على عالم خراسان، فقال له: ما أعلمه إلا أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليم (¬7) الصعلوكي الحنفي (¬8)، تفقه بأبيه، وحاز رياسة الدنيا، والدين. فأرسل إليه، وأعلمه بذلك فقال: لا بد أن يكون جواب هذا السؤال في القرآن، ولكن يفرد لي منزل، أكون فيه، لا يدل علي فيه أحد، ففعل ذلك به، فلما كان بعد ثلاث، قال: أخرجوني فأخرجوه، فقال: قد قال الله (¬9): {وسخر لكم ما في السموات، وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13] فليس في (¬10) ذلك اختصاص لعيسى، وقد رأيت رأسا من الملحدة كان يجهل بمسألة من الأعراب على الطلبة، وهو أن يقول قوله: {وسخر (¬11) لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا} على من تعود (¬12) الهاء؟ فإذا رأى من بلغ معه الغاية السابقة قال له: إن كل موجود، فهو من الوجود (¬13) الأول، الثاني فاض عنه (¬14)، فيضان النور من الشمس، على ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: بشيء. (¬2) ب، ج، ز: بلى. (¬3) د: - ملوك. وصحح ق الهامش. (¬4) ج: ذمير. (¬5) د: قال. (¬6) ج: لذلك. (¬7) د: سليمان. (¬8) د: وقع شطب لكلمة الحنفي. وهو مفتي نيسابور. توفي سنة 405هـ/ 1014م (ابن خلكان، ج2 ص154). (¬9) د: + تعالى. (¬10) ب، ج، ز: - في. (¬11) ب، ج، ز: خلق. وهو خطأ. (¬12) ب، ج، ز: يعود (¬13) ب، ج، ز: الوجود. وكتب على هامش ز الموجود وهو الصواب. (¬14) د: عليه. وكتب في هامش ز: عليه.

سطوح الأجسام، بالترتيب المذكور عندهم، وإن رأى عاميا سلك معه مسلك الحق الذي يعده (¬1) مسلك العوام، وإن رأى نبيلا لم يثق به، حقق عليه السؤال، وشككه في المقام، ولم يبرم معه عقدة البيان، ولا هتك له قناع الإشكال. قال القاضى أبو بكر (¬2) رضي الله عنه: قد (¬3) قال الله سبحانه وتعالى: {قل كل من عند الله} [النساء: 78]. فأخبره بثلاثة أخبار لثلاثة معان: الأول: أنه جعل الكل من عنده، الثاني: قال: {ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}، الثالث: قال عيسى: {بكلمة منه} [آل عمران: 45]. فالأول عام [و 47 ب]، والثاني خاص، والثالث خاص من الخاص، وقد قيل: الأول في العموم قوله: {وسخر لكم (¬4) ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}، والثاني: قوله: في الفوائد، والمصائب: {قل (¬5) كل من عند الله} والثالث (¬6): قوله في عيسى: {بكلمة منه} وتحقيق القول في ذلك، أن حرف "من" (¬7) أصله للغاية كما بينا في "التمحيص" و"الملجئة" ويرد له ثلاث (¬8) عبارات: قد يكون للجنس، وللتسبب (¬9)، وللبعضية. والثالث محال على الباري تعالى باتفاق منا ومنهم. والأول محال عليه باتفاق من الكل. فلم يبق إلا الثاني، وذلك جائز في كل شيء، بل واجب ذلك له فيه، وقد حققنا ذلك كله في موضوعه بما لبابه: إن الله (¬10) خلق لنا ما في السموات والأرض جميعا، فالسماء سقف، والأرض مهاد (¬11) والشمس ضياء، والقمر حساب (¬12) والماء حياة، و (¬13) النبات ¬

_ (¬1) د: يعتده. (¬2) د: قال أبي. (¬3) د: وقد. (¬4) ب، ج، ز: هو الذي خلق. وهو خطأ. (¬5) ج: قال. وهو خطأ. (¬6) د: ثالث. (¬7) د: بن. (¬8) ب: بلا. (¬9) د: للتسبيب. (¬10) ب: والله. (¬11) ب: - مهاد. (¬12) ج، ز: - حسبان. (¬13) ج، د، ز: - و.

والشجر أقوات (¬1)، فكل له وجه من الانتفاع لنا بجميع ذلك، هذه صفته على الجملة والتفصيل، وكل ذلك عند أهل السنة من الله لا شريك له، في خلق ذلك، ولا في شيء منه، بل كل ذلك خلقه، فأخلصوا له (¬2) العبادة، وعاد الضمير إلى الله تعالى مقرونا بحرف "من" كما قدمنا على معنى التسبب، للابتداء (¬3) المبين لافتتاح الشيء، المقتضي لغايته (¬4)، وقد (¬5) قال قوم: يعود إلى البحر، فالصفوية (¬6) يقولون: يعود الضمير على الله ويكون معناه أنه - سبحانه عما يقولون - نبه به على أن ذاته مبدأ لكل شيء، عنه كان كل شيء، على ترتيب (¬7) العلل والمعلولات (¬8)، والتوليد والمولدات، والنشوء (¬9)، حالا بعد حال، في المنشآت، فكانت الواحدة مبدأ للكثرة، وقد بينا قولهم في ذلك، وأوضحنا سخافته، وفساده (¬10)، فيما تقدم، وسنكرر (¬11) ذلك فيما بعد. وأما الطبائعية فيقولون: إن الهاء تعود على البحر، ومعناه عندهم: أن الله نبه عليه فقال: {الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك [و 48 أ] فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (¬12) وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} ويعني من سحاب ومطر، ونبات وشجر، فإن المطر يصعد من البحر بتدبيرهم الذي رتبوه، ويتصعد من (¬13) طريق السحاب، وينزل بترتيب إلى الأرض، فتقبله، ويتولد النبات، فيكون ولدا من ازدواج ¬

_ (¬1) ج: قوات. (¬2) د: لله. (¬3) ب، ج، ز: لابتداء. (¬4) ب، ج، ز: للغاية. (¬5) ج، ز: - قد. (¬6) ب، ج، ز: فالصوفية. ولكن نسخة د أصح لأن هذا الرأي رأي الفلاسفة، ويقصد بذلك إخوان الصفاء فالصوفية نسبة إلى الصفاء، وهذا ما جعل ابن باديس يعلق على هذه الكلمة (الصوفية) التى وردت في نسخته بأن الصواب (فالفلاسفة، فإن ما ذكره هو مذهبهم). (¬7) ب، ج، ز: تركيب. (¬8) ب، ج، ز: فالمعلومات. (¬9) ج، ز: والتنشوء. د: انتشاحا. (¬10) ب: - وفساده على الهامش مصححا. (¬11) د: وسيتكرر. (¬12) ب، ج، ز: - ولعلكم تشكرون. وهو خطا. (¬13) د: في.

الماء والأرض، فالماء أب، والأرض أم، والبحر معدن، والتصعيد كيفية (¬1)، في (¬2) سخافة (¬3) لا ترضاها (¬4) الأنعام (¬5). قد نبهنا على فساد هذا الترتيب كله، وحققنا بطلانه، وسنكرر ذلك، ويتأكد، إن شاء الله. فكان هذا البائس يسر (¬6) هذه (¬7) المعاني (¬8)، في هذه الآية، ويلطخ بها وجوه الطلبة، ولا يصرح لهم (¬9) بمذهب السنة، ليوهمهم أن في بيانها معنى غريبا، ويطوي كشحه على هذه المستكنة (¬10)، فقد كشفها الله لكم، وله الحمد والمنة. فإن قيل: فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نشأت (¬11) بحرية ثم تشامت (¬12)، فتلك عين غديقة" وقال الشاعر الجاهلي في صفة السحاب: شربن بماء البحر. قلنا: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} [الإسراء: 108] {يضل به كثيرا، ويهدي به كثيرا} [البقرة: 26] إذا جاءنا حديث صحيح كقوله: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) (¬13) وقوله (¬14): (أول من رأى الشيب إبراهيم) وأمثاله، قلتم: هذا باطل، فإذا جاء حديث مقطوع ليست له رواية، ولا يعرف له صاحب، يوافقكم، صادمتمونا (¬15) به، لا تقربونا (¬16) في حجة لكم، نحن أعلم بمقاصد رسولنا، وكلام نبينا، ولغة قومنا منكم، معشر اليونانية والمانوية. أما قول الجاهلي فجهل محض، و (¬17) أما الحديث فمقطوع السند، ¬

_ (¬1) ب: كبقية. (¬2) ب، ج، ز: من. وكتب على هامش ب، ز: في. (¬3) ب، ج، ز: سخام. (¬4) ج، د، ز: ترضاه. (¬5) ب، ج، ز: الأفهام. (¬6) ب: سير. (¬7) ب، ج، ز: هذا. (¬8) ب، ج، ز: المعنى. وكتب على هامش ز: المعاني. (¬9) د: + فيه. (¬10) ج، ز: المستكية. (¬11) د: أنشأت. والحديث رواه مالك في الموطأ في كتاب الاستسقاء. (¬12) ب، د: تشاءمت. (¬13) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده عن أبي هريرة وقال السيوطي: (حديث صحيح). (¬14) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬15) د: صامتمونا. ج: صادفتمونا. (¬16) ب: ولا تعدوننا، ج: ولا تعدلونا، ز: ولا تقربونا. (¬17) ج: - و.

صحيح المعنى، أذن به النبي - صلى الله عليه وسلم -، في الاستدلال (¬1) بالعوائد، فإن من البلاد، ما علامة مطره نشوء السحاب [هكذا، ومنها ما يكون علامة مطره نشوء السحاب (¬2)] بخلافه، وكل بلدة بريحها [و 48 ب]، منها بلاد تمطر بالدبور، ومنها بلاد تمطر بالصبا، سنة (¬3) الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وصار معنى الآية: خلق لنا ما في السموات وما في الأرض للانتفاع، وخلق الأفعال الحسنة (¬4) والسيئة (¬5) للابتلاء، وخلق عيسى آية في الأنبياء، وهذا يحقق في "التفسير" و"المشكلين" على الاستيفاء، إن شاء الله (¬6). وقولهم: إن الحركة الدورية تفتقر (¬7) إلى فاعل مباشر. كلام باطل وضعيف، أما ضعفه فقولهم (¬8): كل حركة دورية. فيقال لهم: لا يصح اختصاص الدورية بذلك، فإن غيرها فيها كذلك. وأما كون الحركة تفتقر إلى محرك مباشر، فباطل قطعا، دليلا، وباطل منهم، فقد قال: إن حركة الفلك تشوق (¬9)، ولا مباشرة فيها، وأنتم ترون هذا التفاوت في التهافت، وقولهم: إن ذلك لا يكون إلا نفسا متغيرا. محال دليلا، ودعوى نظرا (¬10). وقولهم: إن العقل المجرد الذي لا يتغير، لا (¬11) تصدر منه الحركة المغيرة. باطل، لا يصدر التغيير (¬12) إلا ممن (¬13) لا يتغير، ولا يفعل شيء مثله أبدا، فإن ذلك محال قطعا يقينا، وما ركبوه من واسطة (¬14) العشق، حتى يكون الفعل عنده، كلام غث، ما أخذ لهم! بينما يكونون بزعمهم في برهان إذا (¬15) هم قد خرجوا إلا خطبة، ومثل، وشعر، وخلع عذار، وذلك عندهم بعيد من البرهان. وأما النفس فهو عندهم بعيد (¬16) من الألفاظ الإلهية، وهو عندهم عبارة ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: + في. (¬2) ب، ج، ز: سقط ما بين قوسين. (¬3) ج، ز: بسنة. (¬4) ب، د، ز: الحسية. وكتب في هامش ج، ز عله: الحسنية. (¬5) ب, السببية. د. السنية، ز: السيية (¬6) ج، ز: + تعالى. (¬7) د: تنتقل. (¬8) د: قولهم (¬9) ج، ز: للتشوق. (¬10) ب، ج، ز: بطرا. (¬11) ب، ج، ز: ولا. (¬12) د: المغير. (¬13) ج: مما. (¬14) د: وساطة. (¬15) ب، ج، ز: إذ. (¬16) ب، ج، ز: - بعيد.

قاصمة

عن معنى يشترك فيه الإنسان، والحيوان، والنبات بمعنى، (¬1) الإنسان والملائكة المساوية بمعنى، وهو بالمعنى الأول جسم، وهو عندنا (¬2) عبارة عن ذات كل شيء موجود، وعن الروح الذي تميز (¬3) به (¬4) الحيوان عن الموات. وما ركبوه لأنفسهم من المعاني على الأسماء فهي دعاوي، لأنهم دخلوا في اللغة فاستعاروا لأغراضهم أسماء، فلا [و 49 أ]، نبالي (¬5) بهم ولا نمنعهم (¬6) إلا عما يتعلق من (¬7) ذلك بالشرع. وأما الجسم، فهو عندهم عبارة عن معان، منها الممسوح بالأبعاد (¬8) الثلاثة (¬9)، إما قوة، وإما فعل، في تفصيل بارد، وهو عندنا عبارة عن كل شيء مؤلف من موجودين فصاعدا (¬10) لا تأليف فيهما (¬11). قاصمة: لو سمعتم ترتيب صدور (¬12) الموجودات عن الإله، لسمعتم أحاديث أم عمرو، لا (¬13) حديث خرافة، فإنه ليس لما (¬14) تعتقده (¬15) الكافة، أمر دون أمر، قال راؤهم وسينهما (¬16): غاية التحقيق في ذلك أن الثابت (¬17)، كون الأول [واحدا من كل جهة (¬18)، ولا يمكن أن يوجد (¬19) من الواحد، إلا واحد (¬20)]، فيصدر عن الأول الواحد شيء واحد، يلزمه لا من جهة الأول (¬21) ¬

_ (¬1) ج: - و. (¬2) ج: - عندنا. (¬3) ج، ز: يميز. (¬4) ز: - به. وكتب على الهامش. (¬5) ب: يبالي. د: تبالي. (¬6) ب: بمنعهم. د: تمنعهم. (¬7) ب، ج، ز: - من. (¬8) د: بأبعاد. (¬9) ج، د، ز: ثلاثة. قارن (المقاصد، ص 144). (¬10) ب: فصاعد. (¬11) ب، ج، ز: فيها. ز: كتب على الهامش: قف: حقيقة الجسم عندهم وعندنا. (¬12) د: صدر ترتيب. (¬13) ب، ج: ولا. (¬14) ب، ج، ز: كما. (¬15) د: يعتقده. (¬16) ز: سيبهم. (¬17) د: الثالث. (¬18) د: وجه. (¬19) د: يوحد. (¬20) ج: سقط ما بين القوسين. قارن (المقاصد، ص 288 - 289). (¬21) ب: الأزل.

عاصمة

حكم (¬1)، فيكون فيه (¬2) كغيره (¬3) كثرة (¬4)، ويكون ذلك مبدأ للكثير (¬5)، ووجه ذلك أن الأول واجب الوجود، وغيره ممكن الوجود، فهو (¬6) بحكم (¬7) ما هو (¬8)، ممكن، وهو بقياس السبب، واجب، فيكون له حكمان فتكون الكثرة. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬9) رضي الله عنه: قلنا لهم: إن كان هذا طريق الكثرة، فهو طريق السخافة والخذلان، وهما أخوان، وإن قيل لهم: لا سبيل أن يكون الأول واحدا، فإن الوجود له، لا يتجرد عن علم، فإنه يعلم، ولا عن معان أخر، أمهاتها عندكم (¬10)، ألا يكون وجود لسواه، إلا (¬11) منه، فائضا عن وجوده بواسطة أو بغير واسطة، لا يتكثر بغيره (¬12)، ولا يتجزأ، فكما كان الوجود الثاني كثرة، لأنه ممكن لغيره، كذلك يكون الأول كثرة، لأن غيره ممكن به، والإمكان مضاف إليهما معا، وهذا لا (¬13) جواب عنه. وإذا قلتم: إنه سبب لغيره، فأي واحد ها هنا؟ وإنما الوحدة - المحضة، ما قاله أمثالهم، من أنه ليس هنالك شيء يذكر، ولا يقال، ولا يضاف إليه شيء، ولا يكون عنه (¬14) شيء، فهذا (¬15) على (¬16) حاله (¬17)، ربما كان وحدة (¬18)، ¬

_ (¬1) ز: كتب فوق كلمة "حكم": فاعل يلزم. وأدخلها الناسخ في ج في المتن، هكذا: (حكم فيكون فاعل ما يلزم كثرة) فأفسد الكلام بصنيعه ذلك. (¬2) ز: - فيه. وكتبت على الهامش. ج: فيه. (¬3) ب: - فيه كغيره. وكتب ذلك على الهامش. ج، ز: - كغيره. (¬4) د: - كثرة. (¬5) د: لكثير. (¬6) أي غير الأول وهو الثاني هنا، أي العقل الأول أو المبدع الأول. (¬7) ب، ج، ز: محكم. (¬8) ب، ز: - ما هو، وكتب على الهامش في ب أما ز فقد أدخله الناسخ في المتن ونبه عليه. (¬9) د: قال أبي. (¬10) ب، ج، ز: عندهم. (¬11) ج، ز: لا. (¬12) ج: لغيره. (¬13) ج: - لا. (¬14) ب، ج، ز: عنده. (¬15) ب، ز: فهذه. (¬16) ب، ج، ز: - على. (¬17) ب، ج، ز: حالة. (¬18) ب، ج، ز: وحده.

قاصمة

ولا يقول (¬1) أحد منا به (¬2). وأما ما ذكرتموه فلا أعلم في الكثرة شيئا أكثر منه [و 49 ب]. قاصمة: قالوا: صدر عن الأول عقل مجرد، وفيه تعديد (¬3) بالثنى (¬4) كما يجب فيما قلنا، فكان فلكا وملكا. عاصمة: قلنا (¬5): وهلا كان ماء، ونارا، ورطوبة، ويبوسة؟ وبأي دليل عينتم هذا؟ ومن أي طريق عرفتموه؟ فلا سبيل لهم إلى (¬6) معرفة ذلك أبدا. قالوا: ونعني بالملك، العقل المجرد، وينبغي أن يحصل للأشرف (¬7)، من الوصف، الأشرف، والعقل أشرف، والوصف الذي له من الأول، هو الوجوب، أشرف، ويلزم عن العقل الأول، ثان، ومن الثاني ثالث وفلك البروج، ومن الثالث، رابع وفلك زحل، ومن الرابع، خامس وفلك المشتري، ومن الخامس، سادس وفلك الشمس، ومن السادس، سابع وفلك المريخ، ومن السابع، ثامن وفلك الزهرة، ومن الثامن، تاسع وفلك عطارد، ومن التاسع، عاشر وفلك القمر، وحصلت الموجودات الشريفة تسعة عشر، عشرة عقول، وتسعة أفلاك، قلنا (¬8) مما (¬9) زاد في هذا التخليط، ضيق المارستان، حتى صار في كل إنسان. {وما أشهدتهم خلق (¬10) السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: يقوم. (¬2) ز: كتب على الهامش: قف: الواحدة المحضة. (¬3) ج: تقدير. قارن (المقاصد، ص 289). (¬4) ب، ج، ز: بالشيء. ولا معنى له وأقرب ما يقرأ من د: الثني. أي كل عقل له ثان وهو الفلك. قارن (المقاصد، ص 290). (¬5) ب: - قلنا. (¬6) ب: إلا. (¬7) د: الأشرف. المقاصد: الأشرف. (¬8) ب: - قلنا. قارن (المقاصد، ص 290 - 291) نقل بالحرف وكذلك (تهافت الفلاسفة، ص 145). (¬9) ب، ج، ز: فما. (¬10) ب: - خلق. وهو خطأ.

وما كنت متخذ المضلين عضدا} [الكهف: 51] (¬1) ما هذا التبجح (¬2) في الدعوى؟ امتلأت رؤوسكم هوسا، وتمكنتم من الدولة والخلاء، فجئتم بما حقه أن يقذف في الخلاء. يا لك من قنبرة بمعمر…خلالك الجو (¬3) فبيضي واصفري …ونقري ما شئت أن تنقري… من أين لكم هذا التركيب؟ فكيف بما بعده من الترتيب؟ ثم ما إليه من التعديد (¬4)؟ ولعل هذه (¬5) الكواكب كلها في فلك واحد، ولكل كوكب مجراه، ولمجراه هي (¬6) دائرته، وفلكه كالدار، لكل واحد فيها مسكنه، وليس لهم عن هذا جواب، إلا أن يقولوا: رصدنا فأصبنا، قلنا (¬7) ونحن رصدناكم (¬8)، فلم تصيبوا، وإذا رصد واحد، لا يتحقق صدقه تبنى (¬9) عليه السموات والأرض. فإن قيل نعرف (¬10) ذلك بحساب الكسوف [و 55 أ]، قلنا: قد بينا أمر الكسوف في موضعه بأبدع بيان، والآن في مناظرتكم نقول: هبكم أن ترتيب مجرى الشمس والقمر على برهان حساب (¬11) من أين يعلم ترتيب غيره؟ وهذا الآن نظر في الهيئة، ولا ينال (¬12) كيف كانت، وإنما افتقر إليه، ما تريدون أن تبنوا عليه، فالدار تصلح للفجور، وللعمل (¬13) المبرور، ولا يقع التعيين (¬14) بدليل عقلي، وإنما يكون بالوجود، أو بخبر الصادق، وذلك (¬15) المفهوم من غرضهم: تركيب الامتزاجات من العلويات في السفليات، فنقول (¬16) أولا: تكثرون من ذكر العلو والسفل، ونحن نقول: لا حقيقة له عندكم، هل كان ¬

_ (¬1) أورد الغزالي هذه الآية أيضا، في التهافت، ص 148. (¬2) ب، ج، ز: التبجيح. (¬3) ب، ز: البر، وكتب على الهامش مصححا. ج: الجو والبر. (¬4) ج، ز: التعدية. (¬5) ز: - هذه. وكتب على الهامش. (¬6) ب: في. (¬7) ز - قلنا. وكتب على الهامش. (¬8) ب: رصدنا لكم. (¬9) ب: تبني، ج، ز: تبتني. (¬10) ب، ج، ز: يعرف. (¬11) ب: الحساب. (¬12) ب، ج، ز: نبالي. (¬13) ب، د، ز: العمل. (¬14) ب، ج، ز: ينفع التعيين. وكتب على هامش ب، ز: يقع. (¬15) ج، ز: فذلك. (¬16) د: + لهم.

قاصمة

علوا أو سفلا (¬1)، إلا بواسطة الإنسان، فمن يمشي على بطنه، أين علوه؟ وقبل أن يوجد ذلك، ما العلو؟ وما (¬2) السفل؟ ولم كان الأول الذي صدرت عنه هذه المعاني في العلو؟ ولم لا يكون محيطا؟ وإن كان محيطا، فلم لم ينزل المطر من جهة الأرجل إلى الرؤوس، ويكون النبات على رأسه، وأصله في رأسه (¬3)؟ أجروا ذلك على موجب الطبع، حتى يظهر في أثناء ذلك كل بدع، ثم من المسكت لهم أن نقول (¬4) كيف (¬5) قلتم: إن الشمس لا تكون سببا لنضج الفواكه (¬6) إلا بشرط قوة طبيعية، تكون في الفاكهة، قابلة لهذا التأثير؟ فمن الشمس كانت هذه القوة لها، أم من غير الشمس؟ ومن أغرب (¬7) محالهم، أنهم قالوا: إن مادة الهواء قابلة لصورة النار والماء، ولكن غلب البرد، فكان لقبول (¬8) صورة الماء أولى، فيقال لهم: الجهل بهذا الكلام أولى، وأولى (¬9) لكم، ثم أولى، إذا طولبتم بالدليل عليه، جفت أفواهكم، وخرست ألسنتكم. قاصمة: لما رتبوا منازل الموجودات، حتى انتهت إلى الامتزاجات، جعلوا لها (¬10) في بعض المراتب استقصات، وهي النار، والهواء، والماء، والأرض، ورتبوا لها في الامتزاجات أحوالا وصفات مختلفة، جعلوا بعضها كمالا، وبعضها نقصانا، وبعضها [و 55 ب]، خيرا، وبعضها شرا، ويتأتى ذلك باستعدادات، وإضافات كان أصلها وجود العناصر، الأربعه، المختلفات في السفليات، ومنها ما يطلب الوسط، ومنها ما يطلب المحيط، ولا بد من مادة مشتركة، لأجل أنه لا يجوز أن يكون سبب وجودها السموات وحدها، في هذيان طويل، هذه مقدماته (¬11). ¬

_ (¬1) د: وسفلا. (¬2) د: - ما. (¬3) ج: تكرر: وأصله في رأسه. (¬4) ب: تقول. (¬5) ب، ج، ز: - كيف. (¬6) مقاصد الفلاسفة، ص 329 - 330. (¬7) د: أغراب. (¬8) د: بقبول. (¬9) ب، ج، ز: - أولى. (¬10) ب، ج، ز: جعلوها. (¬11) د: مقدمته. قارن (المقاصد، ص 291، 335).

عاصمة

عاصمة: ومن العجب أن الاستقص عندهم هو الجسم الأول، فهذه الأجسام الأول أوجدت عن مثلها أو عن (¬1) خلافها؟ وما الذي أوجب امتزاجاتها؟ ولم اختلفت أحوالها وصفاتها؟ ولم تزايدت ونقصت؟ ومن أين تنشأت (¬2) هذه الاستعدادات والإضافات؟ أعن (¬3) أسباب متماثلة (¬4) أو مختلفة (¬5)؟ أضيفوا نوعا إلى نوع، وركبوا مثلا على مثل، حتى يظهر تهافتكم في كلامكم، فيخرج من فيكم ما يكفيكم. وهذه العناصر الأربعة، التي عينتم (¬6)، هلا كانت ستة أو ثلاثة؟ فمن أين (¬7) وجب هذا التعديد فيها؟ وتعينت لها؟ والنار جرم بسيط، حار، يابس، طبعه الحركة إلى الوسط (¬8)، من أين كان حارا، يابسا دون أن يكون رطبا؟ والحرارة من أين جاءته؟ وكذلك اليبوسة؟ ولم (¬9) كان في قعر الفلك القمري (¬10)؟ وهلا كان في مقعر فلك الشمس؟ وكذلك قلتم: الهواء (¬11) حار، رطب، من أين جاءه هذا؟ وهلا انقلب الأمر فيه؟ ولم قلتم: إنه يتحرك إلى تحت كرة النار؟ وهلا كان فوقها؟ أثبتوا ما قلتم من دعوى، وعللوها بعد الثبوت. وقلتم: الماء جرم بارد، رطب، يتحرك بالطبع إلى تحت كرة الهواء، فوق الأرض، والأرض جسم بارد يابس (¬12)، طبعه أن يكون متحركا إلى الوسط، نازلا فيه. أثبتوا هذه الدعاوي وعللوها على مرتبتكم (¬13)، ولم كانت الأرض جسما (¬14)، ولم يكن الماء، والهواء، والنار كذلك؟ ومن أين نسبتم ذلك إلى مادة؟ ولم جعلتم سبب وجودها معنى [و 51 أ] غير السموات، ولم تحدث (¬15) غيرها فأحلتم فيها على العدم؟ ومن العجب أنهم ¬

_ (¬1) ز: - عن. وكتب ذلك على الهامش. (¬2) ب، ج، ز: نشأت. (¬3) ج: أعني. (¬4) ب، ج، ز: مماثلة. (¬5) ز: مخالفة. وكتب على الهامش: مختلفة. (¬6) ب، ز: عنيتم. (¬7) ج: - أين. (¬8) د: الوسائط. (¬9) ب، ز: لما. (¬10) ب: - القمري. (¬11) ج، ز، د: للهواء. (¬12) ب: رطب. (¬13) ج، ز: نيتكم. (¬14) ب: - جسما. (¬15) د: يحدث.

نكتة القضاء والقدر

يريدون أن ينفوا البركة عن (¬1) الحركة، فيقولون: إنها كلمة، هي (¬2) عبارة عن كمال أول بالقوة، أو خروج من القوة إلى الفعل، لا في آن واحد. وبالجملة فكل تغير عندهم حركة، فهذا اصطلاح أحذر (¬3) أن يبنى (¬4) معهم (¬5) عليه حكم (¬6)، إنما الحركة النقلة من جسم إلى جسم، أو ما هو في معنى الجسم، من الجوهر، لا سيما وقد أدخلوا في حد الحركة الآن، وهو عندهم كلمة يعبر بها عن ظرف (¬7) متوهم يشترك فيه الماضي والمستقبل، وهذه سخافة. وهو معقول، عبارة عن الحال الكائنة التي طرأت ثم ذهبت، والعقل يقضي بين الطرو، والذهاب بالفصل. نكتة القضاء والقدر: ويقال لهم: إذا كان الأول كمالا وشرفا، أو ذا (¬8) كمال وشرف، وصدر عنه تسعة عشر من هذا النوع، كما قلتم، فما هذا النقصان، والفساد، والشر عن (¬9) غاية الكمال، والشرف والصلاح والخير؟ وأنتم تقولون: أن الخير فائض من المبدأ (¬10) الأول على كل أحد (¬11)، بواسطة الذي سميتموه فلكا، أو (¬12) ملائكة، لا سيما وهو عندكم فياض بالطبع، قالوا: ما يخلق الشر إلا والخير فيه أغلب، كالنار والماء، الخير فيه أغلب من الشر، إذ لو (¬13) لم يخلق زحل، والمريخ، والنار، والماء، والشهوة، والغضب، لبطل بسبب فقدها (¬14) خير كثير، قلنا: ولم (¬15) لم يكن عن فياض الخير بطبعه إلا ما لا يفيض إلا خيرا، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: من. وكتب على هامش ب: عن. (¬2) ب، ج، ز: في. (¬3) ج، ز: احذره. (¬4) ب: يبني، ج، ز: تبني. (¬5) ب: - معهم. (¬6) ب، ج، ز: حكما. (¬7) ج، ز: طرف. (¬8) د: ذو. (¬9) ب، ج، ز: من. وكتب على هامش ب، ز: عن. (¬10) د: الهواء. (¬11) د: - أحد. (¬12) د، ز: و. وصحح في ز: أو. (¬13) ج: - لو. (¬14) ب، ج، ز: فقدانها. قارن (المقاصد، ص 297 - 300). (¬15) د: لو.

من كل وجه كهو، قالوا (¬1): الخير المحض هو الموجود، والذي لا يتمحض خيره وفيه شر، ممكن، ينبغي أن لا يوجد، وهو ممكن، فكأنكم (¬2) قلتم: لو لم تخلق (¬3) النار ولا زحل، إلا بحيث لا يكون نارا، ولا زحلا، قلنا: هذا خذلان وهذيان، ومن قال: إن قسم الخير الذي فيه شر، غير ممكن، قلنا: وكيف أمكن وجود خير [و 51 ب] فيه شر، عن خير محض إن كان الموجود (¬4) بالذات؟ فلما وجد، بطل هذا الأصل. قالوا: الشر في العدم، وهو النقص عن الكمال، قلنا (¬5): الشر في وجودكم؟ ولولاكم ما كان شر، والعدم عندكم هو أحد مبادئ الحادث، وهو أن لا يكون في شيء، ذات شيء (¬6)، من شأنه أن يقبله، ويكون فيه، وليس العدم ما ذكرتم، إنما العدم أن لا يكون شيء أصلا، قالوا: المفيد للخير بين (¬7) أن يخلق المطر (¬8) بخيره العام، ولا يعبأ بالشر النادر فيه، الذي يلزم بالضرورة عنه، وبين أن لا يخلق المطر، فيصير (¬9) الشر عاما، وإذا قوبل هذا بذلك (¬10)، علم قطعا أن الخير في أن يخلق، قلنا: هذا الكلام على ركاكته، باطل، لأنه ترك منه قسم، وهو أن يخلق المطر خيرا كله، أو يخلق (¬11) الخير (¬12) دونه، فما الذي اضطر إلا أن يخلق على حاله؟ قالوا: وبهذا الترتيب كان ¬

_ (¬1) ج: - قالوا. وترك مكانه بياضا. (¬2) ب، ز: وكأنكم. ج: ولأنكم. وكتب على هامش ز: فكأنكم. (¬3) ب، ج، ز: يخلق. (¬4) ب، د: الوجود. (¬5) ب، ج، ز:+ وكيف أمكن. (¬6) ج: - شيء. (¬7) ز: كتب على الهامش: من ثم: عله: قالوا المفيد للخير لا يخلو بين أن يخلق. (¬8) ضرب ابن سينا مثلا بالسحاب في كتاب الشفاء، (الإلهيات، ق 2 ص 417) وذكر أن: (الشر بالذات هو العدم ولا كل عدم، بل عدم مقتضى طباع الشيء من الكمالات الثابتة لنوعه وطبيعته، والشر بالعرض هو المعدوم، أو الحابس للكمال عن مستحقه، الشفاء، الإلهيات، ق 2 ص 416) ويذكر أن الشر كثير وليس أكثريا كالأمراض مثلا ن. م، ص 422. (¬9) ب، ج، ز: ليصير. (¬10) د: بذاك. قارن (المقاصد، ص 298). (¬11) د: ويخلق. (¬12) ز: كتب على الهامش: الشر.

القضاء والقدر، ومنع من (¬1) ذكره (¬2) سره (¬3)، لأنه (¬4) يوهم العوام عجزا، فكان الصواب أن يقال لهم: الله قادر على كل شيء، ليوجب ذلك تعظيما، ولو فصل لهم لتوهموا العجز، فهذا سر (¬5) القدر. قلنا (¬6): هذا شر (¬7) القدر الشين المعجم بالنقط الثلاث، ليس للقدر سر (¬8)، بل القضاء (¬9) والقدر حكم نافذ كله، ومن (¬10) شر القدر (¬11) ونعوذ ب الله منه، خلقكم، وخلق كلامكم هذا، وكونكم في العالم ضلالا، مضلين، بألفاظ (¬12) هائلة، ومخرقة باردة، و (¬13) قد قال ربنا تعالى: {وكل صغير وكبير مستطر} [القمر: 53] وقال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة" (¬14) وقال ربنا تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23]، أما أن علماءنا قالوا: إن الله قد (¬15) أنبأنا عن صفاته العلى، وأسمائه الحسنى، التي منها: العزيز، الملك، الغفار، المنتقم، فجرى الخلق في صفاتهم وأفعالهم، على مقتضى صفاته، فلم يكن [و 52 أ]، بد، لأجل كونه غفارا من أن يكون هناك ذنب، ولكونه منتقما، أن يكون هناك هتك حرمة، واقتحام فاحشة، ولكونه (¬16) مغنيا، أن يكون هنالك محتاج، ولكونه (¬17) راضيا، أن يكون هنالك خير، ولكونه (¬18) ساخطا، أن يكون هنالك شر، وليس في المخلوقات صفة (¬19) إلا وهي تتعلق بنوع من الصفات، فالقضاء والقدر هو ¬

_ (¬1) د: عن. ز: كتب على الهامش: عن. (¬2) د: ذكره. (¬3) ب، ج: شره. (¬4) د: أنه. (¬5) ج: شر. (¬6) د: + لهم. (¬7) ب: سر. (¬8) ز: شر. (¬9) ب: للقضاء. (¬10) ز: كتب فوق "من" متعلق بخلقكم يقصد أن حرف الجر يتعلق بفعل خلقكم الذي جاء متأخرا عنه بعدة ألفاظ. كما كتب ذلك أيضا على هامش ج. (¬11) ب، ج، ز: - و. (¬12) ج: - بألفاظ. وكتب على الهامش مصححا. (¬13) د: - و. (¬14) أخرجه الطبري في تاريخه، ج 1 ص 29 - 38. (¬15) د: - وقد. (¬16) ب: بكونه. (¬17) ب: بكونه. (¬18) ب: يكونه. (¬19) د: شرفه.

عارضة

تعلق المخلوقات بصفات الخالق، والتنويع والانقسام من متعلقات الإرادة، التي لا يؤمنون بها، وهم لها منكرون، وإذا كان عزيزا، فالعزيز هو الذي لا يرام بوهم، وتنفذ إرادته في كل موجود، ولا يوجد له مثل، ولا ينحط عن المنزلة، ولا يبالي (¬1) بالعاقبة، ولا مخلص منه، ولا ملجأ إلا إليه، إليه (¬2) منتهى (¬3) المطالب، ولا تلحقه آفة، ويفعل ما يشاء. ومما ينبغى معشر الإخوان أن تعلموه (¬4)، أن كل حديث في النهي عن الخوض في القدر، لا أصل له، وإنما أحدث النهي عنه أقوام (¬5) مثل من أحدث القول فيه، كأنهم قصدوا حماية الشريعة بما ليس منها، والله غني عن العالمين، فكيف عن الكاذبين. عارضة: حضر (¬6) عندنا بعض الطلبة، بكتاب علق في آخره على عادة الناس مسطورا، هذا نصه: كلام حكمة للاسكندر (¬7) في الاعتبار بالأجرام العلوية: بينما الاسكندر على سريره (¬8)، في صحن داره، إذ تأمل طوالع (¬9) البروج، وأوافلها (¬10)، وجواري السعود في مناقلها، وانتظام الكواكب في أقطارها وازديان فلكها، بزينة مصابيحها، وسير دراريها، ولوامع شهبها، وميز كيف وضعت في مراكزها، ثم تقبل في مسيرها، وتنعكس إلى (¬11) مغاربها، بتدوير الفلك إياها لا يردعه عارض، عن (¬12) مراعاته، ولا يقطعه مانع، عن دوام حركته، ولا يعوقه أمر دون المضي إلى ما (¬13) رتب له بطبيعته، فقال (¬14): أيها ¬

_ (¬1) د: ينال. (¬2) د: - إليه. (¬3) د: ومنتهى. (¬4) د: تسمعوه. (¬5) ب، ج، ز: قوم. (¬6) د: خضر. (¬7) ب، ج، ز: الإسكندر. (¬8) د: سريره. (¬9) ز: كتب على الهامش: مطالع. (¬10) ب، ج، ز: إفلها. (¬11) ج: إذ. وصححت في الهامش: إلى. (¬12) د: من. (¬13) ب، ج، ز: لما. (¬14) د: - فقال.

الفلك الدوار، المنبئ عن الحكمة، المنوط (¬1) بالأنوار المتلألئة، والنجوم الزاهرة، والشمس المبصرة (¬2)، [و 52 ب] إن فضاء تظله لرحيب، وإن عالما تؤثره لعجيب، وإن خطر ما ضمنته لجليل، وإن بصرا يلمح ما وراءك لغير كليل، وإن سكانا عصبوا (¬3) فيك لفي معقل منيع، وإن حادثا يشتت أركانك، ويخر سقفك، ويقلقل (¬4) ذرى (¬5) بنيانك، لفادح فظيع، وإن قيامة مبدؤها انتقاضك لعظيمة (¬6) الخطب، فسبحان من أبدع جوهرك من غير عنصر، وأدنى أقاصيك إلى غير علاقة، ووكد (¬7) أعاليك بلا سلم، وفسح حدودك بلا إحاطة، ما أدل كرور ليلك على نهارك، ورجوع نهارك بعد انقضاء ليلك، على كرور أبداننا (¬8) بعد دروجها (¬9)، وانقراضها، وارتداد النضارة في بالي الشجر، بعد نحولها، واهتزاز الأرض، واخضرارها، بعد همودها واقشعرارها، على ارتداد الأرواح المقبوضة في أجسامها، بعد تمزقها (¬10) واضمحلالها وأدل استسرار (¬11) القمر واستهلاله، وتقسيط الحساب. بين فصول الأيام على عدالة الرجعة، وعدل حساب الكرة (¬12)، فليت شعري إلى ماذا (¬13) تتناهى الحكمة بنا؟ وإلى أي الحالين يؤول الأمر؟ وعلى أيها يجب العود (¬14)؟ بما (¬15) أريق بيننا وبين ملوك الأرض من الدماء. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه (¬16): وهو بعقله (¬17) مولع بها، متعجب منها (¬18) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: المنوطة. (¬2) ب، ج، ز: النضرة. (¬3) د: غصبوا. (¬4) د: يبلبل. (¬5) ب، ج، ز: دار. د: درى. ويبدو أن صوابه: (ذرى). (¬6) ب، ج، ز: لعظيم. وكتب على هامش ز: عله: لعظيمة. (¬7) ب: ركب. (¬8) د: بذاتك. (¬9) د: رجوعها. (¬10) ز: كتب على الهامش: تفرقها. (¬11) د: استرار. (¬12) ب: الكثرة. (¬13) ج: مالا. (¬14) ب، ج، ز: القود. (¬15) د: فما. (¬16) د: - قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه. (¬17) د: بغفلته. ز: كتب على الهامش: عائد على البعض المذكور من الطلبة. (¬18) ب، ج، ز: بها.

يدعوالله أن يفهمها له، ويسأله أن يفتح (¬1) له في معرفة مقاصدها، فأشفقت منه وخفت عليه، وعلمت أنه بقلة معرفته، اغتز (¬2) بهذا اللفظ الهائل، الذي ليس وراءه طائل، لكونه مختل المعاني، معتل المباني، فقلت في نقضه، وبيان حقيقة التوحيد فيه (¬3): أيها الفلك المدار برغمه، لقد ضل من يسميك دائرا بزعمه، فكيف من يعتقدك فاعلا بوهمه، هذا، وهو يرى عليك أثر التسخير باديا، ويشاهد فيك سنن التدبير جاريا، هل أنت إلا محل نيرات، ومجرى حركات، ولزيم تحويلات، وضعت على النافع [و 53 أ]، علامات، فيا ليست شعري بأي معنى عززت (¬4)؟ وفي أي منصب من الفاعلين تنزلت (¬5)؟ أبحياتك تصرفت؟ أم بقدرتك أوجدت؟ أم بإرادتك قدمت وأخرت؟ وماثلت وغايرت؟ أم بعلمك أتقنت وأحكمت؟ هذا (¬6) وهيئتك لو تغيرت عما هي عليه، لم تكن في شيء مما ينسب (¬7) إليك، والتغير (¬8) عليك جائز، فليس بينك وبين الحدث حاجز، والفاعل بالحقيقة هوالله (¬9) الذي تصدر عنه الأفعال، ولا تتغير عليه الأحوال، هل ما يعتقده المغترون فيك إلا ذكرة (¬10) خاطرة، وفكرة عابرة (¬11)، لم يصحبها ترديد (¬12) ولا تثقيف (¬13) بقانون التسديد، هل أنت إلا (¬14) ما أنت بنفسك؟ فكيف أن تكون لنفسك؟ فضلا عن نسبة شيء إليك من غيرك، فمن كان مستريبا بأفعالك، أو (¬15) معتقدا لجلالك، فلينظر إلى أمثالك، فإنه يتحقق (¬16) أن الوحدانية لا توازن بمثال، ولا تعارض بالأمثال، ولا بد منها في الاعتقاد والمقال، وأنتم سبعة أفلاك أو تسعة، فعند من تبتغي (¬17) منكم النجمة؟ والواحد من له ¬

_ (¬1) ج: يفتحه. (¬2) د: لغمتر. (¬3) د: - فيه. (¬4) د: غررت. (¬5) ب، ج، ز: نزلت. (¬6) ج: - هذا. (¬7) د: نسب. (¬8) ب، ج، ز: والتغيير. (¬9) د. - الله. (¬10) الذكرة: الشيء يجري على اللسان. (¬11) ب: عايره، ج، ز: غائرة. (¬12) ب، ج، ز: مزيد. (¬13) د: ثقفت. (¬14) ب، ج، ز: - هل أنت إلا. (¬15) د: - أ. (¬16) ج، ز: تحقق. (¬17) ج، ز: ينبغي.

الاختصاص، والعبد المشترك بعيد عن الخلاص، ولتعلم (¬1) أنه لو أحيل عليك بالجدال، فوجئت بالسؤال، وطولبت بالنظر والاستدلال، لكان لك في الجواب اختلال، ولم ينصرك اعتلال (¬2)، فما وراءك يا عصام؟ أعدم أم وجود؟ أم بحر ممدود (¬3)؟ أم نبات محصود (¬4)؟ وأي قسم ادعيت من ذلك، أو ادعي لك، فقد أسلمك فيه النظر وخذلك، نحن وإن (¬5) خاطبنا منك (¬6) من لا يعقل الخطاب، وقاولناك كأنك - ولست منهم (¬7) - من ذوي الألباب، فإن لسان العيرة (¬8) عنك ناطق، بأنك صنيع (¬9) القادر الخالق. قل لي وإن كنت الغنيـ…ـي بصدق علمي عن سؤالك ماذا أفدت (¬10) من الحوا…دث في كرورك وانتقالك بل أنت فيه مسخر…ما بين حلك وترحالك هلا ثبت في معظما…وأدرت غيرك باحتيالك حتى يكون (¬11) الكل يسـ…ـعى في امتثالك لأمثالك فالآن حين تبينت…آيات نقصك واختلالك [و 53 ب]، أمن ذلك (¬12) أنشئت (¬13) أو (¬14) أبدعت أو أوردت (¬15) أو (¬16) أصدرت؟ هيهات أن تنشأ مختلفات بديعة، عن ذات واحدة بالطبيعة، إذ لا يغاير (¬17) بين المختلفات إلا الإيثار، ولا يدل على الأعيان إلا الآثار، فالزم قدرك، حتى يأتي أمر الله فإنه لا يغتر بك إلا الغافل اللاهي. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ليعلم. (¬2) د: اغتلال. (¬3) ب، ج، ز: مورود. (¬4) د: مخصود. (¬5) ب، ج، ز: إذا. (¬6) د: - منك. (¬7) د: - منهم. (¬8) ب، ج، ز: الغيرة. (¬9) د: صنع. (¬10) د: أبدت. (¬11) د: تكون. (¬12) ب، ج، ز: ذاتك. (¬13) ب، ج، ز: نشأت. (¬14) ب، ج، ز: - أ. (¬15) ب، ج، ز: - أو أوردت. وكتب على هامش ز: مصححا. (¬16) ب. ج، ز: - أ. (¬17) ب، ج، ز: تغاير.

قاصمة

قاصمة: إذا نزل القوم عن العلم الإلهي، وهو القول في الله وصفاته، إلى، ما دونه ركبوا كلامهم فيه، على أربعة أركان هي (¬1) عندهم: الصورة، والهيولي، والحركة، والمكان، وقد جرت فيما مضى (¬2) عرضا، فلتذكر الآن قصدا، وله عندهم، ستة معان، فالذي هو الآن منتحاهم في الصورة، هي الحقيقة التي تقوم بالمحل، وحده عندهم، أنه الوجود في شيء آخر، لا كجزء منه، قالوا: كصورة الماء في هيولي الماء (¬3)، و (¬4) هيولي الماء إنما تحصل (¬5) بقبوله الصورة الجسمية، وهي عندهم جوهر، وجوده بالفعل، ولا يحصل الفعل إلا بقبوله، والحركة عندهم كما قدمنا هي الانتقال من مكان إلى مكان، أو (¬6) من صفة إلى صفة. والمكان هو السطح الباطن (¬7) من الجرم (¬8). والزمان عندهم هو مقدار الحركة (¬9) من جهة التقدم والتأخر. عاصمة: أما الصورة فهي عبارة عن حقيقه الشيء في تركيبه وتأليفه، أو عن حقيقته في ذاته، والأول حقيقة، والثاني مجاز، فإذا قال القوم: إنها موجودة (¬10) في شيء لا تكون (¬11) جزءا منه، فذلك هو العرض عندنا، ولكن ليس على العموم، يطلق على كل عرض، وأما قولهم: كصورة الماء في هيولي الماء (¬12)، فقد تبين من تفسيرهم للهيولي (¬13)، أن الهيولي جوهر وجوده بالفعل (¬14)، أن ¬

_ (¬1) ج: عند. (¬2) ج، ز: حصي. (¬3) ب، ج، ز: - الماء. (¬4) ج: - و. (¬5) ب: يحصل. قارن (المقاصد، ص 141 - 143). (¬6) ج: - أ. قارن (المقاصد، ص 304 - 357). (¬7) ب: الباطل. (¬8) قارن (المقاصد، ص 317). (¬9) قارن (المقاصد، ص 261). (¬10) د: موجود. (¬11) ب: يكون. (¬12) ب: - الماء. د: شطب على "الماء". (¬13) ب: الهيولي. (¬14) كذا في جميع النسخ: وكتب على هامش (ز): عله بالقوة وهو الصواب الذي يسير مع السياق. قارن (المقاصد، ص 142 - 143).

قاصمة

ذلك يرجع إلى المعلوم في العدم، المقدر وجوده، وعليه يحومون (¬1)، وإذا كان هكذا، فصورة الماء هي الهيولي المقدرة قبل وجوده، وكان مقدرا على ثلاثة أنحاء: [و 54 أ]. النحو الأول: برودة مطلقة، والنحو الثاني: رطوبة مطلقة، والنحو الثالث: جرم يقوم ذلك به، فهذا هو الجوهر، وتقديره، والعرض (¬2)، وقيامه به، إذا وجد، فما هذا الهيولي في الهيولي؟ وأغرب (¬3) منه (¬4) أنهم (¬5) 1 يقولون: إن الماء (¬6) كان عن انقلاب الهواء إليه، فقد خرجنا عن ذلك كله، وتهافتوا (¬7) فيه، ولزمهم ما لا انفصال لهم عنه، وأما الحركة فقد بيناها، ولا معنى لذكرها، على إرادة تغير الصفات، وإذا اصطلحوا كذلك عليها (¬8)، لم نمنعهم (¬9)، ولكن لا يكون اصطلاحهم أصلا يركبون عليه معنى، فإن الاصطلاحات (¬10) لا تتركب عليها المعاني. وأما المكان فلا نمنعهم (¬11) منه، ولا نبالي عنهم (¬12) أكثر من أنهم زادوا في الحاوي، وليس من شرطه أن يكون حاويا، بل لو فرضنا جوهرا بين أربعة جواهر لكان كل واحد مكانا لصاحبه، وكان (¬13) المحوي منها واحدا (¬14). قاصمة: قالوا: العرض عبارة عن معان، أكثروا فيها، قد أفسدناها في مواضعها (¬15)، ومعولهم فيها الآن على الكمية والكيفية، والكمية عرض يقوم بالجوهر، من جهة المقدار (¬16)، وهو عبارة عن كل ما يقبل التجزي. والكيفية هي (¬17) عندهم، الهيئة في الأشخاص، احترازا عن الفصول، وهي عبارة عن ¬

_ (¬1) د: يتوبون. (¬2) ب، ج، ز: - العرض. (¬3) ج، ز: أقرب. (¬4) ز: كتب على الهامش: من هذا. (¬5) ج، ز: - أنهم. (¬6) ب، ج، ز: + إذا. (¬7) ب: ويتهافتوا. (¬8) ب: على ذلك. ج، ز: عليها كذلك. (¬9) د: يمنعهم. (¬10) ب، ج، ز: الاصطلاحيات. (¬11) د: يمنعهم. (¬12) ب، ج، ز: عنه. (¬13) ج: مكان. (¬14) ب، ج، ز: المحوى واحدا منها. (¬15) ب، ج، ز: موضعها. (¬16) قارن (المقاصد، ص 163). (¬17) ب، ج، ز: - هي.

عاصمة

كل هيئة (¬1) قارة في الجسم، لا توجب للجسم نسبة إلى خارج، ولا واقعة (¬2) في أحد أجزائه، احترازا من الإضافة والوضع (¬3)، وإذا قرروا (¬4) الحرارة والرطوبة واليبوسة؟ فهي أعراض تتعاقب (¬5) على الأجسام، وقد تزول البرودة عن الماء، فلا يبطل كونه ماء، لأن ذلك معنى (¬6) في الهيولي، لا يدرك بالحواس (¬7)، وقد قال قوم منهم لا يكون الماء حارا، لأن ذلك إبطال للطبع، ولكن تمتزج (¬8) من أجزاء الناء، مع أجزاء الماء، إلى تخليط كثير في الامتزاج، أصله [و 54 ب]، عندهم أن تمتزج العناصر وهي الأصول الأول، بحيث يفعل (¬9) بعضها في بعض، وتتغير كيفيتها، حتى تستقر (¬10) للكل كيفية، متشابهة (¬11) فيسمى ذلك الاستقرار امتزاجا، بأن يكسر (¬12) الحار من البرودة في البارد، وعكسه، ونحوه الرطب واليابس، ولا بد أن تبقى (¬13) الصور (¬14) وهي القوى الموجبة لهذه الكيفيات، لأنها لو بطلت، لكان ذلك فسادا، لا مزاجا، وقد قال أرسطوطاليس (¬15): إن قوى العناصر الفاعلة باقية في الامتزاجات، ولا يوجد امتزاج معتدل بحال (¬16)، والأرض ثلاث طبقات، والهواء أربعة (¬17)، والنار واحدة. عاصمة: أما الكمية والكيفية فهي عبارة عن المعاني التي (¬18) يسأل عنها بكم، وبكيف، فيسأل بكم عن أشياء متألفة في الوجود المحقق أو المقدر، ويسأل ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ما هية. (¬2) ب: واقفة. ج، ز: توافقه. (¬3) ج، ز: - والوضع. وكتب على الهامش مصححا. قارن (المقاصد، ص 163). (¬4) د: قدروا. (¬5) د: تفاوت. (¬6) ج: + ذلك. (¬7) د: بالجواس. (¬8) د: يمتزج. (¬9) ب: يفعل. (¬10) ج: تسقي. (¬11) د: مشابهة. (¬12) ج: يكسي. (¬13) د: يبقي. (¬14) ب، ج، ز: الصورة. (¬15) ب، ج، ز: أرس توطاليس، د: أرس توطالس. (¬16) قارن (المقاصد، ص 335 - 336) فهو نقل بالحرف. (¬17) قارن (المقاصد، ص 337 - 338). (¬18) د: الذي.

بكيف عن صفات، تكون تلك الأشياء عليها متوحدة أو مثناة. وقولهم: إنه عبارة عما يقبل التجزي، صحيح في الجملة، ولكن أصله لا يتجزأ، وقولهم: الكيفية (¬1) عبارة عن هيئات في (¬2) الأشخاص، قلنا: هذا باطل، بل هو منطلق على ما يتشخص وما لا يتشخص، فهم إن اصطلحوا على هذا، لم نمنعهم، ما لم يركبوا عليه مذهبا، وأما قولهم: إنها (¬3) هيئة قارة في الجسم فباطل قطعا، بل يصح أن تكون (¬4) دائمة وزائلة، وأما قولهم: لا يوجب (¬5) نسبة، لا إلى خارج، ولا واقعة (¬6) في الداخل. باطل، بل توجب (¬7) النسبة من طرفها (¬8) الداخلة والخارجة. وأما قولهم: إن البرودة قد تزول عن الماء، فلا يبطل كونه ماء، لأن ذلك معنى في الهيولي لا تدركه الحواس، فسخافة، لأن الأعراض المتعاقبة على الجسم، لا يزول الجسم بزوال آحادها، وإنما يزول بزوال جميعها، فلو فرضت في الماء زوال الرطوبة [و 55 أ]، كما فرضت زوال البرودة، ما بقي ماء. وأغرب منه في إبطال مذهبهم، أن فرض زوال (¬9) البرودة يجوز ويوجد، وفرض زوال الرطوبة (¬10) لا يجوز (¬11)، و (¬12) وجوده غير رطب، محال، فلا يصح لهم مقال (¬13). وقولهم (¬14): إن الحرارة إن (¬15) زالت، لا يبطل كونه ماء، لأن ذلك معنى في الهيولي، قلنا: فأفرض (¬16) زوال الرطوبة عنه (¬17) أو (¬18) كلاهما، وتبقى (¬19) في الهيولي، ولا يصح لكم تقدير كون الشيء على صفته في العدم بحال (¬20)، فلا تقطعوا قلوبكم في ذلك. ¬

_ (¬1) ب: الكيف. (¬2) ب: - في. (¬3) ب: أنه. (¬4) ب: يكون. (¬5) ب، ج، ز: توجبه. (¬6) ب: واقفة. ج، ز: وافقة. (¬7) ج، د، ز: يوجب. (¬8) د: طرقها، ج، ز: طرفيها. (¬9) د: - زوال. (¬10) د: البرودة. (¬11) د: - لا يجوز. (¬12) ج: - و. (¬13) ب، ج، ز: - مقال. (¬14) ج: فقولهم. (¬15) د: - إن. (¬16) ج: ما فرض. (¬17) ب، ج، ز: عند. وكتب على هامش ز: عنه. وعلى هامش ب: عنة. (¬18) ب، ج، ز: - أو. (¬19) ب، ج، ز: يبقى. (¬20) ج: بحاله.

وقول (¬1) من قال منهم: إن النار تمتزج مع الماء، فيصير الماء حارا، قلنا على هذا الخباط: ولم لم (¬2) تكن النار باردة بهذا الامتزاج؟ وما الذي قضى بذلك على الماء مع النار (¬3)، ولم يقض به للماء على النار؟. وأما قولهم: إن العناصر الأول تمتزج فيفعل (¬4) بعضها في بعض. فقولوا، من يمزجها؟. لا تنسب المزج إلى طبعهما (¬5) إنك لا تدري من المازج وارجع (¬6) إلى الله فإن الذي…تخبر عنه همج هامج وقولهم: إنه يفعل بعضها في بعض، كلمة باطل، أريد بها باطل. لا فاعل إلا الله حقيقة، ولا فاعل مجازا (¬7) إلا الحيوان، وأما عنصر (¬8)، أو ماء، أو نار (¬9)، أو حديد، فاعل (¬10) فلغو من الكلام باطل. ثم ما قالوا: إن كذا فعل كذا، يعكس عليهم فيقال (¬11) لهم، لم (¬12) كان هذا فاعلا؟ وهلا كان الآخر كذلك؟ وما الفيصل بين تلك الامتزاجات في التعادل؟ ومن المقدر لذلك الاستقرار؟ وقولهم (¬13): إن الصور تبقى، محال، لو بقيت الصور، ما كان امتزاج، وإن فسروا الصورة بما ليس بمشاهد فهو باطل، ولا يبقى مع الامتزاج صورة، ولا هيولي لشيء من الممتزجين، إلا ما اشتركا فيه عنذ الانفصال، فذلك الذي يبقى بعد الامتزاج. وقول ارستوطاليس (¬14): إنه لا يكون امتزاج لمعتدل (¬15) أبدا، قلنا: وكيف لم يكن من الخير المحض اعتدال في شيء مما (¬16) صدر عنه من الامتزاجات؟ ¬

_ (¬1) ج، د، ز: وأما قول. (¬2): - لم. (¬3) د: - مع النار. (¬4) ب: فتفعل. (¬5) ب، ج، ز: غيرها. وكتب على هامش ب، ز: طبعها. (¬6) ب، ج، ز: وراجع. وكتب على هامش ز: عله: وارجع. (¬7) ج، ز: على مجاز. (¬8) د: عنصرا. (¬9) د: نارا. (¬10) د: - فاعل. (¬11) د: ويقال. (¬12) ج: إن. (¬13) ب: وأما قولهم. (¬14) ب، ز: أرس توطاليس. ج: أرستو طالس. (¬15) ج: المعتدل، د: معتدل. (¬16) ب: فما.

أعن عجز أم عن جهل؟ [و 55 ب] لقد ضل (¬1) من ضلت عليه المقاصد. وقد قالوا: إن كل جسم بسيط فله شكل طبيعي، وهو الكرة، ومكان طبيعي، وهو الذي يوجد به، فإن تحرك، فإنما يتحرك إلى مكانه الطبيعي (¬2)، فيقال (¬3) لهم: بل شكله التربيع ولا فرق، وإن تعلقوا بهيئة الفلك، فقد (¬4) خاب من تحلق بذلك وهلك، ثم يقال لهم (¬5): فإذا إمتزج البسيطان أو البسيط، وتركبا أو تركب، فهل يزول ذلك الطبع؟ فإن قالوا: يزول، قلنا: ما من حقيقة تكون (¬6) لشيء تزول بمجاورته (¬7) لغيره، وليس في العالم خلط، وإنما هو كله مجاورة، حتى لو خلطت لبنا بماء، لكانا منفصلين (¬8)، بل لو خلطت ماء من كوز، بماء من كوز، لما كانا إلا متجاورين، وهذا أصل من أصول الحقائق، ضلوا عنه، فتاهوا ولم يهتدوا. ثم يقال له (¬9): ومن أطبعه لذلك المكان؟ أنفسه أم غيره؟ فإن كانت نفسه، فلم غير نفسه (¬10)؟ وإن كان غيره، فدع الغير يحكمه، ويكون ذلك الغير هو الفاعل حقيقة. وقولهم: فإن تحرك، يقال لهم: ولم يتحرك؟ ولا يقولون فيه ما ينفع. وقولهم: فإن تحرك فإنما يتحرك إلى مكانه الطبيعي، وهذا تهافت عظيم، يكون في موضعه بالطبع، ثم يتحرك منه إلى مكانه بالطبع فكل موضع له بالطبع (¬11) الذي هو (¬12) فيه، والذي (¬13) ينتهي إليه. والذي يمر عليه، لا شك أنه أيضا بالطبع، يخرج في حال من أحواله عن الطبع، هذه سخافات لا تعقل من أقوالهم. ¬

_ (¬1) ب، ج: ذل. (¬2) المقاصد، ص 334، نقل بالحرف. (¬3) ج، ز: فنقول. (¬4) ب، ج، ز: وقد. (¬5) د: - لهم. (¬6) ب: - تكون. (¬7) ب، د: لمجاورته. (¬8) ز: كتب في الهامش: قف: يشهد له قوله تعالى {بينهما برزخ لا يبغيان}. (¬9) هذا التفات من الجمع إلى المفرد. (¬10) د: بنفسه. (¬11) د: - فكل موضع له بالطبع. (¬12) ب، ج، ز: - هو. (¬13) ب، ج، ز: - والذي.

قاصمة

قاصمة: قالوا في الامتزاج والتكوين والفساد: ما لا يحصى من الفساد والعناد، ولكنا نضبط منه لكم الآن جهالتين: الجهالة الأولى: قالوا: إذا سخنت الشمس الأرض، بواسطة الضوء صعدت من الرطب بخارا، ومن اليابس دخانا، وما ثخن (¬1) منها - وهو الجهالة الثانية: في باطن الأرض معادن، فيتكون [و 56 أ] في الجهالة الأولى، من مادة البخار: الغيم والمطر، والثلج والبرد، وأشياء ذكروها، فمتى ارتفع من الطبقة البخار (¬2) من الهواء إلى النار (¬3)، ثقل وتكاثف (¬4) بالبرد، وانعقد (¬5) فصار غيما. قالوا: ويتكون من مادة البخار (¬6) الريح، و (¬7) الصاعقة، والشهب، والكواكب ذوات الأذناب، والرعد، والبرق. فإذا تصاعدت ارتفعت في وسط البخار (¬8)، فهي أميل إلى جهة الفوق (¬9)، فإذا ضربه البرد، ثقل وانتكس، وتحامل على الهواء دفعة (¬10)، وحركه الهواء بشدة (¬11)، فحصل الريح، وإن لم يضربه البرد، تصاعد إلى الأثير، واشتعل النار فيه، وكان (¬12) استطال الدخان، كان كوكبا، منقضا، وان كان لطيفا انقلب نارا فلا ترى (¬13) فإن النار تخرج عن المشاهدة، بأن تصير ماء صرفا، أو تنطفئ فتصير هواء (¬14)، وإن بقي ¬

_ (¬1) د: ماء تخينيين. المقاصد: عما يحتبس منهما، ص 339. (¬2) ب، د: الحار. (¬3) ج: البخار. المقاصد: ارتفع من الطبقة الحارة من الهواء إلى الباردة شيء تكاثف، ص 339 ونص المقاصد أوضح وأصح. (¬4) د: وتكاثفت. ب: - وتكاثفت أو تكاثف. (¬5) د: - و. (¬6) د، ب، ز:+ و. (¬7) المقاصد:+ و. (¬8) ز: كتب على الهامش: عله: الحار. د: البحر. (¬9) ب: للفوق. (¬10) ب: دفعه. (¬11) نقل بالحرف من المقاصد، ص 342. (¬12) د: فإن. (¬13) ب، ج، ز: يرى. (¬14) ب: أهواء.

عاصمتها

شيء من الدخان في الغيم فتحرك بشدة صار رعدا، فإن قويت حركته صار نارا، وهو البرق، وإن كان (¬1) كثيفا ثقل إلى الأرض، فصار صاعقة، ولا يخلو برق عن رعد، ولكن بحدة البصر يرى (¬2) ولا يسمع (¬3)، لأن البصر يدرك بغير زمان، والصوت لا (¬4) يسمع (¬5) ما لم يتحرك الهواء كله. عاصمتها: أما قولهم: إذا ارتفع البخار من الهواء إلى النار (¬6)، باطل (¬7)، ليس للهواء وصفان، إنما هو حار أو بارد. وقولهم: ارتفع البارد إلى الحار، تخليط (¬8)، بل يرتفع الحار إلى البارد، لأن شأن الحار الارتفاع، وشأن البارد الانخفاض. وأما قولهم: ثقل، فكيف بثقل حار؟ لقد انقلبت عليكم الأمور. وقولهم: فيتكاثف (¬9) أقلب! لم يتكاثف (¬10) الحار بلقاء البارد ولم يتلطف (¬11) البارد، بلقاء الحار؟ وقولهم: انعقد فصار غيما، يقال لهم: من يمسك المتكاثف الذي شأنه الاستفال؟ ومن جعل النار تصعد إليه؟ والمتكاثف يثبت فلا ينزل؟. وأما قولهم: يكون من مادة البخار الريح لأنه إذا [و 56 ب]، تصاعدت ... قلنا: من أين (¬12) هي المتصاعدة. قالوا: ارتفعت في وسط البخار. قلنا: ولم لم تنته إلى الطرف؟ إذ هي أميل إلى جهة الفوق كما قلتم. وقولهم (¬13): إذا ضربه (¬14) البرد ثقل. يقال لهم: فكيف يثبت (¬15) مع الانتكاس في مقره؟ فإلى أين يبلغ (¬16)؟ وإلى أي حد انتكس؟ ومن قدر له هذا ¬

_ (¬1) ج: - كان. (¬2) د: ترى. (¬3) د: تسمع. (¬4) ج: - لا. (¬5) ز: يسمغ. والنص مأخوذ مع شيء من الاختصار من المقاصد، ص 342 - 344. (¬6) د: البارد. (¬7) كذا في جميع النسخ. ولعل صوابه: فباطل. (¬8) يبدو أن النص الذي اعتمد عليه من المقاصد محرف وإلا فهو ينص على نفس ما رد به عليه (المقصاد، ص 339). (¬9) د: فتكاثفت، ب: يتكاثف. (¬10) د: تكاثف. (¬11) د: يطف. (¬12) ب، ج، ز: - من أين. (¬13) د: قوله. (¬14) ب، ج، ز: ضرب. (¬15) د. ثبت. (¬16) د: وإلى أين بلغ.

التقدير، ورتبه (¬1)؟ أطبع هو (¬2)؟ فقولوه (¬3)، أم أمر غيره؟ فعينوه (¬4). وقولهم: إنه ينطح (¬5) الهواء (¬6) فتحصل الريح. قلنا: دعوى ويبطلها العيان، نحن نشاهد الريح ولا بخار، ولا دخان، ولا غيم، إلا (¬7) الصفاء المحض، وقد يكون الغيم أعظم ما كان حتى يظلم الأرض، ولا يكون عليها (¬8) ريح، وينجلي (¬9) عن غير شيء. وقولهم: إن لم يضربه البرد تصاعد إلى الأثير. ما الذي يمنعه عن ضرب (¬10) البرد له؟ أعدم البرد أم يلقاه فيحول بينه وبينه حائل؟ ومن هذا الأثير الذي يصعد عليه؟ وربما حال بينه وبينه الوثير، فإن قالوا: وما الوثير؟ قلنا لهم (¬11): أبو الأثير، خلطا بخلط، وتضلالا بتضليل (¬12). وقولهم: تشتعل النار فيه. قلنا (¬13): أحطب هو؟ فإن قيل بطبعه يقبل الاشتعال: قلنا: وما طبعه؟ فإن فسروه لم نعدم (¬14) إبطاله مما تقدم. وقولهم: إن استطال الدخان صار كوكبا. يقال لهم: كذلك (¬15) النار (¬16)، إذا اشتعلت صارت (¬17) ماء، يا حمقي (¬18) ما للدخان (¬19) المظلم، وللنور المضيء إنهما (¬20) ضدان طبعا (¬21)، ووصفا، ومشاهدة، أسفسطة (¬22) تقولون (¬23) أم على الله تفترون (¬24)، وقولهم: إن كان لطيفا انقلب نارا، في المحال مثله. ¬

_ (¬1) د: رتب له. (¬2) ب، ج، ز: - هو. (¬3) ب: تقولوه. ج، ز: يقولوه. (¬4) ب: فعينوه. ج، ز: فيعنوه. (¬5) ب: يطبخ. ز: بطح. (¬6) ب، ج، ز: للهواء. (¬7) ج: - إلا. (¬8) ب، ج، ز: عنها. (¬9) ب: تنجلي. (¬10) ب، ج، ز: صرف. (¬11) ب: - لهم. (¬12) ب، ج، ز: خلط بخلط. وتضلال بتضليل. (¬13) ب: - قلنا. (¬14) ج، ز: يعدم. (¬15) ب، ج، ز: كذا. (¬16) ج: +كوكبا. (¬17) د: عادت. (¬18) ب، ز:. حمق - ج: أحمق. (¬19) ب، ج، ز: الدخان. (¬20) ب، ج، ز: إنهما. (¬21) د: - و. (¬22) ب، د: السفسطة. (¬23) ب: تقولون. (¬24) ب: يفترون. ز: تكذإو0. وكتب على الهامش: تفترون.

والطامة العظمى عليهم قولهم: إن النار المتكونة (¬1) من البخار إذا كان لطيفا تصير (¬2) ماء صرفا. فيا (¬3) لله ولهذه العقول التي تسمع مثل هذا، دع عنك التي تقوله (¬4). وقولهم: إن تحرك شيء من الدخان صار رعدا. قلنا: ليس الاصطكاك لبخار متفكك (¬5)، إنما [و 57 أ]، يكون لجسم مصمت، ثم (¬6) من يحركه؟ وإذا تحرك، من يمسك الآخر حتى يصدمه هذا؟ ولعله يدفعه فيندفع له. وقولهم: فإن قويت حركته صار نارا. قلنا: و (¬7) لم يصير نارا؟ وهلا انقلب رجلا مخذولا عندكم، يقول: إنه فعل الله له (¬8)؟ أو ينقلب ثورا؟ أو ينقلب ترابا؟ أو (¬9) هواء؟ وقولهم: إن ثقل صار صاعقة (¬10)، قلنا: لا ندري ما الصاعقة، إلا (¬11) صوت حيوان أو هدم بنيان؟ أو (¬12) يقال لهم: إذا لطف صار نارا، وإذا كثف لم لا يصير طينا؟ وقولهم: لا يخلو برق عن رعد، المشاهدة تكذبه، فإنا نرى البرق في الصحو الذي لا يكون معه غيم أبدا، ويتقدم البرق الرعد قلب ما قالوا. الجهالة الثانية: فيما يتكون من المعادن في باطن الأرض ينطوي (¬13) على قاصمة، من جملة الجهالة الأولى، وهي أن الشمس تصعد من الرطب بخارا، ومن اليابس دخانا، إذا سخنت الأرض، فيتكون (¬14) في باطنها أبخرة، فيتصاعد من باطنها من تلك الأبخرة، لما (¬15) سرى من حرارة الشمس فتنفش (¬16) وتتفرق (¬17) في الخروج ¬

_ (¬1) د: المتكاونة. (¬2) د: يصير. (¬3) د: يا. (¬4) ب، ج، ز: الذي يقوله. (¬5) ب، ج، ز: منفك. (¬6) د: - ثم. (¬7) ب، د: - و. (¬8) ب، ص، ز: - له. (¬9) ب، ج، ز: - أ. (¬10) ج: عقله. (¬11) ب، ج، ز: - إلا. وكتب على الهامش: عله: إلا. (¬12) ب، ج، ز: - أ. (¬13) د: ينبني. (¬14) ب، ز: فتكون. ج: - فتكون أو فيتكون. (¬15) ب، د: لما. المقاصد لما (ص. 34). (¬16) ب، ج، ز: فتنفس. المقاصد: يتفشى (ص 340). (¬17) ج، ز: وتفرق.

عاصمة

من مسام الأرض إلا ما يقع تحت الجبال الصلبة، فإنها لا تنفش (¬1)، فإذا احتقن صار مادة للمعادن، وإذا وجد منفذا في شعب الجبال، فإن كان ضعيفا، بردته (¬2) حرارة الشمس ورجع (¬3) هواء، وإن كان قويا، أو كانت حرارة الشمس ضعيفة، ولم تؤثر الشمس فيه فيجتمع، وربما أعانت الريح على جمعه، بأن تسوق البعض إلى البعض حتى يتلاحق، فإذا انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف (¬4)، وعاد (¬5) ماء، وتقاطر، فيسمى (¬6) مطرا، فإن أدركه برد شديد جمد (¬7) ونزل كالقطن المندوف، وإن (¬8) لم تدركها (¬9) برودة حتى اجتمعت قطرات ثم أدركتها حرارة من الجوانب فانهزمت (¬10) البرودة إلى بواطنها صارت (¬11) بردا. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬12) رضي الله عنه: لهذا وأمثاله [و 57 ب]، قال ربنا تعالى: {ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكن سلطان مبين} [الصافات: 156]، قولهم: إن الشمس تفعل كذا إلى قولهم دخانا (¬13). تحكم بغير علم، وتشهي (¬14) بغير نيل (¬15)، وقولهم: إن تلك الأبخرة تنفش (¬16). ما الذي ينفشها (¬17)؟ وقولهم: تخرج (¬18) من مسام الأرض، يريد من خللها، ما من ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: تتنفس. (¬2) كذا في جميع النسخ. ولعله: بددته. عكس ما يأتي من قوله. فيسجتمع. المقاصد: بددته (ص 340). (¬3) ج، ز: صار. (¬4) ج: وتكاثف. (¬5) ج: عا. (¬6) ب، ج، ز: ويسمى. المقاصد: وسمى - ويسمى (ص 340). (¬7) ج: جمع. (¬8) ب، ج، ز: فإن. (¬9) د: يدركها. (¬10) ب، ج، ز: فانهرقت. المقاصد: فانهزمت (ص 340). (¬11) ب، ز: صار. قارن (المقاصد، ص 340). (¬12) د: قال أبي. (¬13) ب، ج، ز: دخان. (¬14) د: تشبه. والأفصح أن يقال: تشه. (¬15) ج، ز: نسك. (¬16) ب، ج، ز: تتنفس. (¬17) ب، ج، ز: ينفسها. (¬18) ب: يخرج.

مسم (¬1) إلا وتدخل عليه حرارة، فكيف (¬2) تخرج منه البرودة أو حرارة مثلها؟ وقولهم: إلا ما يقع تحت الجبال الصلبة. فمن أين لم يمنع الجبل (¬3) من دخول الحرارة، ويمنع (¬4) من خروج البخار؟ فإن دخل عليها حرارة، خرج عنها بخار، ولم لا يكون (¬5) حر الشمس (¬6) يأخذ من الجبال (¬7) عمقا بمقدار ما يأخذ من الأرض، ويكون الواحد في النفوذ إلى باطن الأرض، واحدا، سهلا أو جبلا؟ وقولهم: إذا اختنق صار مادة للمعادن. وكيف يكون حر الشمس مادة، وهو واحد، ذو طبع، وصورة لمعان متضادة؟ فقد بينا استحالته. ويقال لهم: حر الشمس النافذ في جوف الأرض ولده، فكيف يقال إذا برز إليه برده؟ وكيف يصح أن يرجع البخار هواء، أو (¬8) ينقلب الحال فيه؟ وهلا رجع نارا أو ماء؟ وقولهم: إذا تكاثف صار ماء. قلنا لهم: هذا البخار لا تدرون قبل، إلى أي شيء تردونه، تارة نارا، أو هواء، أو ماء، أو معادن، أو بروقا، أو غيما، أو رعدا، فقولوا: إنه رجع صخرة، أو فيلا، أو حمارا، أو ثورا، أو (¬9) ما هذه الخذلة (¬10)؟ ألا ترون (¬11) مروة (¬12) عن هذه السخافة؟ ومن اللطيفة (¬13) التي جعلت الطبيعة الباردة في ذلك الوضع؟ ورطبت (¬14) تلك الطبقات، ترتيبكم التحكم فيه؟ وهذه اللطيفة بسيط هي (¬15) أم مركب؟ مادة أم صورة؟ و (¬16) كيف ينتظم هذا كله معها؟ فسروها وركبوا المعنى عليها، وذلك لا يتمعنى أبدا. وقولهم: ربما أدركه برد شديد. ما البرد؟ فسروه وأي شيء [و 58 أ] أوصل البرد إلى ذلك الموضع؟ ومن جعله فيه؟ وليس ذلك بغريب في ¬

_ (¬1) ب: سم. (¬2) ب: وكيف. (¬3) ج، ز: لا تمنع الجبال. (¬4) ج، ز: وتمنع. (¬5) ج: ولم يكن. (¬6) د: الحر الشمسي. (¬7) د: الجبل. (¬8) ب، د: - أ. (¬9) ب، ج، ز: - أ. (¬10) ب: الحالة. ج، ز: الجدلة. (¬11) ب: تدعون. ج، ز: برغوث. (¬12) ب: مرة، ج، ز: مرت. (¬13) ز: كتب على الهامش: عله: الطبيعة. (¬14) ز: كتب على الهامش: عله: رتبت. (¬15) ب، ج، ز: - هي. (¬16) د: - و.

قاصمة

قدرة الله، فإن الذي ركب لكم (¬1) هذا البرد. في كلامكم قادر على ذلك كله، لو (¬2) نسبتموه إليه، كما ينبغي، لا كما تقولون. وقولهم: إذا (¬3) أدركته حرارة صار بردا. ولم لا يصير نارا، أو رمادا؟ و (¬4) من جهالة، في جهالة. قاصمة: قولهم: إن البخار إذا احتقن في الأرض كان كبريتا، وربما انعقد كالماء الصافي فيصير (¬5) ياقوتا، إذا استحكم امتزاج (¬6) الدخان بالبخار كان نحاسا، وذهبا، وفضة، ورصاصا، وقالوا خرافات (¬7) استحيي إيرادها، جملته (¬8) أن كل ما عقده البرد يذيبه الحر. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬9) رضي الله عنه: نقول لهم: أين ما كنتم تهينمون (¬10) به في لطافة المعاني، ودقة الألفاظ، ورقة الخواطر في الرياضيات (¬11)؟ وما الذي يصير الدخان والبخار كبريتا؟ ولم صار، وهذا في بقعة، وهذا في أخرى (¬12)؟ هلا انقلبت الحال؟ وما معنى قولكم: استحكم امتزاج البخار بالدخان (¬13)؟ والبخار عندكم ما يفيض عن رطب، والدخان ما يفيض عن يابس (¬14)، والأرض باردة، يابسة، ففاض الحار (¬15) [عندكم على البارد فبخره، وعلى اليابس فدخنه، وهلا فاض على البارد،] (¬16) فوقف وعجز ¬

_ (¬1) د: - لكم. (¬2) ب، ج، ز: ولو. (¬3) ب: إن. (¬4) ب، ج، ز: أو. (¬5) ب: فصار. (¬6) د: المزاج. قارن (المقاصد، ص344. (¬7) ج: تكرر: خرافات. (¬8) ب، ج، ز: جملة. وكتب على هامش ز: عله: جملتها. (¬9) د: قال أبي. (¬10) ب، ج، ز: تهيمنون. أما هينم فمعناه: تكلم بموت خفي، والهينوم: الكلام الذي لا يفهم. (القاموس المحيط). (¬11) ج، ز: الرياضيات. (¬12) ج، ز: + و. (¬13) ج، ز: الدخان بالبخار. ونبه الناسخ في ز: إلى التقديم والتأخير في هذا التركيب. (¬14) د: يابسة. (¬15): الحر. (¬16) ج: سقط ما بين القوسين.

تكملة

عن تأثير (¬1) فيه (¬2)؟ وهلا (¬3) بلغ الحار اليابس فأحرقه (¬4) كما تفعل النار بالحطب إذا كانت يابسة؟ وإذا بخرت أو (¬5) دخنت، وكان التأثير للحار في البخار والدخان، فالذي (¬6) يقلب البخار لؤلؤة، أو كبريتة (¬7)، أو نقرة (¬8)، أن أدمغتكم لنقرة (¬9)، وما معنى قولكم: استحكم؟ أمن ذاته وبنفسه أم بواسطة من غيره؟ وما الذي يقعد به عن الاستحكام ويجعله عزين؟ ومن يعارضه؟ فلا تقولون (¬10) ما ينفع، وكل حرف تنطقون (¬11) به فجوابه منه، مع (¬12) ما تقدم، فليرد إليه. تكملة (¬13): قال القاضي أبو بكر (¬14) بن العربي رضي الله عنه: إنما سردنا لكم هذا كله استدراجا لهم (¬15) لتسمعوا كلامهم [و 58 ب]، وتكشفوا غاية عقولهم، والطريق التي بها (¬16) أرادوا أن يقفوا (¬17) على حقائق الأشياء، بزعمهم دون الأنبياء، وهلا نسبوا ذلك كله إلى الله تعالى، وقالوا إنه الخالق لذلك كله، شيئا بعد شيء، وطبقا بعد طبق، فالقوم بجهلهم رأوا تركيب شيء على شيء، فنسبوا الثاني إلى الأولى، وذهلوا أو (¬18) قصدوا أن ينسبوا الثاني، وما (¬19) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: تأثر. (¬2) ج، ز: + وتدافعا (ز: وتدافقا) أو أثر البارد فيه؟. (¬3) ب، ج، ز: + إذا. (¬4) ب، ز: كتب على الهامش زيادة: وهلا فاض فيه. (¬5) د: - أ. (¬6) د: - فالذي. ويبدو أنه: "ما الذي" ليستقيم الكلام. وقد كتب على هامش ز: لعله: فما الذي. (¬7) ب: كبريتا. (¬8) ج، ز: بقرة. والنقرة: معدن (القاموس المحيط) ويطلق على الذباب الأسود نقرة، وعلى القطعة المذابة من الذهب والفضة. (¬9) النقرة: داء يصيب الشاة في أرجلها. ويطلق على المصيبة. ب، ز: لبقرة، ج: البقرة. (¬10) د: يقولون. (¬11) د: ينطقون. (¬12) ج: - مع. (¬13) ب: بكلمة. (¬14) د: قال أبي. (¬15) ب: - لهم. (¬16) ج، ز: أرادوا أن يقفوا بها. (¬17) ب: يقضوا. (¬18) ب، ز: - إذ. (¬19) د: ومن.

قاصمة

بعده إلى ما نسبوا إليه الأول (¬1)، وسموه بأسماء (¬2)، وجعلوا له قوى. فإن قيل لا يصح أن يكون شيء واحد مبدأ لشيئين (¬3) بحال - قلنا: هذا هو (¬4) الواجب، فلم أحلتموه؟ فإن قالوا: إلى الطبع، قلنا: فلا يكون عن الأول إلا مثله، وكذلك (¬5) يلزم في الثاني والثالث، فمن أين جاء هذا الاختلاف؟ فإن أعادوا ذلك الكلام المتقدم من وجود التركيب بأسبابه (¬6) فقد تقدم الجواب عنه. قاصمة: نبغت طائفة تسترت بالإسلام (¬7) وهي تبطن (¬8) عقائد الأوائل (¬9)، فقالت: لا يفتقر في معرفة الله، ولا في وجوب ذلك على كل (¬10) أحد، إلى شرع. وقالت مؤكدة لذلك: إن القول بأن معرفة الله تقف على الشرع، يبطل (¬11) الشرع، وذلك أن نبيا لو عرض دعواه، وأظهر آيته، ودعا الخلق إلى النظر في قوله (¬12)، والإيمان به، وكان لا واجب إلا بالشرع، لقالوا له: لا يجب علينا في معجزتك نظر، لأنه لا واجب إلا بشرع (¬13) متقرر (¬14)، ولم يتقرر بعد شرعك، ولا ظهر صدقك، فآل إيقاف الوجوب على الشرع إلى نفي (¬15) الشرع. وهذه أعظم شبهة لهم، قال علماؤنا قولا بديعا: إذا ظهزت المعجزة ¬

_ (¬1) ج، ز: (إلى الله تعالى وذهلوا إذ قصدوا أن ينسبوا الثاني وما بعده إلى ما نسبوا إليه الأول، وقالوا إنه الخالق لذلك كله شيئا بعد شيء وطبقا بعد طبق. إلا أن ناسخ (ز) نبه إلى ما في هذا من خلط وأقام لذلك إشارة تعود به إلى استقامته. ثم إن ناسخ (ج) أعاد نفس النص الذي سبقه خطأ، وجعله في مكانه. فزاد الكلام خلطا. (¬2) ز: كتب على الهامش بأشياء. (¬3) ج: الشيئين. (¬4) د: - هو. (¬5) ج، ز: ولذلك. (¬6) د: بأسباب. (¬7) ج: كتب على الهامش: قف على قول المبتدعة والرد عليهم وإبطال حججهم. (¬8) د: يبطن. (¬9) د: الأول. (¬10) د: - كل. (¬11) د: تبطل. (¬12) د: قبوله. (¬13) ب، ج، ز: بالشرع. (¬14) ب: متقرر. (¬15) د: - نفى.

عاصمة

فقد دل (¬1) الشرع، واستقر الوجوب، ووجب على الخلق النظر، والإيمان، وليس من شرط الوجوب على المكلف فيما أوجبناه عليه من ذلك، علمه بوجوبه، إنما الشرط تمكنه من ذلك، وكونه بصفة من يصح [و 59 أ]، منه ذلك على معنى نفي الآفات المضادة للقدرة والعلم، عنه، ولهذا قال علماؤنا لا يصح قصد التقرب إلا الله بهذا الواجب الأول، لأن (¬2) من شرطه معرفة المتقرب إليه، ولما يحصل بعد. عاصمة: قال أبو بكر (¬3) رضي الله عنه: هذه طائفة لم تعلم العقل، ولا عقلته، ولا علمت الوجوب. وقد بينا أن العقل إن (¬4) افتقر إلى بيان، ووقع فيه خلاف، فامسحوا أيديكم عن أنفسكم، إنما أرادت الإلباس على الخلق من أول اللوح، فماذا (¬5) ترجون (¬6) في أثنائه من البيان؟ أو (¬7) كيف تبلغون (¬8) إلى آخره؟ وهم يقولون: إنه مشترك (¬9)، من معانيه (¬10)، صحة الفطرة، ومنها التجربة، ومنها الوقار والسكينة، وزادوا على (¬11) إخوانهم الفلسفية، أنه علوم ضرورية، وعلوم نظرية، وعملي، وهيولاني، وملكي، وفعلي، ومستفاد، وفعال. أما الأول فقد نسبوه (¬12) إلى أرستوطاليس (¬13)، وفرق بينه وبين العلم وقال: إنه تصورات، ومعان تحصل للنفس بأصل الفطرة، والعلم يحصل ¬

_ (¬1) د: صح. ز: كتب على الهامش: صح. (¬2) ج: أن. (¬3) د: قال أبي. (¬4) د: لو. (¬5) د: فما. (¬6) د: يرجون. (¬7) د: - أ. (¬8) د: يبلغون. (¬9) ب: يشترك. (¬10) فى: معاينة. (¬11) ب، ج، ز: عن. (¬12) ب، ج، ز: ينسبوه. (¬13) ب، ج، ز: أرس توطاليس.

بالاكتساب، فتلقفه الخليل (¬1) منه، وقال: إن (¬2) العلم (¬3) معرفتان مجتمعتان، فعرف زيدا قائما، حال لزيد، وعلمت زيدا قائما، مفعول ثان لعلمت، وهذا اصطلاح بارد تلقفه الخليل رسطالية، وادعاه عربية، ولا سبيل إليه بحال. لأن العقل هو العلم بعينه على ما نبينه إن شاء الله. قالوا (¬4): وأما العقل النظري فقوة في النفس، تقبل بها ماهية الأمور الكلية، والحس يقبلها جزئية وأما العملي (¬5) فهو قوة النفس مبدأ لتحريك (¬6) القوة التشوقية (¬7) إلى ما يريده (¬8) من الجزئيات. وأما الهيولاني فهو كاستعداد الصبي للقبول، وأما الملكي فهو أن ينتهي إلى حد التمييز، حتى إذا عرض عليه شيء وجد به عارفا. وأما الفعلي (¬9) [فهو الذكر. وأما المستفاد فهو ما حصل واستقر، ولم [و 59 ب] يفتقر إلى مادة. وأما الفعال] (¬10) قالوا: فهو نمط آخر، وهو كل ماهية مجردة عن المادة فهو من جهة ما عقل جوهر صوري، ماهية (¬11) مجردة في (¬12) ذاتها عن علائق المادة من جهة (¬13)، هي ماهية كل موجود، وهو فعال، ¬

_ (¬1) أبو عبد الرحمن بن أحمد بن عمرو بن تميم، فهو عربي ذو ذكاء نافذ، عرف باستنباط علل النحو والعروض وكانت له مناظرات مع الإباضية وله صلة بابن المقفع ويروى أنه عرف اللغة اليونانية، وزعموا أن ملك اليونان راسله باليونانية، ويبدو أنه تأثر في دراساته النحوية بالفلسفة اليونانية كما يبدو من كلام أبي بكر هنا، وكما يبدو من اتصاله باللغة اليونانية وبابن المقفع الذي يعرف نحو الفارسية وتوفي الخليل سنة 170 هـ/ 786 م (الزبيدي "محمد بن الحسن" طبقات النحويين واللغويين تحقيق محمد إبراهيم أبي الفضل القاهرة، 1373 هـ/ 1954 م، ص 43 - 37). (¬2) ب، ج، ز: - إن. (¬3) ز: كتب على الهامش: قف على مأخذ قول الخليل بن أحمد في تعريف العلم. (¬4) د: - قالوا. (¬5) ج: العلمي. (¬6) غير ظاهرة بوضوح في ب: وقرأها ابن باديس (لتحديد). (¬7) د: التشوقية. (¬8) د: يريد. (¬9) ب: + فهو الفعال. (¬10) ب، ج، ز: سقط فيها ما بين قوسين. (¬11) ز: كتب على الهامش: عله: وماهية. (¬12) ج، ز: عن. وكتب على هامش ز: في. (¬13) د: - من جهة.

لأنه يخرج الفعل (¬1) الهيولاني من القوة إلى الفعل، بإشراقه (¬2) عليه. قال القاضي أبو بكر (¬3) رضي الله عنه: فما ظنك بمعلوم بين يدخل في الأشكال في هذه السوق الكاسدة، ويباع البيوعات (¬4) الفاسدة، العقل كما قال الأول: وقد ظهرت (¬5) فما تخفى على أحد…إلا على أحد لا يعرف القمرا (¬6) وهو في لسان العرب العلم، لا فرق عندهم بين عقلت وعرفت وعلمت، وما رتبه النحاة من الذات والصفات في العبارات لا ينبني عليه (¬7) حكم، لأن العرب لم تنتح به ما انتحوا، ولا أضمرت ما أضمروا، والقوم مشكورون على ما رتبوا غير مأموم بهم (¬8)، فيما قدموا (¬9) من المعاني وصوروا، والخلق كما قال الله عز وجل: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78] ثم يخلق لهم العلم، العقل، المعرفة، التمييز، الإدراك، التفطن، الذكر، إلى آخر الخطط والأسماء، رتبة بعد رتبة، وشيئا بعد شيء، وليس فيه استعداد لذلك من عند الله (¬10) فيه إلا ما ينشئه (¬11) له، كما ينشئه (¬12) في الشجر، والحجر، وطرف الظفر، والأنملة، لا يختص (¬13) ببنية، ولا يلزم (¬14) بحالة، فإن (¬15) جرى شيء من ذلك على صفته، ففي عادة، لا (¬16) علة، وحالة عارضة باتفاق، من صنع الله وإرادته لا واجبة في مخلوقاته، ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ ولعل صوابه: العقل. (¬2) ج، ز: بإشرافه. (المقاصد، ص 371). (¬3) د: قال أبي. (¬4) ج، ز: البيوع، وكتب على هامش ز: ويباع بين البيوعات الفاسدة. (¬5) د: بهرت. (¬6) ب: القمر. (¬7) ب، ج، ز: عليها. (¬8) ب، ج، ز: ما هو به بهم. ومعنى غير مأموم بهم أي غير متبوعين في ذلك وليسوا أيمة يقتدى بهم في هذه المسألة. (¬9) ب، ج، ز: قرروا. (¬10) د: سبحانه. (¬11) ب، ج، ز: بنسبه. (¬12) ب، ج، ز: ينسبه. (¬13) ج، د، ز: تختص. (¬14) ج، ز: تلزم. (¬15) د: فإذا. (¬16) ب، ج، ز: ولا.

ويخلق له علما مركبا على علم يجده (¬1) متساويا في ثمرته وإفادته، فيكون تجربة (¬2)، فإن ظهر على أقواله وأفعاله، كان منتفعا له، [لأنه المقصود منه، وإن لم يظهر نفي عنه لوجهين، قد تقدما (¬3)] في قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) [و 60 أ]: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (¬5)، أحدهما كمال (¬6) العلم من طرفه، والثاني نفي ذاته إذ (¬7) لم تظهر فائدته في تلك الحالة. فأما (¬8) القول بأنه علوم ضرورية (¬9) فإنما تعلق بها المتكلمون من علمائنا، لأنهم رأوا أنه (¬10) لا يبتلي الله بأوامره ونواهيه، إلا من جعل فيه، مقدمات من علومه، فتلك المقدمات، لما سماها الله عقلا، ظنوا أنه كل (¬11) العقل، ولا يلزم ذلك، [لأن الله قد سماها علما فقال. {إن (¬12) في] ذلك لآية (¬13) لقوم يعلمون} [النمل: 52] كما قال: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [البقرة: 164] وأما قولهم: إن النظري (¬14) قوة في النفس تقبل بها الماهية للأمور الكلية. فهو العلم السابق لا يكون بعده، ويترتب عليه، وتسميته (¬15) قوة مجاز لا معنى له، وقولهم: يقبلها كلية، والحس يقبلها جزئية. كلام فاسد، بل يقبلها جزئية تامة إلا أنه بتدريج، والحس يقبلها جزئية كرة، نعم من المحسوسات ما لا يحصل إلا كليا، وهو الأكثر، وأما قولهم: إن العملي قوة هي (¬16) مبدأ (¬17) التشوقي (¬18). فهي دعوى ما لا يوجد، وعبارة لا تفيد. أما قوة فلا معنى لقولها، وأما قوله (¬19): بتحريك القوة التشوقيه (¬20) فكأنهم يريدون الفكر، وهو ترديد النظر في ¬

_ (¬1) د: يحده، (¬2) د: فيتكون تجزية. (¬3) ج: سقط ما بين القوسين. (¬4) ب، ج، ز: - صلى الله عليه وسلم. (¬5) أخرجه مسلم والبخاري. (¬6) د: + قال. (¬7) د: إذا. (¬8) د: وأما. (¬9) ب، ج، ز: علم ضرورة. وكتب على هامش ز: علوم ضرورية. (¬10) ج: - أنه. (¬11) ب، ج، ز: كالعقل. (¬12) في جميع النسخ: لآيات. والقراءة المشهورة لآية. (¬13) ج: سقط ما بين القوسين. (¬14) ب، ج، ز: النظر. (¬15) ج: وسميته. (¬16) ب، ج، ز: هو. (¬17) ب، ز: مبتدأ، ج: المبتدأ. (¬18) ب: التسوق. د: التشوفي. (¬19) د: قوة. ج: قوله. (¬20) د: التشوفية.

التطلع (¬1)، والتشوق (¬2) إلى المطلوب، وهي كلها معارف وعلوم، تجمع وترتب، لتفيد، وهو الذي يسمى النظر. وأما قولهم: إن الهيولاني (¬3). هو الاستعداد، فمجاز (¬4) بعيد، لأن استعداد المحل لأن يكون (¬5) عاقلا (¬6) يسمى عقلا، إلا مجازا بعيدا، كما تسمى النطفة إنسانا لاستعدادها للإنسانية. وأما عقلا، إلا مجازا بعيدا، كما تسمى النطفة إنسانا لاستعدادها للإنسانية. وأما قولهم في الملكي: فإنما عبروا به عما حصل من العلم، وملكة الإنسان، فهو يتوصل به، ويتوسل، إلى ما وراءه. وأما قولهم: إن الفعلي هو الذكر (¬7) فلا يصح أن يسمى فعليا، لأن الذكر ليس بيد (¬8) المرء لطول [و 65 ب] الذهول عنه (¬9)، فلا يرده أبدا إليه، إلا أن يرده إليه واهبه ابتداء، أو بسبب (¬10) يخلقه له، عنده، فالشيء بالشيء يذكر. وأما قولهم: إن المستفاد هو ما لم يفتقر إلى مادة. فمعناه ما لم يحتج إلى أن يقتنص بنظر، ولا يسعى في تحصيله. وهذا كله يبين (¬11) لكم أنه علوم، بعضها يتلو بعضا ويتوالى مع البعض، لا سيما على مذهبهم في تلا (¬12)، وتوالى، على ما يفسر في موضعه. قال القاضي أبو بكر (¬13) رضي الله عنه: وأما قولهم: في الفعال فذلك هو الداء العضال، هو المبدأ الأول عندهم الذي (¬14) عن ذاته صدر الكل، من عقل، وبسيط، ومركب، وكرة، ومربع، وحار، ورطب، وبارد، ويابس، ولكن اختاروا له العقل لشرف الاسم، دون الكثرة، وغيرها من الأسماء، فله ماهية في ذاته عندهم، وهو مادة كل ماهية، إذ يخرج الهيولي إلا الصورة ¬

_ (¬1) ج: تكرر "التطلع". (¬2) د: التشوف. (¬3) ب، ج، ز: الهيول. (¬4) د: مجاز. (¬5) ب، ج، ز: لا يكون. (¬6) ج، ز: ولا. (¬7) ب، ج، د، ز: الفكر. وهو خطأ كما يتبين مما سبق. ومما يأتي بعده. (¬8) ج: يفد. (¬9) ب، ز: كتب على الهامش: عليه. (¬10) ب: لسبب. (¬11) د: ينبئ. (¬12) ب: يلي. (¬13) د: قال أبي. (¬14) ج: + هو. وكتب على هامش ز: هو.

والفعل، بفيضان (¬1) نوره عليه، لا بعلم، ولا بقدرة، ولا بإيثار، ولا بشيء من تلك المعاني الواجبة له. وقد تبين لكم أن هذه أسماء، لا فائدة تحتها، وتهويلات، لا طائل وراءها. قال القاضي أبو بكر (¬2) رضي الله عنه: فإذا تقرر أن العقل هو العلم أصلا، وتقرر بيننا وبين هذه الطائفة المتسترة بغطائنا فرعا، بنينا عليه غرضنا معهم، وقلنا لهم: إذا كان العمل هو العلم (¬3)، أو نحو منه، أو صفة يتأتى بها درك العلوم، وكان الوجوب عبارة عن فعل يتعلق به الذم (¬4) عندنا (¬5) أو العقاب عندكم (¬6)، فأي معنى يربط أحدهما بالآخر أبدا؟ وتحقيقه أن الوجوب ليست (¬7) بصفة تقوم بالموجب، كسائر صفات المعاني القائمة بالذوات، وإنما هو عبارة عن لزوم الفعل لفاعله، واللزوم عبارة عن قول صدر عن الموجب اللزم، لم تحصل (¬8) فيه مثنوية، ولا مكن فيه من تركه (¬9)، إن كان من طريق الابتلاء، وإن كان من طريق الضرورة الآدمية [و 61 أ] كشرب العاطش، وأكل الجائع، فهو عبارة عن استدعاء النفس فعلا، قام بذات المستدعى له، دل إليه، يذهب به (¬10)، ما قام به، أو يجلب إليه، ما ينتفع به. ومعرفة الله صفة مكتسبة بأمره، فما لم يكن منه أمر (¬11)، لم يكن له وجوب، لا (¬12) سيما وهم يقولون: إن الوجوب يعرف باستحقاق العقاب، وذلك خبر عن فعل، يقع عقيب (¬13) فعل، وذلك لا يعلم إلا بالخبر، أو بالعادة، وشيء من ذلك ليس عند المكلف. فإن قيل: قد تقدم أنه يقوم بذات المكلف خاطر بأن له ربا أنعم ¬

_ (¬1) ج: ففيضان، د: يفيضان. (¬2) د: قال أبي. (¬3) ب: - العلم. (¬4) د: الذم به. (¬5) ب، ز: عندكم. (¬6) ج، ز: عندنا. (¬7) كذا في جميع النسخ. (¬8) د: يجعل ج، ز: يحصل. (¬9) د: ترك. (¬10) ج، ز: كتب على الهامش: عنه. (¬11) ج: تكرر: لم يكن منه أمر. (¬12) د: ولا. (¬13) د: عقب.

عليه، وأن ذلك يعين شكره، ويحضر (¬1) خاطره، أنه إن شكره أثابه، وإن ترك ذلك استحق عقابه، فيستحثه عقله على تخليص نفسه، قلنا: هذه مقدمات (¬2) فاسدة في ذاتها (¬3)، فاسدة بنقصانها. أما قولهم: إنه يقوم بذات العبد، أن له ربا، فإنه كلام ملتبس (¬4) ابتدئ به، وركب عليه مثله (¬5)، أما تصور قيام هذا الخاطر بالقلب الفارغ عن أمثاله ففرض (¬6) محال عادة، فإن العبد (¬7) إنما يعقل (¬8) عند نشأته منافعه الحسية، وملاذه، ووجه طرق تحصيلها بأسبابها التي تشاركه في جملتها وتفصيلها البهيمة، وغيرها، إذ كل نفس سواها ربها، وألهمها فجورها وتقواها وعبر عن المنفعة بالتقوى وهي منها، وعن المضرة بالفجور وهي منها، بحكمة عظيمة بيناها في أمالي "أنوار الفجر". فأما النظر في الصانع وحقيقته، والخاطر على أصل الوجود وصفته، فلا ينشأ في الخاطر ابتداء في العادة بحال إلا أن يقرن بسماع أمثاله، من أشكاله، فيما هو عليه من أصل الفطرة، لتوضح (¬9) الجادة التي يتفطن لها، وإنما يتصور هذا كله بعد إرسال الرسل، والتعريف بالإله، وإلزام الشكر، فشاع ذلك في ألسنة الخلق، فمن سمع بالتحقيق، فسلك الطريق، أفضى به إلى المورد، [و 61 ب]، ومن سمع التحقيق وأخطأ (¬10) كأمثالكم الطريق، وقع في الهلكة. وقد يرى بعضهم قوما يعبدون الأصنام والحجارة، لأنها - بزعمهم - تضر وتنفع، فيرى بخاطر عارض بقدر (¬11) سماوي إلهي، أنها (¬12) ليس كذلك، فيعلو بهمته إلى فوق، فيعبد الشعري العبور لضيائها، أو (¬13) القمر، أو الشمس. وقد يرى آخر أن هذا ليس بشيء، أو يسمع (¬14) أن هنالك دينا خيرا ¬

_ (¬1) د: يحضره. ز: في الهامش: في نسخة ت يخطء. (¬2) د: مقامات، ج، ز: منامات. وكتب على هامش ز: عله: مقدمات. (¬3) د: - فاسدة بذاتها. (¬4) د: ملبس. (¬5) ج: تكرر: أنه يقوم بذات العبد أن له ربا. (¬6) د: فعرض. (¬7) ب، ج، ز: المرء. (¬8) ج، ز: يفضل. (¬9) د: يتوضح. وكتب على هامش ب، ز: فتوضع. (¬10) ج: وأخلصه. (¬11) ب: - بقدر. (¬12) د: أنه. (¬13) ج: - أ. (¬14) ب، ج، ز: سمع.

من هذه الأديان، فيخرج في طلبها، فيسمع كلاما ممزوجا فيقبله، أو يعرض عنه، وينتظر سواه، وقد سمعنا حال قس (¬1)، وورقة (¬2)، وكلام لبيد (¬3)، والأعشى في التوحيد، والنابغة، وذلك كله بأطراف من التوحيد، كانت تتعلق بهم، مما بقي بأيدي أتباع الأنبياء عليهم السلام من مقدمات الملل (¬4). وأما قولهم: إنه يرى أنه يلزمه (¬5) شكره، فبأي (¬6) شيء يرى ذلك؟ إن قلتم: إنه ينشأ له ضرورة فيلزم وجوده في جميع الخلق، لاشتراكهم في الضروريات (¬7)، أم يخطر له نظرا، فإن كررتم النظر الأول، فقد تقدم التقصي (¬8) عنه وإن قلتم: إنه يحمله على المنعمين من الخلق فما أفسده من نظر! كيف يشبه (¬9) أو يقاس، من لا يجوز عليه الحظ، ولا يتعلق به النفع، والضر، ولا تقوم به اللذة، ولا يتكثر بالقلة، ويطلب العوض، على ما تناله (¬10) الرغبة في (¬11) الحظوظ (¬12)، واللذة، بالأسباب والتكثر من القلة، ويطلب العوض؟ و (¬13) هذا تشبيه فاسد، وبهذا انطلقت صفة التشبيه على الطوائف كلها، خلال أهل السنة. وزادت هذه الطائفة بأنها (¬14) عطلت في الصفات، وشبهت في الأفعال، فانسلت عن ربقة التوحيد. ¬

_ (¬1) قس بن ساعدة توفي نحو 23 ق هـ/ 600 م وهو حكيم عربي وأسقف نجران وكان يزور قيصر الروم ويتصل به (البيان والتبين للجاحظ، ج1 ص 27. الأغاني، ج 14 ص 40، الأعلام، ج 6 ص 39). (¬2) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى توفي نحو 12 ق هـ/ 611 م وهو نصراني وحكيم جاهلي اعتزل الأوثان وقرأ كتب الأوائل (الأعلام "ورقة". الروض الأنف، ج1 ص 124 - 127). (¬3) لبيد بن ربيعة العامري توفي سنة 41 هـ/661 م يعتبر من الصحابة (خزانة الأدب للبغدادي، ج337 - 449. Brock 1 - 23, SI: 64) . (¬4) ب: الملك. (¬5) ب، ج، ز: يلزمهم. (¬6) ب، ج، ز: فأي. (¬7) ب، د: الضرورات. (¬8) ج، ز: التفصي. (¬9) ب، ز: يتشبه. (¬10) ب: ما شأنه، د: من شأنه. (¬11) ب: - في. (¬12) ب: الحظوضة. (¬13) د: - و. (¬14) ج: فإنها.

قاصمة

وأما ذكرهم في الخاطرات (¬1) أنه إن شكر استحق ثوابه فما سبب هذا الاستحقاق؟ هل نفس الفعل (¬2)؟ فهذا محال من طريق النظر، لأن الشكر جزاء نعمة، فكيف [و 62 أ] يستحق الجزاء على الجزاء؟ وإن كان إنما يستحقه بالخبر منه عن ذلك - وتقدير سواه محال - فالقول به (¬3) محال لأنه لم يكن هنالك بعد مبلغ للخبر. وأما قولهم: إن قصر استحق عقابه. فما لم يكن سبيل إلى استحقاق الثواب (¬4) لا يتصور معه استحقاق العقاب، لاتحاد الطريق. قاصمة: نبغت طائفة قالت: إن المعول المرجوع إليه، هو قول الله وحكمه، وإن الموصل له إلينا واسطته (¬5)، وهم رسله الذين أولهم آدم، وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذه كلها دعوى (¬6)، فإن العقول ترشد إلى السياسة الأيالية (¬7)، والقوانين الحكمية، وقانون التدبير الجامع للمصالح المنتظمة لعامة الخلق، وإصلاح (¬8) الأخلاق، وتطهير الأبدان عن أوصاف النجاسات، والقلوب عن أخلاق الدناءات، حتى يطرد الاصلاح (¬9) في الباطن والظاهر، ويستمر البقاء على العيش الطيب، واستقامة الخاصة والعامة، وهذه كتب الحكماء (¬10)، بسيرهم في أنفسهم، ووصاياهم لغيرهم، تتضمن جميع ذلك، فمن أراد النظر فيها فقد جليت له في منصتها. وكفى بعد ذلك بإيضاح العقول رسلا، وبمقتضياتها (¬11) أدلة مادة (¬12) إلى الغني الذي لا يصحبه فقر، والنعيم الذي لا يقترن به كدر، والكمال الذي لا يتطرق إليه (¬13) نقصان، ولو عولنا في درك الحقائق على ¬

_ (¬1) ج، ز: الخاطريات. (¬2) ج: والفعل. (¬3) ب، ج، ز: - به. (¬4) ج: والثواب. (¬5) ب: واسطته. (¬6) د: دعاو. (¬7) ج، ز: الإلهية. وكتب على الهامش: الإيالية. (¬8) د: صلاح. (¬9) د: الصلاح. (¬10) د: العلماء. ج، ز: كتب على الهامش: العلماء. (¬11) ب، ج، ز: بمقتضاها. (¬12) ب، ج، ز: قادة. وكتب على الهامش مادة. (¬13) ب: لا يقترن به.

الأنبياء، ما كنا نقف على حقيقة أبدا، فإنهم يقولون نحن رسل الله، ويأتون بأفعال غريبة، تخرج عن حد العادة، فيتحدون (¬1) بها على صدقهم، بطريق أنها فوق طوق البشر، يأتي الله بها على جهة العضد لهم، والتصديق لقولهم، وتلك الأمور الغريبة التي يأتون بها، داخلة في طوق البشر، محمولة إما على خاصة أدركوها، أو على وجوه من الحيل [و 62 ب]، نظموها على بعد وجمعوها، حتى انتهمت إلى هذه (¬2) الحالة (¬3) التي أشهدوها (¬4) للخلق وأبرزوها، ولو لم يكن في الدنيا إلا حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد من بعد، ولا يجذب الذهب، ولا هدبة الثوب (¬5)، ونحن نرى السحرة يأتون بالغرائب، حتى إن الواحد منهم ليهزم الجيش، ويرد الجم الغفير فلا (¬6)، ويجري الماء على الأرض سيحا، وينزل المطر صيبا (¬7)، ويريك الجدب خصبا (¬8)، ولا يحسب (¬9) في الحقائق فعله، ولا يقبل (¬10) قوله، هذا إلى ما في الوصول إلى حالة القبول من الرسول من العقاب التي لا (¬11) يقطعها بازل، ولا يكون الفكر عنها أبدا إلا نازل، منها معرفة حقيقة النبوة (¬12)، وإثبات كلام الله تعالى الذي يترتب عليه إرسال الرسل، جواز بعثة الله الرسول، ومنها تعيين ما تأتي به، فإنها إن قالت ما يعلم (¬13) فلا يحتاج إليها، وإن قالت ما لا يعلم (¬14) فلا يقبل منها، مع أنا رأيناهم يقولون أشياء يردها العقل، وأكثر الخلق لا يقبلونها، وأي فائدة في مخاطبة من يعلم أنه لا يقبل. ومنها وجه المعرفة بأنه رسول، وقد بينا أن ذلك يعسر، لاشتباه الأفعال، لا سيما وأنتم تقولون: إنه جائز على الله أن ¬

_ (¬1) د: يتحدون. (¬2) ج، ز: هاته. (¬3) د: الحال. (¬4) ب، ر، زت شهروها. (¬5) الكلام ينقصه الجواب. واقتراح ابن باديس أن يكون: لكفى في إثبات الخاصية. (¬6) ب، ج، ز: ويرد الجبل الصغير تلا. أما الفل فمعناه منهزم، يقال قوم فل أي منهمزمون. (¬7) ب، ج، ز: صبا. (¬8) علق ابن باديس على ذلك بقول: هذا كذب ومبالغة، فليس هذا من مقدور السحرة لا بالحقيقة ولا بالتخيل. (¬9) ب، ج، ز: تحسب. (¬10) ب، ج، ز: تقبل. (¬11) ب: - لا. (¬12) د: العبوه. (¬13) ب: نعلم. (¬14) ب: نعلم.

عاصمة

يعم الخلق بالضلال (¬1) فما يؤمنكم أن يكون ما يأتي (¬2) به الرسول سببا لإضلال الخلق، وقد قلتم أن للمعجزة ستة شروط، وعلى كل شرط منها من الأشكال ما يملأ القراطيس فكيف يخلص من هذا؟ وهذا وأنتم بعد إلى الآن، لا تدرون هل دلالة المعجزة عقلية أو عادية، فمتى تقطع هذه العقاب العشرة (¬3)، ويرتقي (¬4) إلى يفاع (¬5) المعرفة؟ والناس ضعفاء، والشعوب كثيرة، والعمر قصير، والذي يدعي أنه وصل قليل، والآلات معدومة، أو متعذرة، والسفر طويل، لقد أبعدتم النجعة على الخلق في المطلوب. والذي يمكن أن ينظر الإنسان في أمهات الفضائل [و 63 أ]، وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة (¬6)، فإذا (¬7) حصل عليها فما وراءها مرمى، ولا بعدها مطلب، ولا يحتاج في ذلك إلى رسالة قد أدركها خلق دون نبي. عاصمة: قال القاضى أبو بكر (¬8) رضي الله عنه: هذا مذهب ليس عليه أحد من الخلق له حصافة (¬9)، بيد أنه لما كان الابتلاء من الله بالوظائف، أمرا تعافه النفوس، وتقف دونه القدرة، وتغلب عليه الراحة، ركنت النفوس الأمارة بالسوء إلى البطالة، وكانت الجبلة مفطورة على الشهوات. وانتقاء (¬10) المختار بعيد عن الخلق، وبينهم وبين كمال النظر حجاب. ركن إلى الدعة، وتعلق بذيل العجز، الأكثر (¬11) في الوجود، الأقل في الاعتداد. وهم - وإن كانوا لا يتظاهرون به لغلبة الإسلام - فإنهم يبطنونه، ولم ألق عليه مناظرا في رحلتي إلا ¬

_ (¬1) د: بالإضلال. (¬2) ب: مأتى. (¬3) ب، ج، ز: العشر. (¬4) ج، ز: ترتقي. (¬5) ب: بقاع. (¬6) ب، ج، ز: - الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة. وكتب على هامش ب، ز: ها هنا بياض في الأصل. (¬7) ب، ج، ز: وإذا. (¬8) د: قال أبي. (¬9) د: خصافة. (¬10) ج، ز: انتفاء. (¬11) د: من.

ابن عمار قاضي (¬1) الإسكندرية الملقب (¬2) بعز الملك، والقاضي حامد بن (¬3) نزيل بيت المقدس، المنتسب إلى مذهب أبي حنيفة، والقاضي ابن الكحال (¬4) ولكنهم إلى الفلسفة ينتسبون (¬5) وعليها يعولون، فأما الانخلاع عن ربقة الفلسفة والشريعة فلم ألمحه بحال. وأنا أبين بفضل الله وجه الاعتصام من هذه الضلالات، والتفصي (¬6) عن مجموع هذه الشبهات، فنقول: إن الله تعالى قد خص هؤلاء بالذكر، وصدهم (¬7) بباهر البيان، في أكرم مورد من الكلام فقال: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] ووجه الدلالة من هذه الآية في هذه السورة (¬8) الكريمة بديع مبين في كلامنا حيث وقع بترتيب برهانه وإزاحة إشكاله بإيضاح بيانه، نخبته: أن الله تعالى أخبر أن من أنكر الرسل (¬9)، لم يعلم الله حق علمه، وأمرنا (¬10) بالاحتجاج عليهم بنبوة موسى التي صحت (¬11) بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة، وهذا القول الذي نصب الله [و 63 ب]، تعالى (¬12) بيانه، الدليل عليه، ليس المراد به أحدا من أهل الكتاب، لأنهم مقرون (¬13) بالرسل فوقعت الحجة على منكريهم، برسل الله في أرضه إلى خلقه مذ أوجدهم إلى محمد صلوات الله عليهم ¬

_ (¬1) ابن عمار هو أبو عبد الله محمد بن عمار كما في (أخبار مصر لابن ميسر، الذهي، العبر، ج3 ص 341) تعليق محققه (فؤاد سيد) وفي هامش النجوم الزاهرة تعليق الدكتور الشيال أنه جلال الدولة أبو القاسم علي بن أحمد بن عمار ومصدرهما واحد وهو أخبار مصر لابن ميسر الذي لم أتمكن من الاطلاع عليه، وبيدو أنه توفي سنة 488 هـ حين ألقي القبض عليه الأفضل شاهنشاه. (النجوم الزاهرة، ج 5 ص144). (¬2) د: هوازن. ز: كتب على الهامش هوان. (¬3) ب، ج، ز: بياض بالأصل. (¬4) ج: ابن الكمال. (¬5) د: ولكنه إلى الفلسفة ينتسب هؤلاء. ب، ج، ز: + هؤلاء. (¬6) د: والنفص. (¬7) د: ضمدهم. (¬8) ب: في هذه السورة. (¬9) ب: الرسول. (¬10) ب، ج، ز: أمر. (¬11) ز: كتب على الهامش: ضمنت. (¬12) د: - تعالى. (¬13) د: يقرون.

وسلامه (¬1)، وخص ذكر موسى لأنه أول الأنبياء ظهور آية ولأنه (¬2) معلوم عند عبدة الأوثان من العرب المجاورة لأهل دينه، فإن أقروا به، فهذا مثله، وإن أنكرت العرب ومن وإن دينها موسى كإنكارهم لسائر الرسل، فمن علمكم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم الأصنام؟ فذلك محال أم غيرها فمن؟ وليس إلا الله، والتعليم (¬3) لا يكون إلا بواسطة، ولا بد للوسائط أن تترقى (¬4) حتى تقف (¬5) على معلم غير معلم (¬6) فهو الباري، وتعليمه، رسالته. وقوله بعد ذلك: {تبدونها وتخفون كثيرا} [الأنعام: 91] بالتاء وبالياء (¬7) سهل المرام في التأويل، مع قطعنا (¬8) أن اليهود غير مخاطبين في ذلك ولا أريدوا به (¬9). والإشارة فيه (¬10) وجوه أقربها الآن أن الذين أنزل عليهم، قد أنكروه مع أنه شرفهم، وكتموه [وغيروه، فلا عجب منكم، الذين لم ينزل عليكم، ولا رأيتموه في أن تنكروه] (¬11) وحينئذ يجب الاعتراض (¬12)، لأنهم خرجوا عن النظر إلى التخليط، فأقبل أنت على ربك، وذرهم في خوضهم يلعبون، حتى يأتيهم العذاب بغتة وهم لايشعرون. ونعطف بعد ذلك عنان القول على طريقة أخرى (¬13) شرعية عقلية فنقول: أما مرتبة العقل فغير منكرة في التمييز والتحصيل، ودرك ما أعد له على الجملة والتفصيل، في قول من وحده أو عدده، فأما أن يكون العقل محصلا لجميع المعلومات، فهذه دعوى حمقى، لا يقوم لهم قول على ساق في الدعوى، والإيراد، والتصوير (¬14) فكيف بالتعرض للدليل (¬15)، وكل ذي علم يدعيه، من أي العلوم كان، يعلم [و 64 أ] قطعا ¬

_ (¬1) ز: صلى الله عليه وسلم. وكتب على الهامش: صح: صلوات الله وسلامه عليهم. (¬2) ب: أو لأنه. (¬3) ب: التعلم. (¬4) د: تترى. (¬5) د: نقف. (¬6) ج: - غير معلم. (¬7) ب، د: والتاء. (¬8) د: + على. (¬9) ب، د: - و. (¬10) كذا في جميع النسخ. (¬11) ب: سقط ما بين قوسين وكتب على الهامش. (¬12) ب، ز: كتب على الهامش. الاعراض. (¬13) د: - أخرى. (¬14) كذا في جميع النسخ ولعله: "التصدير" في مقابلة الإيراد. (¬15) ج، ز: + كان.

أنه لم يحط العقل به من أوليته حتى كانت العلماء، وهم الأنبياء الذين يطرقون بيانه، ويوضحون قانونه، وخذ علم الهيئة، فليس في العقل (¬1) استقلال أن يحيط (¬2) بمدار الأفلاك وترتيبها، وطلوع الكواكب وغروبها، في مجار (¬3) مختلفة منها، وتمييز المنتقل من الثابت، وتفصيل انتقاله، وإن أدرك نفس الانتقال، ويرى ما ذكروه قبل (¬4)، كيف كانت كلها دعاوي لا برهان عليها، حتى إن صاحب الهيئة يبرهن، فإذا وقف عليه البرهان، طفر (¬5) فقال: رصدت أو رصد (¬6) فلان، فبينما نحن معه في برهان عقلي، إذا بنا قد خرجنا معه إلى خبر تكذيبي أو كذبي. وخذ الطبيعيات وترتيبها في النشوء (¬7) وضبط الاستقصات في البدء (¬8)، و (¬9) كيف خرج منها ما خرج إلى الجسمية، وكيف تحرك على رأيهم من الهيولي إلى الصورة، وكيف تألفت الموجودات. وقد قدمنا عنهم في ذلك دعاوى لا أصل لها، تصلح أن يسامر بها الملوك، لاستجلاب شارد المنام. وخذ ضبط صحة الحيوانات بقانون، ورده (¬10) بالطب (¬11) عند عدول (¬12) الأمزجة عن الاعتدال، وإدراك النبات (¬13) في درجاته، ومنافعه ومضاره، هل يتفق في المعقول أن يدرك ذلك أحد بقضيات العقول؟ أما أنه إذا رتب له قانون، أو ذكر له تمثيل، أو نصب له دليل، أمكن أن يتوصل به إلى ما يقتضيه وضعه. وخذ النجومي فإنه يقال له: أيها الحاكم على ما يأتي بما يرى من نصبة، ويطلع عليه (¬14) من رتبة، هل علمت ذلك بتجربة استمرت بها العادة ¬

_ (¬1) د: العقول. (¬2) د: تحيط. (¬3) ب، ج، ز: مجاري. (¬4) ب، ج، ز: قيل: وكتب على هامش ز: عله: قبل. (¬5) ج: طفى. أما معنى طفر فهو: وثب في ارتفاع. وطفا: ارتفع. (¬6) د: وجد. (¬7) ب، ج، ز: الشيء. (¬8) ب، ز: البدو، ج: البدن. (¬9) د: - و. (¬10) ب، ج، ز: وردوه. (¬11) ب: كتب على الهامش: (إلى الطب). (¬12) د: عذول. (¬13) د: البنات. (¬14) ب، ج، ز: إليه.

في وضع النصب، ومقارنة الحوادث لها؟ فهذا باطل من أربعة أوجه: الأول: أن النصبة (¬1) كم مرة عادت عليك حتى تثبت (¬2) عليها؟ أو قل (¬3) طريقا، حتى ترى عليه ما لم تحسب (¬4) تحقيقا. الثاني: أن يقال لهم: كيف تحكمون للعقل بإدراك ما لا يدرك؟ وتسلكونه في [و 64 ب] غير مسلك؟. الثالث: أنهم يزعمون أن النصبة لا تعود على هيئتها إلا بعد ستة وثلاثين ألف عام، فمتى تكررت مرتين أو ثلاثا حتى علم الترتيب عليها في كون الحوادث (¬5)؟. الرابع: أن ترتيب الحوادث على الكواكب، وتعليقها بتأثير (¬6) الأفلاك، لا يليق على الجملة بما قدمناه من منعهم عن ذلك، فكيف بترتيب الأفعال كلها على التفصيل عليها مع ما فيها من التعارض والتضاد من عمر أو (¬7) كسب؟ والعجب من ترتيبهم الاثني عشر برجا، على اثني عشر بيتا، أسكنوا فيها من الحوادث ما لا يسكن (¬8)، ونسبوا إليها ما لا ينسب (¬9). [وقد أحكمنا في المتقدم من الكلام وجه قطع الحوادث عن الأفلاك والكواكب، حتى لا يبقى لهم (¬10) متكلم إلا بدعوى، لا برهان عليها] (¬11). ومتى تكلمت مع منجم لا تتكلم معه في وضع الأفلاك، لئلا يرجع لك مهندسا، فيقاتلك بغير سلاحك (¬12)، ولكن سلم له الهيئة، ودافعه عن تعليق الأفعال بها، فإنه لا حيلة له في إثباتها. وأما الذي زعموه من أوضاع الحكماء في السياسات، فإن أصله من ¬

_ (¬1) د: النصبية. (¬2) ب: تبت. (¬3) ج، ز: مك. (¬4) ب، د: تحتسب. (¬5) ب، ج: الحادث. وكتب على الهامش: الحوادث. ز: عكس ذلك. (¬6) ب، ج، ز: بتأثر. (¬7) د: - أ. (¬8) د: يمكن. (¬9) د: ينتسب. (¬10) ب، ج، ز: - لهم. (¬11) ب، ز: سقط ما بين قوسين. (¬12) د: سلامه.

الأنبياء، وما أبانته (¬1) من الشرائع، وحثت عليه من المكارم، وزجرت عنه من الدناءات، بما أوضحت من القوانين، ووضعت من المصالح، ثم درس منها ما درس، وبقي منها ما بقي، فبنوا عليه، وأضافوه إليه، فمنه ما نقلوه على وجهه، ومنه ما أدركوه بما وافق الأغراض، وقام بداعية الانزجار والانتهاض، وجرى في سنن المنى أو (¬2) الهوى. وأما تطهير الأبدان عن الأقذار، فأمر جبلي، لا متعلق فيه، لأن الرسل لم تأت لبيانه، أما أنها حضت عليه، وحثت، وندبت إليه، وألزمت (¬3). وأما تطهير القلوب [و 65 أ] عن أوضار الدناءات، فيبعد (¬4) أن يصرف (¬5) عنها وازع من الذات، فإنها مركبة في الحيوانات فطرة، وفي هيئة (¬6) الإنسان جبلة (¬7)، وهو مركب على الغضب والشهوة والحرص (¬8) والغلبة، وعلى ذلك من العقل رقيب، وبينهما مجاذبات كثيرة، مسلمة منا ومنهم، وإنما يكون التطهير بعمل، هو جلاء القلوب، وبعد الجلاء يكون الحصول بمعاملة أو (¬9) مقابلة، ولا نطول معهم في أن كيفية الجلاء تكون (¬10) بتوقيف عن بصير مبصر، بل نقف معهم عن (¬11) المقابلة، فنقول: إنها لا تكون بتنبيه حتى جعله بعضهم خاطراً، وقد لا يخطر (¬12) الخاطر، وإذا وجد قد يضعف (¬13) ولا يتسدد، فلا بد من داع، إن كان له وازع (¬14)، والمجاهدات بين المتعارضات باب عظيم، يفتقر إلى قانون طويل، ليس من بزهم، ولا يقوم به إلا العالم بتفاصيله وقانونه. ¬

_ (¬1) ج: وما أبا بنته. (¬2) ب، ج، ز: - أ. (¬3) أي فنعم. (¬4) ب، ج، ز: فبعيد. (¬5) ب: يصدر. وكتب على الهامش: يصرف. ج، ز: كتب على الهامش: يصدف. (¬6) د: بنية. (¬7) ب، ز: كتب على الهامش: بنية الإنسان جملة. (¬8) ب، د، ز: الفرس. ج: والمرس. وأقترح: الحرص. (¬9) ب، ج، ز: - أ. (¬10) ب، د: يكون. (¬11) ب، ج، ز: على. (¬12) د: يحضر. (¬13) ب: يضف. د: يصيب. (¬14) د: واع.

فإن قيل قد سطره أفلاطون، وسقراط (¬1)، والفاضل بقراط (¬2)، قلنا: قد رأينا ما سطروا، وطالعنا ما ذكروا، وتحققنا أنهم (¬3) قد قصروا، وعدا عليهم ما ائتمروا، ولولا التطويل لسردنا عليكم من خرافاتهم، ما ينبئ عن سخافاتهم، الله م تحقيقا (¬4) أن ذلك لمحمول (¬5) على المترجم (¬6)، ومحسوب في جهله أو قصده إلى التخليط، وهم (¬7) قوم أخذوا (¬8) كلام الأنبياء وخصوصا محمدا - صلى الله عليه وسلم - (¬9)، الذي أوتي من جوامع الكلم بأوساطه وأطرافه، وضم له (¬10) من كل جوانبه، فبدلوه وحرفوه، ووضعوه على قوالب أغراضهم، فاستوضعوه، حتى استضعفوه (¬11)، وهذا لأن (¬12) مترجم كلامهم من اليونانية إلى العربية، لم يتوله عدل، بل فاسق، بل كافر، إلا (¬13) مستخف مهتوك زائغ، لا سيما وللسعادة عندهم سبيل متخذة (¬14) للأمجاد، لا يدركها إلا الأفراد (¬15)، وعليها من القواطع أسداد، سد ابن سود طريقها (¬16)، وغاب ابن بيض (¬17) عن تحقيقها، ألا ترى أنهم لم يجتمعوا فيها على طاق، ولا قامت لهم فيها دلالة على ساق، فإن تطلعوا إلى ذلك (¬18) مدعين، فقل هاتوا [و 65 ب] برهانكم إن كنتم صادقين. ففي كل فصل قدمناه لكم (¬19) أصل في الرد عليهم، يوضح تناقضهم، فلا معنى للتكرار (¬20). ¬

_ (¬1) فيلسوف يوناني. عاش بين (470 - 339 ق. م). (¬2) بقراط الحكيم أو الإلهي، توفي سنة 357 ق. م. على الراجح. (¬3) ب: - قد. (¬4) ب: تخفيفا. ج: تحقلقا. (¬5) ب: محمول. (¬6) ب: الترحم. (¬7) ب: هو. (¬8) لا يقصد أفلاطون وأرسطو. وإنما يقصد الذين ترجموا وأخذوا بالفلسفة اليونانية بعد ترجمتها. (¬9) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬10) ج، ز: له. (¬11) د: استبضعوه. (¬12) د: وبعد الآن. (¬13) كذا في جميع النسخ. (¬14) ب، ج، ز: منجدة. (¬15) د: أفراد. (¬16) ج: وطريقها. (¬17) د: أبيض. (¬18) د: تطلعوا لذلك. (¬19) ب: - لكم. (¬20) د: لتكراره. ز: في الهامش: في نسخة لتكراره.

وأما قولهم: إن ما يأتي على أيديهم من الأفعال الغريبة لا يوثق به، لوجودنا في الخواص أفعالا غريبة، فلا معنى له فإنا (¬1) قد حققنا أن (¬2) المعجزات لا بد أن تكون خارقة للعادة، خرقا يتجاوز الأوهام المتعلقة بالحيل والخواص، مما يعلم أنها من أفعال العباد خاصة. أو لا نرى (¬3) أن إبراء الأكمه، وإحياء الموتى، لا ينال بحيلة، ولا يعد في خاصة؟ وما عرف الباري إلا بأفعاله، التي لا يقدر عليها سواه، فما عرف به المرسل به، يعرف الرسول، وهذه نكتة بديعة، لم أزحم عليها فافهموها واعتبروها تلفوها (¬4) كذلك. وهؤلاء (¬5) أرباب الخواص قد جمعوها من وجوهها، وإنما هي أفعال مخصوصة، بوجوه مخصوصة (¬6). فإن قيل فقد رويتم أن في الأرض ماء، إذا جعل على الميت حي، فإن قلتم: هذا صحيح، فإن كان أدركه عيسى فهي معجزة، فإن ذلك لا يدرك إلا بتجربة جميع مياه الأرض، ولعل ذلك كان مخصوصا بوقت ومحل. وأيضا فإن خاصة ذلك (¬7) العين إحياء الموتى وإبراء الأكمة، وصحة الأبرص، والأجذم، من أين يكون (¬8)، والخواص لا تشترك أفعالها؟ هذا ونحن لا نجعل للخاصية (¬9) طبيعة في المحل، ولا صفة تقوم به، ولا قوة فيه، وإنما نقول: إن الباري تعالى يخلق عند اقتران بعض الحال ببعض (¬10)، وبعض الأمور ببعض (¬11)، ما شاء من الأفعال المعتادة أو الغريبة. هذا وقد اتفق العقلاء على أن الخواص مما لا يدرك بالتجربة، وإنما تنال (¬12) بالعلم الإلهي. وقد يرى الطبيب دواء (¬13) يفعل فعلا لا يناسبه في الذي ¬

_ (¬1) ب: فإنما. (¬2) ب، ج، ز: - أن. (¬3) د: ترى. (¬4) ب، ج، ز: تلقوها. (¬5) ز: كتب على الهامش: وهو أن ليس أرباب. (¬6) د: محصورة. (¬7) كذا في جميع النسخ. (¬8) د: تكون. (¬9) د: الخاصة. (¬10) د: لبعض. (¬11) د: لبعض. (¬12) ب: ينال. (¬13) ب، ج، ز: - دواء.

أدرك من طبيعته، فيقول: يفعل كذا بطبعه، وكذا بخاصية فيه، فيسمى (¬1) خاصية ما لم يطرد له، على (¬2) قياس طبعه (¬3). وليس هذا المقدار مما لا [و 66 أ] يدخل في (¬4) الآيات. وهبكم قلنا: إنه خاصية (¬5)، فهذا (¬6) أمر خفي انفرد الله تعالى (¬7) به (¬8) لعلمه (¬9)، بأن خلقه فيه، وأنزله من داره التي أعده فيها لأوليائه، وقد يجوز أن تكون (¬10) آية النبي (¬11) إظهار (¬12) علم الله الخفي (¬13) على يد النبي، فتكون (¬14) آية، ولو كان نظيره خاصية. وأما قولهم: يحتمل أن يكون ذلك حيلة، فلا بد من خروجه من مرتبة الحيل حتى يصير في حد يفوت طوق (¬15) البشر، وعقلهم، فيخرج بذلك عن حد النظر، وأما السحر، فسل به خبيرا يعلمه يقينا ورآه عيانا، ورأى البلاء (¬16) به. والفتنة فيه، ويدري قصوره عن المعجزات بدرجة أعظم مما بين الأرض والسموات، [ويعلم بطلانه في نفسه شرعا، وإبطاله عملا، كما يعلم بطلان الكفر، في نفسه شرعا، وإبطاله حجة (¬17)]. وقد تبين أنه عند المبطلين أقسام (¬18)، أعلاه التعلق بالكلام، وأدناه الحركات في الأرض، بعضها على بعض في وجه، وبطريق، على إدارتها (¬19) في ¬

_ (¬1) ب: فسمى. (¬2) ج: - على. (¬3) ج، ز: طبيعة. (¬4) ج، ز: تحت. وكتب على هامش ز: في. وعلى هامش ب: تحت. (¬5) د: خاصة. (¬6) ب، ج، ز: فهو: وكتب على هامش ب، ز: فهذا. (¬7) د: - تعالى. (¬8) د: - به. (¬9) د: بعلمه. (¬10) ب، ج، ز: يكون. (¬11) ب، ج، ز: للنبي. (¬12) ج: وإظهار. (¬13) ج: الحقيقي. (¬14) ج، ز: فيكون. (¬15) ج: طرق. (¬16) ج، ز: البلايا. (¬17) د: سقط ما بين القوسين. (¬18) ز: - أقسام. وكتب ذلك في الهامش. (¬19) ب، ج، ز: على نحو إرادتها.

السماء. فيحدث من ذلك (¬1) فعل غريب، وله بعد ذلك مراتب أحدها النفث في العقد بكلام لا يتحصل، وضع الله جميع ذلك في الأرض فتنة، كما أخبر، وهو الصادق الحكيم (¬2). وأي ذلك (¬3) كان، فإن العصمة منه على الخاطر الفاسد، أو الألد المعاند، من ثلاثة أوجه (¬4): الأول: أنه لا بد من ارتفاع المعجزة عن حد ينال بما قلتم. الثاني: أن السحر يختص بحال دون حال، وبشخص دون شخص، وبزمان دون زمان، والمعجزة عامة. الثالث: أن الساحر وإن رد الجيش، وخذل الجم الغفير، فليس هذا بغريب، فكم من جيش تفرق بصيحة، وكم كتيبة تبددت بكذبة، وذلك لأن القلوب القلقة يؤثر فيها أدق سبب، والقلوب الثابتة لا تزعزعها الجبال، فأما سحر يهزم يوم بدر قوما لهم العدة والكراع والشبع والظهر، بقوم ليس لهم منعة إلا العري والجوع (¬5) والرجلة (¬6) والعزلة، لا شكة (¬7) ولا شوكة، ويجفل (¬8) العدد الكثير يوم الخندق، ويغلب المعاندين، ويقتل المستهزئين (¬9)، ويفني الحاسدين [و 66 ب]، ويصرف جميع (¬10) قلوب الخلق، ويعم الأقطار، ويدوخ الأرض، ويهدم المالك، فهو الذي يعتمد عليه، ويستند في الحق إليه. وأما قولهم: إن فيه إشكالات عظيمة من معرفة حقيقة النبوة. فليس ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ذلك من. (¬2) د: الحليم. (¬3) د: قدر. (¬4) د: بياض مكان (من ثلاثة أوجه). (¬5) ب، ج، ز: - الجوع. (¬6) ب، ج، ز: الرحلة. (¬7) الشكة بكسر الشين المعجمة: السلاح. (¬8) ب، ج: يجعل. (¬9) ج، ز: المستهترين. (¬10) ج: - جميع. وكتب ذلك على الهامش.

عندكم شيء أبين منه، ولا أقرب منالا (¬1)، فإن الإنسان من حين يولد، إلى أن ينتهي إلى حد العقل الثاني للتمييز في المرتبة، إنما يتدرج (¬2) عندهم في مدارج النبوة، والعقل التمييزي، بالمجاورة (¬3)، هو الدرجة (¬4) الخامسة أو (¬5) السادسة، فإما أن يتمادى فيطلع إليها وإما أن يقع عنها وإما أن يقف حيث وقف به العقل، ولا بد من الترقي عندهم من (¬6) مرتبة هذا العقل، وعندنا، فإما عندهم فقوة نفسية، ونور يسمون إلهيا، وليس الإلهي في الحقيقة، إذ ليس لهذا الاسم عندهم معنى يتحقق فيدرك بها جميع العلوم، وتكون هذه الخاصية يعبر بها عن النبوة، مدركا لكل خاصة وعامة حتى يجعله بعضهم أوصولا إلى الله ويجعله (¬7) بعضهم اتصالا، حتى يقولوا: إنه جزء من الله أو كالجزء (¬8)، ولقد سمعت بعضهم يقول: إنه لنصف (¬9) الله، وبعضهم يجعله حلولا من الله فيه، وبعضهم يفر (¬10) عن لفظ الجزء، والبعضية إذ لا تنقسم عندهم تلك الذات، فيعبر (¬11) عنه بالاتحاد. وقد ظهر فساد هذا كله للعقلاء، بما أغنى عن التعب فيه، وتكلمنا نحن عليه في موضعه (¬12) مع (¬13) دناءته (¬14)، وهم يشكلون بها، ويشككون فيها، أو (¬15) يخلطون ويغلطون (¬16)، أو و (¬17) هو الحق يقولون على الله ما لا يعلمون، ¬

_ (¬1) د: مثالا. ز: كتب على الهامش: قلت وللقرافي في كتاب الفروق تقرير مثل هذا أو نحوه فرضي الله عن علماء الأمة أجمعين في مناضلتهم وذبهم عن هذا الدين القويم المتين. (¬2) ج، د، ز: يندرج. (¬3) ز: المحاورة. (¬4) ج، ز: للدرجة. (¬5) ج، ز: - أ. (¬6) د: عن. (¬7) ج، ز: سقط ما بين القوسين. (¬8) ج: - أ. (¬9) ب، ج، ز: نصف. (¬10) ب: ينفر. (¬11) ج: تكرر: فيعبر. (¬12) ب: موضع. ص، ز: موضع له. (¬13) ب، ج، ز: - مع. وكتب في هامش ب، ز: مع. (¬14) ب: به دعا أنه. وكتب على الهامش: دناءته. ز: دناءاته. وكتب على الهامش: دناءته. (¬15) ب: - أ. (¬16) ب، ج، ز: يقنطون. (¬17) ب ة أومر.

وأما عندنا فأوضح مدلول عليه، وأحق حق يقصد إليه (¬1). وأما ما ذكروه من كثرة الاعتراضات عليه، وازدحام الشبه فيه، فالمشرب العذب كثير الزحام، ولولا تخليطكم ما نبس (¬2) أحد بما قلتم، ولا رضي أن يتفوه [و 67 أ]، بما (¬3) تفوهتم، وما (¬4) اعترض أحد قط على الرسل، ممن كفر وعاند بما قلتم، وإنما قالوا: هذا سحر، ولا تقبل منك معاندة، أو لا نفهم ما تقول، أو (¬5) لو شاء ربك لأرسل غيرك. وأما حقيقة النبوة فليست من بابتكم (¬6)، ولا يقف الأمر هناك معكم، وهي مذكورة في موضعها لأهلها، واختصار معناه أنها عبارة عن قول الله لنبيه: أنت رسول (¬7) إلى عبادي فبلغهم (¬8) كذا عني. وأما قولهم: إن الله لا يبعث رسولا، فهذا كلام لا يقوله فلسفي، فإنه عندهم (¬9) إنما يكون ذلك من قبل نفسه، وإنما يعترض (¬10) بهذا القدرية، الذين حشدوا الاعتراضات من أي قبيل كانت، ولم يبالوا أن يقولوا ما خطر لهم من تخليط، قصد التشغيب، وعلى أنه ليس من الباب (¬11)، فنقول (¬12) فيه (¬13): بم علمتم استحالته؟ أضرورة أو نظرا؟ وتدار عليهم الأقسام المعروفة، وهذا (¬14) ينبني (¬15) على ركن التعديل والتجوير، فإن عندنا أن للباريء أن يكلف ويأمر بواسطة هي الرسل، وبغير واسطة. وأما إثبات كلام الله تعالى، فهذا سؤال القدرية خاصة، ليس للفلاسفة أيضا (¬16) ¬

_ (¬1) ز: كتب عل الهامش: عله: أو وأحق حق بفضل الله. (¬2) ج، ز: نبش. (¬3) ج، ز: ما. (¬4) د: فما. (¬5) ب: - أ. (¬6) ب: بابكم. ج، ز: باتيكم. وكتب على هامش ز: عله: بابكم. أما معنى البابة فهو الغاية ويطلق على سطور الكتاب أيضا. (القاموس المحيط). (¬7) د: رسولي. (¬8) ج: فبلغكم. (¬9) ج: عنده. (¬10) د: تعترض. (¬11) ب: الباري. (¬12) ج، ز: فيقولون. (¬13) ج، ز: لهم. (¬14) ج: وهل. (¬15) د: يبنى. (¬16) ب: - أيضا.

فيه مدخل، ولا خلاف أنه عندنا وعندهم متكلم، وإن اختلفنا (¬1) في تفصيل وصفه بذلك. ونكتته العقلية فيه أن من نظر إلى الخلق، علم جواز انسلاكهم تحت أمر مطاع، ونهي متبع، وذلك يستند إلى آمر وناه، وهو الخالق سبحانه، لأن ذلك (¬2)، لا يجوز لغيره، وأما تعيين ما يأتي به فإنه معلوم أنه (¬3) بعث ليرشد إلى الأشعال المنجية من أهوال الآخرة التي لا يهتدي العقل إلى تفصيلها، ولا يتمكن من تحصيلها، وذلك يرجع إلى تفاصيل عاجلة في الدنيا، وأحكام آجلة في الآخرة، وذلك مما لا (¬4) يستقل (¬5) به الخاطر الذي يدعونه (¬6) وأما قولهم: إن القوم يأتون بما (¬7) لا يعقل فهذه جهالة قد تكلم العلماء عليها [و 67 ب]، وإنما (¬8) أحاكمكم فيها إلى رؤسائهم وأحبارهم وفلاسفتهم على الحالين، فإنهم قد أجمعوا على أن معنى من معاني الأنبياء لا يتأتى شيء (¬9) منه إلا على غاية الحكمة، وفي نهاية المصلحة، وإن من أبدع ما يدرك بنور التطهير ما وصفت (¬10) الأنبياء من تنويع الصلاة إلى تلك الأفعال، وتضعيف السجود على الركوع، والانحطاط بواسطة الركوع إلى السجود، ونصب (¬11) صلاة على نصف صلاة، وعلى آخر ثلاثة أرباع، وأنها في (¬12) تركيب (¬13) أدوية القلوب، على ترتيب أدوية الأبدان، على تناسب غريب، وإن قصد بقعة وخلع كسوة، وكشف رأس، وقذفا (¬14) بحجر، كل ذلك على غاية الرياضة للنفس، في (¬15) ترتيب التأدب، وإظهار المناحي (¬16) الرفيعة على الجوارح، والإشارة بذلك كله إلى مقاصد في القلوب بديعة، فلا تسمع (¬17) ¬

_ (¬1) د: اختلفا. (¬2) ب، ج، ز: - لأن ذلك. (¬3) د: - أنه. (¬4) ج: - لا. (¬5) ج: يستقل. (¬6) ج، ز: تدعونه. (¬7) د: مما. (¬8) ب، ج، ز: أنا. (¬9) ب، ج، ز: - شيء. (¬10) ب، ج، ز: ما وصف به من الأنبياء. (¬11) ب، ج، ز: ونصف. وكتب على هامش ب، ز: نصب. (¬12) ج، د، ز: - في. (¬13) ب: تركبت. (¬14) د: قذف. (¬15) ج: - في. (¬16) ج: المناجي. (¬17) د: نسمع. ز: كتب فوق "نسمع": نائب فاعل تسمع.

هذه الاعتراضات منكم لذلك (¬1)، ولا من غيركم، لأن العقول عندنا لا تحسين لها ولا تقبيح أصلا، ولا عند سواكم من مخالفينا اعتراض على ما تأتي به الرسل (¬2) من المعاني التي لا تهتدي العقول إلى تفصيلها، وإنما تتلقى (¬3) بالتسليم الحض لله سبحانه، وكلنا نتلقاها بالانقياد الصرف. ثم نقول: إن قولهم هذا في وظائف العبادات من إدراك النسب في التقدير وإظهار الحكم في التدبير فدعوى عريضة باردة. نعلم (¬4) أن (¬5) ذلك لا سبيل إليه، ويأتون (¬6) ما بين (¬7) تمثيلهم لذلك (¬8) وبين تركيب الأدوية، ويا بعد ما بين الحالين في المناسبة، وإلا فكل لبيب إذا رجع إلى نفسه يجد من تركيب الأدوية، نسبا (¬9) ذكرها أرباب الصناعة، لا يقدر أن يردها إلى قانون أبدا. لولا التطويل والخروج إلى ما ليس من الباب، لذكرت لكم منها جملة، حتى يقال هذا الدواء يفعل مثل هذا [و 68 أ]، وإن استويا في الوزن، أو يفعل في مثل (¬10) هذا الموضع (¬11) كما (¬12) يفعل الآخر بخاصة (¬13) أي بما لا يعقل طريقه (¬14)، ولا يعرف تعليله، وكذلك لو فاوضتهم في قانون التشريح، فاعترضت عليهم فيما يصورونه على طريقة التعليل، بزعمهم، بهتوا، وانقطعوا. ولقد قلت: إن القلب معلوم الشكل فلم كان على تلك الصفة، واللون، والمقدار، والوضع، والموضع (¬15)؟ فهذه خمسة أسئلة (¬16) لم يعرف عليها جواب ينفع، ولا فائدة لكم في ذكر الانفصال عن هذا الاعتراض، لأنه ¬

_ (¬1) ز: + أولا. وكتب على هامش ب: زيادة: أولا. (¬2) ج، ز: ما يأتي به الرسول. (¬3) ب: يتلقى. (¬4) د: يعلم. (¬5) ج: - أن. (¬6) د: يأبون. (¬7) ج، ز: - ما بين. وكتب على هامش ز. (¬8) ج، ز: لتمثيلهم ذلك. وكتب على هامش ز: ما بين تمثيلهم ذلك. د: تمثيلكم. (¬9) د: شيئا. (¬10) د: - مثل. (¬11) ب: - الموضع. وكتب على الهامش. (¬12) ب، ج، ز: كلما. (¬13) ب: بخاصيته. (¬14) ب: تعقل طريقته. (¬15) ب، ج، ز: - والموضع. وكتب على هامش ب، ز. (¬16) د: أسولة، ج، ز: أسيلة.

خباط، وإذا كان القلب (¬1) في صورته الجسمانية لا يدرك تأصيله ولا تفصيله، فكيف بالقول في الصورة المعنوية وتعلقها (¬2) بالمعقولات؟ فذلك أبعد لكم معشر المدعين، فقفوا حيث وقف بكم الشرع، ترشدوا. ولقد نظرت في كتاب دقلطيانش (¬3) في سر الخلقة وصنعة الطبيعة (¬4)، فرأيت من الخباط ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب مجنون، وكأنه أراد أن يضمها إلى قانون بمضمار (¬5) العقل، فأخرجها عن أسلوب العقل، وقبل وبعد، فلم تنكرون في الخبر (¬6) ما تجدونه في النظر. وأما قولهم: لا فائدة فيها، لأن أكثر الخلق لا يقبلها. في غباوة، فإن كون الحق حقا في نفسه، لا يؤثر فيه رد الخلق له، ألا ترى أن كل ما تذكرون (¬7) من الحقائق مردود عند أكثر الخلائق؟ أفتجعلون (¬8) ذلك حجة عليكم في إبطال مذهبكم؟ فما ألزمتموه (¬9) يلزمكم. وأما قولهم: إنه يمكن أن يكون باطلا لما (¬10) يريده الله من إضلال الخلق عندكم. فهذا سؤال معتزلي ليس فيه للفلاسفة مدخل (¬11)، وإنما تتلكم به المعتزلة الذين لا يجوز عندهم أن يضل الله الخلق بفعل منه ولا بقصد، والجواب عنه قد بيناه مرارا، والذي تعولون عليه الآن أن تقولوا بأن الخبر أمننا (¬12) من ذلك، بأن الله لا يضل الخلق عموما، ولا يضلهم على [و 68 ب] أيدي الرسل، وإنما فائدة إرسالهم تمييز المهتدي من الضال، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. ¬

_ (¬1) د: القول. (¬2) ز: كتب على الهامش: تعلقنا. (¬3) ب، ج، ز: فلطيانس. (¬4) ذكره صاحب كشف الظنون باسم: سرائر الخليقة، وصنعة الطبيعة في الكيماء، ولكن لم يذكر مؤلفه (كشف الظنون، ج 2 ص 986)، وينسب إلى أبولونيوس الطواني وهو من التراث الهرمسي وموسوعة في العلوم الطبيعية (هنري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية، الترجمة العربية، بيروت، 1966 م، ص 201). (¬5) د: مضمار. (¬6) ج، ز: + على. (¬7) ب، ج، ز: يذكرون. ز: كتب على الهامش: عنى الفلاسفة. (¬8) ب: أفيجعلون. (¬9) ب، ج، ز: التزموه. (¬10) ب، ج، ز: فيما. وكتب على هامش ب، ز: لما. (¬11) د: للفلاسفة مدخل فيه. (¬12) ج: - أمننا.

وأما قولهم: إنها من العقليات أو من العادات؟. وهذا من الفصول التي عظمها الأيمة (¬1)، والأمر فيه قريب، فإن المعجزة (¬2) إذا جاءت على الشروط التي رتبناها في "التوسط" (¬3) لا تخلو أن (¬4) تأتي خارقة للعادة، خارجة عن مقدور البشر قطعا، فهذه دلالة بذاتها لنفسها لا تفتقر (¬5) إلى كونها مقارنة للتحدي، موافقة للدعوى على الوجوه المذكورة، وإن كان مما يجري عادة، فوجه الدلالة منها عدم المعارضة فيها، كما لو قال: آيتي: أن لا يحرك اليوم أحد من الخلق يدا فسكنت (¬6) الأيدي، غير متصرفة بحكم الإرادة، مع تعرض الإرادة، فهي تعلم قطعا بصدقه (¬7). وأما قولهم: إن المرء ضعيف. فعندكم أن أحدا لا يضعف عن هذا، وعندنا الذي يضعف عن هذا بآفة توجب له ذلك غير مكلف به (¬8)، وهذه الآفة (¬9) لا بد أن تكون في البدن أو في العقل فبهذين (¬10) يكون المرء ضعيفا. وأما قولهم: زاد النظر قليلا (¬11) فليفسروا ماذا (¬12) يريدون (¬13) بزاد النظر، فإنه مجاز، يصلح للوعظ، لا على طريق الدلالة، وزاد النظر، إن فسرنا نحن فهو عند الناس كثير كامل، وذلك معرفة الطريق إلى المطلوب ومعرفة ترتيبه في التدريج به (¬14)، و (¬15) الوصول ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الإله. (¬2) ج: المعجزات. (¬3) ج، ز: التوسط. وهو كتاب للمؤلف عنوانه "المتوسط في الاعتقاد". (¬4) ج، ز: + تكون. وشطب عليها في ز - (¬5) ب: يفتقر. (¬6) ب: فسكن. د: فتكن - ويمكن أن تقرأ: فتسكن. (¬7) ب، ج، ز: فنحن نعلم قطعا به صدقه. وكتب على هامش ز: "فمتى" بدل " فنحن". (¬8) ج، ز: والذي يضعف عن هذا بآفة توجب له ذلك عندنا غير مكلف به. د: والذي يضعف عندنا بآفة توجب له ذلك غير مكلف به. (¬9) ب، ج، ز: الآية. وكتب على هامش ز: عله: الآفة. (¬10) ب، ج، زت فبهذا - وكتب على هامش ز: فبهذين. (¬11) ب، ج، ز: قليلا. (¬12) ج: ما إذا. (¬13) ج، ز: تريدون. (¬14) ب، ج، ز: + ومعرفة الأعمال الصالحة وفي التدرج به. (¬15) ج، ز: - و.

إليه، وحرزها (¬1) من زيادة ما ليس منها (¬2)، أو نقصان ما هو منها، وأنتم في "المنطق" بهذا تفخرون (¬3)، وعليه تحومون، وما اختل قط نظر إلا من إحدى هذه الطرق الثلاث، أو (¬4) مجموعها، أو اثنتين (¬5) منها. وأما قولهم: إن الشعوب (¬6) كثيرة. فلا ينبغي لهم أن يروا القذاة عندنا، ويدعوها (¬7) في أعينهم جذعا، فإن شعوبكم في طريقكم أكثر، ومطلوبكم أشكل، وسفركم أطول، ومطلوبكم [و 69 أ] أعسر دركا، وهذا بين بالاختبار، فافرضوا مسألة لأنفسكم حتى أريكم مثلها، في مرتبتها على حالها، وكنت أذكرها لكم، لكن أكره تنبيههم، والذي يتخذونه (¬8) دستورا معهم (¬9) نكتة، أبينها (¬10) لكم، وهي (¬11) أنهم متى ذكروا مثالا من مبادئ نظرهم، فقابلهم بمثال من أوائل نظرك، ومتى ذكروها من الثواني فاذكرها (¬12) كذلك من ثوانيك، ومتى ذكروا غاية أو طويلا (¬13) كان ذلك جوابهم، وأراحوك من كد النظر. وأما قولهم: إن العمر قصير فليس هذا بشيء من الدليل، وإنما هو وعظ، والعمر وإن قصر، فالتكليف والابتلاء الذي ألزم الله العبد على قدره، لا ينقص (¬14) عنه شيء منه، وعلمه أن يقوم بحق الأمر ما أرخى (¬15) له في الطول، وفسح له في المهل، وأنتم تقولون: لا دار إلا هذه، فلو كانت له بأسرها ما كان مستوفيا أملا، ولا قاضيا حوجاء (¬16). ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: وحررها. (¬2) د: فيها. (¬3) ج: تعجزون. (¬4) ب: + من. (¬5) د: اثنين. (¬6) ب، ج، ز: + فيه. (¬7) د: يدعونها. (¬8) ب: تتخذوه، تجدونه، ز: يتخذوه. (¬9) يبدو أن ما بعد "نكتة"اهو خبر "والذي". (¬10) د: أثبتها لكم. (¬11) ب: وهو. (¬12) ج، ز: فاذكره. د: فاذكروه. (¬13) كذا في جميع النسخ. وهو غير واضح المعنى. (¬14) ب: يغيض، د، ز: يفيض. وكتب على هامش ز: عله: ينقص. (¬15) ج: أرضى. (¬16) ج: حاجة، والحوجاء هي الحاجة يقال: مالي فيه حوجاء ولا لوجاء.

وأما قولهم: إن الواصل قليل. فإنه ينعكس عليهم (¬1) في الذي يدعون (¬2) أنه الحق، ومطلوب، فالواصل إليه أقل، وهو عندكم معدوم. وأنتم تقولون: إن النبوة ممكن دركها لكل أحد، والذي ينالها أقل من القليل. وأما (¬3) نحن فعندنا ممن (¬4) يصل إلى مطلوبه عدد رمل يبرين ومهى (¬5) فلسطين. وقولهم: كيف تقطع هذه العقاب الشاقة، فينعكس عليهم، وكذلك في قولهم: إن الآلات لقطعها ضعيفة مثله في الانعكاس، وهذا تكرار منهم للقول، قد بينا أنها قريبة قوية فإنها (¬6) العقل، فإن ادعوا آلة (¬7) فليذكروها. وقولهم: إن السفر طويل. بل قصير بلا خلاف فإن مسافة السفر هي العمر (¬8)، وما (¬9) أقله! وليس (¬10) بعد ذهابه سفر عندنا ولا عندهم، وإنما هو مقر جنة (¬11) أو سقر. وأما قولهم: لقد أبعدتهم النجعة في نيل الحكمة، إلى آخر كلامهم المتقدم. فإنه يقال لهم: إن الذي تقدم من كلامنا [و 69 ب]، في العقل والعلم يغني عن إعادته ولكنا نثني عليه طرف العنان (¬12) لما قد ذكروه من العنان (¬13)، فنقول: إن وجه تغالطكم أو غلطكم أن الحكمة خفيت عليكم، فزعمتم أنها قوة عقلية تتلقى (¬14) بها العلوم من الملأ الأعلى، في كلام طويل، يركبون عليه مقاصدهم (¬15)، وليس للحكمة معنى إلا العلم، ولا للعلم، معنى إلا العقل، إلا أن في الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم، وفائدته (¬16)، ولفظ العلم مجرد من دلالة على غير ذاته، وثمرة العلم العمل بموجبه، والتصرف بحكمه، والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال، وبناء ع ق ل يقتضي أن تجري الأفعال والأقوال على قانون، ولا (¬17) يسترسل ¬

_ (¬1) د: عليكم. (¬2) د: تدعود. (¬3) ب: إنما. (¬4) ج: فمن. (¬5) ج: مهر. (¬6) ب، ز: بابها، ج: بابه. (¬7) ب: آية. (¬8) ب، ج، ز: + بلا خلاف. (¬9) ب، ج، ز: وأما (¬10) ج، ز: فليس. (¬11) د: الجنة. (¬12) أي سير اللجام. (¬13) أي المعارضة. (¬14) ب، ج، ز: يتلقى. (¬15) د: تركبون عليه مقاصدكم. (¬16) ج: تكرر: وفائدته. (¬17) ب: فلا.

على الممكنات، وكذلك بناء ح ك م مثله في اقتضاء ذلك، وعلى هذين المعنين يصرف (¬1) هذان اللفظان حيث وردا، وإلى ذلك يرجع (¬2)، قال الله تعالى (¬3): {ويعلمهم الكتاب والحكمة} [البقرة: 129]، وقال: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] والمعني به في الأولى (¬4) علم الكتاب، وفي الثانية العلم المطلق. وليس يمتنع في اللسان العربي أن يسمى العمل (¬5) بمقتضى العلم حكمة، على معنى تسمية الشيء بثمرته، وفائدته، كما بيناه في أصول الفقه، لا سيما وقد أعطاه لفظه، ودل عليه وضعه (¬6). وإذا ثبت ذلك فليس يهب العلم نفسه، ولا يكون ذلك إلا من قبل العالم الذي لا يوهب علما، ولا يتصور في جهته (¬7) طريق إلى تحصيل ما لم يكن قبل، ولا بد للأشياء من مبادئ وتنتهي (¬8) إلى مبدأ لا (¬9) مبدأ قبله، وهذا عكس النهاية، فإنه لا انقطاع لها، والعلوم على الصفة التي بيناها (¬10)، منها (¬11) ما يوجد من الواهب ابتداء، ولا سبيل إلى تفصيلها، ومنها ما يترتب على أسباب، وترتيبها على أسبابها [و 70 أ] ليس على كل وجه يتصور ويخطر، وإنما يجري ذلك على قانون مدرك بالتعليم، ولا يعلم آخرا إلا واهب العلم (¬12) أولا، وإذا تأمل المنصف وضع (¬13) الاعتقادات في النفس، والأعمال في الجوارح، وتركيب بعضها على بعض، رأى أنه أمر لا يستقل به الآدمي، فإنه أمر (¬14) ¬

_ (¬1) ب: تصرف، ج، ز: نصرف. (¬2) أي التصرف. ولقد حاول الشيخ ابن باديس أن يؤول ما في نسخته من "قال الله " فيرجعها إلى "قول الله " ولكن ذلك لا يستقيم. (¬3) ب، ج، ز: سبحانه. (¬4) ب، ج، ز: الأول. (¬5) د: النعل. (¬6) د: موضعه. (¬7) ج: جهة. (¬8) ب: ينتهي. (¬9) ج: ولا. (¬10) ب، ج، ز: تتناهى. (¬11) ب، ج، ز: منه. وكتب على هامش ز: منها. (¬12) ج: - العلم. (¬13) ب: كتب على الهامش: هذا في نسخة. (¬14) د: - أمر.

موضوع في أصله على تدبير (¬1)، فالذي دبر الوضع الأول، دبر الثاني، وأنت إذا أضفت تدبيره إليه، وأحلت به عليه، مع علمك بأنه عارية فيه، فلا بأس بذلك، فقد أذنت (¬2) فيه الشريعة، وإن أنت أعطيته الكل، وحكمت له بأنه أدركه بذاته فقد جهلت نفسك ومن لا يعلم نفسه، كيف يعلم غيره؟. ومن كلام الناس الذي لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحكمة ضالة المؤمن". يعني به العلم (¬3) المكتسب، ولا رأى الناس بعضهم يقترف ما يقر بضرره ويعترف (¬4)، قالوا: إنه ليس بحكيم، أي ليس بعالم لأن عمله (¬5) بخلاف ما استقر في علمه، دليل على (¬6) الجهل، بما ادعى أنه علمه. وإلى هذا المعنى عاد قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬7): "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (¬8) حسبما بيناه في شرح الحديث وغيره، وأشرنا إليه آنفا (¬9)، وكيف يصح أن يكون عالما بشيء، يقتحم (¬10) خلافه؟ كما لا يصح أن يضع (¬11) أحد رأس سيفه في الأرض (¬12)، وذبابه بين ثدييه، ويتحامل عليه، وهو عالم بأنه هالك به (¬13)، ولا أن يخرج عينه بيده، ومن فعل ذلك، فإنما هو لذهاب عقله، أو ليدفع بذلك ضررا أشد منه، فيكون في الأول (¬14) عاملا بغير علم، وفي الثاني عاملا بعلم، ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش: مبحث جليل في وضع الاعتقادات في النفس والأعمال في الجوارح وأنه لا يستقل به الآدمي. (¬2) ز: كتب على الهامش: يعني أن الشريعة نسبت الأفعال إل الخلق. (¬3) ب، ج، ز: يعني بالعلم. وكتب على هامش ب، ز: يعني به العلم. (¬4) ج؛ يعترف ما يقر بضرره ويقترف. ز: يقر: يقترف. (¬5) ب، ج، ز: أي علمه. (¬6) ب، ج، ز: - على. (¬7) ب، ج، ز: - صلى عليه وسلم. (¬8) رواه الشيخان. (¬9) ب، ج، ز: س آنفا. (¬10) د: يفتح. (¬11) ج: يصنع. (¬12) ز: بالأرض. (¬13) ب، ج، ز: - به. (¬14) ب، ج، ز: الأول.

وهذا المعنى إذا فهمته زده تقريرا (¬1)، وركب عليه ما تحتاج (¬2) في التفهيم (¬3)، أو في النظر إليه. وأما فضيلة (¬4) الشجاعة فحقيقتها (¬5) إنما هو ثبات (¬6) النفس عند حلول المصائب، وذلك يرجع إلى دوام العلم وحضوره، فإذا كان المرء عالما بالأمر، وطرأ (¬7) عليه ما يذهله عما كان يعلمه صار [و 70 ب]، فعله غير محصل، أو بعلم آخر طرأ عليه، أو وهم لم يتعلق بالموهوم على ما ينبغي، أو مشكل من المعنى لم يتبصر وجه كشفه، وأعجلته الحالة عن تحقيقه (¬8)، فأما (¬9) إذا حضره (¬10) العلم فلا يبالي عما ينزل به، من مصيبة، أو يطرأ عليه من مشكل، فإنه يقابله بما عنده من الكشف والإيضاح. وقد قالوا: إن الشجاعة فضيلة للقوة الغضبية، وهذه حقيقة، يريدون أن يركبوها على دعوى يدعونها، وليس للغضب قوة، ولا للحمية التي يزعمون أنها تنضاف إليها، أو تتعاضد معها، لا سيما على أصلهم في التوليد، فإنه أمر طبيعي، فلم يركبون عليه ما يجري مجرى الخطبة (¬11) التي هي عندهم في غير طريق التحقيق والبرهان (¬12)؟ وقالوا: إن التهور زيادة على اعتدال القوة الغضبية، والجبن نقصان منها. وهذا كله كما يقول أهل بغداد: "بناء شاذوف (¬13) على قاذوف ليأتي منه لافوف". فليس لهذه (¬14) الأقوال كلها معنى إلا نقصان العمل، بما يطرأ من الآفات، فيصدر العمل على (¬15) جهل، فيقع بخلاف الطبق، وخارجا (¬16) عن الوفق. ¬

_ (¬1) ج، ز: تقديرا. وكتب على الها ش: تقريرا. (¬2) ج، ز: يحتاج. (¬3) د: التفهم. (¬4) ب، ج، ز: قصية. (¬5) ب، ج، ز: فحقيقته. (¬6) ج: نبات. (¬7) ب، ج، ز: فطرا. (¬8) ب، ج، ز: تحققه. (¬9) ب، ج، ز: - فأما. (¬10) ب، ج، ز: فإذا أحضره. (¬11) ب، ج، ز: الحطة. وكتب على هامش ز: عله: اللحظة. (¬12) ب، ج: ز: - والبرهان. (¬13) ب: شادوف. (¬14) ج، ز: لهذا. (¬15) د: عن. ز: في الهامش: في نسخة: عن. (¬16) ب، ج، ز: خارخ.

وأما العفة فيعبرون على طريقتهم (¬1) عخها، بأنها فضيلة في القوة الشهوانية (¬2)، وهو انقيادها للقوة العقلية، وعدولها (¬3) عن زيادة الشره (¬4)، وجعلوا لذلك أسبابا من الحساب في الطعام والشراب، وحملوا تقليلها (¬5) على قلتها، وتكثيرها (¬6) على كثرتها، وبنوا على ذلك حكمهم وحكمهم فيها، وليس الأمر كما زعموا، لا سيما ورئيسهم الأعظم - ك! قدمنا - يقول: ليس يوجد اعتدال بحال (¬7). وإنما بناء ال! ف ف " (¬8) وبناء "ك ف ف " على بعض متناولات (¬9) بناء "ت رك " وذلك أن الترك (¬10) عبارة عن فعل، وتحقيق الترك مما لم تعلمه (¬11) الفلاسفة، ولا القدرية وإنما أدركه أهل السنة، فتبين أن العفة ترك الأفعال القبيحة إذا علم قبحها! و 71 أ، وتحقق (¬12) مضرتها، وهذه الألفاظ التي يمستعملونها، ليس لها عندهم أصل، إذ لا قوة عندهم، ولا قدرة، وإنما هي طبيعة (¬13) غالبة، ومعان مرتبة (¬14)، دائرة ضرورة (¬15) لا (¬16) تتعلق (¬17) بإيثار، ولا تجري (¬18) على اختيار، فيريدون أن يدمجوا لفظ (¬19) الطبيعة، ويخرجوا لفظ القوة، ليثبتوا (¬20) للجمادات قدرة، وينفوا قدرة الفاعل الأول، فيخلطوا ويخلطوا (¬21)، وينظموا هوسهم في سلك الألفاظ العربية، والنبوية، تيمنا بها واسترسالا للعامة عليها، ويخترعوا لذلك أخبارا كن ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: طريقهم. (¬2) د: الشهوية. (¬3) د: عذولها. (¬4) ب: الشدة، ز: الشرة. (¬5) د: بقليلها. (¬6) د: بكثيرها. (¬7) ج، ز: + بحال. قارن (مقاصد الفلاسفة، ص 336) ويقصد بالرئيس هنا أرسطو. (¬8) ب، د: - و. (¬9) ب: بنا فلا ر. (¬10) ز: كتب على الهامش: النزع. (¬11) ب، ج، ز: لا يعلمه. (¬12) د: تحقيق. (¬13) ب: طبيعية. (¬14) ب، ج، ز: مترتبة. وكتب على هامش ب: في خ: زيادة: تجريبية. وكتب على هامش ز: تجريبية بدل مترتبة. (¬15) ب، ج، ز: ضرورية. وكتب على هامش ز: ضرورة. (¬16) ب، ج، ز: ولا. (¬17) ب: يتعلق. (¬18) ب: يجري. (¬19) ج، ز: - لفظ. وكتب على هامشهما. (¬20) ب، ج، ز: ويثبتوا. (¬21) ج، ز: - ويخلطوا.

النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) لا أصل لها، تلوح بالإشارات إلى أغراض يوهمون (¬2) أنها أمور غامضة (¬3)، يقصر الخلق عنها، فيشار إلى الأفراد بها. وأما العدل فهو عندهم عبارة عن اتساق قوى هذه الفضائل الثلاث في جهتي (¬4) الإباء (¬5) والانقياد، على التناسب والسداد، ويقال لهم: ليس (¬6) هناك قوة ولا قدرة، والانتظام إنما يكون على النظام الأسد الذي رتبه صاحب الشرع، وأنتم لا تدرونه، وحقيقة العدل في اللغة أنه (¬7) مصدر، وحقيقته في الحقيقة، ما للفاعل أن يفعله، فذلك هو العدالة، وهو (¬8) العدل، فلذلك كان الباري تعالى (¬9) بالحقيقة وحده العدل (¬10)، لأنه له أن يفعل ما يشاء من تعذيب جميع الخلق، أو تنعيمهم، فيكون في العدل أو الفضل أو (¬11) كليهما (¬12) سواء (¬13) والعدل منا هو الذي يفعل ما أمر به، وإذا تتبعت ألفاظهم التي استعاروها، ليغروا (¬14) ويغروا بها في تعبيرهم عن مقاصدهم، يخبطون (¬15) بها قلوب السخفاء القاصرين (¬16) لم تجد (¬17) فيها شيئا يجري (¬18) على الاستقامة. فيرجع (¬19) العدل والعدالة إلى العلم ارتباطا، لأنه إذا عمل بما علم كان عدلا، وقد بينا ذلك في غير موضع، وهذه الإشارة، تكفي في هذه العارضة. ¬

_ (¬1) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬2) د: ويوهمون. (¬3) ب، ج، ز: عاصمة. وكتب على هامش ز: عله: غامضة. (¬4) ب، ج، ز: جهة. (¬5) ج، ز: الأنام. (¬6) ج: - ليس. (¬7) ج، د، ز: - أنه. وكتب على هامش ز. (¬8) د: - هو. (¬9) د: - تعالى. (¬10) ج، ز:+ من أسمائه تعالى. في الهامش. (¬11) ب، ج، ز: - أو. (¬12) د: كلاهما. (¬13) د: - سواء. (¬14) ب: ليعروا. (¬15) د: يخطئون. (¬16) ج، ز: كتب على الهامش: العاجزين. (¬17) ز: كتب على الهامش: جواب إذا. (¬18) د: - يجري. (¬19) د: ويرجع.

علاقة

علاقة: أخبرني أبو القاسم بن المنفرج (¬1) بزقاق [و 71 ب] القناديل أنه سمع ابن رضوان (¬2) الفيلسوف يقول حين قرئت عليه صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث هند، وغيره: هذه الصفة لا تكون إلا لنبي، ولا يحتاج معها في الدلالة إلى غيرها فإن اعتدال الخلقة (¬3) يدل على اعتدال الخلق، وإنها جميلة (¬4) صدرت عن النور الساطع، والحق الذي ليس عنده باطل، وأنه لم يلق في طريقه ظلمة، ولا آفة (¬5)، حتى خلص للوجود على نهاية الكمال في الصنع. وهذه نزعة (¬6) القوم، فقد قال قبله ثمامة بن أشرس: إن النبوة لا تفتقر في دليلها إلى آية (¬7) خارقة للعادة، ولا معجزة تبهر العباد، وإنما يكون دليل صدقه اتساق كلامه، وعدالته في نفسه، وجرى جميع (¬8) ما يأتي به فعلا، أو يخبر به (¬9) قولا، على استقامة (¬10)، مع إحكام ما يربطه من قانون، ويبلغه إلى الخلق من توظيف، وسلامته من التثبيج (¬11) والتناقض. قال القاضي أبو بكر (¬12) رضي الله عنه: أما قول ابن رضوان فغير مرضي عند أحد، ولا تكلم به قائل عندنا ولا عندهم، لأن اعتدال البدن الجسماني لا يتعلق بالروحانيات عندهم، وإنما يرتبط بها، ويكون في منوال معها، القلب، وإنما أراد ابن رضوان أن يجعلها عندنا دفعة، ونحن لا نقبلها ¬

_ (¬1) ج، ز: المنفرخ. د: المنفوخ. وكتب على هامش ج، ز: المنفوخ. هو من أهل القرن الخامس. ولم نعثر له على ترجمة. (¬2) علي بن رضوان بن علي بن جعفر أو الحسن رئيس الأطباء في مصر ليس له أهمية فلسفية فيما يرى القفطي واعتبره تغري بردي من كبار فلاسفة الإسلام. توفي سنة 453 هـ/ 1061 م (القفطي، تاريخ الحكماء، ص 443، النجوم الزاهرة لتغري بردى، ج 5 ص 569 طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ص 325). (¬3) ب: الخلق. (¬4) ب، ج: جملة. د: جبلة. (¬5) ب، ج، ز: + ولا نقص. (¬6) د: نزغة. (¬7) د: آلة. (¬8) د: - جميع. (¬9) ز، د: عنه. (¬10) ز، د: الاستقامة. (¬11) ج، ذ، ز: التتبيح. ومعنى التتبيح اضطراب الكلام. (¬12) د: قال أبي.

قاصمة

منه، ولا نحتاج (¬1) إليه فيه، ولا معنى لها في دينه، فصارت لغوا في حقه، وأما قول ثمامة، فلا يساوي ثمامة (¬2)، وقد بينا في كتب الأصول أن هذا الذي ذكره (¬3)، هو شرط النبوة، لا دليلها، وإنما بني (¬4) كلامه البائس المخذول على مذهبهم، في أن النبوة مدركة بالاختيار، وأنه الذي يضع من قبل نفسه القوانين فيرتب (¬5) الأمور. وهذا مما يعلم بطلانه قطعا فإن من نظر إلى كلام محمد صلى الله [و 72 أ] عليه وسلم، وما أبان من المعاني، وأوضح من المقاصد، وأخبر عنه من الكوائن، ونظم من الترتيب، وقدر من التدبير، ودخول جميع (¬6) المعاني من جميع الخلق، أفعالا وأقوالا، تحت ذلك النظام (¬7)، علم قطعا أنه أمر يفوق طاقة (¬8) البشر، وأنه لا يحصيه فيهم إلا موجدهم، ولا يرتبه لهم إلا عالمهم وخالفهم. وهذه غاية في العصمة، والحمد لله والمنة. قاصمة (¬9): ثم نظرنا في طائفة نبغت يقال لهم أصحاب الإشارات، جاءوا بألفاظ الشريعة من بابها، وأقروها على نصابها، لكنهم زعموا أن وراءها معاني غامضة خفية، وقعت الإشارة إليها من ظواهر هذه الألفاظ، فعبروا إليها بالفكر، واعتبروا منها في سبيل الذكر، وزاحمتهم من الطوائف الأول زمرة، لبست لبستهم، وتكلمت كلمتهم، ونحن نجمع بين الطائفتين في مكان، لأنه أخصر في البيان، وإن اعترض غيرها لففناه فيها، وظاهر هذا القول أنهم قصدوا خيرا فأشادوا (¬10) علما، وربما تراقى الأمر بالتتبع له، وإدخال ما ليس ¬

_ (¬1) ج، ز: لا نرتاح. (¬2) ج، ز: + ابن أشرس. (¬3) د: ذكروه. (¬4) ب: يبقى. ج، ز: يبنى. (¬5) د: ويرتب، ز: كتب على الهامش: ويرتب. (¬6) ب، ج: جمع. (¬7) ب: كتب على الهامش: هذا في نسخه. (¬8) ز، د: طوق. (¬9) أول الجزء الثاني في نشرة ابن باديس. (¬10) ب: فأساءوا.

فيه إلى ما لا ينبغي منه، ومتعلقهم في ذلك أن السلف ما زالوا يبطنون (¬1) مثل هذا المعنى، ويجعلونه من باطن علم القرآن الذي قالوا فيه إن للقرآن ظاهرا وباطنا، وحدا ومطلعا حسبما قررناه في كتاب "قانون التأويل". ولقد صحبت منهم كثيرا، وفاوضتهم طويلا، وهم عصبة بتلك الديار ورؤوسها (¬2) في العلم، وفاوضتهم، وطلبت منهم، وطالبتهم بالأدلة، فتعلقوا بما قدمته من آثار السلف، ومنهم من قال: هذا مقصود الشريعة من تأديب الخلق وإصلاحهم، بالتصريح تارة، وبالإشارة أخرى، فإن القرآن نزل بلغة العرب، وهذه سيرة العربية، وما من كلام إلا وهو في لسان العرب يحتمل وجوها، ويدل على معان [و 72 ب]، ولا يدرك حقيقتها إلا الكامل بنور العلم، أو لا ترف ما ورد في الحديث الصحيح، عن ابن عباس (¬3) أنه قال: كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف (¬4)، فبينا أنا معه (¬5) في منزله بمنى وهو عند عمر (¬6) في آخر حجة حجها إذ رجع عبد الرحمن بن عوف فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر (¬7) إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، وقال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغاءهم، وإنهم هم الذين يغلبون على قولك (¬8) حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم (¬9) فتقول مقالة يطيروها (¬10) عنك كل مطير (¬11)، وأن لا يعوها، ¬

_ (¬1) ج: يبصنون. (¬2) د: + ورؤساؤها. وكتب على هامش (¬3) عبد الله بن عباس توفي سنة 68 هـ / 687م. (¬4) عبد الرحمن بن عوف الزهري توفي سنة 32م / 653م. (¬5) ب، ج، ز: - معه. (¬6) عمر بن الخطاب توفي سنة 23 هـ/ 643م. (¬7) أبو بكر الصديق توفي سنة 13 هـ/ 634م. (¬8) د: قربك. وكتب في هامش ز: قربك. (¬9) د: - وأنا أخشى أن تقوم. (¬10) د: يطيرها. (¬11) ب، ج، ز: - أن.

ولا يضعوها على مواضعها، فامهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك فيضعونها (¬1) مواضعها (¬2). قال القاضي أبو بكر (¬3) رضى الله عنه: فقد كان خوف سوء التأويل للقول، وحمله على غير وجهه، مخوفا في الصدر الأول. قالوا: (¬4) ولم يكن لإشارة القول وعبارته، والتجاوز به إلى كثير من معانيه، إلا حال النوم (¬5)، وهو معدن إبصار (¬6) الحقائق، وفيه يبدي الملك غامض علمه، ويلقي الغيب على من يشاء (¬7) الله من عباده. وقال لي محققهم الأكبر: هذه أمثال الله في كتابه، وإشاراته (¬8) إلى علومه، وذكر أمثال (¬9) الأنوار للهدي والإيمان، وكذلك أمثال النبات كقوله تعالى (¬10): {وضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} [إبراهيم: 24] وذكر أمثال الماء والنار في سورة الرعد، وما جرى على لسان النبي منها في حديث أبي موسى (¬11) وغيره، وتشبيه العلم والإيمان فيه بالغيث [و 73 أ]، والسامعين له بأنواع الأرض، وأخذ القوم من ذلك أنموذجا، منه (¬12) قوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعى في خرابها} [البقرة: 114] وقالوا: إن الله نبه بذلك على أنه لا أظلم ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: فيضعوها. (¬2) أخرجه البخاري ومسلم ولفظه عند مسلم: "أن مثل ما بعثني الله عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". (¬3) د: قال أبي. (¬4) د: + لو. (¬5) ب، ج، ز: حوار اليوم. وكتب على هامش ز: إلى حال. (¬6) ب: أنصار. ج، ز: أنصاب. (¬7) د: شاء. (¬8) ب، ج، ز: إشارته. (¬9) ز: في نسخة: مثال. (¬10) د: - تعالى. (¬11) عبد الله بن قيس توفي سنة 44 هـ/ 664 م. (¬12) ب، ز: - منه. وفي الهامش: في نسخة: منه.

عاصمة

ممن خرب أركان الإيمان بالشهوات، وهي قلوب المؤمنيين وعمرها بالمنى والشهوات، وشحنها بمحبة الدنيا، وفرغها (¬1) من محبة الله تعالى، ثم قال: {ولله المشرق والمغرب} [البقرة: 115] وأشار بذلك إلى مشارق القلوب، وهي نجوم العلوم التي تطوف وتسير في ظلمات المنى والشهوات، وشموس المعارف فوقها، فإذا طلعت بعد ذلك شموس المعارف، خفيت النجوم الشارقة (¬2) قبلها، وكل لله ومنه، وبعضها أنور من بعض، ومنه قول الخليل حين لاح له نجم العقل فعلم الحق فقال: {هذا ربي} [الأنعام: 77] ثم أسفر الصبح، ومتع (¬3) النهار، وطلع شمس العرفان، من برج مشرقها، فلم يبق للطلب (¬4) مكان، ولا للتجويز حكم، ولا للتهمة قرار، فقال: {إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78]. عاصمة: فتلقفت جميع ذلك ووعيت، وأنا إلى أصل الأخذ ناظر، وعلى أعطافه بالتفكر مائل (¬5)، والذي (¬6) تحرر بعد تحرير الافتكار في سبيل النظر والاعتبار أن الصريح عام في الدين، به جاء البرهان، وعليه دار البيان، فلا يجوز أن يعدل بلفظ عن صريح معناه إلى سواه، فإن ذلك تعطيل (¬7) للبيان، وقلب له إلى الإشكال (¬8)، فإذا تقرر الصريح في نصابه، فالإشارة بعد ذلك إلى الأمثال والأشباه، والتنبيه (¬9) لوجه التشبيه (¬10)، أصل عظيم في العقل، وباب متسع في الدين، وسبيل واضحة (¬11) في الشريعة، فإن كانت في الأحكام فهو باب ¬

_ (¬1) ج: فرعها. (¬2) ج، ز: أشارقة. (¬3) ب: منع. ج، ز: طلع. ومعنى متع النهار: ارتفع قبل الزوال (القاموس المحيط). (¬4) ب: للطالب. (¬5) ب، ج، ز: قابل. (¬6) د: فالذي. (¬7) ج: تفصيل. (¬8) ز: كتب على الهامش: قف وتأمل في جواب هذا العلامة، فلله دره ما أدق فهمه. وما أعلمه وأقدره على الحجاج، في أنه لا يجوز أن يعدل بلفظ صريح معناه إلى ما سواه. (¬9) ج: التشبيه. د: التنبه. (¬10) د: التنبيه. (¬11) د: واضح.

القياس، وإن كانت في التذكير والوعظ، فالعبرة مباحة، وإن كانت في التوحيد ولم يذكر في معرض المثل، فهي على حقيقتها [و 73 ب]، لاحظ فيها لغير (¬1) التنبيه بقدرة على قدرة، وبتقديس (¬2) على تقديس (¬3) وإن (¬4) ورد على طريق المثل، فقد مهدت قاعدته، ومضى على محتملاته، قال الله تعالى: {وضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون} [الزمر: 29] فتولى هو ضرب المثل لنفسه، ونهانا نحن أن نضرب له من قبل أنفسنا، فقال: {فلا تضربوا لله الأمثال، إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النحل: 74] وإن نبهت (¬5) في المواعظ والتذكير، فذلك مع اجتناب الغلو، وتوقي الإفراط، حتى يعود ذلك بزيادات لا تلزم، أو (¬6) ينقلب الحال (¬7)، فيجعل المذكور تبعا، والمنبه عليه أصلا، والمشار إليه مقصدا (¬8)، وأنا أضرب لكم في ذلك ثلاثة أمثال: المثال (¬9) الأول: الآية المتقدمة: {ضرب الله مثلا رجلا} قيل (¬10) هو الكافر، وقيل هو الصنم، وقيل هو العاصي، وقيل هو المقبل (¬11) على الدنيا. {فيه شركاء} قيل الآلهة (¬12)، وقيل الشياطيين. و {متشاكسون}: مختلفون (¬13). و {رجلا}: قيل المؤمن، وقيل المطيع، وقيل المقبل (¬14) على الله دون الدنيا (¬15)، وقوله (¬16): {سلما (¬17) لرجل}: لله بالإيمان (¬18) لله بالطاعة، بالإعراض عن غيره، {هل يستويان مثلا} فالرجل الأول ضربه الله (¬19) مثلا للكافر، في قول، ¬

_ (¬1) ج: بغير. (¬2) ب، ز: تقدس. وكتب على هامش ز: وتقديس. (¬3) ب، ز: تقدس. (¬4) ب، ج، ز: فإن. (¬5) ب، ج، ز: شبهت. وكتب على هامش ب، ز: تنبهت. (¬6) ب: - أ. (¬7) ب، ج، ز: المحال. (¬8) د: مقصودا. وكتب على هامش ب، ز: مقصودا. (¬9) ج، ز: المثل. (¬10) د: - قيل. (¬11) د: كافر، صنم، عاص، مقبل. (¬12) برة الإلآهية. د: - قيل. (¬13) د: - مختلفون. (¬14) د: المؤمن، المطيع، المقبل. (¬15) ب، ج، ز: - دون الدنيا. (¬16) ب، د: - وقوله. (¬17) د: سالما. (¬18) ب، ج، ز: - لله بالإيمان. (¬19) ب، ج، ز: - الله.

وللصنم في آخر، وللعاصي (¬1) في ثالث، وبالإشارة (¬2) إلى مقبل على الدنيا في رابع، وقوله: {فيه شركاء} قيل الآلهة تدعيه، وقيل الشياطين، وقوله: {ورجلا سلما لرجل}: قيل هو مثل للمؤمن، وقيل: للمطيع (¬3)، وقيل في الإشارة للمقبل (¬4) على الله، للمعرض عن الدنيا، ولا إشكال في أن المثل المضروب للمؤمن والكافر (¬5)، فهو الأصل الذي بعث لأجله (¬6) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7)، والداء العضال، والطاعة والمعصية منه، والإقبال على الله والإعراض عن الدنيا، وإن كان معنى صحيحا، فإنا لا نمطع (¬8) على أن الآية سيقت له، ولا ينبغي أن يكون مرادا بها، ولكننا نقول: إن الأدلة المنصوصة من القرآن، والسنة، قد جاءت فيه، فلا نفتقر إلى (¬9) أن نقول: من ها هنا [و 64 أ]، نأخذه، فإنه لا خلاف بين الأمة في أن المسألة إذا وجد جوابها، وظهر حكمها صريحا في دليل، لا يطلب بالتضمين (¬10) من غيره. المثال الثاني: قالوا إن: قوله تعالى: {فاخلع نعليك} [طه: 12]، الإشارة فيه إلى خلع الدنيا والآخرة من قلبه (¬11)، وقيل تنق (¬12) من (¬13) نوعي أفعالك. وقالوا: في قوله: {ألق عصاك} [النمل: 10] أي (¬14) لا يكون لك معتمد، ومستند (¬15) غيري. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه (¬16): هذه إشارة بعيدة أو قل معدومة، فإنها إلى غير مشار (¬17)، و (¬18) ما أمر بطرح النعل إلى لأحد وجهين: ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: العاصي. (¬2) ب، ج، ز: الإشارة. (¬3) ب، ج، ز: المطيع. (¬4) ب، ج، ز: المقبل. (¬5) د: للمؤمنين والكفار. (¬6) د: لأصله. (¬7) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬8) د: فإنه لا يقطع. (¬9) د: - إلى. (¬10) د: بالتضمن. (¬11) ب: قبله. (¬12) د: تنز. (¬13) ب، د، ز: عن. وكتب على هامش د، ز: من. (¬14) د: أن. (¬15) د: معتمدا ومستندا. (¬16) د: قال أبي. (¬17) ج، ز: منشأ. (¬18) ب، د: - و.

إما لأنهما كانا من جلد غير (¬1) مذكى كما روي عن ابن مسعود (¬2)، أو لئلا يطأ الأرض المقدسة بنعل تكرمة لها، كما لا يدخل الكعبة بها، وقال الطبري (¬3): لو صح حديث ابن مسعود، لقلت به ولكن أمر بذلك كرامة، قال القاضي أبو بكر (¬4) رضي الله عنه: ولو كانا (¬5) من جلد حمار ميت، لم يكن في ذلك درك، لأن الشرع بعد لم يكن قد بلغه، وقد قيل في شرعنا يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ، فأما تفريغ قلبه فعند سماع كلام الله يفرغ (¬6) ضرورة، ألا ترى أن النبي (¬7) إذا سمع كلام جبريل عليهما السلام (¬8) معه في الوحي لا يبقى له فراغ لغيره، فكيف مع سماع كلام الله؟ فهذا معلوم، و (¬9) لا يحتاج إليه بعبارة، ولا بإشارة، وهي حكمة شاذة وإشارة إلى برودات، أو إلى (¬10) تعطيل بحسب المقاصد. وأما إلقاء العصا فقد بين الله تعالى (¬11) الفائدة فيه، ومن يعتمد على عصا من طول القيام يقال له: إنه على غير الله يعتمد؟ هذه خرافة، فدع عنك نهبا صيح في حجراته، وعول على كتاب الله ومعلوماته. المثل الثالث: قال أصحاب الإشارة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬12): "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة" (¬13) فبين النبي أن الملائكة تتنزه عن دخول (¬14) بيت فيه كلب من الحيوان، أو صورة [و 74 ب]، من التماثيل، وهذا حث على إبعادها، وحض على تفريغ البيوت منها، لتتمكن الملائكة من الدخول إلى ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: من غير جلد. (¬2) عيد الله بن مسعود الهذلي توفي سنة 32هـ/ 653م. (¬3) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المؤرخ المفسر المجتهد توفي سنة 310هـ/ 922م. (¬4) د: قال أبي. (¬5) ب، ج، ز: كانتا. (¬6) د: تفرغ. (¬7) د، ز: + صلى الله عليه وسلم. د: + كان. (¬8) ز: عليها السلام. (¬9) د: - و. (¬10) ب، ج، ز: - إلى. (¬11) د: - تعالى. (¬12) د: عليه السلام. (¬13) أخرجه الترمذي في صحيحه بشرح أبي بكر، ج10 ص247. (¬14) ب، ج، ز: - دخول.

البيوت، لا أمرت به فيه من إحصاء أعمال أ (¬1) واحتياط على بدن، أو مال، أو بركة تنزلها على ذي المنزل، أو رسالة تؤديها إليه، إذا كان لها صاحبا، وذلك، مخصوص بالرسل، ومنهم (¬2) جاء أصل الحديث، وبعد تقرير هذا فهو تنبيه على تطهير القلوب عن الحسد والحقد، والغضب، والبخل، والخديعة، والمكر، وسائر الصفات الذميمة فإنها تمنع من الأعمال الصالحة (¬3) بالتنفير (¬4) لها، والإقصاء (¬5) لأسبابها. ما تفعله الكلاب في منازلها، والقلوب منزل للملائكة، ومعدن الإيمان، ومحل التقوى، وهي بين أصبعين من أصابع الرحمن، وذلك عبارة عن الملائكة المدبرة لها. وإذا طهرت المنازل الحسية، عن أجسام الكلاب الحسية (¬6) فتنزيه القلوب عن صفات المكروه أولى، فنقر (¬7) الحديث على ظاهره ونعبر (¬8) منه على طريق الاعتبار، إلى هذا المعنى المشار إليه فنلحقه به، ونكون عاملين بالوجهين، موفين حق اللفظ في المعنيين. وهذا حكم الاعتبار والإلحاق. قال القاضي أبو بكر (¬9) رضي الله عنه: هذه قدحة خاطر، ولمحة ناظر، لا يحتاج إليها، وأصلها إنما (¬10) هو من القوم الذين قدمنا شأنهم في تعطيل الشرائع، وإن كل ما جاء منها وجرى في ألفاظها، ليس على ظاهره وإنما هو كله مبني على التعبير (¬11) عن باطن سواه، وغرض آخر غيره، على معنى الكتابة والرموز، فأراد هذا القائل أن يتوسط، فذكر (¬12) ذلك على هذا الوجه، وهو معنى فاسد من وجهين، أحدهما أنه يكاد يقطع بأن هذا لم يكن مقصودا للنبي عليه السلام (¬13). الثاني: أنا (¬14) قد وجدنا التصريح بتطهير القلوب، عن هذه ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - أ. (¬2) د: فيهم. (¬3) د: الصالحات. (¬4) ج: بالتغيير. (¬5) ب، ج، ز: الإفضاء. (¬6) ب: - على أجسام الكلاب الحسية. (¬7) ج، د، ز: فيقر. (¬8) ج، ز: يعبر. (¬9) د: قال أبي. (¬10) د: - إنما. (¬11) ب: التغيير. (¬12) ج: يذكر. (¬13) ب: - عليه السلام، ب، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬14) د: إنه.

الصفات الذميمة كلها [و 75 أ] منصوصا عليه، فما الذي يحوجنا إلى (¬1) أن نأخذه على بعد من لفظ آخر بمعنى من (¬2) الاعتبار يبعد أو يقرب. هذا من الفن الذي لا يحتاج إليه، وإنما هو (¬3) احتكاك بتلك الأغراض الفلسفية، وهي عن منهج (¬4) الشريعة قصية، كادت بها الدين طائفة خبيثة، وقولهم: إن السلف كانوا ينبطون (¬5) مثل هذا المعنى فغير مسلم، إنما (¬6) كانوا يستدلون بالتنبيه العرفي (¬7)، أو الذي يقتضيه اللفظ من جهة اللسان. فأما الاعتبار بالمعنى الباطن الذي يجري مجرى الرموز، فلم تفعله (¬8) قط، ولا يوجد (¬9) في أغراضها من طريق (¬10) صحيحة. وأما قولهم: إن هذا هو المقصود في الشريعة من التأديب والإصلاح، فكلا، إنما أدبت، وأصلحت الخلق، بما أذنت (¬11) به، وصرحت، وما اقتضاه لسان المخاطبين. وأما حديث عمر رضي الله عنه (¬12) فأصل صحيح، فإن الناس ما زالوا قديما وحديثا بأغراضهم الفاسدة، يقلبون القرآن، ويبدلون ما سمعوا من النبي عليه السلام (¬13) كما قال عنهم: {يحرفونه من بعد ما عقلوه} [البقرة: 75] وكانوا يقولون للنبي عليه السلام (¬14): {راعنا} [البقرة: 104] وأنتم ممن يبدل كلام الله (¬15)، ولا تتأولونه (¬16) كما يجب، وتضعونه في غير موضعه، ففهمها (¬17) من خوطب بها عنه، وقد أوضحناها (¬18) في "أنواو الفجر" وفي "قانون التأويل" بنهاية البيان. وأما الذي ذكروه (¬19) من الآية التي في قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} [البقرة: 114] فقد تقدم الجواب عن (¬20) مثله، فإن المراد به ¬

_ (¬1) ج، ز: - إلى. (¬2) ج، ز: - من. (¬3) ج: - م. (¬4) ب؛ نهج. (¬5) ب، ج، ز: يبطنون. ومعنى نبط: استخرج، ومنه استنبط. (¬6) ج، ز: أن. (¬7) د: العربي. (¬8) ج، ز: يفعله. (¬9) ب، ج، ز: يؤخذ. (¬10) د: طرق. (¬11) ب، ج، ز: أدبت. (¬12) د: - رضي الله عنه. (¬13) ب، ج، ز: - عليه السلام. (¬14) ب، ج، ز: - عليه السلام. (¬15) د: + عز وجل. (¬16) ج: تتناولونه. (¬17) ب: فقهها. (¬18) د: أوضحنا هذا. (¬19) د: ذكره. (¬20) ب: عنه.

المساجد ذوات الساحات المتخذة للصلوات، وقلوب المؤمنين معروف حالها، مبينة بأكثر من هذا البيان، في مواضعها، ولا يحتاج (¬1) إلى ذلك فيها، ولا يدل ذلك اللفظ عليها، وكذلك القول في آية الشرق والغرب هو نص [و 75 ب] في الجهات، وما تتردد (¬2) عليه أحوال القلوب، ويجري في خواطر الصدور، معلوم بدليله، منصوص في كثير من آي توحيد القرآن كقوله: {إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14] فأخبر (¬3) أنه كله من خلق الله، وأنه به عالم، فهو لله خلق، وقد يكون له تصديقا، وقد يكون به تكذيبا، وقد يكون له محمودا، وقد يكون منه مذموما، وهذا كله له خلق (¬4)، وقضاء وقدر، وقد دللنا عليه في موضعه، وأفسدنا قول إخوانهم (¬5) القدرية، الذين اتفقوا معهم على هذه البلية (¬6). وأما نازلة الخليل عليه السلام فهو خطب عليهم جليل، وأمر عندنا شريف جليل، وقد بيناها في التفسير، ونكتة القول فيها أن شأن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه (¬7)، كما شرح (¬8) المفسرون ليس فيه قطع بصحة، ولا دفع ممكن، وبعد سردها اختلف العلماء في المعنى على أربعة أقوال: الأول: {هذا ربي} في ظني، لأنها حال نظر واستدلال. الثاني: أنه اعتقد ذلك. الثالث: أنه كان طفلا. الرابع: أنه قالها (¬9) منكرا لعبادة (¬10) الأصنام على قومه. فأما من قال: إنه قالها في حال النظر والاستدلال، فليس طريق من طرق النظر يفضي في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: نحتاج. د: - و. (¬2) ب، ج، ز: يتردد. (¬3) د: وأخبر. (¬4) د: وهو كله خلق. (¬5) ج: أخواتهم. (¬6) ب: كتب على الهامش: هذا نصف الكتاب. (¬7) ب: عليه السلام. (¬8) ب، ج، ز: شرحها: وكتب على هامش ب، ز: شرحه. (¬9) ب: قاله. ج، ز: قال. (¬10) ب: عبادة.

ابتدائه، ولا في انتهائه، ولا في أثنائه، إلى أن الكوكب (¬1) رب مدبر (¬2) ولو وقع النظر بالناظر على أنه (¬3) مدبر، ما أزاله (¬4) منه أنه آفل، لأنه يظن (¬5) أنه ربما كان تدبيره وربانيته في أفوله وطلوعه (¬6). وأما من قال: إنه اعتقد ذلك، فكذلك يلزمه ما قدمناه في حال النظر والاستدلال المتقدمة. وقول من قال: إنه كان طفلا حين خروجه من الغار الذي خبأته أمه فيه، خوفا من القتل عليه، فأخبر (¬7) بذلك عن بشاعة (¬8) قصور النظر، إن كان نظرا (¬9)، أو عن فساد الاعتقاد إن كان لذلك معتقدا. وأما قول من قال: إنه كان منكرا، [و 76 أ]، فصحيح حسن، فإن إبراهيم بعثه الله (¬10) بين قوم عامة، يعبدون الأصنام التي ينحتون (¬11)، فإن (¬12) تخصص منهم أحد، تعلق بالعلويات، ورأى أنها أشرف من هذه الأرضيات، في ظاهر الحال، فخرجت الخواطر الحائرة (¬13)، بالمقادير (¬14)، فكل (¬15) أحد إلى كوكب، وقمر، وشمس، وكان منهم خاصة، يرون أن هذه الكواكب الزاهرة، في الأفلاك الدائرة، هي الفعالة، ويرجعون إليها بعبادتهم وتقديسهم، وطلباتهم، فلما اصطفاه الله بخلته، وأدبه (¬16) بتكرمته، ورباه بتربيته لأوليائه، وأنبيائه (¬17)، بأن كره إليهم الأباطيل، وطهر نفوسهم عن الأضاليل. وهذا يقين (¬18)، فإنك قد ترى، وسمعت، بأن القلوب تختلف في الاعتقادات، فإذا كان هنالك من يربأ بنفسه عن باطل، إلى آخر، يرى أنه ¬

_ (¬1) ج، ز: الكواكب. (¬2) ب: - مدبر. (¬3) ج، ز: إله. (¬4) ج، ز: آرا له. (¬5) د: - يظن. (¬6) د: طلوعه وأفوله. (¬7) د: فاحترز. (¬8) ج: شباعة. (¬9) ج: عن نظر. (¬10) ج، ز: - الله. (¬11) ج، ز: يتخذون. (¬12) د: فإذا. (¬13) د، ج، ز: الجائزة. وكتب على هامش ز: عله: الحائرة. (¬14) د: بالمقادر. (¬15) ب: كل، ج، ز: بكل. (¬16) د: وأذنه الله. (¬17) د: لأنبيائه وأوليائه. (¬18) ب: بقبن. ز: بيقين.

أشرف منه، يدركه (¬1) بفكره، فكذلك (¬2) فاعلم أن الله يطهر من يشاء من عباده، فيستله (¬3) ويصطفيه، فيكون سلالته ومصطفاه، ولا يمكن من قلبه إلا الحق، وأنشأه على أكمل صفة، بين أنقص قوم، كشف (¬4) له عن ملكوت السموات والأرض، وأراه تدبير الجملة والتفصيل، وجرد له أديمهما (¬5)، حتى (¬6) أدرك لئيمها (¬7) وكريمها (¬8)، وخيرهما (¬9) وشرهما (¬10)، واطلع في جملة ذلك على الشمس، والقمر، والنجوم في السموات، والجبال، والشجر، والبحار في الأرض، ليكون (¬11) من الموقنين. وبعد هذا (¬12) ذكر (¬13) ما جرى له في الكواكب بقوله (¬14) جل وعز (¬15): {فلما جن عليه الليل} [الأنعام: 76] فأخبر (¬16) أن ذلك كان بعد اطلاعه على الملكوت، وهو تصريف المخلوقات من الملك بحكم الملك المطلق، وبطل أن يكون ذلك ظنا (¬17) واعتقادا، ووجب أن يكون احتجاجا، فقال لقومه جميعا أو (¬18) أشتاتا: {هذا ربي} إما على التنزيل في المناظرة والتقدير (¬19) ليرتب عليه ما بعده من الدليل. وإما على طريق الإنكار، والأول أقوى في طريق (¬20) النظر، وأظهر، بما (¬21) يدل عليه الكلام في الآية فلما أفل [و 76 ب] قال للمتكلم معه: {لا أحب الآفلين}. تقدير (¬22) الكلام: أنه قد ذهب، وأنت تسجد له، إذا طلع، ولا تسجد له إذا ¬

_ (¬1) د: يدرك. (¬2) ب، ج، ز: وكذلك. (¬3) د: فيسله. (¬4) هذا جواب فلما اصطفاه الله. وما بين ذلك جمل معترضة كما نبه إلى ذلك الشيخ ابن باديس. (¬5) ب، ج، ز: أديمها. (¬6) ز: ختى. (¬7) ب، ج، ز: لئيمها. (¬8) ب، ج، ز: كريمها. (¬9) ب، ج، ز: خيرها. (¬10) ب، ج، ز: شرها. (¬11) د: لتكون. (¬12) د: ذلك. (¬13) ج، ز: - هذا ذكر. (¬14) د: لقوله. (¬15) د: - جل وعز. (¬16) د: وأخبر. (¬17) د: أو. (¬18) ب، ز: - أ. ج: - أو أشتاتا. (¬19) د: التقريب. (¬20) د: - طريق. (¬21) ب: بما يسبب الحو. (¬22) ب، ج، ز: تقرير.

أفل، فالذي يراه ويراك في كل وقت أولى بالسجود له، وقال للذي سجد للقمر: {هذا أكبر} جرما من ذلك، وأظهر فعلا، ولا سيما إن كانت له مقثوة (¬1) فإنه لسخفه يعبر بها (¬2)، فلما غاب عنه قال له مثل ما قال للأول، وزاد أنه لو دام على المقثوة لأفسدها، فقد زال الآخر الذي (¬3) هو أكبر جرما (¬4) منها (¬5)، وأكثر فعلا فيها، فإياه فاعبد، فلما أفلت قال: ما هذا الباطل؟ لا (¬6) سجود لمصرف محكوم، على مقدار معلوم، متداول مع غيره، معاقب له، بينهما برزخ لا يبغيان، دل على أنهما محكومان. وما قدر هؤلاء الثلاث في جنب سائر المكونات من السفليات والعلويات؟ ومع أنكم تقولون: إن الشمس دون زحل في الرتبة وإن زحلا قد حاز (¬7) العلو، فما هذه الآراء المتهافتة، التي لا يضم نشرها رأي (¬8)، ولا يحيط بأخبارها وعي؟ ارجعوا بعبادتكم إلى الذي دبر الكل، وفطر الجميع، ولا تشتغلوا بالوسائط (¬9)، فليس لها حكم، وإنما هي أمثالكم في التسخير والتقدير، فأفردوه بالعبادة دونها، ولا تشركوا (¬10) به أحدا. ويعضده قوله: {وحاجه قومه} [الأنعام: 80] وقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83] فإنها بأبصار، وعلمنا قطعا أنها كانت محاجة لا شكا (¬11). فأما جواز اعتماد الأنبياء للباطل، والكفر قبل البعث (¬12)، فكما يعلم (¬13) أن الله على كل شيء قدير، يعلم (¬14) قطعا، أنه قد ¬

_ (¬1) ز: كتب على الهامش شرح للمقثوة: أي سانية مزروعة بالقثا. ب: مقثؤة. والأحسن أن يكون رسمها هكذا: مقثاة، ويمكن أن تضم فيقال مقثؤة بضم الثاء، وهو موضع القثاء بكسر القاف وضمها، وهو الخيار. (¬2) ب، ج، ز: يستحقه لغبريها. (¬3) ب، د: - الذي. (¬4) ب، ج، ز: - جرما. (¬5) كذا في جميع النسخ ولعله (منه) لأن المقر مذكر كما نبة إلى ذلك ابن باديس في تعليقه. (¬6) د: - لا. (¬7) ب، د: جاز. (¬8) د: برأي. (¬9) ب: بالبسائط. (¬10) د: معه. (¬11) د: شك. (¬12) ج، ز: البعثة. (¬13) ب، ج، ز: نعلم. (¬14) ب، ج، ز: نعلم.

أمنهم من ذلك، وأخبر أنهم مطهرون من ذلك في الأزل (¬1). قيل للنبي (¬2) متى وجبت لك النبوة؟ قال (¬3): وآدم بين الروح والجسد، وبين (¬4) الماء والطين. خرجه الترمذي وصححه، وهو صحيح باللفظ الأول. فإن قيل: هذه الاستدلالات ظنية، فإنه ليس يمتنع (¬5) أن يكون [و 77 أ] صبيا، ويشكل عليه الأمر، فكذلك لا يبعد أن تكون (¬6) دلالة الحدوث عنده أكثر من دلالة الجسمية وأظهر، لا (¬7) سيما وكان محبوسا في غار لأمه، خوفا من ملك زمانهم، يعيش من طرف أصبعه (¬8)، وذكره لرؤية (¬9) ملكوت السموات والأرض، يجوز أن يكون الله ذى حال نهايته ثم رجع إلى بدايته. قد قلنا (¬10) القول القطعي، بغاية البيان كما تقدم، وليس ما ذكره الله بينا، ظنا - وهذا لا تفهمه الأعاجم - إن الله تعالى قال مخبرا عن الخليل أنه قال لأبيه: {أتتخذ (¬11) أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} [الأنعام: 74] فلم يخبر عنه بشك فيها، ثم نظر فاستيقن، وإنما أخبر عنه بتوحيد ظاهر، وقول بين، ثم عطف عليه فقال: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} [الأنعام: 75] أي أنا أريناه وجه الحق في الأصنام الأرضية، كذلك نريه وجه الحق في الأجسام العلوية ليكون من الموقنين، ولم يخبر أنه أراه أجسامها، وإنما أخبر أنه أراها إياه، فرآها ملكوتا مدبرة مسخرة، ومن كان محبوسا في غار لا يرى في الليل، ولا في النهار فيخرج منه فيرى الكواكب لا يخطر بباله أن له ربا، فكيف أن يجعله كوكبا؟ ولا شك أنه سمع (¬12) من أنيسه في الغار أحاديث الأخيار والأشرار. وما يقال: أنه تحدث به عنه، وعن أمثاله، من أنه يخرب الملك، فسمع أن هنالك ملكا يخرب هذا الملك، فتعلق (¬13) وهمه به، فإذا ¬

_ (¬1) د: الأول. (¬2) ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬3) ج: فقال. (¬4) د: - وبين. (¬5) ج، ز: بممتنع. (¬6) ج، ز: يكون. (¬7) ب، ج، ز: ولا. (¬8) ب، ج، ز: أصبعيه. (¬9) ز: لرؤيته. (¬10) د: قدمنا. (¬11) أخطأ الناسخ فكتبوا الآية هكذا: {أتعبد أصناما} في النسخ الأربعة. (¬12) د: إلا أنه قد سمع. ج: أن سمع (¬13) د: ويتعلق

خرج ورأى الكوكب لا يخطر بباله عادة، قطعا، أنه المدبر، حتى يسمع منه ركزا، و (¬1) يلقي إليه أحد ذكرا. وقوله: إن الباري ذكر حاله في نهايته ثم رجع إلى ذكر بدايته. قلنا: ذلك محتمل لولا قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملوكت السموات والأرض} ويؤكد ذلك قوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين، إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 51 - 52] القصة إلى آخرها، فأخبر عنه بقول نظار [و 77 ب]، حكيم، ثم أخبر عنه بأنه كما أتاه رشده في الأصنام، كذلك (¬2) يريه في المستقبل آيات العلويات، فكشف له عنها عيانا، كما في الأثر، أو دلالة، وكان الاستدلال بالتغير أقوى من التقرر، لأن المتغير مخلوق مربوب ضرورة، إذ التغير لا يخلو أن يكون من قدم إلى قدم أو من قدم (¬3) إلى حدث، أو من حدث إلى قدم أو من حدث إلى حدث، والأقسام الثلاثة محال (¬4) كما بيناه في كتب (¬5) الأصول، فلم يبق إلى القسم الرابع، وهو أنه يتغير من حدث إلى حدث، وذلك المقصود. والذي يعضد دلالة الخليل (¬6) في الاستدلال بالحدوث و (¬7) يمهد لكم اليقين (¬8)، أنها (¬9) أقرب، وأبلغ (¬10)، من المساحة (¬11) والتشكيل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال، وذكر ما يفعل من الآيات، وما يظهر على يديه من المعجزات، حتى إحياء الموتى، قال: "مهما يكن من شيء، فإنكم تعلمون أن الدجال أعور، وأن ربكم ليس بأعور". في حديث أعور عين اليمين. وفي حديث أعور عين الشمال (¬12). تختلف عليه صفات النقص، وتتوارد (¬13)، ويلحقه التغيير، فهذا ينفي عنه الإلهية قطعا، وهذا بالغ لمن وفق لفهمه، وب الله التوفيق. ¬

_ (¬1) د: أو. (¬2) ب، ج، ز: نريه. (¬3) ب، ج، ز: - أو من قدم. (¬4) ب، ج، ز: والكل محال. (¬5) ب، ج، ز: كتاب. (¬6) د: + عليه السلام. (¬7) ب: - و. (¬8) د: القين. (¬9) ب، ج، ز: فإنها. (¬10) د: أبلغ وأقرب. (¬11) د: المساجة. (¬12) ز: في حديث أعور الشمال وفي حديث أعور عين اليمين. (¬13) ب، ج، ز: - وتتوارد.

قاصمة

قاصمة: وقد بينا في غير موضع أن الكائدين للإسلام كثير، والمقصرون فيه كثير، وأولياؤه المشتغلون (¬1) به قليل (¬2)، فممن كاده (¬3) الباطنية، وقد بينا جملة أحوالهم. وممن كاده (¬4) الظاهرية (¬5)، وهم طائفتان: إحداهما (¬6): المتبعون (¬7) للظاهر في العقائد والأصول (¬8). الثانية: المتبعون للظاهر في الأصول، وكلا (¬9) الطائفتين في الأصل خبيثة (¬10)، وما تفرغ عنهما خبيث مثلهما (¬11)، فالولد من غير نكاح لغية، والحية لا تلد إلا حية (¬12)، وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد، هي في طرف التشبيه، كالأولى في التعطيل، وقد بليت بهم في رحلتي [و 78 أ]، وتعرضوا لي كثيرا دون بغيتي، وأكثر ما شاهدتهم بمصر والشام وبغداد، يقولون (¬13): إن الله تعالى أعلم بنفسه وصفاته، وبمخلوقاته منا، وهو معلمنا، فإذا أخبرنا بأمره آمنا به، كما أخبر، واعتقدناه، كما أمر. وقالوا حين سمعوا: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} [البقرة: 210] {وجاء ربك والملك صفا صفا} [الفجر: 22] [فأتى الله بنيانهم من القواعد} [النحل: 26] "وينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا" (¬14)، أنه يتحرك وينتقل، ويجيء ويذهب من موضع إلى موضع، ولما ¬

_ (¬1) د: المستقلون. (¬2) ز: كتب على الهامش: قف وتأمل: ليس بعد هذا البيان والتحقيق بيان، كما قيل: لا عطر بعد عروس. (¬3) كاد. (¬4) كاد. (¬5) ز: كتب على الهامش: قف لتعرف وتتحذر أعاذنا الله وعصمنا. (¬6) ب، ج، ز: - إحداهما. (¬7) ب، ج، ز: المتبع. (¬8) يرى الشيخ ابن باديس وجوب حذف كلمة الأصول لأنه رأى تكراره في الطائفة الثانية، ويبدو أنه قد غاب عنه ما يقصد بالأصول هنا وهي الأحكام أو أصول الأعمال التي تبنى عليها الفروع الفقهية. (¬9) ب: كل. (¬10) ج، ز: خبيثان. (¬11) ب، ج، ز: وما تفرع عنه خبيث مثلها. (¬12) ب، د: الحية. (¬13) ج: ود قولون. (¬14) أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

سمعوا قوله: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] قالوا: إنه جالس عليه، متصل به، وأنه أكبر بأربع أصابع، إذ لا يصح أن يكون أصغر منه، لأنه العظيم، ولا يكون (¬1) مثله، لأنه {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] فهو أكبر من العرش بأربع أصابع. ولقد أخبرني (¬2) جماعة من أهل السنة بمدينة السلام (¬3)، أنه ورد بها الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، الصوفي، من نيسابور (¬4)، فعقد مجلسا للذكر، وحضر فيه كافة الخلق، وقرأ القارئ: {الرحمن على العرش استوى}. قال لي أخصهم: فرأيت - يعني (¬5) الحنابلة - يقومون في أثناء المجلس ويقولون: قاعد، قاعد بأرفع صوت، وأبعده (¬6) مدى (¬7)، وثار إليهم أهل السنة من أصحاب القشيري، ومن أهل الحضرة، وتثاور (¬8) الفئتنان، وغلبت العامة، فأجحروهم (¬9) المدرسة النظامية، وحصروهم فيها، فرموهم بالنشاب، فمات منهم قوم، وركب زعيم الكفاة، وبعض الدارية، فسكنوا ثورتهم، وأطفوا (¬10) نورتهم (¬11)، وقالوا: إنه يتكلم بحرف وصوت، وعزوه إلى أحمد بن حنبل (¬12)، وتعدى بهم الباطل، إلى أن يقولوا: إن الحروف قديمة، وقالوا: إنه ذو يد، وأصابع، وساعد وذراع، وخاصرة، وساق، ورجل، يطأ بها حيث شاء، وأنه يضحك ويمشي ويهرول، وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء (¬13)، رئيس الحنابلة [و 78 ب]، ببغداد، كان يقول إذا ¬

_ (¬1) د: - يكون. (¬2) د: أخبرتني (¬3) ج: - بمدينة السلام. (¬4) د: نبشاغور. (¬5) د: بعيني. (¬6) ب، ج، ز: أنفده. (¬7) ز: شكل على أنه "مدا". (¬8) ج: تثاوروا. (¬9) ج، ز: فأحجزوهم. (¬10) ب، ج، ز: طلوا. (¬11) ب: ثورتهم - ج: تورتهم - ز: تورهم. (¬12) إمام أهل السنة، توفي سنة 421 هـ/ 855م (الذهبي، العبر، ج 1 ص 435. مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، ص409). (¬13) ب، ج، ز: الحسن وهو تحريف. وهو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، فقيه ومحدث، توفي سنة 458هـ/ 1065 م (الذهبي، العبر، ج3 ص443. مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، ص 520) وفيه ذكر أنه كان يملي الحديث بجامع المنصور (طبقات الحنابلة لأبي الحسين

ذكر الله تعالى، وما ورد من هذه الظواهر في صفاته، يقول: ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة، وانتهى (¬1) بهم القول إلى أن يقولوا: إن أراد أحد أن يعلم الله، فلينظر إلى نفسه (¬2) فإنه (¬3) الله بعينه، إلا أن الله (¬4) منزه عن الآفات قديم (¬5) لا أول له، دائم لا يفنى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -. "إن الله خلق آدم على صورته" (¬6) وفي رواية: "على صورة الرحمن" وهي صحيحة، فلله الوجه بعينه لا ننفيه (¬7)، ولا نتأوله (¬8) إلا محالات لا يرضى بها ذو نهى. وكان رأس هذه الطائفة (¬9) بالشام أبو الفرج الحنبلي (¬10) بدمشق، وابن الرميلي (¬11) المحدث ببيت المقدس، والقطرواني بنواحي نابلس، والفاخوري بديار مصر، ولحقت منهم ببغداد أبا الحسين بن أبي يعلى الفراء (¬12)، وكل منهم ذو أتباع من العوام، ¬

_ محمد بن أبي يعلى وهو ابنه، ص 230 - 193) حيث ذكر أنه ألف في الرد عل الكرامية والأشعرية والباطنية والمجسمة، وكتاب أبطال التأويلات لأخبار الصفات، وغير ذلك من المصنفات وبين أن مذهب الحنبلية قائم على نفي التشبيه والتعطيل، وإثبات الصفات وعدم التأويل.

جمعا غفيرا (¬1)، عصبة (¬2) عصية (¬3) عن (¬4) الحق، وعصبية (¬5) على الخلق. ولو كانت لهم أفهام، ورزقوا معرفة بدين الإسلام، لكان لهم من أنفسهم وازع، لظهور التهافت على مقالاتهم، وعموم البطلان لكلماتهم. ولكن الفدامة (¬6) استولت عليهم، فليس لهم قلوب يعقلون بها، ولا أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل (¬7). ولقد أخبرني غير واحد عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الاسفراييني (¬8) أنه خرج يوما على أصحابه مسرورا فسألوه، فقال: ناظرت اليوم عاميا فظهرت عليه. فقيل له: وأنت تظهر على الأيمة، فكيف تفرح بالظهور على العوام؟ فقال: العالم يرده علمه، وعقله (¬9)، ودينه، والعامي (¬10) لا يرده فهم، ولا يردعه (¬11) دين، فغلبته نهزة (¬12) ونادرة. قال القاضي أبو بكر (¬13) رضي الله عنه: وأنبئكم بغريبة أني (¬14) ما لقيت طائفة إلا وكانت لي معهم وقفة في مقالاتهم، عصمني الله بالنظر بتوفيقه منها [و 79 أ] إلا الباطنية والمشبهة، فإنها زعنفة (¬15) تحققت (¬16) أنه ليس وراءها معرفة. فقذفت نفسي كلامها من أول مرة. وسائر الطوائف لا بد أن يقف الفكر عقلا وشرعا من أي وجه طلبت الدليل حتى يرشده (¬17) العقل والشرع، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: غفرا. (¬2) د: غصبة. (¬3) د: عصبة. (¬4) د: على. (¬5) د: عصبة، ج: عصيبة. (¬6) ز: كتب على الهامش: قال في القاموس: الفدم: العي عن الكلام في ثقل ورخاوة وقلة تفهيم. انتهى المراد منه. (¬7) اقتباس من القرآن. (¬8) ب، ج، ز: الإسفراييني. وهو توفي في سنة 406 هـ/ 1015 م. (¬9) د: يرجعه إلى عقله. (¬10) ج: والعام. (¬11) د: يزعه. (¬12) د: نزهة. (¬13) د: قال أبي. (¬14) ب: - وأنبئكم بغريبة أني. ج، ز: أتيتكم. (¬15) د: رغمة. (¬16) د:+ و. (¬17) ب: يرشد.

إلى مأخذ النجاة، وقد كان صاحبنا أبو منصور ساتكين (¬1) التركي نزيل الثغر، وأبو محمد عبد العزيز (¬2) قاضي البسكرة (¬3) في ديار (¬4) المشرق معنا (¬5)، ولقد كانا أوتيا فهما، ورزقا، ذكاء، ونبلا، فغلبت (¬6) عليهما صحبة ابن المناني، فاختارا (¬7) مذهب (¬8) القدرية، ولقد دخلت إليه، وسر بي، وسألني عن اعتقادي، فأخبرته، فقال لي: ما منعك من اعتقاد الحق، من مذهب أهل التوحيد، يعني نفسه، وأصحابه من القدرية. وهو مذهب مستند من ابن الفرج، إلى أبي (¬9) الحسين، إلى عبد الجبار، إلى أبي هاشم إلى (¬10) الجبائي (¬11) إلى آل (¬12) علي بن أبي طالب رضي الله عنه (¬13)، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعلمت أنه قد تبطن الباطن، ولصق بأهل البيت، وأخذ مذهب القدرية سترة خلاف (¬14) أبيه (¬15) رضي الله عنه، الذي كان يسميه القاضي أبو بكر بن الطيب (¬16) "مؤمن آل فرعون". إذ كان حنفي الفروع، أشعري الأصول. وما (¬17) رئي قط بخراسان، ولا بالعراق (¬18) حنفي (¬19) إلا معتزليا، أو ¬

_ (¬1) د: سالكني. وهو ساتكين بن أرسلان مالكي له مقدمة في النحو كان مقيما بالقدس توفي سنة 488 هـ/ 1095 م (تاريخ ابن عساكر، ج 6 ص 42). (¬2) ب، ج، ز: عبد الغني. وكتب في هامش ب، ز عبد الغني. (¬3) د: النبكرة. (¬4) ب: بديار. (¬5) د: معا في ديار المشرق. (¬6) ج، د، ز: فغلب. (¬7) د: فاختاروا. (¬8) د: مذاهب. (¬9) ج: ابن. (¬10) ت، ج، ز: - إلى. (¬11) ج، ز: - الجبائي. (¬12) ب، ج، ز: - آل. (¬13) د: - رضي الله عنه. (¬14) ج، ز: بخلاف. (¬15) أبوه هو: محمد بن أحمد بن محمد أبو جعفر القاضي السمناني، توفي سنة 444هـ/ 1052 م (ابن عساكر، تبيين كذب المفتري، ص 259. عبد القادر الحنفي، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، ج 2 ص 21). (¬16) الباقلاني صاحب التمهيد، توفي سنة 403 هـ/1012 م. (¬17) ب، ج، ز: لا. وكتب على هامش ب، ز: ما. (¬18) ب، ج، ز: العراق. (¬19) د: حنفيا. وكتب على هامش ب، ج، ز: حنفيا.

عاصمة

كراميا، خلا ما وراء النهر، ببلخ (¬1)، فإنهم إلى منقطع (¬2) المعمور سنية (¬3)، على أوفى طريقة في الحق، وقمت عنه، وتركته، وكان فحلا من فحول الفقه، سمعت كلامه في جامع المنصور مع الشاشي في مسألة القضاء على الغائب، فرأيت رجلا قد أحكم الأدلة في مسائل الأحكام، وحكمها على الطريقة العراقية. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬4) رضي الله عنه: وقبل وبعد، فينبغي (¬5) أن تعلموا أن هذه الطائفة (¬6) في حفظ ظاهر هذه الأخبار، لا يقال: إنها بنت قصرا، أو (¬7) هدمت مصرا، بل هدمت الكعبة، واستوطنت البيعة، وحذار (¬8) أن تنشؤوا معهم دليلا، ولا تستأنفوا معهم من الكلام نقيرا ولا فتيلا (¬9)، فليسوا لذلك (¬10) أهلا، ولا ينجع فيهم أن ينشر ذلك معهم، إلا أن تدخل إليهم من بابهم، وهو أيسر طريق إليهم في الكشف لضلالهم ولا تلتزم معهم مذهبا إلا أن تبطل رأيهم، ولا يظهر لك اعتقاد إلا رد الكلام إلى القرآن والسنة، وما أجمعت عليه هذه الأمة، وهو قد خالفوا الكل، فالمهم إفساد مقالتهم، وبيان ضلالتهم، فيقال لهم: ما لكم أصحاب إلا اليهود، فإنها ألفت (¬11) في التوارة: حين خلق الله السموات والأرض، ذكر فيه أنه خلقها في ستة أيام، واستراح يوم السبت، فكذبهم الله في قوله فقال: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق: 38] فأخذوا لفظ الراحة بظاهره، وهو إعفاء النفس من كد التعب، بعد تسخيرها فيه، واعتقدته بحاله فكفرهم الله، وكذبهم. ¬

_ (¬1) د: بلخ. (¬2) د: مقطع. (¬3) ب: - سنيه. (¬4) د: قال أبي. (¬5) ب، ج، ز: ينبغي. (¬6) ب: الطريق، ج، ز: الطريقة. (¬7) ب، د: - أ. (¬8) د: حذارا. (¬9) د: فتيلا ولا نقيرا. (¬10) بداية سقوط نحو أربعة أوراق من د. (¬11) ز: أنفت.

ثم نعطف عنان القول فنقول: قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} وأنتم قد قلتم: إنه أكبر من العرش مقدارا، كيف يشتمل (¬1) عليه ظل الغمام؟ وكيف يأتي الحق مع الخلق يوم الفصل أو يأتي البنيان وهو أكبر من العرش، والعرش أكبر من السموات والأرض؟ وقوله: {الرحمن على العرش استوى} يقال لهم: قال الله: {ثم استوى على العرش} ما العرش؟ وما معنى استوى؟ وينبغي أن تعلموا كلكم أنتم وهم قبل وبعد أن بناء "ظ هـ ر" مفيد في العربية لكل شيء خرج عن حد الخفاء والجهل إلا العلم، كان من المحسوس يخفى على البصر والسمع وسائر الحواس، أو من المعاني يخفى (¬2) على العقل. فاحذروا من يأخذ الظاهر فيجعله في حد الباطن بتأويله له، أو يحكم بظاهر على معنى هو خفي، فلما قال: {الرحمن على العرش استوى} كان معناها هنا في المطلوب ثلاثة (¬3) معان: معنى الرحمن، ومعنى استوى، ومعنى العرش، فأما الرحمن فمعلوم لا خلاف فيه ولا كلام. وأما العرش فهو في العربية لمعان فأيها تريدون، وكذا استوى عليه، يحتمل (¬4) خمسة عشر معنى في اللغة، فأيها تريدون؟ أو أيها تدعون ظاهرا منها؟ ولم قلتم: إن العرش ها هنا المراد به مخلوق مخصوص؟ فادعيتموه على العربية والشريعة، ولم قلتم: إن معنى استوى، قعد أو جلس؟ فتحكمون باتصاله به، ثم تقولون إنه أكبر منه من غير ظاهر، ولم يكن عظيما بقدر (¬5) جسمي حتى تقولوا: إنه أكثر (¬6) أجزاء منه. ثم تحكمكم (¬7) بأنه أكبر منه بأربع أصابع، تحكم لا معنى له. وكنت أقضي عجبا من هذه النازلة حتى وردت من المشرق سنة خمس وتسعين (¬8) فرأيت غريبة مغربية دفعها (¬9) إلي عبد الله (¬10) بن منصور القاضي، فيها كلام لبعض منتحلي صناعة الكلام ¬

_ (¬1) ب: يشمل. (¬2) ز: كتب على الهامش: خفي عن العقل. (¬3) كذا في جميع النسخ. (¬4) ب: ولفظ استوى معه محتمل. (¬5) ز: بقدرن. (¬6) ب: أكبر. (¬7) ب: تحكمهم. (¬8) أي سنة 495 هـ. (¬9) ز: في الهامش: عله: رفعها. (¬10) ب، ز: كتب على الهامش: في نسخة: عبد الملك.

بالمغرب يقول فيها: إن الباري في جهة، وأنه فوق العرش، وإن العرش هو الذي يليه من مخلوقاته، فرأيت قوما، قد استولت عليهم الغفلة، وغلبهم الجهل، حتى قالوا: إن الباري يحاذي المخلوقات، والذي أوقعهم في ذلك، أنهم رأوا أحاديث ليست بصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد السموات فذكرها حتى انتهى إلى السماء السابعة، قال فيه (¬1): "والعرش فوق ذلك، والله فوق ذلك" (¬2). وسمعوا القدرية يقولون: إن الله في كل مكان، وتكاثرت في ذلك الأقوال من المؤالف والمخالف، فأنكروا ذلك عليهم، وقالوا: إن أطلق لفظ في هذا المعنى فالذي ينطلق أنه على العرش وسامحوا (¬3) في "فوق" لأنه بمعنى علا وجل، ورددوها (¬4) في الحديث المذكور آنفا، ثم جاءت طائفة ركبت عليه، فقالت: إنه فوق العرش بذاته وعليها شيخ الغرب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد (¬5) فقالها للمعلمين فسدكت بقلوب الأطفال والكبار (¬6)، ثم جاء هذا الثاني (¬7) فقال: وأنا ماذا أزيد مما يظهر منزلتي بأن أقول: وهو الذي يليه من مخلوقاته يعني ليس بينه وبينه موجود، وهو يحاذيه، وجعل يفيض في المحاذاة والجهة، وما يفيض بكلمة صحيحة، ولم يتفق بعد أن أنكر (¬8) على أهل بغداد، وبين أضلاعي هذا الداء فنفيت (¬9) عنهم المسألة، وأوردتها، وأصدرت، وأمليت وجمعت. ولبابه: إن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه شرعا وعقلا، وإن كان في ذلك تفصيل حققناه في موضعه، ونحن نعلم قطعا أنه كان موجودا قبل إيجاده العالم كله، على اختلاف أصنافه، ثم خلقه مثنى وفرادى، فلم تتغير له صفة، ولا حدثت له إضافة، محدثة (¬10)، أو صفة ¬

_ (¬1) ب: فيها. (¬2) سند الحديث فيه عبد الله بن عميرة، الذي قال فيه البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف الذي ادعى أنه سمع منه وقال الذهبي فيه جهالة (البيهقي الأسماء والصفات، ص 399). (¬3) ز: وسامحوه. (¬4) ب، ز: كتب على الهامش: عل صوابه: وأوردوها. (¬5) القيرواني، توفي سنة 389 هـ/ 998 م (العبر، ج3 ص 43). (¬6) ز: في الهامش: قف وانظر مقالة ابن أبي زيد في عقيدة الرسالة. (¬7) ب: - الثاني. (¬8) ب: نكر. (¬9) ز: كتب على الهامش: فثنيت. (¬10) ز: + آفة في الهامش.

صفحة 216 ناقصة. صفحة 217 مكررة

قالوا: إنه أكبر من العرش بمقدار يسير، فكيف ينزل إلى السماء وهو أكبر من جميعها؟ أي حتى (¬1) بحمله تعالى على الوجهين، ولم يفهموا أن النبي إنما خاطب بذلك العرب والفصحاء اللسن، وقد ثبت فيها أن التنزيل (¬2) على الوجهين نزول حركة، ونزول إحسان وبركة، فإن من أعطاك قد نزل إليك (¬3) إلى درجة النيل المحبوبة عندك عن درجة (¬4) المنع المكروهة، كما أنه نزل من وده (¬5) لك (¬6) عن حال البغضاء والإعراض عنك، وهو نزل حقيقة في بابه، كما أن نزول المرء على الجبل إلى السفح حقيقة في بابه ألا ترى إلى قول عنترة: ولقد نزلت فلا تظني غيره…مني بمنزلة المحب الأكرم (¬7) وقال عمر رضي الله عنه في الإسلام: (وما ينزل بعبد مسلم من منزل شدة) وهو معنوي، لا حركة فيه ولا انتقال، وفائدته أن الكريم إذا حل بموضع، ونزل بأرض، ظهرت فيها أفعاله، وانتشرت بركته وبدت آثاره (¬8)، فما بث الله من رحمته من السماء (¬9) الدنيا على الخلق في تلك الساعة عبر عنه بالنزول فيه، عربية صحيحة (¬10). وأما قولهم: إنه يتكلم بحرف وصوت فهو معنى أصلته القدرية لقولها بخلق القرآن، وإن الله خلق في الشجرة كلاما فهمه موسى كما يفهم كلام الإنسان، فجرى أولئك على فصل من البدعة فاسد الأصل، معلوم المعنى. فلما جاءت هذه الطائفة، ووجدت (¬11) القول بخلق القرآن كفرا، أقروا الحرف والصوت، وأنكروا الخلق، وقضوا بقدم الحرف والصوت، فجاءوا بما ¬

_ (¬1) ب، ز: كتب على الهامش: حين. ب، ج: يحمله. (¬2) ب، ز: كتب على الهامش: النزول. (¬3) ب، ز: إشارة إلى أن "إليك" أثبتت في بعض النسخ وأسقطت في الأخرى. (¬4) ب، ز: كتب على الهامش: مرتبة. (¬5) ج، ز: ودك. (¬6) ز: له. ج: - له. (¬7) ب: المكرم. (¬8) ب: أثارته. (¬9) ج: سماء. (¬10) ب، ز: كتب على الهامش: فصيحة. (¬11) ج: وجدت.

لا يعقل، ولا هو في حد النظر والمجادلة، ولهم ظواهر لا أصل لها في الصحة، ليس فيها ما يعول عليه، ولا ثبتت صفة به (¬1) أمثله: حديث عبد الله بن أنيس (¬2): (يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد فيناديهم بصوت) ذكره البخاري في التراجم مقطوعا. ومعناه أن مناديه ذو صوت، ليس هو الذي له الصوت صفة. وقد يضاف إلى الباري (¬3) ملكه كما تضاف (¬4) إليه صفته، فما جاز عليه حمل الأخبار عنه، على الصفة، وما كان غير جائز، حمل الأخبار عنه به على الملك، وإلا ففي الخبر: (ينادي بصوت) وليس فيه يتكلم بصوت. فلم تركتم الظاهر، وجعلتم الكلام والصوت واحدا، وهما قد وردا في موطنين؟ وبين الكلام والنداء ما بين السماء والأرض. وقد قال في حديث القيامة بعينه: (فيأتيهم في صورة ثم يأتيهم في صورة (¬5) أخرى) أفيحمل (¬6) ذلك على أن الله يتبدل وينتقل ويتحول؟ تعالى الله عن ذلك، فكما أن ذكر الصورة محمول على المعنى، كذلك النداء بصوت محمول على المعنى. فإن قالوا بالصورة والصوت والتعبير بالحوادث، لم يكونوا من أهل القبلة، وحكم بخروجهم أصلا وفرعا من (¬7) الملة، ولم يفهم هذه الحقيقة أحد، فهم البخاري (¬8) رحمه الله فإنه قال: باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} [طه: 109] الآية. ويذكر عن جابر بن عبد الله (¬9) عن عبد الله بن أنيس أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا ¬

_ (¬1) ج: - به. (¬2) عبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار، شهد العقبة، توفي سنة 53 هـ/ 672 م. (¬3) ب، ز: كتب على الهامش: الملك. (¬4) ج، ز: يضاف. (¬5) ج، ز: صفة. وكتب على هامش ز: صورة. (¬6) ج، ز: فيحمل. (¬7) ب، ز: كتب على الهامش: عن. (¬8) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري صاحب الصحيح، ولد سنة 194 هـ/809 م وتوفي سنة 256 هـ/ 869 م. (¬9) ابن عمرو بن حرام الأنصاري من أهل بيعة الرضوان، توفي سنة 78 هـ/ 697 م.

الملك أنا الديان" ثم قال عن أبي سعيد (¬1) الخدري بالسند الصحيح قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله عز وجل: "يا آدم يقول: لبيك وسعديك فينادي بصوت، أن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلا النار" فبين سبحانه أن المنادي عنه غيره لقوله: "إن الله يأمرك" والحمد لله. وأما أحمد بن حنبل فإنما أبى أن يقول: إن القرآن مخلوق، وحمله الظالم على أن يناظره، وقال له: القرآن شيء أو غير شيء فإن قلت: إنه غير شيء فقد (¬2) كفرت، وإن قلت: إنه شيء فقد قال الله أنه (¬3): {خالق كل شيء} [الأنعام: 102] فهل يدخل القرآن فيه أم لا؟ فأبى أن يناظره حتى لا ينزل الحق والباطل (¬4) في منزلة سواء، ولو جاء القائل أن القرآن مخلوق إلى أحمد بن حنبل مجيء المسترشد لأرشده وأجابه. ولما نزل منزلة القدرة (¬5)، وعضده السلطان، سكت عنه لئلا يقع منه ما يفتتن به الملك والناس، ورأى فداء الدين بنفسه فكانت منزلة سنية لم تكن لأحد في الإسلام. وقد ورد في الصحيح حديث صحيح: (إذا قضى الله في السماء أمرا سمعت الملائكة كهيئة السلسلة على الصفوان فيخرون سجدا، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، فيقولون: الحق الحق) فتعلق به بعض هؤلاء المبتدعة، وقالوا (¬6): هذا نص في أن كلام الله صوت، وقد بيناه في شرح الحديث وغيره. وتحقيق القول فيه أن الله تعالى أوحى إلى رسوله إذا قضى الله، ولم يقل تكلم الله، ولا إذا قال الله. والقضاء في اللغة والشرع يرد على معان كثيرة، وقد يحتمل أن يكون المعنى إذا قال الله بواسطة، ففهم عنه تكلم إليهم، فيغشون لثقل قوله على الملائكة كما قال (¬7): يغلب النبي ثقل القول فيغشى عليه. كأنه الجرس، وهو نحو من السلسلة على الصفا، وبعض الملائكة أقوى من بعض كما أن بعض الآدميين أقوى من بعض، فقوة جبريل ¬

_ (¬1) سعد بن مالك الأنصاري، فقيه صحابي، توفي سنة 74 م/ 691 م. (¬2) ب: - فقد. (¬3) ب: - إنه. (¬4) ج، ز: الباطل والحق. (¬5) ز: كتب على الهامش: عله: القدرية. (¬6) ب، ز: قال. (¬7) ز: كتب على الهامش: كان.

في الملائكة على القبول من الله يناسب قوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الآدميين على قبول القول من جبريل، ولو كان كلام الله صوتا، لما كان صوت جبريل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كالجرس، وكلام الله لجبريل كالسلسلة لا يصح بهذا التقدير، نعم، ولا كالرعد، ولا أعظم منه. وأما كونه له يد ويمين فإنه له (¬1)، ثابت قطعا، إذ هو نص القرآن وكذلك ذو عين، فإنه ثابت قطعا، ولما جاء في القرآن كلاهما قال علماؤنا المتقدمون: أن اليدين صفة ثابتة في القرآن ليس لها كيفية، وحملها المتأخرون من أصحابنا على القدرة. والذي قال في آدم: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] قال: {تبارك الذي بيده الملك} [الملك: 1] وقال: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] وقال: {والسموات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] وفي الحديث الصحيح: "وكلتا يديه يمين" (¬2) والذي خلق به آدم ويطوي به السموات هو الذي به الملك، وهو يقبض به الأرض. في البخاري: يقبض الله الأرض، ويطوى السماء بيمينه. وذكر الحديث وذلك كله عبارة عن القدرة، وضرب الله اليد (¬3) مثلا إذ هي آلة التصرف عندنا، والمحاولة، فإنهما المراد هنا (¬4)، وأوضح (¬5) العلم لنا منا، وذلك تصديق قوله: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 21] وأما بعض أصحابنا فقد قال: إن معنى قوله: {والسموات مطويات بيمينه} أي (¬6) بقسمه أن يفني الخلق، فقول ضعيف، وإنما هي كناية عن القدرة كما بينا. وهبك وجد (¬7) للقسم ها هنا محتملا، فماذا يصنع (¬8) بذكر اليمين في الحديث الصحيح. وأما ذكر الكف فلم يرد في القرآن، ولكنه ورد في الحديث الصحيح، ولعلمائنا نكتة بديعة، وذلك أنه ما جاء في القرآن من أحوال الصفات الثابتة نقلا قطعا، قالوا: إنها صفات لا تتأول، وما جاء في أخبار الآحاد أولوها، ¬

_ (¬1) ز: - له، في بعض النسخ كما أشار الناسخ. (¬2) رواه مسلم. (¬3) ب، ز: إليك. (¬4) ز: كتب على الهامش: لنا. (¬5) ب: واضح. (¬6) ز: - أي. وكتب على الهامش أنه موجود في نسخة أخرى. (¬7) ب، ز: وجدت. (¬8) ب، ز: تصنع.

ولم يوجبوا لله منها (¬1) صفة. وقوله: "إن الصدقة تقع في كف الرحمن" (¬2) كلام صحيح يشهد له القرآن والسنة، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [البقرة: 245] فعبر عن نفسه الكريمة بالمستقرض، فمن دفع إليه شيئا فقد وقع ما دفع في كف المستقرض كما أنه قال: (فلم تعدني) (¬3) أفيكون (¬4) المرض صفة؟ ولا شك (¬5) في أنه لا يكون، كذلك الكف. وأما الساعد فليس في حديث صحيح، وكذلك ذكر الذراع، فلم يصح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكثر من غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا، وأن ضرسه مثل أحد، وأن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة" وهو صحيح. وقال: "ولو أن رصاصة مثل هذه - وأشار إلى الجمجمة - أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا، الليل والنهار قبل أن يبلغ قعرها أو أصلها". فأما ذكرها مضافا إلى الجبار فباطل، وأراد بساعد الله إن صح الذي ينتقم الله به، كما أن سيف الله الذي ينتقم به من الكفار (¬6) ويستوفي به القبض، وأراد بالذراع مملوكة كبيرة المساحة فأمر أن يذرع بها ما عنده من المساحة، فإنه كما قال: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47] و {كخمسين ألف سنة} (¬7) [المعارج: 4] فالأزمنة (¬8) تكون عنده في طول المساحة ما يشبه به (¬9) فيأمره (¬10) بمقادر يناسبه. وأما ذكر الأصابع فصحيح، ولكن لم ترد مضافة إليه، وإنما ورد: "أنه ¬

_ (¬1) ب: كتب على الهامش إشارة إلى أن هذا اللفظ وجد في نسخة. (¬2) أخرجه البخاري ومسلم. (¬3) ز: يعدني. (¬4) ز: في الهامش: في نسخة: فيكون. (¬5) ز: يشك. (¬6) ب، ز: الكفر. في هامشهما: في نسخة: الكفار. (¬7) ينتهي ما نقص من د ولكنه كمل في ورقة (130 ب). (¬8) د، ز: في الأزمنة. (¬9) د: له. (¬10) ب، ز: أشير إلى أنه في بعض النسخ: فيأمر له.

يضع السموات على أصبع والأرضين (¬1) على أصبع ثم يهزهن" (¬2) الحديث، ولا ينكر أن يكون لله أصابع، ولكن ليست صفات له، ولا متصلة له (¬3)، ولا يقتضي الظاهر ذلك، فلا نرده (¬4) باطنا فيضيفوه (¬5) إلى الله، وقولوها مطلقة كما جاءت تكونوا آخذين بالظاهر. والمعنى فيه أن الجامع (¬6) للمخاطب الأصابع، فضرب له المثل به. فاحفظوا (¬7) نكتة بديعة وهي أن الشرع جاء باليدين واليد والكف والأصابع، وقل بالساعد (¬8) والذراع مفردات فلا تصلوها، وتجعلوها عضوا، وتضيفوها وتركبوها (¬9) بعضها إلى بعض فإنكم تخرجون من الظاهر إلى باطن التشبيه والتمثيل الذي نفاه عن نفسه، فما فرق لا يجمع، وما جمع من صفاته العليا (¬10) لا يفرق. وأما ذكر القدم والرجل فصحيح، وردا مضافين إلى الله (¬11)، وأما الساق فلم يرد مضافا إليه، لا في حديث صحيح ولا سقيم، وإنما قال الله: {يوم يكشف عن ساق} [القلم: 42] ما الساق؟ وأي ساق؟ ولمن (¬12) من ذوي (¬13) السوق؟ وأما الوطء بالقدم فلم يرد في حديث صحيح، أما أنه ورد في الحديث الضعيف (¬14) و (آخر (¬15) وطأة وطئها الله تعالى بوج (¬16) يعني الطائف (¬17)، ¬

_ (¬1) د: الأرض. (¬2) رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن شيبان. (¬3) ب، ز: - له. وكتب على الهامش ما يشير إلى أنها مثبتة في نسخة أخرى. (¬4) ج، ز: ترده. د: تردوه. (¬5) ج، د، ز: فتضيفوها. (¬6) ب، ج، ز: كتب على الهامش ما يشير إلى أنه قد زيد في نسخة أخرى: للمتفرق المأخوذ المخاطب د + نفس النص في المتن. (¬7) ب: واحفظوا. (¬8) ب: الساعد. (¬9) د: تركبوا. (¬10) د: العلية. (¬11) د: إليه. (¬12) د: + لمن. (¬13) ب، ج، ز: - لمن. (¬14) د: الظاهر. (¬15) حي، ز: أمر. (¬16) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات، ص 461 - 462. (¬17) وقيل واد بالطائف.

إشاره إلى أنها آخر غزوة انتقم فيها من الكفار، وذلك مشهور في لسان المخاطبين بالقرآن، قال الشاعر: وطئنا (¬1) وطيا على حنق…وطي (¬2) المقيد ثابت الهرم ولا يبعد أن يكشف عن ساق من يقول: إنه ذو ساق، ومن الذي يمنعهم أن يقولوا: إنه هذا الساق؟ قال الشاعر (¬3): عجبت من نفس ومن إشفاقها… (¬4) ومن طرادي (¬5) الطير عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها وأما حديث المخاصرة (¬6) فضعيف، وهو في اللغة مأخوذ من خصر (¬7) وقد تكون (¬8) الجارحة، وقد تكون (¬9) من المخصرة وهي العصا، المعنى، يعطيه ما يعتمد عليه، أ (¬10) ويدنيه منه بالمنى (¬11) والأمان، حتى يكون بمنزلة من خاصر الملك. ثم يقال لهم: قوله: "يضع السموات على أصبع، وتقلب (¬12) القلوب بأصابع الرحمن" من أين لكم أن أصابع الوضع المطلقة هي أصابع التقليب المضافة إليه؟ ثم إنه قال: {ولتصنع على عيني} [طه: 39] وقال: {تجري بأعيننا} [القمر: 14] من قال لكم: إنها عينان؟ وقال: {بيدي} [ص: 75] و {يدي} [الحجرات: 1] من قال لكم: إنها أيدي؟ فإن قيك قوله: {والسماء بنيناها بأيد} [الذاريات: 47] قلنا (¬13): اتفقت الأمة على أنها لا ياء فيها (¬14)، فلا سبيل إلى (¬15) أن يكون (¬16) جمع يد، ثم يقال لكم: لم لا (¬17) تصلون بين القدم والرجل والساق والخاصرة والجنب؟. والجنب عبارة عن ¬

_ (¬1) د: ووطئتنا، ز: في الهامش: في نسخة: وطأننا. (¬2) أو: وطء. (¬3) د: العربري. (¬4) ج، ز: أسقامها. (¬5) ب، د: طراد. (¬6) د: الخاصرة. (¬7) د، ز: خ ص ر. (¬8) ب: يكون. (¬9) ب: يكون. (¬10) ب: - أ. (¬11) ج، د، ز: بالمن - (¬12) ب، د: ويقلب. (¬13) ب: تنافيها. ج، ز: بناء. (¬14) د: فلها. (¬15) ب، ج، ز: - إلى. (¬16) ب: تكون. (¬17) د: - لا.

جهة القصد، لأنه قال: {فرطت في جنب الله} [الزمر: 56] ولا يكون ذلك أبدا إلا من جهة (¬1) طاعة، ولا تفريط في الجارحة (¬2) منا (¬3)، ولا في الصفة منه سبحانه - ثم تصلون (¬4) الأصبع بالكف، والذراع والساعد، وتجمعون (¬5) صورة فرقها العقل والشرع؟ إن هذا لهو الكفر العظيم، والخسران المبين. ثم (¬6) الوطء هو وضع القدم بنقل (¬7)، وليس الباري ذا أجزاء تنتقل (¬8)، فإن قيل ففي الحديث: "إن العرش ليئط به أطيط الرحل براكبه" قلنا: هذه باء السبب، والمخلوقات كلها تئط به أي من أجله، فإن قيل: أجمعت الأمة على أن أصابع الوضع هي أصابع تقليب القلب، قلنا: أجمعت الأمة على أنها ليست هي. فإن قيل عمن؟ قيل له: وقل أنت عمن؟ وتحقيق المسألة أن أحدا لم يقل قط أن الأصابع والكف صفة، و (¬9) إنما اختلفوا فيما جاء به (¬10) القرآن. فأما ما جاء من طريق الآحاد، فلا يثبت العلماء بها (¬11) صفة، وإنما اقتحم ذلك هذه (¬12) الطائفة العوجاء (¬13) وأما الضحك والفرح فحديث صحيح، ولكن أجمعت الأمة على أنها ليست بصفات، وإنما الضحك عبارة عما يكون من فضله، ويفيض من عطائه، كما يقال: ضحكت الأرض إذا أبرزت زينتها. قال (¬14) أبو نصير: يضاحك الشمس منها كوكب شرق…موزر بعميم النبت مكتهل وقال آخر: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا…علقت لضحكته (¬15) رقاب المال والفرح عبارة عما يظهر عنده من الجود والسخاء والبشر والقبول وإلا ¬

_ (¬1) د: - من. (¬2) ب، ز: الخارجة. (¬3) ب، ج، ز: منك. (¬4) د: يصلون. (¬5) د: يجمعون. (¬6) د: - ثم، + و. (¬7) ب، ج، ز: بثقل. ز: في الهامش: في نسخة: بنقل. (¬8) د: تستقل. (¬9) ب، ج، ز: - و. (¬10) د: في. (¬11) ز: في الهامش: في نسخة: به. (¬12) ج، ز: - هذه - وأشير في ز إلى أنه قد أثبت ذلك في نسخة أخرى. (¬13) د: الغوغاء. (¬14) ث: وقال. (¬15) د: بضحكته، ز: في نسخة نضحكته.

فيقال (¬1) لهم: علام (¬2) تقولون. إنه يفرح ويمشي ويهرول، ويأتي وينزل؟ فهل يجوع ويعطش ويمرض ويحتاج ويعرى؟ فإن قالوا: لا، قلنا: فقد قال: "عبدي مرضت فلم تعدني، جعت فلم تطعمني، عطشت فلم تسقني" وفي رواية: "استكسيتك فلم تكسني" (¬3) فيقول: فكيف (¬4) يكون ذلك وأنت رب العالمين؟ يقول: كان ذلك بعبدي فلان، ولو فعلت به ذلك لوجدتني عنده، في حديث طويل، هذا معناه. فإن قالوا: لا نقول بهذه لأنها آفات، وهذه صفات. قلنا لهم بل هي جوارح، وأدوات وهي كلها نقص وآفات، فإن هذه الجوارح (¬5) كلها إنما وضعت للعبد جبلة لنقصه يتوصل، ويتوسل بها إلى قصده، ومن له الحول والقوة؟. وإنما هو إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون بلا (¬6) آلة له (¬7) ولا جارحة، فكما أضاف هذه الألفاظ الجوارحية (¬8) عندنا إلى نفسه، كذلك [و 132 أ] أضاف البيت والدار إليه، فهل بيته الذي هو الكعبة على قدره أو أكبر منه؟ وهل يدخله أم لا؟ وداره هل يسكنها أو يدخلها؟ وأنتم معشر الغافلين أو قل الجاهلين وإن صرمتم فأصب (¬9) بالضالين الكافرين مقتل الخطاب الصحيح فيهم: الأرض كلها لله، والمساجد لله، والكعبة بيت الله، والجنة دار الله، وإذا أراد الله أن يشرف بيتا أو دارا، أو آدم أو عيسى قال: إنه منه، وله، وبيده كان، وإلى جنبه يقعده، وعلى عرشه ينزله معه، وكل ملك له، ويده (¬10) ورجله وقدمه، وذراعه وساعده، ولا سيما إذا تصرف في طاعته، ألا ترى إلى (¬11) قوله في الحديث الذي رويتم: "فساعد الله أشد، وموساه أحد" فجعل له ساعدا وموسى، والإضافة واحدة والكل صحيح المعنى حق. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الإقبال. وفي هامش ج، ز: صوابه: وألا يقال لهم. (¬2) د: له هل. (¬3) ج: تكسيني. (¬4) ب: د: وكيف. (¬5) ج: جوارح. (¬6) د: فلا. (¬7) ب: كتب على الهامش فلا آلة عنده. د: عنده. (¬8) ج: الجارحية. (¬9) ب، ج، ز: إن رصرمتم فأصب. (¬10) د: فيده. (¬11) ج: في.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "إن الله خلق آدم على صورته" فقد تكلمنا على الحديث في مواضع، وأملينا فيه ما شاء الله أن يملى (¬2)، ولم يتفق لأحد فيه (¬3) من الجمع ما اتفق لنا، ولبابه أن أصل القول، معناه ثلاثة أوجه الأول: أن يكون المراد به صورة الرحمن. الثاني: أن المراد صورة آدم نفسه. الثالث: أن المراد صفة (¬4) صورة العبد الملطوم (¬5) الذي جاء الحديث على سببه، حين لطم وجهه فقال: "اجتنبوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" فرجع (¬6) الثلاثة الأقوال إلى اثنين وهما أن يعود الضمير إلى آدم أصلا أو تبعا، أو يعود إلى الله (¬7)، فإن قلنا: إنه يعود إلى آدم كان معناه: أكرمه فإن أباك على صورته، وكان ذلك أوعظ له من أن يقول له (¬8): فإنك على صورته، لأن المرء يمكن (¬9) أن يمتهن من نفسه ما لا (¬10) يمتهن من أبيه، فإن الموجود إذا أشبه من له حرمة عندك راعيت شبهة جبلة (¬11) وشريعة (¬12) ومروءة (¬13)، [و 132 ب] ألا ترى إلى قول القائل (¬14): أحب لحببا السودان حتى…أحب لحبها سود الكلاب وقال الآخر (¬15): أشبهت أعدائي فصرت أحبهم…إذ صار (¬16) حظي منك (¬17) حظي منهم وإن قلنا يعاد الضمير (¬18) إلى الله كان معناه تشريف العضو بأن فيه طرق العلم كلها، البصر والسمع والشم والذوق واللمس، وفيه شروط (¬19) ¬

_ (¬1) د: صلى الله عليه وسلم. (¬2) د: نملي. (¬3) د: فيه لأحد. (¬4) ب، ج، ز: - صفة. (¬5) د: المظلوم. (¬6) د: وترجع. (¬7) د: + تعالى. (¬8) د: - له. (¬9) ب: ممكن. (¬10) ب، ز: - ما لا. (¬11) ج، ز: حمله. (¬12) د: شرعة. (¬13) د: صورة. (¬14) ج، ز: هو العربي. د: قول العرب. (¬15) ج: قول الآخر. ز: قول آخر. د: وقال. (¬16) ز: ق نسخة: كان. (¬17) ز: في نسخة أخرى: مثل. (¬18) ج، ز: - الضمير. د: وإن قلت له يعود إلى الله. (¬19) د: شرط.

قيام العقل بالقلب، أو هو محل العقل، على اختلاف غير ضار (¬1) في الدين، ولا يصح أن يكون آدم، ولا أحد على صورة الرحمن بإجماع، وإذا بطل الظاهر، فلا معنى لاعتقاد الحال الذي يبطله العقل في الباطن، فإن العقل يزكي الشرع (¬2)، والشاهد بعدالته (¬3)، ومن الحال أن يأتي الشاهد بجرحه المزكي وتكذيبه، فإن ذلك عائد بإبطال قوله. وقد بينا ما كان يقوله أبو يعلى بن الفراء الحنبلي: أنه يلتزم في صفة الباري كل شيء إلا اللحية والفرج، فانظروا نبهكم (¬4) الله إلى هذا المفتري (¬5) على الشريعة في جنب الله تعالى، ويقال له: فأين (¬6) التزام الظاهر؟ وأين صفات المعاني من العلم والقدرة (¬7) والكلام والإرادة، والحياة (¬8) والسمع والبصر؟ وإذا ثبتت (¬9) الجوارح الظاهرة (¬10) فأين الباطنة من القلب ونحوه؟ فإن (¬11) قال: هذه صفات نقص. يقال له: تكون صفات كمال بأن تذهب (¬12) عنه الآلام واللذات، والقاذورات، كما ذكر تعالى عن صفات أهل الجنة، وكما فعلتم في الجوارح الظاهرة، وإذا بلغتم إلى (¬13) هذا المقام فاحمدوا الله على ما وهبكم من العصمة عن هذه البدعة (¬14) بل الكفر الصراح (¬15). ومن استطاع على التأويل، وفهم المعنى فبها ونعمت، ومن قصر نظره التزم الإيمان، ونفى التشبيه، واعتقد تقديس الرب (¬16) عن الآفات والنظير، ولا (¬17) تصفوه إلا بما صح، ولا تنسبوا إليه إلا ما ثبت، فأنتم (¬18) تعلمون أنه لا يقبل على أحد [و 133 أ]، من الخلق إلا العدل، فكيف (¬19) تقبلون على ربكم، من لم يعرف (¬20) عينه، ولم تثبت عدالته ¬

_ (¬1) ز: في نسخة: ضائر. (¬2) د: مزك للشرع. (¬3) ج، ز: يعدله. (¬4) ب، ز: في نسخة: ثبتكم الله. د: تبتكم. (¬5) د: الافتراء. (¬6) د: أين. (¬7) د: - والقدرة. (¬8) د: الحياء. (¬9) د: ثبت. (¬10) د: - الظاهرة. (¬11) د: وإن. (¬12) ب، د: يذهب. (¬13) ج، ز: - إلى. (¬14) د: البدع. (¬15) ب، ج، ز: - بل الكفر الصراح. (¬16) د: الباري. (¬17) د: فلا. (¬18) د: وأنتم. (¬19) ج، ز: وكيف. (¬20) ب، د: تعرف.

فيضاف إليه، ويحكم به عليه. والأحاديث الصحيحة في هذا الباب على ثلاث (¬1) مراتب، المرتبة (¬2) الأولى (¬3): ما (¬4) ورد من الألفاظ كمال محض ليس للآفات والنقائص فيه حظ، فهذا يجب اعتقاده. الثانية: ما ورد وهو نقص محض، فهذا ليس لله فيه (¬5) نصيب فلا يضاف إليه (¬6) إلا وهو محجوب عنها في المعنى ضرورة كقوله: "عبدي مرضت فلم تعدني" وما أشبهه. الثالثة: ما يكون كمالا، ولكنه يوهم تشبيها. فأما الذي ورد كمالا محضا كالوحدانية، والعلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر، والإحاطة والتقدير والتدبير، وعدم المثل والنظير فلا كلام فيه، ولا توقف. وأما الذي ورد بالآفات المحضة والنقائص كقوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [الحديد: 11] وقوله: "جعت فلم تطعمني (¬7) وعطشت" فقد علم المحفوظون، والملفوظون، والعالم، والجاهل أن ذلك كناية، وأنه واسطة عمن تتعلق (¬8) به هذه النقائص، ولكنه أضافها إلى نفسه الكريمة المقدسة، تكرمة لوليه، وتشريفا، واستلطافا للقلوب وتليينا (¬9). وهذا أيها العاقلون (¬10) تنبيه لكم على ما ورد من الألفاظ المحتملة، فإنه ذكر الألفاظ الكاملة المعاني السالمة، فوجبت له، وذكر الألفاظ الناقصة، و (¬11) المعاني الدنيئة فتنزه (¬12) عنها قطعا، فإذا جعلت الألفاظ المحتملة التي تكون للكمال بوجه، وللنقصان بوجه، وجب على كل مؤمن حصيف (¬13) أن يجعله كناية عن المعاني التي تجوز عليه، وينفي (¬14) عنه ما لا يجوز عليه، فقوله في اليد والساعد والكف والأصبع عبارات (¬15) بديعة [و 133 ب] تدل على معان شريفة، فإن الساعد عند ¬

_ (¬1) ب: ثلاثة. (¬2) ب، ج، ز: - المرتبة. (¬3) ب، ج، ز: الأول. (¬4) د: فما. (¬5) -: فيها. (¬6) ج، ز: إليها. (¬7) د: - فلم تطعمني. (¬8) ج، ز: يتعلق. (¬9) د: تبيينا. (¬10) د، ز: الغافلون. (¬11) د: - و. (¬12) ب، ج، ز: فترة. (¬13) ب، ز: خصيف. (¬14) د: تنفي. (¬15) ج، ز: عبارة.

العرب عليه كانت تعول (¬1) في القوة والبطش والشدة، ألا ترى (¬2) إلى قول الزبير (¬3) وقد ضرب، فأبان المضروب وفصله وتجاوز إلى ما تحته فقال له قائل: إن هذا السيف (¬4) فقال: ما هو السيف (¬5)، إنما هو الساعد، ولهذا قال النبي (¬6) في حديث أبي الأحوص (¬7) عن أبيه فيجدع هذه فيقول: "ضرر (¬8)، ويقول (¬9) بحيرة فساعد الله أشد، وموساه أحد" (¬10) تهديدا (¬11) له على ما أتى من الفعل القبيح، وتحذيرا له من النقمة والجزاء. وأضاف الساعد إلى الله، لأن الأمر كله لله، كما أضاف الموسى إليه. وكذلك قوله: "إن الصدقة تقع في كف الرحمن" عبر بها عن كف المسكين، تكرمة له، حتى لقد قال بعضهم: إن قوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى" المراد باليد العليا (¬12) يد (¬13) السائل المعطى (¬14) الآخذ لهذا المعنى، وأضافها إليه تكرمة، كما قال: {ناقة الله} [الشمس: 13] وأمثاله كثيرة. وقد بينا ذكر الأصابع وحكمته في ذكر التقليب به (¬15)، وما يقلب بالأصابع (¬16)، يكون أيسر وأهون، ويكون أسرع، فأراد الباري أن يهون عند قدرته، مقدار السموات والأرض (¬17) ¬

_ (¬1) ب: تقول. (¬2) د: ترون. (¬3) الزبير بن العوام، استشهد سنة 36 هـ/ 656 م. (¬4) ب، ز: في نسخة: لسيفا. (¬5) ز: في نسخة: بالسيف. (¬6) ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. د: + عليه السلام. (¬7) سلام بن سليم أبو الأحوص. توفي سنة 179 هـ/ 795 م. (¬8) د: فتقول: ضربنا. (¬9) د: تقول. (¬10) أورده البيهقي في الأسماء والصفات بلفظ آخر: هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها وتقول هي بحر، وتشقها أو تشق جلودها وتقول هي حرم فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال قلت: نعم، قال: فكل ما أتاك الله لك حل، وساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك (الأسماء والصفات، ص 342). (¬11) ب: في نسخة: تسديدا. ب، ج، ز: تشديدا. (¬12) ب: - باليد العليما. ز: بيد. (¬13) د: - يد. (¬14) د: العطى. (¬15) د: - به. (¬16) د: - بالأصابع. (¬17) د: الأرضين.

عاصمة

والمخلوقات، وأراد في جعل (¬1) القلب بين أصبعين، الإشارة (¬2) بذلك إلى سرعة تقليبه (¬3) وخفائه وحقارته، وهو والمخلوقات سواء في هوان (¬4) ذلك عنده، وحقارته (¬5) بالإضافة إلى قدرته. وقيل كنى بالأصبعين عن اللمتين لمة من الملك له في الإيعاد بالخير، وتصديق الحق، و (¬6) من الشيطان لمة في الإيعاد بالشر والتكذيب بالحق. وأما الذراع فقد بينا بأنه إنما ورد مطلقا غير مضاف إلى الله (¬7)، قال الله سبحانه: {ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} [الحاقة: 32] والحديث الذي فيه (¬8) بذراع الجبار، لم يصح، كما قدمنا [و 134 أ]، وإنما الصحيح في إسناده عن أبي هريرة (¬9): "غلظ جلد الكافر أربعون ذراعا" (¬10) مطلقا غير مضاف، فلا يلتفت إلى حديث الإضافة. عاصمة: مما يتعلق بهذا ويستذكر به، وجرى فيه توقف وغلط، أحاديث يعارض ظاهرها المقتضى بالعقل، لا تتعلق بالباري ولا صفاته، ولكنها تتعلق بما أخبر ¬

_ (¬1) ج، ز: وأرى أن في جعل. (¬2) د: إشارة. (¬3) ب، ج، ز: تقلبه. (¬4) ب: حقارة. (¬5) ج: - وهو والمخلوقات سواء في هوان ذلك عنده وحقارته. (¬6) د: - و. (¬7) ز: كتب على الهامش: قلت الذي يظهر لهذا العبد الضعيف وهو المخلص الواضح الذي ليس بعده توقف ولا إشكال، وذلك أن خطاب الله لخلقه، والتعبير على شؤونه سبحانه وتعالى يلزم أن يكون أسلوب مخاطباتهم ومعاماة بعضهم لبعض، كما يلزم أيضا في بيان شؤونه وإفهامهم إياها، أن تكون على نحو صفاتهم البشرية من جميع الوجوه لأن كيفية المخاطبة تكون ولا بد تابعة لحال المخاطب في إدراكه وعقله وعلمه ومعهوداته وإلا لو لم يكن الأمر كذلك لتعطلت الشرائع والأحكام وانسد باب المعارف الدذيوية والأخروية لأن الله جل جلاله وتنزه وتعالى، ذاته لا تشبه الذوات، وصفاته ليست كصفات الخلق في الكم والكيف وأفعاله لا تشبه أفعال المخلوقات. وبهذا والحمد لله تندفع جميع الإشكالات والحمد لله أولا وآخرا. (¬8) ب، ج، ز: فيه. (¬9) توفي سنة 59 م/ 678 م (العبر، ج1 ص63). (¬10) أخرجه البيهقيفي الأسماء والصفات، ص342.

خبر

عنه من المعاني، وقد سبق بيانها (¬1) بأن (¬2) العقل والشرع صنوان، وأن العقل مزكي الشرع، ولا يجرح الشاهد المزكي ولا يكذبه، فإن ذلك إبطال له. وأحكام العقل ثلاثة واجب وجائز (¬3) ومستحيل، فأما الواجب والمستحيل فالشرع لا يثبتهما ولا ينفيهما، لأنه لم يأت لبيان المحسوسات والضروريات، وإنما جاء لتعيين جائز أو تبيين حكم ابتدائي (¬4)، وعلى الواجب والمستحيل بنى الشرع الأدلة، وبهذا وقع (¬5) احتجاجه، وإليها في النظر كان مرجع البيان (¬6) منه، فإذا جاء ما ينفي العقل ظاهره فلا بد أيضا من تأويله، لأن حمله على ظاهره محال، فيكون غير مفهوم والشرع لا يأتي به، فلا بد من تأويله. والأخبار على ثلاثة أقسام (¬7): متواتر وهو قليل بل عزيز. ومستفيض وهو كثير. وآحاد، وهو جملة أخبار الشرع، وفي القرآن من المتواتر ما يغني، والمستفيض والآحاد إذا جاءا في الآثار، يرد الآحاد جماعة، منهم مالك رضي الله عنه في مواضع تعارضها (¬8) أصول الشرع. والقدرية لا تلتفت إليها. ولكنها تتناقض فيها، وشد بينا حقيقة الأخبار في كتب الأصول، ونحن نورد من ذلك أمثلة مختلفة المباني. خبر: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة إن الشيطان لا يتمثل بي" (¬9) فهذا يعلم قطعا أنه لا يرى ذات النبي (¬10) لوجهين: أحدهما أن ذاته لا تدرك في اليقظة فضلا عن المنام. الثاني: أنه يراه في صورة تخالف صورته الكريمة. فدل على أن هنالك محذوفا تقديره: من رأى مثالي فقد رآني، أي يكون ذلك دليلا على أنه رأى الحق، كما قال في رواية أخرى: "فقد رأى ¬

_ (¬1) ز: في نسخة: بيانه. (¬2) ز: في نسخة: فان. (¬3) د: جائز وواجب. (¬4) ب، د: ليعين جائزا، أو يبين حكما ابتلائيا. (¬5) ب: في نسخة: وبها أوقع. (¬6) ج، ز: كان في النظر مرجع البيان. (¬7) ز: في الهامش، في نسخة: أضرب. (¬8) د: يعارضها. (¬9) رواه الشيخان. (¬10) هنا يبدأ النقص في د.

خبر

الحق" إذ الشيطان وإن لعب بالإنسان في يقظته أو (¬1) منامه، فلا يلعب به بواسطة النبي، فكان ذلك المثال الذي يرى في المنام، هو مثال النبي ضرب عنه حقا. وقد سألت دانشمند (¬2) عن الرجل يرى النبي في المنام فيقول له: كان كذا، أو افعل كذا، مما يوافق الحق، أو يخالف ما روي عنه، أو ما يقتضيه القياس فقال لي: ذلك لا يوجب حكما، ليس بشك في حقيقة المثال، وتصديق الرؤيا، ولكن لأن الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه لا يوثق به في تحصيل ما رأى، فإن المستيقظ قد يفوته التحصيل، ويذهب عن الوعي، بغفلة، أو ذهول، أو نسيان، فكيف بحال النوم؟ انتهى قوله. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: وقد بينا أن الرؤيا أوهام، أو حقيقة إدراك، على الاختلاف في ذلك. وعندي أنه حقيقة إدراك، ولكن الملك يضرب بها المثل، وذلك مختص بحالة النوم تصرف فيه الأشياء عن ظواهرها، وتجري الكنايات والمجازات البعيدة فيها، بإذن صاحب الشريعة ووضعه، كما أنه منع الكنايات في بيان التوحيد، ووضع الأحكام وجرى كل على حكمه وبابه. خبر: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما يكون إلى يوم الساعة" (¬3) قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: فقد أخبر الله أنه خلق العرش والكرسي والقلم واللوح، وأمر القلم فكتب فاختلفت ها هنا خمسة معان: المعنى الأول: العرش، ولا خلاف بين المصلين أن العرش مخلوق جسم محدث عن أول سابق بعدم (¬4)، ولكنهم اختلفوا هل هو عبارة عن ¬

_ (¬1) ب: - أ. ز: على الهامش: في نسخة: أو. (¬2) ب: نشمند. ج: ذانشمند. كلمة فارسية بمعنى عالم العلماء. ز: كتب في الهامش: قف على سؤاله لشيخه أبي حامد الغزالي. (¬3) رواه أبو داود في كتاب القدر. (¬4) ب: لعدم.

المخلوقات أجمع أم عن مخلوق أعظم منها قدرا، وأعلى منها مكانا، والصحيح إنهما جميعا صحيحان موجودان. المعنى الثاني: الكرسي، وقد اختلف الناس فيه فمنهم من قال: إنه العلم، وقيل: إنه موضع القدمين (¬1)، ومعناه أن العرش منصوب كهيئتي الدست، والكرسي، موجود تحته كهيئة الكرسي الموضوع للملك في الدنيا يرقى إلى الدست عليه، ويضع إذا جلس قدميه فيه، وهي جلسة الجبارين فيما شاهدتهم عليه، ولم يرد في هيئته حديث يعول (¬2) عليه، فلا يلتفت إليه أما أنه من الجائز أن يكون كذلك والله (¬3) أعلم بوجه الحكمة في خلقه، إذ لا يصح بحال من المعقول أن يكون مقرا له، ونحن لا نعلم الحكمة في خلق الذر، فكيف أن نعلم (¬4) الحكمة في خلق العرش والكرسي، فلا معارضة بين القولين، فيجب الإيمان بالورود والتجويز للمعنيين، واعتقاد وجوب سعة العلم للكل، وتنزيه الرب عن الحلول والاتصال، ونكون حينئذ من الراسخين بفضل الله. المعنى الثالث: القلم، ليس يمتنع أن يكون جسما مؤلفا، ولا خلاف بين الأمة أنه كذلك، وقد تظاهرت الأخبار والآثار أنها أقلام، وقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية الصحيح، صريفها في ليلة الإسراء، في العلو الأعلى، ويحتمل أن يكون أول مخلوق قلما واحدا، فكتب، ثم خلقت سائر الأقلام بعده، ويحتمل أن يكون قوله: "أول ما خلق الله القلم" عبارة عن الجنس لا عن الواحد، والظاهر عندي أنه واحد خلقت بعده أقلام سنواه، والله أعلم. المعنى الرابع: أنه قال له: اكتب، قد بينا في "قانون التأويل" وجه الحاجة إلى الكتابة، وفضل الله فيها على الخلق، وما يدفع من مضرتهم، ويرفع من حاجتهم، ولما قال في الحديث: "فقال له اكتب" دل على أن هنالك مكتوبا فيه، وهو المعنى الخامس عبر في آية باللوح (¬5) وفي آخر (¬6) بالرق ¬

_ (¬1) ب: القدس. (¬2) ب: نعول. (¬3) ب، ز: في نسخة: ربنا. (¬4) ج: تعلم. (¬5) ب، ز: في حديث بأنه اللوح. (¬6) كذا في جميع النسخ، وصوابه: أخرى، بناء على أنه وصف للآية.

تكملة

المنشور، ويحتمل أن يكون (¬1) لفظين لمعنى واحد، وممكن أن يكونا لفظن لمعنيين، والظاهر أنهما واحد له اسمان، بل له أسماء المذكور منها هذان، الإسمان، وعند الانتهاء إلى هذا المام قالت طائفة: إن هذه (¬2) عبارة عن انتقاش المعلومات في قلوب العالمين، وعبر عنه بالقلم والكتب مجازا، إذ معنى الكتابة تثبيت صور العلوم، وذلك كله ثابت في قلوب العالمين فعبر (¬3) به (¬4) عنه. وهذا المعنى وإن كان جائزا في ذاته صحيحا في وجوده، فلا نقف بالقول فيه، بل نقول: إنه مكتوب في جسم بجسم (¬5)، وفي مؤلف بمؤلف، ويكون ذلك كله من خلق الله وحكمه، وحكمته بأن كتبه محسوسا ومعقولا، وجعله بالمعنيين موصولا. وإذا كان كل ذلك جائزا فهذا هو الظاهر، فإن الله قال: إنه أول ما خلق، القلم، وقال له: اكتب، ولم يكن هنالك (¬6) عالم ينتقش في قلبه معلوم، فعبر عنه بأنه مكتوب، وإنما خلق ما خلق، وكتب ما كتب، ثم أنشأ الخلق أطوارا، وعلمهم بالقول البيان، وبالقلم الكتاب، وأخبر عن الوجهين بقوله: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان، علمه البيان} [الرحمن: 3] وبقوله: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم} [العلق: 4] وقد زاد بعضهم بأن هنالك (¬7) دواة، وجعلها مذكورة في قوله: {ن والقلم} [القلم: 1] وهذه دعوى من غير برهان، فإن المداد مادة لنا في تصوير القلم لما يكتبه في وجه اللوح، وكتاب قلم الله، لا يحتاج إلى مادة، أما أنه لو ثبت طريق وجودها لقلنا به، وإن لم يثبت فقد استغني عنه. تكملة: وتبقى ها هنا نكتة، وهي أن كتابه يحتمل أن يكون بخلاف كتابة الخلق، ويحتمل أن يكون مثلها، فقد روى الترمذي (¬8) وغيره عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) في كذا في النسخ الثلاثة ب، ج، ز وصوابه: يكونا. (¬2) ب، ز: في نسخة هذا. (¬3) ب، ز: في نسخة: فعبروا. (¬4) ب، ز: + به في نسخه. (¬5) ب، ز: بجسم في جسم. (¬6) ب، ج: هنالك. (¬7) ز: هناك. (¬8) أبو عيسى محمد بن عيسى توفي سنة 279 هـ/ 892 م.

خبر

عمر (¬1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما على أصحابه، وفي يده كتابان فقال عن الذي في يده اليمنى: "هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل (¬2) على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا (¬3)، ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل (¬4) آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، ثم قال بيديه، فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة، وفريق في السعير" ولو أراد أحد أن يكتب أسماء أهل بلد في قراطيس تسع بيته، ما وسعت فيه، فكيف كفه؟ ولكن كتابة الباري على ما تقتضيه قدرته (¬5). وخذوا (¬6) دستورا في كلامه العربي، الذي نظمه لرسوله الأمي الذي أتاه جوامع الكلم (¬7)، وأنزل عليه القرآن معجزا للخلق، فذكر قصة نوح في خمس وعشرين آية، أملينا عليكم فيها خمسمائة مسألة، وذكر قصة موسى في تسعة آية، أملينا عليكم فيها ثمانمائة مسألة، وأفرد ليوسف سورة، أملينا عليكم فيها ألف مسألة. وليس يقدر أحد من الخلق على أن يجمع في قدر ذلك من الحروف، مقدارها من العلوم، فإذا شاهدتم هذه القدرة في المؤلف بين أظهركم، فماذا تستغربون من أمر فيما غاب عنكم، فقدر نفسك على أن الأقلام أجسام تكتب في الألواح (¬8) فوق السموات بصرير، وتصريف، وتقدير، وتصوير، وأن ذلك المكتوب ينكتب في قلوب الملائكة، وينتقل منه إلى قلوبنا، ويثبت بصفته في كل موضع بحسب حاله والكل جائز مقدور. والحديث (¬9) فيه صحيح مأثور. خبر: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى يوم القيامة بالموت ¬

_ (¬1) توفي سنة 74 هـ/693 م. (¬2) ب، د، ز: أحيل. (¬3) ب: - أبدا. (¬4) ج، د، ز: أجل. (¬5) رواه الترمذي في صحيحه، ج 8 ص 308. (¬6) ج، ز: وجدوا. (¬7) ب: الكلام. (¬8) ج، ز: ألواح. وكتب على هامش ز: في نسخة: ألواح. (¬9) ج، ز: الخبر.

في صورة كبش أملح، فيوقف على الصور بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ينظرون، ثم يقال: يا أهل النار، فيشرئبون ينظرون، فيقال لهم: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا (¬1) هو الموت فيذبح، ثم ينادي منادي يا أهل الجنة خلود، فلا موت، ويا أهل النار خلود، فلا موت، فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة، والبقاء، لماتوا فرحا، ولولا أن الله قضى لأهل النار الحياة فيها والبقاء، لماتوا ترحا". قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: لما سمع الناس هذا الحديث، من ذهاب الصدر الأول، قالت طائفة: لا نقبله، فإنه خبر واحد، وأيضا فإن جاء بما يناقض العقل، فإن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما، ولا يعقل فيه ذبحا، ولما استحال ذلك عقلا، وجب أن يمنح الحديث ردا. وقالت طائفة أخرى: إن كان ظاهره محالا، فإن تأويله جائز، واختلفوا في وجه تأويله على أقوال قد بيناها في كتاب "المشكلين"، أصلها (¬2) قولان: أحدهما أن هذا مثل، كما لو رأى أحد ذلك في المنام في زمان وباء، فيقال له: هذا الوباء قد زال، ويقع في قلبه في المنام، أن ذلك هو الوباء، وأنه بذبحه يرتفع عن المكان الذي هو فيه. وهذا له رونق، وربما (¬3) تلفق وتنمق، وآخر الأمر لا يستمر ولا يتحقق. الثاني: أن الذي يؤتى به متولي الموت، وكل ميت يعرفه، فإنه تولاه (¬4)، فإذا استقرت المعرفة به، أعدم لهم، العدم الذي عهدوه ولو شاء ربنا (¬5) لخلق لهم العلم بذلك ضرورة، ولكنه رتب لهم هذه القصة بهذه الحكمة، ويعبر عن المتولي لذلك الشيء باسم ذلك الشيء (¬6) قال فصيحهم: يا أيها الراكب المزجى (¬7) مطيته…سائل بني أسد ما هذه الصوت وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا…قولا يبريكم أني أنا (¬8) الموت ¬

_ (¬1) ج، ز: - هذا. (¬2) ب، ز: أصلهما. (¬3) ب: فما. (¬4) ب: يتولاه. (¬5) ز: في نسخة: ربك. (¬6) ب: وقال. (¬7) ج، ز: المرصى. (¬8) ج: أنني.

والذي يعضد هذا التأويل، ويحققه (¬1) قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا، ووجد الله عنده، فوفاه حسابه} [النور: 39] فأخبر عن جزائه (¬2) بذاته الكريمة، فكذلك يخبر عن الموت بمتوليه فاعلموا ذلك، وقد مهدنا القول مستوفى في تفاصيل الخبر، في كتاب "المشكلين" بما لبابه: إن خروج الروح من الجسد إن لم يكن موتا، إذ (¬3) كان الموت لا يكون حياة إلا برجوعه إلى الجسد، فإذا ذبح الكبش، ولم تخرج (¬4) روحه، فلا يرى أحد الموت، وإن رآه بعد خروج روحه، فلم تذبح (¬5) الموت، وإن رآه وقد خرج بعضه فليس بموت، والموت في حقيقته لا يتبعض، وإن توقفنا في الروح هل يدخل أو يخرج (¬6)، وإن قال: أرى مقدماته، عاد إلى المجاز، وأهل القيامة لم تبق (¬7) لهم غريبة لم يروها، ولا عادة منخرقة إلا عاينوها، فإنهم رأوا الأجسام الثقال تعلو، وعاينوا في الصراط الأجسام الثقال تمشي على المحدد (¬8) الدحض (¬9) ثابتة، وتجري كجرى الخيل، وتسير سير الريح، وتخطو خطو البرق، وأحسوا بالظمأ قد ارتفع من شرب الحوض، ورأوا العرق يسيل (¬10)، فيأخذ (¬11) كل إنسان عرقه على مقدار (¬12) ذنوبه، فيكون الشخصان متجاورين كخبزة النقي (¬13)، وأحدهما قد غرق في العرق، حتى شرق، وجاره قد بلغ إلى نصف ساقه، ورأوا القسطين على كراسي في الهواء قعودا (¬14) إلى غير ذلك من عظم الآيات، وأعظم منه الحياة بعد الموت، والقيام من الوفاة إلى الحياة، فقد تحققوا الحياة أولا، وثالثا، والموت ثانيا، فلا سالف إلا وقد حصل عندهم في باب كان، وسحبوا عليه ذيل العرفان، فلو ذبح لهم الموت قبل البعث لقال ¬

_ (¬1) ج، ز: وتحقيقه. (¬2) ز: كتب على الهامش: في نسخة: جوابه. (¬3) ج: إذا. (¬4) ب: يخرج. (¬5) ب: يذبح. (¬6) ج، ز: هل يخرج أو يدخل. (¬7) ج، ز: يبق. (¬8) ب: المجوز. ز: في نسخة: الحد. (¬9) ز: الدخض. (¬10) ب، ز: تسيل. (¬11) ز: كتب على الهامش: عله: يخوض. (¬12) ز: قدر. (¬13) ب: النفي. (¬14) ب: قعود.

من رآه ولم يمت: إني قد استرحت من الموت، وإنما يرى الموت قد ذبح، وهو قد ذبح قبل ذلك، وقطع آرابا ثم عاد حيا، فكيف يمتنع عنده أن يعود الموت بعد الذبح حيا؟ فكيف يئس (¬1) بذبحه مع تجويز عوده؟ فأنى لهم نفس مطمئنة؟ أم كيف يتحققون الخلود في نار أو جنة؟ هيهات ليست الحقائق في هذه الطرائق، ولا تنال المعاني بالأماني، ولا تؤخذ التحف من الصحف، وإنما هي منقولة من الفؤاد إلى الفؤاد، بواسطة اللسان والآذان، ونبذ المحال، بشد الرحال، وأعمال المطي، إلى المكان القصي، وملاحظة الأعيان بالعيان، وتحقيق القول في ذلك أن الروح تخرج (¬2) من الجسد في الدنيا على أنواع، تجمعهما حالتان: إحداهما (¬3): أن تنتفض البنية، وتنفك الرتبة، والثانية: أن تزهق الروح والبنية بحالها، من وقص أو رفس، ومع عمل من الآدمي كالخنق، ولدم القلب، ورض الانثيين، وغير ذلك من الأنواع الخفي على الناس وجه اتصالها بالموت، والموت وإن اعتقده المعتقدون خروج الروح من الجسد، وأن الروح جسم لا بد له من منفذ لصفته (¬4) المذكورة، فإذا وقع الخنق، فمن أين تخرج (¬5) والمنفذ مستد؟ وإن قال: هو جسم لطيف. قلنا: اللطيف والكثيف له محله، وسبيله بصفته، والذي يدل عليه أن الريح التي هي شبيه (¬6) الروح في الحروف تأليفا، وفي الاشتقاق وزنا، وتصريفا، وفي الكيفية ظنا وتخمينا، إذا سد (¬7) عليها المنفذ، لم يكن لها مخرج، ولقد روى أن الخزانة فتحت على عاد (¬8) منفذ الريح في مسلك محصور مثل حلقة الخاتم، وعتت، حتى فعلت ما فعلت بقدرة من مكنها فتمكنت، فأفاد أنه لا يكون سلوكها إلا على مسلك بقدر فعلها، ومن يظن الروح لها دخول وخروج كدخول الأجسام وخروجها في المعتاد فيها، هيهات له هيهات المدى، بل له معنى بديع يبرزه النظر، ويشهد له الخبر، فإن قيل: فقد روي أن يحيى ذبح أو نشر ولم يمت: ¬

_ (¬1) ب: يأنس. (¬2) ج، ز: يخرخ. (¬3) ج، ز: أحدهما. (¬4) ب، ج، ز: لضيقته. وكتب على هامش ز في نسخة: لصفته. (¬5).، ز: يحرج. (¬6) ج، ز: نسيب. (¬7) ب: شد. (¬8) ج: - عاد.

قلنا أخبار من (¬1) غير أحبار، ولو صحت لقلنا: إنه ذبح ثم أحيي، وقد أحيي بعد الموت في الدنيا جماعة، ولابن البهاء (¬2) كتاب فيهم، كبير مفيد، وقد يمكن أن يذبح الحي فلا يموت، فإن قيل: فحركة المذبوح بعد الذبح، ما هي؟ قلنا لهم: هي عندهم مستعارة، وحقيقتها نبينها إن شاء الله تعالى (¬3). فإن قيل: فكيف يأكل أهل الجنة من لحم حيوانها أمع (¬4) بقاء الحياة؟ فقد روي أنه يقع بين أيديهم مشويا. قلنا: ويجوز أن يكون مع ذلك حيا سويا، ويلقم وهو يتكلم، وكما الشواء (¬5) من غاير استواء، كذلك يؤكل حيا مع الاستواء (¬6)، وسقطت الذكاة لأن الجنة ليست بدار تكليف، ولما سقطت الذكاة، سقطت متعلقاتها والله أعلم. وطريقة الكلام في المسألة المتقدمة أن الله يخلق لهم العلم اليقيني، في دار اليقين، بأن الموت لا يعود أبدا. ولو خلق لهم هذا العلم ابتداء دون ذبح شيء لكان ذلك واقعا موقعه، ولكنه بحكمته جعله مخلوقا منوطا بسبب، كما كان عند العلم اليقيني في الدنيا، أن من ذبح أو مات لا يعود فيها أبدا، فرتب لهم سبحانه شيئا يشبهه، حتى يكون العلم الثاني على ما رتب عليه العلم الأول، وثبت (¬7) [و 79 أ] في نفوسهم العلم بالمراد كما أثبته من قبل، وكان عود الحياة بعد الموت الأول بخبره، كذلك يكون امتناع العود إلى الموت الثاني بخبره، وتطمئن نفوس أهل الجنة بالخلود، ويزيدهم قوله لهم (¬8): أحل عليكم رضائي (¬9) فلا أسخط بعده أبدا. ويقع اليأس لأولئك، وتطبق (¬10) عليهم النار، وينفذ (¬11) الحكم، ويقع الفصل، ويظهر الوعد الصدق، والله يختم لنا ولكم بالحسنى برحمته. ¬

_ (¬1) ب، ز: في نسخة: عن. (¬2) ب: ابنها. والصحيح أنه ابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد (+281 م/894م) وكتابه يسمى "من عاش بعد الموت" مخطوط (الأعلام للزركلي، ج4 ص260). (¬3) ب، ز: - تعالى. (¬4) ب: - مع. (¬5) ب: انشئوا. (¬6) ب: من غير اشتواء. (¬7) د: انتهاء ما سقط وهو يوازي من ص 22 إلى 55 ج 2، من طبعة ابن باديس. (¬8) د: - لهم. (¬9) ب: رضواني. (¬10) ج: تصبق. (¬11) و: ينفد.

خبر

خبر: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأنبياء ليلة الإسراء رؤيا عين، لا رؤيا قلب، في المنام، وذكر فيه أنه رأى جميع الأنبياء في السماء، ورأى موسى عند قبره يصلي مع أنه رآه في السماء، وروي أنه رآهم في المسجد الأقصى، وصلى بهم (¬1)، ورأى عيسى يهادي بين رجلين كأنما خرج من ديماس (¬2) ورأى، أو قال كأني (¬3) أنظر إلى يونس يلبي، وتجيبه الجبال، وعليه عباءتان قطوانيتان، ولأجل هذا قال جماعة: إن الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان مناما، فأنكروا صحيحا جائزا، لأنه تعذر عليهم ثقيل يعلو، وميت (¬4) يحيا من طريق العادة، واطمأنت به نفوس العلماء فإن اعتلاء الثقيل كنزوله، وإذا نزل جبريل مع خفته (¬5) جاز أن يعلو محمد مع ثقله، والذي يمسك السموات بغير عمد، والأرض معها بغير أمد محدد (¬6)، يجوز في حكمته (¬7)، ويتيسر في قدرته أن يعلو بالثقيل إلى ذلك المنتهى، ويجوز أن يحيي له الأنبياء فيردهم (¬8) الله إلى هيئتهم، ويريهم (¬9) إياه في مواضع مختلفة (¬10)، وفي أوقات متباينة ونحن إنما نتكلم مع أهل الملة، ومن يتوجه إلى القبلة، فإن (¬11) تكلم معنا سواهم، رجعنا معه إلى الأصل المتقدم، ويجوز أن يقول النبي (¬12) في يونس: كأني أراه يلبي كما تقول أنت اليوم (¬13): كأني بالنبي محمد (¬14) في [و 80 أ] عرفة (¬15)، في حجته. والناس حوله، وأسامه رديفه (¬16)، لأنك قد تحققته، والأول (¬17) في جهة النبي (¬18) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: معهم. (¬2) ج: كتب على الهامش: قوله: ديماس هو الحمام. (¬3) ج: - كأني - (¬4) ج، ز: سببت. وكتب على الهامش: عله: ميت. (¬5) د: ثقله. (¬6) ب، ج، ز: مجدد. (¬7) د: حكمه. (¬8) د: ويردهم. (¬9) ب؛ فريهم. ج: فيرهم. (¬10) ب، ج، ز: - و. (¬11) ب: + من - (¬12) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬13) د: - اليوم. (¬14) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬15) د: بعرفة. (¬16) د: ردفه. (¬17) ج: الأولي. (¬18) د: + صل الله عليه وسلم.

خبر

أصح إذ (¬1) قال: رأى، وهو (¬2) جائز إذ (¬3) قال: "كأني". خبر: ومن ذلك قوله في حديث الكسوف: "رأيت الجنة والنار في عرض هذا (¬4) الحائط، ودنت، فأردت أن أتناول منها عنقودا" فقد علمنا أن عرض الحائط لا يتسع (¬5) لأقل (¬6) حائط بالمدينة، فكيف للجنة؟ وإنما أراد أنه رآها في جهة القبلة، وهذا مما لا يؤمن به القدرية أبدا، لأن الرؤية عندهم إنما هي اتصال الأشعة من نور البصر إلى المرئي (¬7) على خطوط مستقيمة أو معوجة بحسب اختلاف المناظر، وهي بواطل قد بيناها في غير موضع من كتبنا. وإنما الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى (¬8)، يجوز عندنا أن يجعله في الرأس والرجل والخد والظفر، وإن كان أجرى العادة أن يكون في المقلة. فالمعنى في الحديث (¬9) أن الله (¬10) خلق لرسوله (¬11) الإدراك، وهو في عرض الحائط، وخطر بباله أن يتناول منها عنقودا، فلو حاول ذلك لأخذه، كما قال، لأنه قد كان ألقى في نفسه أو سمعه، أنه إن شاء أن يتناول تمكن (¬12)، وليس من شرط التمكن اللمس، بل بمد (¬13) يده وإرادته يأتي ذلك (¬14) إلى يده من مكان بعيد بل بإرادته (¬15) وحدها. وهذا كله وإن كان خلاف العادة، فإنه مقتضى القدرة، ولما بعد ذلك عند القدرية، قالوا: صقلت له صفحة الحائط فتمثلت له الجنة والنار، في ذلك الجسم الصقيل. فيا (¬16) عجبا لهم هذا خلاف العادة، مما تقتضيه القدرة، وليست القدرة في صحة ما يتعلق بها من الجائزات موقوفة ¬

_ (¬1) د: إذا. (¬2) د: هذا. (¬3) ج، د: إذا. (¬4) د: - هذا. (¬5) د: يسع. (¬6) د: لحمل. (¬7) د: المرء. (¬8) د: - تعالى. (¬9) ب، ج، ز: - في الحديث. (¬10) د: + تعالى. (¬11) د: + محمد صلى الله عليه وسلم. (¬12) د: ويمكن. (¬13) ب، ج، ز: يمد. (¬14) د: ذلك يأتي. (¬15) ب: إرادته. (¬16) د: ويا.

على ما قالوه من الصقل (¬1) خاصة، بل هي جائزة في الصقل والنقل (¬2)، وإذا جاز صقل الحائط فلا يرى [و 85 ب] فيه (¬3) الجنة ممن قابله إلا محمد (¬4)، جاز أن يخلق له الإدراك وحده بها. ويحتمل أن يكون قوله: "رأيت الجنة والنار في عرض الحائط" أي مستقرب يوازي في القرب عرض الحائط بما اطلع عليه منها، وألقى إليه من التمكن (¬5) بها، وإذا أمكن المرء من البعيد صار قريبا، كما أنه إذا لم يمكن، كان أبعد من السماء، وإن كان مصاقبا له، وهذا لا يخفى على ناظر منصف، يعضده ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به، وقال لقريش: "كنت البارحة في بيت القدس" (¬6) فقالوا له: صفه لنا، قال: "فكربت كربة لم يصبني قط مثلها، فأراني (¬7) الله إياه عند دار أبي جهم، فطفقت أنظر إلى بابه (¬8)، وأخبرهم عنه" فإن كان نقل (¬9) رؤية (¬10)، فقدرة وآية، وإن كان خلق له الإدراك حتى صار في التبيين له، كأنه قريب منه، كقرب دار أبي جهم فآية، والكل جائز، وربنا عليه قادر. قال القاضي أبو بكر (¬11) رضي الله عنه: وبعد هذا، أخبار كثيرة هذا دستورها، وقد يضاف إليها بالجهل، ما ليس له أصل كقولهم: (أول ما خلق الله (¬12) العقل (¬13) فقال له (¬14) أقبل) الحديث. وهذا لم يصح،؟ ولو تعدل راويه (¬15) لكان له وجه بأن يخلقه في محل، ولكون الخبر عنه صحيحا معقولا، وقد بينا أنة العلم، فإليه يرجع معناه، وإليه يتركب المراد به. وبقيت بعد ذلك معضلة وهي أن القيامة يوم عظيم فيه أعلام وأحكام، وأجسام (¬16) فقد ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الصقيل. (¬2) ب، د: التفل. (¬3) د: فيها. (¬4) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬5) د: التمكين. (¬6) ب: في القدس. (¬7) ب: وأراني. (¬8) د: آياته. (¬9) ج، ز: يقل. (¬10) د: ولم يرده. (¬11) د: قال أبي. (¬12) ب: + تعالى. (¬13) د: + أو خلق الله العقل. ز: كتب على الهامش: قلت لعل المراد بالعقل هنا هو محل العلم أو النور الذي يكون به إدراك العلوم. (¬14) د: - له. (¬15) د: رواية. ج، ز: رواته. (¬16) ز: توجد "أجسام" في نسخة.

روي (¬1) في الحوض والصراط أحاديث صحيحة، وأما (¬2) الميزان فإنما ذكر في القرآن، وانفرد القرآن بذكر الميزان والوزن، وانفردت (¬3) السنة بذكر الصراط والحوض. أما أنه روي عن [و 81 أ]، أنس (¬4) أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (أحب أن تشفع لي يوم القيامة، قال: "أنا فاعل" قال: قلت يا رسول الله: أين أطلبك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني على الصراط"، قلت: فإن لم ألقك على الصراط، قال: "فاطلبني عند الميزان"، قال: فإن لم ألقك عند الميزان، قال: "فاطلبني عند الحوض") والحديث لم يصح، بل أنه ثبت في الأحاديث الصحاح (¬5) في الشفاعة (¬6): (أخرجوا من النار من في قلبه دينار، نصف دينار، شعيرة، ذرة) وذلك مما لا يعرف إلا بالوزن، فكأنه نبه بالسنة على ما صرح به (¬7) القرآن [من أمر الميزان، وصرح في السنة بما نبه به في القرآن،] (¬8) من أمر الصراط والحوض، فلما كان هذا الأمر (¬9) هكذا، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: إن الأعمال توزن حقيقة في ميزان له كفتان، وشاهين في قبان، ويجعل في الكفتين صحائف الحسنات والسيئات، ويخلق الله الاعتماد فيها على حسب علمه بها، وصفة أعمال عباده لها. وانبنى ذلك على التعديل والتجوير والتحسين والتقبيح، وأن الله يفعل ما يشاء، ولا يترتب عليه حكم في فعل يناسب عملا من أعمال (¬10) أهل الدنيا، وإنما هو الخبر كما جاء والحكم لله العلي الكبير كما أراد. وتعارضت آيات الوعد والوعيد، وجرى فيها ما بيناه في غير موضع، ومنهم من قال - وهم المبتدعة -: إنما يرجع الخبر عن (¬11) الوزن إلى تعريف الله سبحانه (¬12) العباد بمقادير أعمالهم. ونقل ¬

_ (¬1) د: ورد، ز: في نسخة: ورد. (¬2) د: فأما. (¬3) د: وتفردت. (¬4) أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر خادم رسول الله، توفي سنة 93 هـ/ 711 م. (¬5) د: في. (¬6) ب: - من الشفاعة. (¬7) ج: - به. (¬8) ب: سقط ما بين القوسين. (¬9) د: أمر. (¬10) ب: - أعمال. (¬11) د: على. (¬12) د: - سبحانه.

الطبري (¬1) وغيره عن مجاهد (¬2) أنه كان يميل إلى هذا القول، فإن كان هذا النقل عنه صحيحا، إنه لمزلة قدم، وفاتحة لمن يرى قلب الألفاظ لغير ضرورة (¬3)، مع إمكان حملها على ظاهرها، وليس يمتنع أن يكون الميزان، والوزن على ظاهره، وإنما يبقى النظر في كيفية وزن الأعمال، وهي أعراض، فها هنا يقف من وقف، ويمشي على هدى (¬4) [و 81 ب] من مشى، فمن كان رأيه الوقوف، فمن الأول ينبغي أن يقف، ولئن (¬5) أراد المشيء ليجدن سبيلا ميثاء (¬6)، فإنه يجد، هاهنا ثلاثة معان: ميزانا، ووزنا، وموزونا، وكل واحد [منها معلوم، وبعضها مرتبط ببعض، لا يصح أن ينفرد (¬7)] (¬8) [منها واحد عن الآخر] (¬9) للملازمة التي يقتضيها اللفظ، ويقضي بها العقل، قال (¬10) الله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} [الأعراف: 8] فعلمنا أن هنالك وزنا، وقال: {فمن ثقلت موازينه} [الأعراف: 8] فعلمنا أن هنالك ميزانا نصا، وموزونا نصا (¬11) لأنه قال: {موازينه} بعد قوله: {فمن ثقلت} فاقتضى ثقلا في ميزان، وذلك هو الموزون فصارت الثلاثة كلها في القرآن، واقتضى ذلك موزونا يخف تارة، ويثقل أخرى، فيخف الميزان به (¬12) ويثقل، ولم يبق إلا تعيين الموزون. وقد ورد في الحديث الصحيح أنه يوزن عمله من إيمانه ومن حسناته (¬13)، وبه يخرج من النار، كما أن بعمله السيئ دخلها، فإذا ثقلت السيئات ودخل النار، روعي له عند الخروج الإيمان من ذرة إلى (¬14) شعيرة إلى دينار، ولو روعي له ذلك في الوزن الأول، ما دخل النار لرجحانه له (¬15)، ولكنه تأخر، إما لوزن ¬

_ (¬1) أبو جعفر محمد بن جرير، توفي سنة 310 هـ/922 م وكان من المجتهدين. (العبر، ج 2 ص 146). (¬2) مجاهد بن جبير أبو الحجاج من كبار المفسرين، توفي سنة 103 هـ/ 721 م. (¬3) ب، ج، ز: صورة. كتب على هامش ز عله: ضرورة. (¬4) ج: هذا. (¬5) د: لمن. (¬6) ج، ز: ميتاء. د: بينا. (¬7) ب: يفرد. (¬8) ج: سقط ما بين القوسين. (¬9) د: سقط ما بين القوسين. (¬10) ب، ج، ز: فقال. (¬11) ب، ج، ز: تكرر: نصا. (¬12) ب: - به. (¬13) د: خيره. (¬14) ب: - إلى. (¬15) د: - له.

السيئات ورجحها، و (¬1) إما لأنه مدخر (¬2) للخروج من النار، وقد بينا ذلك في موضعه من "المشكلين" فدل صحيح هذا الخبر، على أن أعمال الجوارح توزن وبها (¬3) ينجو من العذاب، أو يقع فيه، وأنه يخرج بما في قلبه من إيمان (¬4)، إذ الأعمال تضعفه، فإذا بقي له (¬5) مقدار (¬6) ذرة، عصم من الخلود به. ومن مشى في طريق الوزن وتتبع (¬7) ألفاظه وجده صحيحا في كل لفظة (¬8)، حتى إذا بلغ إلى تعيين الموزون، ولم يتبين له، لا ينبغي أن يرجع القهقري، فيبطل بأن يبقى ما تقدم على حقيقته (¬9) وصحته، ويسعى (¬10) في تأويل هذا، وتبيينه (¬11). [و 82 أ]، وإنما يكون الرجوع في قياس الخلف النظري (¬12) في المعقولات على الوجه الذي بيناه في أبواب النظر، فلا نقول (¬13) إذا (¬14) لم نعلم (¬15) عين الموزون، يسقط الكل، وإنما وجب الرد في قياس (¬16) الخلف، لابتناء (¬17) بعض المقدمات على بعض، وأما ها هنا فألفاظ صحيحة، ومعان صائبة (¬18) وإمكان موجود، فينبغي إذا عرض في أثناء ذلك التعذر أن يفرد بالنظر. وإذا ثبت هذا، قلنا: قد ثبت أن أعمال العباد مكتوبة في صحائف تنشر له، فيقع الوزن في الصحائف، ويخلق الله فيها (¬19) الثقل، والخفة على حسب عمله بها، وهذا كله مبني على أصل يخالف (¬20) فيه الفلاسفة والقدرية، التي فرت من الوزن لأجله، وذلك لأن الثقل والخفة عندهم، إنما هو بكثرة الأجزاء وقلتها، وعندنا (¬21) بما يخلقه الله فيها، فجرت العادة في الدنيا بأن يتبع الثقل كثرة الأجزاء، والخفة قلتها، فإذا خرق العادة ارتبط الثقل ¬

_ (¬1) ج: - و. (¬2) ب، ج، ز: مؤخر. (¬3) د: فيها. (¬4) د: إيمان. (¬5) د: لهم. (¬6) د: مثقال. (¬7) ب، ج، ز: تبع. (¬8) د: لفظ. (¬9): حقيقة. (¬10) د: سعى. (¬11) د: وتبينه. (¬12) د: - النظري. (¬13) د: يقول. (¬14) د: إذ. (¬15) د: يعلم. (¬16) د: القياس. (¬17) د: لانشاء. (¬18) د: صحيحة. (¬19) ب: فيه. (¬20) د: تخالف. (¬21) د: + إنما هو.

والخفة بخلقه، وزمان القيامة زمان خرق العادة عندنا وعندهم، ومجاهد لا يحتاج معه إلى هذا (¬1) بل يلزمه الأمر من أول كرة، لمساعدته لنا في عموم القدرة، وهذا (¬2) ربط به الثقل والخفة في الدنيا ليجعله سبيلا إلى معرفة الخلق بالمقدار والمقدار في الآخرة إنما يكون بمادة عمله من الأعمال، لا بنقل ولا بخفة فيها، لأنها ليست بأجزاء، وقد فعل الله (¬3) سبحانه في الدنيا فعلا من ربط الثقل، والخفة بكثرة الأجزاء، عايناه وأخبرنا أنه يفعل في الآخرة غيره، والقدرة عامة، فوجب (¬4) التصديق للخبر إذ (¬5) لا بد من الرجوع إلى علمه بها باتفاق منا، ومنهم أجمعين. فإن قيل فيعلمهم، فأي حاجة إلى الميزان؟ قلنا نصب الميزان ليس (¬6) [و 82 ب] لحاجة، ولا نصب الصراط لحجة، وإنما ذلك لحكمة ليرى الخلق عيانا، ما كان أخبرهم عنه برهانا، وللعيان تأثير لا بد منه في الدنيا والآخرة، كما أخبر به، فلا ترجعوا عن الظاهر إلى الباطن، ولا تحترسوا في (¬7) أمر لا بد لكم منه، في كيفية أحوال الأعمال في الآخرة، فإنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن البقرة وآل عمران، معا يأتيان يوم القيامة، كأنهما غمامتان أو كأنهما خرقان، من طمر صواف تظلان صاحبهم"، والسورة لا تأتي، والحروف (¬8) والأصوات لا تتشكل، والخبر قد صح، وتأويل من قال يأتي ثوابها كلام مستور لا علم عنده، فيرسل (¬9) عذبة (¬10) لسانه، في الذي ليس من شأنه بما لا تتحصل (¬11) حدوده، ولا يثبت وجوده، وأنما يحمل على معان، منها أن الصحيفة التي قرأ فيها، أو كتب الملك فيها، قراءته تظله (¬12)، أو ينشئ الله (¬13) له غمامة يقال: هذه سورتك التي كنت تقرأ. فإن قيل: فهذا هو الثواب. قلنا: نعم، ولكن ليست الغمامة ¬

_ (¬1) د: مدا. (¬2) ز: في نسخة: - هذا. (¬3) د: - الله. (¬4) ز: في نسخة: توجب. (¬5) ب: إذا. (¬6) ليس نصب الميزان. (¬7) د: من. (¬8) ج، ب، ز: - والحرف. (¬9) ب، ج، ز: فيرعد به. كتب على هامش ز: خ نسخة: في نسخة: فيرسل. (¬10) ب، ج، ز: عذبة. (¬11) ب، د: يتحصل. (¬12) ب: تطلبه. (¬13) د: - الله.

خبر

السورة (¬1)، ولم يرد تسميتها ثوابا، فكيف يخبر (¬2) عما يشكل بما يشكل، وإنما كان يقول: يأتي ثوابها، لو قاله النبى - صلى الله عليه وسلم -، فيفسر، وأما تفسير المشكل - والمحتمل بمشكل محتمل، فمما (¬3) لا يجوز شريعة، ولا يصح عربية. خبر: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر: آخر (¬4) أهل النار خروجا من النار، فقال: "يؤتى مثل الدنيا وعشرة أمثالها وذلك أقل أهل الجنة منزلة"، فلما سمع قوم هذا عظم ذلك عندهم (¬5) لوجهين خطأين أحدهما: جهلهم بعموم قدرة الله، وعلمه، وسعة مخلوقاته قياسا على أنفسهم، وقصرا [و 83 أ]، لخواطرهم القاصرة عن منتهى العلوم (¬6). الثاني: اعتقادهم أن الجنة (¬7) هي السموات وهي لا تتسع (¬8) لهذا، وكيف وهي من الدنيا؟ فذلك أبعد. قال القاضي أبو بكر (¬9) رضي الله عنه: فقال لي أبو حامد الغزالي: إنما يؤتى مثل الدنيا في القيمة والقدر، لا في المساحة، وقيد شبر من الجنة خير من الدنيا، بغير حصر بمثل (¬10)، ولا بعشرة أمثالها، ولا بأكثر من ذلك، كما يقال: هذه الياقوتة خير من ألف مثقال، لا في الوزن، ولكن في القيمة والمنفعة، لأنها تساوي بالتقويم أكثر من ألف. فقلت: هذا المذكور، يؤتى مثل الدنيا في (¬11) عشر مرات مساحة وقيمة، فإن القيمة لا تنحصر، إذ نصيف حورية، خير من الدنيا، والقدرة متسعة للمساحة والقيمة جميعا، والخلاء يحتملها، فافرض ما شئت في العدم، وأخرجه إلى الوجود، جاز عقلا، وصح، إذا خلق وجودا (¬12) وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء) وليس هذا بإخراج لها من حد المحسوس إلى المعقول، كما تقوله ¬

_ (¬1) د: والسورة. (¬2) ج: الخبر، د: تخبر. (¬3) د: ما. (¬4) ب: أخير. (¬5) د: عندهم ذلك. (¬6) د: المعلوم. (¬7) د: الجنات. وكتب على هامش ز في نسخة: الجنات. (¬8) د: تسع. (¬9) د: قال أبي. (¬10) د: مثل. (¬11) د: - في. (¬12) ب: وجودان.

قاصمة

الفلاسفة، وإنما هو للفرق (¬1) بينهما من أوجه كثيرة أحدهما: أن الجنة لا تفنى، والدنيا تفنى، والجنة لا تستحيل ولا تتغير، والدنيا، بخلافها (¬2)، والجنة لا آفة فيها، والدنيا كلها آفات (¬3) من لغو، وهم، وغول، وملل (¬4)، وغل، وحسد، ومنازعة، وكل ما يكدر نعم الدنيا، فالجنة منزهة عنه، في ذات وصفات وأفعال. وبذلك تم النعيم، وكمل الأخذ (¬5)، وطاب العيش. والدنيا ما يكون فيها ينشأ بتركيب وتدريب، وترتيب، والجنة إنما يقول العبد فيها للشيء (¬6) كن فيكون، وكل شيء في الدنيا ينفع ويضر (¬7)، والجنة منفعة بجميع ما فيها، لا مضرة معها، فهذه سبعة وجوه أصول، بله ما يتبعها من أعظم (¬8) التفصيل. وبالجملة [و 83 ب]، فإذا (¬9) أردت أن تعقل أمرك في الجنة فتصور نفسك وقدرها في جنتك، مع من تحب من أهلك لا ينقصك أمل، ولا يتوقع حول (¬10)، وما تمنت نفسك وصل إليك، وما كرهته من شيء دفع عنك، واجتمع عندك الأمران: نيل كل مطلوب على العموم، والأمن من كل مرهوب على العموم، ورضى ربك ورؤيته أعظم من أن تقدر لذته، أو تتصور، واقرأ إذا أردت أن تعلم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]. قاصمة: قد سبق أنه انقسم حال السامعين لكلام الله إلى من جعله كله باطنا، وآخر جعله كله ظاهرا، وأن الذي جعله ظاهرا، بدأ بالباريء وصفاته فقال (¬11) فيها ما تقدم، وقمنا بفرض البيان فيه (¬12)، بما أمكن، وعصمنا البيان فيه (¬13) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الفرق. (¬2) ج، د، ز: بخلافه. (¬3) د: آفة. (¬4) ب: ملك. د: هلك. (¬5) ث: الأمر. ز: في نسخة: الأمر. (¬6) ب: لشيء. (¬7) د: يضر وينفع. (¬8) د: عظيم، ج، ز: عظم. (¬9) ب: إذا. (¬10) د: تتوقع حولا. ج، ز: تتوقع حول. (¬11) د: وقال. (¬12) د: من فرض فيه. (¬13) د: - فيه.

بما عصمناه به، وهنالك (¬1) من تعلق به في مسائل الأحكام خاصة وجعله الدليل على الأحكام وحده، وأسقط الاستنباط، لأنه مستغنى عنه، قال: لأن (¬2) الله لم يبق حكما إلا نص عليه، ولا مشكلا إلا بينه وأرشد إليه، فلا يؤخذ حكم إلا منه ولا يوجد بيانه إلا فيه، والحكم بالرأي، والقول بالقياس ضلال (¬3) في الدين، وعدول عن سنن المرسلين، ومشاقة لله ولرسوله (¬4) وللمؤمنين، وهي أمة سخيفة، تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم تفهمه، تلقفوه من إخوانهم الخوارج، حين حكم علي، رضي الله عنه (¬5) يوم صفين فقالت: لاحكم إلا لله، وكان أول بدعة لقيت في رحلتي كما قلت لكم، القول بالباطن، فلما عدت وجدت القول بالظاهر (¬6) قد ملأ المغرب بسخيف (¬7) كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم (¬8) نشأ وتعلق بمذهب الشافعي (¬9) ثم انتسب [و 84 أ] إلى داود (¬10)، ثم خلع الكل، واستقل بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم لنفسه، ويشرع (¬11)، وينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول على (¬12) العلماء ما لم يقولوا، تنفيرا للقلوب (¬13) عنهم وتشنيعا عليهم (¬14)، وخرج (¬15) عن طريق الشبهة في (¬16) ذات الله وصفاته فجاء بطوام قد بيناها في رسالة "الغرة" واتفق له أن يكون بين أقوام لا نظر (¬17) لهم إلا المسائل (¬18)، فإذا طالبهم بالدليل، كاعوا، ¬

_ (¬1) ج، ز: تهالك. وكتب في هامش ز في نسخة: هنالك. (¬2) ب: إن. (¬3) د: + كله، ب، ز: + كلها. (¬4) ب، ج، ز: رسوله. (¬5) د: - رضي الله عنه. (¬6) د: بالباطن. (¬7) ب، ج، ز: سحيف. وكتب على هامش ب، ز: في نسخة: بسخيف. (¬8) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ذو معرفة واسعة بالكتاب والسنة وبالعلوم العربية والفلسفية والديانات والملل، توفي سنة 456 هـ/ 1563 م. (¬9) أبو عبد الله محمد بن إدريس إمام الشافعية توفي بمصر سنة 204 هـ/، 820 م. (¬10) داود بن علي أبو سليمان الأصبهاني فقيه ظاهري، توفي سنة 170 هـ/ 787 م. (¬11) د: يتشرع. (¬12) ب، ج، ز: عن. (¬13) ب: ينفر القلوب. (¬14) ج: عنهم. (¬15) ب: خروجا. (¬16) ب: + فيه. د: + به. (¬17) د: بصر. (¬18) د: بالمسائل.

عاصمة

فتضاحك مع أصحابه منهم (¬1)، وعضدته الرياسة، بما كان عنده من أدب، وشبه (¬2) كان يوردها على الملوك مع عامتهم (¬3)، فكانوا يحملونه حفظا لقانون الملك (¬4)، ويحمونه لما كان يلقى إليهم من شبه البدع والشرك. و (¬5) حين عودتي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة، ونار ضلالهم (¬6) و (6) لافحة، فقاسيتهم مع غير أقران، وفي عدم أنصار، إلى حساد يطأون عقبي، فيدوسون ذيلي، فإذا دنوا (¬7) عدموا (¬8) جانبي (¬9)، فتارة تذهب لهم نفس (¬10)، وأخرى تنكسر لهم ضرس (¬11)، وأنا ما بين إعراض أو تشغيب بهم، ولم يكن هنالك من يقف الأمر، على حد المناظرة، فينصر (¬12) الحق، ويظهر الصدق، فداريت (¬13) الأنام، ودارت الأيام، وقد كان جاءني بعض الأصحاب بجزء لابن حزم سماه "نكت الإسلام" فيه دواهي فجردت عليه نواهي، وجاءني برسالة "الدرة" في الاعتقاد، فنقضتها برسالة "الغرة" والأمر أفحش من أن ينقض، وأفسد (¬14) من أن يفسد، إذ ليس له ارتباط، ولا ينتهي إلى تحصيل، يقولون لا قول إلا ما قال الله، ولا نتبع (¬15) إلا رسول الله، فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد، ولا بالاهتداء بهدي بشر، ولا بالانتقياد إلى أحد. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬16) رضي الله عنه: اعلموا أرشدكم الله إلى طريق التعليم، ويسر لكم أسباب التفهيم، أنا قد مهدنا في "النواهي" عن ¬

_ (¬1) د: - منهم. (¬2) د: شبهة. (¬3) د: عاميتهم. (¬4) د: الملوك. (¬5) د: - و. (¬6) ب: بياض مكان: ضلالهم. (¬7) د: رثوا. (¬8) ز: في نسخة: عزموا. (¬9) ب، ج، ز؛ حافتي. (¬10) ب، ج، ز: نفسي. (¬11) ب، ج، زت ضرسى. (¬12) د: فينظر. (¬13) ب، ج، ز: فدربت. (¬14) ب، ج، ز: ما فسد. وكتب عل هامش ز بخط مخالف: وأفسد. (¬15) د: يتبع. (¬16) د: قال أبي.

[84 ب] الدواهي "وجه الرد عليهم (¬1) وطريق الدخول إليهم، ويجب أن تتحققوا أنهم ليس لهم دليل على قولهم (¬2)، ولا حجة على رأيهم، وإنما هي سخافة، في تهويل. فأنا أوصيكم بوصيتين: إحداهما (¬3): ألا (¬4) تستدلوا عليهم، الثانية (¬5): وأن تطالبوهم (¬6) بالدليل، فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب عليك، وإذا دعوته إلى الاستدلال لم يجد إليه سبيلا، فإن الله تعالى (¬7) لم يجعل له (¬8) على الباطل دليلا (¬9). فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله فحق، ولكن أرني ما (¬10) قال الله. وأما قولهم: لا حكم إلا لله، فغير مسلم على الإطلاق، بل من حكم الله أن جعل (¬11) الحكم لغيره، فيما قاله، وأخبر به، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثابت من الحديث: "إذا حاصرت أهل حصن فطلبوا أن ينزلوا إليك، فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك" (¬12) وهذا نص في مسألتين بديعتين إحداهما: أنه يجوز أن يقال: إن (¬13) لحكم إلي فيك شرعا، والثانية - وتقوي الأولى - أن حكم الله لا يعلم إلا بقوله، وما لم يقل فيه شيئا لنا (¬14)، فلا نتركه دون حكم، ولكنا نحكم فيه بما يقتضيه النظر في أمثال أحكامه وأشباهها، فيلا فكان قوله: لاولكن أنزلهم على حكمك" بمعنى أنفذ فيهم ما تشتهي وما تريد. وإنما أفاد بهذا هذه المسألة (¬15) البديعة، وهو أنه لا يقول المجتهد: هذا حكم الله، وإنما يقول: هذا فرضي في عملي، وعلمي. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: عليه. (¬2) د: عقولهم. (¬3) ب، ج، ز: أحدهما. (¬4) ب، ج، ز: لا. (¬5) ب، ج، ز: - الثانية. (¬6) ب: ولا تطالبوهم. وطالبوهم. (¬7) ب، ج، ز: - تعالى. (¬8) د: - له. (¬9) د: ذليلا. (¬10) د: أرى بما. (¬11) ب: يجعل. (¬12) نقل هذا النص (من 67 - 69 من طبعة ابن باديس) الذهبي في تذكرة الحفاظ، (ط. الهند، 1334 هـ، ج 3 ص 324) وعلق على ذلك بقوله: إن أبا بكر بن العربي هضم معارف ابن حزم (هضمه حقه في معارفه، ص 327). (¬13) ب: - إن. (¬14) د: - لنا. (¬15) ج، ز: الملة.

وأما قولهم: إن الله لم يأمرنا بأن نقتدي بأحد (¬1)، ولا نهتدي بغيره فكذبوا على الله وعلى رسوله (¬2)، فإنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ" وأمر بالاقتداء بسنة الخلفاء (¬3)، كما أمر [و 85 أ]، بالاقتداء بسنته، وإنما يقتدى (¬4) بالخلفاء فيما (¬5) لم يكن عنه فيه نص، والا فما كان فيه من النص، لا ينسب إلى الخلفاء، وهذا قاطع في أنه - صلى الله عليه وسلم -، لم ينص على كل مسألة، إذ لو نص عليها، لما كان للخلفاء سنة غيرها، ويقال لهم أيضا: قد صح أنه قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وهذا كالأول في الاقتداء بهما فيما لم يكن فيه عن النبي (¬6) نص. وقد (¬7) قال - صلى الله عليه وسلم -: "اهتدوا بهدي عما"،. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها بأمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب (¬8)، وأفرضهم زيد بن ثابت (¬9)، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل (¬10)، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح (¬11) ولو كان كل الشريعة نصا، ما تفاوت فيه هؤلاء الجلة، ولكان (¬12) دركه عندهم سواء، كما تقول أنت وشيعتك: إن كل أحد يدركه، ويستغني عن كل أحد فيه. وغريبه (¬13) أمرهم أنهم يقولون: لا رجوع إلا إلى النص عن الله وعن رسوله، وهي كلمة مخترعة، لم تجر على (¬14) لسان أحد قبل الشافعي أخذتها منه الشيعة، فقالت: إن النبي نص على علي في الإمامة والخلافه على الأمة، وكان ¬

_ (¬1) د: - بأحد. (¬2) د: + عليه السلام. (¬3) ب: تكرر: بسنة الخلفاء. (¬4) د: نقتدي. (¬5) د: ما. (¬6) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬7) ب: - قد. (¬8) أبو المنذر الأنصاري سيد القراء توفي سنة 19 هـ/ 640 م. (¬9) أبو خارجة المقرئ الفرضي توفي سنة 45 هـ/ 665 م. (¬10) الأنصاري الخزرجي توفي يسنة 18 هـ/ 639 م. (¬11) عامر بن عبد الله بن الجراح توفي سنة 18 هـ/ 639 م. (¬12) د: ولكن. (¬13) د: غزيبة. (¬14) د: في.

ابن حزم أولا قد تعلق بمذهب الشافعي ستره (¬1) متهكما مدة، ثم فضح نفسه بمذهبه آخرا، وتعلق بكلمات من لدنه منها النص. فيقال لهم: بأي نص تردون الأمر إلى النص وهم لا يجدونه أبدا، وتحقيق القول في ذلك، أن الله أنزل كتابه محكما، ومتشابها، وأوعز إلى نبيه (¬2) بأن يبين (¬3) للناس ما نزل إليهم، ولو كان مبينا، يدركه كل أحد، لما كان (¬4) محلا للبيان، فامتثل ما أمره الله به، والبيان على أقسام [و 85 ب] كثيرة، عند العلماء، ولكل واحد (¬5) طريقة في العبارة عنه. فأما طريقة الأصوليين فقد أثبتناها في مواضعه (¬6) مقتدين بغيرنا فيها. وأما المحدثون الذين تتعلق (¬7) بحبلهم، وتزعم أنك تتفيأ بظلهم (¬8) فهو عندهم على عشر (¬9) مراتب، الأولى (¬10): بيان التصريح، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الزمان قد استدار كهيئته (¬11) يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات (¬12) ذو القعدة، وذو الحجة ورجب مضر (¬13) الذي بين جمادى وشعبان" الثانية: قال البراء (¬14): أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، ويدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أربع (¬15) لا تضح (¬16) بهن: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى". الثالثة: قال سمرة بن جندب (¬17). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسمين عبدك أفلح، ولا نجيحا ولا رباحا ولا ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: سترة. (¬2) د: + صلى الله على وسلم. (¬3) ج، ز: بأني مبين. (¬4) ب، ج، ز: + له. (¬5) ب: أحد. (¬6) ج: موضعه. (¬7) ب: تعلق. (¬8) د: لظلهم. (¬9) ب، ج، ز: عشرة. (¬10) ب: الأول. (¬11) ز: كهيئة. (¬12) د: - ثلاثة متواليات. (¬13) ز: مض. (¬14) البراء بن معرور أول من بايع النبي ليلة العقبة، توفي في السنة الأولى للهجرة وهناك البراء بن عازب، توفي سنة 72 هـ/ 691م. (¬15) ب، ج، ز: أربعة. (¬16) د: لا يضحى. (¬17) سمرة بن جندب الفزاري من أهل بيعة الرضوان توفي سنة 60 هـ/ 679 م.

يسارا" (¬1)، وانظر ألا تزيد (¬2) علي. الرابعة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه من بعده، فإنها لمن (¬3) يعطاها لا ترجع إلى صاحبها أبدا". لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث. الخامسة: قام رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله (¬4) عن الصلاة في ثوب واحد فقال: "أو كلكم يجد ثوبين" (¬5). السادسة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقبض العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج"، قيل: يا رسول الله ما الهرج؟ قال: هكذا بيده، وحرفها، يريد القتل. السابعة: قال رجل في حجة الوداع: ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده وقال: "لا حرج". الثامنة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى نقاتل أقواما (¬6) عراض الوجوه، ذلف (¬7) الأنوف صغار العيون، كأن وجوههم الجان المطرقة". التاسعة: جاء أبو بكرة (¬8) والقوم ركوع، فركع دون الصف ثم مشى، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى؟ " قال أبو بكرة (¬9): أنا يا رسول الله، قال: "زادك الله حرصا ولا تعد". العاشرة: سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص (¬10) الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، قال: "فلا إذن". فانظروا رحمكم الله إلى بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - للأحكام على درجات، وأين النص من هذه المراتب؟ يزيده إيضاحا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح أنه قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وقد اختلفا في مسائل قطعا، منها الحد، وتفصيل التفضيل في العطاء، ولا يمكن الجمع بينهما، في الاقتداء، فأين النص؟ ولكم أبين هذه المسألة لا لهم، ومن الاقتداء بهم أن يرى الفقيه منكم، أن كل ¬

_ (¬1) رواه مسلم عن سمرة وقال السيوطي صحيح. (الجامع الصغير، ج 2 ص 358) وفي جميع النسخ أثبت الأسماء مرفوعة (نجيح، رباح، يسار). (¬2) د: تريد. (¬3) د: لم. (¬4) د: فسألهم. (¬5) ب: ثوبي. (¬6) د: قوما. (¬7) ب، ز: لف. (¬8) ب، ج، ز: أبو بكرة. وهو نفيع بن الحارث أو ابن مسروح، توفي سنة 52 هـ/ 672 م (طبقات خليفة بن خياط، ص 54. الذهبي، العبر، ج 1 ص 58). (¬9) ب، ج، ز: أبو بكرة. وهو نفيع بن الحارث أو ابن مسروح، توفي سنة 52 هـ/ 672 م (طبقات خليفة بن خياط، ص 54. الذهبي، العبر، ج 1 ص 58). (¬10) د: أتنقص.

واحد منهم لم يرجع إلى صاحبه، ولا نظر (¬1) كل واحد (¬2) إلا لما (¬3) يقتضيه اجتهاده، وكذلك فعل (¬4) سائر الصحابة دونهم، وكذلك فعل التابعون، وكذلك فعل مالك، والشافعي، فليقتد بهما في ذلك، ومن الاهتداء بهدي عمار، أن فقهه كان فيما إذا عارضه أمران، أحدهما أشد من الآخر، وأكثر احتياطا في الدين، أخذ به، وهذا صحيح منه (¬5) فاقتدى به مالك، وجماعة، فرأوا إذا تعارض الدليلان (¬6) أن يؤخذ بالأشد والأحوط منهما، ومن الاقتداء بعمر أن لا يقبل حديث النبي (¬7) من كل راو (¬8)، فنراه (¬9) قد رد على أبي موسى حديثه، وطلب منه البينة عليه. ومن الاقتداء بعلي، وهو أحد الخلفاء أنه كان لا يرى رأي أبي بكر ولا عمر (¬10) في الحد، فقد تعارضوا، فكيف يكون الاقتداء؟ فعلى قولهم [و 86 ب] ما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أنزل إليه (¬11)، ولا أحال إلا على مشكل، ومن الاقتداء بعمر، ألا يمكن النالد! من أن يقولوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يذيعوا أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يحتاج إليها"، وإن درست، وهذا لحكمة (¬12) بديعة، وهي أن الله قد بين المحرمات والمفروضات في كتابه، وقال تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] وثبت عنه أنه قال: (إن (¬13) الله أمركم بأشياء فامتثلوها، ونهاكم عن أشياء فاجتنبوها، وسكت لكم عن أشياء رحمة منه، فلا تسألوا عنها) وقد اتفقت الصحابة على جمع القرآن لئلا يدرس، وتركت الحديث يجري مع النوازل، وأكثر قوم من الصحابة التحديث (¬14) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسجنهم (¬15) عمر، فلو درس ما درس من الحديث الوحداني، لما أثر في الشريعة، فإن كان يبقى ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ينظر. (¬2) د: أحد. (¬3) ج، ز: بما. (¬4) ج، ز: + في. (¬5) د: عنه. (¬6) ب: دليلان. (¬7) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬8) ج: رأي. (¬9) ج: فيراه. د: فتراه. (¬10) ب، ج، ز: - لا. (¬11) د: - ما أنزل إليه. (¬12) ب، ج، ز: وهذه الحكمة. (¬13) ج: وأن. (¬14) ب: الحديث، ج، ز: التحدث. (¬15) ج، ز: فشجرهم.

مسكوتا عنه، فيكون عفوا، وما ضمن (¬1) الله الحفظ لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ضمنه (¬2) للقرآن. على الاختلاف (¬3) أيضا بين العلماء في تأويل قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فإنا نقول لهم: ليس المراد بالذكر ها هنا القرآن (¬4)، وإنما هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الدين أو القرآن، وإنما حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {والله يعصمك من الناس} المائدة: 67] وحفظ الدين بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] وحفظ القرآن بأن الصحابة وفقوا لنسخه، وضبطه، وإرسال الأمهات إلى أمصار المسلمين به (¬5)، ولو كان المراد به الحديث (¬6) لكان أول من يبادر بذلك الصحابة رضي الله عنهم، حين قالوا لأبي بكر (¬7) أيان (¬8) استحر القتل بالقراء يوم اليمامة: يا أمير المؤمنين أدرك القرآن وما جاء إليه أحد [و 87 أ]، قال (¬9) له: أدرك حديث رسول الله (¬10). وأنت ترى حديث النبي يأتي في كل زمان وعلى يد كل شيخ واحد بعد آخر، فلعل حفظه هو (¬11) هكذا، ولكن فيه أن الأحكام تجري على بابها، ولا ينتظر بها (¬12) الأحاديث حتى إذا وجدت على شرطها، وتبينت (¬13) البيان (¬14) الشافي المراد فيها، ومنها، لم يحل لأحد أن يتعداها، وسنزيده (¬15) بيانا، والله أعلم، يحققه أنهم يقولون على الإجماع، ولا إجماع عندهم إلا للصحابة خاصة، ولا يسمع إجماع الصحابة إلا بأن ينقل عن كل واحد منهم، وهذا مما لم يوجد، فإذا (¬16) قالوا هم: لا حكم إلا بنص: قلنا: ولا نص على من ترك النص. ¬

_ (¬1) ج: صمن. (¬2) ج: صمن. (¬3) د: اختلاف. (¬4) هكذا في جميع النسخ ولعله: الحديث. (¬5) د: الإسلام. (¬6) د: القرآن. (¬7) د: لعمر. (¬8) ب، ج، ز: - أيان. ج، ز: حين. (¬9) ج: قالوا. (¬10) د: النبي. (¬11) ب، ج، ز: هو. (¬12) د: فيها. (¬13) د: بينت. (¬14) د: الجواب. (¬15) ب:+ لا. ج، ز: لا يستزيده. (¬16) د: وإذا.

مسألة

وهذا القول أصح (¬1)، لأنه (¬2) به قال (¬3) جماعة من العلماء، والذي قالوه ما قال به (¬4) أحد قط، والاختبار (¬5) في ذلك كله يكشف الحقيقة، فإن قائله أجهل الجهال، وأضل (¬6) الضلال، فإذا طالبتهم (¬7) بنص فذكروه، وجدت الاحتمال يتطرق إليه، ضرورة، فإذا عارضتهم (¬8) فيه، لم يجدوا ملجأ، وذلك يبين بتتبع (¬9) مسائل لهم، وهي كثيرة، فلا نكلمهم (¬10) فيما ساعدهم (¬11) عليه الشافعي، أو أبو حنيفة (¬12) فإنهم يتكلمون بحجتهم (¬13)، ويتقوون بهم (¬14)، وإنما نتكلم (¬15) معهم فيما ينفردون به، فترى (¬16) الفضيحة المعجلة (¬17) وما سلكوا في الظاهر إلا سبيل إخوانهم من اليهود، فإنهم قيل لهم: لا تصطادوا يوم السبت، فسكروا الأنهار في أوائلها، فلما كان في يوم الأحد أمكنهم الحوت، فإن الحوت قبل ذلك كان يأتي يوم السبت، ولا يأتي في سائر الأيام، فأخذوا بظاهر الأمر، فسدوا (¬18) أفواه الأنهار، فلم يجد الحوت منفذا فصادوه (¬19)، فعوقبوا، ولم يعدلوا عن ظاهر ما أمروا حين تركوا المفهوم من ذلك، وهو تفويت الحوت، وكذلك إخوانهم الروافض، قالوا: لا تكون الإمامة إلا بالنص من النبي على أن فلانا خليفتي، وهذا باطل قطعا، ليس لهم في ذلك حديث يعول عليه. مسألة: [و 87 ب]، قال أهل الخبال (¬20): لو أن رجلا بال في ماء دائم، لم يتوضأ ¬

_ (¬1) د: صح. (¬2) ب، ج، ز: لأن. (¬3) د: قال به. (¬4) د: قاله. (¬5) د: الاختيار. (¬6) ب، ج، ز: أو أضل. (¬7) د: طالبتم. (¬8) د: عارضتم. (¬9) ب: بأن تتبع. ج، ز: بأن يتتبع. (¬10) د: تكلمهم. (¬11) د: يساعدهم. (¬12) ب، ج، ز: وأبو حنيفة. وهو: - النعمان بن ثابت فقيه العراق، توفي سنة 150 هـ/ 767 م (الذهبي، العبر، ج 1 ص 214 - 215). (¬13) كذا في جميع النسخ. (¬14) كذا في جميع النسخ. (¬15) د: يتكلم. (¬16) ب: فنرى. (¬17) د: معجلة. (¬18) د: فشدوا. (¬19) ب، ج، ز: وصادوه. (¬20) ب، ج، ز: الخيال.

منه، ولو جرى فيه من بول في مجاورته، لم يمتنع الوضوء به، [وكذلك لو غاط فيه لم يمنع (¬1) من الوضوء به] (¬2). فانظروا رحمكم الله إلى هذا الهوس في الدين، والاعتداء على الشريعة، والاستخفاف بحرمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. إن كان المتبع لفظ الشارع بعينه فقد قال: "لا يبولن أحد في الماء الدائم ثم يغتسل به" (¬3). فهذا يقتضي بظاهره، أن يقتصر (¬4) المنع على البائل دون غيره، ويقتضي أنه لو بال (¬5) في كوز، وصبه فيه أن لا يمنع ذلك من وضوئه (¬6) منه، ويقتضي أنه لو بال فيه قطرة من بول، لم يتوضأ به، ولو غاط فيه رطلا لم يمتنع من الوضوء به، فانظروا (¬7) إلى ما يؤدي إليه مذهبهم، ويعطيه غرضهم، كبر كلاما يخرج من أفواههم، إن يقولن (¬8) إلا محالا على الشريعة، وافتراء وقبل وبعد، فليقولوا ما شاءوا وليخرجوا دقائق (¬9) "المحلى" بالحاء المهملة، فعندنا فيه نقطة واحدة فوق حائهم، وأخرى (¬10) تحت جيمنا فتجلى (¬11) به ما يقتضي أن يكون كتابهم متروكا لا يلتفت إليه. قال القاضي أبو بكر (¬12) رضي الله عنه: وقد كنت أتتبع لكم مسائل داود مسألة مسألة، إلا أن (¬13) ابن حزم لا يبالي عن داود، ولا عن سواه، فأكون ضاربا معه في حديد بارد، ولكني أذكر لكم دستورا تقهرونه به قهرا، بأن تقولوا له: قال الله تبارك وتعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وحفظنا صلاته فعلا، وما أمر (¬14) به غيره قولا (¬15)، وبقي علينا من نسي تكبيرة الإحرام، أو القراءة (¬16) أو الركوع، أو السجود، أو الجلوس، أو السلام، أو اثنتين من ¬

_ (¬1) ب، ز: يمتنع. (¬2) ج: سقط ما بين القوسين. (¬3) د: - به. (¬4) ب: نقصر. ج: يقتضي. (¬5) د: إن بال. (¬6) د: وضوء. (¬7) ب، ج، ز: فانظر. (¬8) ب: لن يقولوا. (¬9) د: بفائق. (¬10) ج، ز: اجترى. (¬11) ب: فيحلى. د: فيجلى. (¬12) د: قال أبي. (¬13) ج: - أن. (¬14) ج: أمرنا. (¬15) ب: - قولا. (¬16) ج: والقراءة.

مسألة

ذلك، ماذا عليه؟ أيجزيه (¬1) أم لا يجزيه؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم -[و 88 أ] فقد نسي وسجد في موضع، فهل كل موضع مثله أم لا؟ وما سجد فيه من ترك السجود وقد رفع الله عنا قطعما ما نسينا فيه أو أخطأنا، فلا يقولون (¬2) شيئا يقوم على ساق أبدا، لأنهم لا يجدون في كل حرف نصا، وكذلك القول في أبواب الشريعة كلها منها (¬3). مسألة: هي أشدها (¬4)، قول ابن حزم: إن الله قادر على أن يتخذ ولدا وأن يخلق إلها إذا شاء ذلك وأراده، بقوله: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء} [الزمر: 4] (¬5) فانظروا إلى هذه الداهية العظمى، كيف جهل الجائز من المستحيل في العقل والمعقول المفهوم من الكلام دون ما لا يعتهل، فإن هذا الكلام ليس له معنى مفهوم، إذ قوله: هل يقدر الله أن يتخذ ولدا، ليس يفهم، لأن الله هو الذي لا يتصور أن يكون له ولد، ولا يمكن، فإذن، معنى ذلك من قول القائل: هل يقدر الله الذي لا يصح أن يوجد (¬6) منه ولد، على أن يكون له ولد، فنقض آخر الكلام أوله، فلم يكن له معنى معقول في نفسه فيستحق به جوابا، و (¬7) كذلك قوله: هل يقدر الله على أن يخلق (¬8) إلها. لأن الله هو الذي لا يصح أن يكون معه إله سواه، فنقض آخر الكلام أوله (¬9) ومن ينتهي إلى هذا الحد، فقد سقطت مكالمته. وقال منتهكا (¬10) للشريعة، مستخفا بطرق (¬11) الملة أن من ترك الصلاة متعمدا ¬

_ (¬1) ج: يجزيه. (¬2) ب، ج، ز: تقولون. (¬3) ب، ج، ز: - منها. (¬4) ب، ج، ز: أشد. (¬5) قال ابن حزم: وكذلك من سأل: هل الله قادر على أن يتخذ ولدا؟ فالجواب أنه تعالى قادر على ذلك، وقد نص عز وجل على ذلك في القرآن قال الله تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء} ... (الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج 2 ص 182 - 183). (¬6) ب: يوخذ. (¬7) د: - و. (¬8) ب: + ولد. (¬9) د: + فلم يكن له معنى معقول في نفسه فيستحق له جوابا. (¬10) د: مهتكا. (¬11) ب، ج، ز: بطرف.

حتى خرج وقتها، فقد سقط عنه فرضها، ولم يتوجه عليه خطاب بها، وقد رأى أصول الشريعة ثابتة في الذمة تقضي متى تعذر عملها، من صوم، وزكاة، وحج، فهلا ارعوى، ولم يغو فيمن غوى، ولا ضج (¬1) على الدين وعوى. فإن قيل فقد قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت [و 88 ب] على المؤمنيين كتابا موقوتا} [النساء: 53]، فربطها بوقت، كما ربطها بطهارة، فإذا زال رباطها (¬2)، سقط الأمر بها. الجواب عن ذلك من خمسة أوجه الأول: أني (¬3) أعظكم بواحدة تكشف خفاء المسألة، وتهتك سترها، وترفع حجابها، وهو أن تناقشوهم في الألفاظ حتى لا يتمكنوا (¬4) من أن يخرجوا (¬5) عنها إلى المعاني، فإنهم تجدهم (¬6) لا يتبعون لفظا، ولا يصح ذلك لبشر (¬7)، فبم يرون (¬8) أنهم مهتدون وهم ظالون؟ قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} فلفظ موقوت (¬9)، مفعول من الوقت، والتقدير: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا مفعولا في وقت، ولا شك (¬10) في أن كل عبادة وعمل شرعي موقوت (¬11)، فتفسيرهم مرتبط بوقت، لا يقتضيه اللفظ، فإن لفظة مفعول لا تقتضي (¬12) الارتباط بوقت ببنائه، ولا بمعناه. الجواب الثاني: ليس بناء وقت من الزمان خاصة بل هو موضوع لكل محدود، قد قال في الحديث الصحيح: (وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة، ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل) فاستعمل التوقيت في الأمكنة ليبين أنه لفظ موضوع للتحديد والتعيين في الأقوال والأعمال، كانت لوقت، أو لمكان، أو لوصف. الجواب الثالث: إن قوله: {موقوتا} يفيد أن الوقت شرط من شروطها، كالقبلة، وستر العورة (¬13)، وكل شرط منها كلها إذا فقد لا يمنع من ¬

_ (¬1) د: ضج. (¬2) ب، ج، ز: ربطها. (¬3) ب، ج، ز: إن. (¬4) ب، ج، ز: حتى تتمكنوا. (¬5) ج، ز: تخرجوا. (¬6) د: بخذلتهم. (¬7) ب، ز: بيس. وكتب على هامش (ز): ليبس، ج: بليس. (¬8) ب، ج، ز: ترون. (¬9) ج: موقوتا. (¬10) د: - في. (¬11) ب: موقوف. (¬12) د: وإن مفعولا لا يقتضي. (¬13) د: كالنية وستر العورة واستقبال القبلة.

فعلها بإجماع، فكذلك فقد (¬1) الوقت، وليس في هذه الشروط كلها أحاديث، يتعلقون بها، وإنما هي كلها ثابتة بالقياس. الجواب الرابع: نقول: إن النبي [و 89 أ]- صلى الله عليه وسلم - قد أبان الحقيقة، وأوضح سواء الطريقة، في نوم أصحابه عن الصلاة بحضرته (¬2) في ثلاثة أحوال، عرضت لهم معه: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" (¬3) ويفعلها (¬4) في قضائها حين لم يفعلها معهم في وقتها، وقد تساوى معهم في الترك، وإن كانوا قد اختلفوا في سبب الترك وقد بينا فيما سلف من كلامنا أن ما يعرو (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه المعاني التي هي جبلة الآدمي (¬6) هي بركة على الأمة، فإنها لهم فيما يصيبهم سلوة، ولأتباعهم له في ذلك أسوة، وقد تفطن لذلك حبر (¬7) الأمة فيما روى عنه الأيمة قال مسروق (¬8) عن ابن عباس: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فعرسوا من الليل قال: فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس. قال: فأمر بلالا فأذن ثم صلى ركعتين فما يسرني أن لي (¬9) بها الدنيا وما فيها) (¬10) قال علماؤنا لما كان (¬11) في ذلك من التبيان (¬12) لمن عراه بمثل ما عراه، وشغله عن طاعة ربه، أي (¬13) شغله حتى أذهله وأنساه ثم عاد (¬14) إلى ذكراه، ولو كان قوله: {موقوتا} مربوطا بوقت مخصوص معين لم تكن (¬15) في غيره، واقعة موقعها، لأن ذلك يبطل ارتباطه بها. فإن قيل ذلك الوقت الذي ربطت به إنما يعلم من قبله فجعله (¬16) معينا للعالم، وجعله (¬17) للذاهل أو النائم (¬18) وقت الذكر. قلنا: قد بينا أن اللفظ لا يقتضي ذلك، ولا يعطيه الاشتقاق. وقد بينا أن الشريعة لا تخص بذلك، كل ¬

_ (¬1) د: بعد. (¬2) ب: لحضرته. (¬3) رواه البخاري ومسلم وأحمد. (¬4) ب: بفعله. ج، ز: يفعله. (¬5) ب، ز: يعدو. ج: يعد. (¬6) د: الآدمية. (¬7) د: خير. (¬8) مسروق بن الأجدع الهمداني صاحب ابن مسعود ترفي سنة 63 هـ/ 683م. (¬9) د: - أن لي. (¬10) أخرج أحمد ق مسنده الحديث. ولكنه لم يأت بقول ابن عباس فيه. (¬11) د: - كان. (¬12) ب، د: النيان. (¬13) د: + شيء. (¬14) ج: عاده. (¬15) ب: يكن. (¬16) ج، ز: فيجعله. (¬17) ج، ز: يجعله. (¬18) ب، ج، ز: والنائم.

عمل محدود، لا بد له من وقت، إلا أنه قد يكون مطلقا، وقد يكون معينا بحسب لا قامت عليه أدلة الشريعة من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج وفرض ونفل. والجواب الخامس: أنه لم تزل (¬1) الأمة من عصر الصحابة متفقة على أن من ترك [و 89 ب] الصلاة بأي وجه تركها حتى يخرج الوقت الذي يقولون، إنه يلزمه قضاؤها أبدا من نسيان أو سهو، أو نوم. واختلفوا في المغلوب على عقله بالإغماء والجنون وقد تولجت تلك الأقطار الكريمة، ودخلت تلك (¬2) الأمصار العظيمة، وجبت الآفاق القاصية نيفا على عشرة أعوام، فما رأيت أحدا تفوه بهذا الكلام، ولا وجدته مسطورا في كتب أيمة الإسلام، ولو أن أهل بلدنا (¬3) إذ سمعوها تفلوا (¬4) عليها، ولم يلفتوا (¬5) إليها إذنا، ولا قلبا، ولا ليتا (¬6)، لماتت. إنما اختلفت العلماء قديما وحديثا فيمن ترك الصلاة متعمدا هل يكون بذلك كافرا؟ فقال أحمد بن حنبل، وابن حبيب (¬7) من المشاهير: هو كافر، لألفاظ وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها قوله: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر" (¬8) وهذا قول صريح في حديث صحيح، ولو لم يعارضه سواه، لقلنا به، ولكن صدنا عن ذلك معان: المعنى الأول: أن لفظ "كفر" قد يرد في الشريعة بمعنى أشرك، وخرج عن الملة، وقد يرد بمعنى لم يشكر حق النعمة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للسناء: "إني رأيتهن (¬9) أكثر أهل النار". قالوا (¬10): بم يار رسول الله؟ قال: "بكفرهن" قيل أيكفرن ب الله؟ قال: يكفرن الإحسان، ويكفرن العشير لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم أسأت إليها يوما واحدا (¬11)، قالت: ما رأيت منك خيرا قط"، وقد يرد بمعنى ستر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر" قيل: ستر نفسه عمن يجب ¬

_ (¬1) ب: يزل. (¬2) د: - تلك. (¬3) د: بلادنا. (¬4) د: ثفلوا. (¬5) ب، ج، ز: يلتفتوا. (¬6) صفحة العنق. (¬7) عبد الملك، ين حبيب مفتي أهل الأندلس صاحب الواضحة في الفقه، توفي سنة 238 هـ/ 853م (الذهبي، العبر، ج 427 - 428). (¬8) رواه الترمذي عن بريدة ولفظه: العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر. (¬9) ب، ج، ز: رأيتكن. (¬10) د: قال. (¬11)، ب، ز: - يوما واحدا. وكتب في الهامش: أنه أثبت في نسخة أخرى.

درجة

عليه إظهارها له، وقيل: إنه كالأول في أنه كفر نعمة سيده، أي لم يشكرها كنحو قوله: {واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152] فجعله من الكفر الذي هو ضد الشكر، لا ضد الإيمان الذي هو [و 90 أ]، توحيد الله. المعنى الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أخرجوا من النار من (¬1) في قلبه مثقال ذرة من إيمان". المعنى الثالث: أن عبادة (¬2) روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من جاء بهن لم يضيع (¬3) منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند (¬4) الله عهد أن (¬5) يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له (¬6) عند الله عهد (¬7)، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" (¬8) وهذا نص قاطع، فإن الكافر لا يكون في مشيئة المغفرة بما أخبر به عن ذلك سبحانه. درجة: أما أن العلماء اختلفوا في قتله إذا ترك الصلاة عمدا، فقال أبو حنيفة: لا يحل (¬9) إراقة دمه، لكنه يؤدب على استخراج هذا الحق منه بالسوط، وإن أدى ذلك إلى تلف نفسه. وقال مالك والشافعي: يقتل في آخر الوقت. قال متأخرو علمائنا: لا يقتل ضربة بالسيف، ولكنه ينخس بالحديد حتى تفيض نفسه، أو يقوم بالحق الذي عليه من فعلها، وبهذا أقول: قال أبو المعالي: لا أرى أن يسفك دم امرئ مسلم على ترك الصلاة بغير نص من (¬10) كتاب الله (¬11)، ولا سنة، ولا قياس جلي تناط بمثله المحظورات والذي حمل على ذلك أبا المعالي (¬12) نكتة فارغة، تعلق بها أهل ما وراء النهر من أصحاب أبي ¬

_ (¬1) ب: ممن. (¬2) عبادة بن الصامت أبو الوليد الخزرجي قاضي القدس، توفي سنة 34 هـ/ 654 م. (¬3) ب، ج، ز: يضع. (¬4) ز: في نسخة: على. (¬5) ج: - أن. (¬6) ج: - له. (¬7) ج: عهدا. (¬8) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (¬9) د: تحل. (¬10) ص، د، ز: - من. (¬11) ج، د، ز: - الله. (¬12) ب، ج، ز: حمل أبو المعالي على ذلك.

حنيفة (¬1) وهي عسيرة (¬2) المبدأ، ولكنها سهلة المنتهى، قالوا: إن الشريعة لم تبح قط (¬3) دما بترك المفروض (¬4) كالوضوء والصوم والزكاة والحج، وإنما أباحت (¬5) الدم بفعل المحظور كالرق والقتل والحرابة. والذي انتهى إليه التحقيق في ذلك، المتفق عليه (¬6) ما أوردناه في "مسائل الخلاف". لبابه يتحصل في ثلاثة مسالك. المسلك الأول: منع الوضوء والصوم، وارتكاب إباحة دم من تركها متعمدا. فأما الحج فهو على غير [و 90 ب] الفور عند قوم، فلا يتحقق فيه الترك المتفق عليه. وأما الزكاة فمقصودها الأوكد وهو أخذ المال ممكن، وتبقى النية وهو الركن الثاني فليس (¬7) يمتنع في الشريعة استقلال الأمر بأحد ركنيه، وقد بيناه في "مسائل الخلاف"، فلا نطول به (¬8) في هذه الإشارة. المسلك الثاني: أنا نقول لهم: قد اتفقنا على قتله إلا أنكم (¬9) قلتم يقتل بالسوط، وقلنا يقتل بالحديد، والحقوق تستخرج بالحديد، كما تستخرج بالسوط، ألا ترى أنا نستخرج حق الله في الإسلام من المرتد بالحديد. المسلك الثالث: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك الصلاة فقد كفر" وهذا وإن لم يفد حقيقة الكفر، فليفد جزاء (¬10) الكفر، لئلا يبقى اللفظ عاريا عن إحدى فائدتيه وهي الحقيقة أو المجاز (¬11). فإن قيل: فكيف نقول (¬12) في الأمثلة التي استشهدتم بها وهي قوله في النساء، وفي العبد الآبق؟ قلنا: ليس هنالك حق (¬13) يستخرج بالفعل المؤدي إلى تلف النفس، بخلاف مسألتنا فإنا اتفقنا على أن يستخرج منه هذا الحق، وإن أدى إلى تلف نفسه وإراقة دمه، وإن اختلفنا في صفة ذلك. ¬

_ (¬1) د: ح. (¬2) ب: عسرة. (¬3) د: - قط. (¬4) ب، ج، ز: مفروض. (¬5) د: إباحة. (¬6) د: - المتفق عليه. (¬7) د: وليس. (¬8) ب، ج، ز: - به. (¬9) ب: - إلا أنكم. (¬10) د: جزء. (¬11) ب: والمجاز. (¬12) د: كيف تقولون. (¬13) ج: + حتى.

درجة

درجة: فأما تخصيص التارك متعمدا (¬1) بدليل على وجوب القضاء وقد قدر الله تعالى (¬2) أنه لا بد من النظر في ذلك مع هذه الطائفة الركيكة، فنأخذ ذلك من وجوه: أحدها: أن نقول: إن الأمة أجمعت (¬3) أيام عصر السلف الأول على وجوب قضاء الصلاة على المتعمد فلا يراعى ما طرأ في هذه الأوقات المغيرة (¬4) التي طرأت عليها البدع المضلة، ولقد كان أهل البدع لا يستحدثون بمثل هذه الطامة حتى أجراها الشيطان بقضاء الله وقدره على لسان من أجراها لتكون زيادة في الإضلال [و 91 أ]. ولو راعينا كل خلاف يطرأ، لما استقر الدين على قاعدة. الثاني: أن داود وأصحابه الذين أحدثوا بدعته لا يختلفون في قضاء المتعمد لترك الصلاة، وذلك منصوص في كتبهم، فانظروا هنالك. الثالث: أن من الثابت انعقاد الاجماع على أن من ثبت في ذمته شيء لا بد أن يخرج عنه، ومن تعينت عليه عهدة لا غنى من (¬5) أن يتفصى عنها. وهذا متعمد (¬6) قد لزمته الصلاة، وثبتت (¬7) في ذمته فلا يخرجه عنها (¬8) إلا أداؤها على حكم كل حق ثبت في الذمة. فإن قيل هي (¬9) حق مؤقت أو مربوط بوقت، فقد سبق الجواب عنه (¬10)، على أنه يبطل بالصوم فإنه مربوط بوقت، ويقضي تاركه متعمدا، وربط الصوم بوقته أعظم من ربط الصلاة بوقتها. فإن قيل: قد زال وقت الأداء، فلا يجب القضاء، إلا بأمر ثان. قلنا: ليس لآخرها حد إلا فعلها. جواب آخر: إنا نقول: إذا توجه الأمر بالفرض، لم ينج المكلف من ذلك إلا فعله، كان ذلك مذكورا في وقت، أو مطلقا، ولا نقول: إن الأداء والقضاء غيران، الأداء هو القضاء، والقضاء هو الأداء، شرعا وعربية. وإنما ¬

_ (¬1) د: معتمدا. (¬2) د: - تعالى. (¬3) ب، ج، ز: - أجمعت. (¬4) د: المغيرة. (¬5) ج: لاغنى من. (¬6) ج، د، ز: متعمدا. (¬7) ب: ثبت. (¬8) ب: عنه. (¬9) ب، ج، ز: - هي. (¬10) ب، ج، ز: - عنه.

ذكر الفرق بينهما المتأخرون من أصحابنا اصطلاحا. وهذه الألفاظ التي اصطلح عليها العلماء آخرا، لما احتاجوا إليه من البيان لا يجوز بناء الأحكام الشرعية عليها، وإنما تبني الأحكام الشرعية على قول الله أو قول (¬1) الرسول، أو العربية (¬2) التي نزل القرآن بها، وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلسانها. الرابع: أنا نتعلق بظواهر الأحاديث التي يزعم الجاهلون القائلون بذلك، أنها لهم، وهي ستة أحاديث: الحديث الأول: قوله: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا وقت لها إلا ذلك" (¬3) فأخبر [و 91 ب] النبي (¬4) أن من نام عن صلاة، أو نسيها (¬5)، أو تركها، أنه يصليها متى ذكرها. والنسيان في العربية قسمان: أحدهما ذهول، والآخر تعمد، وذلك أشهر من أن يدل عليه. فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها متى تركت (¬6) بغير عقل كالنوم، أو بعقل كالذهول والعمد، أنه يجب قضاؤها، ألا ترى أنه لم يقل من سها، وذكر من نسي، ليستوفي البيان - صلى الله عليه وسلم - وقال: "إذا ذكرها، فالذاهل يذكر بعد ذلك فيلزمه وقت الذكر، والمتعمد ذاكرا أبدا فيلزمه أبدا، إذ هي (¬7) مرتبة على الذكر، فمن وجد منه (¬8) الذكر لزمته (¬9) حتى يفعل (¬10) [وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يقولن أحدكم نسيت آية كذا بل هو نسي" وذلك لقوله: {أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسى} [طه: 126] (¬11). الحديث الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال له رجل أو امرأة: إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا (¬12) أو أمي (¬13) وأنه (¬14) لا يستطيع أن ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: وقول. (¬2) ج: والعربية - (¬3) رواه البخاري ومسلم وأحمد ولفظه واحد إلا قوله: (لا وقت لها إلا ذلك) فإنه عند الرواة الثلاث: (لا كفارة لها إلا ذلك). (¬4) د، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬5) د: - أو نسيها. (¬6) د: تركها. (¬7) ب، ج، ز: وهي. (¬8) د: - منه. (¬9) د لزمت. (¬10) د: تفعل. (¬11) د: سقط ما بين القوسين. (¬12) ب، د، ز: - شيخا كبيرا. (¬13) ب: وأمي. (¬14) د: - وأنه.

يحج، أفأحج عنه؟ قال: "أرأيت لو كان على أبيك أو أمك دين، أتقضيه" قال: أو قالت: نعم، قال: "فدين (¬1) الله أحق أن يقضى" فبين (¬2) أن كل حق الله في ذمة العبد لا يخرجه عنه إلا فعله، فإن عادوا إلى ذكر الوقت قلنا لهم: قد بينا فساده. الحديث الثالث: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، حتى غابت الشمس، ملأ الله بيوتهم (¬3) وقبورهم نارا" (¬4) ثم قضاها بعد غروب الشمس، ولم يكن تركها سهوا، وإنما كان اشتغالا بالحرب والتدبير لها، والاحتراس من غرة المشركين. الحديث الرابع: روي في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الخندق لأصحابه: "سيروا إلى قريظة ولا يصلين أحد منكم إلا فيها" فساروا ففاجأتهم (¬5) العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نبلغها، وقال بعضهم: لم يرد رسول الله هذا منا، وصلوا، فصوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[و 92 أ]، الطائفتين التي صلت والتي أخرت الصلاة عن وقتها متعمدة وقضت، ولو كانت مقصورة الوجوب على الوقت، لا فعل لها إلا فيه لبين لهم ذلك، وأعلمهم أن ما أتوا به بعد خروج الوقت تكلف. الحديث الخامس: قوله - صلى الله عليه وسلم -، فيما ثبت وصح: "أنه سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقته" (¬6)، قال: فنصليها معهم؟ قال: "نعم" ولم يقل: إن الصلاة لا تفعل إلا (¬7) في وقت مخصوص. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال - وهو الحديث السادس -: "ليس التفريط في النوم، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى دخل (¬8) وقت ¬

_ (¬1) د: دين. (¬2) د: فتبين. (¬3) ب، ج، ز: قلوبهم. (¬4) رواه البخاري ومسلم وأحمد عن علي. (¬5) ب، ج، ز: ففاتهم. (¬6) د: ميقاتها. (¬7) ب: - إلا. (¬8) د: يدخل.

مسألة

الأخرى" (¬1) وهذا نص في أن المفرط حتى يخرج الوقت يصلي، ولكنه يكون مفرطا، وهذا القدر كاف لكم في المسألة. والذي أراه ألا يكلم (¬2) قائل هذا إلا بالاستتابة (¬3)، أو بالقتل لمخالفة إجماع الأمة. والله أعلم. مسألة: ومن أعظم ما جاء (¬4) من التخليط قول ابن حزم: والقرآن كلام الله تعالى وهو علمه، ويعبر بالقرآن، و (¬5) بكلام الله عن خمس مسميات يعبر بذلك عن علم الله، وعن المسموع في المحاريب، قال الله (¬6): {حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] وعن المحفوظ في الصدور، قال الله تعالى (¬7): {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49] وعن المكتوب في الصحف. قال الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 21] وقال: {فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} [عبس: 16] ونهى عليه السلام عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وعن المعاني المفهومة من التلاوة. وكل (¬8) هذه الأربعة إذا أفردت، وعبر عنها بالصوت والخط - حاشا لله (¬9) - فكل ذلك مخلوق. وإذا عبر عن علم الله فهو غير مخلوق، فكل ما وقع من ذكر فرعون، والكفار، والسموات [و 92 ب]، والأرض، في القرآن فكل ذلك مخلوق. وإذا أطلق جملة فهو غير مخلوق. قال الله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115]، وهذا يدل على أنه غير مخلوق. وقال: {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} [يونس: 19] فصح يقينا أنه أراد علمه السابق، فعلمه (¬10) هو كلامه وهو غير مخلوق. وقال: {وتمت كلمة ربك} [هود: 119] وقال: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} ¬

_ (¬1) رواه النسائي والترمذي وصححه بلفظ آخر. (¬2) ب، ج، ز: نكلم. (¬3) ب، ج، ز: القتل. (¬4) د: + به. (¬5) ب، ج، ز: - و. (¬6) د: - الله. (¬7) د: - الله تعالى. (¬8) د: فكل. (¬9) د: الله. (¬10) د: - هو.

[الكهف: 109] فدل على أن الذي تم (¬1)، غير الذي لا ينفد، والذي ثم (¬2) هو ترتيبه لمقادير ما خلق. وقول الله غير كلام الله، والبرهان أن التكليم (¬3) فضيلة قال الله تعالى: {منهم من كلم الله} [البقرة: 253] والقول رذيلة، قال الله تعالى: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108] (¬4). قال القاضي أبو بكر (¬5) رضي الله عنه: ما لهذا مثل (¬6) إلا كما قال الشاعر: وخلا الغبي بما (¬7) يضلل نفسه…كفرا كفعل الأسخط (¬8) المتهوج عبثا يرد مقاله بمقاله…فعل الجهول على الطريق الأعوج هذا الكلام من تخليطه. قوله: كلام الله هو علمه: لا عقل ولا شرع، من أين أخذ هذا؟ أدلة العقول تنفيه، والشرع لم يرد به، ثم قال: يعبر بكلام الله عن خمس (¬9) مسميات: عن علم الله، وعن المسموع في المحاريب، والمسموع في الدور (¬10)، والمسموع في السفر (¬11)، والمسموع في الكتيبة (¬12) إذا تلا القرآن هنالك أحد، كلام من يكون؟ ثم قال: وعلى (¬13) المحفوظ في الصدور، قال لقوله: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [ولا يصح أن تكون ذات القرآن الذي هو كلام الله آيات (¬14) ثم قال] (¬15) {في صدور الذين أوتوا العلم} فإن حفظه من لم يقرأ العلم كالصبي الصغير والعجوز والأعرابي الفدم، هل هو محفوظ في صدره أم لا؟ والله لم يقل: إلا في صدور ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ثم. (¬2) كذا في جميع النسخ. وصوابه: تم. (¬3) د: التكلم. (¬4) ذكر ذلك ابن حزم. في: (الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج3 ص 7 - 12). (¬5) د: قال أبي. (¬6) ب، ج، ز: مثلا. (¬7) ب، ج، ز: بها. (¬8) ب: الأمحط. ج، ز: الأمخط. (¬9) ج: بخمس. (¬10) ز: ي الأذن. (¬11) ج: - والمسموع في السفر. (¬12) ب، ج، ز: الكتب. (¬13) د: عن. (¬14) ب، ز: آية. (¬15) ج: سقط ما بين القوسين.

أهل العلم (¬1) [و 93 أ]، فلا يزد هو عليه (¬2)، ولا يجعل الخصوص عموما، فإنه جهل محض بالطريقة، وخروج (¬3) عن الظاهرية، ثم قال: وعن المكتوب في المصحف لقوله: {في لوح محفوظ} (¬4) واللوح المحفوظ هو عند الله، وليس بصحف (¬5). وقال تعالى: {فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} يعني ما (¬6) بأيدي الملائكة، فالذي يقتضيه القرآن أنه في صحف الملائكة. فأما في صحف بني آدم أو (¬7) ألواحهم، فيفتقر فيه إلى (¬8) نص. فإن قالوا (¬9): وأي (¬10) فرق بينهم؟ هذا مثل ذلك. قلنا: هذا قياس وإلحاق وتقدير وتشبيه، وتنظير، وأين أصلك في أنه لا شيء إلا قول الله، وقول الرسول؟ وأما نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، فمتى كان ذلك الوقت مصحف يسافر به؟ وقد كتب هو - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن إلى الروم وهم أنجاس. وإذا كان في صدور الرجال، وحملوا إلى أرض (¬11) العدو، فكيف هذا ولا يحمل المصحف؟ والرجال المؤمنون أعظم حرمة. وقد قال بعض الناس: لا يغزو العلماء. قال: ويعبر بالقرآن عن المعاني المفهومة من التلاوة. ومن قال له هذا؟ وأين وجده؟ في كتاب الله، أو في سنة رسول الله (¬12)؟ وأنى له، أن (¬13) الآيات يراد بها المعاني؟ ولعل يراد بها الألفاظ. ثم قال: وكل هذا إذا عبر به عن غير الله، مخلوق، وإذا عبر به عن الله، غير مخلوق، فكيف (¬14) تكون الحروف التي يكتب بها الله، ويعبر بها عنه غير مخلوقة، فإذا عبر بها عن غيره تكون مخلوقة، وكلاهما موجود عن عدم؟. وهذا الكلام (¬15) ينفيه العقل والشرع، ولا يرضى أن يتكلم به معتوه. وقوله: إن ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: في صدور الذين أوتوا العلم. (¬2) ب، ج، ز: يرد عليه. (¬3) ج، ز: خروجا. (¬4) ج: - و. (¬5) د: بمصحف. (¬6) د: - ما. (¬7) د: - أ. (¬8) ب: + دليل. (¬9) ب، ج، ز: قال. (¬10) د: - و. (¬11) د: - أرض. (¬12) د: رسوله. (¬13) ج: إنما قال بل الآيات. ز: إن قال بل الآيات. د: إنما قال من الآيات. (¬14) د: وكيف. (¬15) د: كلام.

مسألة غريبة

كلمات الله قد تمت، بمعنى مقاديره، وكلماته التي لا تنفد (¬1) غير مخلوقة (¬2). سخافة، وكلمات [و 93 ب] الله على حقيقة واحدة تعالى أن يكون منها شيء مخلوقا (¬3) أو من صفاته العلى (¬4)، أو من أسمائه الحسنى. ثم قال: وقول الله غير كلام الله. وهذه سخافة قالتها المعتزلة، ولكن بطريقة معلومة من العربية سلكوها، ومن البدع (¬5) معقولة ذكروها (¬6) يصح أن تسمع فيرد (¬7) عليها. وأما هذا الذي قال: من (¬8) أن كلام الله فضيلة، وقوله رذيلة. فهذا خذلان لا (¬9) ينتهي إليه جهلة النسوان. يا لك ذا (¬10) من جعل (¬11) بمرحض…خلا لك الجب فدحرج وارحض …ولفها من قذر وحيض (¬12) … مسألة غريبة: وهي أن الله سبحانه قال: {والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} فأوجب الكفارة بالعود بعد الظهار، فقال البائس داود: إن (¬13) معنى ذلك: يظاهر مرة أخرى بلسانه، ولم يحتشم من العربية (¬14)، ولا من الله، ولا من رسوله (¬15)، ولا من الناس، وأنا أكلمه لكم (¬16) ظاهريا، حتى أبرزه لكم بريا (¬17)، من المعرفة عريا. قال الله: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} فننزل معه منزلة فنقول: أخبرني يا داود، كيف الظهار الذي أخبر الله عنه؟ هل هو قول بالجنان أو قول باللسان؟ ¬

_ (¬1) ج: + عن. (¬2) ب، ج، ز: مخلوقاته. (¬3) ب، ج، ز: شيئا منها مخلوقا. د: منها شيء مخلوق. (¬4) ب: تعالى. (¬5) د: البدعة. (¬6) ب، د: ذكروها معقولة. (¬7) د: ويرد. (¬8) ب، ج، ز: - من. (¬9) د: ولا. (¬10) ب، ج، ز: - ذا. (¬11) د: جفل وصححت بخط آخر. (¬12) ب، ج: لم يكتب هذا في صورة شعر. (¬13) ب: - إن. (¬14) د: اللغة. (¬15) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬16) د: - لكم. (¬17) د: قويا.

منزلة أخرى

وجئني بذلك (¬1) نصا عن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح أو سقيم، ولن تجد ذلك أبدا، وأخبرني يا داود عن صفة ترتيبه في الاعتقاد، وفي نظم الحروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، أو عن أحد من الصحابة. وهذه مسألة قد استرحنا معك فيها، فإنها ليست بإجماع، فإذا عين ما عين (¬4) أو قال ما قال، قيل له: و (¬5) من أين تقول ذلك، وأنت لا تتكلم إلا بنص؟ ولا سبيل أبدا إلى (¬6) أن تتكلم بحرف مما تقوله (¬7) إلا (¬8) وفيه من الله قول، أو رسوله، فإن زاد على قول الله أو قول رسوله، حرفا فزد أنت حرفين [و 943 أ]. منزلة أخرى (¬9): إنا نقول لك في الظهار إنه قول الرجل لزوجته في تشبيه ظهرها بظهر أمه، هل هو قول محدد (¬10) أو أي قول كان؟ بأي صيغة (¬11) ظهر منه وورد؟ فإن (¬12) قال: هو مثل قول: أنت علي كظهر أمي. قيل له: بل هو قوله: أنت علي مثل ظهر أمي أو أنت (¬13) ظهر أمي تكون (¬14) علي (¬15) أو بطنك علي كظهر أمي، أو فرجك أو جملتك كظهر أمي، أو يسقط الظهر من أمه، و (¬16) يجعله في الزوجة، ويقول (¬17) ظهرك علي كأمي. وهذا هو صريح القرآن فيلزمه أن يجعل الظهار شيئا غير هذا، ولو قال: إنه ظهرك علي كظهر أمي كان أميل إلى قرب (¬18) القرآن، وينبغي (¬19) أن يقال له: إنه إذا قال ظهرك، فمن حرم عليه بطنها أو سائر أعضائها، وهو يقول: لو طلق يدها لم تطلق، وإن قال: تطلق ¬

_ (¬1) ب، ر، ز: بنص. (¬2) ب، ج، ز: من. (¬3) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬4) ب: - ما عين. (¬5) د: - و. (¬6) ب: - إلى. (¬7) ب; نقوله. (¬8) د: - الا و -. (¬9) د: + أين. (¬10) د: مجرد. (¬11) ج، ز: صفة. (¬12) د: وإن. (¬13) ج، ز: وأنت. (¬14) ج، ز: دون. (¬15) ج، ز: - علي -. (¬16) ب، د: أمي. (¬17) ب: أو. (¬18) ج: أقرب. (¬19) د: ويبقى.

منزلة أخرى

وقع في أشد من ذلك، وأطم، وطولب بالدليل، فإن رام أن يتعلق بالإجماع لم يجده إلا من الفقهاء، ولا قدر لهم عنده، وإنما الإجماع الذي يرى، إجماع الصحابة. ويجب أن تعلموا أن البخاري ومسلما (¬1) لم يدخلا في الظهار حرفا واحدا من الحديث. أما أن (¬2) الأيمة أدخلوا منها جملة فذكر أبو داود، والطبري حديث خويلة (¬3): قالت: ظاهر مني زوجي، وذكرت نزول القرآن، وروى الترمذي أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ظاهر من امرأته، وروى أبو داود أن رجلا جعل امرأته كظهر أمه، وهذا أقرب الألفاظ إلى التفسير (¬4)، فإنه لم يذكر أحد منهم لفظه ولكن ظاهر هذا يقتضي أن نقول (¬5)، امرأتي كظهر أمي، فينبغي أن يقتصر (¬6) يا داود عليه، ولئن فعلت ذلك لنقولن لك: هل (¬7) جعلها بقوله، أو باعتقاده ذلك فيها؟ فإن قيل: ومن أين علمت ذلك؟ قلنا: قال لها: اعتقدت فيك ألا أعلوك، كما لا أعلو أمي، أو قال لها: فرجك كفرج أمي. منزلة أخرى: [و 94 ب]. ثبت عن الترمذي وغيره أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له (¬8): يا رسول الله: ظاهرت من امرأتي، فوقعت عليها قبل أن أكفر، قال: "وما حملك على ذلك يرحمك الله؟! قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال له (¬9): "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك به". فأعلمه ببقاء كفارة الظهار عليه، وإن (¬10) كان قد وطئ، وبقي النظر في العود الذي أحال عليه (¬11) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬12)، ¬

_ (¬1) أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح في الحديث، توفي سنة 261هـ / 875م. (¬2) ب، ج، ز: - أن. (¬3) ب: خولة. (¬4) ب، ج، ز: التقصير. (¬5) ب، ج، ز: يقول. (¬6) ج: تقصى. (¬7) ج: + لك موثقة. ز: كتب على الهامش: في نسخة: لك موثقة. (¬8) د: - له. (¬9) ب: - له. (¬10) ب، ج، ز: إنما. (¬11) ج: عليه. (¬12) د: - صلى الله عليه وسلم.

منزلة أخرى

ولم يثبته (¬1) فيرجع (¬2) إلية، فنقول (¬3): إن الله سبحانه قال: {ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] وأنت لم يتعين لك بعد قولهم الذي يرتبط به الحكم، فترى (¬4) أن يكون العود إليه، هل هو قول القلب أم قول اللسان؟ وما صفة ذلك القول؟ أو رأيت إن قاله ثم نسيه وأنت قد عينته؟ وإن قلت (¬5): أخذ بالعموم فيه. فكل قول يكون ذلك فيه (¬6)، أقول به مهما كان فيه ذكر الظهر. قلنا له: ويكون فيه ذكر الظهر (¬7) فيهما جميعا أو (¬8) في الزوجة وحدها، أو في الأم (¬9) وحدها. منزلة أخرى: يقال له: أرأيت إن لم يعد لما (¬10) قال، ولا كلم الزوجة؟ فليس له ما يقول مما فيه أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وانظروا رحمكم الله إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي وقع على امرأته (¬11) المظاهر منها قبل أن يكفر: "لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" وقال للآخر الذي وقع على امرأته قبل أن يكفر: "أعتق رقبة أو أطعم" ولم يقل له: عد لما قلت، لأنه قد رآه عاد لما قال، ومعنى الآية قد بيناه في "الأحكام" (¬12) وتحقيقه: أنه لما قال: {ثم يعودون لما قالوا} أنهم لا يعودون إليه لأنه لما قال لها: أنت (¬13) علي كظهر أمي، قد قال: أنه لا يطأها، فلما عاد إلى الوطء لزمته الكفارة، أو إلى التمسك بالزوجية، أو إلى العزم (¬14) على ما بيناه هنالك والله أعلم. [و 95 أ] أي (¬15)، وهكذا فخذ مسائلهم تجدها كما قلناه بتوفيق الله، وتنخل (¬16) من ذلك كله، المعنى المطلوب وهو تنزيل الشريعة منازلها، وتوفيتها مقاديرها، وعصمها بعواصم من ¬

_ (¬1) د: يبينه. ج: يتثبته. (¬2) د: فرجع. (¬3) ب، ج، ز: فيقول. (¬4) د: فنرى. وكتب على هاش ز: فترى يكون. (¬5) ز: في نسخة: قال. (¬6) د: يكون فيه ذلك فيه. (¬7) د: الظهار. (¬8) ج: الأيام. (¬9) ب: بما. (¬10) د: المرأة. (¬11) هوكتابه: أحكام القرآن. (¬12) ب، ج، ز: لأنه لو قال أنت. (¬13) ج، ز: الغرم. (¬14) د: - أي. (¬15) ب، ز: ينحل، ج: ينجل. (¬16) ب، ج، ز: - في.

أصلها

مطالبيها (¬1) أو أعدائها (¬2)، حتى قام عمود الدين على أسه، واطرد نصره (¬3) على رسه، واتسق بنيانه برصه، ورأى المطالب (¬4) الأعظم أن مداخل الإلحاد لا تتحد، فعدد لها بعد ذلك سبلا (¬5) من الباطل، أسلك (¬6) فيها أمما، ونصل (¬7) إليها عصبا، وجر (¬8) إليها خلقا كثيرا. أصلها (¬9): بعد (¬10) أن استأثر الله بنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أكمل له (¬11) ولنا دينه، وأتم عليه وعلينا (¬12) نعمته، كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] وما من شيء في الدنيا يكمل إلا وجاءه النقصان، ليكون الكمال الذي يراد به وجه الله خاصة، وذلك العمل الصالح، والدار الآخرة، فهي دار الله الكاملة. قال أنس: (ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنكرنا نفوسنا) (¬13) واضطربت الحال، ثم تدارك الله الإسلام ببيعة أبي بكر، فكانت موتة (¬14) النبي - صلى الله عليه وسلم -، قاصمة الظهر (¬15)، ومصيبة العمر. فأما علي فاستخفى في بيته مع فاطمة. وأما عثمان فسكت. وأما عمر فأهجر (¬16) وقال: (ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ¬

_ (¬1) ب، د: مطاليبها. (¬2) ب، ج، ز: وأعدائها. (¬3) ب، ج، ز: نظره. (¬4) ب، ج، ز: الطالب. (¬5) ج، ز: سبيلا. (¬6) ب، ج، ز: سلك. (¬7) د: نضل. (¬8) ب، ج، ز: جرى. (¬9) ج، د، ز: اتصل الكلام فيها ولم يجعل "أصلها" شبه عنوان وضبط في (د) أصلها على أنه فعل ماض فاعله المطالب. واخترنا هنا أن نجعله عنوانا أي أصل هذه السبل الإلحادية ومداخل الباطل وهو ما سيذكره بعد من الفتن وأنواع الدس التي سببب وقعة صفين وغيرها. (¬10) من هنا يبتدئ النص الذي نشره الشيخ محب الدين الخطيب السلفي المعاصر معتمدا فيه على ما نشره الشيخ عبد الحميد بن باديس (+1390 م/ 1970 م). (¬11) د: لناوله. (¬12) د: علينا وعليه. (¬13) أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد بلفظ: قلوبنا (العواصم من القواصم، ط. محب الدين الخطيب، ص 37) د: ثرب. (¬14) ج، ز: موت. (¬15) د: قاصمة من الدهر. (¬16) ب: فأهجز.

عاصمة

وعده الله كما وعد موسى، وليرجعن رسول الله (¬1) فليقطعن أيدي ناس وأرجلهم) (¬2). وتعلق بال العباس (¬3) وعلي بأمر أنفسهما في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، فقال العباس لعلي: (إني أرى الموت في وجه بني عبد الطلب، فتعال حتى نسأل (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان هذا الأمر فينا علمناه) (¬6). وتعلق بال (¬7) علي والعباس (¬8) بميراثهما، فيما تركه النبي (¬9) من فدك، وبني النضير، وخيبر [و 95 ب] واضطرب أمر الأنصار يطلبون الأمر لأنفسهم، أو الشركة فيه مع المهاجرين، وانقطعت قلوب الجيش الذي كان قد برز مع أسامة بن زيد (¬10) بالجرف. عاصمة: فتدارك الله الإسلام والأنام، وانجابت (¬11) انجياب الغمام ونفذ وعد الله، باستئثار رسول الله، وإقامة دينه على التمام، وإن كان قد أصاب، ما أصاب من الرزية (¬12) الإسلام - بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان إذ (¬13) مات النبي غائبا في ماله بالسنح (¬14) فجاء إلى منزل ابنته عائشة رضي الله عنها، وفيه مات النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكشف عن وجهه، وأكب عليه يقبله وقال: (بأبي أنت (¬15) وأمي يا رسول الله (¬16) طبت حيا وميتا، والله لا يجمع الله عليك الموتتين. أما ¬

_ (¬1) ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬2) أخرجه البخاري وأحمد في المسند. (¬3) العباس عم النبي، توفي سنة 32 هـ/ 652 م. (¬4) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬5) ج، ز: نسايل. (¬6) أخرجه البخاري وأحمد. (¬7) ج: بآل. (¬8) ب: العباس وعلي. (¬9) د: + صلى الله عليه وسلم. (¬10) أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي توفي سنة 54 هـ/ 673 م. (¬11) أضاف محب الدين الخطيب (الغمة)، ص 41. (¬12) ب: + في. (¬13) ب: إذا. (¬14) ب: بالنسخ. ج: بالنسخ. ز: بالنسخ. (¬15) ب، ج، ز: - أنت. (¬16) د: - يا رسول الله.

الموتة التي كتب الله عليك فقدمتها (¬1)، ثم خرج إلى المسجد والناس فيه، وعمر يأتي حجر من القول كما قدمنا، فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، أيها الناس (¬2)، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) ثم قرأ {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144] فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل إلا ذلك اليوم (¬3). واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يتشاورون ولا يدرون ما يفعلون، فقالوا: نرسل إليهم يأتوننا، فقال أبو بكر: بل نمضي (¬4) إليهم، فسار إليهم المهاجرون منهم (¬5) أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فتراجعوا (¬6) الكلام، فقال بعض الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر كلاما كثيرا مصيبا يكثر، ويصيب منه: نحن الأمراء وأنتم [و 96 أ] الوزراء، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأئمة من قريش" (¬7)، وقال: "أوصيكم بالأنصار خيرا أن تقبلوا من محسنهم، وتتجاوزوا (¬8) عن مسيئهم" (¬9) وإن (¬10) الله سمانا الصادقين، وسماكم المفلحين، وقد أمركم أن تكونوا معنا حيث ما كنا فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] إلى غير ذلك من الأقوال المصيبة، والأدلة القوية، فتذكرت الأنصار ذلك، وانقادت إليه، وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وقال أبو بكر لأسامة: أنفذ لأمر رسول الله. فقال له (¬11) عمر: كيف (¬12) ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك؟ فقال: لو لعبت الكلاب بخلاخيل (¬13) نساء أهل المدينة ما رددت جيشا أنفذه ¬

_ (¬1) ب: قدمتها. (¬2) د: فمن. (¬3) أورده البخاري في صحيحه. (¬4) ب، ز: نمشي. (¬5) د: فيهم، ز: في الهامش: في نسخة فيهم (¬6) د: وتراجعوا. (¬7) أخرجه البخاري وأحمد والطيالسي في مسنده. (¬8) ب، ج، ز: تجاوزو. (¬9) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي. (¬10) ب: إن. (¬11) ب، ج، ز: - له. (¬12) د: وكيف. (¬13) د: خلاخل.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال له عمر وغيره: إذا منعتك (¬1) العرب الزكاة فاصبر (¬2) عليهم. فقال: والله لو منعوني عقالا (¬3) كانوا يؤدونه (¬4) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقالتهم عليه (¬5) والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة (¬6). قيل له (¬7): ومع من تقاتلهم؟ قال: وحدي، حتى تنفرد سالفتي، وقدم الأمراء على الأجناد: والعمال في البلاد، مختارا لهم، مرتئيا فيهم، فكان ذلك من أسد (¬8) عمل، وأفضل مقدمة للإسلام (¬9)، وقال لفاطمة وعلي والعباس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركنا، صدقة" (¬10) فذكر الصحابة ذلك، وقال: سمعته يقول: "لا يدفن نبي إلا حيث يموت" (¬11) وهو في ذلك كله رابط الجأش، ثابت العلم، والقدم في الدين. ثم استخلف عمر، فظهرت بركة الإسلام، ونفذ الوعد الصادق في الخليفتين، ثم جعلها عمر شورى فأخرج عبد الرحمن بن عوف (¬12) نفسه من الأمر، حتى ينظر ويتحرى فيمن يقدم، فقدم عثمان، فكان عند الظن به، ما خالف له (¬13) عهدا، ولا نكث عقدا، ولا اقتحم مكروها، ولا خالف سنة. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -[و 96 ب] أخبر بأن عمر شهيد، وبأن عثمان شهيد، وبأن (¬14) له الجنة على بلوى تصيبه، وهو وزوجه رقية ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول مهاجر بعد إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -. دخل به في باب. أول من (¬15) ... وهو علم كبير جمعه الناس (¬16). ولما صحت ¬

_ (¬1) د: إذ منعت. (¬2) د: اصبر. (¬3) د: عناقا. وهي رواية. (¬4) د: يؤدونها. (¬5) د: - عليه + والله لقاتلتهم. (¬6) د: الصلاة والزكاة. وهو رواية. (¬7) ب، ج، ز: - له. (¬8) ب، ج، ز: أشد. (¬9) غير محب الدين الخطيب النص اجتهادا منه فكتب (عمله وأفضل ما قدمه للإسلام) وهو في جميع النسخ كما أثبتنا. ولكنه لم ينبه إلى ما عمله في النص (ص 47). (¬10) أخرجه البخاري. (¬11) رواه مالك في الموطأ. (¬12) الزهري توفي سنة 32 هـ/ 652 م. (¬13) د: - له. (¬14) فى: أن. (¬15) يريد: المصنفات التي ألفت في الذين كانوا الأوائل في الأعمال الجليلة، في تاريخ الإسلام، حيث يعقدون فيها أبواب خاصة بكل عمل تاريخي فيقولون مثلا: أول من أسلم، أو أول من هاجر. (¬16) ج: - الناس.

أمامته قتل مظلوما، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ما نصب حربا، ولا جيش عسكرا، ولا سعى إلى فتنة، ولا دعا إلى بيعة، ولا حاربه (¬1) ولا نازعه من هو من أضرابه، ولا أشكاله، ولا يرجوها لنفسه. ولا خلاف أنه ليس لأحد أن يفعل ذلك في غير عثمان، فكيف في عثمان رضي الله عنه؟ وقد سموا من قام عليه فوجدناهم أهل أغراض سوء، حيل (¬2) بينهم وبينها. فوعظوا، وزجروا، وأقاموا بحمص (¬3) عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (¬4) يؤنبهم ويؤدبهم (¬5)، حتى تابوا، وأرسل بهم إلى عثمان فتابوا، وخيرهم، فاختاروا التفرق في البلاد فأرسلهم، فلما سار كل إلى ما اختار أنشأوا الفتنة وألبوا (¬6) الجماعة، وجاءوا إليه في جملتهم، فاطلع عليهم من حائط داره، ووعظهم وذكرهم، وورعهم عن دمه، وخرج طلحة (¬7) يبكي، ويورع الناس، وأرسل علي ولديه، وقال الناس لهم (¬8): إنكم أرسلتم إلينا، أقبلوا إلى من غير سنة الله، فلما جئنا، قعد هذا في بيته، يعنون عليا، وخرجت أنت تفيض عينيك، والله لا برحنا حتى نريق دمه. وهذا قهر عظيم وافتيات على الصحابة، وكذب في وجوههم، بهت لهم، ولو أراد عثمان لكان مستنصرا بالصحابة (¬9)، ولنصروه في لحظة، وإنما جاء القوم مستجيرين (¬10) متظلمين، فوعظهم فاستشاطوا، فأراد الصحابة إليهم (¬11)، فأوعز إليهم عثمان ألا يقاتل ¬

_ (¬1) د: حارب. (¬2) د: حين. (¬3) ب، ج، ز: - بحمص. (¬4) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مات بحمص سنة 46 هـ/666 م وقيل سنة 49 هـ/ 669 م (النجوم الزاهرة، ج 1 ص 131). (¬5) ب: - يؤنبهم ويؤدبهم. ب، ز: فوبخهم وتوعدهم. (¬6) ب: ألفوا. (¬7) طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي توفي سنة 36 هـ/ 656 م في وقعة الجمل قتله مروان. (الذهبي، العبر، ج 1 ص 37). (¬8) د: إليهم. (¬9) ب: الصحابة. (¬10) د: مستنجزين. (¬11) كذا في جميع النسخ. (إلا أن الشيخ محب الدين غيره إلى "الهم" أي طعنهم دون أن يشير إلى ذلك. والظاهر أن النص كما هو مثبت والمقصود منهم أنهم أرادرا القيام إليهم ومدافعتهم عن عثمان. (ص 60).

قاصمة

أحد بسببه أبدا، فاستسلم وأسلموه برضاه، وهي مسألة من الفقه كبيرة، هل يجوز للرجل أن يستسلم أم يجب عليه أن يدافع عن نفسه؟ [و 97 أ] وإذا استسلم، وحرم على أحد أن يدافع عنه بالقتل هل يجوز لغيره أن يدافع عنه (¬1)، ولا يلتفت إلى رضاه؟ اختلف العلماء فيها. فلم يأت عثمان منكرا، لا في أول الأمر، ولا في آخره، ولا جاء الصحابة بمنكر. وكل ما سمعت من خبر باطل، إياك أن تلتفت إليه. قاصمة: قالوا معتدين (¬2) متعلقين برواية كذابين: جاء عثمان في ولايته، بمظالم ومناكير، منها: ضربه لعمار (¬3) حتى فتق أمعاءه، ولابن مسعود (¬4) حتى كسر أضلاعه، ومنعه عطاءه، وابتدع في جمع القرآن وتأليفه، وفي حرق المصاحف، وحمي الحمى، وأجلى أبا ذر (¬5) إلى الربذة، وأخرج إلى الشام أبا الدرداء (¬6)، ورد الحكم (¬7) بعد أن نفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبطل سنة القصر في الصلوات في السفر، وولي معاوية ومروان (¬8) ممن لم يكن (¬9) من أهل الولاية، وأعطى مروان خمس أفريقية، وكان عمر يضرب بالدرة، وضرب هو بالعصا، وكتب مع عبده على جهله كتابا إلى ابن أبي سرح (¬10) في قتل من ذكر فيه، ¬

_ (¬1) د: عليه. (¬2) ب، ج، ز: مبعدين وكتب على هامش ز في نسخة مفترين. وغيرها الشيخ محب الدين الخطيب إلى: متعدين. ولم يشر إلى ذلك (ص 61). (¬3) عمار بن ياسر استشهد في وقعة صفين سنة 38 هـ/ 658 م. (¬4) عبد الله بن مسعود الذهلي توفي سنة 32 هـ/ 652 م. (¬5) أبو ذر الغفاري، واسمه جندب توفي سنة 32 هـ/ 652 م. (¬6) أبو الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري توفي بدمشق سنة 32 هـ/ 652 م. (¬7) الحكم بن أبي العاص بن أمية توفي سنة 31 هـ/ 651 م وهو عم عثمان وابن عم أبي سفيان. (¬8) مروان بن الحكم كان كاتب سر عثمان توفي سنة 65 هـ/ 684 م. وأضاف الشيخ محب الدين الخطيب عبد الله بن عامر بن كريز وزعم أنه سقط من الأصل والواقع أنه لا يوجد في جميع النسخ. (ص 62). (¬9) ب، ج، ز: لم يكن. (¬10) عبد الله بن أبي سرح توفي سنة 36 هـ/ 656 م (حسن المحاضرة، ج 1 ص 97).

عاصمة

وعلا على درجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد انحط عنها أبو بكر وعمر، ولم يحضر بدرا وانهزم [يوم حنين، وفر] (¬1) يوم أحد، وغاب عن بيعة الرضوان، وولى الوليد بن عقبة (¬2) وهو فاسق ليس من أهل الولاية، ولم يقتل عبيد الله بن عمر (¬3) بالهرمزان (¬4) الذي أعطى السكين لأبي لؤلؤة (¬5) وحرضه على عمر حتى قتله (¬6). عاصمة: هذا كله باطل سندا ومتنا. أما قولهم: جاء عثمان بمظالم ومناكير فباطل. وأما ضربه لعمار وابن مسعود، ومنعه عطاءه فزور، وضربه لعمار إفك مثله، ولو فتق (¬7) أمعاءه ما عاش أبدا. وقد اعتذر عن ذلك العلماء (¬8) بوجوه، لا ينبغي أن يشتغل بها، لأنها مبنية على باطل، ولا ينبني حق على باطل، ولا يذهب الزمان في مماشاة الجهال (¬9) فإن ذلك لا آخر له. وأما جمع القرآن فتلك حسنته العظمى، وخصلته الكبرى [و 97 ب]، وإن كان وجدها كاملة، ولكنه أظهرها (¬10)، ورد الناس إليها، وحسم مادة الخلاف فيها، وكان نفوذ وعد الله بحفظ القرآن على يديه، حسبما بيناه في ¬

_ (¬1) سقط ما بين قوسين من طبعة محب الدين (ص 62). (¬2) الوليد بن عقبة بن أبي معيط توفي سنة 61هـ / 680م. (¬3) عبيد الله بن عمر بن الخطاب توفي سنة 37 هـ/ 657م (النجوم الزاهرة، ج1 ص112). (¬4) الهرمزان قتل سنة 23 م/ 643م. (¬5) أبو لؤلؤة المجوسي قاتل عمر، قتل سنة 23 هـ / 643م. (¬6) تصرف محب الدين الخطيب فأخر قوله: (وكتب مع عبده على جهله كتابا إلى ابن أبي سرح في قتل من ذكر فيه) وختم به التهم الموجهة إلى عثمان وقال: إنه رتب التهم وأجوبتها على نسق ولكن جميع النسخ جاء النص فيها على النحو الذي أثبتناه (ص 62) وهكذا فعل فيما بعد في ترتيب الرد على التهم فقدم وآخر صفحات بأكملها. مع أن جميع النسخ تخالف ما قام به من الترتيب الذي اعتقد أنه أقرب إلى النص وهو بعيد عنه. (¬7) د: فزور وإفك ولو فتق. (¬8) د: العلماء عن ذلك. (¬9) د: الخبال. (¬10) ج: آخرها.

"كتب القرآن" (¬1) وغيرها. روى الأيمة بأجمعهم أن زيد بن ثابت (¬2) قال: (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال (¬3) أبو بكر: إن عمر أتاني (¬4) فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر) (¬5). قال زيد: قال لي (¬6) أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمروني (¬7) به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال (¬8) عمر (¬9) هذا والله خير فلم يزل أبو بكر (¬10) يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف (¬11)، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي (¬12) خزيمة الأنصاري (¬13) لم أجدها مع أحد غيره {لقد ¬

_ (¬1) أي المصنفات التي ألفها أبو بكر بن العربي في التفسير وما يتصل به كقانون التأويل، وأحكام القرآن وأنوار الفجر والمشكلين أي مشكل القرآن ومشكل الحديث. (¬2) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ، توفي سنة 45 هـ/ 665 م. (¬3) د: قال. (¬4) طبعة محب الدين: أتانا. ولم ينبه على أنه تابع في ذلك بعض الروايات من كتب الحديث. (ص 67). (¬5) أورده البخاري وأحمد وغيرهما من أيمة الحديث. (¬6) ب، ج، ز: - لي. (¬7) د: أمرني. وفي رواية: كلفاني وأمراني. (الرزاز، تاريخ واسط، ص 281). (¬8) د: قالوا. (¬9) د: - عمر. (¬10) د: - أبو بكر. (¬11) وفي رواية: من الرقاع والأكتاف والعسيب. والكتف عظم عريض المنكب يكتب عليها والعسيب جمع عسب عبارة عن جريدة النخل (الرزاز، تاريخ واسط، ص 281). (¬12) طبعة محب الدين؛ - أبي. (¬13) ذو الشهادتين قتل في معركة صفين 38 هـ/ 658 م (الإصابة ت 2247 وقعة صفين، ص 413).

جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة (¬1)، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة (¬2) بنت عمر حتى قدم حذيفة بن اليمان (¬3) على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع (¬4) حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك [و 98 أ] هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصه أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير (¬5)، وسعيد بن العاص (¬6)، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (¬7) فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف (¬8) إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف (¬9) أن يحرق. قال ابن شهاب (¬10): (وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت (¬11) سمع زيد بن ثابت، قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف، قد كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها فالتمسناها فوجدنا (¬12) مع ¬

_ (¬1) ج: - براءة. (¬2) حفصة بنت عمر العدوية أم المؤمنين توفيت سنة 41هـ/ 661م وقيل 45هـ/ 664م. (¬3) حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله توفي سنة 36هـ/ 656م. ج، د، ز: اليماني. (¬4) ب، ج، ز: فحدثه. (¬5) قتل سنة 73هـ/ 692 م وكان ذا شجاعة وفروسية. (¬6) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص يقول الذهبي: أقيمت عربية القرآن على لسانه. توفي، سنة 59هـ/ 678م. (¬7) المخزومي المدني توفي سنة 43هـ/ 663م. (¬8) ب: المصحف. (¬9) ب: ومصحف. (¬10) أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله توفي سنة 124هـ/ 741. (¬11) الأنصاري أحد الفقهاء السبعة توفي سنة 100هـ/ 718م. (¬12) ب، ج، ز: فوجدناها.

خزيمه بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف) (¬1) وأما ما روى أنه حرقها أو خرقها (¬2) - بالحاء المهملة أو الخاء (¬3) المعجمة وكلاهما جائز - إذا كان في بقائها فساد، أو كان فيها ما ليس من القرآن، أو ما نسخ منه، أو على غير نظمه، وقد (¬4) سلم في ذلك الصحابة كلهم. إلا أنه روى عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة، فقال: (أما بعد فإن الله قال: {ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161] إني غال مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل) وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصحفه، وأن يثبت ما يعلم فيه، فلما لم يفعل ذلك له (¬5)، قال ما قال، فأكرهه عثمان على دفع (¬6) مصحفه، ومحا رسومه، فلم تثبت (¬7) له قراءة أبدا، ونصر الله عثمان، والحق، بمحوها من الأرض. وأما نفيه (¬8) [و 98 ب]، أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل. كان أبو ذر زاهدا، وكان يقرع عمال عثمان، ويتلو عليهم: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة: 24] الآية ويراهم يتسعون في المراكب، والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم، وهو غير لازم. قال ابن عمر وغيره (¬9) من الصحابة وهو الحق (¬10): إن ما أديت زكاته فليس بكنز، فوقع بين أبي ذر، ومعاوية كلام بالشام، فخرج إلى المدينة فاجتمع إليه الناس، فجعل يسلك تلك الطريق فقال له عثمان: لو اعتزلت، [معناه: أنك على مذهب لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصحيح. (¬2) ج، د، ز: خرقها أو حرقها. (¬3) د: والخاء. (¬4) كذا في جميع النسخ ويبدو أن صوابها: فقد. أصلحها الشيخ محب الدين ولكنه لم ينص على ذلك. (ص 71). (¬5) د: - له. (¬6) ب: رفع. (¬7) ب: يثبت. (¬8) د: بعثه. (¬9) د: سواه. (¬10) د: - وهو الحق.

يصلح لمخالطة الناس، فإن للخلطة شروطا (¬1)، وللعزلة مثلها. ومن كان على طريق أبي ذر، فحاله يقتضى أن ينفرد بنفسه، أو يخالط ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة] (¬2). فخرج إلى الربذة زاهدا فاضلا، وترك جلة فضلاء. وكل على خير، وبركة، وفضل. وحال أبي ذر أفضل ولا تمكن لجميع الخلق. فلو (¬3) كانوا عليها لهلكوا، فسبحان مرتب المنازل ومن العجب أن يؤخذ عليه في أمر فعله عمر! فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سجن ابن مسعود في نفر من الصحابة سنة (¬4) بالمدينة حتى استشهد، فأطلقهم عثمان، وكان سجنهم، لأن القوم أكثروا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقع بين أبي ذر ومعاويه كلام، وكان أبو ذر يطلق (¬5) من الكلام بما لم يكن (¬6) يقوله في زمان عمر، فأعلم معاوية بذلك عثمان، وخشي من (¬7) العامة أن تثور منهم فتنة. فإن أبا ذر كان يحملهم على التزهد، وأمور لا يحتملها (¬8) الناس كلهم، وإنما هي مخصوصة ببعضهم فكتب إليه عثمان كما قدمنا: أن يقدم (¬9) المدينة. فلما قدم اجتمع إليه الناس فقال لعثمان: أريد الربذة فقال (¬10) له: افعل. فاعتزل، ولم يكن يصلح له إلا ذلك؛ لطريقته. ووقع بين أبي الدرداء (¬11)؛ ومعاويه كلام، وكان أبو الدرداء زاهدا فاضلا (¬12) قاضيا لهم، فلما اشتد في الحق، وأخرج طريقة عمر في قوم لم يحتملوها [و 99 أ] عزلوه، فخرج إلى المدينة. وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين، ولا تؤثر في منزلة أحد من المسلمين بحال. وأبو الدرداء، وأبو ذر (¬13) براءة (¬14) من (¬15) عاب (¬16) ¬

_ (¬1) ج، ز: شروط. (¬2) د: سقط ما بين قوسين. (¬3) د: ولو. (¬4) د: ستة. (¬5) د: ينطلق. (¬6) ج، ز: -يكن. (¬7) ز: في نسخة: عن. (¬8) د: يحملها. (¬9) ب، ج، ز: تقدم. (¬10) د: قال. (¬11) عويمر بن زيد الأنصاري توفي سنة 32 هـ/652 م وكان قاضيا بدمشق. (¬12) د: - فاضلاً. (¬13) د: وأبو ذر وأبو الدرداء. (¬14) كذا في جميع النسخ وقد صححها محب الدين هكذا: بريئان ولم يشر إلى ذلك (ص 77). (¬15) ج، ز: ممن. (¬16) العاب كالمعاب والمعيب: الوصمة (القاموس المحيط).

وعثمان بريء وأعظم براءة، وأكثر نزاهة. فمن روى أنه نفي، وروى سببا (¬1) فهو كله باطل. وأما رد الحكم فلم يصح. وقال علماؤنا في جوابه: قد كان أذن له فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال (¬2) لأبي بكر وعمر، فقالا له: إن كان معك شهيد رددناه، فلما ولي قضي بعلمه في رده. وما كان عثمان ليصل مهجور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان أباه، ولا لينقض (¬3) حكمه. وأما ترك القصر (¬4)، فاجتهاد، إذ (¬5)، سمع أن الناس افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة فتركها مصلحة (¬6) خوف الذريعة، مع أن جماعة العلماء قالوا: إن المسافر مخير بين القصر والإتمام، واختلف في ذلك الصحابة. وأما معاوية فعمر ولاه، وجمع له الشامات كلها وأقره عثمان، بل إنما ولاه أبو بكر الصديق رضى الله عنه لأنه ولي أخاه يزيد، واستخلفه يزيد فأقره عمر، لتعلقه بولاية أبي بكر، لأجل استخلاف واليه له، فتعلق عثمان بعمر وأقره. فانظروا إلى هذه السلسلة (¬7) ما أوثق عراها، وأقدر سردها (¬8)، ولن يأتي (¬9) مثلها بعدها أبدا. وأما عبد الله بن كريز (¬10) فولاه كما قال، لأنه كريم العمات والخالات. ¬

_ (¬1) د: -وروى سببا. (¬2) أي قال عثمان. (محب الدين الخطيب، ص77). (¬3) د: ليبغض. (¬4) ز: كتب على الهامش: أي في الصلاة. (¬5) د: أو. (¬6) ب، ج، ز: - مصلحة. (¬7) د: المسألة. (¬8) انتظام الحلق في السلسلة أو غيرها، ويطلق على جودة سياق الحديث. (القاموس المحيط). ب، ج، ز: ترك بياض مكان: سردها (¬9) ب، ج، ز: + أحد. (¬10) عبد الله بن عامر بن كريز وفي سنة 59هـ / 678 م على أصح الروايات (الذهبي، العبر، ج 1 ص67). ب، ج، ز: ابن أبي كريز.

وأما تولية الوليد بن عقبة. فلأن (¬1) الناس على فساد في (¬2) النيات أسرعوا إلى السيئات قبل الحسنات، فذكر الإسفرائنيون (¬3) أنه إنما ولاه للمعنى الذي تكلم به. قال عثمان: ما وليت الوليد لأنه أخي، وإنما وليته لأنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول [و 99 ب] الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوأمة أبيه، وسيأتي بيانه إن شاء الله. والولاية اجتهاد. قد عزل عمر (¬4)، سعد (¬5) بن أبي وقاص (¬6)، وقدم أقل منه درجة. وأما إعطاؤه خمس أفريقية لواحد، فلم (¬7) يصح، على أنه قد ذهب مالك وجماعة إلى أن الإمام يرى رأيه في الخمس، وينفذ فيه ما أداه إليه اجتهاده، وأن عطاءه لواحد جائز (¬8). وقد بينا ذلك في مواضعه. وأما قولهم: إنه ضرب بالعصا، فما سمعته ممن أطاع ولا عصا، وإنما هو باطل يحكى، وزور ينثى، فيا لله وللنهى. وأما علوه على درجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فما سمعته ممن فيه تقية (¬9) وإنما هي إشاعة منكر، ليروى (¬10)، ويذكر، فيتغير بها (¬11) قلب من يتغير. قال علماؤنا: ولو صح ذلك فما في هذا ما يحل دمه، ولا يخلو أن يكون ذلك حقا، فلم ينكره (¬12) الصحابة عليه، إذ رأت جوازه ابتداء، أو لسبب اقتضى ذلك، وإن كان لم يكن فقد انقطع الكلام. وأما انهزامه يوم حنين، وفراره يوم أحد، ومغيبه عن بدر، وبيعة الرضوان، فقد بين عبد الله بن عمر، وجه الحكم في شأن البيعة، وبدر، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: فأن. (¬2) ب، ج، ن: - في. (¬3) ب، ج، ز: الإسفرايون. وأصلحه محب الدين هكذا: الإفترائيون. ولكنه لم يشر إلى ذلك كعادته. (¬4) ج: عمن. (¬5) ب، د: سعيد. (¬6) أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الزهري توفي سنة 55هـ/ 674م. (¬7) د: فلا. (¬8) ب، ج، ز: وأما إعطاؤه لواحد جائز (¬9) د: بقية. (¬10) د: ليرى. (¬11) ب: - بها. (¬12) د: تنكره.

وأحد. وأما (¬1)، يوم حنين فلم يبق إلا نفر يسير مع رسول الله (¬2) - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لم يجر في الأمر تفسير من بقي ممن مضى في الصحيح، وإنما هي أقوال، منها أنه ما بقي معه إلا العباس وابناه عبد الله، وقثم (¬3)، فناهيك بهذا (¬4) الاختلاف، وهو أمر قد اشترك فيه الصحابة، وقد (¬5)، عفا الله عنه ورسوله، فلا يحل ذكر ما أسقطه الله ورسوله، والمؤمنون. خرج البخاري: (جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر محاسن عمله، فقال: لعل ذلك يسوؤك [و 100 أ]، قال: نعم، قال: فأرغم الله أنفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك (¬6) بيته أوسط بيوت النبي. ثم قال: لعل ذلك يسوؤك، قال: أجل، قال: فأرغم الله أنفك، فانطلق (¬7) فاجهد علي جهدك) وقد تقدم في حديث بني الإسلام على خمس زيادة فيه للبخاري (¬8) في علي وعثمان. وقد أخرج البخاري (¬9) أيضا من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب (¬10)، قال: جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت، فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا (¬11): هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا (¬12): عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: تعلم أنه تغيب عن ييعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: الله أكبر. قال ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله قد عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته زينب (¬13)، بنت ¬

_ (¬1) ب: - يوم. (¬2) د: النبي. (¬3) قثم بن العباس بن عبد المطلب توفي سنة 56 هـ/675 م وقد وقفت على قبره في سمرقند سنة 1967 م. (¬4) د: - قد. (¬5) د: من هذا. (¬6) د: لك. (¬7) د: انطلق. (¬8) د: للجبائي. (¬9) د: الجبائي. (¬10) عثمان بن عبد الله بن موهب الأعرج أبو عبد الله نوفي سنة 160هـ/ 776م (طبقات خليفة بن خياط، ص 273.وابن حجر تهذيب التهذيب، ج7 ص133. (¬11) د: قال: صحيح البخاري: قالوا. (¬12) د: قال. (¬13) ب: نيب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مريضة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا، وسهمه. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان (وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان) (¬1) إلى مكة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى: (هذه يد عثمان) فضرب بها على يده، وقال: (هذه لعثمان) ثم قال ابن عمر: اذهب بها الآن معك. وأما أمر الحمى فكان قديما، فيقال: إنه عثمان زاد فيه لما زادت الرعية. وإذا جاز أصله للحاجة إليه جازت الزيادة فيه لزيادة الحاجة. وأما امتناعه من قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بالهرمزان فإن ذلك باطل. فإن (¬2) كان لم يفعل فالصحابة متوافرون، والأمر في أوله، وقد قيل: إن الهرمزان [و 100 ب] سعى في قتل عمر، وحمل الخنجر، وظهر تحت ثيابه، وكان قتل عبيد الله له وعثمان لم يل بعد. ولعل عثمان كان لا يرى على عبيد الله حقا. لما ثبت عنده من حال الهرمزان وفعله، وأيضا فإن أحدا لم يقم بطلبه، فكيف (¬3) يصح مع هذه الاحتمالات كلها، أن ينظر في أمر لم يصح. وأما قول القائل في مروان، والوليد، فشديد عليهم، وحكمهم عليهم بالفسق، فسق منهم. مروان رجل عدل من كبار الأمة عند الصحابة، والتابعين، وفقهاء المسلمين. أما الصحابة فإن سهل بن معد الساعدي (¬4) روى عنه. وأما التابعون فأصحابه في السنن (¬5) وإن كان جازهم (¬6) باسم الصحبة في أحد القولين. وأما فقهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار خلافه (¬7)، والتلفت (¬8) إلى فتواه، والانقياد إلى روايته. وأما السفهاء من المؤرخين، والأدباء، فيقولون على أقدارهم. ¬

_ (¬1) ب، ج، ز; سقط ما بين القوسين. (¬2) د: وإن. (¬3) ب، ج، ز: وكيف. (¬4) أبو العباس سهل الأنصاري آخر من مات من الصحابة بالمدينة سنة 91هـ/ 709م. (¬5) ج: السر. (¬6) ب: حارهم. د: ما رسم. (¬7) ب، ج، ز: خلافته. (¬8) ج: والتفت.

وأما الوليد فقد روى بعض المفسرين أن الله سمام فاسقا في قوله {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} [الحجرات: 6] فإما في قولهم نزلت فيه، أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - مصدقا (¬1) إلى بني المصطلق فأخبر عنهم أنهم ارتدوا، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم خالد بن الوليد (¬2) فثبت في أمرهم، فبين بطلان قوله، وقد اختلف فيها، فقيل نزلت في ذلك، وقيل في علي، والوليد في قصة أخرى، وقيل: إن الوليد سبق يوم الفح في جملة الصبيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فمسح رؤوسهم، وبرك عليهم إلا هو، فقال: إنه كان على رأسي خلوق، فامتنع من مسه فمن يكون في هذا السن يرسل مصدقا؟ وبهذا الاختلاف يسقط العلماء الأحاديث القوية. فكيف (¬3) يفسق رجل يتمثل هذا الكلام؟ فكيف رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ [و 101 أ] وأما حده في الخمر، فقد حد عمر، قدامة بن مظعون (¬4) على الخمر وهو أمير وعزله، ثم قيل له (¬5): صالحه، وليست الذنوب مسقطة للعدالة إذا وقعت منها التوبة. وقد قيل لعثمان: إنك وليت الوليد، لأنه أخوك لأمك أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فقال: بل لأنه ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حكيم البيضاء جدة عثمان، وجدة الوليد لأمهما، أروى المذكورة، وكانت (¬6) أم حكيم توأمة عبد اللله أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. واي حرج على المرء أن يولي أخاه أو قريبه؟ وأما تعلقهم بأن الكتاب وجد مع راكب، أو مع غلامه ولم يقل أحد قط (¬7) إنه كان غلامه - إلى (¬8) عبد الله بن سعد بن أبي سرح يأمره بقتل حامليه (¬9) فقد قال لهم عثمان: أما أن تقيموا ¬

_ (¬1) ب: - مصدقا. (¬2) خالد بن الوليد المخزومي توفي سنة 21هـ/ 641م. (¬3) ب، ج، ز: وكيف. (¬4) قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي توفي سنة 36 م / 606 م. (طبقات خليفة بن خياط، ص25). (¬5) كذا في جميع النسخ وأصلحه محب الدين: قيل إنه- ولم يشر إلى ذلك. (¬6) ب، ج، ز: - وكانت. (¬7) د: قط أحد. (¬8) د: إلا بني. (¬9) ج، ز: حامله.

شاهدين (¬1) علي بذلك (¬2)، وإلا فيميني أني ما كتبت ولا أمرت، وقد يكتب على لسان الرجل، ويضرب على خطه، وينقش على خاتمه. فقالوا: تسلم لنا (¬3) مروان. فقال: لا أفعل. ولو سلمه لكان ظالما، وإنما عليهم أن يطلبوا حقهم عنده على مروان وسواه، فما ثبت كان هو منفذه، وآخذه إن كان له أخذه (¬4) والممكن لمن يأخذه بالحق (¬5). ومع سابقته وفضيلته (¬6)، ومكانته، لم يثبت عليه ما يوجب خلعه، فضلا عن قتله. وأمثل ما روى في قصته أنه بالقضاء السابق، تألب عليه قوم، لأحقاد اعتقدوها، ممن (¬7) طلب أمرا فلم يصل إليه، وحسد حسادة أظهر داءها (¬8)، وحمله على ذلك، قلة دين، وضعف يقين، وإيثار للعاجلة (¬9) على الآحلة، وإذا نظرت إليه دلك صريح ذكرهم (¬10)،على دناءة قدرهم (¬11) وبطلان أمرهم، كان الغافقي المصري أمر القوم (¬12)، وكنانة بن بشر التجيبي (¬13)، وسودان بن حمران (¬14) وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (¬15)، [و101 ب] وحكيم بن جبلة (¬16) من أهل البصرة، ومالك بن الحارث الأشتر (¬17)، في طائفة، هؤلاء رؤوسهم، فناهيك ¬

_ (¬1) د: شهيدين. (¬2) ب، ج، ز: على ذلك. (¬3) د: إلينا. (¬4) ب، ج، ز: - إن كان له أخذه. (¬5) د: أو الممكن لأخذه بالحق. (¬6) د: فضله. (¬7) ج: فمن. (¬8) ب، ج، ز: حساده وأظهروها. وأشير في هامش ب، ز إلى أنه يوجد في نسخة أخرى العبارة التي أثبتاها. (¬9) ب، ج، ز: العاجلة. (¬10) ج: -ذكرهم. (¬11) ب: قلبهم وصححها محب الدين، ولم يشر إلى ذلك (ص111 - د: قلوبهم. (¬12) الغافقي بن حرب العكي يمني الأصل. قتل في سنة 36هـ/ 656 م (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط. بيروت، 1965 م، ج. 218 - 219). (¬13) من الذين اتهموا بضرب الخليفة عثمان. توفي سنة 38 م/658 م (الطبري، ج6 ص58 - 60) وقيل قتل سنة 36هـ/ 656م. (¬14) أغلب الظن أنه قتل يوم الجمل 36 هـ/656م. (¬15) من الذين كانوا مع علي في صفين. قتل سنة 38 م/ 658م. (¬16) قتل يوم الجمل 36 هـ/ 656م. (¬17) هلك في طريقه إلى مصر سنة 38 هـ/ 658م.

بغيرهم (¬1)، وقد كانوا آثاروا فتنة، فأخرجهم عثمان بالاجتهاد، وصاروا في جماعتهم عند معاوية، فذكرهم ب الله، وبالتقوى، لفساد الحال، وهتك حرمة الأمة، حتى قال له زيد بن صوحان (¬2) يوما - فيما يروى -: كم تكثر علينا من الأمرة (¬3)، وبقريش، فما زالت العرب تأكل من قوائم سيوفها، وقريش تجار. فقال له معاوية: (لا أم لك، أذكرك بالإسلام، وتذكرني بالجاهلية، قبح الله من كثر على أمير المؤمنين بكم، فما أنتم ممن ينفع، ولا يضر، أخرجوا عني) (¬4). وأخبره ابن الكواء بأهل الفتنة في كل بلد، ومؤامراتهم فكتب إلى عثمان يخبره بذلك، فأرسل إليه بإشخاهم عليه، فأخرجهم معاوية، فمروا بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فحبسهم ووبخهم، وقال لهم؛ اذكروا لي (¬5) ما كنتم تذكرون لمعاوية (¬6) وحصرهم، وأمشاهم بين يديه أذلاء، حتى تابوا بعد حول، وكتب إلى عثمان بخبرهم، وكتب (¬7) إليه أن سرحهم إلي، فلما مثلوا بين يديه جددوا التوبة، وحلفوا على صدقهم، وتبرأوا مما نسب إليهم فخيرهم حيث يسيرون، فاختار كل واحد ما أراد من البلاد: كوفة، وبصرة، ومصر، فأخرجهم، فما استقروا في جنب (¬8) ما ساروا حتى ثاروا. وألبوا، حتى انضاف إليهم جمع، وساروا إليه، على أهل مصر: عبد الرحمن بن عديس البلوي (¬9)، وعلى أهل البصرة: حكيم بن جبلة العبدي (¬10)، وعلى أهل الكوفة: الاشتر مالك بن الحارث النخعي (¬11). فدخلوا المدينة هلال ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، فاستقبلهم عثمان، فقالوا ادع بالمصحف، فدعا به، فقالوا: افتح ¬

_ (¬1) ب: بعد بهم، وفي هامش ز: بعيدهم. (¬2) قتل في وقعة الجمل سنة 36هـ/ 656م. (¬3) د: بالإمرة. (¬4) الطبري، ج5 ص 86. (¬5) ب، ج، ز: - لي. (¬6) الطبري، ج 5 ص87. (¬7) د: فكتب. (¬8) ب: جنب. ج، ز: خبث. وكتب على هامش ب، ز: في نسخة: حيث. د: - ما. (¬9) عبد الرحمن بن عديس بن عمرو البلوي شهد فتح مصر، قتله أعرابي بحمص لما علم أنه من قتلة عثمان سنة 36 هـ/ 656م (السيوطي، حسن المحاضرة، ج1 ص98). (¬10) ب، ج، ز: - العبدي. (¬11) ب: - النخعي.

السابعة (¬1) -يعني يونس-فقالوا له (¬2): اقرأ، فقرأ، حتى انتهى إلى قوله (¬3): {آلله أذن لكم [و 102 أ] أم على الله تفترون} [يونس: 59] قالوا له: قف. قالوا له: أرأيت ما حميت من الحمى؟ إذن الله لك (¬4) أم على الله افتريت؟ قال: أمضه، إنما نزلت في كذا، وقد حمى عمر، وزادت الإبل، فزدت. فجعلوا يتبعونه هكذا، وهو ظاهر عليهم، حتى قال لهم: ماذا (¬5) تريدون؟ فأخذوا ميثاقه، وكتبوا عليه ستا أو خمسا: إن المنفي يقلب (¬6)، والمحروم يعطي، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو (¬7) الأمانة والقوة. فكتبوا (¬8) ذلك في كتاب، وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا، ولا يفرقوا جماعة، ثم رجعوا راضين، وقيل: أرسل إليهم عليا فاتفقوا على الخمس (¬9) المذكورة، ورجعوا راضين. فبينما هم (¬10)،كذلك، إذا راكب يتعرض لهم، ثم يفارقهم مرارا (¬11)، قالوا: ما لك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله يصر، ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه، إلى عامل مصر، أن يصلبهم، ويقطع أيديهم وأرجلهم، فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا عليا، فقالوا له: ألم تر إلى عدوالله كتب فينا بكذا؟ وقد أحل الله دمه. قالوا له: فقم معنا إليه قال: والله لا أقوم معكم. قالوا له (¬12): فلم كتبت (¬13) إلينا؟ ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: التاسعة. قارن (الطبري، ج2 ص117) ويونس يأتي ترتيبها السابعة في مصحف ابن مسعود (محب الدين الخطيب ص 124 ت "4" ونسخة (د) تتفق مع ما ورد في، الطبري. (¬2) ب، ج، ز: - له. (¬3) د: أتى على قوله. (¬4) د: لك الله. (¬5) د: فما. (¬6) ب، ج، ز: يعلب. وكتبها محب الدين: يعاد. اجتهادا منه، ولكنه لم ينبه إلى ذلك، رغم أن الشخ ابن باديس اقترح نفس اللفظة (يقلب) في الهامش. محب الدين، ص125. ابن باديس، ص118) وشهدت نسخة (د) لاقتراح ابن باديس. (¬7) ب: ذوو. (¬8) د: كتبوا. (¬9) د: خمس. (¬10) د، ز: فبيناهم. (¬11) ج: فرارا. (¬12) ب: - له. (¬13) د: كتب.

قال: والله ما كنت (¬1) إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا له: كتبت فينا كذا قال لهم: أما أن تقيموا اثنين من المسلمين أو بينة، كما تقدم ذكره. فلم يقبلوا ذلك (¬2) منه، ونقضوا عهده، وحصروه. وقد روي أن عثمان جيء إليه بالأشتر فقال له: يريد القوم منك، إما أن تحلع نفسك، أو تقص (¬3) منها، أو يقتلوك. فقال (¬4): أما خلعي فلا أترك أمة محمد بعضها على بعض، وأما القصاص فصاحباي قبلي لم يقصا من أنفسهما، ولا يحتمل ذلك بدني. وروي أن رجلا قال له نذرت دمك [و102 ب]. قال له: خذ جنبي (¬5)، فشرط فيه بالسيف شرطة (¬6) أراق منه دمه، ثم خرج الرجل، وركب راحلته، وانصرف في الحين، ولقد دخل عليه ابن عمر فقال: انظر ما يقول هؤلاء، يقولون اخلع نفسك أو نقتلك، فقال له: أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا. قال: هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال: لا. قال: هل يملكون لك جنة أو نارا؟ قال: لا. قال: فلا تخلع قميص الله عنك (¬7)، فتكون سنة، كلما كره قوم خليفتهم خلعوه، أو قتلوه. وقد أشرف عليهم عثمان، واحتج عليهم بالحديث الصحيح في بنيان المسجد، وحفر بئر رومة، وقول النبي حين رجف بهم أحد، وأقروا له به في أشياء ذكرها. وقد ثبت أن عثمان أشرف عليهم، وقال: أفيكم ابنا محدمج؟ (¬8) أنشدكما الله، ألستما تعلمان أن عمر قال: إن ربيعة فاجر أو (¬9) غادر، وإني والله لا أجعل فرائضهم وفرائض قوم جاءوا من مسيرة شهر (¬10)، وإنما مهر أحدهم عند طنيه (¬11)، وإني زدتم في غزاة واحدة ¬

_ (¬1) د: كتب- ورواية خليفة بن خياط: كتبت (تاريخ خليفة بن خياط، ج 1 ص146) والمؤلف هنا اعتمد على خليفة بن خياط في رواية أخبار الفتنة ووثقه فيها ونوه بإسناده. (¬2) د: - ذلك. (¬3) ج: تقتص. (¬4) د: قال. (¬5) ب: جبتي- د: جبيني. (¬6) ب، ج، ز: شرطة بالسيف. (¬7) د: عليك. (¬8) ج، ز: محروج. (¬9) ج، ز: إذ. (¬10) أي سواء في الفريضة والسهم. (¬11) ب، ج، ز: طسه. والطني: الفجور، والتهمة. وفي رواية خليفة بن خياط: طنبه. وهو: سير يوصل بوتر القوس- (تاريخ خليفة بن نياط، ج-1 ص149).

خمسمائة حتى ألحقتهم بهم؟. قالوا: بل قال: أذكركما الله، ألستما تعلمان أنكما أتيتماني، فقلتما: إن كندة آكلة رأس، وإن ربيعة هي الرأس، وإن الاشعث بن قيس (¬1) قد أكلهم فنزعته واستعملتكما؟ قالا: بلى. قال: الله م إنهم (¬2) كفروا (¬3) معروفي، وبدلوا نعمتي، فلا ترضهم (¬4) عن إمامهم ولا ترض (¬5) إماما عنهم. وقد روى عبد الله بن عامر بن ربيعة (¬6)، قال: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة، إلا كف يده وسلاحه، ثم قال: قم يا ابن عمر- وعلى ابن عمر سيفه متقلدا - فاجر بين الناس، فخرج ابن عمر، ودخلوا فقتلوه. وجاءه (¬7) زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار [و 103 أ] بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين (¬8) قال: لا حاجة لي في ذلك كفوا. وقال له (¬9) أبو هريرة (¬10): اليوم طاب الضرب (¬11) معك- قال: عزمت عليك لتخرجن. وكان الحسن بن علي (¬12) آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين (¬13)، وابن عمر، وابن الزبير، ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم، وخروجهم، ولزوم بيوتهم، فقال له ابن ¬

_ (¬1) الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي أبو محمد ت وفي سنة 40 هـ/ 661م. (العبر، ج1 ص46. دائرة المعارف الإسلامية، مجلد 1 ص 16). (¬2) ب: إنهما. (¬3) ج، ز: كفرا. (¬4) ج، ر: ترضيهم. (¬5) ج، ز: ترضي. نفس النص ورد في تاريخ خليفة بن خياط، ج 1/ 149. (¬6) عبد الله بن عامر بن ربيعة، روى عن النبي، وتوفي، سنة 80 م / 699 م (طبقات خليفة بن خياط ص235). (¬7) ب: جاء (¬8) يقصدون بذلك أنهم نصروا النبي المرة الأولى، وينصرون عثمان المرة الثانية. ولا يقصد بذلك تكرار العبارة كما فهم الشيخ ابن باديس (ج2 ص120). (¬9) د: -له. (¬10) توفي أبو هريرة سنة 57هـ/ 676م، وقيل 59هـ/ 678م (العبر، ج1 ص 62 - 63). (¬11) د: طاب أم ضرب. على لغة مصر. (¬12) توفي الحسن بن علي بالمدينة سنة 50هـ/ 670م. (¬13) استشهد بكربلاء سنة 61 هـ/ 680م.

الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا ألا (¬1) نبرح، ففتح عثمان الباب، ودخلوا عليه في أصح الأقوال، فقتله (¬2) الموت (¬3) الأسود، وقيل أخذ ابن أبي بكر (¬4) بلحيته وذبحه رومان (¬5)، وقيل رجل من أهل مصر يقال له حمار، فسقطت قطرة من دمه على المصحف على قوله: (فسيكفيكهم الله} [البقرة: 137] فإنها (¬6) فيه ما حكت (¬7) إلى الآن. وروي أن عائشة رضي الله عنها قالت: غضبت لكم من السوط، ولا أغضب لعثمان من السيف استعتبتموه حتى إذا تركتموه كالغل (¬8) المصفى، ومصتموه (¬9) موص (¬10) الإناء، وتركتموه كالثوب المنقى من الدنس ثم قتلتموه. قال مسروق: فقلت لها: هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم (¬11) بالخروج عليه فقالت عائشة: والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: لا. وهذه الروايات والنصوص كلها أوردها خليفة بن خياط في تاربجه، ج 1 ص 150 - 154. (¬2) د: فقله. (¬3) ب، ج، ز: المرء. وتتفق (د) مع ما ورد في تارخ الطبري حيث عبر عن ذلك بالموت فقال: ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود (الطبري، ج4 ص384) وذكر خليفة بنخياط أنه رجل من بني سدوس يق الله: الموت الأسود (تاريخ خليفة بن خياط، ج 1 ص102). (¬4) محمد بن أبي بكر الصديق قتل سنة 38 هـ/ 658م. (¬5) رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وليس محرفا كما قال محب الدين حيثوضع مكانه كنانة بن بشر بدعوى أننسخة الجزائر كثيرة التحريف (ص 130) انظر (تاريخ خليفة بن خياط، ج1 ص153). (¬6) ج: فاندا. (¬7) ج، ز: حالت. (¬8) ب، ج، ز: العبد. وأصلحه الشيخ محب الدين ب: القد. ولعله: الذهب. لأنه قد ورد في تاريخ ابن الأثير في شأن عثمان: كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذا ماصوه كما يماص الثوب بالماء. ج1 ص 207) وأما ما ورد في (د) من: الغل فيطلق على النوى المختلط بالقت (القاموس المحيط) وفي تاريخ ابن الخياط "كالقلب" (ج 1 ص154). (¬9) ج: مصنتموه. د: موصتموه. (¬10) الموص: الغسل بالأصابع. (¬11) ب: تأمريهم. ج، ز: تأمرهم.

سوادا في بياض. قال الأعمش (¬1): فكانوا يرون أنه كتب على لسانها. وقد روي أنه ما قتله أحد إلا أعلاج من أهل مصر. قال القاضي أبو مكر (¬2) رضي الله عنه: فهذا أشبه ما روي في الباب، وبه يتبين، وبأصل المسألة، وسلوك (¬3) سبيل الحق، أن أحدا من الصحابة لم يسع عليه، ولا قعد عنه ولو استنصر ما غلب ألف أو أربعة آلاف غرباء عشرين (¬4) ألفا بلديين أو أكثر من ذلك، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة. وقد اختلف العلماء فيمن نزل به مثلها، هل يلقى [و 103 ب] بيده أو يستنصر، وأجاز بعضهم أن يستسلم، ويلقي بيده اقتداء بفعل عثمان، وبتوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الفتة. قال القاضي أبو بكر (¬5) رضي الله عنه: ولقد حكمت بين الناس، فألزمتهم الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لم يكن (¬6)، يرى (¬7) في الأرض منكر، واشتد الخطب على أهل الغصب (¬8) وعظم على الفسقة الكرب، فتألبوا وألبوا، وثاروا إلي، واستلمت لأمر الله، وأمرت كل من حولي ألا يدفعوا عن داري، وخرجت على السطوح بنفسي، فعاثوا علي، وأمسيت سليب الدار، ولولا ما سبق من حسن المقدار، لكنت قتيل الدار. وكان الذي حملي على ذلك ثلاثة أمور: أحدها: وصية (¬9) النبي (¬10) - صلى الله عليه وسلم -، المتقدمة (¬11). الثاني: الاقتداء بعثمان. الثالث: سوء الأحدوثة التي (¬12) فر منها رسول الله. المؤيد (¬13) بالوحي. فإن من غاب عني، بل من حضر من ¬

_ (¬1) أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي توفي سنة 148 هـ/765 م. (¬2) د: قال أبي. (¬3) ب: وأصل المسألة سلوك. ج، ز: بأصل المسألة سلوك. (¬4) ب: عشرون. (¬5) د: قال أبي. (¬6) د: تلك. (¬7) ج، د، ز: ترى. (¬8) ب، ج، ز: الغضب. (¬9) ج، ز: وصاءة. د: وصاة. (¬10) ز: في الهامش: في نسخة: المهدي. (¬11) ب: المهدي. (¬12) ج: تكرر: التي. (¬13) ج: تكرر: المؤيد.

الحسدة معي، خفت أن يقول (¬1): إن الناس مشوا مستعينين به (¬2) مستغيثين له، فأراق دماءهم. وأمر عثمان كله سنة ماضية، وسيرة راضية، فإنه تحقق أنه مقتول بخبر الصادق له بذلك، وأنه بشره بالجنة على بلوى تصيبه، وأنه شهيد. وروى أنه قال له في المنام: إن شئت نصرتك، أو تفطر عندنا الليلة. وقد انتدب (¬3) المردة والجهلة إلى أن يقولوا: إن كل فاضل من الصحابة كان عليه ساعيا (¬4) مؤلبا، وبما جرى عليه راضيا، واخترعوا كتابا فيه (¬5)، فصاحة وأمثال، كتب عثمان به مستصرخا إلى علي، وذلك كله مصنوع، ليوغر (¬6) قلوب المسلمين، على السلف الماضين؛، والخلفاء الراشدين. قال القاضي أبو بكر (¬7) رضي الله عنه (¬8): فالذي تنخل (¬9) من ذلك أن عثمان [و 104 أ] مظلوم، محجوج بغير حجة، وأن الصحابة برآء عن دمه بأجمعهم، لأنم أتوا إرادته، وسلموا له رأيه في إسلام نفسه، ولقد (¬10)، ثبت زائدا (¬11)، إلى ما تقدم عنهم، أن عبد الله بن الزبير، قال لعثمان: أنا معك في الدار عصابة مستبصرة، ينصر (¬12) الله بأقل منهم، فأذن لنا، فقال: اذكر الله رجلا أراق لي (¬13)، دمه أو قال دما. قال (¬14) سلط بن أبي سليط (¬15): نهانا عثمان ¬

_ (¬1) د: يقولوا. (¬2) ب، ج، ز: مستعينين به. (¬3) ب: انتدبت. (¬4) ب: مشاغبا. ج، ز: شاغبا. (¬5) ب، ج، د، ز: كتبا فيها. وفي هامش ب، ز: في نسخة: كتابا فيه. (¬6) د: لتوغر. (¬7) د: قال أبي. (¬8) ب، ج، ز: - رضي الله عنه. (¬9) ب، ج، ز: ينحل. (¬10) ج: قد. (¬11) ج، ز: زايلا. (¬12) د: مستنصرة بنصر. وفي تاريخ ابن خياط: عصابة مستبصرة ينصر الله (ج1 ص 150). (¬13) في تاريخ خليفة بن خياط: في. (¬14) د: وقال. (¬15) سليط بن أبي سليط بن عبد الله بن عمرو استشهد سنة 63 هـ-/682 م (تاريخ خليفة بن خياط، ج1 ص 235.

عن قتالهم، فلو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارها (¬1). وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن لي (¬2) عليه سمعا وطاعة، إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم غناء من كف يده وسلاحه. وثبت أن الحسن والحسين وابن الزبير، وابن عمر، ومروان، كلهم شاك في السلاح، حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم، ولزمتم بيوتكم (¬3). فلما قضى الله من أمره ما قضى، ومضى في قدره ما مضى، علم أن الحق ألا (¬4)، يترك الناس سدى، وأن الخلق بعده مفتقرون إلى خليفة، مفروض عليهم النظر فيه. ولم يكن بعد الثلاث (¬5) كالرابع قدرا، وعلما، وتقى، ودينا، فانعقدت له البيعة ولولا الإسراع (¬6) بعقد البيعة لعلي، لجري على من بها من الأوباش، ما لا يرقع خرقه، ولكن عزم عليه المهاجرون والأنصار، ورأى ذلك فرضا عليه، فانقاد إليه، وعقد (¬7) له البيعة طلحة فقال الناس: بايع عليا يد شلاء، والله لا يتم هذا الأمر. فإن قيل بايعا مكرهين. قلنا: حاشا لله أن يكرها لهما ولمن بايعهما، ولو كانا مكرهين ما أثر ذلك، لأن واحدا أو اثنين تنعقد بهما البيعة (¬8) وتتم، ومن بايع (¬9) بعد ذلك فهو لازم له، وهو مكره على ذلك شرعا، ولو لم يبايعا ما أثر ذلك فيهما، ولا في بيعة الإمام. وأما [و 104 ب] من قال: يد شلاء وأمر لا يتم، فذلك ظن من القائل أن طلحة أول من بايع. ولم يكن كذلك. فإن قيل: فقد قال طلحة: "بايعت واللج (¬10) على قفي" (¬11) قلنا: اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في "القفا" لغة: "قفي" (¬12) كما يجعل في "الهوى" ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: أقطارنا. وفي تاريخ خليفة بن خياط: أقطارها (ص 150). (¬2) د: - لي. (¬3) تاريخ خليفة بن خياط، ج 1 ص152. (¬4) ب، ج، ز: لا. (¬5) د: الثلاثة. (¬6) د: الانتزاع. (¬7) ج: وانعقد. (¬8) ب، ج، ز: البيعة بهما. (¬9) د: تابع (¬10) في جميع النسخ: اللح. وصوابه. وهو السيف. وقد أصلحه الشيخ محب الدين الخطيب ولم ينبه إلى ذلك. (ص144). (¬11) ج، ز: ففا. (¬12) ج، ز: ففي.

قاصمة

وهوى)) وتلك لغة (¬1) هذيل لا قريش، فكانت كذبة لم تدبر. وأما قولهم: "يد شلاء" لو صح فلا متعلق لهم فيه. فإن يدا شلت في وقاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتم لها كل أمر، ويتوقى بها من كل مكروه، وقد تم الأمر على وجهه، ونفذ (¬2) القدر بعد ذلك على حكمه، وجهل المبتدع ذلك، فاخترع ما هو حجة عليه. فإن قيل بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان. قلنا: هذا لا يصح (¬3) في شرط البيعة إنما (¬4) بايعوه (¬5) على الحكم بالحق، وهو أن (¬6) يحصر الطالب للدم، ويحضر المطلوب، وتقع الدعوى، ويكون الجواب، وتقوم البينة، ويقع الحكم، فأما على الهجم عليه بما كان من قول مطلق، أو فعل غير محقق، أو سماع كلام، فليس ذلك في دين الإسلام. قالت العثمانية: تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة (¬7)، وابن عمر، وأسامة بن زيد، وسواهم من نظرائهم. قلنا: أما بيعته (¬8) فلم يتخلف عنها أحد (¬9)، وأما نصرته فتخلف عنها قوم، منهم من ذكرتم، لأنها كانت مسألة اجتهادية (¬10). فاجتهد كل واحد (¬11)، وأعمل نظره، وأصاب قدره (¬12). قاصمة: روى قوم أن البيعة لما تمت لعلي، استأذن طلحة والزبير عليا في الخروج إلى مكة، فقال لهما علي: لعلكما تريدان البصرة والشام، فأقسما ألا يفعلا، وكانت، عائشة بمكة، وهرب عبد الله بن عامر، عامل عثمان على البصرة إلى مكة، ويعلى [و 105 أ] بن أمية (¬13)، عامل عثمان على اليمن، فاجتمعوا بمكة ¬

_ (¬1) د: بلغة. (¬2) د: نفد. (¬3) د: لا يصح هذا. (¬4) ب، ج، ز: وإنما. (¬5) ب، ج، ز: يبايعونه. (¬6) د: وهذا بأن يحضر. (¬7) الأنصاري اعتزل الفتة واتخذ سيفا من خشب، توفي بالمدينة سنة 43 هـ/ 663م. (¬8) ج: بيعة. (¬9) ب، ج، ز: - أحد. (¬10) د: اجتهاد. (¬11) د: واحد. (¬12) د- قدرته. (¬13) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة توفي سنة 38هـ/ 657م.

كلهم، ومعهم مروان بن الحكم، واجتمعت بنو أمية، وحرضوا على دم عثمان. وأعطى يعلى لطلحة والزبير وعائشة، أربعمائة ألف درهم، وأعطي لعائشة "عسكرا" جملا اشتراه باليمن بمائتي دينار، فأرادوا الشام فصدهم ابن عامر، وقال: لا ميعاد لكم بمعاوية، ولي بالبصرة صنائع، ولكن إليها، فجاءوا إلى ماء الحوأب (¬1)، ونبحت كلابه، فسألت (¬2) عائشة (¬3) فقيل لها: هذا الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (¬4) التي تنبحها (¬5) كلاب الحوأب" (¬6) فشهد طلحة. والزبير أنه ليس هذا ماء (¬7) الحوأب (¬8)، وخمسون رجلا إليهم. وكانت أول شهادة زور، دارت في الإسلام. وخرج علي إلى الكوفة، وتعسكر الفريقان والتقوا، وقال عمار وقد دنا من هودج عائشة: ما تطلبون؟ قالوا: نطلب دم عثمان. قال: قتل الله في هذا اليوم الباغي، والطالب لغير (¬9) الحق، والتقى علي والزبير، فقال (¬10) له علي: أتذكر (¬11) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لي: أنك تقاتلي؟ فتركه، ورجع، وراجعه ولده، فلم يقبل، وأتبعه الأحنف (¬12) من قتله. ونادى علي طلحة من بعد، ما تطلب؟ قال: دم عثمان. قال: قتل (¬13) الله أولانا بدم عثمان. ألم تسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬14) يقول: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله" وأنت أول من بايعني (¬15) ونكث. ¬

_ (¬1) الحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية سمي بها ماء قريب من البصرة. ج، ز: الجؤب. (¬2) ج، ز: وسألت. (¬3) د: - فسألت عائشة. (¬4): الأزب. ج: الاز. ز: الأزبب. د: الأرنب. والأدبب. أي الأدب وهو كثير وبر الوجه. (¬5) ج، ز: ينبحها. (¬6) ج، ز: الجؤب. (¬7) ج، ز، د: الماء. (¬8) ب، ج، ز: بغير. (¬9) ب، ج، ز: بغير. (¬10) د: وقال. (¬11) د: تذكر. (¬12) أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي السعدي. توفي سنة 72هـ/ 691م. (¬13) ج، ز: قاتل. (¬14) د:- صلى الله عليه وسلم. (¬15) ج: يأمني.

عاصمة

عاصمة: أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه، ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم (¬1) يصح فيه نقل، ولا يوثق فيه بأحد، لأن الثقة لم ينقله (¬2)، وكلام المتعصب غير مقبول (¬3)، وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام، واستنفاص الصحابة [و 105 ب] فيحتمل أنهم خرجوا خلعا لعلي، لأمر ظهر لهم. وهو (¬4) أنهم بايعوا لتسكين النائرة (¬5)، وقاموا يطلبون الحق. ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان. ويمكن أنهم خرجوا لينظروا (¬6) في جمع طوائف المسلمين وضم تشردهم (¬7)، وردهم إلى قانون واحد، حتى لا يضطربوا فيقتتلوا، وهذا هو الصحيح لا شيء سواه، وبذلك وردت صحاح الأخبار. فأما الأقسام الأول فكلها باطلة، وضعيفة، أما بيعتهم كرها فباطل، وقد (¬8) بيناها (¬9). وأما خلعهم فباطل، لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع، فيمكن أن يولى واحد أو اثنان، ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان. وأما خروجهم في أمر قتلة عثمان فيضعف، لأن الأصل قبله تأليف الكلمة. ويمكن أن يجتمع الأمران، ويروى أن في تغيبهم قطعا (¬10)،للشغب (¬11)، بين الناس، فخرج طلحة، والزبير، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (¬12)، رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم، فيرعوا (¬13) حرمة نبيهم، واحتجوا عليها (¬14) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ولم. (¬2) د: تنقله. (¬3) ب، ج، ز: لا يسمع. ب: في الهامش: زيادة "غير مقبول" في نسخة. ز: في الهامش: في نسخة: غير مقبول. (¬4) د: وهم. (¬5) ب، ج، ز: الثائرة. (¬6) ب، ج، ز: - لينظروا. (¬7) ب، ج، ز: نشرهم. (¬8) ب، ج، ز: قد (بسقوط الواو). (¬9) غير محب الدين الخطيب هذه اللفظة إلى: بيناه. دون أن يشير إلى ذلك. (¬10) ب، ج، ز: قطع. د: يروا أن في تعيينم قطعا. (¬11) ج: الشغب. (¬12) د: -رضي الله عنهم. (¬13) د: ويرعوا. (¬14) د: - عليها

بقول الله تعالى (¬1): {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114] وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلح، وأرسل فيه، فرجت المثوبة، واغتنمت الفرصة (¬2)، وخرجت حتى بلغت الأقضية مقاديرها. وأحسن (¬3) بهم أهل البصرة، فحرض من كان فيها (¬4) من المتألبين على عثمان الناس (¬5)، وقال: اخرجوا إليهم حتى تروا ما جاءوا إليه، فبعث عثمان بن حنيف (¬6)، حكيم بن جبلة، فلقي طلحة والزبير بالزابوقة (¬7)، فقتل حكيم، ولو خرج مسلما، مستسلما لا مدافعا، لما أصابه شيء، وأي خير كان له في المدافعة؟ وعن أي شيء كان يدافع؟ وهم ما جاءوا مقاتلين، ولا ولاة، وإنما جاءوا ساعين في الصلح، راغبين في تأليف الكلمة [و 106 أ]، فمن خرج إليهم فدافعهم (¬8)، وقاتلهم، دافعوه (¬9) عن مقصدهم، كما يفعل في سائر الأسفار والمقاصد. فلما وصلوا إلى البصرة، تلقاهم الناس بأعلى المربد (¬10)، مجتمعين، حتى لو رمي حجر، ما وقع إلا على رأس إنسان. فتكلم طلحة، وتكلمت عائشة رضي الله عنهما (¬11)، وكثر اللغط، وطلحة يقول: انصتوا، فجعلوا يركبونه، ولا ينصتون (¬12)، فقال: أف، أف، فراش نار (¬13)، وذباب (¬14) طمع (¬15)، وانقلبوا عن غير بيان، وانحدروا إلى بني ¬

_ (¬1) د: -تعالى. (¬2) ب، د: القصة. (¬3) ي ز: أحسن. (¬4) ب، ج، ز: بها. (¬5) ب، ج، ز: للناس. وأصلحها محب الدين بـ: "الناس". ولم يشر إلى ذلك (ص 152). (¬6) مات في آخر خلافة معاوية (خليفة بن خياط، الطبقات، ص 135). (¬7) مكان قرب البصرة وقعت فيه مناوشات من معركة الجمل (القاموس المحيط) ب، ج، د، ز: الرابوقة. ويقول خليفة بن خياط أنها مدينة الرزق بحضرة كلاء البصرة (تاريخ خليفة بن خياط، ج1 ص160. (¬8) ب، ج، ز: ودافعهم. (¬9) ب: دافعوا. ج؛ دافعوهم. (¬10) مكان قرب البصرة طرأت عليه عدة تطورات. (محب الدين الخطيب، ص 104) إذ كان سوقا للإبل ثم سوقا لمفاخرات الشعراء ثم حيا من أحياء البصرة، ثم أصبح خرابا. (¬11) د: -رضي الله عنهما. (¬12) ب، ج، ز: يتصنتوا. وأصلحها محب الدين د: "يتصنتون" ولم يشر إلى ذلك. (¬13) د: آثار. (¬14) د: ذبان. (¬15) د: طبع.

نهد، فرماهم الناس بالحجارة، حتى نزلوا الجبل، والتقى طلحة، والزبير، وعثمان بن حنيف (¬1) عامل علي، على البصرة، وكتبوا بينهم أن يكفوا عن القتال، ولعثمان دار الإمارة، والمسجد، وبيت المال، وأن ينزل طلحة والزبير من البصرة، حيث شاءا (¬2)، ولا يعرض بعضهم لبعض (¬3)، حتى يقدم علي. وروى أن حكيم بن جبلة، عارضهم حينئذ، فقتل بعد الصلح. وقدم على البصرة، وتدانوا ليتراءوا (¬4)، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجر (¬5) بينهم (¬6) الحرب، وكثرت الغوغاء على البوغاء (¬7)، كل ذلك حتى لا يقع برهان، ولا تقف الحال على بيان، ويخفى (¬8) قتلة عثمان. وأن واحدا في جيش يفسد تدبيره (¬9)، فكيف بألف؟. وقد روي أن مروان لما وقعت عينه في الاصطفاف، على طلحة، قال: لا أطلب (¬10) أثرا بعد عين، ورماه بسهم فقتله. ومن يعلم هذا، إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت؟ وقد روى أنه (¬11) أصابه سهم بأمر مروان، لا (¬12) أنه رماه. وقد خرج كعب بن سور (¬13) بمصحف منشور بيده، يناشد (¬14) الناس أن لا يريقوا (¬15) دماءهم، فأصابه سهم غرب فقتله، ولعل طلحة مثله. ومعلوم أن عند الفتنة، و (¬16) في ملحمة القتال، يتمكن أولو الإحن والحقود، من حل العرى، ونقض العهود، وكانت آجالا حضرت، ومواعد (¬17) انتجزت. ¬

_ (¬1) عثمان بن حنيف بن وهب توفي بعد 41 هـ/ 661 م. (¬2) ج، ز: شاءوا. (¬3) د: بعضا. (¬4) د: ليترايوا. (¬5) ج، ز: استحر. (¬6) ب، ج، ز: - بينهم. (¬7) ب: البوعاء. ج، د: النوعاء. ز: البوعاء. وأما البوغاء فهي حمقى الناس، والاختلاط. ويطلق أيضا على التربة الرخوة (القاموس المحيط). (¬8) ج، ز: تخفى. (¬9) ج، ز: بتدبيره. (¬10) ب، ج، ز: نطلب. (¬11) ب: - أنه. (¬12) د: - لا. (¬13) كعب بن سور قتل يوم الجمل 36 هـ/ 656 م. (¬14) ب، د: أن يريقوا. (¬15) ج: تكرر: أن عند الفتنة. (¬16) ج: - و. (¬17) ج: قواعد. وجعلها محب الدين "مواعيد". ولم ينبه إلى ذلك. (ص 159).

قاصمة

فإن قيل: فلم خرجت [و 106 ب]، عائشة (¬1) وقد قال النبي (¬2) لهن في حجة الوداع: "هذه ثم (¬3) ظهور الحصر"؟ قلنا: حدث حديثين (¬4) امرأة، فإن أبت فأربعة. يا عقول النسوان! ألم أعهد إليكم ألا ترووا أحاديث البهتان، وقدمنا لكم على صحة خروج عائشة البرهان. فلم تقولون ما لا تعلمون؟ وتكررون ما وقع الانفصال عنه، كأنكم لا تفهمون، {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال: 22]. وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب (¬5)، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حوب (¬6)، ما كان قط شيء (¬7) مما ذكرتم. و (¬8) لا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام (¬9)، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل، وسوف تسألون (¬10). قاصمة: ودارت الحرب بين أهل الشام، وأهل العراق، هؤلاء يدعون إلى علي بالبيعة (¬11)، وتأليف الكلمة على الإمام. وهؤلاء يدعون إلى التمكين من (¬12) قتلة عثمان، ويقولون: لا نبايع من يأوي القتلة. وعلي يقول: لا أمكن طالبا من مطلوب، ينفذ فيه مراده، بغير حكم ولا حاكم، ومعاوية يقول: لا نبايع متهما بقتله أو قاتلا له، هو (¬13) أحد (¬14) من نطلب (¬15)، فكيف نحكمه، أو نبايعه؟ وهو خليفة عداء، وتسور. وذكروا في تفاصيل ذلك كلمات، آلت إلى ¬

_ (¬1) ج، ز: + رضي الله عنها. (¬2) ب، ج، ز: - النبي + صلى الله عليه وسلم. (¬3) ج، ز: تم. (¬4) د: حديثي. (¬5) ج، ز: الجؤب. (¬6) ج: جؤب. (¬7) ج، ز: شيئا. (¬8) د: - و. (¬9) د: الكلم. (¬10) ب، ج، ز: تعلمون. ب، ز: في الهامش; في نسخة; تسألون. (¬11) ج، د، ز: في البيعة. ب، ز: في نسخة بالبيعة. (¬12) ب، ج، ز؛ في. وجعلها محب الدين "من"، ولم ينبه إلى ذلك. (ص 162). (¬13) ب، ج، ز: وهو. (¬14) ج، ز: أخذ وفي هامش ز: صوابه: أحق. (¬15) ب، ج، ز: يطلب.

عاصمة

استفعال رسائل، واستخراج أقوال، وإنشاد (¬1) أشعار، وضرب أمثال، تخرج عن سيرة السلف يقرأها الخلف، وينبذها الخلف. عاصمة: أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعا، أما كونه بهذا السبب فمعلوم كذلك قطعا. وأما الصواب فيه فمع علي، لأن الطالب للدم لا يصح أن يحكم، وتهمة الطالب للقاضي، لا توجب (¬2) عليه أن يخرج عليه، بل يطلب عنده فإن [و 107 أ]، ظهر له قضاء، وإلا سكت، وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه. وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا. ولئن اتهم علي بقتل عثمان، فليس في المدينة أحد من أصحاب النبي إلا وهو متهم به، أو قل معلوم قطعا أنه قتله، لأن ألف رجل لا يغلبون أربعين ألفا، جاءوا (¬3) لقتل عثمان. وهبك أن عليا، وطلحة، والزبير تظافروا على قتل عثمان، فباقي الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن اعتد فيهم، وضوى (¬4) إليهم، ماذا صنعوا بالقعود عن نصرته؟ فلا (¬5) يخلو أن يكون لأنهم رأوا أولئك طلبوا حقا، وفعلوا حقا، فهذه شهادة قائمة على عثمان، فلا كلام لأهل الشام. وإن كانوا قعدوا عنه استهزاء بالدين، وأنهم لم يكن لهم رأس مال (¬6) في الحال، ولا مبالاة عندهم بالإسلام، ولا فيما يجري فيه من اختلال، فهي (¬7) ردة ليست معصية. لأن التهاون بحدود الدين والإسلام، وتعريض حرمات (¬8) الشريعة للتضييع كفر. وإن كانوا قعدوا لأنهم لم يروا أن يتعدوا حد عثمان إشارته، فأي ذنب لهم فيه؟ وأي حجة لمروان، وعبد الله بن الزبير، والحسن، والحسين، وابن عمر، وأعيان العشرة معه في داره، يدخلون إليه، ويخرجون عنه في الشكة والسلاح، والمطالبون (¬9) ينظرون؟ ولو كان لهم بهم قوة ¬

_ (¬1) ب: إنشاء. (¬2) ب: يوجب. (¬3) ج: جاء. (¬4) د: صوا. (¬5) ب: ولا. د: لا. (¬6) ب، ج، ز: - مال. وجعل محب الدين الخطيب "رأس" رأى دون أن ينبه إلى ذلك. (ص 166). (¬7) ج، ز: وهي. (¬8) ب، ج، ز: وإسلام حرمات. (¬9) ب: الطالبون.

أو آووا (¬1) إلى ركن شديد، لما مكنوا أحدا أن يراه منهم، ولا يداخله، وإنما كانوا نظارة. فلو قام في وجوههم الحسن، والحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ما جسروا، ولو قتلوهم ما بقي على الأرض منهم حي (¬2). ولكن عثمان سلم نفسه، فترك ورأيه، وهي مسألة اجتهاد، كما قدمنا. وأي كلام كان يكون لعلي لو كتبت عنده البيعة (¬3)، وحضر عنده ولي عثمان، قال له: يا أيها [و 107 ب] الخليفة؟ - ومما تمالأ (¬4) عليه ألف نسمة حتى قتلوه وهم معلومون - ماذا كان يقول إلا "أثبت وخذ" وفي يوم كان يثبت، إلا أن يثبتوا هم أن عثمان كان مستحقا للقتل. وت الله (¬5) لتعلمن يا معشر المسلمين أنه ما كان يثبت (¬6) على عثمان ظلم أبدا، وكان يكون الوقت أمكن للطلب، وأرفق في الحال، وأيسر وصولا إلى المطلوب. والذي يكشف الغطاء في ذلك أن معاوية لما صار إليه الأمر، لم يمكنه أن يقتل من قتلة عثمان أحدا، إلا بحكم، إلا من قتل في حرب بتأويل، أو دس عليه فيما قيل، حتى انتهى الأمر إلى زمان (¬7) الحجاج (¬8). وهم يقتلون بالتهمة، لا بالحقيقة فتبين لكم أنهم ما كانوا (¬9) في ملكهم يفعلون، ما أضحوا (¬10) له يطلبون. والذي تثلج به صدوركم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الفتن، وأشار، وبين، وأنذر الخوارج وقال: (تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) (¬11) فبين أن كل طائفة تتعلق بالحق، ولكن طائفة علي أدنى إليه. وقال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما ¬

_ (¬1) ب: أووا. (¬2) د: بقي منهم. (¬3) غير محب الدين هذه العبارة فكتب: "لما تمت له البيعة" ولم يشر إلى ذلك. وهو مخالف للنص في جميع النسخ (ص 167) - وهذا أدى إلى تغيير المعنى الذي قصد إليه المؤلف. (¬4) غير محب الدين النص هنا أيضا هكذا: وقال له: إن الخليفة قد تمالا عليه .. ) وهو مخالف لجميع النسخ ومؤد إلى تغيير في المعنى. والغريب أنه لم يشر إلى أنه غير أو بدل أو اقترح. (ص 167). (¬5) ب، ج، ز: ب الله. (¬6) ج، ز: ثبت. (¬7) ج، د: زمن. (¬8) الحجاج بن يوسف الثقفي توفي سنة 95هـ/ 713م. (¬9) د: كان. (¬10) ب، ج، ز: أصبحوا. (¬11) أخرجه البخاري ومسلم.

قاصمة التحكيم

على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9] فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي بالتأويل، ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله بعده: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10] وقال في عمار (¬1): (تقتله الفئة الباغية) (¬2)، وقال في الحسين: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فحسن له خلعه نفسه وإصلاحه. وكذلك يروي أنه أذن في الرؤيا لعثمان في أن يستسلم، ويفطر عنده الليلة. فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع (¬3)، ولم تخرج عن طريق من [و 108 أ] طرق (¬4) الفقه (¬5)، ولا تعدت (¬6) سبيل الاجتهاد، الذي يؤجر فيه المصيب عشرة، والمخطئ أجرا واحدا. وما وقع من روايات في كتب التاريخ (¬7) - عدا ما ذكرنا - فلا تلتفتوا إلى حرف (¬8) منها، فإنها كلها باطلة. قاصمة التحكيم: وقد تحكم الناس في التحكيم، فقالوا فيه ما لا يرضى (¬9) الله، وإذا لاحظتموه (¬10) بعين المرؤة، دون الديانة، رأيتم أنها سخافة، حمل على سطرها في الكتب (¬11) - في الأكثر - عدم الدين، و - في الأقل - جهل مبين (¬12). والذي صح من ذلك ما روى الأيمة كخليفة بن خياط (¬13)، والدارقطني (¬14) أنه لما ¬

_ (¬1) كتب على هامش ز: صوابه: في عثمان (¬2) أخرجه البخاري. (¬3) ج، ز: كتب في الهاش: عله: الشرع. (¬4) ب، ج، ز: طريق. وأصلحها محب الدين دون أن يشير إلى ذلك. (ص 171) (¬5) ز: في الهامش: في نسخة: العقد. (¬6) ب، ج، ز: عدت. (¬7) د: التواريخ. (¬8) د: لحرف. (¬9) د: يرضاه. (¬10) د: لحظتموه. (¬11) د:- في الكتب. (¬12) ب، ج، ز: متين. (¬13) أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري بصري من الحفاظ له "التاريخ"، و"الطبقات" توفي سنة 240 هـ/ 854م (الذهبي، العبر، ج1 ص 432). (¬14) أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني من كبار المحدثين ببغداد توفي سنة 385 هـ/ 995م.

خرج الطائفة العراقية (¬1) في مائة ألف، والشامية في سبعين أو تسعين ألفا، ونزلوا على الفرات بصفين، اقتتلوا في أول يوم - وهو الثلاثاء (¬2) - على الماء فغلب أهل العراق عليه، ثم التقوا يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر سنة ... (¬3) ويوم الخميس، ويوم الجمعة، وليلة السبت، ورفعت المصاحف من أهل (¬4) الشام، ودعوا إلى الصلح، وتفرقوا على أن تجعل (¬5) كل طائفة أمرها إلى رجل، حتى يكون الرجلان يحكمان بين الدعوتين بالحق، فكان من جهة علي، أبو موسى الأشعري (¬6)، ومن جهة معاوية عمرو بن العاص (¬7)، وكان أبو موسى رجلا تقيا (¬8)، ثقفا (¬9)، فقيها، عالما، حسبما بيناه في كتاب "سراج المريدين" (¬10) أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن مع معاذ (¬11)، وقدمه عمر، وأثنى عليه بالفهم [و 108ب]. وزعمت (¬12) الطائفة التاريخية الركيكة أنه كان أبله ضعيف الرأي، مخدوعا في القول، وأن ابن العاص (¬13) كان ذا دهاء (¬14)، وأدب (¬15)، حتى (¬16) ¬

_ (¬1) ب: - في. (¬2) د: - وهو يوم الثلاثاء. (¬3) بياض في جميع الأصول. وهي سنة 38 هـ/ 658 م على الأصح. (¬4) د: - أهل. (¬5) ج، ز: يجعل. (¬6) د: + الذي بين في سراح المريدين ما روي عن أنس قال: أرسلي أبو موسى إلى عمر فأتيته فسألني عنه، فقلت تركته يعلم الناس. فقال: أما أنه كيس، ولا تسمعها إياه، وقال: ولاه عمر البصرة، وبعثه رسول الله. إلى اليمن نصيرا وجعله قرين معاذ وقال علي فيه: أبو موسى صبغ في العلم صبغة وكان من جهة. وتوفي، أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري سنة 44هـ/ 664م. (¬7) ب، ج، ز: العاصي- وهو أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي توفي سنة 43 م/ 663م. (¬8) ز: نقيا. وفي الهامش: عله: تقيا تقة. د: لقنا. (¬9) د: لقفا. (¬10) من مؤلفات لأبي بكر بن العربي وهو في الزهد والتصوف السني وتوجد منه نسخة بدار الكتاب المصرية تحت رقم 20348 ب وقد صور من مكتبة الأستاذ الصديق بن العربي بالمغرب الأقصى. (¬11) د: مع معاذ إلى اليمن. (¬12) د: فزعمت. (¬13) ب، ج، ز: العاصي. (¬14) ز: بهاء. (¬15) ب، د: أرب. (¬16) ج، ز: جني.

عاصمة

ضربت الأمثال بدهائه، تأكيدا لما أرادت (¬1) من الفساد. وتبع (¬2) في ذلك بعض الجهال بعضا، وصنعوا (¬3) فيها حكايات. وغيره من الصحابة كان أحذق منه، وأدهى. وإنما بنوا ذلك على (¬4) أن عمرا لما غدر أبا موسى في قصة التحكيم (¬5)، صار له بذلك الذكر في الدهاء والمكر (¬6)، وقالوا: إنهما لما (¬7) اجتمعا بأذرح من دومة الجندل، وتفاوضا اتفقا (¬8) على أن يخلعا الرجلين، فقال عمرو لأبي موسى: اسبق بالقول، فتقدم فقال: إني نظرت فخلعت عليا عن الأمر، ولينظر (¬9) المسلمون لأنفسهم، كما خلعت سيفي هذا عن عاتقي (¬10) وأخرجه من عنقه، فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه بالأرض (¬11) وقال: إني نظرت فأثبت معاوية في الأمر، كما أثبت سيفي هذا في عاتقي، وتقلده، فأنكر (¬12) أبو موسى فقال عمرو: كذلك (¬13) اتفقنا، وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬14) رضي الله عنه:! ذا كله كذب صراح، ما جرى منه قط حرف، وإنما هو شيء اخترعته (¬15) البتدعة، ووضعته (¬16) التاريخية للملوك، فتوارثه (¬17) أهل المجانة والجهارة (¬18) بمعاصي الله والبدع.! رأنما الذي روى الأيمة الثقات الأثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر في عصئة كريمة من ¬

_ (¬1) د: للإرادات. (¬2) ب، ج، ز: اتبع. وفي هامش ز: في نسخة: وتبع. (¬3) ب، ج، ز: صنفوا. (¬4) ج، ز: على ذلك. (¬5) د: الحكمين. (¬6) د: الفكر. (¬7) د: - لما. (¬8) ج: اتفقنا. (¬9) ب، ج، ز: ينظر. (¬10) ب، ج، ز: من عنقي أو من عاتقي. في هامش ز: نسخة: عن عاتقي. (¬11) ج، ز: في الأرض. (¬12) د: فأنكر. (¬13) د: كذاك. (¬14) د: قال ابن العربي. (¬15) ب، ج، ز: أخبر عنه. (¬16) د: ووصفته. (¬17) ب، ج، ز: فتوارثته. وكتب محب الدين: "فتوارثه" ولم يشر إلى ذلك. (¬18) د: الجهاد.

الناس، منهم عبد الله (¬1) بن عمر، ونحوه، عزل عمرو معاوية (¬2). ذكر الدارقطني سنده (¬3) عن حصين بن المنذر قال: لما عزل عمرو معاوية (¬4) [و 109 أ] جاء فضرب فسطاطه قريبا من فسطاط معاوية ثم جعل يتكلم (¬5) فبلغ (¬6) ثناه معاوية، فأرسل إلي (¬7) فقال إنه بلغني عن هذا كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني (¬8) عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت، وأبو موسى، كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: أن يستعن بكما ففيكما معونة (¬9)، وأن يستغن عنكما، فطالما استغنى أمر الله عنكما. قال: فكانت (¬10) هي التي قتل (¬11) معاوية نفسه منها (¬12)، فأتيته فأخبرته أن الذي بلغه عنه كما بلغه، فأرسل إلى أبي الأعور الذكواني (¬13) فبعثه في خيلة، فخرج يركض فرسه، ويقول: أين عدوالله؟ أين هذا الفاسق؟ قال أبو يوسف: أظنه قال: إنما يريد حوباء نفسه، فخرج إلى فرس تحت فسطاطه فجال (¬14) عريانا (¬15) ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - عبد الله. (¬2) ج، د:+ أخبرنا الحسن الأزدي عن العشاري عن الدارقطني نا إبراهيم بن حمام، نا أبو يوسف الفلوسي يعقوب بن عبد الرحمن بن جرير، نا الأسود. بن شيبان عن عبيد الله بن مضارب عن حصين بن المنذر قال: لما. ونفس النص تقريبا زائد في هامش ب، ز. (¬3). هكذا في جميع النسخ. وكتبها محب الدين "بسنده" ولم يشر إلى ذلك. (¬4) د: عزل معاوية عمرو بن العاصي. (¬5) ب: - ثم جعل يتكلم. د:+ بكلام. (¬6) د: يبلغ. (¬7) ب، ج، ز: إليه. (¬8) ج، ز: يبلغنى. (¬9) د: معاوية. (¬10) د: وكانت. (¬11) ب: فتل. (¬12) ب، ج، ز: منها نفسه. (¬13) أبو الأعور هو عمرو بن سفيان السلمي من قبيلة ذكوان لا يعرف تاريخ وفاته على ما نعلم. (¬14) د: فخال. (¬15) د: عريا. وفي هامش ب، ز: في نسخة: عريا.

يركضه نحو فسطاط معاوية وهو يقول: "إن الضجور (¬1) قد تحتلب (¬2) العلبة (¬3)، يا معاوية إن الضجور قد تحتلب (¬4) العلبة؟ " فقال معاوية: "احسبه، وتريد (¬5) الحالب فتدق أنفه، وتكفأ إناءه" قال الدارقطني (¬6) - وذكر سندا عدلا وساق الحديث - ثم (¬7) قال: ثنا (¬8) محمد بن عبد الله بن إبراهيم ودعلج بن أحمد قالا: حدثنا (¬9) محمد بن أحمد بن النضر، ثنا (¬10) معاوية بن عمرو ثنا (¬11) زائدة عن عبد الملك (¬12) بن عمير (¬13) عن ربعي عن (¬14) أبي موسى عن عمرو بن العاص (¬15) قال: والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهو يحل لهما منه شيء لقد غبنا، ونقص رأيهما. وأيم الله ما كانا مغبونين، ولا ناقصي الرأي، ولئن كانا امرأين يحرم عليهما من هذا المال الذي أصبناه بعدهما، لقد هلكنا [و 109 ب]. وأيم الله! ما جاء الوهم إلا من قبلنا. فهذا كان بدء الحديث ومنتهاه. فأعرضوا عن الغاوين، وازجروا العاوين، وعرجوا عن سبيل الناكثين إلى سنن المهتدين، وأمسكوا الألسنة عن السابقين إلى الدين. وإياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب ¬

_ (¬1) الضجور: الناقة التي تضجر عند الحلب. (¬2) ج، ز: تحيلت. (¬3) قدح كبير. (¬4) ج، ز: تحيلت. (¬5) ب: تزيد. د: تريز وكتبها محب الدين الخطيب: تزيد. ولم ينبه إلى ذلك. (¬6) ج:+ وثنا. (¬7) ب: في الهامش: - ثم. (¬8) د: نا. (¬9) د: نا. (¬10) د: نا. (¬11) د: نا. (¬12) ب، ج، ز: عبد الله. (¬13) عمر. وعبد الملك بن عمير محدث كوفي توني سنة 136 هـ/ 753 م. (¬14) د: ابن. (¬15) ج، ز: العاصي. وقد ذكر هذا السند الشيخ محب الدين الخطيب ولكنه لم يتنبه إلى أن عبد الله بن عمر لا يروي عن ربعي بن حراش المتوفي سنة 101 هـ/ 719 م وإنما الصحيح أن الراوي هو عبد الملك بن عمير. وربعي وعبد الملك كوفيان. وأيضا فإن زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي لا يروي عن عبد الله بن عمر إذ توفي قدامة سنه 261 هـ/ 874 م وتوفي عبد الله بن عمر سنة 74 هـ/ 693 م (محب الدين ص 180) كما أن ابن باديس لم يتنبه إلى ذلك. وحلت نسخة (د) هذا الإشكال.

قاصمة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد هلك من كان أصحاب النبي خصمه، ودعوا ما مضى، فقد قضى الله فيه ما قضى. وخذوا لأنفسكم الجد (¬1) فيما يلزمكم اعتقادا وعملا، ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل ماجن اتخذ الدين هملا (¬2)، وأحسنوا (¬3) فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ورحم الله الربيع بن خثيم (¬4)، فإنه لما (¬5) قيل له: قتل الحسين. قال: أقتلوه؟ (¬6) قالوا: نعم. فقال: {الله م فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون} (¬7) [الزمر: 46] ولم يزد على هذا أبدا. فهذا العقل والدين، والكف عن أحوال المسلمين، والتسليم لرب العالمين. قاصمة: فإن قيل: إنما يكون ذلك في المعاني التي تشكل، وأما هذه الأمور كلها فلا إشكال فيها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على استخلاف علي بعده، فقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" (¬8) " الله م وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله" (¬9) فلم يبق بعد هذا خلاف لمعاند، فتعدى عليه أبو بكر واقتعد (¬10) في غير موضعه، ثم خلفه في التعدي عمر، ثم رجي أن يوفق عمر للرجوع إلى الحق فأبهم الحال، وجعلها شورى قصدا للخلاف الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تحيل ابن عوف حتى ردها عنه، إلى عثمان، ثم قتل عثمان لتسوره على الخلافة، وعلى أحكام الشريعة، وصار الأمر إلى علي بالحق الإلاهي النبوي، فنازعه من عاقده، وخالف عليه [و 110 أ] من بايعه (¬11)، ونقض عهده من شده، وانتدب أهل ¬

_ (¬1) ج، ز: بالجد. (¬2) د: ما عن هملا. في هامش ب، ز: في نسخة: ناعق. (¬3) ب، ج، ز: - أحسوا. (¬4) توفي سنة 64 م/ 683 م. ب، ج، ز: خيثم، وهو خطأ، والتصحيح من طبقات ابن الخياط (ص141). (¬5) د: - لما. (¬6) د: قتلوه. (¬7) ب، ج، ز: - فيما كانوا فيه يختلفون. + الآية. (¬8) أخرجه البخاري ومسلم. (¬9) أخرجه أحمد في مسنده (محب الدين الخطيب، ص 181). (¬10) د: واعتقد. (¬11) د: تابعه.

عاصمة

الشام مع معاوية إلى الفسوق في الدين، بل الكفر. وهذه حقيقة مذهبهم أن الكل منهم كفرة. لأن من مذهبهم التكفير بالذنوب. وكيف تقول (¬1) هذه الطائفة التي تسمى بالإمامية: أن كل عاص بكبيرة كافر على رسم القدرية، ولا أعصى من الخلفاء المذكورين، ومن ساعدهم على أمرهم. وأصحاب محمد أحرص الناس على دنيا، وأقلهم حماية على دين، وأهدمهم لقاعدة شريعة. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬2) رضي الله عنه: يكفيك من شر سمعه، فكيف التململ به. خمسمائة عام كملا (¬3) إلى يوم مقالي هذا لا ينقص منها (¬4) يوم، ولا يزيد يوم (¬5) وهو مهل شعبان سنة (¬6) ست وثلاثين (¬7) وخمسمائة، ماذا يرجى بعد التمام إلا النقص ما رضيت اليهود والنصارى (¬8) في أصحاب موسى وعيسى بما (¬9) رضيت به الروافض في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل. فما يرجى من هؤلاء، وما يستبقى منهم؟ وقد (¬10) قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم} [النور: 55] وهذا قول صدق، ووعد حق. وقد انقرض عصرهم، ولا خليفة فيهم، ولا تمكين، ولا أمن ولا سكون إلا في ظلم، وتعد (¬11)، وغضب، وهرج، وتشتيت كلمة، وإثارة ثائرة. وقد أجمعت الأمة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نص على أحد يكون من بعده، وقد (¬12) قال العباس لعلي فيما روى عبد الله ابنه قال عبد الله بن عباس: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي ¬

_ (¬1) د: فكيف ويقولون. (¬2) د: قال أبي. (¬3) ب، ج، ز: كلا. وكتبه محب الدين "عدا" دون أن ينبه إلى ذلك. (ص 184). (¬4) د: منه. (¬5) ب، ج، د، ز: يوما. وكتب محب الدين: ننقص ... يوما ... نزيد يوما. (¬6) د: من سنة. (¬7) ب، ز: - ثلاثين، + يلز. وهو تاريخ تأليف هذا الكتاب. (¬8) ب، ج، ز: النصارى واليهود. (¬9) ب: ما. (¬10) ب: وقد. (¬11) ج، ز: تعدى. (¬12) ج، ز: وقال.

فيه، فقال الناس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا [و 110 ب] وإني (¬1) والله (¬2) لأرى رسول الله (¬3) سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله (¬4) فلنسأله فيمن يكون (¬5) هذا الأمر بعده (¬6)، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه (¬7) فأوصى بنا (¬8). فقال علي: أنا والله لئن سألناها رسول الله (¬9) فمنعناها (¬10) لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله (¬11). قال القاضي أبو بكر (¬12) رضي الله عنه: رأي العباس عندي أصح، وأقرب إلى الآخرة، والتصريح بالتحقيق. وهذا يبطل قول مدعي (¬13) الإشارة باستخلاف علي، فكيف أن يدعي فيه نص؟!. فأما أبو بكر فقد جاءت امرأة (¬14) إلى النبي فسألته شيئا فأمرها أن ترجع إليه قالت له: فإن لم أجدك - كأنها تعني الموت - قال (¬15): تجدين أبا بكر (¬16). وقال النبي لعمر وقد وقع بينه وبن أبي بكر كلام، فتعفرثجه النبي (¬17)، حتى أشفق من ذلك أبو بكر، وقال النبي (¬18): هل أنتم تاركوا لي صاحبي - مرتين - إني بعثت إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته (¬19)، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: لأني. (¬2) ب: - والله. (¬3) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬4) ب، ج، ز:، صلى الله عليه وسلم. (¬5) د: - يكون. (¬6) د: - بعده. (¬7) ب: علمنا. (¬8) ج: فأوصانا. ز: فأوصا بنا. (¬9) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬10) ب: فمعناها. (¬11) ب، ج، ز:، صلى الله عليه وسلم. (¬12) د: قال أبي. (¬13) د: من يدعى. وفي هامش ز في نسخة: من يدعى. (¬14) ب: - فقد جاءت امرأة. (¬15) ب: + لها. (¬16) أخرجه البخاري. (¬17) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬18) ج: - النبي. ب، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬19) د: خله.

وقال النبي (¬1): "لو كنت متخذا (¬2) في الإسلام خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا، لا تبقين (¬3) في المسجد خوخة إلا خوخة أبي (¬4) بكر". وقال قال النبي (¬5): "بينما أنا نائم رأيتني على قليب (¬6) عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا (¬7) أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم استحالت غربا (¬8) فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن" (¬9). وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحدا، وأبو بكر وعمر وعثمان (¬10) فرجف بهم فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) (¬11) وقال (¬12): [و 111 أ]- صلى الله عليه وسلم -: "إنه (¬13) كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر" (¬14) وقال النبي (¬15) لعائشة (¬16) في مرضه: "أدعي (¬17) لي أباك (¬18) وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (¬19) وقال ابن عباس: (إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أرى الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به (¬20) فعلوت ثم أخذ به رجل (من بعدك فعلا، ثم ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬2) ج: متخذا. (¬3) ب: يبقين. (¬4) ج: أبا. (¬5) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬6) بئر. (¬7) الدلو العظيمة. (¬8) الدلو الواسعة. (¬9) أخرجه البخاري. (¬10) ب، ج، ز: + رضي الله عنهم. (¬11) أخرجه مسلم. (¬12) ج: + النبي. (¬13) في لفظ البخاري: لقد. (¬14) أخرجه البخاري. (¬15) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬16) ب، ج، ز: رضي الله عنها. (¬17) ب، ج، د، ز: ادع. (¬18) ب، ج، ز: أبا بكر. (¬19) أخرجه أحمد في مسنده. (¬20) د: منه.

أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل) (¬1). آخر فانقطع. ثم وصل له فعلا - وذكر الحديث - ثم عبرها أبو بكر فقال: أما (¬2) السبب الواصل من السماء (¬3) فالحق الذي أنت عليه، فأخذته (¬4) فيعليك الله ثم يأخذ به رجل آخر (¬5) من بعدك (¬6)، فيعلو به ثم يأخذه (¬7) رجل آخر، فيعلو به (¬8)، ثم يأخذه (¬9) رجل آخر فينقطع به (¬10)، ثم يوصل له فيعلو به (¬11)، وصح أن النبي (¬12) قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت، ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله (¬13). وهذه الأحاديث جبال في البيان، وجبال (¬14) في التسبيب (¬15) إلى الحق لمن وفقه الله، ولو لم يكن معكم أيها السنية إلا قوله: {ألا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} (¬16) [التوبة: 40] فجعلهم (¬17) في نصيب (¬18)، وجعل أبا بكر في نصيب (¬19) آخر. وقام معه (¬20) جميع الصحابة. وإذا تبصرتم هذه الحقائق فليس يخفي عنها حال الخلفاء في جلالهم (¬21)، وولايتهم، وترتيبهم خصوصا وعموما [و 111 ب] وقد قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - ما ين القوسين. (¬2) ب، د: وأما. (¬3) ب: + إلى. (¬4) ب: تأخذ به. (¬5) ج، ز: + يعدل. (¬6) ج، ز: - من بعدك. (¬7) د: يأخذ به. (¬8) ج، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به. (¬9) د: يأخذ به. (¬10) ج، ز: + في يده. (¬11) أورده البخاري. (¬12) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬13) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود. (¬14) ب: جبال. (¬15) ب، ج، ز: السبب. (¬16) ب، د: - إذ هما في الغار. (¬17) ب، ج، ز: فجعلها. (¬18) ب: نصيف. (¬19) ب: نصيف. (¬20) د: له. في هامش ب، ز: في نسخة: به. (¬21) ب، ج، ز: خلالهم.

الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا لا يشركون بي شيئا} [النور: 55] وإذا لم ينفذ هذا الوعد في الخلفاء فلمن ينفذ؟ وإذا لم يكن فيهم ففيمن (¬1) يكون؟ والدليل عليه انعقاد الإجماع أنه لم يتقدمهم في الفضيلة أحد إلى يومنا هذا وما (¬2) بعدهم مختلف فيه، فأولئك مقطوع بهم، متيقن إمامتهم، ثابت نفوذ وعد الله لهم، فإنهم ذبوا عن حوزة المسلمين وقاموا بسياسة الدين. قال علماؤنا: ومن بعدهم تبع لهم من أيمة (¬3) الدين (¬4)، الذين هم أركان الملة، ودعائم الشريعة، الناصحون لعباد الله، الهادون من استرشد إلى الله، فأما من كان من الولاة الظلمة فضرره (¬5) مقصور على الدنيا وأحكامها. وأما (¬6) حفاظ الدين فهم الأيمة العلماء الناصحون لدين الله، وهم أربعة أصناف. الصنف الأول: حفظوا أخبار رسول الله (¬7)، وهم بمنزلة الخزان لأقوات المعاش. الصنف الثاني: علماء الأصول، ذبوا عن دين الله، أهل العناد، وأصحاب البدع، فهم شجعان الإسلام، وأبطاله المداعسون (¬8) عنه في مآزق الضلال. الصنف الثالث: قوم ضبطوا أصول العبادات، وقانون العاملات، وميزوا المحللات من المحرمات، وأحكموا الجراح (¬9) والديات، وبينوا معاني الإيمان والمنذورات (¬10)، وفصلوا الأحكام في الدعاوى، فهم في الدين بمنزلة الوكلاء المتصرفين (¬11) في الأموال. ¬

_ (¬1) ب: فيمن. وكتبها محب الدين: فبمن. (¬2) كذا في جميع النسخ. وكتبها محب الدين: من. (¬3) ب، ج، ز: الأيمة. (¬4) ب، ج، ز: - الدين. (¬5) ب، ج، ز: فضرورة. (¬6) د: فأما. (¬7) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬8) أي المدافعون. (¬9) ب، ج، ز: الخراج. (¬10) ب: النذورات. وكتبها محب الدين: النذور. (¬11) ب: المتطرفون. ج، ز: المتصرفون.

الصنف الرابع: تجردوا للخدمة، ودأبوا على العبادة، واعتزلوا الخلق، وهم في الآخرة كخواص الملك في الدنيا. وقد أوضحنا في كتاب "سراج [و 112] المريدين" في القسم الرابع من علوم القرآن أي المنازل (¬1) أفضل من هؤلاء الأصناف، وترتيب درجاتهم (¬2). قال القاضي أبو بكر (¬3) رضي الله عنه: فهذه (¬4) كلها إشارات أو تصريحات أو دلالات أو تنبيهات، و (¬5) مجموع ذلك يدل على صحة ما جرى، وتحقيق ما كان بين الفضلاء (¬6)، ونقول - بعد هذا البيان - على مقام آخر: لو كان هنالك نص على أبي بكر يذكر (¬7) أو على علي لم يكن بد من احتجاج علي به، أو يحتج له به (¬8) غيره من المهاجرين والأنصار، فأما حديث غدير خم فلا حجة فيه، لأنه إنما استخلفه في حياته على المدينه، كما استخلف موسى هارون في حياته عند سفره للمناجاة، على بني إسرائيل، وقد اتفق الكل من إخوانهم اليهود قاطبة (¬9) على أن موسى مات بعد هارون، فأين الخلافة؟. وأما قوله: " اللهم وال من والاه" فكلام صحيح، ودعوة مجابة، وما نعلم أحدا (¬10) عاداه إلا الرافضة، فإنهم أنزلوه في غير منزلته (¬11)، ونسبوا إليه ما لا يليق بدرجته، والزيادة في الحد (¬12) نقصان من المحدود، ولو تعدى عليها (¬13) أبو بكر، ما كان المتعدي وحده بل جميع الصحابة، كما قلنا؟ لأنهم ساعدوه على الباطل. ولا تستغربوا هذا من قولهم، فإنهم يقولون: إن النبي كان ¬

_ (¬1) د: المنزلتين. (¬2) ج، ز: - وترتيب درجاتهم. (¬3) د: قال أبي. (¬4) ب، ج، ز: وهذه. (¬5) ب، ج، ز: - و. (¬6) - ب: من العقلا. ج، ز: بين العقلاء. (¬7) ب ج، ز: - يذكر. د: يذكر. وفي هامش ب، ز: في نسخة: يذكر. (¬8) ب، ج، ز:+ على. (¬9) ب: - قاطبة. (¬10) ب: يعلم أحد. (¬11) د: منزله. (¬12) ب: الحق. (¬13) د: عليه. وفي هامش: ب، ج، ز: في نسخة: عليه.

مداريا لهم (¬1) وممتحنا (¬2) بهم (¬3) على نفاق وتقية، وأين أعظم (¬4) من قوله (¬5) - حين سمع قول عائشة رضي الله عنها (¬6) مروا (¬7) عمر فليصل بالناس - إنكن (¬8) لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر. وقوله - حين سمع صوت (¬9) عمر -: يأبى الله ذلك والمسلمون، مروا أبا بكر فليصل بالناس) (¬10). وما قدمنا من تلك الأحاديث. لقد اقتحموا عظيما، ولقد (¬11) افتروا كبيرا: وما جعلها عمر شورى إلا اقتداء بأبي بكر (¬12) إذ قال: (إن استخلف (¬13) فقد استخلف من هو خير مني [و 112 ب] وإن لم أستخلف فإن رسول الله (¬14) لم يستخلف) (¬15) فما رد هذه الكلمة (¬16) أحد. وقال: (اجعلها شورى في النفر الذين توفي رسول الله (¬17) وهو عنهم راض) (¬18) وقد رضي عن أكثر منهم، ولكن (¬19) كانوا خيار الرضا، وشهد لهم بالأهلية للخلافة (¬20). وأما قولهم: تحيل ابن عوف حتى ردها لعثمان. فلئن كانت حيلة، ولم يكن سواها، فلأن الحول ليس إليه، وإنما كل (¬21) عمل العباد حيلة، ولو (¬22) كان القضاء بالحول (¬23) فالحول (¬24) والقوة لله. وقد علم كل أحد أنه لا يليها إلا واحد، ¬

_ (¬1) د: لهما. (¬2) ب: منحنيا. وكتبها محب الدين: معنيا. (ص 182). (¬3) د: بهما. (¬4) ب، ج، ز: أنت. (¬5) ب، ج، ز: النبي صلى الله عليه وسلم. (¬6) د: -رضي الله عنها. (¬7) د: مر. (¬8) د: -إنكن. (¬9) ب، ج، ز: صلاة. (¬10) أخرجه البخاري. (¬11) د: - لقد. (¬12) ب، د: بالنبي وكتب على هامش ب: صح بأبي بكر. (¬13) ب: استخلفت. (¬14) ب، ج، ز: + صلى الله عليه سلم. (¬15) أخرجه مسلم وأحمد بن حنبل في مسنده. (¬16) ب، ج، ز: الكلمات. (¬17) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬18) أخرجه البخاري. (¬19) ب، ج، ز: لكنهم. (¬20) د: بالخلافة. (¬21) ب، ج، ز: إذا كان. (¬22) كتبها محب الدين: أو (ص193). (¬23) د: بالحق. وفي هامش ب، ج، ز: في نسخة: بالحق. (¬24) د: والحول.

فاستبد عبد الرحمن بن عوف بالأمر، بعد أن أخرج نفسه على أن يجتهد للمسلمين في الأسد والأشد فكان كما فعل، و (¬1) ولاها من استحقها، ولم يكن غيره أولى منه بها حسبما بيناه (¬2) في "مراتب الخلافة" من "أنوار الفجر" (¬3) وفي غيره من الحديث. وقتل عثمان فلم يبق على الأرض أحق بعلي منها (¬4)، فجاءته على قدر، في وقتها ومحلها، وبين الله على يده (¬5) من الأحكام والعلوم ما شاء أن يبين. وقد قال عمر: لولا علي هلك (¬6) عمر. وظهر من فقهه وعلمه في قتال أهل القبلة، من استدعائهم ومناظرتهم، وترك مبادأتهم (¬7)، والتقدم إليهم قبل نصب الحرب معهم، وندائه: لا تبدأوا (¬8) بالحرب، ولا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولا تهاج امرأة، ولم (¬9) يغنم (¬10) لهم مالا، وأمره بقبول شهادتهم، والصلاة خلفهم، حتى قال أهل العلم: لولا ما جرى، ما عرفنا حكم قتال أهل البغي. وأما خروج طلحة والزبير، فقد تقدم بيانه، وأما تكفيرهم للخلق، فهم الكفار. وقد بينا أحوال أهل الذنوب الذين ليس منهم عليها (¬11) شر (¬12) في غير ما كتاب، وشرحناها في كل باب. فإن قيل: فقد قال العباس في علي ما رواه الأئمة [و 113 أ]، أن العباس وعليا اختصما عند عمر في شأن أوقاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬13) فقال العباس لعمر: يا أمير المؤمنين: اقض بيني وبين هذا الظالم، الكاذب، الغادر، الآثم، الخائن (¬14). فقال الرهط لعمر (¬15): يا أمير ¬

_ (¬1) د:- و. (¬2) ب: بينا. (¬3) كتب في هامش ج: تفسير المصنف في مائة جزء كما في الديباج لابن فرحون. (¬4) ب، ج، ز: أحق منها بعلي. وكتب في هامش ج: صوابه: بها من علي. وهكذا كتبها محب الدين ولم ينبه على ذلك (ص194). (¬5) ب، ج، ز: يديه. (¬6) كتبها محب الدين: لهلك. (ص 194). (¬7) ب، ج، ز: مبادرتهم. وفي هامش ب، ز: في نسخة: مبادأتهم. (¬8) ب: نبدأ. (¬9) ج، ز: لم. (¬10) كتبها محب الدين: نغم. (¬11) ب، ج-، ز: منها. (¬12) ب: سبر. وكتبها محب الدين: سب. (ص 194).د: بشر. (¬13) د: -صلى الله عليه وسلم. (¬14) ب، ج، ز: الجائر. (¬15) د: - لعمر.

المؤمنين (¬1) اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر. فقال عمر: تئدكم (¬2) أنشدكم (2) الله الذي بإذنه تقوم السماء (¬3) والأرض هل تعلمون أن رسول الله (¬4) قال: "لا نورث ما تركناه (¬5) صدقة" يريد بذلك نفسه؟ قالوا: قد قال ذلك. فأقبل على علي والعباس (¬6) فقال: أنشدكما (¬7) الله هل تعلمان أن رسول الله (¬8) قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: إن الله خص رسوله (¬9) في هذا الفيء بشيء، لم يعطه أحدا غيره، فعمل فيها رسول الله (¬10) حياته (¬11)، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله (¬12) فقبضها سنتين من إمارته، فعمل فيها بما عمل رسول الله (¬13)، وأنتما تزعمان أن أبا بكر كاذب، غادر، خائن (¬14)، والله ليعلم (¬15) أنه لصادق بار (¬16)، راشد، تابع للحق. وذكر الحديث. قلنا: أما قول العباس لعلي، فقول الأب للابن، وذلك على الرأس محمول، وفي سبيل المغفرة مبذول، وبين الكبار والصغار - فكيف الآباء والأبناء - مغفور موصول. وأما قول عمر: إنهما اعتقدا أن أبا بكر ظالم خائن غادر، وكذلك اعتقدا فيه، فإنما ذلك خبر عن الاختلاف في نازلة وقعت من الأحكام رأى فيها هذان رأيا، ورأى فيها أولئك رأيا، فحكم أبو بكر وعمر بما رأيا، ولم ير العباس وعلي ذلك، ولكن لما حكما سلما لحكمهما كما يسلم لحكم القاضي في المختلف فيه (¬17) والمحكوم عليه يرى أنه قد وهم (¬18)، ولكنه (¬19) ¬

_ (¬1) د: + نعم. (¬2) ب، ج، ز: - تئدكم. (¬3) ب، ج، ز: أنشدكما. (¬4) د: السموات. (¬5) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬6) د: تركنا. (¬7) ب، ج، ز: العباس وعلي. (¬8) د: ننشدكما. ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬9) ب، ج، ز: رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬10) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬11) ج: -حياته. (¬12) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬13) ب، ج، ز: + صلى الله عليه (¬14) د: كان كاذبا آثما غادرا، خائنا. (¬15) د: يعلم. (¬16) ج: وبار. (¬17) أضاف محب الدين: "أما".مما يجعل المعنى يتغير. (ص 196). (¬18) ج، ز: فرا وأنه قدوتهم. (¬19) ب: لكن.

سكت وسلم. فإن قيل: إنما يكون ذلك - في أول الحال، والأمر لم يظهر (¬1) - إذا كان الحكم باجتهاد، وإنما (¬2) كان (¬3) هذا الحكم على منع فاطمة والعباس الميراث بقول (¬4) [و 113 ب] النبي: "لا نورث ما تركناه (¬5) صدقة" وعلمه أزواج النبي وأصحابه العشرة، وشهدوا به. فبطل ما قلتموه قلنا: يحتمل أن يكون ذلك في أول الحال والأمر لم يظهر بعد، فرأيا أن خبر الواحد في معارضة القرآن، والأصول والحكم المشهور في الدين (¬6)، لا يعمل به حتى يتقرر (¬7) الأمر، فلما تقرر (¬8) سلما، وانقادا بدليل ما قدمنا من الحديث الصحيح إلى آخره. فلينظر فيه. وهذا أيضا ليس بنص في المسألة، لأن قوله: "لا نورث ما تركناه (¬9) صدقة" يحتمل أن يكون: لا يصح ميراثنا، ولا أنا أهل له، لأنه ليس لي ملك، ولا تلبست بشيء من الدنيا، ينتقل عني إلى غيري (¬10). ويحتمل أن يكون (¬11) (لا نرث) حكم (¬12). وقوله: "ما تركنا صدقة" حكم آخر معين، أخبر به أنه قد أنفذ الصدقة فيما كان بيده من سهمه (¬13) المتصير إليه بتسويغ الله له. وكان من ذلك مخصوصا بما (¬14) لم يوجف (¬15) المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان له سهمه (¬16) مع المسلمين فيما غنموه (¬17) مما (¬18) أخذ (¬19) عنوة. وتحتمل أن تكون "صدقة" منصوبا على أن ¬

_ (¬1) د: - في أول الحال والأمر لم يظهر. (¬2) ج، ز: فإنما. (¬3) ب، ج، ز: أدى. وقد غير محب الدين الكلام: إذ كان الحكم باجتهاد وأما بعد أن أدى هذا الحكم إلى منع ... (ص 196). (¬4) د: فقول. (¬5) د: تركنا. (¬6) ب، ج، ز: الزمن الذي. (¬7) د: تقرر. (¬8) ب: تقر. (¬9) د: تركنا. (¬10) ب، ج، ز: إلى غيري عني. (¬11) ب، ج، ز: - أن يكون. (¬12) كذا في جميع النسخ. ولعله: حكما. وكذلك. حكما آخر. الآتي بعده. (¬13) د: من سهمه بيده. (¬14) ب، ج، ز: مما. (¬15) ج: يوجب. (¬16) في هامش ب، ز: في نسخة: سهمهم. (¬17) ب، ج، ز: غنموا. (¬18) ب، ج، ز: بما. (¬19) ب، ج، ز: أخذوا.

قاصمة

يكون حالا من المتروك. و (¬1) إلى هذا أشار أصحاب أبي حنيفة وهو ضعيف، وقد بيناه في موضعه، بيد أنه يأتيك من (¬2) هذا أن المسألة مجرى الخلاف، ومحل الاجتهاد، وأنها ليست بنص من النبي. فتحتمل (¬3) التصويب والتخطئه بين (¬4) المجتهدين والله أعلم. قاصمة: ثم قتل علي، قالت الرافضة: فعهد إلى الحسن فسلمها الحسن إلى معاوية فقيل له: (مسود وجوه المؤمنين) وفسقته جماعة من الرافضة، وكفرته طائفة لأجل ذلك. عاصمة: قال القاضي أبو بكر (¬5) رضي الله عنه: أما قول الرافضة إنه عهد إلى الحسن فباطل، ما عهد إلى أحد [و 114 أ] ولكن البيعة للحسن منعقدة، وهو أحق من معاوية، ومن كثير من غيره (¬6) وكان خروجه لمثل ما خرج إليه أبوه، من دعاء الفئة الباغية إلى الانقياد إلى الحق، والدخول في الطاعة، فآلت الوساطة (¬7) إلى أن تخلى عن الأمر صيانة لحقن (¬8) دماء الأمة، وتصديقا لوعد نبي الملحمة، حيث قال على المنبر: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به (¬9) بين فئتين عظيمتين (¬10) من المسلمين) فنفذ الميعاد، وصحت البيعة لمعاوية، وذلك لتحقيق رجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمعاوية خليفة، وليس بملك، فإن قيل فقد روي عن سفينة (¬11) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخلافة ثلاثون سنة ثم يعود ملكا" فإذا عددنا من ولاية أبي بكر إلى تسليم الحسن كانت ثلاثين، لا تزيد، ولا تنقص يوما. قلنا: ¬

_ (¬1) ب: إلى. (بسقوط الواو). (¬2) ب: في. (¬3) ج، ز: فيحتمل. (¬4) ب: من. (¬5) د: قال أبي. (¬6) د: غيرهما. (¬7) د: الواسطة. (¬8) ج: لخص. (¬9) ج: - به. (¬10) ب: عصمتين. (¬11) سفينة مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسمى صالحا.

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به…في طلعة البدر (¬1) ما يغنيك عن زجل هذا الحديث في ذكر الحسن بالبشارة، والثناء عليه، لجريان (¬2) الصلح على يديه، وتسليمه الأمر لمعاوية عقد منه له. وهذا حديث لا يصح، ولو صح فهو معارض بهذا (¬3) الصلح (¬4) المتفق عليه فوجب الرجوع إليه. فإن قيل: ألم يكن في الصحابة أقعد بالأمر من معاوية؟ قلنا: كثير، ولكن معاوية اجتمعت فيه خصال وهي أن عمر جمع له الشامات كلها، وأفرده بها (¬5)، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحمايه البيضة (¬6) وسد الثغور (¬7)، وإصلاح الجند، والظهور على العدو وسياسة الخلق، وقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح الحديث بالفقه (¬8)، وشهد بخلافته في حديث أمر حرام (¬9) أن ناسا من أمته يركبون ثبج هذا البحر الأخضر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة (¬10) فكان (¬11) ذلك في ولايته، ويحتمل أن تكون (¬12) مراتب في الولاية خلافة ثم [و 114 ب] ملك، فتكون (¬13) ولاية الخلافة للأربعة، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية وقد قال الله (¬14) في داود - وهو خير من كل معاوية -: {وآتاه الله الملك والحكمة} [البقرة: 251] فجعل النبوة ملكا. فلا تلتفتوا إلى أحاديث ضعف سندها ومعناها (¬15). ولو اقتضت الحال النظر في الأمور لكان - والله أعلم - رأي آخر للجمهور. ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصفة التي شاءها الله، على الوجه الذي وعد به رسول الله (¬16)، مادحا له، راضيا ¬

_ (¬1) د: الشمس. (¬2) د: بجريان. (¬3) ب: لهذا. (¬4) د: - بهذا الصلح.+ للحديث الصحيح. (¬5) د: به. (¬6) د: في الهامش+ بيضة الإسلام. (¬7) د: الثغر. (¬8) ورد ذلك في صحيح البخاري وجامع الترمذي من شهادة ابن عباس له بذلك. (محب الدين، ص 205 - 206). (¬9) أم حرام بنت ملحان صحابية مجاهدة، استشهدت في قبرص سنة 27 هـ/ 647 م وقبرها معروف بها. (¬10) أخرجه البخاري. (¬11) ج، ز: وكان. (¬12) ب، ج، ز: يكون. (¬13) ب: فيكون. (¬14) ب:+ تعالى. (¬15) كتب محب الدين: متنها. بدل: معناها. (¬16) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم.

عنه، راجيا هدنة الحال فيه لقول (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ابني (¬2) هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به (¬3) بين فئتين عظيمتين من المسلمين". وقد تكلم العلماء في إمامة الفضول مع وجود من هو (¬4) أفضل منه. فليست المسألة في الحد الذي تجعله (¬5) فيه العامة، وقد بيناها في موضعها. فإن قيل فقد قتل حجر بن عدي (¬6) وهو من الصحابة، مشهور بالخير، صبرا أسيرا بقول زياد (¬7). وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله. قلنا: قد (¬8) علمنا قتل حجر كلنا، واختلفنا فقائل يقول: قتله ظلما، وقائل يقول: قتله حقا. فإن قيل الأصل قتله ظلما إلا أن يثبت (¬9) عليه ما يوجب قتله. قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل (¬10)، ولو كان ظلما محضا لما بقي بيت إلا لعن (¬11) فيه معاوية وهذه مدينة السلام (¬12) دار خلافة بني العباس، وبينهم وبين بني أمية ما لم يخف على الناس، مكتوب على أبواب مساجدها: "خير الناس بعد رسول الله (¬13) أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم (¬14) معاوية خال المؤمنين (¬15) رضي الله عنه". ولكن حجرا (¬16) فيما يقال رأى من زياد أمورا منكرة، فحصبه، وخلعه، وأراد أن يقيم الخلق للفتنة (¬17)، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض [و 115 أ] فسادا، وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجرا حتى نلتقي عند الله. و (¬18) أنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدى الله مع صاحبهما العدل، الأمين ¬

_ (¬1) د: يقول. (¬2) د: - ابني. (¬3) ب: - به. (¬4) د: - من هو. (¬5) ب، ج، ز: تجعلها. (¬6) قيل صحابي وقيل تابعي توفي سنة 51 هـ/ 671 م. (¬7) زياد بن أبيه استلحقه معاوية وزعم أنه أخوه من أبيه. توفي سنة 53 هـ/ 673 م. (¬8) ب، ج، ز: - قد. (¬9) ب، ج، ز: ثبت. (¬10) ج، ز: بالدليل. (¬11) د: يلعن. (¬12) د: الإسلام. (¬13) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬14) د: - ثم. (¬15) د: خال على. (¬16) ج، ز: حجر. (¬17) د: الناس الفتنة. (¬18) ج: - و.

المصطفى، المكين. وأنتم (¬1) ودخولكم حيث لا تشعرون، فما لكم لا تسمعون (¬2). فإن قيل قد دس على الحسن من سمه. قلنا: هذا محال من وجهين: أحدهما أنه (¬3) ما كان ليتقي من الحسن بأسا وقد سلم إليه (¬4) الأمر. الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه في زمان متباعد لم نثق (¬5) فيه بنقل ناقل، بين يدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة، وعصبية، ينسب كل واحد (¬6) إلى صاحبه ما لا ينبغى؟ فلا يقبل منها (¬7) إلا الصافي، ولا يسمع فيها (¬8) إلا من العدل الصميم (¬9). فإن قيل: فقد (¬10) عهد إلى يزيد، وليس بأهل، وجرى بينه وبين عبد الله بن عمر، وابن الزبير والحسين ما نصه (¬11): عن وهب (¬12) بن جرير (¬13) بن حازم عن أبيه وعن غيره لا أجمع (¬14) معاوية على (¬15) أن يبايع لابنه يزيد، حج فقدم مكة في نحو ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر (¬16)، فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه لزيد فقال (¬17): من أحق بهذا الأمر منه؟ ثم ارتحل، فقدم مكة فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد - وقال: أما بعد يا ابن عمر فقد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم. فلما سكت تكلم ابن عمر، فحمد الله (¬18) وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ. واقترح ابن باديس: أن يكون: وما أنتم (ج 2 ص 156). (¬2) د: - فما لكم لا تسمعون. (¬3) د: أنه. (¬4) ب، ج، ز: -إليه. (¬5) ب: يثق. (¬6) د: أحد. (¬7) ج، ز: فيها. د: فيه. (¬8) د: فيه. (¬9) ب، ج، ز: المصمم. (¬10) ب، ج، ز: قد (¬11) ب، ز: قصه. وكتب على هامش ز: عله: نصه. (¬12) أبو العباس وهب بن جرير حافظ بصري توفي سنة 206 هـ / 821م (¬13) أبو النضر جرير بن حازم محدث بصري توفي سنة 107هـ/ 725م. (¬14) د: اجتمع. (¬15) ب، ج، ز: - على. (¬16) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق توفي سنة 53 هـ/672 م بمكة. (¬17) ج: - فقال. (¬18) ج: تكرر: فحمد الله.

فإنه قد كانت قبلك خلفاء (¬1) [و 115 ب] لهم أبناء، ليس ابنك بخير (¬2) منهم، فلم يروا في أبنائهم، ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر (¬3)، فإنما أنا واحد (¬4) منهم، فخرج ابن عمر، وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فتشهد، ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، فقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لتفررنها (¬5) عليك جذعة (¬6) ثم وثب فقام. فقال معاوية: اللهم اكفنيه (¬7) بما شئت. ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل (¬8) الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد (¬9)، على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ، كلما خرج من جحر دخل في آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين، فنفخت في مناخرهما. فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه. أرأيت إذا بايعنا ابنك معك، لأيكما نسمع، لأيكما نطيع، لا تجتمع البيعة لكما أبدا. ثم قال. فخرج معاوية فصعد المنبر فقال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عوار (¬10)، زعموا (¬11) أن ابن عمر، وابن الزبير، وابن أبي بكر، لم يبايعوا يزيد (¬12) قد سمعوا، وأطاعوا، وبايعوا له. فقال أهل الشام: لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس ¬

_ (¬1) ج: خلقا. (¬2) ج: يخيره. ز: بخيره. (¬3) ب: في الهامش: في نسخة: رجل. (¬4) د: رجل. (¬5) ب، ز: لتفرزنها. د: لنفررنها. يقال: فر فلان الدابة إذا كشف عن أسنانها لمعرفة سنها. وفر عن الأمر كشف عنه. ويقال: عينه فراره: مثل يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه (القاموس المحيط). (¬6) د: خدعة. (¬7) ب، ج، ز: اكففه. (¬8) ب: لأهل. (¬9) ب، ج، ز: + ذلك. وفي هامش ب: في نسخة: على ما بدا لك. (¬10) ج: أعوار. (¬11) ب، ج، ز: وزعموا. (¬12) د: يزيدا.

الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم. فقال: سبحان الله! ما أسرع الناس إلى قريش بالشر (¬1). لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم. ثم نزل، فقال: [و 116 أ]، الناس: بايعوا، ويقولون هم لم (¬2) نبايع، ويقول الناس قد بايعتم. وروى وهب من طريق أخرى (¬3) قال: خطب معاوية، فذكر ابن عمر وقال (¬4): والله ليبايعن أو لأقتلنه، فخرج عبد الله بن عبد الله بن عمر (¬5) إلى أبيه، وسار (¬6) إلى مكة ثلاثا وأخبره، فبكى ابن عمر، فبلغ الخبر إلى عبد الله بن صفوان (¬7)، فدخل على ابن عمر فقال: أخطب هذا بكذا؟ (¬8) قال: نعم. قال (¬9): فما تريد؟ أتريد قتاله؟ قال: يا ابن صفوان الصبر خير من ذلك. فقال ابن صفوان: والله (¬10) لئن أراد ذلك لأقاتلنه (¬11). فقدم معاوية مكة فنزل ذا (¬12) طوى، وخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل ابن عمر إن لم يبايع لابنك؟ قال: أنا أقتل ابن عمر؟ إني والله لا أقتله. وروى وهب من طريق ثالثة (¬13) قال: إن معاوية لما راح عن بطن مر (¬14) قاصدا إلى مكة قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته، فخرج يسير وحده، حتى إذا كان وسط الأراك، لقيه الحسن بن علي، فوقف وقال: مرحبا وأهلا بابن بنت رسول الله (¬15)، سيد شباب المسلمين. دابة لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن ابن أبي بكر، فقال: مرحبا وأهلا بابن شيخ قريش، وسيدهم، وابن صديق هذه الأمة. دابة لأبي محمد يركبها، فأتي ببرذون فركبه. ثم طلع ¬

_ (¬1) د: ما أسرع الناس بالسوء إلى قريش. (¬2) ج: لي. ز: لن. (¬3) ب، ج، ز: آخر. (¬4) ب: فقال. (¬5) ج: - ابن عمر. (¬6) د: صار. (¬7) عبد الله بن صفوان بن أمية. قتل مع ابن الزبير سنة 73 هـ/ 692 م. (¬8) ج: بكلام. وفي هامش ز: في نسخة: بكلام. (¬9) ج، ز: - قال. (¬10) ج: - والله. (¬11) ج: لأقتلنه. (¬12) ب: ذات. بر، ز: دار. (¬13) ب، ج، ز: ثالث. (¬14) ج، ز: فر. (¬15) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم.

ابن عمر فقال: مرحبا وأهلا بصاحب رسول الله (¬1)، وابن الفاروق، وسيد المسلمين، ودعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير فقال: مرحبا وأهلا بابن حواري رسول الله (¬2) وابن الصديق، وابن عمة رسول الله (¬3)، ودعا له بدابة فركبها. ثم أقبل يسير بينهم، لا يسايره غيرهم حتى دخل مكة [و 116 ب] ثم كانوا أول داخل، وآخر خارج، ليس في الأرض صباح إلا لهم فيه حباء (¬4) وكرامة، لا يعرض لهم بذكر شيء مما هو فيه، حتى قضى نسكه، وترحلت أثقاله، وقرب مسيره إلى الشام، وأنيخت (¬5) رواحله، فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: أيها القوم لا تخدعوا، إنه (¬6) والله ما صنع هذا بكم لحبكم ولا لكرامتكم وما (¬7) صنعه إلا لما يريد، فأعدوا له جوابا، وأقبلوا على الحسن، فقالوا (¬8): أنت يا أبا عبد الله. قال: وفيكم شيخ قريش وسيدها، وهو (¬9) أحق بالكلام. فقالوا: أنت يا أبا محمد لعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: (لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله (¬10)، وابن سيد المسلمين) (¬11) - يعني ابن عمر - فقالوا لابن عمر: أنت. فقال: لست بصاحبكم، ولكن ولوا الكلام ابن الزبير يكفكم (¬12). قالوا: أنت يا ابن الزبير. قال: نعم. إن أعطيتموني عهودكم، ومواثيقكم أن لا تخالفوني كفيتكم الرجل. قالوا (¬13): فلك ذلك. فخرج الآذن فأذن لهم، فدخلوا، فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: لقد علمتم سيرتي فيكم، وصلتي لأرحامكم، وصفحي عنكم، وحملي (¬14) لا يكون منكم، ويزيد ابن أمير المؤمنين أخوكم، وابن عمكم، وأحسن الناس لكم رأيا، وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة وتكونوا (¬15) أنتم الذين تنزعون، وتأمرون، وتجبون، ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬2) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬3) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬4) ج: صباء. د: حبا. (¬5) ج، ز: أتيحت. (¬6) د: فإنه (¬7) ب، ج، ز: ولا. (¬8) د: وقالوا. (¬9) ب، ج، ز: وهذا. (¬10) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬11) ج، ز: - ما بين القوسين. (¬12) ج، د، ز: يكفيكم. (¬13) د: فقالوا. (¬14) ج، ز: أر حملي. (¬15) د: تكونون.

وتقسمون، لا يدخل عليكم في شيء من ذلك. فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فسكت القوم (¬1). فقال: ألا تجيبوني؟ (¬2) فسكتوا (¬3). فأقبل على ابن الزبير، فقال: هات يا ابن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم، فقال: نعم يا أمير المؤمنين أخيرك بين ثلاث خصال أيها أخذت فهي لك رغبة. قال: لله أبوك أعرضهم (¬4). قال: إن شئت صنعت ما صنع [و 117 أ] رسول الله (¬5)، وإن شئتما صنعت ما صنع أبو بكر، فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله (¬6)، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر. قال: لله أبوك، وما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله (¬7) ولم (¬8) يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع أمر هذه الأمة حتى يقضي الله فيه (¬9) قضاءه، فيختار (¬10) المسلمون لأنفسهم. فقال إليه (¬11): ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، وإني لا آمن عليكم الاختلاف. قال: فاصنع كما صنع أبو بكر، عهد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه (¬12) فاستخلفه. قال: لله أبوك الثالثة. قال: تصنع ما صنع عمر، جعل الأمور شورى في ستة نفر من قريش ليس أحد منهم من ولد أبيه. قال: هل عندكم غير هذا؟ قال: لا. قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما لا، فإني أحببت أن أتقدم إليكم، أنه قد أعذر من أنذر، وأنه قد (¬13) كان يقوم القائم منكم (¬14) إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك. وإني قائم بمقالة، فإن صدقت فلي صدقي، وإن كذبت فعلي كذبي. وإني أقسم بالله لكم لئن رد علي إنسان منكم لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي (¬15) رأسه. ثم دعا ¬

_ (¬1) د: فسكتوا. (¬2) تجيبون. (¬3) د: - فقال ألا تجيبوني فسكتوا. (¬4) كذا في جميع النسخ. واقترح محب الدين: اعرضهن (ص 162). (¬5) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬6) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه رسلم. (¬7) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬8) ب، ج، ز: فلم. (¬9) ب، ج، ز: فيها. وفي هامش ب في نسخة: فيه. (¬10) ج، ز: فتختار. (¬11) د: له. (¬12) ج، ز: أمية. (¬13) ب، ج، ز: - قد. (¬14) ب، ز: منكم القائم. (¬15) ج: إليه.

صاحب (¬1) حرسه فقال: أقم على رأس (¬2) كل رجل (¬3) من هؤلاء رجلين من حرسك فإن ذهب رجل (¬4) يرد على كلمة بصدق أو كذب فليضرباه بسيفهما. ثم خرج، وخرجوا معه حتى رقي المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء الرهط، سادة المسلمين وخيارهم، لا يستبد بأمر في وخم، ولا يمضي أمر (¬5) إلا عن مشورتهم، وإنهم قد (¬6) ارتضوا (¬7) وبايعوا ليزيد بن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا اسم الله، فضربوا على يده (¬8)، ثم جلس على راحلته [و 117 ب]، وانصرف فلقيهم (¬9) الناس، فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلما أرضيتم، وحبيتم، فعلتم. قالوا: إنا والله ما فعلنا. قال: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب؟ (¬10) ثم بايع أهل المدينة والناس، ثم خرج إلى الشام. قال القاضي أبو بكر (¬11) رضي الله عنه: لسنا ننكر (¬12) ولا تبلغ (¬13) بنا الجهالة، ولا لنا في الحق حمية جاهلية، ولا ننطوي على غل لأحد من أصحاب محمد (¬14)، بل نقول: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} [الحشر: 10] إلى أن (¬15) نقول (¬16): إن معاوية ترك الأفضل في أن يجعلها ¬

_ (¬1) ب: بصاحب. (¬2) ب، ج، ز: - رأس. (¬3) د: واحد. (¬4) د: إلي. (¬5) ب، ج، ز: نقضي أمرا. (¬6) ب، ج، ز: - قد. (¬7) د: رضوا. (¬8) د: يديه. (¬9) ب، ج: فلقيه. (¬10) ج، ز: كذبه. (¬11) د: ابن العربي. (¬12) ب، ج، ز: ننظم. في هامش ب، ز: في نسخة: ننكر. ز: في الهامش: في نسخة: + ولا نلعب. (¬13) ب: في الهامش: في نسخة: بلغت. (¬14) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬15) كذا في جميع النسخ. غير أن محب الدين كتبها. إلا أنا. ولعل الصواب. إلا أن تقول. بدليل رواية نسخة د في: تقول. (¬16) د: تقول. ولعله: إلا أن تقول.

شورى، ولا يخص بها أحدا (¬1) من قرابته، فكيف ولدا؟ وأن يقتدي بما أشار به عبد الله بن الزبير في الترك أو الفعل (¬2)، فعدل إلى ولاية ابنه، وعقد له البيعة، وبايعه الناس، وتخلف عنها من تخلف، فانعقدت البيعة شرعا، لأنها تنعقد بواحد (¬3)، وقيل (¬4) باثنين. فإن قيل: لمن فيه شروط (¬5) الإمامة. قلنا: ليس السن من شروطها ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها. فإن (¬6) قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلا ولا عالما. قلنا: وبأي شيء نعلم (¬7) عدم علمه، أو عدم عدالته؟ ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الذين أشاروا عليه بأن لا يفعل، وإنما رموا الأمر بعيب التحكم، وأرادوا أن تكون شورى. فإن قيل: كان هنالك من هو أحق منه عدالة وعلما، منهم (¬8) مائة، وربما ألف. قلنا: إمامة المفضول كما قدمنا مسألة خلاف بين العلماء على ما (¬9) ذكر (¬10) العلماء في موضعه، وقد حسم البخاري [و 118 أ] الباب. ونهج جادة الصواب فروى في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدم. وهو أن معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته فيما رواه البخاري عن عكرمة بن خالد (¬11) عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ونوساتها (¬12) تنطف (¬13) قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: ألحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان (¬14) يريد أن يتكلم في هذا الأمر، فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه، ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة (¬15): فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهمت أن أقول: أحق ¬

_ (¬1) ج: أحد. (¬2) ج، د: العدل. (¬3) ج: -بواحد. (¬4) د: + تنعقد. (¬5) ب: شرط. (¬6) ب، د:-فإن. (¬7) د: يعلم. (¬8) د: نعم. (¬9) ب: كما. (¬10) د: ذكره. (¬11) عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة .. . لا يعرف تاريخ وفاته فيما نعلم. (¬12) ذوائب. من "تنوس" أي تتحرك. ج، ز: نوسانها. (¬13) أي تقطر. (¬14) ج: -كان. (¬15) حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر توفي بالشام أو أرمينية سنة 42هـ/ 662م.

بهذا الأمر منك. من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، وتسفك الدم، وتحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان فقال (¬1): حفظت وعصمت. وروى البخاري أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده، وقال: إني سمعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة" وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن نبايع رجلا على بيع الله ورسوله، ثم ننصب (¬2) له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايعه (¬3) في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه. فانظروا معشر المسلمين إلى ما روى البخاري في الصحيح، وإلى ما سبق ذكرنا له من رواية بعضهم أن عبد الله بن عمر لم يبايع، وأن معاوية كذب، وقال: قد بايع، ووكل به، من أمره (¬4) بضرب عنقه إن كذبه. وهو [و 118 ب] قد قال في رواية البخاري: قد بايعناه على بيع الله ورسوله، وما بينهما من التعارض، وخذوا لأنفسكم بالأرجح، في طلب السلامة، والخلاص من بين الصحابة والتابعين. فلا تكونوا ولم تشاهدوهم، وقد عصمكم الله من فتنتهم، ممن (¬5) دخل بلسانه في دمائهم، فيلغ فيها ولوغ الكلب بقية الدم على الأرض بعد رفع الفريسة بلحمها، لم يلحق (¬6) الكلب منها إلا بقية دم سقط على الأرض. وروى الثبت العدل عن عبد الرحمن بن مهدي (¬7) عن سفيان (¬8) عن محمد بن المنكدر (¬9) قال: قال ابن عمر - حين بويع يزيد -: إن كان خيرا ¬

_ (¬1) د: قال. (¬2) ج: تنصب. (¬3) ب، ج، ز: بايع. (¬4) ب، ج، ز: - ووكل به من أمره. وفي هامش ب، ج، ز: في نسخة: ووكل به من أمره. ب، ج، ز: + وتقدم إلى حرسه يأمره. (¬5) د: فمن. (¬6) د: تلحق. (¬7) أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري أحد محدثي العراق. فتوفي سنة 198 هـ/ 813م. (¬8) سفيان الثوري أبو عبد الله. توفي سنة 161 هـ/ 777 م. وهو فقيه كوفى. (¬9) محمد بن المنكدر التميمي الزاهد من حفاظ أهل المدينة. توفي سنة 130 هـ/ 747 م.

رضينا (¬1)، وإن كان شرا (¬2) صبرنا. وثبت عن حميد بن عبد الرحمن (¬3) قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: تقولون (¬4): إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، لا (¬5) أفقهها فيها فقها، ولا أعظمها فيها شرفا، وأنا أقول ذلك، ولكن والله لئن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق، أرأيتم (¬6) بابا دخل فيه أمة محمد ووسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو كان (¬7) دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل (¬8) رجل (¬9) منهم: لا أريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان (¬10) هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال (¬11): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يأتيك من الحياء إلا خير". فهذه الأخبار الصحاح كلها تعطيك أن ابن عمر كان مسلما في أمرة (¬12) يزيد، وأنه بايع، وعقد له، والتزم ما التزم الناس، ودخل فيما دخل فيه (¬13) المسلمون، وحرم على نفسه، ومن إليه بعد ذلك، أن يخرج على (¬14) هذا أو ينقضه، وظهر لك أن قول من قال: إن معاوية كذب في قوله: بايع ابن عمر، ولم يبايع، وإن ابن عمر وأصحابه سئلوا فقالوا: لم نبايع، فقد كذب (¬15). وقد (¬16) صدق البخاري في روايته [و 119 أ]، قول معاوية على المنبر: إن ابن عمر قد بايع بإقرار ابن عمر بذلك، وتسليمه له، وتماديه عليه. فأي الفريقين أحق بالصدق إن كنتم تعلمون؟ الفريق الذي فيه ¬

_ (¬1) ج:+ به. وفي هامش ز: في نسخة: به. د: خير رضينا. (¬2) د: بلاء. وفي هامش ز: في نسخة: بلاء. (¬3) حميد بن عبد الرحمن الرؤاس الكوفي من محدثي الكوفة. توفي سنة 190 هـ/805 م. (¬4) د: يقولون. (¬5) ج: ولا. (¬6) ج، ز: آرا ؤهم. (¬7) د: - كان. (¬8) ب، د: كان. (¬9) ب، ز: في الهامش: في نسخة: واحد. (¬10) د: أن كان. (¬11) ب، ج، ز: - قال. (¬12) ب، ج، ز: أمر. (¬13) ب: فيه. (¬14) د: عن. (¬15) د: - فقد كذب. (¬16) ب، ج، ز: فقد.

البخاري أو الذي فيه غيره؟ فخذوا لأنفسكم بالأحزم والأصح، أو اسكتوا عن الكل، والله يتولى توفيقكم وحفظكم (¬1). والصاحب الذي كنى عنه حميد بن عبد الرحمن هو ابن عمر، والله أعلم. وإن كان غيره فقد أجمع (¬2) رجلان عظيمان على هذه المقالة، وهي تعضد ما (¬3) أصلناه لكم من أن ولاية المفضول نافذة، وإن كان هنالك من هو أفضل منه إذا عقدت له، وإلى حلها (¬4) وطلب الأفضل من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة. فإن قيل: كان يزيد خمارا. قلنا: لا حد (¬5) إلا بشاهدين. فمن شهد بذلك عليه؟ بل شهد العدول (¬6) بعدالته، فروى (¬7) يحى بن بكير (¬8) عن (¬9) الليث بن سعد (¬10)، قال الليث: توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا، فسماه الليث أمير المؤمنين (¬11) بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم، ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا توفي يزيد. فإن قيل: لو (¬12) لم يكن ليزيد إلا قتله للحسين (¬13) بن علي. قلنا: يا أسفي على المصائب مرة، ويا أسفي على مصيبة الحسين ألف مرة! بوله (¬14) يجري على صدر النبي (¬15) فلا يغسل (¬16)، ودمه يراق على البوغاء ولا يحقن، يا لله! ويا ¬

_ (¬1) ج، ز: + آمين. (¬2) د: اجتمع. (¬3) د: بما. (¬4) ب: أو. (¬5) ب، ج، ز: يحل. (¬6) ب، ج، ز: العدل. (¬7) د: قرأ. (¬8) يحي بن بكير أو بكر التميمي النيسابوري توفي سنة 226هـ/ 840م. روى عن مالك والليث. (¬9) د: على. (¬10) شيخ الديار المصرية أبو الحارث الليث بن سعد الفقيه. توفي سنة 170 م/ 791م. (¬11) ب، ز: كتب على الهامش: قال ابن أبي الفرات في تاريخه: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد فقال: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: قال أمير المؤمنين. وأمر بضربه عشرين سوطا. انتهى. نقله عنه الشيخ البناني في شرحه للسيرة الكلاعية فاعرفه. (¬12) ب، ج، ز: ولو. (¬13) د: قتلة الحسين. (¬14) ب، ج، ز: بولهم. (¬15) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬16) ب، ج، ز:- فلا يغسل.

للمسلمين! وإن أمثل ما روي فيه أن يزيد كتب إلى الوليد بن عقبة ينعي له معاوية، ويأمره أن يأخذ له البيعة على أهل المدينة - وقد كانت تقدمت - فدعا مروان فأخبره (¬1)، وقال (¬2): أرسل إلى الحسين بن علي، وابن الزبير فإن بايعوا وإلا فاضرب أعناقهم. قال: سبحان الله تقنل (¬3) الحسين بن علي وابن الزبير، قال: هو ما أقول لك. فأرسل إليهما، فأتاه ابن الزبير فنعى له معاوية، وسأله البيعة [و 119 ب]، فقال: ومثلي يبايع ها هنا، ارق المنبر، أبايعك وأنا (¬4) مع الناس علانية فوثب مروان وقال: اضرب عنقه. فإنه صاحب فتنة وشر. فقال: وإنك (¬5) لهنالك (¬6) يا ابن الزرقاء؟ واستبا. فقال الوليد: أخرجهما (¬7) عني. وأرسل إلى الحسين ولم يكلمه بكلمة (¬8) في شيء وخرجا من عنده وجعل الوليد عليهما الرصد، فلما دنا الصبح خرجا مسرعين إلى مكة فالتقيا بها فقال له ابن الزبير: ما يمنعك من شيعتك، وشيعة أبيك؟ فوالله لو أن لي مثلهم لذهبت إليهم. فهذا ما صح. وذكر المؤرخون أن كتب أهل الكوفة وردت على الحسين وأنه أرسل مسلم بن عقيل (¬9) ابن (¬10) عمه إليهم ليأخذ عليهم البيعة (¬11) وينظر هو في أتباعه، فنهاه ابن عباس، وأعلمه أنهم خذلوا أباه وأخاه، وأشار عليه ابن الزبير بالخروج، فخرج، فلم يبلغ الكوفة إلا ومسلم بن (¬12) عقيل قد قتل، وأسلمه من كان استدعاء ويكفيك بهذا عظة لمن اتعظ فتمادى واستمر غضبا للدين وقياما بالحق. ولكنه رضي الله عنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عباس، وعدل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر، وطلب الابتداء في ¬

_ (¬1) ج: - فأخبره. (¬2) د: فقال. (¬3) د: يقتل. (¬4) كتبها محب الدين: وأنا أبايع مع الناس (ص 229). ولا مبرر لذلك. (¬5) ب، ج، ز: فإنك. (¬6) د: لهناك. (¬7) ب، د، ز: أخرجاهما. وكتب محب الدين: أخرجا (ص 229). (¬8) د: - بكلمة. (¬9) مسلم بن عقيل بن أبي طالب استشهد في كربلاء سنة 62 هـ/ 681 م. د. ابن أبي عقيل. (¬10) د: - عمه. (¬11) د: البيعة عليه. (¬12) د: ابن أبي عقيل.

الانتهاء، والاستقامة (¬1) من أهل (¬2) الاعوجاج، ونضارة الشبيبة (¬3) في هشيم المشيخة، ليس حوله مثله، ولا له من الأنصار ما يرعى حقه، ولا من يبذل نفسه دونه، فأردنا أن نطهر الأرض من خمر يزيد، فأرقنا دم الحسين، فجاءتنا مصيبة لا يجبرها سرور الدهر، وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه (¬4) إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر عن الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة منها: [ما روى مسلم عن زياد بن علاقة (¬5)، عن عرفجة بن شريح] (¬6) قوله (¬7) صلى [و 120 أ]، الله عليه وسلم: "أنها ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان" فما خرج الناس إلا بهذا وأمثاله (¬8). ولو أن عظيمها وابن عظيمها، وشريفها وابن شريفها، الحسن يسعه بيته، أو ضيعته، أو إبله، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحق (¬9) وفي جملتهم ابن عباس وابن عمر لم يلتفت إليهم، وحضره ما أنذر به النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬10)، ومما قال في أخيه، ورأى أنها (¬11) قد خرجت عن أخيه، ومعه جيوش الأرض، وكبار الخلق يطلبونه (¬12)، فكيف ترجع (¬13) إليه بأوباش الكوفة وكبار الصحابة ينهونه، وينأون عنه؟ ما أدري ما هذا (¬14) إلا التسليم لقضاء الله، والحزن على ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬15) بقية الدهر. ولولا معرفة أشياخ الصحابة (¬16) وأعيان الأمة ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: بالاستقامة. (¬2) ب: - من أهل.+ في. وكتبها محب الدين: والاستقامة في الاعوجاج (ص 232). (¬3) ج: الشيب. (¬4) ب، ج، ز: قاتله. (¬5) زياد بن علاقة وكنيته أبو مالك توفي في ولاية خالد القسري أي قبل 126 هـ/ 743 م، (طبقات خليفة بن خياط، ص 159). (¬6) لم نعثر له على ترجمة. (¬7) ب، ج، ز: - ما بين القوسين. (¬8) ز: كتب على الهامش: قف على هذا الكلام وما بعده فقد أنكره العلماء على ابن العربي. (¬9) د: - و. (¬10) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬11) أي الخلافة. (¬12) د: - يطلبونه. (¬13) ب، ز: يرجع. (¬14) د: مثاي. (¬15) ج، د: - صلى الله عليه وسلم. (¬16) ب: - الصحابة.

بأنه أمر صرفه الله عن أهل البيت، وحال من الفتنة، لا ينبغي لأحد أن يدخلها، ما أسلموه أبدا. وهذا أحمد بن حنبل على تقشفه، وعظيم منزلته في الدين، وورعه قد أدخل عن يزيد بن معاوية في كتاب الزهد (¬1) أنه كان يقول في خطبته: إذا مرض أحدكم مرضا فابتلي (¬2)، ثم تماثل، فلينظر إلى أفضل عمل عنده فليلزمه، ولينظر إلى أسوأ عمل عنده فليدعه. وهذا يدل على عظيم منزلته عنده، حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم، ويرعوى من وعظهم، ونعم! (¬3) وما أدخله إلا في جملة ذكر الصحابة، قبل (¬4) أن يخرج إلى ذكر التابعين. فأين هذا من ذكر المؤرخين له، في الخمور (¬5) وأنواع الفجور؟ ألا يستحيون (¬6) فإذا سلبهم الله المروءة (¬7) والحياء. ألا ترعوون أنتم، وتزدجرون، وتقتدون بالأحبار والرهبان من فضلاء الأمة، وترفضون الملحدة، والمجان، من المنتمين إلى الملة؟ هذا بيان للناس، وهدى، وموعظة للمتقين، والحمد لله رب العالمين. وانظروا (¬8) إلى ابن الزبير [و 125 ب]، بعد ذلك، وما دخل فيه من البيعة له بمكة والأرض كلها عليه. وانظروا (¬9) إلى ابن عباس وعقله، وإقباله على أمر نفسه. وانظروا (¬10) إلى ابن عمر، وسنه، وتسليمه للدنيا، ونبذه لها. ولو كان للقيام وجه، لكان الأولى (¬11) بذلك عبد الله بن عباس، فإن ولدي أخيه عبيد الله (¬12) قد ذكر أنهما قتلا ظلما، ولكن رأى بعقله أن دم عثمان لم يخلص إليه، فكيف بدم ولدي عبيد الله. وأن الأمر راهق (¬13)، قد خرجا عنه (¬14) ¬

_ (¬1) د: - في كتاب الزهد. (¬2) ب، ج، ز: ثم أشقى. (¬3) ج، ز: لعمري. (¬4) د: بعد. (¬5) ب، ج، ز: الخمر. (¬6) ب، ج، ز: تستحيون. (¬7) د: - المروءة. (¬8) د: انظر. (¬9) د: انظر. (¬10) د: انظر. (¬11) ب، ج، ز: أولى. (¬12) عبيد الله بن عمر بن الخطاب قتل في صفين 38 هـ/ 658 م. (¬13) د: زاهق. (¬14) د: فدحرجاه.

نكتة

حفظا للأصل، وهو اجتماع أمر (¬1) الأمة، وحقن دمائها، وائتلاف كلمتها، ودع الأمر يتولاه أسود مجدع حسبما أمر به صاحب الشرع، صلوات الله عليه وسلامه (¬2) وكل منهم عظيم القدر، مجتهد فيما دخل فيه (¬3)، مصيب مأجور. ولله فيهم حكم في الدنيا (¬4) قد (¬5) أنفذه، وحكم في الآخرة قد أحكمه وفرغ منه. فاقدروا هذه (¬6) الأمور مقاديرها، وانظروا بما قابلها به ابن عباس وابن عمر (¬7) فقابلوها، ولا تكونوا (¬8) من السفهاء الذين يرسلون ألسنتهم وأقلامهم بما لا فائدة لهم فيه (¬9)، ولا يغني من الله، ولا من دنياهم شيئا عنهم، وانظروا إلى الأيمة الأخيار، وفقهاء الأمصار، هل أقبلوا على هذه الخرافات، و (¬10) تكلموا في مثل هذه الحماقات؟ بل علموا أنها عصبية (¬11) جاهلية، وحمية باطليه (¬12)، لا تفيد إلا قطع الحبل بين الخلق، وتشتيت الشمل، واختلاف الأهواء. وقد كان ما كان، وقال الإخباريون (¬13) ما قالوا، فإما سكوت وإما (¬14) اقتداء بأهل العلم، وطرح لسخافات (¬15) المؤرخين والأدباء والله يكمل علينا وعليكم النعماء برحمته. نكتة: وعجبا لاستكثار (¬16) الناس ولاية بني (¬17) أمية، وأول من (¬18) عقد لهم الولاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬19)، فإنه ولى يوم الفتح عتاب (¬20) بن أسيد بن أبي ¬

_ (¬1) د: - أمر. (¬2) د: - وسلامه. (¬3) د: - فيه. (¬4) ب، ج، ز: - في الدنيا. (¬5) د: فقد. (¬6) د: لهذه. (¬7) د: ابن عمر وابن عباس. (¬8) د: تكون. (¬9) د: فيه لهم. (¬10) د: أو. (¬11) ب، ز: عصبة. (¬12) ب، ج، ز: باطلة. (¬13) ج: الإحباريون. (¬14) د: وإلا. (¬15) ب: السخافات. (¬16) ب، ج، ز: لاستكبار. (¬17) د: ببني. (¬18) ب: ما. (¬19) د: - صلى الله عليه وسلم. (¬20) ب: عثمان. وهو غلط. وتوفي عتاب بن أسيد أمير مكة سنة 13 هـ/ 634 م وهو شاب.

العيص (¬1) بن أمية [و 121 أ]، مكة حرم الله، وخير بلاده، وهو فتي السن قد أبقل (¬2) أو لم يبقل واستكتب معاوية بن أبي سفيان أمينا على وحيه. ثم ولى أبو بكر، يزيد (¬3) بن أبي سفيان - أخاه (¬4) - الشام، وما زالوا بعد ذلك يتوقلون (¬5) في سبيل المجد، ويترقون في درج العز، حتى أنهتهم (¬6) الأيام إلى منازل الكرام. وقد روى الناس أحاديث فيهم لا أصل لها، منها حديث رؤية النبي بني أمية ينزون على منبره كالقردة، فعز ذلك (¬7) عليه فأعطي ليلة القدر، خير من ألف شهر، يملكها بنو (¬8) أمية بعده (¬9). ولو كان هذا صحيحا، ما استفتح الحال بولايتهم، ولا مكن لهم في الأرض بأفضل بقاعها وهي مكة. وهذا أصل يجب أن تشدوا (¬10) عليه اليد. فإن قيل: أحدث معاوية في الإسلام الحكم بالباطل، والقضاء بما لا يحل من استلحاق زياد. قلنا: قد بينا في غير موضع أن استلحاق زياد، إنما كان لأشياء (¬11) صحيحة، وعمل مستقيم، نبينه بعد ذكر أمثل (¬12) ما ادعى فيه المدعون، من الانحراف عن الاستقامة. إذ لا سبيل إلى تحصيل باطلهم، لأن خرق الباطل لا يرقع، ولسانه أعظم منه فكيف به (¬13) لا يقطع. قالوا: كان زياد ينسب (¬14) إلى (عبيد الثقفي)، من سمية، جارية الحارث بن كلدة (¬15)، واشترى (¬16) ((¬17) عبيدا) (¬18) - أباه - بألف درهم فأعتقه. ¬

_ (¬1) د: الفيض. وهو خطأ. (¬2) خرج شعره. (¬3) استشهد سنة 18 هـ/ 639 م. (¬4) أخو معاوية. (¬5) ج، ز: يترفلون. ومعنى يتوقلون: من وقل أي صعد. (¬6) ج: انتهتهم. (¬7) ب، ج، ز: - ذلك. (¬8) ج: بني. (¬9) ب، ج، ز: - بعده. (¬10) ب: تشد. (¬11) د: لأشباه. (¬12) ب: ج، ز: - أمثل. (¬13) ب، ج، ز: - به. وفى هامش ب، ز: في نسخة:+ به. (¬14) ب: ينتسب. (¬15) الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب وحكيمها توفي سنة 50 هـ/ 670 م. (¬16) أي زياد. (¬17) ج: - ما بين القوسين. (¬18) ج، د: عبيد.

قال أبو عثمان النهدي (¬1): فكنا نغبطه. واستعمله عمر على بعض صدقات البصرة، وقيل: بل كتب لأبي موسى فلما لم يقطع الشهادة مع الشهود على المغيرة (¬2) جلدهم وعزله، وقال: ما عزلتك لخزية (¬3)، ولكني كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك. ورووا أن عمر أرسله إلى اليمن في إصلاح فساد، فرجع وخطب الناس خطبة لم يسمع مثلها. فقال عمرو [و 121 ب] بن العاص (¬4): أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق الناس بعصاه، فقال أبو سفيان: أما (¬5) والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه. فقال له علي: ومن؟ قال: أنا قال: مهلا يا أبا سفيان! فقال أبو سفيان أبياتا من الشعر (¬6): أما والله لولا خوف شخص (¬7) …يراني يا علي! من الأعادي لأظهر أمره صخر بن حرب…ولم تكن المقالة عن زياد وقد طالت مخاتلتي ثقيفا…وتركي فيهم ثمر الفؤاد فذلك الذي (¬8) حمل معاوية. واستعمله علي على فارس، وحمى، وجبى (¬9)، وفتح، وأصلح. وكاتبه معاوية يروم إفساده، فوجه بكتابه إلى علي بشرع، فكتب إليه علي: (إني وليتك ما وليتك، وأنت أهل لذلك عندي، ولن (¬10) تدرك (¬11) ما تريد مما (¬12) أنت فيه إلا بالصبر واليقين، وإنما كانت من أبي سفيان فلتة، ومن عمر، لا تستحق (¬13) بها نسبا ولا ميراثا، وأن (¬14) معاوية يأتي المؤمن من بين يديه ومن خلفه) فلما قرأ زياد الكتاب قال: (شهد لي أبو ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن مل أو ملي بن عمرو توفي سنة 100 هـ/ 718م وقيل بعدها. (¬2) المغيرة بن شعبة الثقفي توفي سنة 51هـ/ 671م. (¬3) ج، ز: بجرية. د: بخربة. (¬4) ج، د، ز: العاصي. (¬5) ب، ج، ز: - أما. (¬6) د: - من الشعر- ج، ز: شعره. (¬7) يقصد: عمر بن الخطاب. (¬8) د: - الذين. (¬9) ب: حبا. د: خبى. (¬10) ج: لين. (¬11) ب: يدرك. (¬12) ب: بما. (¬13) ج، ز: يستحق. (¬14) د: فأن.

حسن ورب الكعبة!) فذلك الذي جرأ زيادا ومعاوية على ما (¬1) صنعا، ثم ادعاه معاوية سنة أربع وأربعين، وزوج معاوية ابنته من ابنه محمد، وبلغ الخبر أبا بكرة (¬2) - أخاه لأمه - فآلى يمينا ألا (¬3) يكلمه أبدا، وقال: (هذا زني أمه، وانتفى من أبيه، والله ما رأت سمية أبا سفيان قط، وكيف يفعل بأم حبيبة (¬4) أيراها فيهتك (¬5) حرمة رسول الله، و (¬6) إن حجبته فضحته) فقال زياد: "جزى الله أبا بكرة (¬7) خيرا، فإنه لن (¬8) يدع النصيحة في حال" وتكلم فيه الشعراء، ورووا عن سعيد بن المسيب (¬9) أنه قال: أول قضاء كان في الإسلام بالباطل استلحاق زياد. قال القاضي أبو بكر (¬10) رضي الله عنه: قد بينا في غير موضع هذا الخبر، وتكلمنا عليه، بما يغني عن إعادته [و 122 أ]، ولكن (¬11) لا بد في هذه الحالة من بيان المقصود منه فنقول: كل ما ذكرتم لا ننفيه ولا نثبته (¬12)، لأنه لا يحتاج (¬13) إليه. والذي ندريه حقا، ونقطع عليه علما، أن زيادا من الصحابة بالمولد والرؤية، لا بالتفقه والمعرفة. وأما أبوه، فما علمنا له، أبا قبل دعوى معاوية، على التحقيق، وإنما هي أقوال غائرة (¬14) من المؤرخين. وأما شراؤه له فمراعاة للحضانة (¬15)، فإنه حضنه عند (¬16) أمه (¬17) إذ دخل عليه فيه شبهة (¬18) بالحضانة إليه، إن كان ذلك. وأما قولهم: إن أبا عثمان غبطه بذلك، ¬

_ (¬1) ب: عما. وكتبه محب الدين: بما (ص 237). (¬2) أبو بكرة الثقفي نفيع بن الحارث توفي سنة 52 هـ/ 672 م. (¬3) د: لا. (¬4) بنت أبي سفيان زوج النبي، وأخت معاوية. (¬5) ج، ز: فهتك. (¬6) ب، ج، ز: - و. (¬7) ج، ز: بكر. (¬8) ب، ج، ز: لم. (¬9) أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني توفي سنة 94هـ/ 712م. (¬10) د: قال أبي. (¬11) ج، ز: لكني. (¬12) ج: تنفيه ولا تثبته. (¬13) ج، د، ز: لأنا لا نحتاج. (¬14) ج، ز: غابرة. (¬15) ب، ج، ز: الحضانة. وفي هامش ب، ز; في نسخة: للحضانة. (¬16) ب: عنه. (¬17) ب: - أمه. (¬18) ب، ج، ز: فله نسب.

فهو بعيد على أبي عثمان. فإنه ليس في أن يبتاع أحد حاضنه (¬1) أو أباه، فيعتقه من المرتبة (¬2)، بحيث يغبطه عليه أبو عثمان وأمثاله، لأن هذه مرتبة يدركها الغني والفقير، والشريف والوضيع، ولا بذل من المال ما يعظم قدره، فيدري (¬3) به، قدر مروءته، في إهانة الكثير (¬4) العظيم (¬5) في صلة الولي (¬6) الحميم. وإنما ساقوا هذه الحكاية ليجعلوا له أبا، ويكون بمنزلة من انتفى من أبيه. وأما استعمال عمر له فصحيح، وناهيك بذلك تزكية، وشرفا، ودينا. وأما قولهم: إن عمر عزله لأنه لم يشهد بباطل (فباطل) (¬7). بل روي أنه لما شهد أصحابه الثلاثة، وعمر يقول للمغيرة: ذهب ربعك، ذهب نصفك، ذهب ثلاثة أرباعك. فلما جاء زياد وقال له: إني أراك صبيح الوجه، وإني لأرجو أن لا يفضح الله على يديك رجلا من أصحاب محمد (¬8). وأما خطبته التي (¬9) ذكروا أنه أعجب بها (¬10) عمرو (¬11)، فما كان عنده فضل علم، ولا فصاحة يفوق بها (¬12) عمرا (¬13)، فمن فوقه أو دونه. وقد أدخل له الشيخ (¬14) المفتري خطبا (¬15) ليست في الحد المذكور. وأما قولهم: إن أبا سفيان اعترف به، وقال شعرا فيه، فلا يرتاب ذو تحصيل في أن أبا سفيان لو اعترف به في حياة [و 122 ب] عمر، لم يخف شيئا. لأن الحال لم تكن تخلو (¬16) من أحد قسمين: أما أن يرى عمر ألا ظنة (¬17) به، كما روى عنه في غيره، فيمضي ذلك. أو يرد ذلك، فلا يلزم أبا سفيان شيء باقتراف ما كان في الجاهلية. ¬

_ (¬1) ب: حاضنته. ج، ز: ختنه. (¬2) ب، ج، ز: المزية. (¬3) كتبها محب الدين: فيدرأ. وهذا يفسد المعنى تماما. (ص 238). (¬4) ج، ز: الكبير. (¬5) أي من المال في سبيل صلة الرحم. (¬6) ج، ز: المولى. (¬7) سقط عن جميع النسخ وكتب في هامش د: عله: فباطل. (¬8) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬9) د: الذي. (¬10) ب، ج، ز: منها. (¬11) ب، ج، ز: عمر. (¬12) د: - بها. (¬13) ب، ج: عمر. ز: عمروا. (¬14) يقصد به الجاحظ. (¬15) ج: حطبا. (¬16) ب: يكن يخلو. (¬17) ب: إلاظنه.

فذكرهم هذه الحكاية المخترعة، الباردة، المتهافتة الخارجة عن حد الدين والتحصيل لا معنى لها (¬1). وأما تولية علي له فتزكية. وأما بعث معاوية إليه، ليكون معه فصحيح في الجملة. وأما تفصيل (¬2) ما كتب معاوية أو كتب (¬3) زياد به إلى علي، أو جاوب به علي زيادا، فهذا كله مصنوع. وأما قول علي: إنما كانت من أبى سفيان فلتة لا يستحق بها نسبا (¬4)، فلو صح لكان ذلك شهادة، كما روي عن زياد، ولم يكن ذلك بمبطل لما فعل معاوية، لأنها مسألة اتجهاد بين العلماء، فرأى علي شيئا، ورأى معاوية وغيره، غيره. وأما نكتة الكلام وهو القول في استلحاق معاوية زيادا، و (¬5) أخذ الناس عليه في ذلك. وأي أخذ عليه فيه إن (¬6) كان سمع ذلك من أبيه؟ وأي عار على أبي سفيان في أن يليط بنفسه ولد زنا كان في الجاهلية؟ فمعلوم أن سمية لم تكن لأبي سفيان، كما لم (¬7) تكن وليدة زمعة لعتبة، لكن كان لعتبة منازع تعين القضاء له، ولم يكن لمعاوية منازع في زياد. اللهم أن هاهنا نكتة اختلف العلماء فيها (¬8) وهي أن الأخ إذا استلحق أخا، يقول: هذا (¬9) ابن أبي، ولم يكن له منازع، بل كان وحده، فقال مالك: يرث، ولا يثبت (¬10) النسب في جماعة (¬11)، وقال الشافعي (¬12) في آخرين (¬13): يثبت النسب، ويأخذ المال. هذا إذا كان المقر به غير معروف النسب. واحتج الشافعي (¬14) بقول النبي (¬15): "هو لك يا عبد بن زمعة! الولد للفراش، وللعاهر الحجر" (¬16). ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ: وكتب محب الدين: له. (ص 239). (¬2) ج: تفضيل. (¬3) د: وكتب. (¬4) د: شيئا. (¬5) د: أو. (¬6) ج: وإن. (¬7) ج: لو. (¬8) ج: فيه. (¬9) ب، ج، ز: هو. (¬10) ج، ز: يلحق. (¬11) ب:- جماعة. وحذف محب الدين: في جماعة. (ص 240). (¬12) د: ش. (¬13) ب، ج، ز: في إحدى القولين. (¬14) د: ش. (¬15) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬16) أخرجه البخاري ومالك في الموطأ.

فقضى بكون للفراش، وإثبات [و 123 أ] نسبه (¬1). قلنا: هذا جهل عظيم (¬2)، وذلك أن قوله، إن النبي (¬3) قضى بكونه للفراش صحيح. وأما قوله، بثبوت النسب فباطل لأن عبدا ادعى شيئين (¬4): أحدهما: الأخوة، والثاني: ولادة الفراش. فلو قال له النبي (¬5): "هو أخوك، الولد للفراش"، لكان إثباتا للحكم، وذكرا للعلة (¬6). بيد أن النبي (¬7) عدل عن الأخوة، ولم يتعرض لها، وأعرض عن النسب، ولم يصرح به. وإنما في الصحيح في لفظ (هو أخوك)، وفي آخر (هو لك) معناه فأنت أعلم به. وقد مهدنا ذلك في "مسائل الخلاف" (¬8). فالحارث بن كلدة لم يدع زيادا، ولا كان إليه منسوبا، وإنما كان ابن أمته، ولد على فراشه أي (¬9) في داره، فكل من ادعاه فهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل فيه الحق على مذهب مالك. فإن قيل: فلم أنكر عليه الصحابة؟ قلنا: لأنها مسألة اجتهادية. فمن رأى أن النسب لا يلحق (¬10) بالوارث الواحد أنكر ذلك وعظمه. فإن قيل: ولم لعنوه، وكانوا (¬11) يحتجون بقول النبي (¬12): ملعون من انتسب لغير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه؟ قلنا: إنما لعنه من لعنه لوجهين: أحدهما: لأنه أثبت نسبه من هذا الطريق. ومن لم ير لعنه لهذا، لعنه لغيره. قال (¬13): وكان زياد أهلا أن يلعن عندهم لما أحدث بعد استلحاق (¬14) معاوية. فإن قيل: جعل النبي (¬15) للزنا حرمة ورتب عليه (¬16) ¬

_ (¬1) ب، ز: في نسخة: النسب. (¬2) علق ابن باديس على هذا بقوله: غفر الله لك لا ينبغي أن يواجه مثل الشافعي بمثل هذه الشدة من الكلام (ج 2 ص 182 ت 2). (¬3) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬4) ب: سببين. (¬5) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬6) د: لعلة. (¬7) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬8) مؤلف من مؤلفاته يقع في عشرين مجلدا يعتبر في حكم المفقود. (¬9) ج: - أي. (¬10) د: يلتحق. (¬11) ج، ز: - وكانوا. (¬12) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬13) ب: - قال. (¬14) ج، ز: استلحاقه. (¬15) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬16) ب، ج، ز: عليها.

حكما حين قال: (احتجبي (¬1) منه يا سودة) وهذا يدل على أن الزنا يتعلق به من حرمة الوطء ما يتعلق بالنكاح الصحيح. هكذا قال الكوفيون، ومالك في رواية ابن القاسم (¬2)، يساعدهم على المسألة، ولا يساعدهم على دليلها من هذا الوجه. وقد بيناها في كتاب النكاح. وقال الشافعي (¬3): العذر في أمر النبي (¬4) لسودة بالاحتجاب مع ثبوت نسبه من زمعة، وصحة أخوته لها بدعوى عبد، أن ذلك [و 123 ب] تعظيم لحرمة أزواج النبي (¬5) لأنهن لم يكن كأحد من النساء في شرفهن، وفضلهن. قلنا: لو كان أخاها بنسب ثابت صحيح كما قلتم، ويكون قول النبي (¬6) الولد للفرالش، تحقيقا للنسب، لما منع - صلى الله عليه وسلم - سودة منه، كما لم يمنع عائشة رضي الله عنها (¬7) من الوجل الذي قالت: هو أخي من الرضاعة وإنما قال: (انظرن من إخوانكم) وأما ما (¬8) روي عن سعيد بن المسيب، فأخبر عن مذهبه في أن هذا الاستلحاق ليس بصحيح. وكذلك رأى غيره من الصحابة والتابعين، وقد صارت المسألة إلى الخلاف بين الأمة، وفقهاء الأمصار، فخرجت من حد الانتقاد إلى حد الاعتقاد، وقد صرح مالك في كتاب الإسلام وهو الموطأ بنسبه، فقال في دولة بني العباس: إن (¬9) زياد بن أبي سفيان. ولم يقل كما يقول المخاذل (¬10): زياد ابن أبيه. هذا على أنه لا يرى النسب يثبت بقول واحد، ولكن في ذلك فقه بديع لم يتفطن (¬11) له أحد. وهو أنها لما كانت مسألة خلاف، ونفذ الحكم فيها بأحد الوجهين، لم يكن لها رجوع. فإن حكم القاضي في مسائل الخلاف بأحد القولين يمضيها (¬12)، ويرفع الخلاف فيها. والله أعلم. ¬

_ (¬1) د: واحتجبي. (¬2) أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المالكي توفى سنة 191 هـ/806 م. (¬3) د: ش. (¬4) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬5) ب، ج، ز:، صلى الله عليه وسلم. (¬6) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬7) د: - رضي الله عنها. (¬8) ب: - ما. (¬9) ب، ز: - إن. وفي هامش ب، ز: في نسخة:+ إن. (¬10) د: الخاذل. (¬11) ب، ج، ز: يفطن. (¬12) ج: يمينها.

نكتة

وأما روايتهم أن عمر قال: كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس. فهذه زيادة ليس لها أصل، من ناقص عقل، وأي عقل كان لزياد يزيد به (¬1) على الناس في أيام (¬2) عمر، وغلام (¬3) كل واحد من الصحابة (¬4) كان أعقل من زياد وأعلم منه؟ ولهذا كل من كمل عقله أكثر من الآخر فهو أولى أن يختلط مع الناس، ويقولون: إنه كان داهية، وهي كلمة واهية الدهاء والأرب هو المعرفة بالمعاني، والاستدلال على العواقب بالمبادئ، وكل أحد من الصحابة والتابعين فوق زياد. وتلك البرودات التي (¬5) يروي (¬6) المؤرخون من كذبهم في حيل الحرب [و 124 أ]، والفتك بالناس، كل أحد اليوم يقدر على مثلها وأكثر منها، والحيلة إنما تكون بديعة وتنثي (¬7) وتروي إذا وافقت الدين، وأما كل حكاية تخالف الدين، فليس من روايتها ولا في رواتها (¬8) خير ولا عقل، وكل الناس كما قدمنا - وخذ من ولاة بني أمية خاصة - أعقل من زياد وأفصح منه. فلا تلتفتوا إلى ما روي من الأباطيل. نكتة: و (¬9) الولايات والعزلات لها معان (¬10) وحقائق لا يعلمها كثير من الناس لقد علمتم أن رسول الله (¬11) مات عن زهاء اثني عشر ألفا من "الصحابه معلومين، منهم ألفان أو نحوهما مشاهير في الجلالة ولى منهم أبو بكر، سعدا، وأبا عبيدة، ويزيد، وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل (¬12)، ونفوا غيرهم فوقهم، وولى أنس بن مالك ابن عشرين سنة على البحرين اقتداء بالنبي (¬13) في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - به. (¬2) ب، ج، ز: زمان. (¬3) ب، ج، ز: - غلام. وفي هامش ب، ز: في نسخة: غلام. (¬4) د: + من. (¬5) ج: - التي. (¬6) ج، ز: تروي. (¬7) ب: تثني. ج، ز: تنأى. د: تنهى. وأغلب الظن أنها: تنثى. (¬8) ب، ج، ز: - ولا في رواتها. (¬9) ب، ج، ز: - و. (¬10) ب، ج، ز: معاني. (¬11) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬12) عكرمة بن أبي جهل استشهد في وقعة اليرموك سنة 15 هـ/ 636 م. (¬13) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم.

عتاب، ومتى كان استوفى المشيخة حتى يأخذ من (¬1) الشبان؟ وولى عمر أيضا كذلك، وبادر بعزل خالد، وذلك كله لفقه عظيم، ومعارف بديعة بيانها في موضعها من كتب الإمامة والسياسة من الأصول، فخذوا في فن (¬2) غير هذا (¬3)، فليس هذا الباب مما تلوكه أشداق أهل الآداب وأما ما روي عن معاوية أنه استدعى شهودا، فشهد السلولي (¬4) وسواه فسل (¬5) من الحق، ما روي عن السلولي، فإنه لم يكن قط، وأسعد بإسقاط (¬6) ما روي في القصة سعيد أو سعد (¬7). وأما كلام أبي بكرة أخيه (¬8) لأمه، فغير ضائر له لأن ذلك رأي من (¬9) أبي بكرة واجتهاد (¬10). وأما قولهم فيها عن أبي بكرة (¬11) (أنه زني أمه) فلو كان ذلك صحيحا لم يضر أمه ما جرى (¬12) في الجاهلية، في الدين، فإن الله عفا عن أمر (¬13) الجاهلية كلها بالإسلام، وأسقط الإثم والعار (¬14) منه، فلا يذكره إلا جاهل به. قال القاضي أبو بكر رضي [و 124 ب] الله عنه: والناس إذا لم يجدوا عيبا لأحد، وغلبهم حسدهم عليه، وعداوتهم له، أحدثوا له عيوبا، فاقبلوا الوصية، ولا تلتفتوا إلا إلى ما صح من الأخبار، واجتنبوا - كما ذكرت لكم - أهل التواريخ، فإنهم ذكروا عن السلف أخبارا صحيحة يسيرة (¬15)، ليتوسلوا بذلك إلى رواية الأباطيل، فيقذفوا - كما قدمنا - في قلوب الناس ما لا ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: - من. (¬2) ب، د: - فن. (¬3) د:+ الباب. (¬4) مالك بن ربيعة أبو مريم. (¬5) ب، ز: كسل. ومعنى فسل من الحق: انزع من الحق من سل يسل. وقد قرأها محب الدين: فسل من الحق: أي اسأل من ألحقه. وهو لا يستقيم مع السياق. (ص 244). (¬6) د: - بإسقاط. (¬7) د: وسعد. (¬8) ب، ج، ز: لأخيه. (¬9) ب، ج، ز: - من. (¬10) ب، ز: اجتهاده. ج: - اجتهاده. (¬11) ج: - وأما قولهم فيها. (¬12) د: ما جرى. (¬13) ب، ز: أهل. ج: - أهل. (¬14) د: العذر. (¬15) ج، ز: - يسيرة.

قاصمة

يرضاه الله تعالى، وليحتقروا (¬1) السلف ويهونوا الدين (¬2)، وهو أعز من ذلك، وهم أكرم منا، فرضي الله عن جميعهم. ومن نظر إلى أفعال الصحابة تبين منها بطلان هذه الهتوك (¬3) التي يختلق (¬4) أهل التواريخ، فيدسونها في قلوب الضعفاء و (¬5) هذا زياد لما أحس بالمنية (¬6) استخلف سمرة بن جندب من كبار الصحابة، فقبل خلافته، وكيف يظن به على منزلته أنه يقبل ولاية ظالم لغير رشدة، وهو على ما هو عليه من الصحبة، وذلك من غير إكراه، ولا تقية. إن هذا لهو الدليل المبين، فمع من تحبون أن تكونوا، مع سمرة بن جندب أو مع المسعودي (¬7)، والمبرد (¬8)، وابن قتيبة (¬9)، ونظرائهم؟ وهذا غاية في البيان. قاصمة: كانت الجاهلية مبنية على العصبية، متعاملة بينها بالحمية، فلما جاء الإسلام بالحق، وأظهر الله منته على الخلق، قال الله (¬10) سبحانه: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [آل عمران: 103] وقال لنبيه: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} (¬11) [الأنفال: 63] فكان ¬

_ (¬1) د: ليحقروا. (¬2) ز: كتب على الهامش: واعلم أن الإنسان يلزمه التثبت في قبول الأخبار من مدح الناس وذمهم لبعضهم بعضا (كذا) وينتبه للبواعث والدواعي على ذلك، لأن غالبها أغراض وأهوية فالله يعصمنا في قول الحق وقبوله. (¬3) ج، د، ز: الهتوف. (¬4) ج، ز: تختلق. (¬5) د: - و. (¬6) ب: المنية (¬7) علي بن الحسين توفي سنة 346هـ/ 957م. (¬8) محمد بن يزيد صاحب الكامل توفي سنة 285 هـ/ 898م. (¬9) عبد الله بن مسلم توفي سنة 276هـ/ 889م خطيب أهل الحديث وأديبهم. (¬10) ب، د: - الله. (¬11) ب، ج، ز: - عزيز حكيم.

بركة (¬1) النبي (¬2) تحميهم (¬3)، وتجمع (¬4) شملهم، وتصلح (¬5) قلوبهم، وتمحو (¬6) ضغائنهم. فاستأثر (¬7) الله برسوله (¬8) ونفرت النفوس، وتماسكت الظواهر منجزة ما دام الميزان قائما، فلما [و 125 أ]، رفع الميزان - كما تقدم ذكره في الحديث - أخذ الله القلوب عن الألفة، ونشر جناحا من التقاطع، حتى سوى جناحين بقتل عثمان، فطار في الآفاق، واتصل الهرج إلى يوم المساق (¬9)، وصارت الخلائق عزين، في كل واحد من العصبية (¬10) يهيمون، فمنهم بكرية، وعمرية، وعثمانية، وعلوية، وعباسية، كل يزعم أن الحق معها، وفي صاحبها والباقي ظلوم غشوم، مقتر (¬11) من الخير عديم، وليس بمذهب، ولا فيه مقالة، وإنما هي حماقات وجهالات، أو دسائس للضلالات (¬12)، حتى تضمحل الشريعة، وتهزأ الملحدة من الملة، ويلهو بهم الشيطان ويلعب، وقد سار بهم في غير مسير، ولا مذهب. قال البكرية: أبو بكر نص عليه رسول الله (¬13) في الصلاة، ورضيته الأمة للدنيا، وكان عند النبي (¬14) بتلك المنزلة العليا، والمحبة الخالصة، وولي فعدل، واختار فأجاد. إلا أنه أوهم في عمر فإن أمره غلظ (¬15)، وفظاظته غلبت، وذكروا معائب وأما عثمان فلم يخف ما عمل، وكذلك علي، وأما العباس فغير مذكور. وقال العمرية: أما أبو بكر ففاضل ضعيف، وعمر إمام عدل، قوي، بمدح النبي (¬16) له في حديث الرؤيا والدلو، والعبقري كما تقدم. وأما عثمان ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ببركة. (¬2) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬3) ب، ج، ز: يجمعهم. وفي هامش ز: في نسخة: تحميهم. (¬4) ب، ج، ز: يجمع. (¬5) ب، ج، ز: يصلح. (¬6) ب، ج، ز: يمحو. (¬7) ب، ج، ز: واستأثر. (¬8) ب، ج، ز:، صلى الله عليه وسلم. (¬9) د: القيامة. (¬10) ج: المصيبة. (¬11) كذا في ب، ج، ز: وطمست النقطة في (د) من القاف أو الفاء ولعله: مفتر. (¬12) ج: الضلالات. (¬13) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬14) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬15) ب، ج، ز: غليظ. (¬16) ب، ج، ز:، صلى الله عليه وسلم.

عاصمة

فخارج عن الطريق ما اختار واليا، ولا وفى أحدا حقا، ولا كف أقاربه، ولا اتبع سنن من كان قبله. وأما علي فجريء على الدماء. لقد سمعت في مجالس أن ابن جريج (¬1) كان يقدم عمر على أبي بكر، وسمعت الطرطوشي يقول: لو قال أحد بتقديم (¬2) عمر لتبعته (¬3). و (¬4) قالت العثمانية: عثمان له السوابق المتقدمة، والفضائل، والفواصل في الذات والمال، وقتل مظلوما. وقالت العلوية: علي ابن عمه وصهره، وأبو سبطي النبي (¬5)، وولد النبي حضانة. وقال العباسي: [و 125 ب] هو أبو النبي (¬6) وأولاهم بالتقديم (¬7) بعده، وطولوا في ذلك من الكلام ما لا معنى لذكره لدناءته. ورووا أحاديث لا يحل لنا أن نذكرها، لعظيم الافتراء فيها، ودناءة رواتها، وأكثر الملحدة على التعلق بأهل البيت، وتقدمة (¬8) علي على جميع الخلق، حتى أن الرافضة انقسمت إلى عشرين فرقة، أعظمهم بأسا من يقول: إن عليا هو الله. والغرابية يقولون: إنه رسول الله لكن جبريل عدل بالرسالة عنه إلى محمد حمية منه معه، في كفر بارد، لا يسخنه (¬9) إلا حرارة السيف. فأما دفء المناظرة فلا يؤثر فيه. عاصمة: إنما ذكرت لكم هذا، لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرين، والمؤرخين، وأهل الآداب (¬10) فإنهم أهل جهالة بحرمات الدين، أو على (¬11) ¬

_ (¬1) أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي مولى بني أمية أول من ألف في الحجاز. توفي سنة 150 هـ/767 م. (¬2) د: بتقدم. (¬3) د: اتبعت. (¬4) ب، ج، ز: - و. (¬5) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬6) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬7) د: التقدم. (¬8) د: تقدم. (¬9) د: تسخنه. (¬10) ج، د: الأدب. (¬11) ج: وعلى.

بدعة مصرين، فلا تبالوا بما (¬1) رووا ولا تقبلوا رواية إلا عن أيمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاما إلا للطبرى، وغير ذلك هو الموت الأحمر، والداء الأكبر، فإنهم ينشئون أحاديث فيها استحقار الصحابة والسلف والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدين إلى الدنيا، وعن الحق إلى الهوى. فإذا قطعتم أصل (¬2) الباطل، واقتصرتم على رواية العدول (سلمتم من الحبائل، ولم تطووا كشحا على هذه الغوائل) (¬3) ومن أشد شيء على الناس جاهل (¬4) عاقل، أو مبتدع محتال، فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق، ولم يذر (¬5) للصحابة رسما في كتاب "الإمامة والسياسة" (¬6) إن صح عنه جميع ما فيه (6) وكالمبرد في كتابه الأدبي (¬7)، وأين عقله من عقل ثعلب (¬8) الإمام المقدم (¬9) في أماليه، فإنه ساقها بطريقة أدبية سالمة من الطعن على أفاضل الأمة. و (¬10) أما المبتدع المحتال فالمسعودي (¬11)، فإنه بما (¬12) يأتي منه متاخمة (¬13) الإلحاد فيما رواه من ذلك، وأما البدعة فلا شك فيه. فإذا [و 126 أ]، صنتم أسماعكم وأبصاركم عن مطالعة الباطل، ولم تسمعوا في خليفة ممن نسب (¬14) إليه ما لا يليق، ويذكر عنه ما لا يجوز فعله، (كنتم على منهج السلف سائرين، وعن سبيل الباطل ناكبين) (¬15) فهذا مالك رضي الله عنه قد احتج بقضاء عبد الملك بن مروان (¬16) في موطئه، وأبرزه في جملة قواعد الشريعة. وقال في رواية عن زياد بن أبي سفيان، فنسبه إليه (¬17)، ¬

_ (¬1) ب، د، ز: عما. (¬2) ب، ج، ز: أهل. (¬3) د: - ما بين القوسين. (¬4) د: جهل. (¬5) د: ولا وذر. (¬6) تأكد أن كتاب الإمامة والسياسة ليس لابن قتيبه ولذا فإنه ليس جاهلا. (¬7) ج، ز: الأدنى. (¬8) أحمد بن يحيى بن زيد لغوي الكوفة وأديبها توفى سنة 291 هـ/ 903 م. (¬9) ب، ج، ز: المتقدم. (¬10) د: - و. (¬11) د: كالمسعودي. (¬12) ب، ج، ز: - بما. (¬13) ج، ز: متاحمة. (¬14) ب: نسبت. (¬15) د: - ما بين القوسين. (¬16) عبد الملك بن مروان أبو الوليد خليفة فقيه توفي سنة 86 هـ/ 705 م. (¬17) أي نسب زيادا إلى أبي سفيان.

وقد علم قصته ولو كان عنده - كما (¬1) يقول العوام - باطلا (¬2) لما رضي أن ينسبه، ولا يذكره في كتابه الذي أسسه للإسلام. وقد جمع ذلك كله في أيام بني العباس، والدولة لهم، والحكم بأيديهم، فما غيروا عليه، ولا أنكروا ذلك منه، لفضل علومهم، ومعرفتهم بأن مسألة زياد، مسألة قد اختلف الناس فيها، فمنهم من جوزها ومنهم من منعها. فلم يكن لاعتراضهم إليها سبيل، وكذلك أعجبهم - حين قرأ الخليفة على مالك الموطأ - ذكر عبد الملك بن مروان فيه، وإن كان من بغضائه (¬3)، لأنه إذا احتج العلماء بقضائه، فسيحتج (¬4) بقضائه أيضا مثله، وإذا طعن فيه، طعن فيه بمثله. وأخرج البخاري عن عبد الله بن دينار (¬5)، قال شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان كتب: "إني أقرأ بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله مما استطعت، وإن بني قد أقروا (¬6) بمثل ذلك" وهذا المأمون (¬7) كان يقول بخلق القرآن، وكذلك الواثق (¬8)، وأظهروا (¬9) بدعتهم، فصارت (¬10) مسألة معلومة، إذا ابتدع القاضي أو (¬11) الإمام هل تصح ولايته (¬12) وتنفذ أحكامه أم هي مردودة؟ وهي مسألة معروفة. وهذا أشد (¬13) من برودات ذكرها (¬14) أصحاب التواريخ من: أن فلانا الخليفة شرب الخمر، أو غنى، أو فسق، وتزنى (¬15)، فإن هذا القول في ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: ما. (¬2) ب، ج، ز: حقا. (¬3) ب، ج، ز: وإن كان بقضائه وقرأها محب الدين وإذكاره بقضائه. (ص 250). (¬4) ج، ز: فستحتج. (¬5) عبد الله بن دينار مولى ابن عمر توفي سنة 127 هـ/ 744م بالمدينة. (¬6) ج: أمروا. (¬7) توفي المأمون سنة 218 هـ/ 833 م. (¬8) أبو جعفر أو أبو القاسم هارون بن المعتصم توفي سنة 232هـ/ 846م. (¬9) د: فأظهروا. (¬10) ب، د: وصارت. ز: في الهامش: في نسخة: وصارت. (¬11) ب، ج، ز: - أ. (¬12) ب، ج، ز: أو. (¬13) ج، ز: أشكل. (¬14) د: - ذكرها. (¬15) ب، ج، ز: زنا.

القرآن بدعة أو (¬1) كفر على اختلالاف العلماء فيه، قد اشتهروا به، وهذه المعاصي لم يتظاهروا بها، إن كانوا فعلوها، فكيف يثبت ذلك عليهم بأقوال [و 126 ب] المغنين، والبراد من المؤرخين، قصدوا (¬2) بذكر ذلك عنهم، تسهيل المعاصي على الناس، وليقولوا: إذا كان خلفاؤنا يفعلون هذا، فما يستبعد ذلك منا، وساعدهم الرؤساء على إشاعة هذه الكتب، وقراءتها، لرغبتهم في مثل أفعالهم (¬3)، حتى صار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وحتى سامحوا الجاحظ (¬4)، أن تقرأ (¬5) كتبه في المساجد، وفيها من الباطل والكذب والمناكير (¬6)، ونسبة الأنبياء إلى أنهم ولدوا لغير رشدة، كما قال في إسحق - صلى الله عليه وسلم - في كتاب الضلال والتضليل (¬7)، كما (¬8) مكنوا من قراءة كتب الفلاسفة في إنكار الصانع، وإبطال الشرائع، لما لوزرائهم، وخواصهم في ذلك من الأغراض الفاسدة، والمقاصد الباطلة. فإن زل فقيه، أو أساء العبارة عالم: يكن ما أساء النار في رأس كبكبا (¬9) وبالوقوف على هذه الفصول تحسن نياتكم (¬10)، وتسلم من (¬11) التغير قلوبكم على ما سبق. وقد بينت لكم أنكم لا تقبلون على أنفسكم في دينار، بل في درهم إلا عدلا بريئا من التهمة (¬12) سليما من (¬13) الشهوة. فكيف تقبلون في أحوال السلف، وما جرى بين الأوائل، من ليس له مرتبة في الدين، فكيف في العدالة! فرحم الله عمر بن عبد العزيز (¬14) حيث قال: - وقد تكلموا في الذي جرى بين الصحابة - {تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما ¬

_ (¬1) د: - أ. (¬2) د: فصدوا. (¬3) د: أفعاله. (¬4) ب، ج، ز: للجاحظ. (¬5) ج، ز: يقرأ. (¬6) ب، ج، ز: المناكر. (¬7) ب، ج، ز: التضلال. ويقصد بذلك كتاب البيان والتبيين. (¬8) ب، د، ز: وكما. (¬9) بيت للأعشى أوله: وتدفن منه الصالحات وأن يسيء…يكن ما أساء النارفى رأس كبكبا. والكبكب: جبل خلف عرفات. (¬10) ج، ز: نيتكم. (¬11) ب، د، ز: عن. (¬12) ب، ج، ز: السهم. (¬13) د: عن. (¬14) خامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي توفي سنة 101 هـ/ 719 م.

قاصمة وعاصمتها

كسبتم، ولا تسألون عما كانوأ يفعلون} (¬1) [البقرة: 134]. قاصمة وعاصمتها: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنزل القرآن (¬2) على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه" (¬3) عظم الناس هذا الحديث، وتكلموا على معناه، واختلفوا فيه (¬4). وقد بينت أقوالهم، وحررت مقاطع الكلام في جزء مفرد، ووقع (¬5) منثورا، حيثما جاء الكلام من "الأمالي" ومعنى الكلام [و 127 أ]: "أن الله (¬6) وسع على هذه الأمة، وأذن للصحابة في أن يقرأ كل واحد (¬7) بما استطاع من لغته، ولذلك أذن لعمر بن الخطاب (¬8)، وهشام بن حكيم (¬9)، في قراءتهما، وكانا قرشيين، وأذن لأبي بن كعب الأنصاري (¬10) ومن خالفه (¬11) في القراءة بأن يقرأ كل واحد منهما بما كان قرأ. قال أبي: فدخل قلبي ما لم يدخله قط مذ أسلمت، فقال لي النبي (¬12): "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه" واستمرت الحال هكذا حياة النبي رخصة من الله، وتوسعة على الخلق، إذ لو كلفوا أن يقرأوا باللغة التي نزل القرآن بها، وهي لغة قريش، لنفر قوم، وشق على آخرين، والشريعة سمحة، ولم يزل جبريل يتعاهد النبي (¬13) بالقرآن (¬14) في رمضان ويدارسه (¬15)، حتى كان العام الذي توفي فيه، دارسه به (¬16) مرتين فقال النبي (¬17): "أرى أجلي قد حضر" والنبي يضبط كل الذي ¬

_ (¬1) هنا انتهى النص الذي نشره الشيخ محب الدين الخطيب المتوفى سنة 1389 هـ/ 1970م بالقاهرة. (¬2) ج: - أنزه القرآن: د: الفرقان. (¬3) أخرجه الطبراني والبخاري مع اختلاف في اللفظ. (¬4) د: - فيه. (¬5) ج، ز: فوقع. (¬6) د:+ سبحانه. (¬7) د: أحد. (¬8) ب، ج، ز: + رضي الله. (¬9) هشام بن حكيم بن حزام توفي بعد سنة 15 هـ/ 636 م. (¬10) أبي بن كعب أبو المنذر توفي سنة 19 هـ/ 640 م. (¬11) ب: - ومن خالفه. (¬12) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬13) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬14) ب، ج، ز: - بالقرآن. (¬15) ج: + القرآن. (¬16) ب، ج، ز: - به. (¬17) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم.

يدارسه به، ويمليه على كتابه، ويقيده (¬1) في الصحف ثم استأثر الله برسوله (¬2)، واشتعلت الفتنة، واشتغلت (¬3) الصحابة بتمهيد الإسلام، وتوطيد الدين، وتأليف القلوب على شعائر الإسلام، فلما كان يوم اليمامة في عهد أبي بكر، واستحر القتل بالقراءة قال زيد بن ثابت: فأرسل إلي أبو بكر فجئته فإذا عمر عنده، فقال لي أبو بكر: إن عمر جاءني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بهم في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير. وذكر الحديث المتقدم في ذكر عثمان رضي الله عنه - إلى قوله -: ووجدت آخر سورة التوبة عند خزيمة بن ثابت. فنفذ (¬4) وعد الله في ذلك بالحفظ على يدي شريفي (¬5) الإسلام، وكريمي الدنيا والآخرة، (وسيدي كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين) (¬6). وكان هذا أصلا في استعمال الرأي في الدين، والحكم من المصالح والمعاني بما لم يكن ذكره (¬7) النبي صلى الله [و 127 ب] عليه وسلم. فلما كان زمان (¬8) تمم الله (¬9) هذه البقية على يديه، فجاءه حذيفة، وكان بمغازي (¬10) فتح أرمينية، وأذربيجان، فقال له (¬11): يا أمير المؤمنين أدرك الناس قبل أن يختلفوا في القرآن كما اختلفت اليهود والنصارى وكانت الصحف الأول (¬12) قد استقرت عند أبي بكر، ثم عند عمر ثم عند حفصة، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي (¬13) إلي بالصحف ننسخها والمصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت حفصة (¬14) إلى عثمان بها، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص (¬15)، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير، أن انسخوا الصحف في المصاحف، فبعث عثمان إلى كل أفق بمصحف. وقال زيد: فقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع ¬

_ (¬1) ب: بقيده. (¬2) ب، ص، ز:، صلى الله عليه وسلم. (¬3) ب: وانشغلت. (¬4) ج، ز: فنفد. (¬5) ب: شرفي. (¬6) د: - ما بين القوسين. (¬7) د: بما لم يذكره. (¬8) د: زمن. (¬9) ب: - الله. (¬10) ب، ج، ز: يغازي. (¬11) ب، ج، ز: - له. (¬12) ز: في الهامش: في نسخة: الأولى. (¬13) ب، ج، ز: أرسل. (¬14) د: تكرر حفصة. (¬15) ج، د، ز: العاصي.

رسول الله (¬1) يقرأها: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فوجدتها (¬2) مع خزيمة بن ثابت. قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت، أو التابوه (¬3)، فقال عثمان: اكتبوه بالتاء فإن القرآن نزل بلغة قريش. وكتبت المصاحف (¬4)، ووجه بها عثمان إلى الآفاق. انتهى الحديث الصحيح. ثم روي بعد ذلك أنه كتب سبعة (¬5) مصاحف: مصحف لمكة، وللبصرة، وللكوفة (¬6)، وللشام (¬7)، ولليمن، وللبحرين، وحبس عنده واحدا. فأما مصحف اليمن والبحرين فلم يسمع لهما خبر. و (¬8) يروى أنه أرسل ثلاثة (¬9) مصاحف إلى الشام والعراق واليمن. وروي أنه أرسل أربعة إلى الشام، والحجاز، والكوفة، والبصرة، وحبس واحدا عنده (¬10) وهو الأصح. وكانت هذه المصاحف تذكرة لئلا يضيع القرآن، وتبصرة لئلا يضل الخلق بالاختلاف فإنه لو قرأوا آخرا كما كانت قراءتهم أولا، لم ينضبط الأمر، وكان الخرق يتسع، والاختلاف يقع، فنسخ (¬11) الإجماع الرفق (¬12) المتيسر في [و 128 أ] أول الإسلام بالمصلحة المتحققة آخرا (¬13)، في ضبط الأمر، ورده إلى القانون الذي نزل القرآن عليه، فكانت المصاحف أصلا، وكانت القراءة رواية أقرأت الصحابة التابعين، وكان نقل المصحف إلى نسخه (¬14) على النحو الذي كانوا يكتبون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابة عثمان، وزيد، وأبي، وسواهم، من غير نقط، ولا ضبط. واعتمدوا هذا النقل ليبقى بعد جمع الناس على ما في المصحف، نوع من الرفق في القراءة باختلاف الضبط، وفي أثناء النقل اختلفت (¬15) المصاحف في أحرف يسيرة، أربعة أو خمسة، ثم زاد الأمر إلى أن اختلف (¬16) القراء في زيادة أربعين حرفا، منها واو، وألف، وياء. وأما ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: + صلى الله عليه وسلم. (¬2) ب: فوجدها. (¬3) ج، ز: الثابوت. (¬4) ب، ج، ز: الصحف. (¬5) ب، ج، ز: سبع. (¬6) د: الكوفة. (¬7) د: الشام. (¬8) د: روي. (¬9) ج، ز: ثلاث. (¬10) د: - عنده. (¬11) د: فسخ. (¬12) د: للرفق. (¬13) ج: آخره. (¬14) ج: نسخة. (¬15) ج: اختلف. (¬16) ب، ج، ز: اختلفت.

"كلمة" فلم تكن (¬1) إلا في حرفين أحدهما في "التوبة" والآخر (¬2) في "الحديد" [{فإن الله هو الغني الحميد} [الحديد: 24] بزيادة "هو"، قرأت الجماعة إلا نافعا (¬3) وابن عمر (¬4)] (¬5) وهذا أمر يسير، لا يؤثر في الدين، ولا يحط من حفظ القرآن. وقد رويت أحرف كثيرة زيدت من غير هذه الروايات المعروفة. فإن قيل: فهذه الروايات المعروفة، ما شأنها؟ هل عندك بيانها؟ قلنا: نعم، قد تكلم عليها العلماء وتعاطاها من أهلها، من ليس من أهلها، كما جرى في كل علم. فذكر أبو حاتم (¬6)، القراء وأقوالهم (¬7) وقراءاتهم، وأسقط حمزة (¬8) والكسائي (¬9) وابن عامر، وزاد عشرين رجلا، وجمع أبو عبيد (¬10) قراءات، وجمع إسماعيل القاضي (¬11)، وجمع ابن مجاهد (¬12) وعد يعقوب (¬13) من السبعة ثم أسقطه (¬14) بعد أن تكلم (¬15) فيه، وذكر الكسائي، والكسائي من حمزة كيعقوب من أبي عمرو (¬16)، وقد قرأ أبو عمرو على ابن كثير (¬17). وقد ذكر ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: يكن. (¬2) ج: الأخرى. (¬3) أبو عبد الرحمن أو أبو رويم الليثي نافع بن أبي نعيم قارئ أهل المدينة. توفي سنة 169م/ 785 م. (¬4) عبد الله بن عامر ويكنى أبو عمران دمشقي توفي بها سنة 118هـ/ 736م. (¬5) د: - ما بين القوسين. (¬6) سهل بن محمد مقرئ لغوي نحوي توفي سنة 250 هـ/ 864 م وقيل سنة 255 هـ/ 869م. (¬7) ب، ج، ز: - وأقوالهم. (¬8) أبو عمارة حمزة بن حبيب التيمي الزيات توفي سنة 106 هـ/ 772م وهو كوفي. (¬9) أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي توف سنة 189م / 804 م. (¬10) القاسم بن سلام. توفي سنة 224هـ/ 858م. (¬11) إسماعيل القاضي بن إسحاق الأزدي قاضي بغداد توفي سنة 282 هـ/ 895م. (¬12) أبو بكر أحمد بن موسى مقرئ العراق توفي 324 هـ/ 935م. (¬13) أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي مقرئ أهل البصرة توفي 206هـ/ 821م. (¬14) د: أسقط. (¬15) ج: كلم. د: أسقط إذا كلم. في هامش ب، ز: في نسخة: إذ. (¬16) أبو عمرو بن العلاء المازني مقرئ البصرة توفي سنة 154 هـ/ 770م. (¬17) أبو معبد عبد الله بن كثير مقرئ مكة توفي سنة 120 م/ 737 م.

الطبري في (¬1) كتاب القراءات، وذكر نحوا من عشرين قارئا. ذلك كله (¬2) لتعلموا (¬3) أن ضبط الأمر على سبع قراء ليس له أصل في الشريعة، وقد جمع قوم ثماني قراءات، وقد جمع آخرون عشر قراءات. والأصل في ذلك كله عندي: أن (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (¬5) قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" انقسم الحال بقوم، فظن جاهلون (¬6) أنها سبع قراءات، وهذا ما لا يصح في علم عالم، وتيمن آخرون بهذا اللفظ فقالوا (¬7): تعالى فلنجمع سبع قراءات، وكانت الأمصار جمة (¬8)، وقد جمع قراؤها وقراءاتها، حتى خطر هذا الخاطر لمن خطر، فجمع السبع وهو ابن مجاهد، وذكر يعقوب فأسقط بالسلطان، وذكر الكسائي، وألزمت المملكة ذلك للناس، فجرى القول فيه كذلك، وجرت القراءة على حرف أبي عمرو بالعراق إلى اليوم. ولما ظهرت الأموية على المغرب، وأرادت الإنفراد عن العباسية، وجدت (¬9) المغرب على مذهب الأوزاعي (¬10) فأقامت - في قولها - رسم السنة، وأخذت بمذهب أهل المدينة في فقههم وقراءتهم، وكانت أقرب من إليهم قراءة ورش (¬11)، فحملت روايته، وألزم الناس بالمغرب حرف نافع، ومذهب مالك، فجروا عليه، وصاروا لا يتعدونه، وحمل حرف قالون (¬12) إلى العراق، فهو فيه أشهر من ورش، وكذلك هو، فإن إسماعيل القاضي نوه بذكر قالون. فأما ورش فلم يحمل عنه من له ظهور في العلم. ودخلت بعد ذلك الكتب وتوطدت الدولة فأذن في سائر العلوم، وترامت الحال إلى أن كثرت الروايات، في هذه القراءات، وعظم الاختلاف، حتى انتهت في السبع إلى ألف وخمسمائة رواية، وفي شاذ السبع ¬

_ (¬1) د: - في. (¬2) د: - كله. (¬3) د: ليعلموا. (¬4) د: بداية سقوط مقدار ورقة ونصف منها (¬5) ج: - لما. (¬6) ج، ز: جاهل من. (¬7) ج: فقال. (¬8) ج، ز: خمسة. (¬9) ب: وحدت. (¬10) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي إمام الشام توفي سنة 157هـ/ 773م. (¬11) أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني صاحب نافع توفي 197هـ/ 812م. (¬12) أبو موسى عيسى بن مينا الزهري قارئ، أهل المدينة وصاحب نافع. توفي سنة 220 م/ 835م.

كيفية القراءة اليوم

إلى نحو الخمسمائة. وأكب الخلق على الحروف ليضبطوها فأهمولها، وليحصروها فأرسلوها إلى غير غاية. وأراد بعضهم أن يردها إلى الأصل فقرأ بكل لغة، وقال: هذه لغة بني فلان، وهذه لغة بني فلان. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: وبعد أن ضبط الله الحروف، والسور، لا تبالون (¬1) بهذه التكليفات فإنها زيادات في التشغيب، وخالية من (¬2) الأجر، بل ربما دخلت في الوزر. ولقد انتهى التكليف بقوم إلى أن رووا في بعض سور القرآن، التهليل والتكبير. وما ثبت ذلك قط عن عدل، ولا نقل في صحيح. وانتهت الحال ببعضهم إلى أن يرى (¬3) البسملة عند كل ابتداء، كان في أول السورة أو لم يكن، حين رأى بعضهم قد قال: لا نبسمل (¬4) إلا في سورة مخصوصة، يتصل أول سورة بآخر أخرى، على التضاد فيفصل بالبسملة، وغفل عن نوع كثير في القرآن من ذلك كان ينبغي أن يبسمل فيه، أو يستعيذ، لئلا يتصل الشيء بنقيضه في المعنى. فلئن قال: إن قوله في آخر (¬5) "الفجر": {وادخلي جنتي} [الفجر: 35] لا بد أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. وحينئذ {لا أقسم} [البلد: 1] لئلا يتصل قولك: (لا) بقولك: {ادخلي جنتي} يقال له: فكيف يتصل قوله: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا إنهم أصحاب النار الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر: 7] وهذا لازم، حتى انتهت الجهالة إلى البدعة بقوم، فكان المقرئ منهم (¬6) بمكة في عشر الخمسمائة يبسمل في سورة "براءة" ويتلوه ويرويه (¬7). وهذه بدعة خرقت إجماع الصحابة، والأمة، وهو كلة كذب موضوع، يلزم رواتها الأدب، وقائلها الاستتابة. كيفية القراءة (¬8) اليوم: قال بعضهم: نقرأ بما اجتمعت فيه ثلاثة (¬9) شروط: ما صح نقله، ¬

_ (¬1) كذا في: ب، ج، ز. (¬2) ج، ز: عن. (¬3) ب، ج، ز: يرون. وفي هامش ز: في نسخة: يرى. (¬4) ج، ز: يبسمل. (¬5) ج: + سورة. (¬6) ز: - منهم. (¬7) ج، ز: يرونه. (¬8) ج. القراءات. (¬9) ج، ز: ثلاث.

وصح في العربية لفظه، ووافق خط المصحف. وقال إسماعيل القاضي: ما وافق خط الصحف يقرأ به. وهذا كله إنما أوجبه، أن جمع السبع لم يكن بإجماع، وإنما كان باختيار من واحد، أو آحاد، والمختار أن يقرأ المسلمون على خط المصحف بكل (¬1) ما صح في النقل، ولا يخرجوا عنه، ولا يلتفتوا إلى قول من يقول: نقرأ السورة الواحدة أو القرآن بحرف قارئ واحد، بل يقرأ بأي حرف أراد، ولا يلزمه أن يجعل حرفا واحدا ديدنه (¬2)، ولا أصله. والكل قرآن صحيح، وضم حرف إلى حرف، وقارئ إلى قارئ، ليس له في الشريعة أصل. وما من القراء واحد، إلا وقد قرأ بما قرأ به الآخر، وإنما هذه اختياراتهم، وليس يلزمهم اختياراتهم أحدا، فإنهم ليسوا بمعصومين، ولا دل دليل على لزوم قول واحد (¬3) من الصحابة، فكيف بهؤلاء القراء! ولكن لما صارت هذه القراءة صناعة، رفرفوا عليها، وناضلوا عنها، وأفنوا أعمارهم من غير حاجة إليهم، فيها. فيموت أحدهم، وقد أقام القرآن، كما (¬4) يقام القدح لفظا، وكسر معانيه كسر الإناء، فلم يلتئم عليه منها معنى، ولا فرق بين أن يقرأ كتاب أبي عبيد، أو الطبري، وهما (¬5) خير من كتاب ابن مجاهد، وأصح. فعلى أحدهما عولوا إن أردتم النظر في شيء من ضبط الحروف، فإن قيل: فما صح سنده من القراءات (¬6) وخالف خط المصحف، ماذا (¬7) ترون؟ قلنا: لا يقرأ به بحال، فإن الإجماع قد انعقد على تركه، ألا ترى إلى ابن مسعود، كره (¬8) نسخ زيد بن ثابت للمصاحف، وقال: يا معشر المسلمين أأعزل (¬9) عن نسخ كتابة المصحف، ويتولاها رجل، والله، لقد أسلمت، وإنه لفي صلب رجل كافر؟ يريد زيد بن ثابت وقال ابن مسعود: يا أهل العراق إن الله يقول: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161] وأنا غال مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل، فكره ذلك من مقالة ¬

_ (¬1) ج: بل كل. (¬2) ب: ديدانه. (¬3) ز: في الهامش: في نسخة: أحد. (¬4) ج، ز: بما. (¬5) كذا في ب، ج، ز: وصححت على هامش ج: هما. (¬6) ب: القرآن. (¬7) ج: فما. (¬8) ج: ذكره. (¬9) ج: أعزل.

سبب الاختلاف

ابن مسعود، رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية: أتأمروني (¬1) أن أقرأ على قراءة زيد، ولقد حفظت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا سورة، وإنه لفي صلب كافر. قلنا: هذا كله صحيح، وقد بينا أنه كان يقرأ هو وأبي، وزيد، وعمر، وهشام، وكل أحد، والنبي يقرئ الكل، ثم حدث من الأمر كما قدمنا، واستقرت الحال كما بينا، فكان الواجب على ابن مسعود، وسواه، أن يرجع إلى المتفق عليه، ولا حجة لابن مسعود على عثمان في اختياره لزيد، فإن أبا بكر وعمر، قد اختاراه، وعبد الله بن مسعود حي (¬2)، حاضر، وسواه. واعلموا بهذا وغيره أن عثمان مظلوم في كل ما يؤخذ عليه فيه فإنه (¬3) اقتدى بمن سبقه من الخلفاء، وبم (¬4) يخص بالملامة دونهم؟ وهذا من فساد الناس، وقلة إنصافهم. سبب الاختلاف: وقد قال بعض الناس: إن سبب اختلاف القراء بعد خط المصحف، أن الناس كانت لهم قبل إرسال عثمان المصاحف، قراءات، فلما ردوا إلى خط المصحف، التزموا ذلك فيما كات محفوظا، وقرأ كل واحد بما كان عنده ملفوظا، مما لم يعارض الخط، وهذا ممكن ظاهر. والذي قلناه هو الأصل الذي يعول عليه. والله الموفق للصواب برحمته. والذي اختاره لنفسي إذا قرأت، أكثر الحروف المنسوبة إلى قالون، إلا الهمز فإني أتركه أصلا، إلا فيما يحيل المعنى، أو يلبسه مع غيره، أو يسقط المعنى بإسقاطه. ولا أكسر باء "بيوت"، ولا عين "عيون" فإن الخروج من كسر إلى ياء مضمومة لم أقدر عليه، ولا أكسر ميم "مت"، وما كنت لأمد مد حمزة، ولا أقف على الساكن وقفته (¬5). ولا أقرأ بالإدغام الكبير لأبي عمرو، ولو رواه في تسعين ألفا (¬6) قراءة، فكيف في رواية "بحرف من سبعة أحرف". ولا أمد ميم ابن كثير. ولا أضم هاء "عليهم" و"إليهم" وذلك أخف. وهذه كلها أو أكثرها عندي ¬

_ (¬1) في: ب، ج، ز: ولعل صوابه: أتامرونني. (¬2) ج: حين. (¬3) ب: إن. (¬4) ب: ثم. ز: بم. (¬5) ج: وقفة. (¬6) ج: ألف.

قاصمة

لغات، لا قراءات، لأنها لم يثبت منها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) شيء، وإذا تأملتها رأيتها اختيارات مبنية على معان ولغات (¬2). وأقوى القراءات سندا قراءة عاصم (¬3) عن ابن عبد الرحمن (¬4) عن علي، وعبد الله بن عامر. فما اجتمع رواة (¬5) هؤلاء عليه فهو ثابت، وقراءة (¬6) أبي جعفر ثابتة صحيحة، لا كلام فيها. وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهورا، ورأيت أمرها على اللغات، وخط المصحف مبينا (¬7) .. والله أعلم. قاصمة: ولما نزلت هذه العواصم منازلها (¬8)، وأصابت من القواصم شواكلها، وخلصت العقائد من شبهاتها في قواعدها، وحملت سائر حملها على معاقدها التي ربطناها لها، واستعين عليها بما قرره العلماء في كتبهم، وبما أومأنا نحن إليه [و 128 ب]، في تعليقنا (¬9)، عطفنا عنان القول، على (¬10) مصائب نزلت بالعلماء في طريق الفتوى. وقد كانت على مرتبتها في الصدر الأول، ثم نزلت (¬11) حتى كثرت (¬12) البدع، وذهب العلماء، وتسترت المبتدعة بالشريعة، ¬

_ (¬1) ز: - صلى الله عليه وسلم. (¬2) ب: في الهامش: قال العلامة المجيد سيدي محمد محمد بن غازي (بياض) على البخاري، ما نصه: لعل تقف على كلام القاضي أبي بكر بن العربي في كتاب العواصم والقواصم حيث طعن ل بعض المقارئ، السبعة فأعطه الأذن الصماء فإن يد الله مع الجماعة. وقد حدثنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير، عن شيخه الأستاذ أبي العباس بن أبي موسى الفيلالي أنه كان يحذر من ذلك كثيرا انتهى فاعرفه لكاتبه أحمد بن عبد الله السوسي غفر الله له بفضله ورحمته آمين. (¬3) عاصم بن أبي النجود الأسدي مقرئ الكوفة. توفي سنة 128هـ/745م. (¬4) عبد الرحمن السلمي. توفي سنة 110 م/729. (كتاب الطبقات لخليفة بن خياط، بغداد 1387 هـ / 1967 م، ص 310). (¬5) ج: رواية. (¬6) ج، ز: قراءات. (¬7) ج: + عليه. (¬8) ج: نوازلها. (¬9) ب، ج، ز: تعالقنا. د: تعاليقها. وبهذ االلفظ ينتهي ما سقط من (د). (¬10) ج، ز: في. (¬11) د: تنزلت. (¬12) ج: كثير.

قاصمة في حكاية سبب هذا الخبال

فتعاطت منصب الفقهاء، وتعلقت أطماع الجهال بها، فنالوها بفساد الزمان، وبنفوذ وعد الصادق في قوله: اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. ونحن نعقد في ذلك عواصم، تكون (¬1) رشدا من الضلال، وسلما من الخبال، وتقيا (¬2) من (¬3) الخيال، بعون الله (¬4)، وذلك بين (¬5) في تعداد القواصم (¬6)، واتباعها في عواصمها. قاصمة في حكاية سبب هذا الخبال: فإن من عرف السبب أمكنه دفع (¬7) المسبب، بقطع سببه، وأما قطع المسبب مع بقاء (¬8) سببه (¬9) فعسير (¬10). وكان سبب ذلك أن الفتن لما (¬11) ضربت رواقها، وتقالت العباسية والأموية، وبعدت أقطار الإسلام، وتعذر ضبطها بالنظام، وانتشرت الرعية، نفذ (¬12) إلى هذه البلاد بعض الأموية، فألفى هاهنا عصبية فثاروا به، وأظهر الحق، وقال: أحمي السنة، فلا فقه إلا فقه أهل المدينة، ولا قراءة إلا قراءتهم. فألزموا (¬13) الناس العمل بمذهب مالك، والقراءة على رواية (¬14) نافع، ولم يمكنهم من النظر والتخيير في (¬15) مقتضى الأدلة، متى خرج ذلك عن رأي أهل المدينة، وذلك لما رأوه من تعظيم مالك لسلفهم، ولما أرادوه من صرف قلوب (¬16) الناس (¬17) إليهم، في تعلقهم بسيرة حرم رسول الله (¬18)، و (¬19) دار نبوته، ومقر سنته، ¬

_ (¬1) ب: يكون. (¬2) ب، د: يقينا. (¬3) د: عن. (¬4) ب: - بعون الله. (¬5) ب: يبين. (¬6) ج: العواصم. (¬7) د: رفع. (¬8) ب: إبقاء. (¬9) ب، ز:+ كما كان قبل قطعه. ج: يعود كما كان قبل قطعه وفي هامش ز: عله: يعود. ويبدو أن ناسخ ج أخذها فجعلها في المتن. د: - يعود كما كان قبل قطعه. (¬10) ب، ج، ز: - فعسير. (¬11) ب: - لما. (¬12) ب: ونفذ. (¬13) د: فالتزم. (¬14) ب: القراءة. ج، ز: القراءات. (¬15) ز: على الهامش: في نسخة: على. (¬16) ب: القلوب. (¬17) ب: - الناس. (¬18) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬19) ج: - و.

فصار التقليد دينهم، والاقتداء يقينهم (¬1)، فكلما جاء أحد من المشرق بعلم، دفعوا في صدره، وحقروا من أمره، إلا أن يستتر عندهم بالمالكية، ويجعل ما عنده من علوم (¬2) [و 129 أ] على رسم التبعية، منهم بقي بن مخلد (¬3)، رحل فلقي علماء الأمة، وسادة (¬4) العلم، ورفعاء (¬5) الملة، كأحمد بن حنبل وأكرم، فارتبط، وظفر فاغتبط (¬6)، وجاء (¬7) بعلم عظيم، ودين قويم، ولم يكن له أن يرتبط بمذهب أحد، وقد كان رقي من (¬8) العلم يفاعه، مع تفنن في العلوم، [ ... ]. وجاء ابن وضاح (¬9) بمثله. فأما بقي بن مخلد (¬10) فكان مهجورا حتى مات. وأما ابن وضاح فلقي سحنون (¬11)، وتشرف بأصحاب مالك، وتتلمذ ليحيى بن يحيى (¬12)، وأعان الطالب لبقي، شهادة (¬13) فكأنه رقي المنازل، وطار في الدولة بجناح، وبقيت الحال هكذا، فماتت العلوم إلا عند آحاد حبي بشيء (¬14) من (¬15) الحديث، واستمر القرون على موت العلم وظهور (¬16) الجهل، فكل من تخصص لم يقدر على أكثر من أن يتعلق ببدعة الظاهر، فيقول: اتبع الرسول. فكان هذا عونا على الباطل، وذلك بقدر الله وقضائه. ثم حدثت حوادث لم يلقوها (¬17) في منصوص المالكية فنظروا فيها بغير ¬

_ (¬1) ج، ز: بغيتهم. (¬2) ز: على الهامش: في نسخة: العلوم. (¬3) بقي بن خلد أبو عبد الرحمن توفي سنة 276 هـ/ 889م. (¬4) د: سادات. (¬5) ج، ز: رفقاء. (¬6) د: واغتبط. (¬7) ب: حل. ج، ز: حد. (¬8) ب، ج، ز: في. وفي هامش ز: في نسخة: من. (¬9) محمد بن وضاح الحافظ الأندلسي يكنى بأبي عبد الله محدث زاهد. توفي سنة 286 هـ/ 899م. (¬10) د: -ابن مخلد. (¬11) أبو سعيد عبد السلام بن سيد بن حبيب المغربي المالكي. توفي سنة 240هـ/ 854م. (¬12) يحيى بن يحيى المصمودي المغربي توفي سنة 234 هـ/ 848م. (¬13) د: - وأعان المطالب لبقي شهادة. ومعنى ذلك أنه شهد عليه وساعد خصومه على اتهامه. (¬14) ب، ج، ز: "في خير سير" بدل: "حيي بشيء". (¬15) ج: -من- ب: + جرى- (¬16) د: ظهر. (¬17) ج، ز: يلفوها.

علم فتاهوا (¬1)، وجعل الخلف منهم يتبع في ذلك السلف، حتى آلت الحال ألا ينظر إلى قول مالك، وكبراء أصحابه، ويقال: قد قال في هذه المسألة أهل قرطبة وأهل طلمنكة (¬2)، وأهل طلبيرة، وأهل طليطلة، فانتقلوا من المدينة وفقائها (¬3)، إلى طلبيرة وطريقها وحدثت (¬4) قاصمة أخرى تعلم العلم، فصار الصبي عندهم إذا عقل، فإن سلكوا به أمثل طريقة لهم، علموه كتاب الله (¬5)، فإذا حذقه، نقلوه إلى الأدب، فإذا نهض فيه (¬6)، حفظوه "الموطأ"، فإذا لقنه، نقلوه إلى "المدونة"، ثم ينقلونه (¬7) إلى "وثائق ابن العطار" (¬8) ثم يختمون (¬9) له بأحكام بن سهل (¬10)، فقال: قال فلان الطليطلي، وفلان المجريطي، وابن مغيث (¬11)، لا أغاث الله نداءه (¬12)، ولا أناله رجاءه (¬13)، فيرجع القهقري أبدا، إلى وراء (¬14)، على (¬15) أمه الهاوية. ولولا أن طائفة نفرت إلى دار العلم، وجاءت بلباب (¬16) منه، كالأصيلي (¬17)، والباجي (¬18)، فرشت من ماء العلم (¬19) على هذه القلوب الميتة، وعطرت [و 129 ب] أنفاس الأمة الزفرة (¬20)، لكان الدين قد ذهب. هذا مع ¬

_ (¬1) ج، ز: - فتاهوا. (¬2) د: شلمانكة. (¬3) د: فقهها. (¬4) ب، ز: حديث. وفي هامش ز بخط آخر: حدثت. (¬5) ج، ز:+ تعالى. (¬6) ب، ج، ز: منه. (¬7) ب، ج، ز: ينقلوه، (¬8) ابن العطار هو محمد بن أحمد بن عبد الله. توفي سنة 399 هـ/ 1008 م. (¬9) د: يحتموا. (¬10) ابن سهل هو عيسى أبو الأصبع بن سهل بن عبد الله الأسدي. توفي بغرناطة سنة 486 هـ/ 1093م ويسمى كتابه: الأعلام بنوازل الأحكام. (¬11) أحمد مغيث أبو جعفر فقيه طليطلة توفي سنة 459 هـ/ 1066 م. (¬12) ب، ج: نداه. ز: يداه. (¬13) ب، ج، ز: رجاه. (¬14) ب، ج، ز: ورأى. (¬15) ب: إلى. (¬16) ج، ز: بلبان. (¬17) أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي توفي سنة 392 هـ/ 1001م. (¬18) سليمان بن خلف أبو الوليد الباجي توفي سنة 474 هـ/ 1081 م. (¬19) د: العلوم. (¬20) ج: في الهامش بخط آخر: يصح: الذفرة.

أنه قد رحل (¬1) قوم من الضلال (¬2)، كمسلمة بن قاسم (¬3)، ومحمد بن مسرة (¬4)، فجاءوا بكل مضرة، ومعرة، ورحل البلوطي (¬5)، ولقي (¬6) الجبائي، فجاء (¬7) ببدعة القدرية في الاعتقاد، ونحلة الداودية في الأعمال. ولكن تدارك الباري بقدرته ضرر هؤلاء بنفع أولئك، وتماسكت الحال قليلا. فإذا حلت بمسلم نازلة في اعتقاده (¬8) ألفى (¬9) قاصمة الدهر من عقائد البلوطي، ومسلمة، وابن مسرة، فأشركوا بالله (¬10) ما لم ينزل به سلطانا، وأروه (¬11) أنهم (¬12) لا يألونه تحقيقا وبرهانا، أو يصادف في دينه العملي داوديا، فإذا بدينه قد تدود، ونظام شرعه قد تبدد، فإن لقي مالكيا، وهي أشبه الحال، فيعرض (¬13) عليه عقيدته، فيحمله على الحق من غير قصد، فيحصل السائل على الأجر، ويبوء (¬14) هو بالوزر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة، قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق (¬15)، وهو يعلم (¬16) فذلك (¬17) في النار، وقاض لا يعلم، فأهلك حقوق الناس، فهو في النار، وقاض قضى بالحق هو في الجنة". وإن سأله عن مسألة من عمله في الدنيا (¬18) لم يقف عند سؤاله، ولكنه إن كانت في حكومة لقنه، وتلقين الخصم، فيه ما فيه. وإن كانت (¬19) فيما يختص به مثل يمين (¬20)، سأله عن كيفية يمينه (¬21)، ¬

_ (¬1) د: ذهب. (¬2) د: شطب على"قوم من الضلال". (¬3) مسلمة بن القاسم بن إبراهيم مؤرخ ومحدث أندلسي قرطبي توفي سنة 353 م/ 964م. (¬4) محمد بن عبد الله مسرة توفي سنة 319هـ/ 931م. (¬5) أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي قاضي الجماعة بقرطبة توفي سنة 355هـ/ 965م. (¬6) ب، ج، ز: فلقى. (¬7) ب، ج، ز: وجاء. (¬8) د: اعتقاد. (¬9) ب: لقي. (¬10) ج، د، ز: في الله. (¬11) ب، ج، ز: راوه. وفي هامش ب، ز: في نسخة: أروه. (¬12) د: أنه. (¬13) ب: فتعرض. (¬14) ب، د: ينوء. (¬15) ب، ج، ز: حق. (¬16) د: فعلم. وهو. (¬17) ب: فذاك. (¬18) د: من علمه الديني. (¬19) ج، د، ز: كان. (¬20) د: - مثل يمين. (¬21) ج: تكرر: سأله عن كيفية يمينه.

قاصمة

وسببها (¬1) وهيئتها (¬2)، وبساطها، ونيته فيها، وجعل يفتله (¬3) في الذروة والغارب، لعله أن يصرفه بالخيبة، عما رجاه في تلك القضية (¬4)، وهذه جهالة عظمى. قاصمة: فإن ظهر عندهم من له معرفة، أو جاءهم بفائدة في الدين، وطريقة من سلف الصالحين، وسرد لهم البراهين، غمزوا (¬5) جانبه (¬6)، وقبحوا (¬7) عجائبه، وعيبوا (¬8) حقه استكبارا، وعتوا، وجحدوا علمه، وقد استيقنته أنفسهم (¬9) ظلما وعلوا، وسعوا في إخمال ذكره، وتحقير قدره، وافتعلوا عليه، وردوا كل عظيمة إليه [و 130 أ]. عاصمة: هذا الذي قدمنا ذكره من فساد الزمان، وتغير الأحوال، قد أنذر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، قبل وقوعه كما قدمنا وأخبر بأن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، وأن المنكر يصير معروفا، والمعروف (¬10) منكرا. ومع هذا فإنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين على الحق، لا يضرهم من خالفهم" وتدعي كل طائفة (¬11) ذلك، زين لها عملها، وجاءها (¬12) كتابها وأجلها، وعلى المرء أن يجتهد في إبراز الدليل، وإظهار الحق، والهدى هدى الله، يهبه لمن يشاء، وإذا بان الدليل، يبقى خلق القبول، فلا (¬13) أبين من أدلة الله تعالى، ¬

_ (¬1) د: - سببها. (¬2) ب، ج، ز: - هيئتها. (¬3) ب، ز: يقلبه. (¬4) د: القصة. (¬5) ب: عدموا. ج: عرفوا. ز: عرموا. (¬6) ب، ز: جوانبه. ج: جوائبه. (¬7) ب: نبحوا. د: تنحوا. ز: نتجوا. (¬8) د: غيبوا. (¬9) د: نفوسهم. (¬10) ب: +يصير. (¬11) ز: ي الهامش: أعرف هذه المقالة فإني ألفت في معناها رسالة سميتها: الكنز المصون في بعض ما يشير إلى قوله تعالى: {ولقد زينا لكل أمة عملهم} {كل حزب بما لديهم فرحون}. (¬12) ج: جاء. (¬13) ب: ولا.

على يدي رسل الله، بآياته الباهرة (¬1)، ثم يبقى القبول على قوم كخير لم يرزقوه، والذي يجب على الولي في الصبي المسلم (¬2)، كان أبا أو وصيا، أو حاضنا، أو الإمام، إذا عقل أن يلقنه الإيمان، ويعلمه الكتابة، والحساب، ويحفظه أشعار العرب العاربة، ويعرفه العوامل في الإعراب، وشيئا من التصريف ثم يحفظه إذا استقل واشتد (¬3) في العشر الثاني، كتاب الله. وهو أمر وسط بيننا (¬4) وبين أهل الشرق، ثم يحفظه (¬5) أصول (¬6) سنن الرسول (¬7)، وهي نحو من ألفي حديث في الأبواب، تضمنها (¬8) البخاري ومسلم، هي عماد الدين، ويأخذ هو بعد ذلك نفسه بعلوم القرآن، ومعاني كلماته، ولا يشتغل برواية الحديث من كل كتاب فالباطل فيه كثير، وما الصحيح من حديث النبي (¬9) إلا كنقطة من بحر وليحذر كتب الصالحين (¬10)، ومن ينتمي إلى الوعظ، فإنهم لم يألوا في الكذب على رسول الله (¬11) بقصد، وبغير قصد، ولا كتاب يعول (¬12) على حديث منها إلا كتاب ابن المبارك (¬13)، وأحمد بن حنبل، وهناد بن السري (¬14). ولا يفرط في علوم الفرائض فإنها أصل الدين، وهو أول ما يذهب من المسلمين، فبالسنة يفرضها، وبالحساب يقسمها، ولا يخلي (¬15) نفسه عن (¬16) الأنساب، ولا عن شيء من أصول (¬17) الطب، وليتخذ عبارة ¬

_ (¬1) ب، ج، ز: الظاهرة. (¬2) ج، ز: + إذا. وفي هامش ب: في نسخة: إذا كان. (¬3) ب، ج، ز: استبد. (¬4) ب، ج، ز: متساو. (¬5) ب، ج، ز: يحفظ. (¬6) ج: - أصول. (¬7) د:+ صلى الله عليه وسلم. (¬8) ب، ج، ز: نظمها. (¬9) ب، ج، ز: رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬10) ز: في الهامش: هذا الكلام فيه نظر. (¬11) ب، ج، ز:+ صلى الله عليه وسلم. (¬12) ز: في الهامش: عله: فيه. (¬13) عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن، فقيه، حافظ، زاهد، توفي سنة 181 هـ/ 797 م. (¬14) أبو السري هناد بن السري صاحب كتاب "الزهد" حافظ كوفي توفي سنة 243 هـ/ 856 م. (¬15) كذا في جميع النسخ: ولعله: لا يخل. (¬16) هنا يبدأ سقوط ما سقط من (د) بمقدار ثلاث ورقات ويستمر إلى آخر الكتاب. (¬17) ب: - أصول. في هامشها: في نسخة أصول الطب.

الرؤيا أصلا، ولا يقل متى أحصل هذا؟ فإنه ليس المطلوب منها الغاية، فإنها لا تنالها إلا الأفراد، وإنما ينبغي لكل عاقل أن يتخصص بجزء جزء منها، ولا يفرد نفسه ببعض العلوم، فيكون إنسانا في الذي يعم، بهيمة فيما لا يعلم، ولا سيما من أقام عمره حسابا، أو نحويا، فقد هلك، فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء، فحشد (¬1) الآلة عمره، ثم مات، قبل عمل صنعته، ولا يصغ إلى من يقول له: تكن مقصرا في كل علم إذا فعلت هذا، والأولى بك أن تقف نفسك على علم واحد، فإنه قول جاهل بالعلم. إذ أخذ المرء نفسه بهذا القانون الذي رسمناه، سيعتمد (¬2) على ما يراه أوكد، ويجعل الباقي تبعا، وأنبئكم أني ما رأيت بعيني محيطا بهذه العلوم التي ذكرت لكم، ولا مشاركا فيها إلا واحدا (¬3)، فبان أن الإحاطة غير ممكنة، والمشاركة ممكنة، والإحاطة بعلم واحد غير ممكن. هذا النحو، ما علمت من أحاط به إلا سبويه، (¬4)، والفارسي (¬5) البدعي، وقد أفسدت عليه بدعته كثيرا من نحوه. وإذا فهمت هذا، فلا تنكر أن لا تجد عالما - إن وجدته - إلا واحدا، فإن الإسلام بدأ غريبا، وسيعو غريبا كما بدأ، حتى إنه لما بدأ من واحد، لا بد أن يعود إلى واحد، لا سيما في البلاد القاصية، والثغور النائية، وحيث يكون الثوار لبعدهم عن مقر الخلافة، ومعدن الإمامة، ولو شاهدتم الشام، والعراق في عشر تسعين وأربعمائة، لرأيتم دينا ظاهرا، وعلما وافرا، وأمنا متسقا، وشملا منتظما، لا تمكن (¬6) عبارة عنه لبهرة حاله، وزهرة كماله، فهبت عليه من المقادير جرجف من شمائل، وجنائب فتركت الشام كأمس الذاهب، ومحت ¬

_ (¬1) ج، ز: فشحذ. (¬2) ج: يستعمد. (¬3) ب، ز: واحد. (¬4) أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر البصري إمام العربية وصاحب "الكتاب" توفي سنة 180 هـ/ 796 م (محمد بن الحسن الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، القاهرة 1373 هـ/ 1954 م ص 74. الذهبي، العبر، ج 1 ص 278). (¬5) أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد النحوي وكان فيما يقول الذهبي متهما بالاعتزال توفي سنة 377 هـ/ 987 م (الذهبي، العبر، ج 3 ص 4). ز: في الهامش: قف على أن أبو علي الفارسي بدعي. (¬6) ج، ز: يمكن.

كلمة الإسلام عن المسجد الأقصى، وقتل فيها في غداة الجمعة لاثني عشر (¬1) بقيت لشعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة، ثلاثة آلاف (¬2) ما بين عابد، وعالم، ذكر وأنثى، ومعتكف من مشهور الحالة، ومذكور بالديانة، وفيها قتلت العالمة الشيرازية (¬3) بقية السلسلة، في جملة النساء، وبموت الملك العادل (¬4) في سنة ست وثمانين، وبموت المقتدي بالله (¬5)، ظهرت الفتنة بأرض خراسان قامت الباطنية، واختلفت أولاده، وتمكنت الروم فغزت الشام، واستولت على ثالث مشاهد الإسلام، وخرجت، وقد أخذت من "أبي جاد" إلى "حطي" وبلغني أنها قد استوفت (¬6) منه الظلمة الساكتة. وقد ذكرت في "ترتيب الرحلة" من سيرة القضاة، والفقهاء، وانتسابهم للأقضية والأحكام ما فيه كفاية. لقد كنت يوما جالسا بمدرسة الشافعي "بباب الأسباب" في "المسجد الأقصى"، وقد انعقد على الطوائف، من الشافعية والحنفية، وهم في مجلس النظر، فإذا سائل قد وقف علينا، وخاطب صاحب المدرسة القاضي الرشيد يحيى بن مفرج المقدسي (¬7)، وكان أسن أصحاب نصر، فقال له: حلفت بالطلاق ثلاثا من امرأتي ألا آكل جوزا، ثم أكلتها ناسيا، فنظر إليهم وقال: ما تقولون؟ فقالت الحنفية عن بكرة أبيها: يحنث، واختلف قول ¬

_ (¬1) قال الذهبي: إن ذلك في سبع بقين من شعبان (العبر، ج3 ص 332) وفي النجوم الزاهرة إن ذلك كان في 13 من شعبان (يوسف بن تغريب بردى، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج5 ص 164). (¬2) ويقول أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم إنه قيل أزيد من سبعين ألف (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج9 ص108). (¬3) الشيرازية ... لم نعثر لها على ترجمة. (¬4) هو السلطان ملكشاه أبو الفتح جلال الدولة ابن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي توفي سنة 485 م / 1092م فيما ذكره الذهبي أو 486 هـ / 1093م كما في هذا النص وكان يلقب بالسلطان العادل. (¬5) الخليفة العباسي أبو القاسم عبد الله بن محمد توفي 487 م/ 1094 م. (¬6) ب: استولت. وفي هامشها: في نسخة: استوفت. (¬7) يحيى بن المفرج أبو الحسن اللخمي المقدسي من أهل القرن الخامس لم يذكر السبكي تاريخ وفاته وهو شافعي (السبكي، طبقات الشافعية، ج4 ص 324).

الشافعية فيها فتبسم القاضي الرشيد، وقال له: اذهب لا شيء عليك. وكنت أشاهد الإمام أبا بكر فخر الإسلام الشاشي (¬1) في مجلسه بباب العامة من دار الخلافة يأتيه السائل فيقول له: حلفت ألا ألبس هذا الثوب، فيأخذ من هدبته مقدار الأصبع ثم يقول له: البسه لا حنث عليك، وشاهدته إذا (¬2) جاءه رجل وقال (¬3): حلفت ألا أفعل كذا، واضطررت إليه فيقول له: قل/ إذا وقع على امرأتي طلاقي فهي طالق قبله ثلاثا. ثم يكتب له أنه قال كذا، فليفعل ما شاء، وليطلق متى شاء فإنه لا يقع عليها طلاقه. فانظر إلى لينهم للخلق، وتسهيلهم عليهم، وفي ذلك قدوة بعمر بن الخطاب. قال مالك في الموطأ: إن رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب إلى (¬4) عمر أن يوافيه بالوسم، فبينما هو يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه، وقال له: أنت الذي أمرتني أن أقدم عليك؟ فقال له (¬5) عمر: برب هذا البيت ما أردت بقولك: حبلك على غاربك؟ قال: أردت الفراق. فقال عمر: هو ما أردت فانظر كيف رفق به على غلظته، وحلفه حين أتهمه، ولم يبق لمن وضع قيد راحلته على غاربها فيه بقية من ربط، ولا جزء من قيد، ولكن قلده دركة، وكفى به قدوة. وأما في المسألة (¬6) القاضي في رفع الحنث عن الناسي فإنه دين، وما أخذ الله الناسي بحكم في الدنيا، ولا بذنب في الآخرة، وكل من حنث ناسيا، فالحق أنه لا شيء عليه بحال. وأما المسألة الثانية في الحنث ببعض الفعل، وعدم البر ببعضه، فمالك فيها على الحق حسبما بيناه في موضعة. وأما المسألة السريجية فهي تلاعب بالدين لا ينبغي أن يلتفت إليها، والحيل في تغيير الأحكام غير نافعة في دين الإسلام. ولكن ينبغي للفقيه المجتهد، لا للحافظ للمسائل المقلد، إذا جاء من وقع في أنشوطة من يمين أن يخلصه بمسألة ظاهرة، بين الصحابة والتابعين ¬

_ (¬1) محمد بن أحمد بن الحسن بن عمر الشاشي توفي سنة 507 هـ/ 1115 م (طبقات الشافعية الكبرى، ج 4 ص 57). (¬2) ج: - إذ. (¬3) ب: جاء إليه رجل قال. (¬4) كذا في: ب، ج، ز: (¬5) ب: - له. (¬6) كذا في: ب، ج، ز: ولعله: مسألة.

إذا رأى أنه إن لم يخلصه بها، وقع في أشد منها، وهو أن يستهين بالمسألة، ويفتح فيها ما لا يجوز، فالأفضل للمفتي أن يفتح له بابا ويمشي به على طريق (¬1) فإنه إن سد عليه باب الشرع، فتح هو إلى الحنث بابا يقتحمه، وأخذ في طريق من المعصية يسلكه، ورأى أنه قد وقع في ورطة لا يبالي (¬2) ما صنع بعد ذلك. وهذه سيرة العلماء المتقدمين وطريقة الأحبار الراسخين. قد كان مالك رضوان الله عليه يفتي بأن من قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أنها تطلق عليه (¬3)، إذا تزوجها فلما سأله المخزومي عنها، له أو لغيره؟ قال له: لا شيء عليه. وكذلك كان ابن القاسم يفتي فيمن حلف بالمشي إلى مكة فحنث، أنه يلزمه المشي إليها. فلما وقعت المسألة لولده (¬4) أفتاه بمذهب عائشة رضي الله عنها، أنه يجزيه كفارة يمين، مخافة (¬5) أن يكلفه المشيء، فلا يفعله، فيستهين بمسألة في الدين، فيكون ذلك طريقا إلى غيرها، فيستهين أيضا بها، فأراد أن يخرجه عنها. ويحتمل أن يكون رأي ذلك ابن القاسم، فقال له ما رأى، والله أعلم. وكذلك مسألة "الحلال عليه حرام" على اختلاف ألفاظها، وهي عشرة، وتعدد أحكامها وهي خمسة عشر قولا، وقد بيناها في "أحكام القرآن" وغيره، و (¬6) في المدونة في بعض الأقوال أنه لا شيء فيها. ومالك لم ير بهذا القول حرمة إلا إذا قصد به الزوجة. فأما لو قال: الحلال عليه حرام، فجعلها علماؤنا كناية (¬7) عن الزوجة، ينوي فيها في موضع، ولا ينوي في آخر. وقال في الحلال عليه حرام، له أن يحاشيها بقلبه، ويقول لم أنوها. وليس معه ما يحرم سواها، فإذا حاشاها بقي اللفظ لغوا (¬8) فلم يعده مالك بذيا (¬9) ورأى القول ساقطا. فإذا ضعفت المسألة عند العالم، كان ما تركب عليها أضعف مثل أن يحلف بالحلال عليه حرام، ألا يأكل كذا، فأكله ناسيا، فدخلت ¬

_ (¬1) ب: طرائق. (¬2) ج:+ بعد. (¬3) ج: تكرر: تطلق عليه. (¬4) ب: لوالده. (¬5) ج: محافة. (¬6) ج: - و. (¬7) ج، ز: علما وما كنى به. (¬8) ب: لغو. (¬9) ب: إرماء. ز: ندبا.

مسألة النسيان على مسألة الحرام فضعفتا (¬1)، وليس في القوة كمن يحلف بالطلاق ناسيا، فيحنث، كما يقال في الحرام أنه ينوي ما قصد مما لم يقصد، كذلك يقال له (¬2): إن يكن (¬3) في النسيان لم يقصده، فلا يدخل في اليمين. وهذا جزء (¬4) من الفتوى عظيم في تركيب المتفق عليه على المختلف فيه، وهو أمر خفي على علمائنا فافهموه. وكذلك مسألة الأيمان اللازمة، أعظم (¬5) القول فيها المتأخرون وانتهى الحال ببعضهم، إلى أن يلزموه الطلاق الثلاث، ويعطوه من كل أصل من الأيمان أقله، إلا الطلاق، فإنهم يلزمونه أكثره. ومالك قد أعطاه الأقل في قوله (¬6): على أشد ما أخذه أحد على أحد. قال: يطلق نساءه (¬7)، ومذهب مالك الصريح إنه إذا ألزم الرجل نفسه جميع الطلاق كان لغوا، فأحرى إذا ألزم نفسه جميع الأيمان أن يكون لغوا. وهذا دستور في الفتوى ينبغي أن ينظر به سواه. فأما إن وقعت نازلة عظمى بالمسلمين، فلا ينبغي أن يقتصر فيها على عالم واحد، كما كانت الصحابة تفعله، وليسأل عنها كل من يظن أن عنده علما، فإنها إن وضعت (¬8) في يدي غير أهلها، كان ذلك عائدا بفساد الحال. وربما تعدى إلى أكثر منه، وكفى بك داء أن تعرض علتك على غير طبيب، لا سيما إن كان هنالك جسارة، وعلى إيثار الدنيا على الدين هوادة (¬9)، فتلك علة لا برء منها، وعثرة لا لما (¬10) لها، كحادثة بقي بن مخلد، فإنه جاء بعلم عظيم، واستأثر بمذهب لإمامته، ولم ير أن يقلد أحدا، فرمته القرطبية عن قوس واحد (¬11)، فاستقل (¬12) ابن أبي هاشم الوزير (¬13)، بل قد أعانه (¬14) العزيز القدير (¬15) ¬

_ (¬1) ب: فضعفت. (¬2) ب: - له، في الهامش: في نسخة: له إن في النسيان. (¬3) ب: - إن يكن. (¬4) ب: جزء. (¬5) ز: في الهامش: في نسخة: عظم. (¬6) ب، ز:+ له. (¬7) ب، ز: نساؤه. (¬8) ب: وصعت. (¬9) ب: هواداة. (¬10) لعا. (¬11) كذا في ب، ج، ز: والقوس مؤنثة. (¬12) ج: فاشتغل. (¬13) لم نهتد إلى تاريخ وفاته. (¬14) ب: أغاثه. (¬15) ب: - القدير.

وحماه، ومات على ظهور وجاه (¬1). ولقد سمعت يونس بن محمد (¬2)، وكان من جلة القرطبية يقول: إن بقي بن مخلد، حضر في جنازة، احتفل فيها أهل الدولة والوزير ابن أبي هاشم حاضر، وأقاموا ينتظرون الجنازة، فجذبوا ذيل الحديث، إلى أن نظر الوزير، إلى تلك الشارة الزهراء، والأبهة العظمى والحفل (¬3) الأكابر، فقال لبقي بن مخلد: يا فقيه أين هذه الهيبة والجلال من التي رأيت بتلك البلاد؟ فقال له بقي جهرا: أنتم تزيدون عليهم بثلاثة أشياء، فاستشرق الوزير إلى سماع كلامه، مستبشرا بما صرح به من الزيادة لهذه الحال على تلك، فقال له: وما هذه الأشياء الثلاثة التي ذكرت: زدنا عليهم؟ (¬4) قال: الجهل، والفقر، وقلة العقل. فخجل الوزير، وأبهت الكل، واحتملها ما (¬5) كان بينه وبينه، ولأن الأصل فهو الحق، أن الله وقاه، وكذلك وجدت الحال أنا هناك، وهاهنا بعد مائتين وثمانين عاما على تلك النسبة، وكذلك يكون إلى يوم القيامة. والله أعلم (¬6). ¬

_ (¬1) ج، ز: طهور وحياة. (¬2) يونس بن محمد أبو الوليد توفي سنة 576 م/ 1180م. (¬3) ج: الحبل. (¬4) كذا في جميع النسخ. واقترح الشيخ ابن باديس أن يكون الكلام: ذكرت أنا زدنا عليهم (ج2 ص 218). (¬5) ب: بياض بالأصل. وكتب ابن باديس اقتراحا: لما. (¬6) ب: كتب في آخرها. تمت العواصم من القواصم بحمد الله وعونه يوم الأربعاء في العشر الأوسط من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وستمائة والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين، وآله وصحبه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكتب في آخر (ج): تمت العواصم من القواصم بحمد الله وحسن عونه، وتوفيقه الجميل، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم وكان الفراغ من نسخة يوم الأحد 14 من محرم سنة 1289 م. وكتب في آخر (ز): تمت العواصم من القواصم بحمد الله وعونه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة الحرام، وفي شهور عام 1258 هـ ثمان وخمسين ومائتين وألف بعد الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. بيد الفقير لى المحسن عبده الحاج حمودة بن حمودة بوسن التونسي مولدا الطرابلسي القرباني أصلا ونسبا المالكي مذهبا، الأشعري اعتقادا كان الله له، وختم بالخير عمله آمين. نسخها لنفسه ثم لمن شاء الله بعده غفر الله زلله وجبر بنمه خلله ورحم الله آباءه وأشياخه ومعلميه وجميع المسلمين آمين.

ملحق من كتاب ابن العربي "سراج المريدين"

ملحق من كتاب ابن العربي "سراج المريدين" المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 20348 ب (المؤلفات التي أتى بها ابن العربب من المشرق) ــــــــــــــــــــــــــــــ ومن الفائدة المذكورة كتاب ابن ماكولا (¬1) في المؤتلف والمختلف، كتاب جذوة المقتبس تاريخ الأندلس، اختصار تفسير القرآن للطبري، تفسير القرآن للقشيري المسمى باللطائف والإشارة (¬2)، أسماء الله لابن فورك، أسماء الله للقشيري، الأحاديث التي خولف فيها مالك للدارقطني، اللينين (¬3) للفريابي، من الأفراد للدارقطني، صحيح الحديث للإسماعيلي، نسخة أبي زكريا، يحى بن معين من حديث يحى بن يحى التميمي، حديث هلال الحفار، مشيخة علي بن شاذان، تسمية شيوخ مالك، وسفيان وشعبة لمسلم، وفاة الشيوخ للمنادلي، ونسخة همام بن منبه، كتاب الشجر للجوزجاني في أسماء المحدثين، المدخل إلى معرفة كتاب البخاري للإسماعيلي، تسمية كل من روى عن مالك بن أنس ألف رجل تأليف الخطيب، الفصل للوصل المدرج في النقل له، طبقات الفقهاء للشيرازي، في أوهام البرادعي لعبد الحق، الخصال للعبدي، الشامل لابن الصباغ، الأساليب لأبي المعالي، والغنية له، تعليقة الخنجر في تعليقة أبي المطهر المعداني خطيب أصفهان، المشجر في نكت النظر ¬

_ (¬1) قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي (+ 447 هـ/ 1055 م) (العبر، ج 3 ص 213). (¬2) طبع أخيرا تحت عنوان: لطائف الإشارات تحقيق الدكتور إبراهيم بسيوني، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1969 م - 1970 م طبع منه أربع مجلدات. (¬3) كذا في الأصل، ولعله: كتاب اللينين.

للحاكم الاستراباذي السعيداني في عشرين ورقة بأدلة مسائل الفقه أجمع لم يؤلف بشر مثله يقول فيه: دليل يثبت مائة مسألة، وهي كذا وكذا، دليل يثبت تسعين مسألة، وهي كذا وكذا، دليل يثبت سبعين، دليل يثبت عشرة، وتسميتها هكذا، حتى تمت المسائل كلها، بلغة النظر للخجندي، أسرار الله في المسائل للدبوسي في عشرة أسفار، وقد كنت وردت من تلك الديار الكريمة، سنة خمس وتسعين فنزلت بتلمسان، وبفاس، وكنت أذكر منها مسائل، وأعجبهم من أغراضها، فما تحركت لذلك همة، ولا نشأت عزيمة، إلا لرجل واحد، علم أني إذا سئلت قراءتها أو إعارتها، أقول: هي من أواخر الكلم، فإذا أخذتم أوائلها، مكنتم منها وتاقت نفسه إليها، فرحل إلى العراق، وكتبها من مدرسة الحنفية، بمدينة السلام، وجابها، وكان ذلك من جميل صنع الله معي، فإنه لما ذهب ببعضها، عبد في الدار، أسفت لها، ولما مضى من أمثالها، مما لا أجبره، إلا بالرحلة، مرة أخرى، فأعلمت بأن هذا الرجل، جلبها فاستدعيتها، وجبرت ما فاتني منها، ولكن النسخة التي جلبها هذا الرجل سقيمة، لم يعرضها بالأم، ولا قرأها على شيخ، ففيها سقم كثير، فما سلم منها عندي صح منه، وبقي ما لم يكن عندي على سقمه، والله يصحح لنا أدياننا وعلومنا برحمته. الأكسير الأحمر لقاضي العسكر في مسائل الخلاف، وأصول الفقه له، تعليقه ابن عمروس، في نصرة مذهب مالك ستون جزءا، تعاليق مسائل الفرائض باختلاف معانيها ألفا ودليلا تأليف أبي عبد الله الفرضي الشقاق الزاهد، (ورقة 228) اختصار التقريب، والإرشاد للرازي الحنفي الإسكندراني، مدارك العقول لأبي المعالي، البرهان له، المنخول، والمنتخل، والتعليقة للطوسي (¬1)، شفاء الغليل له، عذر (¬2) الدرر تحقيق سؤال الكسر للشاشي، نفي السريجية لابن الصباغ، تحقيقها لشيخنا أبي بكر الشاشي، العقيدة النظامية لأبي المعالي، الجامعان الجلي والخفي للإسفراييني عشرة ¬

_ (¬1) أي الغزالي. (¬2) كذا في الأصل. ويمكن أن تقرأ: عزر.

أسفار، الأوسط لأبي المظفر صاحبه، غياث الأمم في التياث الظلم لأبي المعالي، المحك، المعيار، تهافت الفلاسفة، الأرباع في شرح الزهد، إعجاز القرآن للخطابي، إعجاز القرآن لابن الطيب القاضي، نقض التسديد لعبد الجليل، الاقتصاد في الاعتقاد، نقض نقض التمهيد للطبري لمهدي الوراق. استدراك أبي عمر الزاهد على ابن قتيبة في غريب الحديث، فضل الوضوء لابن شاهين، الفقيه والمتفقه للخطيب، المجلة لأبي عبيدة المثنى، ومن العربية والأشعار جملة كبيرة، مما تعود إلى تفسير القرآن، والحديث، وجردت منها جملة عظيمة، في أنوار الفجر في مجالس الذكر، معجزات محمد ألف معجزة (¬1)، قانون التأويل، شرح المشكلين، الناسخ والمنسوخ، والأحكام، سراج المريدين في القسم الرابع علم التذكير، المحصول، التمحيص، العواصم من القواصم، شرح الترمذي، المتوسط في الاعتقاد، عوالي الحديث، جملة وافرة، مما نفرت إليه، ورجعت به، مما لم أسبق إليه، وتفقهت فيه، وبه، أنذرتكم به اقتداءا بمن تلزمني طاعته، خير البشر، وأكرم البدو، والحضر، رغبة في أن أكتب فيما أخبر الله عنهم، وبشر بهم، والله ينفعني وإياكم برحمته. ¬

_ (¬1) فاتني أن أذكر من بين مؤلفات ابن العربي كتاب معجزات محمد ألف معجزة، المذكور في هذا النص، وكتاب النكاح ذكره في كتاب العواصم من القواصم (ص 370) ولعل الكتاب الأخير هو الذي ذكره بروكلمن تحت عنوان "فرائض النكاح"، وسننه، وآدابه ذكر أنه مخطوط بالقاهرة، إلا أني لم أستطع العثور عليه ( Brock 1) (412 - 525) وذكر بروكلمن أيضا في الملحق، ( S>E> 632) أن لأبي بكر بن العربي كتاب القواعد، مخطوط بالإسكوريال. كذا في جميع النسخ ولعله: بالمفعول وهو نفس ما ورد في المقاصد: (والطبع، المحض هو الفعل المنفك عن العلم

فهرست مراجع الدراسة والتحقيق

فهرست مراجع الدراسة والتحقيق - أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، تحقيق علي محمد البجاوي، البابي الحلبي، القاهرة، 1387هـ/ 1967م. - الإرشاد للجويني إمام الحرمين، تحقيق محمد يوسف موسى، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1369 هـ/ 1950م. وط. باريس بتحقيق وترجمة ليستاني وابن زكري، 1938 م. - أزهار الرياض، للمقري، القاهرة، 1942م. - تاريخ حكماء الإسلام، للبيهقي، مخطوط بدار الكتب المصرية. - تاريخ الفلسفة في الإسلام، لدى بور، ترجمة محمد بن عبد الهادي أبو ريده، القاهرة، 1357 هـ/ 1938 م. - تاريخ الفلسفة الإسلامية، لهنري كوربان، الترجمة العربية، بيروت، 1966م. - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لابن عساكر، دمشق، 1347 هـ. - التبصير في الدين، للإسفراييني، القاهرة، 1359 هـ/ 1940م. - تثبيت دلائل النبوة، للقاضي عبد الجبار، تحقيق عبد الكريم عثمان، بيروت، 1966م. - تذكرة الحفاظ، للذهبي، حيدر آباد الدكن، الهند، 1334 هـ. - التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ترجمة عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1965م. - التراتيب الإدارية في المدينة المنورة العلية، لعبد الحي الكتاني، الرباط، 1964م.

-ترتيب الرحلة للترغيب في الملة، لأبي بكر بن العربي (قطعة منها) مجموع "كتاب الأنساب" مخطوط الرباط، رقم (ك 1275). -تلبيس إبليس، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة (دون تاريخ). -تفسير شيخ الإسلام، ابن تيمية، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، بمباي، الهند، 1374 هـ/ 1954 م. -التمهيد، لأبي بكر الباقلاني، تحقيق الأب رتشارد مكارثي، بيروت، 1957م. -التنبيه والإشراف، للمسعودي، نشر عبد الله إسماعيل الصاوي، القاهرة، 1357 هـ/ 1938م. -تهافت الفلاسفة، للغزالي، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، 1357 هـ/ 1938م. - تهافت الفلاسفة، للغزالي،، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، 1966م. وط. بيروت تحقيق بويج، 1927 م. -تهافت التهافت، لابن رشد، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، القسم الأول 1964 م، والقسم الثاني 1965م. -جامع مسائل الأحكام، للبرزلي، مخطوط المكتبة الوطنية، الجزائر، رقم 1333. -جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، القاهرة، 1388 هـ/ 1968 م. -الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي، ط. 4، دار الكتاب العربي القاهرة، 1967م. -الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، محمد عبد القادر القرشي، حيدر آباد الدكن، الهند (1333). -أبو حامد الغزالي، ومعارضوه من أهل السنة، للدكتور النشار، -مجلة كلية الآداب، بغداد، العدد الأول، جزيران 1379 هـ/ 1959 م. -حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، للسيوطي، القاهرة (دون تاريخ).

- دراسات في الفلسفة الإسلامية، للدكتور محمود قاسم، مكتبة الأنجلو المصرية، ط. 1، القاهرة، 1385هـ/ 1966م. - دراسة لجمهورية أفلاطون، للدكتور فؤاد زكريا، دار الكتاب، القاهرة، 1967م. - دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، للدكتور أحمد مختار العبادي، ط. الأولى، الإسكندرية، 1968م. - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، القاهرة، 1301 هـ/. -الرد على المنطقيين، لابن تيمية، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، بمباي، 1368هـ/ 1949م. - الرسالة اللدنية للغزالي، القاهرة، (دون تاريخ). - رسائل إخوان الصفاء، المطبعة العربية، القاهرة، 1928 م. - رسائل فلسفية، لأب بكر محمد بن زكريا الرازي، نشر بأول كراوس، القاهرة، 1939م. - سراج المريدين، لأبي بكر بن العربي، مخطوط دار الكتب المصرية، رقم (30348 ب). - سانتلانا، محاضرات الجامعة المصرية، مخطوط في مكتبة أستاذنا الدكتور النشار. - سير أعلام النبلاء، للذهبي، مصور في دار الكتب المصرية، رقم (1295 ح). - الشامل، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق الدكتور النشار، وفيصل بدير عون، وسهير محمد مختار، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1969 م. - الشجرة الزكية، في طبقات المالكية، لمحمد مخلوف، القاهر 1350 هـ. - شذرات الذهب، لابن العماد، القاهرة، 1350 - 1351 هـ. - شرح الشفاء، لعلي القارئ، ط. استانبول، 1229 هـ. - شرح صحيح الترمذي، لأبي بكر بن العربي، القاهرة، 1350 م/1931 م. - الشفاء (قسم الإلهيات) تحقيق محمد يوسف موسى، وسليمان دنيا، وسعيد زايد، ومراجعة الدكتور إبراهيم مدكور، القاهرة، 1380 هـ/ 1960م.

- طبقات الشافعية، للسبكى، ط. الأول، المطبعة الحسينية، القاهرة، 1323 هـ. - العبر في خبر من غبر، للذهبي، الكويت، 1960 - 1966 م. - العقيدة والشريعة في الإسلام، لجولدزيهر، ترجمة محمد يوسف موسى، عبد العزيز عبد الحق، علي حسن عبد القادر، دار الكتاب المصري، 1946م. - العقيدة النظامية لإمام الحرمين، تحقيق زاهد الكوثري، القاهرة، 1367هـ/ 1948م. - الاعتصام، للشاطبي، القاهرة، 1332هـ/ 1948م. - العواصم من القوا صم، ط. الشيخ عبد الحميد بن باديس، قسنطينة، الجزائر، ج 1: 1345 م / 1926 م، ج: 2: 1346 م / 1927 م. - فلاسفة الإسلام في المغرب العربي، منشورات جميعة نبراس الفكر، تطوان- المغرب، 1379 م/ 1961 م. - الفلسفة الإسلامية، منهج وتطبيق، للدكتور إبراهيم مدكور، ط. الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1968م. - الفلسفة عند اليونان، أميره حلمي مطر، دار النهضة الغربية، القاهرة، 1968م. - فهرست ما رواه عن شيوخه، أبو بكر بن خير الإشبيلي، ط. سرقسطة، 1983م. - في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق واليونان، للدكتور محمود قاسم، ط. 4، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، 1969م. - القسطاس المستقيم، للغزالي، القاهرة، (دون تاريخ). - قانون التأويل، لأبي بكر بن العربي، مخطوط دار الكتب المصرية، رقم (184 تفسير). - كتاب الأربعين في أصول الدين، للغزالي، القاهرة، 1344 م. - كشف الظنون، عن أسماء الكتب والفنون، لحاجي خليفة، القاهرة، 1310 هـ.

- المأدبة لأفلاطون، دراسة وترجمة الدكتور النشار، والأب جورج شحاتة، وعباس الشربيني، الإسكندرية، 1970 م. - مؤلفات الغزالي، للدكتور عبد الرحمن بدوي، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، القاهرة، 1380 هـ/ 1961 م. - المباحث المشرقية، للرازي، حيدر آباد الدكن، 1343 هـ/ 1924 م. - مجلة الأزهر، عدد ذي الحجة 1389 هـ/ فبراير 1970 م. - مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الرابع، الجزء الأول، شوال 1377 هـ/ مايو 1958 م، والمجلد الخامس، الجزء الأول، ذو القعدة سنة 1378 م / مايو 1958 م، والجزء الثاني، جمادي الأولى 1379 هـ/ نوفمبر 1959 م. - محاضرات في الفلسفة الإسلامية، ط. الأولى، الدكتور يحيى هويدي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1966 م. - مدخل الشرع، لابن الحاج، المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، 1348هـ/ 1929م. وط. الباب الحلبي، القاهرة، 1380 هـ/ 1929م. - المدينة الفاضلة، للفارابي، القاهرة، (دون تاريخ). - المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، للمالقي، نشر ليفي بروفنسال، القاهرة 1948م. - المسالك شرح موطأ مالك، لأي بكر بن العربي، مخطوط بالمكتبة الوطنية، بالجزائر، رقم (425). - مشكاة الأنوار للغزالي، القاهرة، (دون تاريخ). - معارج القدس في مدارج معرفة النفس، للغزالي، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، (دون تاريخ). - الملل والنحل، لابن حزم، المطبعة الأدبية، القاهرة، 1320 م. - مناهج الأدلة في عقائد الملة، لابن رشد، مع مقدمة في نقد مدارس علم الكلام، للدكتور محمود قاسم، ط. الثانية، مكتبة الآنجلو المصرية، 1964م.

- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، حيدر آباد الدكن، الهند، 1359 هـ. - المنقذ من الضلال للغزالي، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود، القاهرة، 1388 هـ / 1968م. - من تاريخ الإلحاد في الإسلام، درسات ألف بعضها، وترجم الآخر، عبد الرحمن مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1945 م. - منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، القاهرة، 1382هـ/ 1962م. - موافقة صريح المنقول لصريح المعقول، ط. القاهرة، (دون تاريخ). - ميزان العمل، للغزالي، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، 1964م. - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ليوسف بن تغري بردى، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1349 هـ- 1359 م/ 1930 م- 1956 م. - نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، للدكتور النشار، ط. 4، دار المعارف، الإسكندرية، 1966م. - نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، القاهرة، 1302 هـ. - نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني، ط. ألفرد جيوم، (دون تاريخ) (¬1). -- Encyctopédia de l'Islam. -…Goldziher, Education (Muslum) de Encyclopédia of religion and Ethics, ed. by j. Hastings. V.3, Edinbergh, 1913. -…Imam el - Haramein, édité et traduit par j - D. Luciani, Librairie Ernest Leroux, Paris, 1938. -…Maurice Bouyges, Essai de chrologie des Oeuvres d'AlGazali , édité et mis à jour par Michel Allard, Imprimerie Catholique, Beyrouth, 1959, P. 159. -- Pearson, J.D. Index Islamicus, Cambridge, England, 1962. ¬

_ (¬1) لم نشر إلى بعض المراجع هنا، اكتفاء بذكرها في الهوامش.

§1/1